الديموقراطية التشاركية و التدبير المحلي

 رسالة بعنوان: الديموقراطية التشاركية و التدبير المحلي نحو مقاربة جديدة للتنمية المحلية PDF

الديموقراطية التشاركية و التدبير المحلي نحو مقاربة جديدة للتنمية المحلية PDF

مقدمة :
يعيش عالم اليوم عامة والعالم العربي خاصة مجموعة من التقلبات والتغيرات التي تهدف إلى تركيز أسس ممارسة السلطة على قواعد الحكم الديمقراطي، من أجل مواجهة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار أوسع من المشاركة، وبتوزيع عقلاني وفعال للمسؤوليات كما أن الفترة التي نعيشها حاليا تتميز بمعالم التحول الجذري، الرامى إلى إرساء نهج جديد وأسلوب حديث لإدارة القضايا الترابية بنقل جزء من سلطات القرار من المركز إلى الضاحية تخفيفا للعبء عن الدولة. 

ويرجع هذا التحول إلى أن المبررات التي كانت سارية وطبقت من قبل انتهاج المركزية المشددة لم تعد ملائمة، الشيء الذي فرض نهج مقترب جديد في تدبير الشأن العام للدولة، بإتباع أسلوب اللامركزية كأحد الأوجه الأساسية في تدبير الشؤون اليومية للساكنة المحلية، لذلك اعتبرت اللامركزية شرطا ضروريا في مختلف عمليات التنمية، ومظهرا من مظاهر الفعالية والديمقراطية المحلية"، ويعتبر المغرب إحدى الدول التي راهنت منذ السنوات الأولى من الاستقلال على الخيار اللامركزي كأسلوب التنظيم الإداري يتوخى من خلاله فسح المجال لوحدات ترابية لامركزية لتضطلع بمسؤولية تدبير الشأن العام المحلي بكل أبعاده السياسية والاقتصادية إلى جانب السلطة المركزية. 

تأتي اللامركزية إذن في سياق البحث عن توازن سياسي جديد،وتصور جديد للمجال باعتباره ركيزة أساسية للتغلب على مجموعة من توزيع جديد للسلطة المشاكل والاختلالات. باعتبارها أداة لبلورة الديمقراطية المحلية، والاستجابة لمطالب المواطن المحلي، واحترام حرياته وإرادته في المشاركة في تدبير الشأن العام المحلي، وتقريب الادارة من المواطنين.

وفي هذا الخضم فإن القرار المحلي لم يعد قرارا فرديا تنفرد باتخاذه فقط السلطة المختصة، بل إن التطورات الحديثة في علم الإدارة أصبحت تفرض ضرورة إشراك الفاعلين المحليين الاخرين على المستوى المحلي عبر النهوض بعملية التواصل والشراكة وكذا باعتبارها من اليات مشاركة المواطنين ومكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وكذا عبر اعتماد مخططات تنموية تشاركية"، فكسب رهان التنمية، أصبح ضرورة ملحة في عصرنا الحاضر خصوصا مع تزايد المطالب والاحتياجات المجتمعية، ولعل البحث في كسب هذا الرهان يقودنا إلى الحديث عن أنجع الوسائل والاليات الحديثة لتحقيق هذا الهدف، ويتمثل في الحكامة باعتبارها منهجية لتدبير العملية التنموية. وقد أصبح الان مفهوم الحكامة أكثر توسعا ومرونة مستوعبا بذلك أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادي، حتى أضحى موضوعا مشتركا بين جميع العلوم وتطبيقاتها ومناهجها فهناك حكامة اقتصادية وحكامة اجتماعية وحكامة سياسية وكذلك ثقافية وإدارية وأمنية وغيرها ...

وإن السياق العام الذي يعيشه العالم، والمتمثل في الانسياق التدريجي إلى لامركزية القرار التنموي، يدفعنا إلى الحديث أيضا عن ضرورة التفكير في مناهج جديدة للعمل التنموي، ولعل الديمقراطية التشاركية تعد أبرز هذه المناهج التنموية، لأنها ترتكز على عدة مستويات تفاعلية، بما فيها التنشيط الترابي الذي أصبح من الأدوات الناجعة لجعل المجتمعات تشارك بفاعلية في العملية التنموية .

وعرف المغرب منذ سنة 2011 تحولا نوعيا ومتميزا، في مسار التحول الديمقراطي الدينامية الاحتجاجية التي الذي عرفه منذ مطلع الاستقلال، حيث تفاعل النظام السياسى مع أطلقتها حركة 20 فبراير برفعها شعارات استجاب لها الخطاب الرسمي لتشكل نضج غير مسبوق وتكرس لمسار جديد في تطور التجربة الديمقراطية المغربية.

ومن هنا فقد استطاع المغرب أن يستجيب للمطالب التي تم رفعها لمناسبة الربيع الديمقراطي باعتباره يمثل إحدى التجارب القليلة في المنطقة التي تعيش تحولا نوعيا في ظل الاستقرار السياسي، وليفتح الطريق أمام خيار الاصلاحات في الوثيقة الدستورية إمكان التحقق والرهان على خطة الإصلاح في ظل الاستقرار، بأنه الخط الذي يجنب مالات الثورات العميقة وما قد يعقبها من انهيارات في بنية الدولة والمجتمع.

فالتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أصبحت تفرض أكثر من أي وقت مضى، انخراط كل المكونات الفاعلة في المجتمع، والقيام بعمل تنسيقي وتكاملي بين جميع الفاعلين لاستيعاب هذه التحولات وكسب رهان التنمية الشاملة والمستدامة؟

في إطار هذا التوجه الجديد أصبح الاهتمام منصبا أكثر على الجماعات الترابية وبالمجتمع المحلي بمختلف فاعليه باعتباره المجال الأمثل لتحقيق الشراكة المرجوة، فبعدما انحصر دور الجماعات المحلية في وظيفة إدارية محضة لفترة طويلة دون أي دلالة اقتصادية تنموية، شهدت العديد من المجتمعات انطلاق سياسات جديدة لتطوير اللامركزية والرفع من الشأن المحلي والمجالات الترابية.

إن كل من يرصد مسار تطور اللامركزية بالمغرب يمكنه أن يلاحظ أن ذلك كان بمصير الجماعات المحلية وهذه الأخيرة تطورها كان من خلال حجم الاختصاصات بالأساس، وبالنقاش المستمر حول وعاء الوصاية وتقنياتها. وبهذا الشكل حولت اللامركزية الاختصاصات  الدولة للجماعات لكن لم تحول المسؤوليات تجاه المواطنين والمجتمع المدني. 

فقد بقى هؤلاء سلبيين وغير معنيين إلا بالتنفيذ أو الانتقاد تجاه كل من يملك جز ء من المسؤولية (الرؤساء والمستشارين والمعارضة والسلطة المحلية ووزارة المالية ... ).

ومؤخرا يتم الحديث عن التنمية التشاركية والديمقراطية التشاركية وغير ذلك مما يوحي بالاقتناع بأهمية ودلالة إدماج المواطن والمجتمع المدني في اختيار القرارات والمشاريع بل والقوانين. كما أن التنمية المحلية بمفهومها الحديث تأخذ بعين الاعتبار ماراكمته التجارب إيجابيات ناجحة : المشاركة، مقاربة النوع، التشخيص التشاركي، التخطيط الاستراتيجي المبني على النتائج، تدبير المشاريع؟

فالديمقراطية التشاركية تأخذ بعدا أكثر شموليا واتساعا على مستوى المشاركة فهى تتعدى مساهمة الفئة المنتخبة لكي تشمل الفئة الناخبة وحتى غير الناخبة، إذ يسمح بتوسيع قاعدة المشاركة لتشمل جميع الفئات المعنية. 

وذلك بالنظر إلى أنه ليس كل المواطنين قادرين على المشاركة وبالتالي ينبغي فسح المجال للقادر على المشاركة ومساعدة غير القادر على ذلك، لأن التنمية ليست إلا تعاونا بين المجهود الشعبي القاعدي والحكومي لتحسين نوعية الحياة، وبالتالي فإن صعوبة ممارسة العملية التنموية تتجلى في التدخلات المتعددة لأطرافها، بقدر ما تحتاج إلى تفاوضات عدة للوصول إلى تلقائية ترضي جميع الأطراف المعنية و كذا المتدخلة الممثلة وغير الممثلة وذلك عبر جسر الديمقراطية التشاركية!

وترتكز الديمقراطية التشاركية من جهة، كما عبر عن ذلك الفيلسوف البراكماتي "جون ديوي"، على مواطنة نشطة مطلعة وعارفة وعلى تكوين مواطنين نشطين قادرين على تصريف قدراتهم في التنقيب والبحث بأنفسهم عن حلول ملائمة لقضاياهم. وترتكز من جهة أخرى على إرادة لدى السلطات والمؤسسات السياسية والتمثيلية في تقاسم هذه السلطة، من أجل جعل الوظيفة الديمقراطية تتمحور أكثر حول تحسين أوضاع الناس.

برزت الديمقراطية التشاركية، ليس لإلغاء الديمقراطية التمثيلية كليا، ولكن لتتجاوز لقد قصورها وعجزها على التفاعل والتجاوب مع معطيات اجتماعية جديدة، التي تتمثل في ظهور حركات وتعبيرات اجتماعية تعرف اتساعا متزايدا (حركات نسائية وبيئية وحقوقية واجتماعية وتنموية ...). كل هذه التكتلات لا نجد في الديمقراطية التمثيلية قنوات للتعبير عن حاجاتها ومطالبها وإيجاد حلول لها، ولا منفذا لموقع القرار السياسي لتداولها. في حين تعتبر الديمقراطية التشاركية ديمقراطية فاعلة، لحل المشاكل عن قرب، وضمان انخراط الجميع، وتطوير التدبير المحلي والوطني عن طريق التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. وتنمية الادارة السياسية لدى المنتخبين، وتوفير الأمن الاجتماعى، والتربية على ثقافة التوافق. والأخذ بعين الاعتبار حاجات الجميع، وتتجدد الديمقراطية بناء على المواطنة والمدنية المنفعة العامة. وتوفير المعلومة والتدبير الشفاف والمساهمة فى اتخاذ القرار، والانتقال من المحلي إلى الوطنى).

من خلال الجمع بين الديمقراطيتين التمثيلية والتشاركية، يمكن القول بأن الأفراد يساهمون في تدبير الشأن العام. فالمواطنون يختارون ممثليهم لتمثيلهم والسهر على تدبير شؤونهم العامة، وفي الوقت نفسه يشاركون في صنع القرار من خلال المشاركة في النقاشات المحلية المتعلقة بالرامج التي تهدف إلى تحسين جودة حياتهم. ويمكن اعتبار الديمقراطية ناقصة عندما تقتصر على النموذج التمثيلي فحسب، بعبارة أخرى لكي تصبح الديمقراطية كاملة يلزم إضافة مشاركة المواطن في تدبير الشأن العام عبر استشارات واسعة قبل البدء في صياغة وتنفيذ المشاريع، وكذا القيام باجتماعات عمومية مع الأفراد المدنيين المعنيين بتلك المشاريع؟

ذلك أن الديمقراطية التشاركية هي نتاج تداخل عدد كبير من الديمقراطيات أو المفاهيم الديمقراطية السائدة، وهي في الحقيقة استعانة بعدد من اليات الديمقراطية المباشرة لتدعيم وإصلاح وإنقاذ الديمقراطية التمثيلية نتيجة للأزمة والأفق المسدود الذي تعيشه.

ومنه يمكن اعتبار الديمقراطية التشاركية ممارسة جديدة داخل التجربة المغربية، فقد كانت إلى عهد قريب جزءا من اللامفكر فيه لدى المسؤولين والمؤسسات السياسية، وذلك بسبب الظروف التي حكمت تدبير الشأن العام بصفة عامة والمتمثلة خاصة في منطق الصراع والخوف الذي ميز علاقة الفاعلين السياسيين بالسلطة.

إلا أن النقاش العمومي الذي فرض نفسه بعد تاريخ 20 فبراير والخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 وسع من دائرة الديمقراطية التشاركية لتشمل جل الفاعلين وكل القوى المؤثرة في صناعة القرار داخل المغرب. هذا النقاش فتح للمجتمع المدني بكل أطيافه هامش المشاركة بارائه في الاصلاح وتقديم البديل للمشاكل المستعصية على اعتبار أهمية تجربته وقربه من نبض الشارع؟

فمن الأهداف الجوهرية للديمقراطية التشاركية هو سد الثغرات التي تشوب الديمقراطية التمثيلية. فهذه الأخيرة لا تقحم المواطن في تدبير الشأن العام إلا دوريا من خلال الإدلاء بصوته في الانتخابات كل خمس سنوات. فمساهمته تنحصر في عملية التصويت لتعبين من سيمثله على مستوى من المستويات الترابية.

وبالمقابل، فالديمقراطية التشاركية تسمح للمواطن والجمعيات بأن يشاركوا في تدبير الشأن العام بشكل مستمر من خلال المراقبة والمواكبة للمسلسل التقريري بعد إجراء كل اقتراع .

وبالتالي نلاحظ أنه قد طرأت على تدبير الشأن العام المحلي مجموعة من التحولات، الأمر الذي يفرض بدل الجهود لجعل الجماعات الترابية تواكب كل التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ لم يعد دور الجماعة ذلك الدور الإداري الصرف المنحصر فى مجموعة من الإجراءات والمساطر، بل أصبحت الجماعة الترابية حلقة إنتاجية ضمن مسلسل التدبير المحلي، الأمر الذي يقضي منها إيجاد الحلول والبدائل الممكنة لتحقيق إقلاع تنموي على المستوى المحلي، إلا أن ذلك يلزمها التوفر على موارد مالية مهمة لتؤدي أدوارها كاملة فيما يتعلق بخلق الاستثمار وإنتاج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تحسين خدمات المرافق العامة المحلية، وخلق مشاريع وأوراش تنموية، وكا ذلك لن يتأتى إلا إذا عملت الجماعات الترابية على إشراك كل الفاعلين المحليين ولاسيما الخواص في الجانب الاقتصادي، والمجتمع المدني في الجانب الاجتماعي.

ولا شك أن التجربة المغربية بعد التصويت على دستور 2011 دخل المغرب على إثرها مرحلة جديدة، من حيث التقعيد الدستوري لهذا الاختيار، وذلك من خلال تخصيص الباب الثاني للحريات والحقوق الأساسية والتركيز على الحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة، والديمقراطية المواطنة والتشاركية. واعتبارا أن الاختيار الديمقراطي من الثوابت الجامعة للأمة، وحدد أسس الحكم بأنه " نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية والديمقراطية المواطنة والتشاركية  كما نص الدستور الجديد من خلال مجموعة من الفصول على انخراط كل المكونات الفاعلة في المجتمع، والقيام بعمل تنسيقى وتكاملي بين جميع الفاعلين، لاستيعاب هذا التحول وكسب رهان التنمية الشاملة والمستدامة. 

ومن بين هذه المكونات الفاعلة التي أصبحت تنخرط وبشكل فعال في القيام بمجموعة من الأدوار التكميلية في مجال التنمية نجد المجتمع المدني الذي بدوره يتغير مفهومه من وقت لآخرة. وقد تعددت التعاريف التي تناولت هذا المفهوم، حسب رؤية كل باحث وحسب الوسط الذي إنبثق منه وحسب المؤشرات التي تحيط بميلاده وتمظهره، لذلك فالإحاطة الشاملة والكاملة بكل المقتضيات المعرفية والتاريخية لهذا المفهوم تصبح أكثر صعوبة، لكن لا يمنع من محاولة مقاربة مفهوم المجتمع المدني والتاريخ لتطوره، وهكذا نجد أن بداية الحديث عن المجتمع المدني انطلق من التجربة التي مرت بها المجتمعات الأوروبية في القرنين 17 و 318، كما تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة !

فلا يمكن أن ينمو المجتمع المدني وتنضج مؤسساته في ظل مناخ غير ديمقراطي، فهناك ارتباط قوي بين تطور المجتمع المدني والانتقال إلى الديمقراطية في أي مجتمع من المجتمعات. 

من جهة أخرى تعتبر مؤسسات المجتمع المدني ضرورية لعملية التقدم بل لعملية التنمية - بمعناها الاقتصادي والاجتماعي والبشري والروحي كذلك - فهي تملا الفراغات والمناطق التي تعجز الدولة عن استيعابها كما أنها تحول طاقة الشعب المهدرة والخاملة إلى طاقة مركزة وعاملة؟

وبهذا تعتبر الديمقراطية التشاركية مدخلا أساسيا لا يمكن تجاوزها في التنمية. حيث تتجسد بشكل فعلي داخل البنيات والأحياء والتي تعتبر الالية الأساسية لمشاركة السكان في وضع التصورات التنموية وباعتبارها تشكل فضاء غير متجانس بفعل التفاوت الاجتماعي والاختلالات المجالية، كما لا يخفى أن أثر الثقافة السياسية في هذا السياق الذي يتجسد فيها شعور بالمواطنة تعرف مشاركة متزايدة في الحياة السياسية، بالمقارنة مع الدول التي يتسم الأفراد فيها نوع من اللامبالاة تجاه الدولة والجماعات الترابية".

وقبل الخوض في ثنايا الموضوع، يتعين الوقوف عند جوانبه المفاهيمية : الديمقراطة التشاركية : تمثل جملة من الاليات والإجراءات التي تمكن من إشراك المجتمع المدني والمواطنين عموما في صنع السياسات العامة وتمتين الدور الذي يلعبونه في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة، سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد المحلي.

 وتستهدف الديمقراطية التشاركية دمقرطة الديمقراطية التمثيلية التي ظهرت جليا بعض عيوبها وتعزيز دور المواطن الذي لا ينبغي أن يبقى دوره منحصرا فحسب في الحق في التصويت أو الترشح والولوج إلى المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، بل يمتد ليشمل الحق في الاخبار والاستشارة وفي التتبع والتقييم، أي أن تتحول حقوق المواطن من حقوق موسمية تبدا مع كل استحقاق انتخابي وتنتهي بانتهائه إلى حقوق دائمة ومستمرة ومباشرة وتمارس بشكل يومي وعن قرب.

التدبير المحلى : هو ذلك التدبير العقلاني لمجموع الأمور والقضايا والخدمات التي ترتبط بحياة السكان المحليين ومصالحهم، والتي تتولى الجماعات الترابية على صعيد وحداتها الترابية إشباعها، حيث تمتد إلى كافة الميادين والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والبيئية، التي لا تقبل مسألة توفيرها أو السعي في إيجادها التأجيل، ابتداءا من توفير السكن اللائق بكل تجهيزاته الضرورية من ماء صالح للشرب وإنارة وربط بشبكة التطهير وغيرها من الامور الضرورية والإستعجالية التي تدخل في خانة تحقيق المنفعة العامة.

التنمية المحلية : ليس هناك تعريف دقيق لها، مما يجعل هذا المفهوم مفتوحا ومتجددا، يفسح المجال للعديد من التفسيرات والتجارب. وبتحليل الخطوط العريضة لهذا المصطلح، يمكن القول بأنه تعبير عن شكل تنموي لتراب مناسب، يساهم فيه كل المتدخلين المحليين عموميين وخواص، اقتصاديين واجتماعيين، منتخبين ومجتمع مدني، بغرض خلق ديناميكية على المدى البعيد، في احترام تام للقيم التي تجعل من الإنسان محورا لكل نسق. وقد برزت التنمية المحلية كحل لإحداث التنمية الشاملة، فالطريق الوحيد لهذه الأخيرة هو التنمية الأفقية التي ينخرط فيها كل السكان والتي تشمل جميع المناطق المنكوبة للتراب الوطني، فالدولة مثلا ترسم الأهداف والتوجهات المطلوبة لتقدم كل قطاع والتطبيق يتم من المحلي إلى الوطني، ومن بين الدوافع أيضا للتنمية المحلية هو تنويع النشاط الاقتصادي في مجال محدد.

أهمية الدراسة :

تنبع أهمية هذه الدراسة من هدف أساسي المتمثل في مدى فهم ومعرفة الدور التنموي الذي تلعبه الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي وضبط المفاهيم المتعلقة بها وبدور مختلف المتدخلين في هذا المجال بالإضافة إلى تسليط الضوء على التشريعات الصادرة في هذا الميدان .

هذا إضافة إلى كون ما يدفعنا لإلى محاولة التدقيق في الديمقراطية التشاركية هو سيادة الاعتقاد لدى البعض أنها بمثابة مشاركة الفاعلين وذوي الرأي السديد، في حين أن هذه الأخيرة تتأسس على الاعتماد أولا على عملية الإشراك وليس المشاركة التلقائية فقط، وثانيا دفع غير الفاعلين للمشاركة. وعليه فإن سوء فهم هذه المقاربة يجعلنا محصورين دائما في الفئات القادرة على المشاركة، والتي قد يكون تأثير مشاركتها ناقصا أو مصلحيا، يحمل أهدافا ضيقة ومرتبطة بالفاعل نفسه دون إعطاء الفرصة للفئة الغائبة، والتي قد تأتي بمعلومات واقتراحات قيمة، قد لا نلقي لها بالا إلا بعد تنفيذ المشاريع التنموية، خصوصا حينما تبوء بالفشل.

من جهة أخرى، تعتبر الديمقراطية التشاركية حقلا للتكوين والتكون والتدريب والتدرب، أي أن العمل بمنهاجها يعطي للفرد فرصة لتعليم الاخرين، وفي نفس الوقت للتعلم من الاخرين، الشيء الذي يلزمه مهارات عالية لاستيعاب هذه الفلسفة ااتعليمية، كما تعد هذه في مستقبل الفضاءات تنمويا وثقافيا المقاربة استشرافية وتنبؤية وتساؤلية، حيث تبحث وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا... .

أسباب اختيار الموضوع :

أجملها أساسا في الرغبة في المعرفة المعمقة بموضوع الديمقراطية التشاركية ودورها في المساهمة في تدبير الشأن العام المحلي في ظل التوجه الجديد للدولة ومعالجة الدور الأساسي للمجتمع المحلي في صنع قراراته، بهدف التوصل إلى تأصيل عملي ومنهجي لهذا الموضوع وتطويره مستقبلا، وكذلك الرغبة في تقديم الجديد في الموضوع وفهم علاقة الديمقراطية التشاركية بالتدبير المحلي وأثرها على التنمية المنشودة، هذا بالإضافة إلى الميول الشخصى لهذا الموضوع.

أهداف الدراسة :

تحديد أسباب وأزمة الديمقراطية التمثيلية التعريف بالديمقراطية التشاركية وإعطاء صورة واضحة حول أهمية تطبيقها
• توضيح مساهمة الديمقراطية التشاركية في تحقيق التنمية
• تبيين عوائق تطبيق الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلى
• تقديم صورة واضحة نسبيا عن واقع الديمقراطية التشاركية من خلال تجارب بعض الدول الغربية المعتمد :

فرضت طبيعة موضوع البحث استعمال المنهج المقارن كمنهج رئيسي لدراسة أسس واليات الديمقراطية التشاركية.

كما تمت الاستعانة بالمنهج الوصفي التحليلي الذي يعتمد على المقاربة القانونية لمختلف المقتضيات التشريعية ذات الصلة المباشرة بالموضوع ، ومن اجل فهم وظيفة كل نسق داخل منظومة تدبير الشأن العام المحلي سيتم توظيف المنهج البنيوي الوظيفي، وهو منهج يحيل على معرفة وظائف وأدوار مختلف الفاعلين المحليين ومدى تأثيرهم في صناعة القرار المحلي.

إشكالية الموضوع :

الديمقراطية التشاركية هي شكل من أشكال التدبير العمومي المشترك للشأن العام المحلي يتأسس على تقوية مشاركة السكان في اتخاذ القرارات من خلال الاليات الجديدة التي كرسها الدستور المغربي الجديد في هذا الإطار وكذا القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وعلى هذا الأساس فإننا من خلال هذه الدراسة سنحاول أن نتطرق إلى الديمقراطية التشاركية في إطار علاقتها بالتنمية، ليصبح لهذه الديمقراطية التشاركية معنى متصلا بالوحدات الترابية المكلفة بصناعة تنميتها الذاتية.

ومنه نتساءل : إلى أي حد يمكن أن تساهم الديمقراطية التشاركية في تحقيق التنمية المحلية وحسن تدبير الشأن المحلي بأسسها وآلياتها ؟

وانطلاقا من هذه الإشكالية الرئيسية لموضوع البحث تتفرع عنها مجموعة من الأسئلة تطرح كالاتي :

- ما مدى نجاعة الإطار القانوني الذي حدده المشرع المغربي لتفعيل تطبيق الديمقراطية التشاركية ؟
- كيف يمكن للديمقراطية التشاركية أن تساهم في تحقيق التنمية من خلال التدبير المحلى ؟
- ما هي البصمة الإيجابية للديمقراطية التشاركية في تصحيح وتحسين تدبير الشأن المحلي ؟
- ما هي عوائق وسبل إنجاح تطبيق الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي ؟

للإجابة على هذه التساؤلات وتحليل عناصرها ارتأينا عرضها في فصلين كالاتي :

الفصل الأول : التدييد المحلي من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية

الفصل الثاني : الديمقراطية التشاركية وافاق التنمية المحلية من خلال نماذج مقارنة

---------------------------

لائحة المراجع :

الكتب :

- ادريس جردان : تأملات حول الحكامة والتنمية الترابية بالمغرب، الطبعة الأولى، مطبعة سبار طيل، طنجة، سنة 2014، ص : 45؛
- الحاج شكرة : الإدارة المركزية والجماعات الترابية، الطبعة الأولى، سنة 2016؛
- بهيجة هسكر : الجماعة المقاولة بالمغرب، الأسس، الممكنات والرهانات،سلسلة اللامركزية والادارة المحلية، الطبعة الأولى، الرباط، سنة 2OlO؛
- حسن طارق : الدستور الجديد للمملكة المغربية، دراسات مختارة، سلسلة مواضع الساعة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 82/2013؛
- رشيد السعيد وكريم لحرش : الحكامة الجيدة ومتطلبات التنمية البشرية المستدامة بالمغرب، الطبعة الأولى، سنة 2009؛
- عبد الله حارسي : تعزيز مشاركة الجمعيات رافعة للحكامة فى المغرب، منتدى بدائل المغرب رنامج تقوية، دجنبر 2015؛
- عبد الله حارسي : دراسات في القانون العام، 2015؛
- عبد الرحمان الماضي : الحكامة الترابية التشاركية، منظور تشاركي لدور الساكنة والمجتمع المدني في التدبير الترابي، منشورات حوارات مجلة الدراسات السياسية والاجتماعية، سلسلة أطروحات وأبحاث، العدد 2، سنة 2014
- عبد العزيز أشرقي : الحكامة الجيدة: الدولية - الوطنية - الجماعية ومتطلبات الإداة المواطنة، مطبعة النجاح الحديدة، الدار البيضاء، سنة 2013؛
- عبد العزيز أشرقي: الحكامة الجيدة ومتطلبات الإدارة المواطنة، الطبعة الأولى،
مطبعة دار السلام، الرباط، سنة 2009؛

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -