القرار الإداري بالمغرب

 مقال بعنوان: القرار الإداري بالمغرب 

القرار الإداري في القانون الإداري المغربي

مقدمة :
يُقصد بالقرار الإداري من الناحية اللغوية أنه من الفعل أقر، يُقر، ويعني استقر، وقد عرفه العالم "موريسهوريو" على أنه "إعلان للإدارة بهدف إحداث أثر قانوني على الفرد أو مجموعة أفراد، ويكون صادراً عن قيادة إدارية في شكل تنفيذي أو بشكل ينتج عنه تنفيذ مباشر"، كما عرفه آخرون على أنه " عمل قانوني يتم إصداره بإرادة سلطة إدارية في البلاد، وينتج عنه آثار قانونية لإحداث وضع قانوني جديد أو إلغاء أو تعديل وضع قائم. أما التعريف الذي تم الاتفاق عليه هو" إفصاح سلطة إدارية ضمن القانون عن إرادتها المُلزمة لما تتمتع به من سُلطة قانونية، وضمن اللوائح والتعليمات من أجل إحداث وضع قانوني يصب في المصلحة العامة".
تعد القرارات الإدارية من بين الوسائل القانونية التي منحها المشرع للسلطات الإدارية من أجل القيام بالمهام المنوطة بها في مجال تسيير المرافق العمومية، وفي مجال الشرطة الإدارية .فما هو مفهوم القرار الإداري (المبحث الأول)، وما هي أنواعه (المبحث الثاني)،وما هي قواعد إعداده (المبحث الثالث) وسريانه (المبحث الرابع) ونهايته (المبحث الخامس) ؟



المبحث الأول: مفهوم القرار الإداري

يعرف كل من الفقه والقضاء القرار الإداري بأنه تصرف قانوني صادر عن الإرادة المنفردة للسلطة الإدارية من أجل ترتيب آثار قانونية. فقد عرفته المحكمة الإدارية بوجدة بأنه إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكنا وجائزا قانونا ابتغاء المصلحة العامة[1]. كما عرفته المحكمة الإدارية بأكادير في أحد أحكامها بأنه إفصاح الإدارة عن إرادتها المنفردة والملزمة لإحداث أثر قانوني أو تعديله أو إلغاءه.

المبحث الثاني: أنواع القرارات الإدارية

المطلب الأول: القرارات الصريحة والقرارات الضمنية

القرارات الصريحة هي القرارات التي تصدر وهي تعبر بوضوح عن إرادة السلطة الإدارية دون أن يطالها أدنى شك، ويتحقق هذا الإفصاح الصريح للإرادة من خلال الكتابة إلا أن هناك طرقا أخرى يمكن أن يتحقق بها هذا الإفصاح من خلال الكلام الشفهي وحتى من خلال الإشارة. وفي هذا قضت المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها بتاريخ 25/4/1996 بأن "القرار الشفوي الذي يحدث أثرا في المركز القانوني للطاعن يعتبر قرارا إداريا قابلا للطعنبالإلغاء"[2].
أما القرارات الضمنية فهي قرارات تنتج عن سكوت السلطة الإدارية لمدة معينة عن الرد على طلبات الأفراد. وقد يعتبر هذا السكوت بحسب الحالات إما قرارا بالرفض أو قرارا بالإيجاب.

المطلب الثاني: القرارات الإيجابية والقرارات السلبية

القرارات الإيجابية هي القرارات التي تكون في مصلحة المخاطب بها كتلك التي تمنح امتيازا معينا أو تعطي حقا أو ترخيصا. أما القرارات السلبية فهي على خلاف الأولى تتضمن إلتزاما على عاتق المخاطب بها. على نحو القرار المتضمن لضريبة ما أو القرار الذي يحرم أحد الأفراد من الاستفادة من امتياز أو ترخيص أو القرار المتضمن لإكراه ما.

المطلب الثالث: القرارات التنظيمية والقرارات غير التنظيمية

يعتبر التميز بين هذين النوعين من القرارات الإدارية أهم تمييز على الإطلاق.
عرف الفقه الإداري القرار التنظيمي بأنه القرار الذي ينصب على مركز عام ومجرد خلافا للقرار الإداري غير التنظيمي الذي يتعلق بمركز خاص وفردي[3]. والقرار غير التنظيمي قد يكون قرارا فرديا أو قرارا جماعيا. وعن هذا التمييز تقول الغرفة الإدارية في أحد قراراتها: "القرارات التنظيمية هي تلك القرارات المتعلقة بطائفة من الأشخاص المجهولة هويتهم وغير المحدد عددهم وهي قرارات عامة ومجردة على خلاف القرارات الفردية التي تتعلق بعدد محدود من الأشخاص المعروفة أسماؤهم أو الممكن التعرف عليها"[4].
وعليه، فإن القواعد العامة والمجردة التي يتضمنها القرار التنظيمي تقربه كثيرا منالقانون من حيث موضوعه إلا أن الصفة الإدارية تبقى تميزه فهو قانون من الناحيةالموضوعية والمادية وقرارا إداريا من الناحية العضوية لإنه متخذ من قبل سلطة إدارية.
ينص الدستور الحالي على القرار أو المقرر التنظيمي في الفصل 90 كالتالي:" تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها"، ويستعمل الدستور مصطلحات أخرى للدلالة على القرارات التنظيمية كعبارة السلطة التنظيمية المنصوص عليها في الفصل 90 "يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية" وكذا في الفصل 140" تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها". كما يستعمل عبارة المجال التنظيمي في الفصل 92 "يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون" أو على المراسيم التنظيمية في الفصل 92، أو على النصوص التنظيمية في الفصل 145 "يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون ،وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها ."...

المبحث الثالث: إعداد القرار الإداري

يعد القرار الإداري من قبل سلطة تنعم بالاختصاص (المطلب الأول) وفق إجراءات معينة (المطلب الثاني)، وفي أشكال وصور مختلفة (المطلب الثالث).

المطلب الأول: الإختصاص

يعرف الإختصاص عموما بأنه الأهلية القانونية المعترف بها للسلطات الإدارية من أجل القيام بالأعمال القانونية نيابة عن الإدارة كشخص معنوي عام سواء كانت هذه الأعمال تصرفات قانونية انفرادية (القرارات الإدارية) أو ثنائية (العقود الإدارية) أو متعددة الأطراف (الإتفاقيات).
ولا يتخذ القرار الإداري إلا من قبل السلطة المختصة والمؤهلة من قبل المشرع. لذلكتعتبر القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي من النظام العام يثيرها القاضي تلقائيا حتى وإنلم يدفع بها أطراف الدعوى كما يمكن إثارتها في جميع مراحل الدعوى القضائية. لذلك تقرر المادة 12 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية، "أن القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي تعتبر من قبيل النظام العام، وللأطراف أن يدفعوا بعدم الاختصاص النوعي في جميع مراحل إجراءات الدعوى، وعلى الجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثيره تلقائيا."
نعالج موضوع الاختصاص من خلال التطرق لعناصره (الفرع الأول)، ثم لنقله (الفرع الثاني) .

الفرع الأول: العناصر المحددة للإختصاص
يتحدد الاختصاص من خلال أربعة عناصر وهي: عنصر شخصي (الفقرة الأولى) ، وموضوعي (الفقرة الثانية)، وعنصر مكاني (الفقرة الثالثة) وعنصر زماني (الفقرة الرابعة). 

الفقرة الأولى: العنصر الشخصي

يعني هذا العنصر أن الاختصاص في إصدار القرار الإداري ينبغي أن يمارس من قبل الشخص أو الهيئة أو الجهاز التي خولها المشرع الاختصاص في إصداره.

الفقرة الثانية: العنصر الموضوعي

يفيد العنصر الموضوعي أن القرار الإداري ينبغي أن يصدر في المجال والنطاق المحدد له من قبل المشرع، وكل قرار يتخذ خارج هذا المجال، وهذا النطاق يعتبر غير مشروع ولا يعتد به. وتتعلق الخروقات المنصبة على هذا العنصر بالحالات التالية:
أولا: حالة اغتصاب السلطة، وتتحقق هذه الحالة عندما يتخذ القرار من قبل شخص عادي أو جهة عادية لا تنعم بأي سلطة، ولا بأي اختصاص في المجال الإداري.
ثانيا: حالة اعتداء سلطة إدارية على اختصاص سلطة إدارية أخرى. ونميز في هذا الاعتداء بين ثلاث صور:
- الصورة الأولى: اعتداء سلطة إدارية على اختصاص سلطة إدارية أخرى لا ترتبطبها وإن كانت مساوية لها كأن يعتدي وزير الفلاحة على اختصاص وزير المالية. فكلاالوزيرين له اختصاصات محددة بنص تنظيمي فلا يجوز أن يعتدي الواحد على اختصاص الآخر.
- الصورة الثانية: اعتداء سلطة إدارية على اختصاص سلطة إدارية أخرى عليا.
وتتحقق هذه الصورة في الحالة التي يعتدي فيها أحد المسؤولين داخل الوزارة على اختصاص الوزير، وبدون أن يكون له أي تفويض في ذلك-الصورة الثالثة: اعتداء سلطة إدارية رئاسية على سلطة أخرى مرؤوسة. هناك بعض القضايا التي يخول المشرع الاختصاص فيها إلى سلطة مرؤوسة لا يجوز للرئيس أن يتدخل فيها أو أن يحل محله في البت فيها مثلا لا يمكن لوزير الداخلية أن يحل محل الوالي أو العامل في الاختصاصات التي أسندت لهما في القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات وفي القانون التنظيمي رقم 112.04 المتعلق بالعمالات والأقاليم وفي القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. كما لا يجوز للوزير أن يتدخل في الاختصاصات التي تم منحها إلى رؤساء المصالح اللاممركزة التابعين له .
ثالثا: حالة اعتداء سلطة إدارية على اختصاصات السلطة القضائية. عملا بمبدأ الفصل بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية المنصوص عليه في الدستور، لا يجوز للسلطات الإدارية أن تتدخل في القضايا التي جعلها المشرع من اختصاص القضاء، وإلا كان عملها غير مشروع وحليف البطلان .

الفقرة الثالثة: العنصر المكاني

تتحدد اختصاصات السلطات الإدارية في حيز جغرافي محدد. فإذا كان رئيس الحكومة والوزراء ينعمون باختصاص عام يشمل مجموع تراب المملكة، فإن لبعض السلطات الإدارية الأخرى اختصاص محدد في نطاق جغرافي ومكاني ضيق كما هو الأمر بالنسبة لاختصاص الولاة والعمال الذي يتحدد في النطاق الترابي للجهة أو العمالة أو الإقليم المعني ،فلا يجوز لهم ممارسة اختصاصاتهم إلا داخل هذا النطاق وضمن حدوده المرسومة من قبلالمشرع تحت طائلة البطلان.

الفقرة الرابعة: العنصر الزماني

يفيد هذا العنصر أن المدة الزمنية التي يمارس خلالها الاختصاص تكون محددة بحيث لا اختصاص بعد انتهاء هذه المدة. وتتزامن هذه المدة مع فترة التعيين أو التنصيب، وتستمر إلى أن يحدث ما ينهي هذا التعيين وهذا التنصيب. وكل اختصاص يمارس خارج فترة التعيين أو التنصيب يكون اختصاصا باطلا، ولا يعتد به كأصل عام. علما أن المشرع قد يسمح لبعض السلطات الإدارية أن تستمر في مباشرة مهامها واختصاصاتها حتى بعد انتهاء مدة تعيينها أو انتدابها من ذلك ما ينص عليه الدستور في الفصل 74 الذي يسمح للحكومة المنتهية مهامها بأن تواصل تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة .

الفرع الثاني: نقل الاختصاص
القاعدة العامة النافذة في مجال القانون الإداري العام هي أن الاختصاص عموما سواء في مجال إصدار القرارات الإدارية أو في مجال باقي التصرفات القانونية الأخرى ينبغي أن يمارس من قبل السلطة الإدارية المحددة في النصوص القانونية، إلا أن هذه القاعدة قد تطرأ عليها بعض الاستثناءات فينتقل الاختصاص لتمارسه سلطة أخرى غير تلك التي حددها المشرع، وذلك عن طريق التفويض (الفقرة الأولى)، والحلول (الفقرة الثانية)، والنيابة (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: تفويض الاختصاص

نميز في تفويض الاختصاص بين تفويض السلطة (أولا) وتفويض التوقيع (ثانيا) وتفويض التأشير (ثالثا).
أولا: تفويض السلطة
يتحقق هذا التفويض عندما تنقل السلطة الأصلية المختصة ) المفوض( جانبا من اختصاصها لتمارسه سلطة أخرى يطلق عليها إسم المفوض إليه .
ثانيا: تفويض التوقيع أو الإمضاء
إذا كان تفويض السلطة يعبر عن توزيع جديد للاختصاص، وتعديل في نظام الاختصاصات لأنه ينقل الاختصاص من سلطة إلى سلطة أخرى، فإن تفويض التوقيع لا يغير شيئا في هذا النظام. وكل ما يقوم به هو أنه يتيح للمفوض إليه أن يتخذ القرار تحت سلطة وإشراف المفوض ولحسابه دون أن يكون هناك أي حلول أو نقل للاختصاص الذي يبقى بين أيدي المفوض، وتحت مسؤوليته، ويمكن أن يمارسه في أي وقت وحين. ويتميز تفويض التوقيع بأنه تفويض شخصي يبقى ساريا بدوام مهام المفوض والمفوض إليه، وأي تغيير يحدث سواء على مستوى المفوض أو المفوض إليه يرتب إنهاء التفويض على خلاف تفويض السلطة الذي لا يتأثر بهما بحيث لا يترتب عن نهاية مهام أحدهما إنهاء التفويض.
ثالثا: تفويض التأشير
إن هذا النوع من التفويض لا تذكره مؤلفات القانون الإداري وتتجاوزه وتتغاضى عنه في حين يمكن للتأشير أيضا أن يكون محلا للتفويض، وهو ما تقرره النصوص التشريعية والتنظيمية على حد سواء.
والتأشير يختلف عن التوقيع من حيث أنه بمثابة تصديق على القرار الذي يعود الاختصاص في اتخاذه وإصداره إلى سلطة معينة. أما التوقيع فهو إجراء تقوم به السلطة ذاتها المتخذة للقرار أو لمن تفوض إليها أمر اتخاذه. بمعنى أنه في حالة التأشير نكون أمام سلطتين إداريتين: سلطة أولى مختصة باتخاذ القرار وسلطة ثانية مختصة بالتأشير عليه بحيث لا يمكن أن يدخل القرار إلى حيز التنفيذ إلا بعد استيفاء هذا الإجراء. وبالتالي فإن التأشير يرتبط بالتنفيذ، ولا يرتبط باتخاذ القرار على خلاف التوقيع الذي يرتبط بإصدار واتخاذ القرار.

الفقرة الثانية: الحلول

يسمح الحلول بتعويض سلطة مختصة باتخاذ القرار بسلطة أخرى غير مختصة أصلا بذلك في الحالة التي تمتنع عن ذلك. بمعنى أن السلطة المختصة في حالة الحلول تبقى متواجدة والاختصاص يمارس بوجودها .

الفقرة الثالثة: النيابة

تختلف النيابة أو الخلافة عن الحلول من حيث أن السلطة المختصة تكون غائبة وغير قادرة على ممارسة اختصاصاتها لعائق ما. على خلاف الأمر في حالة الحلول حيث تكون السلطة الأصلية حاضرة ويمارس الاختصاص بتواجدها .

المطلب الثاني: القواعد الإجرائية في إعداد القرارات الإدارية

هناك الكثير من القرارات الإدارية التي يشترط الدستور أو النصوص التشريعية والتنظيمية قبل إصدارها مراعاة بعض القواعد المسطرية والإجرائية وهي قواعد تحضيرية وتمهيدية في مسطرة إعداد القرارات الإدارية تدخل في إطار ما يسميه الفقه بقواعد المسطرة الإدارية غير التنازعية. علما أن هناك قرارات لا يشترط فيها المشرع إتباع أي إجراء ،وتصدر من السلطة التي لها الاختصاص دون مراعاة أي مسطرة. ونختزل أهم هذه المساطر والإجراءات في ما يلي:

الفرع الأول: الاقتراح
يعتبر الاقتراح بمثابة سلطة في المبادرة بمشروع القرار، ويسمح لصاحبه بأن يشارك في مراحل تكوينه وبلورته من خلال قدرته على تحريك مسلسل إصدار هذا القرار[5].

الفرع الثاني: الاستشارة
إذا كان الاقتراح ينصب دوما على موضوع القرار معلنا انطلاق المسلسل التقريري، فإن الاستشارة تنصب دوما على محتوى القرار. لذلك فهي تلتمس في وقت لاحق على الاقتراح[6].
وتعطى هذه الاستشارة في شكل رأي.
قسم الفقه الإداري الاستشارة أو الرأي الاستشاري إلى ثلاثة أنواع:
الرأي الاختياري: وهو الرأي الذي تلجأ السلطة الإدارية إلى التماسه دون أن تكون ملزمة بذلك بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية.
الرأي الإلزامي: وهو الرأي الذي يجب على السلطة الإدارية المختصة التماسه من غير أن تكون ملزمة على إتباع فحواه، إذ يمكن لها بعد أن تطلبه طرحه جانبا.
الرأي المطابق: وهو الرأي الذي تكون معه السلطة الإدارية ملزمة بطلبه ثم بإتباع ما أسفر عنه.

الفرع الثالث: الإخبار أو الإعلام
بعض القرارات الإدارية لا يمكن أن تتخذ إلا بعد أن يعلم الأفراد بها طبقا لما تنص عليه النصوص التشريعية والتنظيمية. والمثال الأبرز عن هذه الحالة تقدمها القرارات المعلنة عن المباريات في مجال الوظيفة العمومية التي ينبغي أن تصل إلى علم الأفراد المعنيين بها بمدة زمنية معقولة قبل اتخاذ قرارات التوظيف النهائية.

الفرع الرابع: الإنذار والإشعار
هناك بعض القرارات لا يمكن للسلطة الإدارية المختصة اتخاذها إلا بعد إنذار المخاطبين بها وإشعارهم. من ذلك مثلا ما تنص عليه المادة 72 من القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.59 بتاريخ 12 ماي 2003 كالآتي: "عندما لا يتم استصلاح البيئة وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 71، وفي حالة عدم وجود مساطر خاصة تحددها نصوص تشريعية وتنظيمية يمكن للإدارة بعد إنذار المعني بالتدابير المقررة، أن تنفذ بمعرفتها هذه الأشغال مع تحمل المعني بالأمر للنفقات."

الفرع الخامس: البحث الإداري
تقوم السلطة الإدارية قبل اتخاذ القرار الإداري النهائي في بعض المجالات بإجراء بحوث إدارية. من تطبيقات هذه البحوث ما تنص عليه المادة 24 من القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.31 بتاريخ 17 يونيو 1992 كالتالي:
"يكون مشروع تصميم التهيئة محل بحث علني يستمر شهرا ويجري خلال المدة التي يكون فيها مجلس الجماعة أو مجالس الجماعات المعنية بصدد دراسته.
يهدف البحث المشار إليه أعلاه إلى إطلاع العموم على المشروع وتمكينه من إبداء ما قديكون لديه من ملاحظات عليه.
وعلى رئيس مجلس الجماعة أن يوفر وسائل النشر والإشهار قبل تاريخ بدء البحث.
ويتولى مجلس الجماعة عند دراسته لمشروع تصميم التهيئة، دراسة الملاحظات المعبر عنها خلال إجراء البحث قبل عرضها على الإدارة." 

الفرع السادس: الاستفسار
بعض القرارات الإدارية يوجب المشرع قبل إصدارها استفسار المعني بالأمر من ذلك ما ينص عليه النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في الفصل 66 في أحد فقراته بأنه "يقع الإنذار والتوبيخ بمقرر معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي، ولكن بعد استدلاء بيانات المعني بالأمر."...
وكذلك ما تنص عليه المادة الرابعة من المرسوم رقم 2.99.1216 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000 بتحديد شروط وكيفيات تطبيق القانون رقم 12.81 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة ،كالتالي: "يتم الاقتطاع بعد أن تقوم الإدارة بتوجيه استفسار كتابي للموظف أو العون حول أسباب تغيبه عن العمل."

المطلب الثالث: قواعد الشكل في القرار الإداري

ينبغي التمييز بين قواعد الإجراءات والمسطرة في القرار الإداري، والتي تتعلق بالمراحل التي تسبق اتخاذ القرار وبين قواعد الشكل التي تتعلق بالمظهر الخارجي الذي يتخذه القرار وبالصورة أو الشكل الذي يظهر به. فالقرار قد يتخذ شكلا كتابيا (الفرع الأول) كما قد يتخذ شكلا غير كتابي (الفرع الثاني).

 الفرع الأول: الشكل الكتابي للقرار
يشكل الشكل الكتابي القاعدة الغالبة في القرار الإداري. ويتضمن القرار الإداري المكتوب البيانات والمعطيات الشكلية التالية:

الفقرة الأولى: مراجع القرار

هي عبارة عن إشارة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية التي اعتمدت عليها السلطة الإدارية في إصدار القرار. كما قد تتضمن هذه المراجع بعض الإجراءات المسطرية التي اتبعت قبل اتخاذه. وعدم الإشارة إلى هذه المراجع أو وجود أخطاء فيها لا يؤثر على صحة القرار الإداري من الناحية القضائية.

الفقرة الثانية: التعليل

يقصد بالتعليل ذكر الأسباب القانونية والواقعية التي تستند إليها السلطة الإدارية في اتخاذها للقرار الإداري، وذلك بالإفصاح عنها في صلب القرار. وقد نص المشرع في القانون رقم 03.01 على إلزامية تعليل الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسساتالعمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام لقراراتها الإدارية. غير أن هذا التعليل مرتبط بالقرارات الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني بالأمر تحت طائلة عدم الشرعية.

الفقرة الثالثة: التاريخ والمكان

إذا كانت الإشارة إلى تاريخ صدور القرار لا تشكل في حد ذاتها شرطا لمشروعيته[7]، فإن لهذه الإشارة رغم ذلك أهميتها الكبرى التي لا ينبغي أن تغفل؛ فتقدير مشروعية القرار يستند إلى التاريخ الذي صدر فيه القرار لمعرفة ما إذا كانت السلطة التي اتخذت القرار مختصة وقت صدوره.
وإذا لم يتضمن القرار تاريخ صدوره، فإن هذا التاريخ يمكن أن يحدد بالاستناد إلى بعض القرائن كالنشر في الجريدة الرسمية، فيعتبر تاريخ صدور القرار هو اليوم السابق لتاريخ نشره أو لتاريخ تبليغه، أو اليوم السابق لتاريخ انتهاء مهام السلطة التي اتخذته. وعندما يكون القرار ضمنيا ناتج عن انقضاء أجل معين للرد على طلبات الأفراد يكون تاريخه هو التاريخ الذي ينقضي فيه هذا الأجل.
وما قيل عن التاريخ يقال أيضا عن المكان، فلا يؤثر ذكره على شرعية القرار الإداري كمبدأ عام لأن مشروعية القرار لا ترتبط بالمكان الذي صدر فيه إلا في حالات استثنائية .فمثلا لا يمكن أن يتخذ مجلس جماعة ما قراراته في مكان آخر خارج الحدود الجغرافية لجماعته.

الفقرة الرابعة: الصياغة

المبدأ العام هو أن صياغة القرار الإداري ينبغي أن تكون باللغة العربية التي يعتبرها الدستور اللغة الرسمية للمملكة. غير أن صياغة القرار بلغة أجنبية لا يجعله مشوبا بعدم الشرعية إذا بلغ للمعني بالأمر وعلم فحواه .

الفقرة الخامسة: التوقيع

يعرف الفقه التوقيع بأنه إسم شخص مكتوب في أسفل القرار بخط اليد من شأنه الدلالة على الجهة التي أصدرته، والتأكيد على صحته وسلامة مضمونه، وقبولها تحمل المسؤولية المترتبة عنه.
وسواء نص عليه القانون أم لا يعتبر التوقيع إجراء جوهريا يرهن مشروعية القرار وقوته الاحتجاجية في مواجه الغير. فقد اعتبرت الغرفة الإدارية القرار المطعون فيه باطلا ومنعدما لأنه لا يحمل توقيع السلطة المصدرة له، ورأت في التوقيع إجراء جوهريا لا يمكن إغفاله .
يشكل التوقيع شرطا لمشروعية القرار لأنه شرط لوجود هذا القرار ذاته. فعدم توقيعه يجعله مجرد مشروع بدون أي قوة تقريرية. ويسمح التوقيع بمعرفة السلطة التي اتخذت القرار لذلك فهو يرتبط بقواعد الاختصاص. لأن القرار الموقع من قبل سلطة غير مختصة يكون معيبا ليس بعيب شكلي بل بعيب عدم الاختصاص.
غير أنه توجد بعض القرارات الإدارية التي لا توقع كالقرارات الشفهية والقرارات الضمنية.
في حالة القرارات الإدارية المشتركة بين عدة سلطات إدارية لا تكون هذه القرارات صحيحة إلا باستيفاء توقيعات جميع هذه السلطات .

الفقرة السادسة: التوقيع بالعطف

لقد نص الدستور على التوقيع بالعطف بالنسبة لبعض الظهائر الملكية، وأيضا بالنسبة للمقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة. فبالنسبة للظهائر الملكية نص الفصل 42 من الدستور في الفقرة الرابعة على أنه "توقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ما عدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41 و44 (الفقرة الثانية) و47 (الفقرة الأولى والسادسة) و51 و57 و59 و130 (الفقرة الأولى) و174.
أما بالنسبة للمقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة فينص الفصل 90 على ما يلي:" يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء. تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراءالمكلفين بتنفيذها ."
تجدر الإشارة إلى أن التوقيع بالعطف وعلى خلاف التوقيع لا يتعلق بالاختصاص، وبالتالي فإن غيابه لا يشكل إلا عيبا في الشكل. وتتجلى الحكمة منه في تعهد والتزام الوزراء بتنفيذ ما ورد في المراسيم التنظيمية وتحملهم مسؤولية تتبع هذا التنفيذ .

الفرع الثاني: الشكل غير الكتابي للقرار
يتخذ القرار شكلا غير كتابي في حالتين: في حالة القرار الشفهي (الفقرة الأولى) وفي حالة القرار الضمني (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: القرار الشفهي

يشكل القرار الشفهي استثناء نادرا في القرارات الإدارية. ولكن بالرغم ذلك أقره القضاء ،وأضفى في الكثير من المناسبات على القرارات الشفهية الصادرة عن السلطات الإدارية ،الصبغة الإدارية وأخضعها لرقابته عن طريق دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة. غير أن الإشكالية التي تثار بخصوص هذا النوع من القرارات تتعلق بصعوبة إثبات وجودها بالنسبة للطاعن.

الفقرة الثانية: القرار الضمني

قد يكون القرار الإداري ضمنيا ناتجا عن سكوت السلطة الإدارية عن الرد خلال مدة زمنية معينة على طلب يتقدم به أحد الأفراد كما ينتج أيضا عن الامتناع عن القيام بعمل .
يعتبر سكوت الإدارة عن تقديم جواب عن طلبات الأفراد خلال فترة محددة، في الغالب الأعم، رفضا. غير أنه في حالات أخرى يعتبر المشرع سكوت الإدارة عن الرد خلال مدة معينة بمثابة قرار بالقبول .

المبحث الرابع: سريان القرار الإداري

تغطي كلمة سريان القرار الإداري مرحلتين مختلفتين لكن متتابعتين في المسلسل التقريري مرحلة نفاذ القرار (المطلب الأول)، ومرحلة تنفيذه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: نفاذ القرار الإداري

تعني عبارة نفاذ القرار الإداري أن هذا القرار أصبح له وجودا من الناحية القانونية بمعنى أنه أصبح جزء من المنظومة القانونية السارية. وهذا يتحقق في واقع الأمر من تاريخ توقيعه وإصداره بصرف النظر عن أي إجراء بالإشهار لأن هذا الأخير هو شكلية خارجية ليست من صميم التصرف الإداري الإنفرادي ما دامت لا تمس محتواه. وينحصر دورها في التعريف به وإيصاله إلى المعنيين به. فهو بذلك عنصر خارجي لا يؤثر في شرعية القرار الإداري، وهو ما يقره الاجتهاد القضائي سواء في فرنسا أو في المغرب .
وإذا كان الأصل أن القرار الإداري يصير نافذا بمجرد توقيعه وإصداره من قبل السلطة المختصة، فإنه لا يمكن الاحتجاج به في مواجهة الأفراد، إلا من تاريخ علمهم به بإحدى الوسائل المقررة قانونا. ويتحقق العلم بالقرار التنظيمي بمجرد نشره في الجريدة الرسمية للمملكة أو في الجريدة الرسمية للجماعات الترابية أو بأية وسيلة نشر معتمدة، في حين يتحقق هذا العلم بالنسبة للقرار غير التنظيمي بواسطة التبليغ.
إذن، يعتبر القرار الإداري نافذا من تاريخ توقيعه وإصداره حتى وإن أرجأت السلطة الإدارية آثاره إلى تاريخ لاحق(، ولا ينبغي أن يتضمن أثرا رجعيا.

المطلب الثاني: تنفيذ القرار الإداري

يختلف تنفيذ القرار الإداري عن موضوع نفاذه من حيث أنه عمل مادي لاحق لنفاذ القرار الإداري في حين يبقى هذا الأخير عملية قانونية محضة يدخل بها القرار إلى عالم القانون لكن غاية القرار الحقيقية لا تتوقف عند هذه المحطة القانونية بل غايته هي ولوج عالم الواقع .
فالقرار لا يصدر فقط لكي يكون له وجودا قانونيا بل ليكون له أيضا وجودا ماديا وواقعيا .
وفي إطار معالجة موضوع تنفيذ القرار الإداري ينبغي التمييز بين التنفيذ المباشر للقرار الإداري (الفرع الأول) والتنفيذ الجبري أو القسري له (الفرع الثاني).

 الفرع الأول: التنفيذ المباشر للقرار الإداري
تتمتع القرارات الإدارية بقرينة المشروعية لذلك يفترض فيها أنها سليمة، وصحيحة ،ومطابقة للقانون. وهو ما يجعلها قابلة للتنفيذ الفوري سواء من قبل السلطة الإدارية المختصة أو من قبل المخاطبين بها لاسيما عندما يتعلق الأمر بالقرارات الإيجابية التي تصدر في مصلحة المعنيين بها. فالقرار الذي يصدر لترقية أحد الموظفين يقع على السلطة الإدارية أمر تنفيذه من خلال ترتيب الآثار القانونية الناتجة عنه بتغيير الدرجة أو الإطار في شواهد العمل المسلمة له، وفي سائر الوثائق الإدارية التي تهمه، وفي رفع سقف التعويضات والأجور والعلاوات الممنوحة له. فهنا نكون أمام تنفيذ مباشر من قبل الإدارة لقرارها. ويقوم الأفراد بالتنفيذ المباشر للقرارات الصادرة عن الإدارة كما في حالة الحصول على قرار بالترخيص في البناء أو في إقامة تجزئة عقارية فيشرع المعنيون بالأمر في تنفيذ قرار الترخيص الصادر عن الإدارة بشكل لا يثير أي إشكال.

الفرع الثاني: التنفيذ الجبري
لا تلجأ السلطة الإدارية إلى التنفيذ الجبري أو القسري إلا في حالة امتناع المخاطبين بالقرار الإداري عن تنفيذه طواعية واختيارا. ويحدث هذا الامتناع عندما يتعلق الأمر بالقرارات السلبية والقرارات الآمرة كما في حالة قرارات نزع الملكية، وقرارات التحصيل الضريبي، وقرارات الإفراغ، وغيرها من القرارات الأخرى التي لا يستحسنها الأفراد لأنها لا تكون في مصلحتهم.
ويتم هذا التنفيذ الجبري من خلال استعمال القوة العمومية. لذلك يمكن تعريف التنفيذ القسري بأنه سلطة الإدارة في تنفيذ قراراتها الإدارية على الأفراد بالقوة القسرية إذا رفضوا تنفيذها اختيارا دون حاجة إلا إذ سابق من القضاء .
ويبقى امتياز التنفيذ القسري من أخطر الامتيازات التي تتمتع بها الإدارة فهو ليس السبيل العادي ولا الطبيعي في تنفيذ القرارات الإدارية بل هو طريق استثنائي محض لا يمكن اللجوء إليه إلا في حالات معينة (الفقرة الأولى) ووفق شروط محددة (الفقرة الثانية).

 الفقرة الأولى: حالات اللجوء إلى التنفيذ الجبري

هناك عدة حالات يمكن فيها للإدارة أن تلجأ إلى التنفيذ القسري. وهي كالتالي:
- حالة إيراد نص صريح في النصوص التشريعية أو التنظيمية تسمح للسلطة الإدارية باستعمال هذه السلطة .
- حالة رفض الأفراد تنفيذ القرار، ولم ينص القانون على جزاء لمن يخالفه. فقد أباح القضاء الفرنسي للسلطة الإدارية بأن تلجأ إلى هذا التنفيذ لكي تكفل احترام النصوص القانونية.
- حالة الضرورة والاستعجال. وذلك في حالة وقوع خطر حقيقي وجسيم يتعذر دفعه بالطرق العادية وذلك لتحقيق المصلحة العامة.

الفقرة الثانية: شروط ممارسة التنفيذ الجبري

تتعلق هذه الشروط بالطريقة والكيفية التي ينبغي أن يمارس وفقها وهي كالتالي:
- أن يكون هناك امتناع مؤكد من قبل المخاطب بالقرار عن تنفيذه، ولا يتحقق ذلك إلا بإنذاره المسبق.
- أن ينصب التنفيذ الجبري أساسا على احترام القرار أي لا ينبغي للسلطة الإدارية أن تتجاوز حدود الهدف المرجو من القرار.
- أن تتحمل السلطة الإدارية التي لجأت إلى التنفيذ القسري كامل المسؤولية عنه.

المبحث الخامس: نهاية القرار الإداري

يقصد بنهاية القرار الإداري زواله من النظام القانوني ووضع حد لآثاره. وقد تكون هذه النهاية نهاية طبيعية دون أن يتدخل أي طرف فيها. كما هو الأمر في حالة تنفيذ القرار وزوال كل آثاره أو انتهاء المدة التي صدر في شأنها القرار أو زوال الحالة التي اتخذ من أجلها. وقد يكون هذا الإلغاء على يد السلطة الإدارية ذاتها التي أصدرته (المطلب الأول)، أو على يد القضاء (المطلب الثاني).

المطلب الأول: نهاية القرار الإداري عن طريق السلطة الإدارية

تتحقق نهاية القرار الإداري عن طريق السلطة الإدارية من خلال أسلوبين هما الإلغاء (الفرع الأول) والسحب (الفرع الثاني). 

الفرع الأول: الإلغاء
يعرف الفقه الإداري الإلغاء بأنه إنهاء القرار الإداري في كل أو بعض مقتضياته بالنسبة للمستقبل فقط مع ترك آثاره في الماضي.
لا يتم كمبدأ عام إلغاء القرار الإداري إلا من قبل السلطة الإدارية المصدرة له تطبيقا لقاعدة توازي الأشكال. إلا أنه قد يتم إلغاؤه من قبل سلطة الوصاية أو من قبل السلطة الرئاسية. وسلطة الإدارة في إلغاء القرارات الإدارية ليست مطلقة بل مقيدة ببعض القواعد التي ينبغي مراعاتها وهو ما يتطلب التمييز بين إلغاء القرار الإداري المشروع (الفقرة الأولى)، وإلغاء القرار الإداري غير المشروع (الفقرة الثانية). 

الفقرة الأولى: إلغاء القرار الإداري المشروع

ينبغي التمييز في هذه الحالة بين القرار التنظيمي والقرار غير التنظيمي. بحيث يجوز للسلطة الإدارية إلغاء القرار التنظيمي في أي وقت لأنه لا يمس بالحقوق المكتسبة لأنه أصلا لا ينشؤها. وفي سياق هذه الفكرة قضت الغرفة الإدارية بأن "الموظف يوجد في وضعية قانونية ونظامية مما يخول للسلطة الإدارية حق تعديل تلك الوضعية دون أن يجوز للموظف المعني بالأمر أن يحتج بحق مكتسب للاستمرار في التمتع بالوضعية التي وقع تغييرها"[8].
بل إن السلطة الإدارية ملزمة بإلغاء قراراتها التنظيمية، وبتعديلها إذا ما استجدت ظروف قانونية وواقعية مغايرة لتلك التي أوحت باتخاذها .
أما بخصوص القرار غير التنظيمي فلا يجوز مبدئيا إلغاؤه من قبل السلطة الإدارية لأن هذا النوع من القرارات يرتب حقوقا فردية مكتسبة لا يجوز المساس بها إلا في بعض الحالات حسب الظروف والملابسات .

الفقرة الثانية: إلغاء القرار الإداري غير المشروع أو المعيب

لا يرتب القرار الإداري غير المشروع أو المعيب حقوقا مكتسبة للغير. لذلك يجوز للسلطة الإدارية المختصة إلغاءه تصحيحا للأوضاع القانونية التي نشأت عن هذا القرار المعيب. غير أن هذا الإلغاء يجب أن يحصل أثناء ميعاد الطعن أما إذا انقضى هذا الميعاد فإن القرار يتحصن، ويصبح غير قابل للإلغاء.

الفرع الثاني: سحب القرار الإداري
إذا كان يقصد بإلغاء القرار الإداري إنهاء أثر القرار بالنسبة للمستقبل فقط، فإنه يقصد بسحب القرار الإداري إنهاء أثر القرار بالنسبة للماضي والمستقبل بحيث يعتبر القرار وكأنه لم يصدر أصلا، وهو ما يفضي إلى إلغاء القرار بأثر رجعي. وينبغي أن يقع السحب من قبل السلطة المختصة باتخاذ القرار، ووفق نفس الأداة القانونية المستعملة في إصداره طبقا لمبدأ توازي الأشكال. كما يمكن لسلطة الوصاية وللسلطة الرئاسية أن تقوما بهذا السحب.
كمبدأ عام لا يجوز للسلطة الإدارية سحب قراراتها التنظيمية وغير التنظيمية متى كانت صحيحة، ولا ينتابها أي عيب من عيوب المشروعية. 
وذلك لما يترتب عن هذا السحب من أثر رجعي يصطدم مع مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية كمبدأ من المبادئ العامة للقانون قبل أن يكون مبدأ دستوريا. ثم لأن السحب إنما تقرر فقط لكي تتمكن السلطة الإدارية من تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في قراراتها، والتي تمس بمبدأ المشروعية. غير أنه استثناء يجوز للسلطة الإدارية أن تقوم بهذا السحب لكن بشروط محددة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة القرار ما إذا كان تنظيميا (الفقرة الأولى)، أم غير تنظيمي (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: سحب القرار الإداري التنظيمي

المبدأ العام في هذا المجال هو أن القرار الإداري التنظيمي يجوز سحبه من قبل السلطة الإدارية من غير أن يكون عملها مشوبا بأي تجاوز في استعمال السلطة. ذلك أن القرار الإداري التنظيمي لا يرتب أي حقوق مكتسبة للأفراد إلا بتطبيقات فردية، وبالتالي فهي لا تنشئ مراكز شخصية وفردية، وإنما تحدث مراكز عامة ومجردة.

الفقرة الثانية: سحب القرار الإداري غير التنظيمي

القاعدة العامة المطبقة في مجال سحب القرار الإداري هي أنه يجوز للسلطة الإدارية أن تسحب قراراتها غير المشروعة سواء كانت قرارات تنظيمية أو غير تنظيمية. غير أنه إذا رتبت هذه القرارات حقوقا مكتسبة للأفراد تعذر سحبها إلا داخل أجل الطعن أي خلال ستين يوما التالية لنشر القرار التنظيمي أو لتبليغ القرار غير التنظيمي. وتستثنى من هذه القاعدة العامة القرارات الإدارية التي صدرت نتيجة غش أو تدليس المعني بها. وحينئذ لا يتقيد السحب بآجال الطعن بالإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة.
هذا، ونشير إلى أن بعض القرارات السلبية التي تصدر لاسيما في المجال التأديبي والمتعلقة بعزل الموظفين، من المتفق عليه فقها وقضاء، أنه يجوز سحبها لاعتبارات إنسانية واجتماعية خاصة وأن هذه القرارات ليس من شانها أن تؤثر على أي حق مكتسب.

المطلب الثاني: إنهاء القرار الإداري عن طريق القضاء

قد يعرف القرار الإداري نهايته على يد القضاء من خلال طريقتين: عن طريق دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة (الفرع الأول)، وعن طريق الدفع بعدم المشروعية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: إنهاء القرار الإداري عن طريق دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة

قد تؤدي الرقابة التي يمارسها القاضي الإداري في إطار دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة التي اقترن ظهورها في المغرب بصدور ظهير إنشاء المجلس الأعلى بتاريخ 27 شتنبر 1957، إلى زوال القرار الإداري وإنهاء مفعوله.
ويعود الاختصاص للنظر في الدعاوى المتعلقة بإلغاء القرارات الإدارية إلى المحاكم الإدارية كمحاكم أول درجة وإلى محاكم الاستئناف الإدارية كدرجة استئناف وإلى الغرفة الإدارية بمحكمة النقض على سبيل النقض.
فكل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة.
ويجب طبقا للمادة 23 من القانون رقم 41.90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية أن تقدم طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب التجاوز في استعمال السلطة داخل أجل ستين يوما يبتدئ من تاريخ نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر.
ويجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا، قبل انقضاء الأجل المنصوص عليه آنفا تظلما من القرار إلى مصدره أو إلى رئيسه، وفي هذه الحالة يمكن رفع طلب الإلغاء إلى المحكمة الإدارية داخل أجل ستين يوما يبتدئ من تبليغ القرار الصادر صراحة برفض التظلم الإداري كليا أو جزئيا.
إذا التزمت السلطة الإدارية المرفوع إليها التظلم الصمت في شأنه طوال ستين يوما اعتبر سكوتها عنه بمثابة رفض له. وإذا كانت السلطة الإدارية هيئة تصدر قراراتها بتصويت أعضائها فإن أجل ستين يوما يمد، إن اقتضى الحال ذلك، إلى نهاية أول دورة قانونية لها تلي إيداع التظلم.
إذا كان نظام من الأنظمة ينص على إجراء خاص في شأن بعض الطعون الإدارية فإن طلب الإلغاء القضائي لا يكون مقبولا إلا إذا رفع إلى المحكمة بعد استنفاد هذا الإجراء ،وداخل نفس الآجال المشار إليها أعلاه.
إذا التزمت الإدارة الصمت طوال ستين يوما في شأن طلب قدم إليها اعتبر سكوتها عنه ما لم ينص قانون على خلاف ذلك، بمثابة رفض له، وللمعني بالأمر حينئذ أن يطعن في ذلك أمام المحكمة الإدارية داخل أجل 60 يوما يبتدئ من انقضاء مدة الستين يوما المشار إليها أعلاه.
لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل.
كما يمكن للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة.
وتختص المحكمة الإدارية بالرباط بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم، وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم.
هذا، وتبقى محكمة النقض طبقا للمادة التاسعة من القانون رقم 41.90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية، مختصة بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة ب:
1-المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة؛
2-قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الإختصاص المحلي لمحكمةإدارية.

الفرع الثاني: إنهاء القرار الإداري عن طريق الدفع بعدم المشروعية

تجدر الإشارة بداية إلى أنه إذا كانت دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة ترمي إلى إلغاء القرار غير المشروع، فإن الدفع بعدم شرعيته يرمي إلى عدم تطبيقه فقط في النزاع المرفوع إلى القاضي. بحيث يستمر القرار غير المشروع قائما، ويستمر استبعاده من التطبيق في كل مرة يرفع إلى القاضي نزاع تثار فيه مسألة عدم شرعيته.
إذا كانت دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة لا يمكن أن ترفع إلا إلى القضاء الإداري داخل أجل الطعن المقرر، فإن الدفع بعدم المشروعية يمكن أن يقام أمام هذا القضاء وإن انقضى أجل الطعن، كما يمكن أن يقام أمام المحاكم العادية الزجرية، وليس للمحاكم المدنية أي اختصاص في هذا المضمار وهو ما ينص عليه القانون المحدثة بموجبه محاكم إدارية في المادة 44 كالتالي: "إذا كان الحكم في قضية معروضة على محكمة عادية غير الزجرية يتوقف على تقدير شرعية قرار إداري، وكان النزاع في شرعية القرار جديا ،يجب على المحكمة المثار ذلك أمامها أن تؤجل الحكم في القضية، وتحيل تقدير شرعية القرار الإداري محل النزاع إلى المحكمة الإدارية أو إلى محكمة النقض بحسب اختصاص كل من هاتين الجهتين القضائيتين كما هو محددة في المادتين 8 و9، ويترتب على الإحالة رفع المسألة العارضة بقوة القانون إلى الجهة القضائية المحال إليها البت فيها.
للجهات القضائية الزجرية كامل الولاية لتقدير شرعية أي قرار إداري وقع التمسك به أمامها سواء باعتباره أساسا للمتابعة أو باعتباره وسيلة من وسائل الدفاع ."
---------------------------
الهوامش : 
[1] - حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد230/2000 بتاريخ 4/10/2000، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دلائل التسيير ،الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، أحمد بوعشيق، الجزء الأول ، 16، 2004، ص.103.
[2] - حكم المحكمة الإدارية بمكناس عدد 3.96.11 غ بتاريخ 25/4/1996 ، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية عدد 16 الجزء الأول، مرجع سابق، ص.146.
[3] - المكي السراجي، القرار التنظيمي في القانون العام المغربي، مرجع سابق، ص .2.
[4] - قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 19/03/1987 ملف عدد 7007، شركة كارنوسيل ضد وزراء الداخلية والفلاحة والمالية، مجلة المحاماة، عدد 28، ص .134، قرار أشار إليه المكي السراجي في أطروحته، المشار إليها آنفا، ص .122.
[5] -Hostiou (R), procédures et formes de l’acte administratif unilatéral en droit français, L.G.D.J., Paris, 1975,
p.33.
[6] - المكي السراجي، القرار التنظيمي في القانون العام المغربي، مرجع سابق، ص .265.
[7] - C.E. 30 juin 1952, arrêt Balanciaga, Rec. p. 340.
[8] - قرار الغرفة الإدارية بتاريخ 26 نونبر 1971، ذكره المكي السراجي في أطروحته السابق ذكرها، ص .307

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -