أركان العقد في القانون المغربي

عرض بعنوان: أركان العقد في القانون المغربي (الأهلية والمحل والسبب ، ركن الشكل وركن التسليم) PDF

عرض بعنوان: أركان العقد في القانون المغربي (الأهلية والمحل والسبب ، ركن الشكل وركن التسليم) PDF

مــــقــــدمــــة 
تعددت تعاريف العقد القانونية، خصوصا أن الفقه من يقدم هذه التعاريف، لأن طبيعة التعريف تخص الفقه، والقضاء أحيانا، والسر يكمن في طبيعة التعريف وتغير المفاهيم القانونية وتطور الحياة الاقتصادية التي تنتج لنا عقود جديدة، والتعريف الذي يمكن أن نقدمه للعقد هو اتفاق بين شخصين أو أكثر بهدف إنشاء التزام أو نقله أو إنهائه أو تعديله[1]. ومن مميزات هذا التعريف أن العقد يستلزم وجود أكثر من إرادة واحدة، والأخذ بالمفهوم الواسع للعقد وأنه وتجاوز التفرقة التقليدية العقيمة بين العقد والاتفاق وليس كما فعل الفقيه الفرنسي ''جاستان'' عندما عرف العقد على أنه: "تعهد أو تطابق الإرادات من أجل إنتاج آثار قانونية"، ويرى بعض الباحثين والفقهاء على أن ليس هنالك ضرورة للتفرقة بين المصطلحين لكونهما يعبران عن نفس المعنى[2]. إن عناصر العقد تشمل كل من توفر إرادتين، توافق الإرادتين وهدف التوافق وأيضا مجال التوافق[3]. والعقد يصنف تصنيفات كثيرة تبعا للواجهة التي ينظر منها للعقد وأهم هذه التصنيفات، العقود المسماة والغير المسماة وعقود تبادلية وعقود غير تبادلية وعقود المعاوضة وعقود التبرع...
وكل هذه العقود لقيامها أفرد لها المشرع أركان خاصة كالتراضي والأهلية والمحل والسبب وركن الشكل في العقود الشكلية وركن التسليم في العقود العينية، لكي يقع العقد صحيحا، وتخلف واحد من هذه الشروط تعني إمكانية إبطال العقد أو بطلانه في كثير من الحالات، وبالتالي فسخ العقد وعدم اكتسابه الصفة القانونية وانعدام آثاره.
إذن فما المقصود بالأهلية والمحل والسبب كأركان لصحة العقد؟ وكيف يمكن تمييز محل وسبب العقد عن محل وسبب الالتزام؟ وماذا يمكن القول عن ركن الشكلية في العقود الشكلية وركن التسليم في العقود العينية؟
إذن ما سوف نعالجه في هذا البحث هو الأهلية والمحل والسبب في (المبحث الأول)، وشكل العقد في العقود الشكلية والتسليم في العقود العينية (المبحث الثاني).

المبحث الأول: الأهلية والمحل والسبب. 

المطلب الأول: أهلية المتعاقد. 

الأهلية في اللغة: هي الجدارة و الكفاءة لأمر من الأمور . 
وفي الاصطلاح هي: قابلية الشخص لأن يكتسب الحقوق وتحمل الالتزامات ولأن يمارس بنفسه التصرفات التي تمكنه من كسب الأولى وتحمل الثانية[4]. 
والأهلية نوعان:
أهلية الوجوب: وهي قابلية الشخص لأن يكتسب الحقوق ويتحمل الواجبات، وهي تثبت له بمجرد ولادته حيا وتستمر معه إلى حين مماته، بل وتبدأ قبل ذلك للجنين في حدود معينة[5].
أهلية الأداء: وهي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية، ونفاذ تصرفاته[6]، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.
والأصل في الشخص كمال الأهلية (الفقرة الأولى)، كما أن فقدان الأهلية لها آثار على التصرفات (الفقرة الثانية)، ونقصانها أيضا (الفقرة الثالثة)، والمميز المأذون له حكم خاص (الفقرة الرابعة). 

الفقرة الأولى: الأصل في الشخص كمال الأهلية

ورد في قانون الالتزامات والعقود وبالضبط في الفقرة الثانية من الفصل 3: "كل شخص أهل للإلزام والالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك". وانطلاقا من هذا الفصل يتضح أن الأصل في الإنسان كمال الأهلية ومن يدعي على الغير غير ذلك أن يبين ما يدعيه. 
وقد يلجأ ناقص الأهلية لإخفاء أهليته بطرق احتيالية لكن في هذه الحالة يكون مسؤولا عن التعويض للغش الذي صدر منه، مع أن يطلب إبطال العقد[7]، لكن قد يرى القاضي أن أفضل تعويض للمتضرر هو إبقاء على العقد، لكن يجب على المتضرر أن يثبت الطرق الاحتيالية التي استعملها القاصر ناقص الأهلية كأن يقدم شهادة ميلاد مزورة التي استعملها القاصر[8]. 

الفقرة الثانية: أثر فقدان الأهلية على التصرفات

حسب المادة 217 من مدونة الأسرة الجديدة جاء فيها "يعتبر عديم أهلية الأداء:
أولا: الصغير الذي لم يبلغ سن التميز 
ثانيا: المجنون وفاقد العقل.
وانطلاقا من هذه المادة يتضح أن هناك ثلاث حالات يعتبر فيها الشخص فاقد الأهلية:
أ) حالة الصغير الغير المميز: فالصغير الغير المميز هو الصغير الذي لم يتم الثانية عشرة من عمره حسب المادة 214 من مدونة الأسرة التي تتحدث عن الصغير المميز[9]. والمادة 224 تقول تصرفات عديم الأهلية باطلة ولا تنتج أي أثر. وإن الصغير الغير المميز يمنع عليه مباشرة حقوقه المدنية والتصرف في أمواله وكل تصرف يقدم عليه يعتبر باطلا.
ب) حالة المجنون وفاقد العقل: لم تتطرق مدونة الأسرة لتعريف المجنون[10]، والمجنون يعتبر عديم الأهلية ولذلك فإن كل تصرفاته تقع باطلة ولا تنتج أي أثر، والذي يمكن القول أن فاقد العقل أنه جنونه متقطع بحيث أنه غير مستقر على وضعية معينة، وحكمه أنه عندما يعود له عقله يباشر حقوقه المدينة بشكل طبيعي وعند فقدانه للعقل تقع كل التصرفات التي يجريها باطلة ويتم حجر التصرفات التي يجريها المجنون ولو بصفة رجعية أو قبل جنونه[11].

الفقرة الثالثة: نقصان الأهلية وأثره على التصرفات. 

أولا: تعريف ناقص الأهلية
ورد في المادة 213 من مدونة الأسرة على أنه "يعتبر ناقص الأهلية الأداء: 1- الصغير الذي بلغ سن التميز ولم يبلغ سن الرشد. 2- السفيه. 3- المعتوه". 
1/ فالصغير المميز هو الذي أتم 12 سنة شمسية كاملة[12]، وهو يخضع مثله مثل غير من فاقدي الأهلية وناقصيها، ويعتبر محجورا. لكن يجوز له مباشرة بعض التصرفات القانونية، وبالتالي نوع التصرف يتوقف على هل نافع نفعا محضا أو ضار ضررا محضا أو دائر بين النفع والضرر. 
2/ السفيه :هو من لا يحسن تدبير أمواله أو المبذر الذي يصرف أمواله فيما لا فائدة فيه وفيما يعده العقلاء عبثا بشكل يضر به أو بأسرته[13]. 
3/ المعتوه، هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته. (المادة 216 م.أ). 
ويخضع كل من المعتوه والسفيه، والصغير المميز كفاقد الأهلية لأحكام النيابة الشرعية في إطار المؤسسة الولائية "أب، أم"أو الوصائية أو التقديم، الذين يتولوا إجراء تصرفاتهم المشروعة في إطار يسمح به القانون. 

ثانيا: أثر نقصان الأهلية على التصرفات. 
حسب المادة 225[14] من مدونة الأسرة تنقسم تصرفات ناقصي الأهلية إلى ثلاثة أقسام: تصرفات نافعة نفعا محضا، وتصرفات ضارة ضررا محضا، وتصرفات تدور بين النفع والضرر.
أ/ حكم التصرفات النافعة نفعا محضا
ويقصد بالتصرفات النافعة نفعا محضا بأنها تصرفات التي تثري المتصرف أو تبرئ ذمته من التزام دون تحمله مقابل ذلك بأي تكليف كقبول الهبة بلا عوض أو براءة من دين عالق بالذمة... ، وتعتبر هذه التصرفات نافدة في حق ناقص الأهلية (المادة 225 م أ)
ب/ حكم التصرفات الضارة ضررا محضا
وهي التصرفات التي يتحمل المتصرف تكاليفها دون أي كسب أو نفع يجنيه بالمقابل[15]، وهذه التصرفات تقع باطلة إذا باشرها ناقص الأهلية بنفسه أو بإذن من النائب الشرعي.
ج/ حكم التصرفات الدائرة بين النفع والضرر.
ويقصد بها تلك التصرفات التي تدور بين النفع والضرر وتحتمل الربح والخسارة كالتجارة، فمثل هذه التصرفات يتوقف نفاذها على إجازة النائب الشرعي للقاصر، حسب المصلحة الراجحة للمحجور، وفي الحدود المخولة لاختصاصات كل نائب شرعي (المادة 225 ف.3)[16].

الفقرة الرابعة: حكم الصبي المميز المأذون 

أولا: تعريف بالمميز المأذون
هو ذلك الصغير الذي تجاوز السنة الثانية عشر من عمره ولم يبلغ سن الرشد، فهذا الصغير له الحق أن يتسلم جزء من أمواله ولو قبل بلوغ سن الرشد أو قبل ترشيده، وهذا كرغبة من المشرع ليفسح المجال لتمرن الصغار وتنمية خبرتهم المالية قصد التجربة. 

ثانيا: أهلية المميز المأذون. 
والمميز المأذون له يتمتع بكامل الأهلية فيما أذن له به، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 226 من م.أ. فإذا ما كان الصغير المميز مأذونا في تعاطي التجارة أو الصناعة فلا يسوغ له أن يبطل هذه التعهدات التي تحملها بسبب تجارته في حدود الإذن الممنوح له[17]. 

ثالثا: إلغاء الإذن الممنوح للقاصر المأذون. 
تتحدث المادة [18]226 عن إمكانية للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بالتسليم أموال للمأذون، إذا ثبت سوء التدبير في إدارة المأذون بها أو إذا توافرت أسباب خطيرة، ففي هذه الحالة لا يكون الإلغاء أثر بالنسبة الأعمال أو التصرفات التي شرع فيها القاصر قبل حصول الإلغاء (الفصل 8 من ق.ل.ع)[19]. 

المطلب الثاني: المحل

يعتبر محل الالتزام التعاقدي شرطا ضروريا لقيام العقد، وسنحاول في هذا المطلب أن نعطي تعريفا لركن المحل (الفقرة الأولى)، ثم التميزي بين محل العقد ومحل الالتزام (الفقرة الثانية)، بالإضافة إلى الشروط الواجب توافرها في المحل (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: تعريف المحل. 

المحل باعتباره الشيء الذي يلتزم المدين بإعطائه أو بعمله أو بالامتناع عن عمله بتمثل ركنا في الالتزام، ومع ذلك فهو ليس غريب عن العقد، إذ أنه يعتبر أيضا ركنا في العقد، وإن كان ذلك بطريق غير مباشر، فالعقد يولد الالتزام. فما يعتبر محلا مباشرا للالتزام يعتبر في نفس الوقت محلا غير مباشر للعقد الذي يولده، من أجل ذلك درج الفقهاء على أن يتناولوا محل الالتزام باعتباره ركنا في العقد، فالغاية من العقد إنشاء الالتزام، فإن لم يقم الالتزام لسبب يمس محله، فإن العقد يقع باطلا بدوره، وهكذا يؤثر محل الالتزام في كيان العقد الذي يولده (المادتان: 59 و60 من ق.ل.ع). 
وقد أخذت نصوص قانون الالتزامات والعقود المغربي (المواد 57 إلى 61) باعتبار المحل من أركان الالتزام، وصياغتها تعتبر صدى لرأي الفقه الحديث. 
وهكذا فإن قانون الالتزامات والعقود لم يكتف بما ذكره في (المادة الثانية) من أن الالتزامات الناشئة عن التعاقد يتطلب وجودها شيئا محققا يصلح لأن يكون محلا للالتزام، بل هو عندما يجب في المحل في الفرع الثالث من الباب الأول جعل عنوان البحث: محل الالتزامات التعاقدية، إلا أنه يلاحظ بالرغم من كل ذلك أن قانون الالتزامات والعقود درج على تناول محل الالتزام باعتباره ركنا في العقد، وليس في ذلك عيب، ذلك أن المشرع غير حينما يستلزم أن يكون محل الالتزام مشروعا غير مخالف للنظام العام وحسن الآداب فهو يقصد في الحقيقة محل العقد لا محل الالتزام (المادة 59)[20].

الفقرة الثانية: التمييز بين محل العقد ومحل الالتزام 

يؤخذ على القانون المدني الفرنسي أنه يخلط بين محل العقد وبين محل الالتزام الناشئ عن العقد مع أنه يجب التفريق بين هذا المحل وذاك. 
فمحل العقد هو دوما وأبدا إنشاء الالتزام أو أكثر يقع على أحد المتعاقدين دون الآخر في العقود غير التبادلية كما في الوديعة، أو يقع على كل من المتعاقدين في العقود التبادلية كما في البيع. 
أما محل الالتزام فهو الأداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لصالح الدائن. وهذا الأداء يكون إما من قبيل إعطاء شيء أي نقل الملكية أو أي حق عيني آخر، وإما من قبيل القيام بعمل بما فيه تسليم الشيء دون نقل ملكيته وإما من قبيل الامتناع عن القيام بعمل. 
فمحل الالتزام، على ما يتبين، قد يكون إيجابيا كما في إعطاء شيء أو القيام بعمل، وقد يكون سلبيا كما في الامتناع عن القيام بعمل. 
وجدير بالذكر، في هذا الخصوص، أن قانون الالتزامات والعقود المغربي، لم يكتف بما ذكره في المادة الثانية من أن الالتزامات الناشئة عن التعاقد يتطلب وجودها شيئا محقا يصلح لأن يكون محلا للالتزام، بل هو، عندما بحث في المحل، جعل عنوان البحث "محل الالتزامات التعاقدية"[21]. 
وهكذا يمكن القول أن قانون الالتزامات والعقود اعتبر المحل ركنا في الالتزام وليس في العقد، وهذا ما نستخلصه من قراءة الفصل الثاني من ق.ل.ع.

الفقرة الثالثة: الشروط الواجب توافرها في المحل. 

بالرجوع إلى الفصول 57 إلى 61 من ق.ل.ع يتضح أن المشرع يشترط في محل الالتزام أن يكون "مشروعا، معينا أو قابلا للتعيين، ممكنا لا مستحيلا" 

أ – أن يكون المحل مشروعا. 
يجب أن يكون محل الالتزام مشروعا، وحتى يكون كذلك يجب أن يكون مما يجوز التعامل فيه وأن لا يكون مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة[22]. 
يجب أن يكون المحل مما يجوز التعامل فيه، وقد استهل قانون الالتزامات والعقود البحث في المحل بالنص على هذه الناحية في الفصل 57 من ق.ل.ع الذي ينص على أن: "الأشياء والأفعال والحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، ويدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها". 
من خلال هذا الفصل يتبين لنا أن الأشياء الخارجة عن التعامل لا يصح أن تكون محلا للالتزام. 
والأشياء الخارجة عن التعامل تقسيم تقليديا إلى قسمين: أشياء خارجة عن التعامل بطبيعتها وأشياء خارج عن التعامل بحكم القانون. 
فالأشياء الخارجة عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها كأشعة الشمس والهواء ماء البحر. 
أما الأشياء الخارجية عن التعامل بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية، كالمواد المخدرة (من حشيش وأفيون وما شابه ذلك) أو كالأملاك العامة، إلا فيما يسمح به القانون استثناء[23]. 
يجب أن لا يكون المحل مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة، والنظام العام هو مجموعة القواعد التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وتتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد، فيجب عليهم مراعاتها وعدم مناهضتها باتفاقات مضادة، لذلك فإن كل اتفاق على ما يخالف النظام العام يعد باطلا. 
أما الآداب العامة فهي القدر اللازم احترامه قانونا من قواعد الأخلاق المحافظة على كيان الدولة الخلقي ولمراعاة الشعور العام للأفراد[24]. 
وهذا ولقد قضى المجلس الأعلى في قراره عدد 539 الصادر بتاريخ 15/02/2006، أن الأشياء التي تخرج عن التعامل بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للالتزام كالمخدرات أو الملك العمومي أو جسم الإنسان أو عوض من أعضائه.[25]

ب – أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين. 
ينص الفصل 58 من ق.ل.ع على أن: "الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا على الأقل بالنسبة إلى نوعه، ويسوغ أن يكون الشيء غير محدد إذا كان قابلا للتحديد فيما بعد". 
وبذلك فإن محل الالتزام يجب أن يكون معينا سواء كان شيئا أو عملا أو امتناعا عن عمل، من خلال تحديده تحديدا كافيا بين عناصره ومضمونه ويبعد عنه كل إبهام أو التباس. 
فإذا كان محل الالتزام عملا أو امتناعا عن عمل فإنه يجب تعيين طبيعة هذا العمل، وذلك ببيان العمل المطلوب، كأن يكون وضع الصميم منزل أو مدرسة، أو بناء هذا المنزل، علاج مريض أو صنع شيء معين، أو رسم لوحة...إلخ. 
وبعد تعيين العمل يجب تحديده ببيان مواصفاته بكل وضوح ودقة. فإذا كان العمل هو بناء منزل فيجب تحديد العمليات التي يتضمنها مثل تحديد عمق و لأساسات وارتفاع الحيطان وسمكها ومساحتها ونوعية المواد المستعملة وغيرها... 
إلا أن نص المشرع على ضرورة تعيين محل الالتزام لا يعني بالضرورة أن يكون معينا تعيينا دقيقا وقت إبرام العقد. وإنما يكفي أن يكون قابلا للتعيين في المستقبل على أن يتضمن العقد العناصر اللازمة لهذا التحديد وإلا اعتبر العمل باطلا[26]. 

ج – أن يكون المحل ممكنا 
يقصد ب هذا الشرط أن لا يكون المحل مستحيلا، وهذا شرط طبيعي تقتضيه طبيعة الأمور، فمن العبث أن يلتزم الشخص بفعل المستحيل، وهكذا إذا كان محل الالتزام إعطاء شيء فيجب أن يكون هذا الشيء موجودا أو قابلا للوجود، وأن يكون إعطاؤه ممكنا، وإلا لم ينعقد طبقا للفصل 59 من ق.ل.ع الذي ينص على ما يلي: "يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا، إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون".
فإذا التزم شخص بنقل ملكية شيء معين فورا فيجب أن يكون هذا الشيء موجود وأن يكون نقل ملكيته ممكنا، فإذا كان وقت الالتزام غير موجود لسبق تلفه أو كان موجودا لكنه ليس في ملكية الملتزم فإن الالتزام يكون غير ممكن والعقد الذي يتضمنه باطلا.
لكن القول بوجود المحل لا يعني بالضرورة أن يكون موجودا وقت نشوء الالتزام، وإنما يمكن التعاقد على شيء مستقبلي على أن يكون وجوده في المستقبل شيئا محققا، وهذا ما يقره الفصل 61 من ق.ل.ع الذي ينص على ما يلي: "يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون. ومع ذلك لا يجوز التنازل عن ترك إنسان على قيد الحياة ولا إجراء أي تعامل فيها أو في شيء مما تشتمل عليه ولو حصل برضاه، وكل تصرف مما سبق يقع باطلا بطلانا مطلقا"[27].
وفي هذا الصدد يتعين التمييز بين نوعين من الاستحالة، الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية.
فالاستحالة المطلقة هي التي لا تقوم بالنظر إلى شخص المدين فحسب بل بالنسبة للكافة، أو بعبارة أخرى هي الاستحالة الموضوعية التي ترجع إلى الالتزام في حد ذاته، وهي إما قانونية، كالتزام محامي باستئناف حكم لا يقبل الطعن بالاستئناف بحكم القانون، فتعمده هذا مستحيل استحالة قانونية، أو طبيعية كالتزام شخص بيع كمية من البضائع سبق أن سرقت، أو الالتزام ببيع منزل انهدم من قبل، أو الالتزام ببيع شيء يستحيل بيعه بحكم طبيعته كالطريق العمومية مثلا.
والاستحالة المطلق تجعل العقد باطلا بطلانا مطلقا على أن تكون سابقة أو مزامنة لنشوء الالتزام. أما إذا كان العمل المتعهد به ممكنا وقت نشوء الالتزام ثم صار مستحيلا بعد ذلك فلا ينتفي شرط الإمكان، ويكون التعهد صحيحا.
أما الاستحالة النسبية فتتحقق عندما يكون تنفيذ محل الالتزام أمرا مستحيلا بالنسبة للمدين فقط. بحيث يمكن لشخص آخر غيره إذا وجد في نفس ظروف الملتزم القيام بما لم يستطع هذا الأخير القيام به، لذلك فهي لا تمنع قيام العقد، كأن يلتزم شخص بنقل ملكية شيء أو حق معين يملكه شخص آخر، ففي هذا المثال يستحيل على المدين أو الملتزم نفسه تنفيذ تعهده[28].

المطلب الثالث: ركن السبب 

إن فكرة السبب فكرة قانونية معقدة تضاربت بشأنها آراء الفقهاء واجتهاد المحاكم، ذلك أنه إذا كان البعض أنكر وجود السبب من جهة فإن الخلاف قد ثار حول تحديد المقصود من السبب من جهة أخرى، وبالتالي لمعرفة المقصود من السبب سنقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فقرات: سنخصص الفقرة الأولى لتعريف السبب، ثم الفقرة الثانية شروط السبب في القانون المغربي، وأخيرا الفقرة الثالثة جزاء تخلف شرطي السبب في القانون المغربي.

الفقرة الأولى: تعريف السبب 

لقد ترعرعت فكرة السبب بين نظريتين: النظرية التقليدية والنظرية الحديثة. 
ويقصد بالسبب في النظرية التقليدية هو السبب القصدي أي الغرض المباشر الذي يرمي الملتزم تحقيقه، بمعنى أن السبهو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه وهو ما يعرف بسبب الالتزام والذي يعد واحدا في كل العقود إذ هو لا يتغير من عد لآخر ففي البيع سبب الالتزام هو الحصول على الثمن وفي الإيجار هو الحصول على الأجرة. 
أما السبب بالنسبة إلى النظرية الحديثة، إن الأصل في السبب بمدلول القصد والباعث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" والسبب في النظرية الوضعية الحديثة هو الباعث الذي دفع إلى عملية ا لتعاقد، وقولنا بأن المقصود بالسبب هو الباعث يعني أن السبب يتحكم فيه معيار ذاتي يختلف باختلاف عقد من عقد لآخر، ومن متعاقد لمتعاقد آخر. 
وبالتالي فاسبب حسب هذه النظرية يعني الباعث الدافع للتعاقد أي الغاية البعيدة التي أراد المتعاقد تحقيقها من وراء العقد وهو يعرف بسبب العقد والذي يتغير من عقد لآخر، بل هو ليس ولحد، حتى في العقد الواحد فمن يبيع غايته القريبة الحصول على الثمن، أما الغايات البعيدة (البواعث) تتعدد فقد يشتري بجزء من الثمن شيئا آخر، ويهب الجزء المتبقي للغير[29]. 
بالتالي هل المشرع المغرب يأخذ بالنظرية التقليدية أم النظرية الحديثة للسبب؟ 
خصصت مدونة الالتزامات والعقود المغربية للسبب فصولا أربعة هي الفصول (62، 63، 64، 65)[30] من قانون الالتزامات والعقود. 
إذا لجأنا إلى مدونة الالتزامات والعقود المغربية نبحث في الفصول المخصصة لسبب، فإن هذه الفصول لا تسعفنا بالجواب الذي يقنعنا في الموضوع، ذلك أننا لا نجد تعريفا للسبب المقصود، ولا إشارة صريحة إلى أن المقصود هو السبب القصدي فقط، أو أنه كل من السبب القصدي والباعث الدافع إلى التعاقد، وكل ما يمكننا استخلاصه من دراسة هذه النصوص هو أنها تشير إلى السبب القصدي، أي يأخذ بالنظري التقليدية في السبب وهذا واضح في الفصل 62، من قانون الالتزامات والعقود، "الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن". 
حيث ترى النظرية التقليدية أن كل التزام يجب أن يتوفر على سبب وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 62 من قانون الالتزامات والعقود بقولها: "الالتزم الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن". 
والمراد بالسب غير الموجود أن يكون المتعاقدان على بينة من أنه غير موجود ولكن كيف يقبل أطراف العلاقة القانونية على التعاقد لسبب غير موجود. 
ترى النظرية التقليدية أن هذا الغرض قد يتحقق قبل التعاقد وبعده. ومن أمثلة عند التعاقد: أن يكره أحد المتعاقدين على إمضاء إقرار بالمديونية وهو غير مدين أي أن السبب غير موجود أصلا، فيكون متعاقد على بينة من أن سبب المديونية غير موجود، فيكون العقد الذي أقر فيه المتعاقد المكره بمديونيته باطلا لعدم وجود سبب. ومن أمثلة انعدام السبب بعد التعاقد، إذا لم يقوم أحد المتعاقدين في العقود الملزمة للجانبين بتنفيذ التزامه أو استحال عليه التنفيذ لقوة قاهرة، فإن سبب الالتزام المتعاقد الآخر يصبح غير موجود بعد أن كان موجودا عند التعاقد، وانعدام السبب هنا هو ا لذي يبرر نظرية الدفع بعدم التنفيذ والفسخ وتحمل التبعة. 
وبالتالي من خلال ما سبق يتضح بأن المشرع المغربي يأخذ بالنظرية التقليدية، ويرى البعض وجوب تفسير السبب في النظرية العامة للالتزامات في ضوء النظرية الحديثة للسبب، لتشمل هذه النصوص إلى جانب السبب في المفهوم الموضوعي، السبب في المفهوم الشخصي. 
وعليه فإنه لكي يعتد بالالتزام لا يكفي فقط بالغرض المباشر الذي يرمي إليه الملتزم بل يعتد كذلك بالباعث الشخصي الذي حمل الملتزم على التعاقد.

الفقرة الثانية: شروط السبب في القانون المغربي

ينص الفصل 62 من قانون الالتزامات والعقود على أن الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع كأن لم يكن، ويستخلص من هذا الفصل، أن المشرع يشترط في السبب شرطين هما: 
1) أن يكون موجودا. 
2) أن يكون مشروعا. 
ولم يتعرض هذا الفصل لاشتراط أن يكون حقيقيا، مع أن النص الفرنسي المقابل وهو المادة 1131 يقول: "الالتزام يبقى مجردا من أي أثر إذا لم يكن مبنيا على سبب غير حقيقي، أو على سبب غير مشروع. فهو يشترط – كما رأينا – أن يكون السبب حقيقيا، إلى جانب الشرطين السابقين. 
ولعل المشرع قد حذف هذا الشرط، أنه يمكن الاستغناء عنه بالشرطين الآخرين، وذلك لأن السبب إذا لم يكن حقيقيا فإما أن يكون موهوما لا وجود له في الحقيقة، دخل في السبب المعدوم، وكذلك إذا كان السبب صوريا. وكانت الصورية مطلقة، بحيث كان السبب الظاهر يخفي سببا آخر، فإن كان هذا السبب الحقيقي مشروعا، فالعقد صحيح، وإن كان غير مشروع فالعقد باطل لعدم مشروعية السبب الحقيقي. 
نستعرض فيما يلي بإيجاز كلا من الشرطين: الشرط الأول، أن يكون السبب موجودا، وقد نص الفصل 62 من قانون الالتزامات والعقود على هذا الشرط بقوله "الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لمن يكن"، وعلى هذا فإذا انعدم السبب عنه تكون العقد فإنه باطلا لانعدام ركنه، وكذلك يبطل العقد إذا توفر سببه عند تكوين العقد ولكنه انعدم عند تنفيذه. 
والواقع أنه كلما تتحقق في الواقع فرضية انتفاء السبب، لأنه من النادر أن يقدم إنسان على التعاقد من غير سبب يدفعه إليه، ولكن مع ذلك يكن أن يتحقق هذا الغرض، إذا كان القانون يشترط أن يكون السبب موجودا فليس معنى هذا أنه يجب أن يذكر في العقد، بل إنما يشترط وجوده في الواقع ونفس الأمر، فإذا توفر هذا الشرط فالعقد صحيح ولو لم يذكر السبب في صلب العقد، وإذا لم يتوفر فإن العقد يكون باطلا ولو ذكر السبب في العقد مادام قد ثبت أنه غير موجود في الحقيقة وبهذا يظهر أن ذكر السبب في العقد لا يكفي لتصحيحه، إلا إذا لم يثبت أنه غير موجود في الواقع. كما أن عدم ذكره في العقد لا يؤدي إل بطلان هذا العقد إلا إذا ثبت أنه غير موجود حقيقة، مثال عندما يتحقق فيها انعدام السبب. أن يعقد شخص مع آخر عقدا ملزما للجانبين كبيع، ويتوفر سبب الالتزام لكل منهما، ثم عند تنفيذه ينعدم السبب، كأن يمتنع أحد الطرفين عن تنفيذ التزامه، أو يستحيل عليه هذا التنفيذ لقوة قاهرة. 
الشرط الثاني أن يكون مشروعا، وقد نص الفصل 62 على هذا الشرط بقوله: "الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعتبر كأن لم يكن"، وبينت الفقرة الثانية من نفس الفصل متى يكون السبب غير مشروع، فقالت: "يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة، أو للنظام العام، أو للقانون". 
ويتبين من الفقرة المذكورة أن السبب لكي يكون مشروع يجب أن يكون غير مخالف للأخلاق الحميدة، أو للنظام العام أو القانون. فإن خالف أحدها كان غير مشروع، وكان العقد باطلا تبعا لذلك. 
وقد تعمد المشرع وضع هذا العبارات المرنة ليسهل على القضاء مهمة تكييف عدم مشروعية السبب تبعا لحاجيات العصر وأخلاقه وحسب نظرة الناس إلى الحياة وإلى الأمور. 
ذلك أن الأخلاق الحميدة والنظام العام يتمتعان بمرونة تجعلهما غير جامدين، ولذلك نراهما يتغيران بتغير الظروف المحيطة بالمجتمع، الشيء الذي يتعسر معه وضع لائحة لما يعتبر مخالفا للنظام العام والأخلاق ا لحميدة، تمكن القاضي بمجرد الرجوع إلى هذه اللائحة من معرفة ما إذا كان السبب معين مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام. أو ليس مخالفا لهما، ويرجع ذلك إلى أن مفهومهما يتطور ويتبدل بتأثير عوامل الحضارة والثقافة والمذهب السائد، فما يكون من الأخلاق الحميدة أو النظام العام في وقت أو في أمة قد لا يعتبر كذلك في وقت آخر، أو في أمة أخرى. مثلا الزواج بأكثر من واحدة لا يخالف النظام في البلاد الإسلامية، وهو يخالفه في أوربا مثلا، والتأمين على الحياة كان مخالفا للآداب، فأصبح لا يخالفها وهكذا.

الفقرة الثالثة: جزاء تخلف شرطي السبب في القانون المغربي

عرفنا من الفصل السابق أن ظهير الالتزامات والعقود يشترط في السبب أن يكون موجودا وأن يكون مشروعا. 
فإذا لم يتوفر أحدهما بأن كان السبب غير موجود أو غير مشروع كان العقد باطلا، وهذا ا لبطلان هو البطلان المطلق الذي يجوز التمسك به لكل من له مصلحة. وللمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، ولما كان العقد الباطل لا يترتب عليه أي أثر مما يترتب على العقد الصحيح، لذلك لا سبيل لأحد من المتعاقدين إلى أن يلزم الآخر بتنفيذ العقد الباطل إذا كان لم ينفذه بعد. أما إذا كان قد نفذ بعضه أو كله، يجب إعادة المتعاقدين إلى حالتهما التي كانا عليها قبل التعاقد. 
وهكذا، ففي عقد البيع، إذا كان قد نفذ وكان سببه غير مشروع، فيحق للبائع أن يسترد المبيع، وللمشتري أن يسترد الثمن[31]. 
وهذا ما أشار إليه الفصل 306 من قانون الالتزامات والعقود بقوله: "الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له". 
وقال أيضا في الفقرة الثانية من نفس الفصل ويكون الالتزام باطلا بقوة القانون: 
1- إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه. 
2- إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه"[32].

المبحث الثاني: ركن الشكلية وركن التسليم 

- رضائية العقود: 
الأصل في العقود أنها رضائية بمعنى أن المتعاقدين بمجرد أن يقع رضاهما السليم على محل، ويحمل على سبب مشروع يصلان إلى إبرام العقد الذي كانا ينويان عقده. دونما الالتزام باتباع شكل معين ليكون تعاقدهما صحيحا، حيث يمكن أن ينعقد العقد مشافهة أو بالمراسلة أو بالهاتف، فتظل آثاره كما هي ولا تتغير أيا كان الشكل الذي ورد فيه العقد. 

- استثناء القاعدة السابقة: 
لكن واستثناء لقاعدة رضائية العقود توجد هناك فئة قليلة من التصرفات التي تتميز بأن مجرد الرضاء بها لا يكفي لقيامها وإنما يلزم لذلك أن يجيء هذا الرضاء في شكل محدد يرسمه القانون[33]. وتسمى هذه التصرفات بالتصرفات الشكلية تمييزا لها عن التصرفات الرضائية. 
ويستثنى كذلك من القاعدة السابقة أن يشترط في تمام تصرف من التصرفات أني قع تسليم المعقود عليه فيها وهذا ما يسمى بالعقد العيني.

المطلب الأول: ركن الشكلية 

الفقرة الأولى: العقد الشكلي: "Contrats formels" 

إن السمة البارزة في التصرفات الشكلية هي كون الشكل ركن لازم لانعقادها، بحيث أنها إذا لم تبرم في الشكل المحدد قانونا تقع باطلة بطلانا مطلقا، ولا ينتج عنها أي أثر قانوني. ولكن هذا لا يعني أن الشكل يغني فيها عن الإرادة بل يجب لقيامها توافر الأمرين معا أي الرضاء والشكلية دون تخلف أحدهما. 
وبذلك يمكن تعريف العقد الشكلي بأنه العقد الذي يشترط لانعقاده، علاوة على الشروط المتطلبة في العقود الرضائية، توافر بعض المراسم الشكلية[34]. وهذه المراسم الشكلية تتمثل في أن يفرغ العقد في شكل أو قالب يحدده القانون[35]. 
والأشكال التي يرسمها القانون للتصرفات الشكلية ليست كلها من نوع واحد، وهي تتراوح في مجموعها بين الكتابة العادية، وبين إبرام التصرف بواسطة موظف رسمي مختص يناط به توثيق التصرفات، وهذا ما يطلق عليه: "الرسمية"[36]. 
وبهذا فإن الشكلية في التصرفات القانونية على نوعين: 
النوع الأول: وهي شكلية يفرضها القانون لاعتبارات تتعلق بالنظام العام، وعدم مراعاتها يعني بطلان التصرف القانوني كجزاء على تخلفها كما هو الحال بالنسبة لبيع العقار. 
والنوع الثاني: وهي الشكلية الاتفاقية وعدم مراعاتها يعني عدم انعقاد العقد، ومثالها، أن يتفق المتعاقدين على جعل عقد رضائي بطبيعته كعقد البيع عقدا شكليا، كما إذا اتفقا على أن البيع الذي يزعمان إبرامه لا ينعقد إلا إذا تم في الشكل الرسمي أو تم في محرر مكتوب، وبالتالي لا يعتبر للعقد قيام إلا إذا جاء في الشكل المتفق عليه، أي أنه في هذه الحالة يعتد بإرادة المتعاقدين.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب التميزي بين شكلية الانعقاد وشكلية الإثبات، فالأولى ضرورية لإبرام العقد أما الثانية فإنها ضرورية لإثبات وجوده وذلك في حالة الاتفاقات التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل الالتزامات أو العقود التي تتجاوز قيمتها 10.000 درهم والتي يتعين إثباتها كتابة.

الفقرة الثانية: نماذج العقود الشكلية

من بين أهم نماذج العقود الشكلية التي يعتبر ركن الشكلية ركنا أساسيا لقيامها نجد: البيع الوارد على العقارات أو الحقوق العقارية بحيث يشترط القانون أن يجري كتابة في محرر ثابت التاريخ. وهذا ما نص عليه الفصل 489 من ق.ل.ع بقوله: "إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أنيجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ. ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون". 
فقد جاء في مقرر للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 27 أبريل 1983 أنه: "إذا كان المبيع عقارا محفظا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ وإذا اختل هذا الركن الشكلي فإن البيع لا يقوم"[37]. 
والمقايضة كذلك إذا كان محلها عقارا تخضع لنفس المراسم، حيث إن القانون بعد أن نص في الفقرة الأولى من الفصل 620 من ق.ل.ع على أنه "تتم المعاوضة بتراضي المتعاقدين". 
جاءت الفقرة الثانية من نفس الفصل تقضي بأنه: "إلا أنه إذا كان محل المعاوضة عقارات أو أشياء أخرى يجوز رهنها رهنا رسميا، وجب تطبيق أحكام الفصل 489"[38]. 
والشركة التي يكون محلها عقارات أو غيرها من الأموال مما يمكن رهنه رهنا رسميا والتي تبرم لتستمر أكثر من ثلاث سنوات، أوجب المشرع أن يحرر عقدها كتابة تحت طائلة البطلان، وهو ما نص عليه الفصل 987 من قانون الالتزامات والعقود.

المطلب الثاني: ركن التسليم في العقود العينية 

بالإضافة إلى ما سبق التطرق إليه فقد نص المشرع على ركن آخر يستلزم في بعض العقود وهو ركن التسليم في العقود العينية، وسنتطرق لهذا الكرنك من خلال فقرتين سنخصص الأولى لمفهوم العقد العيني، في حين سنتطرق في الثانية لنماذج من العقد العيني.

الفقرة الأولى: مفهوم العقد العيني

العقود العينية هي التي يشترط لانعقادها علاوة على الشروط المتطلبة في العقود الرضائية، أن يجري تسليم الشيء المعقود عليه، بحيث لا يتم العقد إلا إذا تم التسليم. 
والعقد العيني هو نوع مخفف من العقد الشكلي أدى إليه تطور القانون الروماني، في سبيل التحلل من الأوضاع والأشكال البالية التي كانت تسوده[39]، فلتخلص من الشكل الذي كان يلزم إجراؤه بالنسبة إلى العقود بشكل عام، سمح الرومان، بالنسبة إلى بعض العقود الاكتفاء بتسليم الشيء موضوعها. 
وقد انتقل نظام العقود العينية من القانون الروماني إلى القانون الفرنسي، ومن هذا الأخير انتقل إلى القوانين التي استقت أحكامها منه. 
وفي هذا الإطار يعتبر كثير من الفقهاء الفرنسيين المعاصرين العقود العينية كأحد مخلفات الماضي، فهي تشكل مصدرا للعديد من التعقيدات غير المبررة. لهذا يقترح كثير من هؤلاء الفقهاء إخضاعها للقواعد العامة التي تقضي بانعقادها بمجرد تطابق الإرادتين طبقا لمبدأ الرضائية، من تم لا يكون تسليم الشيء المعقود عليه أحد أركان التعاقد. وإنما الخطوة الأولى لتنفيذ العقد كما هو الشكل مثلا بالنسبة لعقد الكراء الذي ينعقد قبل تسلم المكتري العين المكتراة[40]. 
وهكذا أصبحت نظرية العقود العينية في تراجع ملموس لفقدان العقد العيني غايته. إذ أنه أصبح من شأنه أن يعرقل إبرام التصرفات، بعد أن كان المقصود به في الأصل تيسيرها. 
وأمام هذا الوضع أخذت التشريعات المعاصرة تهجر نظام العقود العينية، وهو نفس الاتجاه الذي سار فيه قانون الالتزامات والعقود المغربي فقصر هذا النظام على بعض العقود. 
وتجدر الإشارة إلى أنه وفي حالة خرق ركن التسليم في العقود العينية فإن الجزاء المترتب عن هذا الأمر يتمثل في البطلان، لكون المشرع المغربي يتمسك بالنظرية التقليدية للبطلان والتي تقضي بأن الجزاء المترتب على تخلف أحد مقومات العقد هو البطلان.

الفقرة الثانية: نماذج من العقود العينية

تطرق المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود للعقود العينية، ومن بين هذه العقود نجد عقد الرهن الحيازي والوديعة وكذا عارية الاستعمال وعارية الاستهلاك أو القرض. 
وهكذا فقد جاءت المادة 88 من ق.ل.ع تقضي بأنه يتم الرهن الحيازي: 
أولا: بتراضي طرفيه على إنشاء العقد. 
ثانيا: وزيادة على ذلك بتسليم الشيء المرهون فعليا إلى الدائن أو إلى أحد من الغير يتفق عليه المتعاقدون، وإذا كان الشيء موجودا بالفعل وقت الرهن في يد الدائن كان رضى الطرفين وحده متطلبا. وإذا وجه الشيء في يد أحد من الغير وكان يجوزه لحساب المدين كفى أن يقوم هذا الأخير بإخطار حائز الشيء بإنشاء الرهن. وابتداء من هذا الإخطار، يعتبر الأجنبي الحائز أنه أصبح حائزا للشيء لحساب الدائن ولو لم يكن قد التزم مباشرة تجاهه". 
إلى جانب الرهن الحيازي تطرق المشرع في المادة 781 من ق.ل.ع لعقد الوديعة، باعتباره من العقود العينية، إذ حسب هذه المادة فالوديعة لا تنعقد إلا بالتسليم، حيث جاء فيها ما يلي: "الوديعة عقد بمقتضاه يسلم شخص شيئا منقولا إلى شخص آخر يلتزم بحفظه وبرده بعينه". 
ومن العقود العينية أيضا والتي لا تتم إلا بالتسليم نجد عقد عارية الاستعمال وهو ما نصت عليه المادة 830 ق.ل.ع حيث جاء في مضمون هذه المادة ما يلي: "عارية الاستعمال عقد بمقتضاه يسلم أحد طرفيه الآخر شيئا، لكي يستعمله خلال أجل معين أو في غرض محدد على أن يرده، وفي العارية يحتفظ بالمعير بملكية الشيء المستعار، وبحيازته قانونيا، وليس للمستعير إلا مجرد استعماله". 
كما تطرق المشرع أيضا في المادة 856 ق.ل.ع بالإضافة إلى ما ذكر سابقا، عقد عارية الاستهلاك أو القرض، إذ حسب هذه المادة فإن هذا العقد لا يتم إلا بتسليم الشيء محل العقد. 
وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أنه وكما هو الأمر بالنسبة للعقود الشكلية، فإنه يجوز كذلك للمتعاقدين في العقد العيني الاتفاق على جعل عقد رضائي عقدا عينيا، بمعنى أن لا يقوم إلا إذا تم القبض، وهذا ما يحصل أحيانا في عقد التأمين شرط ألا يتم العقد إلا بعد أن يدفع المؤمن له القسط الأول[41]. 

خاتمة
كان هذا فيما يخص بعض أركان العقد فبدونها يكون العقد معرضا للإبطال في كثير من الحالات، لكن كان هذا دون الحديث عن ركن الرضى الذي بدونه لا ينتج أي عقد آثاره القانونية و لا يصل إلى الغاية التي نشأ من أجلها ولا نتصور عقد بدونه فهو بمثابة العمود الفقري للعقد.
_________________________________________
هوامش:
[1] - د. العرعاري عبد القادر، مصادر الالتزامات، الكتاب الأول، نظرية العقد، الطبعة الثانية، 2005.
[2] - ذ. مصطفى حتيتي/ عبد الرحمن أسامة، النظرية العامة للالتزامات، أنواع الالتزامات، مصادر الالتزامات، 2004.
[3] - مصطفى حتيتي .مرجع سابق، ص: 42.
[4] - ذ. نزهة الخلدي، نظرية الالتزامات والعقود، ص: 57 بتصرف.
[5] - 207 من م.أ: "أهلية وجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون وهي ملازمة له طوال حياته ولا يمكن حرمانه منها.
[6] - 208 م.أ. "أهلية أداء هي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.
[7] - ذ. الشهبوني، الوسيط 1/270، ف 148 بتصرف.
[8] - ذ. العبدلاوي إدريس، ص: 316 بتصرف، النظرية العامة للالتزام، نظرية العقد، الطبعة الأولى، 1996.
[9] - 214 م.أ "الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة".
[10]- د. عبد اللطيف البغيل، نظرية العقد، الطبعة الأولى 2004، ص: 127.
[11] - ذ. مأمون الكزبري، مصادر الالتزامات، الجزء الأول، ص: 141، الطبعة الأولى 1968، بيروت.
[12] - المادة 219من مدونة الأسرة.
[13] - المادة 215 من مدونة الأسرة.
[14] -المادة 225 "تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية، 1/ تكون نافذة إذا كانت ناقصة له نفعا محضا. 2/ تكون باطلة إذا كانت مضره به. 3/ يتوقف نفاذها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إيجاز النائب الشرعي حسب المصلحة القائمة للمجوز وفي حدود الاختصاصات المخولة لكل نائب شرعي.
[15] - المادة 225 من مدونة الأسرة فقرة 3 : "1-.........
2-................
3-يتوقف نفاذها على إنجاز نائب شرعي..."
[16] - ذ. عبد اللطيف البغيل، مصدر سابق، ص: 135.
[17] -المادة 226 من مدونة الأسرة.
[18] - المادة 226: "يمكن للصغير المميز أن يتسلم جزءا من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار''.
يصدر الإذن من الوالي أو بقرار من القاضي المكلف بشؤون القاصرين بناء على طلب من الوصي أو المقدم أو الصغير المعني بالأمر.
يمكن للقاضي المكلف بشؤون ا لقاصرين إلغاء قرار الإذن بالتسليم بطلب من الوصي أو المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها.
يعتبر المحجوز كامل الأهلية، فيما أذن له وفي التقاضي فيه.
[19] - الفصل 8 من قانون الالتزامات والعقود: "يجوز في أي وقت بإذن المحكمة وبعد سماع أقواله القاصر إلغاء الإذن بتعاطي التجارة، ذ توفرت أسباب خطيرة تبرره. ولا يكون لهذا الإلغاء أثر بالنسبة إلى الصفقات التي شرع فهيا القاصر قبل حصول الإلغاء.
[20] - د. عبد اللطيف البغيل، نظرية العقد، الطبعة الأولى 2004، ص: 137.
[21] - ذ. مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات والعقود في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1972، ص: 152.
[22] - ذ. مأمون الكزبري، المرجع السابق، ص: 158.
[23] - ذ. مأمون الكزبري، المرجع السابق، ص: 159.
[24] - ذ. نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، الطبعة الأولى، 2013، ص: 85.
[25] - جاء في قرار المجرس الأعلى: "إن الاتفاق الذي بمقتضاه باع للاطعن المنزل موضوع الدعوى مخالف لمقتضيات قانونية تمنعه وتعاقب عليه وبالتالي فهو اتفاق غير مشروع مناف للقانون"، قرار 539 بتاريخ 15/02/2006 ملف عدد 2475/04، رسالة المحاماة، عدد 29، ص: 172 وما بعدها.
[26] - ذ. نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، الطبعة الأولى 2013، ص: 86.
[27] - ذ. نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، الطبعة الأولى 2013، ص: 87.
[28] - ذ. نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، الطبعة الأولى 2013، ص: 88.
[29] - المختار بن أحمد عطار، النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي، الطبعة الأولى، سنة 2011، دار النشر مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص: 207-2012
[30] - الفصل 62 من قانون التزامات والعقود: "الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن.
يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام".
الفصل 63 من قانون الالتزامات والعقود: "يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا مشروعا ولو لم يذكر".
الفصل 64 من قانون الالتزامات والعقود: "يفترض أن السبب المذكور هو ا لسبب الحقيقي حتى يثبت العكس".
الفصل 65 من قانون الالتزامات والعقود: "إذا ثبت أن السبب المذكور غير حقيقي أو غير مشروع، كان على من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يقيم دليلا عليه".
قانون الالتزامات والعقود، ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) سنة 2011، ص: 16.
[31] - محمد ابن معجوز ، السبب في القانون المغربي والشريعة الإسلامية.
[32] - قانون الالتزامات والعقود، ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913)، سنة 2011، ص :67. الفصل 306.
[33] - مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات والعقود في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، الطبعة الأولى، بيروت 1968، ص: 194.
[34] - مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص: 194.
[35] - إدريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، نظرية العقد، الطبعة الأولى، 1996، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص: 524.
[36] - د. عبد اللطيف البغيل، نظرية العقد، الطبعة الأولى، 2004، ص: 167.
[37] - قرار عدد 817 ملف مدني عدد 90228 مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 32ن ص: 52، ومجلة المحامي، عدد 32-33، ص: 183.
[38] - عبد اللطيف البغيل، مرجع سابق، ص: 167.
[39] - د. إدريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام ، نظرية العقد، الطبعة الأولى، 1996، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص: 527.
[40] - د. عبد الحق صافي، القانون المدني، الجزء الأول، المصدر الإرادي للالتزامات، العقد، الكتاب الأول، تكوين العقد، الطبعة الأولى، 2006، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص: 477.
[41] - د. إدريس العلوي العبدلاوي، مرجع سابق، ص: 527.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -