الإكراه البدني في القانون المغربي

عرض بعنوان: الإكراه البدني في القانون المغربي PDF


عرض بعنوان: الإكراه البدني في القانون المغربي PDF


مقدمة
منذ بزوغ فجر الإنسانية، والكائن البشري يسعى قدر الإمكان إلى ضمان جميع السبل الكفيلة بصيانة وحماية حرياته الفردية المقررة بمقتضى الفطرة، والتي تم التنصيص عليها صراحة ضمن مختلف الشرائع السماوية والوضعية.
وتتبوأ حرية الشخص البدنية منذ الأزل صدارة هذه الحريات العامة، بيد أن طبيعة المعاملات المدنية بين الأفراد، وفي سبيل الحفاظ على مبدأ إقرار ضوابط صارمة تضمن مصداقيتها وتحافظ على نجاعتها، فرضت تجاوز وسائل التنفيذ الكلاسيكية ذات الطبيعة الحبية، والبحث في المقابل عن آليات جديدة أكثر علمية وأقوى فاعلية بمقدورها جعل يتحلل رغما عنه من الالتزام المترتب بذمته ودفعه لتبرئة ذمته المالية لفائدة من لهم الحق في ذلك، ذلك لأن طرق التنفيذ العادية، كالوفاء أو الإجراء ... تظل أحيانا قاصرة عن تحقيق مقصودها والوصول إلى مبتغاها لأسباب متعددة وإن كانت راجعة في مجموعها للمدين، فهي تتباين من حيث طبيعة جوهرها. إذ قد تكون قسرية بعد تعذر تبرئة المدين لذمته المالية نتيجة الالتزام التعاقدي الذي يربطه بالدائن، وذلك لعسره وعدم قدرته على الوفاء بدينه، كما قد تكون إرادية ناجمة عن الامتناع غير المبرر للمدين في تنفيذ التزامه وتعنته عن تسديد الدين المترتب في حقه...
ويبدو الحديث عن نشأة نظام الإكراه البدني[1]، أمرا متعذرا، ما دام أن استقراء جذور ذات النظام تجعلنا نقف على حقيقة حتمية مفادها أن هذا الأخير قديم قدم المجتمعات الإنسانية نفسها. فقد عرفت الحقبة الرومانية مثلا أشد الصور التطبيقية ضراوة لنظام الإكراه البدني إذ جعل المدين الممتنع أو العاجز عن الأداء وضمانة الدين في كفة موحدة، فكان شخص المدين ضامنا للوفاء بدينه أو التحلل من التزامه، فمنح الدائن أحقية حبس المدين لإجباره على تسديد مديونيته، فإن لم يفلح في ذلك، حق له التصرف بكل حرية في شخصه بجميع الطرق الكفيلة باسترداد دينه كاسترقاقه وبيعه، وقد أعطى قانون الألواح الاثني عشر أمثلة شاهدة على قساوة وشراسة اقتضاء الحقوق على عهد الرومان كدعوى إلقاء اليد ووضعها على المدين لعدم وفائه بالدين[2].
غير أنه سرعان ما تم التخفيف من حدة التطبيق الصارم لنظام الإكراه البدني، حيث تمحظر استرقاق المدين إذ ما تعذر عليه تسديد دينه وتم الاكتفاء بالحد من حريته الشخصية عن طريق الحبس، قبل أن تتطور فيما بعد في منحى ايجابي. جعل تطبيق الإكراه البدني في حق المدين متوقف على صدور حكم قضائي عوض إطلاق يد الدائن مباشرة للتصرف في شخص المدين.
وقد اختلف في تحديد الطبيعة القانونية لنظام الإكراه البدني، بين الصفة العقابية حيث يصبح الإكراه أداة وفاء مبرئة للدين بصفة نهائية، وهذا توجه المشرع المصري في إطار المادة 511 من قانون الإجراءات الجنائية، فيما يخص الإكراه البدني في المسائل الجنائية حيث نص على انه: «يجوز الإكراه البدني لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة، ويكون هذا الإكراه بالحبس البسيط، وتقدر مدته باعتبار يوم واحد عن كل مائة قرش او اقل ..."، وبين الصفة التهديدية حيث يبرز الإكراه كوسيلة لحمل المدين على الوفاء، بحيث لا يترتب على قضاء مدة الإكراه انقضاء الدين الذي كان موضوعا لمسطرة الإكراه البدني، فيمكن التنفيذ على أمواله متى تيسر ذلك، فلا يسقط الدين في هذه الحالة الا بالأداء او الإبراء، مع مراعاة ان الإكراه البدني لا يجوز بخصوص الدين الواحد الا مرة واحدة[3]. والتوجه الثاني هو ما سايره المشرع المغربي في هذا الإطار، حيث ركز على الصفة التهديدية للإكراه البدني، وبالتالي فلم يرتب عليه المشرع اي اثر فيما يخص الإبراء من الدين، سواء تعلق الأمر بدين عمومي او خصوصي[4]، وهو ما نص عليه المشرع صراحة في الفقرة الثانية من المادة 635 من ق م ج التي جاء فيها بأنه:"...يتم الإكراه البدني بإيداع المدين في السجن، وفي جميع الأحوال فانه لا يسقط الالتزام الذي يمكن ان يكون محلا لإجراءات لاحقة بطرق التنفيذ العادية".، واعاد التنصيص عليه كذلك بخصوص الديون العمومية، في المادة 83 من م ت د ع التي ورد فيها على انه:"....لا يسقط الدين بحبس المدين، الا انه لا يمكن اعتقاله من جديد من اجل نفس الدين، باستثناء الحالة المنصوص علبها في المادة السابقة"(المتعلقة بالأداء الجزئي).
ولصعوبة إقرار تصور تعريفي شامل وموحد لمفهوم الإكراه البدني فإن المشرع المغربي تجنب إعطاء تعريف قانوني قائم بذاته وواضح في معالمه، لماهية الإكراه البدني...، ولسد ثغرات هذا الواقع التشريعي تدخل التنظير الفقهي والعمل القضائي المغربي بكل ثقله لمحاولة الإحاطة، ولو بشكل تقريبي بمفهوم الإكراه البدني[5]، فعرفه الأستاذ ادريس بلمحجوب بأنه:
"... إجبار المدين بدين عمومي أو خاص والمحكوم عليه في أغلب الأحوال بمقتضى حكم نهائي غير قابل لأي طعن (عادي أو غير عادي) بالوفاء بدين كاملا وإلا زج بالغريم في السجن لمدة يحددها القانون بناء على طلب الدائن بعد إنذار..."
كما عرفه الأستاذ عبد العالي العبودي[6]، بانه: "التهديد الجسماني للمدين بحبسه لفائدة الدائن مدة حددت بمقتضيات قانونية لتنفيذ ما حكم به..."
أهمية الموضوع:
تتجلى أهمية موضوع "الإكراه البدني كآلية لتحصيل الديون الخصوصية والديون العمومية" في اعتباره درجة من درجات التحصيل الجبري، وأيضا له أهمية أخرى تتجلى في حسمه النزاع أو الدعوى العمومية، فإذا كانت المراحل الأولى المتمثلة في البحث والمحاكمة ذات أهمية قصوى في النزاع، فإن موضوع الإكراه البدني له دور في تحصيل الديون العمومية والديون الخصوصية، حيث يعتبر من ضمن مراحل تنفيذ المقررات القضائية التي تكتسب أهمية من خلال تكريسها على أرض الواقع.
إشكالية الموضوع:
ان كثرة المتدخلين في مسطرة الإكراه البدني، تجعل تطبيقه او تنفيذه يثير عدة إشكالات سواء على مستوى النصوص القانونية المنظمة، او على مستوى المؤسسات الفاعلة في هذا الإطار.
وعليه فان هذا الموضوع سيطرح عدة إشكاليات، منها ما هو مرتبط بالجانب النظري، ومنها ما هو مرتبط بالجانب العملي، من قبيل:
- كيف يتم التعامل مع مسالة الأداء الجزئي لمبلغ الدين، في إطار مسطرة الإكراه البدني في الديون الخصوصية، من خلال تحديد مدة الإكراه في المبالغ المتبقية في ذمة المدين في ظل إغفال المشرع المغربي لذلك؟ وكذا في حالة كان المدين معتقلا؟
- هل يمكن الطعن في قرارات ق ت ع ؟ وهل يمكن تجريحه؟ وهل حدد المشرع أجلا للبت في ملفات الإكراه البدني المحالة عليه من طرف وكيل الملك؟
- ما هي الإشكالية التي يثيرها السند التنفيذي في المخالفات، بخصوص تطبيق مسطرة الإكراه البدني بشلنه؟
- كيف يتم تطبيق الإكراه البدني على مستوى المراكز الحدودية؟ 
منهج البحث وخطته:
إن الإجابة على مختلف الإشكاليات القانونية والواقعية التي يطرحها هذا الموضوع تفرض علينا اعتماد منهج مركب يمتزج فيه الجانب النظري الوصفي والتحليلي للنصوص القانونية المنظمة لهذا الموضوع، وهذا يتطلب جمع كل النصوص القانونية المنظمة له من قانون المسطرة الجنائية، ومدونة تحصيل الديون العمومية، ومدونة الجمارك بالإضافة إلى المناشير والدوريات التي تم إصدارها بهذا الخصوص، وتحليلها بشكل عميق وذلك للوقوف على مدى تفعيلها على مستوى الممارسة العملية من طرف الأجهزة التي تنظمها.
وللإحالة على إشكالية الموضوع، سوف نعتمد التصميم التالي:

- المبحث الأول: الإكراه البدني في الديون الخصوصية والعمومية
- المبحث الثاني: الإشكالات المرتبطة بتطبيق مسطرة الإكراه البدني

المبحث الأول: الإكراه البدني في الديون الخصوصية والعمومية

سنتحدث في هذا المبحث عن شروط مسطرة الإكراه البدني في الديون الخصوصية والإجراءات المسطرية لتطبيقه من خلال (المطلب الأول)، وفي (المطلب الثاني) سنتطرق إلى الشروط الموضوعية والإجرائية لتطبيق مسطرة الإكراه البدني في الديون العمومية من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية مرورا بمدونة الجمارك، وصولا لقانون المسطرة الجنائية.

المطلب الأول: الإكراه البدني في الديون الخصوصية بين الشروط الموضوعية والشكلية والمسطرة الواجب التطبيق

لقد أقر قانون المسطرة الجنائية مجموعة من الشروط الموضوعية الواجب تحققها من الناحية الواقعية والقانونية لسلوك مسطرة الإكراه البدني(الفقرة الأولى)، وكذا مجموعة من الإجراءات الشكلية المتعين احترامها في مسلسل تطبيق مسطرة الإكراه البدني(الفقرة الثانية)، كما تم النص في نفس القانون على مسطرة خاصة لتطبيق الإكراه البدني في الديون الخصوصية(الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية لتطبيق مسطرة الإكراه البدني في الديون الخصوصية

يتطلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حق المدين مجموعة من الشروط:
أولا: عدم إثبات إعسار المدين
لقد كان العسر أو الإعسار في ظل قانون المسطرة الجنائية السابق مجرد حالة واقعية، تخفض المدة القانونية إلى النصف، لكن تماشيا مع التطورات الحقوقية الراهنة، عمد المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية الحالي، إلى التعديل الجذري في إعمال مفعول الإعسار في الإكراه البدني، فأصبح سببا موجبا للحيلولة دون تطبيق مسطرة الإكراه البدني طبقا المادة 635 من قانون المسطرة الجنائية[7].
وقد اثير نقاش فقهي وقضائي واسع بخصوص مدى انسجام نظام الإكراه البدني في المقتضيات القانونية الداخلية، مع احكام المادة 11 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الصادر بتاريخ 16/12/1966، التي تنص على انه: «لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي"، وما ارتبط بهذا النقاش بخصوص سمو الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان على القانون الوطني، وجدير بالذكر ان مصادقة المغرب على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، يجعل منها جزءا من القانون الوطني، وتكون لها اولوية التطبيق على القاعدة الداخلية ان تعارض مضمونهما.
لقد وضع المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) حدا للتضارب بمقتضى قراره عدد 426 الصادر بتاريخ 22/03/2000 في الملف التجاري عدد1716/99، والذي اقام من خلاله تمييزا مهما فيما يتعلق بشروط المادة 11 المشار اليها، بين عدم القدرة على تنفيذ التزام تعاقدي، وهو مانع من تطبيق الاكراه البدني، وهذا هو مضمون المادة 11 المذكورة، وبين الامتناع عن الاداء الذي لا يسقط حق الدائن في اللجوء الى مسطرة الإكراه البدني، حيث جاء في القرار المذكور "لكن حيث ان الفصل 11 من ميثاق الامم المتحدة المؤرخ في 16/12/1966 المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من طرف المغرب بتاريخ 18/11/1979، يقضي بانه " لا يجوز سجن انسان على اساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي"، فانه ليس في الملف ما يفيد ان الطالب ادعى واثبت انه غير قادر على الوفاء بالتزامه التعاقدي اتجاه المطلوب، ومن تم فانه وطبقا لمفهوم المخالفة للميثاق المذكور يمكن تحديد هذا الإكراه في حق المدين القادر على الوفاء او الممتنع عنه. ولعل مقتضيات المادة 635 من ق م ج الحالي حسمت هذا النقاش، حينما جعلت العسر احد موانع تطبيق مسطرة الإكراه البدني، ليس فقط في الالتزامات التعاقدية بل حتى بخصوص الغرامات والإدانات النقدية، (وكذا باقي الديون العمومية بمقتضى المادة 57 من م ت د ع)، عكس مقتضيات المادة 679 من ق م ج القديم، والتي كانت تعتبر العسر موجبا فقط لتخفيض مدة الإكراه الى النصف".
ولم يتناول المشرع المغربي مفهوم الإعسار سواء في قانون الالتزامات والعقود المغربي أو فيغيره من القوانين الخاصة بل اكتفى بإيراد بعض الإشارات الموجزة لهذا المصطلح في نصوص متفرقة[8]. ويجمع الفقه القانوني على كون الإعسار " حالة قانونية تقوم بتزامن مع الوقت الذي تصبح فيه كتلة أموال الأغيار المثقلة بها ذمته المالية، وهي حالة لا تهم إلا المعاملات المدنية أما نظيرتها التجارية فتخضع لنظام خاص وهو الإفلاس[9].
ولا يكفي المدين المطلوب في مسطرة الإكراه البدني أن يحتج بوجوده في حالة عسر لتجنب الخضوع لمفعوله، بل يتعين عليه وجوبا أن يقيم الدليل بالإثبات المستندي إلى وجوده في حالة عسر فعلي والذي تبرره عدم قدرته على سداد مبلغ الدين المثقلة بذمته المالية[10]، وهذه المستندات هي:
• شهادة عوز تسلم من طرف السلطات المحلية.
• شهادة عدم الخضوع للضريبة.
الشهادة الأولى تسلم من لدن السلطات المحلية المختصة ممثلة في شخص الوالي أو العامل أو من ينوب عنه، وقد أثبتت التجربة أن شهادة العوز عادة ما يسلمها رجال السلطة من مقدمين وشيوخ وهي لا تمنح إلا بعد سابق التحري.
أما الشهادة الثانية فتتعلق بشهادة عدم التملك وعدم الخضوع للأداء الضريبي، وتهدف هذه الشهادة التي تختص بتسليمها مديرية الضرائب أو المصالح الجهوية الخاضعة لوصايتها، إلى إثبات عسر المدين من خلال إثبات عدم تملك لأموال منقولة أو ثابتة خاضعة للأداء الضريبي.
ثانيا: تعلق موضوع الخصومة بمديونية ناتجة عن التزام تعاقدي أو مسؤولية تقصيرية
إن تعلق موضوع الخصومة بمديونية ناتجة عن التزام تعاقدي تعتبر الشرط الموضوعي الثاني لصحة سلوك مسطرة الإكراه البدني إذ يتعين وجوبا أن يكون موضوع الحكم متعلقا بدعوى أو خصومة مدنية أو جنائية مرتبطة وناتجة عن التزام تعاقدي أو مترتبة أثاره عن تعويضات أو غرامات ناجمة عن جريمة أو شبه جريمة أو مسؤولية تقصيرية، ويكون الغرض من الإكراه البدني والحالة هذه إجبار المدين، أو من يتموقع بحكم القانون في مركزه – كما هو الشأن بالنسبة للولي عن القاصر- على تبرئة ذمته المالية لفائدة من له الحق في الأغيار أشخاصا طبيعيين كانوا أم أشخاص معنوية، وعلى ضوء هذا الاعتبار فلا يمكن تصور طلب اللجوء إلى مسطرة الإكراه البدني متى تعلق الحكم بموضوع دعوى غير مرتبط بالأداء الناجم عن مديونية ناجمة عن التزام تعاقدي أو مسؤولية تقصيرية، وورد في هذا الصدد عن المحكمة الابتدائية بأنفا البيضاء في حكمها[11]، "أنه لا يمكن تقديم دعوى تحديد الإكراه البدني إلا بأحكام صادرة بالأداء.، وانه متى كان الأمر القضائي المحتج به قد قضى على المطلوب في الدعوى بإزالة الاغلاق الذي قام به، بأنبوب الواد الحار، تحت طائلة غرامة تهديدية، فلا يمكن بالتالي تقديم دعوى تحديد الإكراه البدني بصدد نفس الحكم ما دام لا يتعلق بالأداء والى ذلك يقول الحكم المذكور...".
ثالثا: أن يكون الحكم الصادر بالأداء نهائيا
إن هذا الشرط وضع بالدرجة الأولى لحماية مركز المدين المكره بدنيا إذ لا يعقل أن يتم إكراه المطلوب في التنفيذ في الوقت الذي لا زالت أمامه فرصة لتعديل الحكم الصادر أو إلغاؤه، مستفيدا من أحقيته من تمام نفاذ درجات التقاضي، كما أن إكراه المدين قبل صيرورة الحكم نهائيا وحائزا لقوة الشيء المقضي به يعتبر إخلالا بشروط المحاكمة العادلة، ومس بحق من حقوقه القانونية أثناء فترة التقاضي.
والمشرع المغربي نص بعبارة صريحة على هذا الشرط ‘من خلال استعماله لعبارة المقرر القابل للتنفيذ بالمادة 639 من قانون المسطرة الجنائية[12]، وجعل عنصر الإدلاء بنسخة منه، مرفقا بالوثائق المضمنة بالمادة 640 من نفس القانون، شرطا مستنديا لتقديم طلب الإكراه البدني.
رابعا: أن يكون المطلوب في الإكراه البدني شخصا طبيعيا
القاعدة في الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة بالأداء، أن يكون المطلوب في الدعوى شخصا طبيعيا أو معنويا، كالشركات والجمعيات والتعاونيات إلى غير ذلك، فهل يخضع الشخص المعنوي لمفعول نظام الإكراه البدني على غرار الشخص الطبيعي أم لا؟ في هذا الصدد يتفق مهتمو الشأن القانوني على تعذر إمكانية اللجوء إلى تطبيق مسطرة الإكراه البدني في هذه الحالة[13]. استنادا إلى خصوصية طبيعة هذه الوسيلة الإذعانية التي تستهدف مس المدين في شخصه وتقيد حريته. لكن ذلك لم يمنع من ظهور بعض الرؤى الفقهية التي أباحت إمكانية تمديد مفعول الإكراه البدني إلى الشخص المعنوي، ممثلا في شخص من أسندت له بحكم القانون أو الاتفاق، أهلية تمثيله وسندهم في ذلك المادة 635 ق م ج التي تنظم اللجوء إلى تطبيق مسطرة الإكراه البدني والتي لم تميز طبيعة المدين بل فقط اكتفت بالقول أنه: " يتم الإكراه البدني بإبداع المدين في السجن."...
خامسا: ثبوت الامتناع الصريح بدنيا وعدم ملاءة ذمته المالية
تنص المادة 635 من ق م ج في فقرتها الأولى: " يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد مل يلزم رده والتعويضات والمصاريف، وإذا تبين أن الإجراءات الرامية إلى الحصول على الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة بقيت بدون جدوى أو نتائجها غير كافية."
غير أن اللجوء إلى مسطرة الإكراه البدني في هذه الحالة لا يتأتى بصفة تلقائية، بل يتعين أن يتزامن ذلك مع ثبوت الامتناع الصريح للمطلوب في التنفيذ من سداد مبلغ الدين، وقد يطرح نوعا من التعارض بين ماهية الامتناع وعملية ادعاء الإعسار من لدن المكره بدنيا ويبرر هذا التعارض ملاحظتين أساسيتين:
1- توحد الامتناع والإعسار في الآثار المترتبة عنهما بالنسبة للذمة المالية للمدين، إذ كلاهما يفيد عدم قدرة المدين على تبرئة ذمته المالية.
2- الامتناع يفيد أن المدين قادر على الأداء، غير أنه مصر على الإحجام على سداد مبلغ الدين المحكوم به عليه، رغم ثبوت توفر منقولات أو أموال ثابتة بذمته وهذا ما لا يتأتى عمليا ما دام أن الإكراه البدني وسيلة إذعانية لا يتم اللجوء إليها إلا بعد سبقية استنفاذ باقي وسائل التنفيذ الأخرى سواء الحجية منها أو الإذعانية[14].
وعلى ضوء هذا الاعتبار فان الامتناع في مفهوم هذا الشرط انما تنصرف ماهيته الى الحالة الواقعية التي يعمد خلالها المدين المنفذ عليه إلى إخفاء ممتلكاته ومنقولاته، وعدم توصل التحريات الاولية لمأمور التنفيذ الى مكان تواجدها حتى يتأتى حجزها ومباشرة العملية التنفيذية في مواجهتها.
سادسا: تحديد مدة الإكراه البدني
لا يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني، إلا بعد سبقية تحديد مدتها، ويتعين وجوبا على كل محكمة زجرية، وهي بصدد إصدارها لأحكامها في هذا الموضوع أن تحكم بموازاة الحكم بالغرامة أو التعويضات أو المصاريف أو رد ما يلزم رده، بتحديد مدة الإكراه البدني إما في الأدنى أو الأقصى، أو التحديد ألحصري لمدتها تطبيقا لنص المادة 638 من ق م ج.
و تحدد مدة الإكراه البدني بمقتضى الفصل 638 من ق م ج الذي ينص على أنه "يجب على كل محكمة زجرية عندما تصدر مقررا بالغرامة أو يرد ما يلزم رده أو بالتعويضات أو المصارف أن تحدد مدة الإكراه البدني."
وتنص المادة 638 على مدة الإكراه البدني بحيث "تحدد مدة الإكراه البدني من بين المدة المبينة بعده، ما لم تنص قوانين خاصة على خلاف ذلك: 
* من ستة أيام(6) إلى عشرين يوما(20) إذا كان مبلغ الغرامة أو ما عداها من العقوبات المالية يقل عن ثمانية ألاف درهم(8.000)،
* من خمسة عشر يوما(15) الى واحد وعشرين يوما(21) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق ثمانية الاف درهم(8.000) ويقل عن عشرين آلف درهم(20.000)،
* من شهر واحد(1) الى شهرين(2) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق عشرين ألف درهم (20.000) ويقل عن خمسين ألف درهم(50.000)،
* من ثلاثة أشهر (3) الى خمسة أشهر (5) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق خمسين ألف درهم (50.000) ويقل عن مائتي ألف درهم(200.000)،
* من ستة أشهر (6) الى تسعة أشهر (9) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق مائتي الف درهم ويقل عن مليون درهم(1.000.000)،
* من عشرة أشهر(10) الى خمسة عشر شهرا(15) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق مليون درهم(1.000.000).
إذا كان الإكراه البدني يرمي إلى تسديد عدة ديون مجتمعة، فتحسب مدته حسب مجموع المبالغ المحكوم بها."

الفقرة الثانية: الشروط الشكلية

بعد استعراضنا لمختلف الشروط الموضوعية الواجب توفرها لصحة اللجوء لمسطرة الإكراه البدني، ننتقل الآن إلى الشق الثاني منها، ونعني بذلك الشروط الشكلية المعتمدة في تطبيق هذه الوسيلة، ورصد طبيعتها وخصوصيتها في ظل ق م ج.
أولا: سبقية إنذار المطلوب في الإكراه البدني
ويقصد بالإنذار: الإعلام التهديدي الذي يوجهه الدائن إلى المدين الممتنع عن سداد مبلغ الدين، لتسوية وضعيته المالية، وهو بذلك ينتقل من الضغط الحي إلى مرحلة التهديد الإذعاني.
1-الجهة المكلفة بتوجيه الإنذار في المسطرة الإكراه البدني
لا يكفي الحكم نهائيا وإدلاء المستفيد من الحكم بمحضر يفيد امتناع المدين عن سداد مبلغ الدين المترتب بدمته وعدم وجود منقولات أو ممتلكات تذكر بحوزته بل يتعين وجوبا توجيه إنذار للشخص الطبيعي المراد إكراهه بدنيا [15]، وقد حسم المشرع المغربي في هذاالشأن من خلال الفقرة الأولى من المادة 640 من ق م ج ، فجعل مسؤولية توجيه الإنذار على عاتق طالب الإكراه البدني المستفيد من مقتضيات الحكم القضائي الصادر بالأداء وعلى ذلك تنص الفقرة الأولى من المادة المذكورة علي انه:" يجب توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه."[16]
2- مدة الإنذار في الإكراه البدني
نص المشرع المغربي على مدة توجيه الإنذار إلى المحكوم عليه بالأداء في المادة 640 من ق م ج "توجيه الإنذار من طرف طالب الإكراه البدني في حقه يبقى دون نتجه بعد مرور أكثر من شهر واحد من تاريخ التوصل.
ونعتقد ان مدة الشهر الواحد، كأجل زمني للإنذار في مسطرة الإكراه البدني، تعتبر مدة كافية لاختيار مدى جدية المدين في سعيه لتسوية وضعيته المالية تجاه من يمتلك الحق.
ثانيا: تقديم طلب كتابي لاعتقال المدين المكره بدنيا
من الشروط الشكلية في تطبيق مسطرة الإكراه البدني، نجد تقديم الدائن لطلب كتابي من أجل الزج بالمدين في السجن، وهذا ما عبرت عنه الفقرة الثانية من المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية بقولها" تقديم طلب كتابي من طالبا لإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن."
ثالثا: الوثائق اللازمة في طلب تقديم مسطرة الإكراه البدني
بعد أن تطرقنا لمختلف الشروط الموضوعية والشكلية المتعين توافرها لسلوك مسطرة الإكراه البدني، ننتقل إلى جرد مختلف الوثائق المتعين تقديمها بها من قبل الدائن، اثناء التطبيق العملي لمسطرة الإكراه وهي حسب المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية على الشكل التالي:
1- طلب صريح من طالب التنفيذ، يفيد في تحريك مسطرة الإكراه البدني في حق الممتنع عن الأداء (المادة 640 الفقرة 2).
2-أصل النسخة التنفيذية من المقرر النهائي الصادر بالأداء الحائز لقوة الشيء المقضي به، وما يفيد صيرورته نهائيا (اشهاد بعدم الطعن).
3-أصل محضر الامتناع وعدم وجود ما يحجز لدى المنفذ عليه والمحرر بصفة نظامية.
4-نسخة من الإنذار الموجه للمطلوب ضده الإكراه مشفوعا بما يفيد التسلم مع إجبارية مرور أكثر من شهر واحد على تاريخ التوصل.

الفقرة الثالثة: إجراءات مسطرة تطبيق الإكراه البدني في الديون لخصوصية

بعد توصله بطلب الإكراه البدني من طرف الدائن او دفاعه، يقوم وكيل الملك بعد مراقبة نظامية وصحة الوثائق المرفقة بالطلب، بإحالة هذا الأخير على قاضي تطبيق العقوبات، هذه المؤسسة القضائية الجديدة، التي تختص بجملة من الاختصاصات [17]الى جانب التأكد من سلامة إجراءات الإكراه البدني في الديون الخصوصية، من خلال ضبط الشكليات النظامية المتعلقة به، والتحقق القبلي لشرعيته واحترامه للقواعد القانونية المطبقة.
ويقوم ق ت ع بإصدار قراره القاضي بالموافقة على تطبيق الإكراه البدني اذا اتضح ان الطلب المذكور خال من موانع تطبيق الإكراه البدني (سن المكره، وجود قرابة بين الدائن والمدين..)، وان الوثائق المرفقة بالطلب المذكور قانونية(محضر الامتناع وعدم ما يحجز، المقرر القضائي، الإنذار..).
وفي هاته الحالة، يعمل وكيل الملك بعد توصله بقرار الموافقة على تطبيق مسطرة الإكراه البدني، بإصدار أمر بإلقاء القبض على المكره [18](انظر الملحق رقم )، مع تضمينه جميع البيانات الخاصة به، ثم يحال على الضابطة القضائية المختصة قصد التنفيذ في حق المعني بالآمر، الا في حالة الأداء او وجود مانع قانوني يمكن ان يثيره المطلوب ضده الإكراه، (غالبا ما يدلي المعني بالأمر في هاته الحالة بما يفيد عسره، او السن). او يحال على وكيل الملك المختص اذا كان المطلوب ضده الإكراه يقطن خارج نفوذ الدائرة الترابية لوكيل الملك المصدر لأمر بإلقاء القبض.
كما يمكن ان يصدر ق ت ع قرارا بعدم الموافقة على تطبيق مسطرة الإكراه البدني، في حالة تبين له وجود احد الموانع القانونية، او ان احد الإجراءات المتعلقة بمسطرة الإكراه البدني أنجزت خلافا للقانون.
وفي هاته الحالة، يقوم وكيل الملك بحفظ الملف للعلة الواردة بقرار ق ت ع. حيث يتم إشعار طالب الإكراه البدني او دفاعه بقرار الحفظ، بغية تمكينه من معرفة علة عدم الموافقة، لتصحيح ما يجب تصحيحه.

المطلب الثاني: خصوصيات لإكراه البدني في الديون العمومية

كرس المشرع المغربي من خلال الترسانة القانونية فيما يخص تحصيل الديون العمومية، مبدأ اللجوء إلى الإكراه البدني لحمل المدين على الوفاء بما هو ملزم به، مع إحاطة ذلك بعدة ضمانات، حيث أن مسطرة الإكراه البدني سابقا كانت مجحفة بشكل كبير لأنه وبعد توجيه الإنذار إلى المعني بالأمر أو الملزم بالأداء وفق مقتضيات أحكام ظهير: 21 /08/ 1935، تحرك الإدارة المعنية مسطرة الإكراه البدني بمجرد عدم استجابة المدين للإنذار الموجه له وذلك بتوجيه طلب مباشر إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة، فيصدر هذا الأخير امرأ بإلقاء القبض على المعني بالأمر، بعد بسط رقابته على الشروط القانونية والشكلية للمسطرة.
ولذلك فقد تمت مراجعة مسطرة الإكراه البدني بشكل يراعي الحرية الشخصية للمٌلزَم بالدين العمومي، وعلى ضوء هذا الاعتبار فقد تضمنت القوانين الجديدة مجموعة من المؤشرات العملية التي تعطي الدليل على كون القوانين العامة والخاصة للتحصيل الجبائي تندرج في سياق الاحترام المتميز لحقوق الإنسان، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: " تضييق الخناق على مسطرة الإكراه البدني، وإضفاء الصبغة الاستثنائية عليها كوسيلة للتحصيل الجبري."
وقد حصرا لمشرع المغربي الديون العمومية فيما يلي[19]:
-الضرائب المباشرة للدولة والرسوم المماثلة، وكذا الضريبة على القيمة المضافة، المشار إليها بعبارة "الضرائب والرسوم" فيما يلي من هذا القانون،
- الحقوق والرسوم الجمركية،
- حقوق التسجيل والتمبر والرسوم المماثلة،
- مداخيل وعائدات أملاك الدولة،
- حصيلة الاستغلالات والمساهمات المالية للدولة،
- الغرامات والإدانات النقدية،
- ضرائب ورسوم الجماعات المحلية وهيئاتها،
- سائر الديون الأخرى لفائدة الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية التي يعهد بقبضها للمحاسبين المكلفين بالتحصيل، باستثناء الديون ذات الطابع التجاري.
وسنتعرض للإكراه البدني من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية والاستثناءات الواردة على تطبيقه (الفقرة الأولى)، وكذا الإجراءات التي ينفرد بها في مدونة الجمارك
(الفقرة الثانية)، ثم نلقي عليه الضوء من خلال ق م ج (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: مسطرة الإكراه البدني من خلال مونة تحصيل الديون العمومية والاستثناءات الواردة عليها

يعتبر الإكراه البدني اخر درجة من درجات التحصيل الجبري للديون العمومية، يعمد من خلاله المحاسب المكلف بالتحصيل الى إرغام المدين في شخصه لا جل استخلاص الدين المترتب في ذمته.
وحتى ان منح له المشرع هذه الإمكانية، الا انه وضع لها قيودا او موانع تحول دون تطبيقه، حفاظا على حقوق المدين وضماناته.
ونظم المشرع مسطرة الإكراه البدني وشروطه في م ت د ع في المواد 76 الى 83، دون ان يستغني عن مقتضيات ق م ج في هذا الخصوص، ذلك كلما تعلق الأمر بتحصيل الغرامات والإدانات النقدية والصوائر القضائية[20].
أولا: الشروط الموضوعية لسلوك مسطرة الإكراه البدني بشأن الديون العمومية
• تعلق الطلب بمديونية عمومية مستحقة الأداء لفائدة الخزينة العامة (المادة 2 من قانون 15.97)، مع استنفاذ باقي طرق التحصيل الجبري قبل سلوك مسطرة الإكراه البدني.
• ثبوت يسر وملاءة الذمة المالية للمدين وعدم إعساره .
• عدم وجود مانع قانوني مؤقت أو دائم يحول دون تطبيق مسطرة الإكراه البدني.
• أن يكون المطلوب في مسطرة الإكراه البدني في الديون العمومية شخصا طبيعيا.
ثانيا: الشروط الإجرائية لتطبيق مسطرة الإكراه البدني في الديون العمومية
تباشر مسطرة الإكراه البدني في الديون العمومية عبر تقديم طلب إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل أو الشخص المفوض لذلك قانونا[21]، ويتم تنفيذها دون الحاجة إلى الحصول على حكم نهائي، لأن السندات التنفيذية الصادرة عن الإدارة تثبت الالتزام، مما يدل على أن المسطرة المتبعة امتيازيه لصالح الإدارة (الفصل 8 و9 و10) وفي حالة وجود منازعات حول استخلاص هذه الديون، يتعين البت فيها قبل تطبيق مسطرة الإكراه البدني بشأنها، إما لعدم قانونية الإجراء المتخذ من حيث الشكل، أو لعدم اعتبار أداءات يكون قد قام بها.[22]
ويبث رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات في الطلب المعروض عليه داخل أجل لا يتجاوز 30 يوما ويحدد مدة الإكراه، ويعمل وكيل الملك لدى المحكمة المختصة -وهي محكمة المكان المستحقة فيه الديون العمومية -فورا على تنفيذ المقرر المحدد لمدة الإكراه البدني.
ثالثا: الاستثناءات الواردة على مسطرة الإكراه البدني من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية
بادرت مدونة تحصيل الديون العمومية من جهتها إلى تقرير مجموعة من التنازلات أثناء سداد الدين العمومي لصالح الملزمين بالأداء الضريبي فتم منح تسهيلات في هذا الاتجاه، وألزمت الدائن العمومي بضرورة اللجوء أولا إلى الطرق الأخرى للتنفيذ الجبري وخاصة الحجز على أموال المدين وبعد فشل تلك الطرق يتم سلوك مسطرة الإكراه البدني، وحصر المشرع نطاقها في المدين المعروف بيسره واستثنت المدين الذي تبث عسره وفق الشروط القانونية المقررة في المادة 57 من م ت د ع، وذلك إما بإنجاز محضر بعدم وجود ما يحجز وإما بشهادة العوز المسلمة للمدين من طرف السلطة الإدارية المحلية كالوالي أو العامل كما تم استثناء بعض المدينين من الخضوع للإكراه البدني من حيث مبلغ الدين المستحق وراعت المدونة أيضا بعض الحالات الاجتماعية وغيرها، حيث شكلت أبرز الاستثناءات التي أدرجها المشرع المغربي حين إقراره لمدونة تحصيل الديون العمومية وهي كالتالي:
* إذا كان مجموع المبالغ المستحقة يقل عن 8000 درهم.
* إذا كان سن المدين يقل عن 20 سنة أو بلغ 60 سنة فما فوق.
* إذا تبث عسر المدين طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 57 من م ت د ع.
* إذا كان المدين امرأة حاملا.
* إذا كان المدين امرأة مرضعة، وذلك في حدود سنتين ابتداء من تاريخ الولادة.
* إذا كان المدينان زوج وزوجته في آن واحد ولو من أجل ديون مختلفة.
وكذلك لابد من الإشارة إلى أن الإكراه البدني فيما يخص تحصيل الغرامات والإدانات النقدية تطبق عليها المواد من 633 إلى 647 من قانون المسطرة الجنائية، حسب مقتضيات المادة 134 من مدونة تحصيل الديون العمومية كنوع من الإحالة القانونية من القانون الخاص إلى القانون العام.[23]
* من 15 يوما إلى 21 يوما حين يعادل مبلغ الدين أو يفوق 8000 درهم ويقل عن 20000 درهم.
* من شهر واحد إلى شهرين حين يكون مبلغ الدين يعادل 20000 درهم ويقل عن 50000 درهم.
* من ثلاثة أشهر إلى5 شهور حين يكون الدين يعادل أو يفوق 50000 درهم ويقل عن 200000 درهم.
* من ستة أشهر إلى 9 شهور حين يكون الدين يعادل أو يفوق 200000 درهم ويقل عن 1000000 درهم.
* من عشرة أشهر إلى 15 شهرا حين يكون الدين يعادل أو يفوق مبلغ 1000000 درهم.
ويعتبر الإكراه البدني في الديون العمومية إجراء استثنائيا وأيضا غير مسقط للالتزام الأصلي الذي يمكن استيفاؤه لاحقا بالطرق العادية ولا يعتبر عقوبة بل هو مجرد وسيلة ضغط وإذعان لإرغام المدين المحكوم عليه بتسديد ما ترتب بذمته المالية من دين عمومي لفائدة الخزينة العامة.
وينتهي كليا بأداء الدين كاملا أو جزئيا حين يؤدي الملزم قسطا يعادل على الأقل نصف المبالغ الواجبة وتعهده كتابة بدفع الباقي داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر مع تقديم الضمانات المنصوص عليها في المادة 118 من م ت د ع.[24]

الفقرة الثانية: خصوصيات الإكراه البدني في مدونة الجمارك

حفاظا على بنية النظام الاقتصادي وحماية للبضائع والمنتجات المحلية، وضمانا لاستخلاص الرسوم والمكوس عن البضائع المستوردة ودرءا لكل منافسة غير مشروعة قد تضر بالاقتصاد المحلي، ومنعا للسلع المحظور الاتجار بها، أصدرا لمشرع مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم:1/77/399 بتاريخ 25 شوال الموافق ل09/10/1997.
وقد سنت هذه المدونة قواعد موضوعية تتناول التجريم في الميدان الجمركيوالمسؤولية الجنائية ووسائل الإثبات، وقواعد شكلية البحث وإقامة الدعوى العمومية وبعض المقتضيات المتعلقة بالمحاكمة وطرق الطعن والتنفيذ استثناء من أحكام القواعد العامة الواردة في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية.
ولذلك فإن مسطرة الإكراه البدني في المادة الجمركية وعلى خلاف مقتضيات الإكراه البدني في ق م ج الذي يشترط لتطبيق الإكراه البدني في الديون العمومية أن يكون الحكم الصادر بها نهائيا، فإن الإكراه البدني في الميدان الجمركي يطبق بمجرد صدور حكم نهائي ولو كان مطعونا فيه(الفصل 264 م ج).[25]
فإذا كان مرتكب الجريمة الجمركية معتقلا وقت صدور الحكم اعتبر أجل بداية الإكراه البدني هو تاريخ الوضع تحت الحراسة النظرية إذا كانت العقوبة الحبسية موقوفة التنفيذ أو لم يحكم بها أصلا لإجباره على تسديد العقوبات المالية ما لم تكن مضمونة بكفالة مالية أو شخصية.
أما إذا كانت العقوبة الحبسية نافذة فإن أجل الإكراه البدني بالنسبة للعقوبات المالية المحكوم بها يبتدئ من تاريخ انتهاء العقوبة السالبة للحرية.
وإذا كان مرتكب الجريمة في حالة سراح وقت صدور الحكم، يباشر فورا إيداعه في السجن لتنفيذ العقوبة الحبسية النافذة المحكوم بها، ولتطبيق الإكراه البدني من أجل العقوبات المالية من تاريخ تنفيذ الحبس مالم تكن مضمونة بكفالة مالية أو شخصية.
✓ مدد الإكراه البدني في م ج:
تنص المادة 262 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة على انه: "يطبق الإكراه البدني بشأن العقوبات المالية المتعلقة بجنح ومخالفات جمركية وتحدد مدته على النحو التالي رغم كل الأحكام المخالفة لهذا الفصل:
* من سنة واحدة إلى سنتين بالنسبة للجنح الجمركية.
* من ستة أشهر إلى سنة بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة 1 و2.
* من شهر واحد إلى ستة أشهر بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة 3 و4".
ويبدو جليا من خلال مقتضيات هذه المادة إذا ما ربطناها بما جاء في مقدمة المادة 638 من ق م ج، سنجدها بمثابة قانون خاص يجب تطبيقه وتنفيذ أحكامه بالرغم من كل الأحكاموالنصوص المخالفة سواء ما تضمنته م ت د ع أو تلك التي جاءت في ق م ج.

الفقرة الثالثة: الإكراه البدني على ضوء قانون المسطرة المدنية

قبل الخوض في مقتضيات الإكراه البدني في ق م ج، لا بد من التأكيد على ما سبقت الإشارة إليه سابقا، على أن الإكراه البدني في مفهومه الجديد يعتبر وسيلة من وسائل الضغط والإذعان أقرها المشرع لضمان تنفيذ الأحكام من قبل المكره بدنيا لأنه لمجرد الاعتماد على استصدار حكم بعقوبة مالية أو بتعويض مدني لا يكفي لتحقيق الغاية منه والتي يرمي إليها المشرع من أجل إحقاق الحق وإرجاع الحقوق لأصحابها، وضمان حسن سير العدالة للأفراد والجماعات.
وحسب التجارب الواقعية عمليا، فإن معظم المدينين لا يبدؤون في تنفيذ الأحكام الصادرة في حقهم إلا عن طريق البدء في تطبيق إجراءات الإكراه البدني عليهم.
1- إجراءات الإكراه البدني في الديون العمومية المحالة على قانون مسطرة الجنائية والمقصود هنا بالديون العمومية، تلك الغرامات والإدانات النقدية المحكوم بها لفائدة خزينة الدولة، والمستثناة من مدونة تحصيل الديون العمومية حيث أحالتها مباشرة حسب مقتضيات المادة 134 من م ت د ع على المواد من 633 إلى 647 من ق م ج وكذلك السند المعتمد عليه في نزع الغرامة عن طريق الإكراه البدني المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 635من ق م ج والتي تنص على مايلي: " يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده والتعويضات والمصاريف إذا تبين أن الإجراءات الرامية إلى الحصول على الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة بقيت بدون جدوى أو أن نتائجها غير كافية"
وحسب المادة 639 من ق م ج، يتم الزج بالدائن الملزم حين مرحلة الإكراه البدني، عن طريق تقديم طلب تطبيق الإكراه البدني في حقه لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة، مرفقا بنسخة من المقرر القابل للتنفيذ بالإضافة إلى الوثائق المشار إليها في المادة 640 من ق م ج، وهي عبارة عن شروط لازمة التحقق قبل اتخاذ أي خطوة نحو تنفيذالإكراه كالتالي:
- توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، دون نتيجة بعد مرور أكثر من شهر واحد على تاريخ التوصل به.
- تقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن.
- الادلاء بما يفيد عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين، وذلك عن طريق محضر بعدم وجود ما يحجز منجز سواء من طرف مأموري التبليغ والتنفيذ بالمحاكم وكذا رجال الدرك الملكي خاصة بالجماعات القروية[26].
لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط السالفة الذكر، حسب منطوق المادة 640 من ق م ج، بحيث أن وكيل الملك لا يأمر أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك من طرف قاضي تطبيق العقوبات.
اما في حالة كان المطلوب ضده الاكراه معتقلا، فيتم تفعيل مقتضيات المادة 641 من ق م ج.
2 -موانع الحكم بالإكراه البدني او تطبيقه:
❖ المحكوم الذي يثبت عسره طبقا للشروط الواردة في المادة 635 من ق م ج.
❖ ضد المحكوم عليه في الجرائم السياسية .
❖ المحكوم عليه بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد .
❖ اذا كان عمر المحكوم عليه يقل عن 18 سنة يوم ارتكابه للجريمة[27].
❖ المحكوم عليه بمجرد ما يبلغ 60 سنة.
❖ آن واحد على الزوج وزوجته، في ان واحد ولو من أجل ديون مختلفة .
❖ المدينة إذا كانت امرأة حاملا .
❖ المدينة إذا كانت امرأة مرضعة في حدود سنتين من تاريخ الولادة.
- ضد مدين لفائدة زوجه او أصوله او فروعه او إخوته او أخواته اوعمه او خاله اوعمته او خالته او ابن اخيه او ابن اخيه او ابن اخته او ابنة اخيه او ابنة اخته او من تربطه به مصاهرة من نفس الدرجة .[28]
3 - مدد الإكراه البدني في قانون المسطرة الجنائية:
بالإضافة إلى مدد الإكراه البدني المحددة في اطار م ت د ع[29]، ومن خلال م ج[30]، نجد أيضا ان المادة 638 من ق م ج قد حددت مدد الإكراه كالأتي:
* من ستة أيام (6) إلى عشرين يوما(20) إذا كان مبلغ الغرامة أو ما عداها من العقوبات المالية يقل عن ثمانية ألاف درهم(8.000)،
* من خمسة عشر يوما(15) الى واحد وعشرين يوما(21) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق ثمانية الاف درهم(8.000) ويقل عن عشرين الف درهم(20.000)،
* من شهر واحد(1) الى شهرين(2) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق عشرين الف درهم (20.000) ويقل عن خمسين ألف درهم(50.000)،
* من ثلاثة اشهر(3) الى خمسة أشهر (5) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق خمسين ألف درهم (50.000) ويقل عن مائتي الف درهم(200.000)،
* من ستة اشهر(6) الى تسعة أشهر (9) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق مائتي ألف درهم ويقل عن مليون درهم(1.000.000)،
* من عشرة اشهر(10) الى خمسة عشر شهرا(15) اذا كان المبلغ يعادل او يفوق مليون درهم(1.000.000).
إذا كان الإكراه البدني يرمي إلى تسديد عدة ديون مجتمعة، فتحسب مدته حسب مجموع المبالغ المحكوم بها".

المبحث الثاني: الإشكالات المرتبطة بتطبيق مسطرة الإكراه البدني

ان تنفيذ الاكراه البدني تتدخل فيه مجموعة من الجهات، بداية من مرحلة الحكم به وتحديد مدته، وكذا صدور قرار ق ت ع بشأنه، مرورا بإصدار أمر بإلقاء القبض من طرف النيابة العامة، وصولا الى تنفيذ هذا الأمر وإيداع المعني بالأمر بالسجن، وذلك عبر إجراءات قانونية محددة.
غير ان هذه الاخيرة، تثير اشكالات عديدة على مستوى التطبيق، منها ما يثار امام النيابة العامة وامام المؤسسات السجنية (المطلب الأول) ومنها ما يثار امام مؤسسة ق ت ع (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الإشكالات المرتبطة بمسطرة الإكراه البدني امام النيابة العامة وأمام المؤسسات السجنية

سنتطرق في هذا المطلب الى الإشكالات المثارة بخصوص تطبيق وتنفيذ مسطرة الإكراه البدني امام النيابة العامة، وامام المؤسسات السجنية، نظرا للعلاقة التي تربط المؤسستين، خاصة وان المؤسسات السجنية تعمل على تنفيذ الإكراه البدني تحت رقابة وإشراف النيابة العامة.

الفقرة الأولى: الأداء الجزئي لمبلغ الدين[31]

وفي هذا الإطار، يلاحظ ان المشرع من خلال ق م ج لم يحدد النسبة الواجب اداؤها من مبلغ الدين التي يحصل بها الأداء الجزئي، كما لم يبين شكل التزام المدين بأداء باقي الدين، كتابيا ام شفويا، عكس ما سلكه المشرع بهذا الخصوص من خلال م ت د ع، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 81 للقانون المذكور على انه: "يفرج عن المدين المعتقل بأمر من وكيل الملك بعد إثبات انقضاء الديون او بطلب من المحاسب المكلف بالتحصيل بعد اداء قسط يعادل على الأقل نصف المبالغ الواجبة وتعهد المدين كتابة بدفع المبلغ الباقي داخل اجل لا يتعدى ثلاثة أشهر مع تقديم الضمانات المنصوص عليها في المادة 118 ادناه."
والتساؤل الذي يثيره موضوع الاداء الجزئي في مسطرة الإكراه البدني، خاصة في ظل إغفال المشرع المغربي تنظيم شروط حالة الإنهاء المؤقت، هو ان تخلف المدين عن أداء باقي مبلغ الدين في التاريخ المحدد يفتح المجال امام إكراهه من جديد كما جاء في المادة 646 من ق م ج[32]، فما هي مدة الإكراه البدني التي سيقضيها المكره بخصوص المبالغ المتبقية في ذمته، علما ان المبلغ الأصلي للإكراه البدني ينطبق على مدة اكراه تفوق مدة المبلغ الباقي بدون أداء؟ وهل سيتم اللجوء الى غرفة المشورة لتحديد مدة الإجبار في المبلغ المتبقي في ذمته؟
ام يصدر وكيل الملك آمرا جديدا بإلقاء القبض على المكره، وإيداعه بالسجن لقضاء ما تبقى من مدة الإكراه البدني؟ وهل لقاضي ت ع دور في مثل هاته الحالة؟ وكمثال على ذلك:
قام مدين بأداء قسط 4000 درهم، كجزء من المبلغ المحكوم به والمحدد في 10000 درهم (بما فيها أصل الدين والصوائر..). والمحددة مدة إكراهه في 21 يوما، والتزم بأداء الباقي في اجل محدد، غير انه لم يتمكن من إتمام أداء المبلغ المتبقي في ذمته(6000) درهم رغم مرور الأجل المحدد.
فماهي مدة الإكراه البدني التي سيقضيها المعني بالأمر، بخصوص المبلغ المتبقي في ذمته (6000) درهم، علما ان هذا الأخير لا يطابق مدة الإكراه البدني الأصلية (21 يوما)؟

الفقرة الثانية: تطبيق الإكراه البدني في حق المحكوم عليه المعتقل[33] 

1- عدم إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، وإشكالية الإنذار
اذا كان المطلوب ضده الإكراه البدني -عموميا او خصوصيا -معتقلا بمؤسسة سجنية من اجل عقوبة ما، فان وكيل الملك يحيل الملف مباشرة الى مدير المؤسسة السجنية المودع بها المعني بالأمر، عملا بمقتضيات المادة 641 من ق م ج، دون حاجة لموافقة ق ت ع، كما تقضي بذلك المادة 640 من ق م ج.
وفي هاته الحالة، يوجه رئيس المؤسسة السجنية الى المعني بالأمر إنذارا كتابيا لأداء ما بذمته (ويشمل الإنذار مبلغ العقوبة المالية ومبلغ المصاريف وكذا مدة الإكراه البدني المحكوم بها).
فإذا أدى المعني بالأمر دينه، يسلم له وصل من سجل ذي ارومة تودعه إدارة المالية في كل مؤسسة سجنية لهذا الغرض[34]، ويتم إحالة الوصل المذكور الى كتابة الضبط بالمحكمة التي قضت بالإدانة والى إدارة المالية.
اما إذا صرح بعجزه عن أداء ما بذمته(دون إثبات عسره)، يحرر بهذا الخصوص محضرا من طرف مدير المؤسسة السجنية، ويوجه فورا الى النيابة العامة، حيث يوقع وكيل الملك على امر بإبقاء المحكوم عليه في السجن. ويخضع هذا الأخير للإكراه البدني بعد قضائه مدة العقوبة المحكوم بها عليه.
ويبقى الإشكال المطروح بهذا الخصوص، هو سكوت المشرع عن تحديد مدة الإنذار المشار اليه في الفصل 641 من ق م ج، وهو ما يفتح الباب امام قراءات منها: هل يفهم من هذا المقتضى ان مدة الإنذار لا اعتبار لها في مثل هذه الحالة، حيث ان الإنذار يصبح عديم الجدوى، بمجرد ما يفصح المعني بالأمر عن عدم قدرته على الأداء ؟ ام ان مدة الإنذار شرط جوهري في تطبيق مسطرة الإكراه البدني؟
2 –الاداء الجزئي:
كما يثار كذلك اشكال الأداء الجزئي لمبلغ الإكراه البدني من طرف المكره المعتقل بأحد المؤسسات السجنية، حيث ان أداء هذا الاخير قسط من مبلغ الإكراه، مع التزامه بأداء الباقي في اجل محدد -طبقا للمادة 645 من ق م ج- يفرض عدم تطبيق الإكراه البدني في حقه، او الإفراج عنه – في حالة الشروع في تنفيذ الإكراه البدني في حقه- بعد انتهائه من قضاء مدة العقوبة الحبسية المودع من اجلها.
لكن الواقع العملي يؤكد غير ذلك، فبعض النيابات العامة عندما تتوصل بكتاب من مدير المؤسسة السجنية بخصوص نظريتها حول رغبة المحكوم عليه في الأداء الجزئي لمبلغ الدين، مع التزامه بأداء الباقي في اجل محدد، او تنفيذ الإكراه البدني في حقه بعد إنهاء عقوبته، تامر مدير المؤسسة السجنية المعنية بإبقاء المعني بالأمر بالسجن لتنفيذ مدة الإكراه البدني المحكوم بها، الا في حالة الأداء الكلي لمبلغ الدين او لتنازل طالب الإكراه، مخافة الإفراج عنه، وفراره الى وجهة مجهولة، للتملص من أداء ما بقي بذمته.
3– الإسقاط في الإكراه البدني[35]:
ويثار في هذا الإطار إشكال عملي بخصوص تنفيذ الإكراه البدني في حق المحكوم عليه المعتقل بإحدى المؤسسات السجنية، في حالة تعلق الامر بتنفيذ عدة اكراهات بدنية في حقه، حيث يقوم مدير المؤسسة السجنية بتنفيذ الإكراه البدني ذي المدة الاطول في حق المعني بالأمر دون تنفيذ الاكراهات الأخرى، وهو ما يثير التساؤل حول السند القانوني في ذلك، علما بان مدير السجن يؤكد اعتماده مقتضيات المادة 647 من ق م ج. وهو ما يمكن تفسيرها ما بعدم الفهم الصحيح للنص القانوني المذكور، حيث يتم إسقاط مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 120 من ق ج[36] على هاته الحالة، وبالتالي يتعامل مع الإكراه البدني على انه عقوبة، والحال انه ليس كذلك او الى الفراغ التشريعي في هذا الصدد، لان المادة المذكورة لا تنظم مسالة تنفيذ الاكراهات أثناء تعددها.
4– تأجيل تطبيق الإكراه البدني يؤدي إلى الإعفاء من تنفيذه بسبب السن
فالمادة 636 تنص على ان سن المحكوم عليه يعد من موانع تطبيق الإكراه البدني، بمجرد بلوغ المعني بالأمر سن الستين[37].
وعليه ففي حالة الحكم على شخص ما –معتقل- بعقوبة جنائية محددة في خمس سنوات، وكان هذا الشخص موضوع إكراه بدني في نفس الوقت، ويبلغ من العمر 56 سنة .
فبعد انتهائه من قضاء العقوبة الحبسية المودع من اجلها، يكون آنذاك قد بلغ من العمر 61 سنة، يفرج عنه حالا دون تنفيذه الإكراه البدني، لوجود المانع المتمثل في السن.
5 –تنفيذ الإكراه البدني والاعتقال الاحتياطي في ان واحد
قد يصادف ان يحال الشخص الى المؤسسة السجنية في حالة اعتقال احتياطي من اجل جنحة ما بموجب امر بالإيداع بالسجن، وفي نفس الوقت، يحال ملف إكراه بدني رفقته بقصد التنفيذ في حقه. ففي مثل هاته الحالات، اغلب مديري المؤسسات السجنية، يبدؤون بتنفيذ الإكراه البدني في حق المعني بالأمر، لعلة ان المقرر القضائي موضوع الاكراه البدني اصبح مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، وسندهم في ذلك، ان المعتقل الاحتياطي يمكن ان يصدر في حقه حكم بالبراءة او يتم منحه الافراج المؤقت، بموجب حكم قضائي .وبالتالي ينفذ مدة الاجبار المحكوم بها اولا، لتفادي اي اشكال قد يثار مستقبلا في هذا السياق .
وهذا التوجه مجانب للصواب، فكان من الأولى ان يكون المعني بالأمر بداية رهن الاعتقال الاحتياطي لينتفع بهذا النظام ويستفيد من الامتيازات المخولة له بمقتضاه، ثم بعده ينتقل الى تنفيذ الإكراه البدني.
فقد تصدر المحكمة حكمها بالإدانة في حق المعني بالأمر في نفس اليوم الذي أصدر فيه امر بالإيداع بالسجن او قبل انقضاء مدة الإكراه البدني، وإذا سلمنا بان هذا الأخير هو الأحق بسبقية التنفيذ في حق المعني بالأمر-حسب التوجه السابق-فهل يؤخر تنفيذ العقوبة المحكوم بها، الى غاية تنفيذ الإكراه البدني؟

الفقرة الثالثة: النزاعات العارضة

ينعقد الاختصاص في النزاعات العارضة بشأن تنفيذ مسطرة الإكراه البدني الى المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه، حيث تنص الفقرة الأخيرة من المادة 643 من ق م ج:"...في حالة نزاع عارض يستلزم تفسيرا، تطبق مقتضيات المادتين 599 و600..."
كما تنص المادة 599 من ق م ج:"...يرجع النظر في النزاعات العارضة المتعلقة بالتنفيذ الى المحكمة التي أصدرت المقرر المراد تنفيذه ويمكن لهذه المحكمة ايضا ان تقوم بتصحيح الأخطاء المادية الصرفة الواردة فيه"...
اما المادة 600 من ق م ج فهي تقضي على انه:"..تنظر المحكمة في النزاعات العارضة بغرفة المشورة بناء على ملتمسات النيابة العامة او بناء على طلب يرفعه الطرف الذي يهمه الأمر، ويستمع الى ممثل النيابة العامة والى محامي الطرف ان طلب ذلك والى الطرف شخصيا ان اقتضى الحال . يمكن للمحكمة ان تامر بتوقيف التنفيذ المتنازع فيه. لا يقبل المقرر الفاصل في النزاع اي طعن ماعدا الطعن بالنقض..."
وموضوع المنازعات في مفهوم هذا النص تنصرف ماهيته الى كل مسالة عارضة تتسم بقانونيتها ونظاميتها، غيرانها تتطلب نوعا من التفسير والتأويل، اما لغموضها او لعدم قدرتها على تفسير منطوق الحكم المتعلق بها.
ويعرض هذا النوع من النزاعات على نفس المحكمة التي أصدرت المقرر المراد تنفيذه والتي تبث فيه بغرفة المشورة، حيث يقدم المقال في شكل عريضة للدعوى تقدم من الطالب المعني بالأمر، او بناء على ملتمسات النيابة العامة، وتجري المناقشات بعد الاستماع الى جميع أطراف الخصومة، حيث يتم الاستماع الى ممثل النيابة العامة والى دفاع الطرف متى طلب ذلك والى الطرف شخصيا ان اقتضى الحال...ويمكن للمحكمة الأمر بوقف التنفيذ المتنازع بشأنه ولا يقبل المقرر الفاصل في النزاع اي طعن باستثناء النقض [38].
وعموما فان مناط تطبيق الفصل 643 من ق م ج، يرتبط اساسا بما قد يستجد في موضوع الدعوى من مسائل نزاعية تتعلق بموضوع الإكراه البدني، وفي ذلك ينص القرار-غير المنشور-الصادر عن محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 09 يناير 1977 عدد 577/85:
"...ينص الفصل 646 من ق م ج القديم على صلاحية المحكمة التي اصدرت الحكم للبت فيما قد يستجد من مسائل نزاعية تتعلق بتنفيذه، ويقع البت في الطلبات المتعلقة بهذه المسائل بغرفة المشورة بناء على الفصل 647 من ق م ج..."[39]
ومناسبة هذا القرار جاءت لتعالج إشكالية تحديد مدة الإكراه البدني في الحالة التي تغفل فيها المحكمة ذلك، حيث يرجع الاختصاص لنفس المحكمة مصدرة الحكم وفي جميع القضايا الجنائية والمدنية على حد سواء، اذ ان الاختصاص لتحديد مدة الإكراه البدني التي تم إغفالها يرجع للمحكمة الجنحية التي بثت في الدعوى المدنية التابعة...ولعل ما يكرس هذا المنظور القضائي، تنصيصات بعض المناشير الصادرة عن وزارة العدل، كما هو الشأن بالنسبة للمنشور عدد67 الصادر عن وزارة العدل بتاريخ 16 ابريل 1959 والذي جاء فيه:"...واذا اغفلت المحكمة النطق بالحكم بشان الإكراه البدني، فان اختصاصها يبقى قائما بالنسبة لهذه النقطة، ولذلك فاني اطلب منكم، ان تقوموا في المستقبل في مثل هذه الحالات بتقديم طلب جديد الى نفس المحكمة لتصدر حكمها بشان هذه النقطة وذلك تامينا لتنفيذ الأحكام تنفيذا تاما بالطرق او الوسائل القانونية ..وفي نفس السياق وفي منشور اخر بتاريخ 8 ابريل 1985، تم التأكيد على انه:"...اذا حددت المحكمة خطأ الإكراه البدني في امد يفوق الحد الأقصى المنصوص عليه، وجب على النيابة العامة ان تراجع المحكمة في إطار الفصل 646 من ق م ج (السابق) لحسم هذه الإشكالية في التنفيذ، ما لم يكن قد قدم شخصيا للمحكمة في هذا الصدد"...[40].

الفقرة الرابعة: مسطرة الإكراه البدني على مستوى المراكز الحدودية

كان يثار إشكال بخصوص المبحوثين عنهم من اجل الإكراه البدني، على مستوى المراكز الحدودية، وكذا بالمطارات، حيث يضطر هؤلاء الى إلغاء اسفارهم-علما بان تكلفة هذه الأخيرة باهظة، بعد إيقافهم من طرف شرطة الحدود، وما يرافق ذلك من كثرة الإجراءات الإدارية المعقدة، حتى في حالة ابداء المعنيين بالأمر استعدادهم لأداء ما بذمتهم[41]. ذلك ان الأمر كان يفرض الاتصال بالضابطة القضائية المحررة لمذكرات البحث، والتي تشعر بدورها النيابة العامة المصدرة للأمر بنشر برقية البحث، بواقعة إيقاف المعني بالأمر لتلقي التعليمات المناسبة.
غيران المنشور المشترك الصادر عن وزارة العدل والداخلية والمالية[42]، وضع حدا لهاته الحالة الشاذة من خلال تسهيل إجراءات تنفيذ الإكراهات البدنية الصادرة ضد الأشخاص المحكوم عليهم في قضايا مدنية أو جنحية أو جنائية وذلك عند عبورهم لمراكز الحدود، حيث ارسى آلية تمكنهم، إن أفصحوا عن الرغبة في ذلك، من إبراء ذمتهم من المبالغ التي هم مدينون بها والتي تكون موضوع مذكرات بحث صادرة ضدهم من أجل الإكراه البدني، وتم التنسيق بهذا الخصوص بين الأجهزة المعنية التابعة لكل من وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية، قصد اعتماد مسطرة جديدة تمكن من تصفية ملفات الإكراه البدني للمعنيين بالأمر فورا، ودونما حاجة إلى الإجراءات الحالية التي غالبا ما تتسبب لهم في تعقيدات ومعاناة ناتجة عن اعتقالهم.
لذا تقرر معالجة هذه الحالات مستقبلا من طرف المصالح المعنية وفق الإجراءات موضوع المنشور المذكور، والذي سيحدد الدور الذي ستضطلع به كل مصلحة انطلاقا من توقيف المدين في المركز الحدودي إلى حين التصفية النهائية لملف التنفيذ على صعيد النيابة العامة التي أصدرت الأمر بإلقاء القبض عليه.
وهكذا، وعندما يقتضي الأمر ذلك، تصدر النيابة العامة أمرا بإلقاء القبض على الشخص المحكوم عليه يتضمن كل المعلومات الواردة في المرفق طيه (انظر الملحق)، علما أنه إذا كان الأمر الصادر عن النيابة العامة موضوع مذكرة بحث، فإنه يتم تبليغه لكل المصالح الأمنية بما فيها المتواجدة بنقط العبور الحدودية.
وفي حالة توقيف أحد الأشخاص المعنيين بهذا الأمر في أحد المراكز الحدودية، وإذا أفصح عن رغبته في الأداء الفوري لما بذمته حتى يتمكن من متابعة سفره، يقوم ضابط الشرطة القضائية باستخراج «الإشعار بتوقيف شخص مبحوث عنه" (انظر الملحق) ويقوم بتقديمه إلى صندوق قابض الجمارك والضرائب غير المباشرة بالمركز الحدودي.
يتم الإدلاء لقابض الجمارك والضرائب غير المباشرة "بالإشعار بتوقيف شخص مبحوث عنه" الذي وعلى ضوء المعلومات المضمنة فيه، يقوم باستخلاص مبلغ الإكراه البدني والذي يمثل أصل الدين المحكوم به والمصاريف القضائية عند الاقتضاء، مقابل تسليم المعني بالأمر وصلا بذلك ويضع خاتم المصلحة على نسخة الإشعار المذكور بعد تضمينها مراجع الأداء والتي تسلم مباشرة لضابط الشرطة القضائية.
إثر هذه العملية، يقوم هذا الأخير بالإفراج عن المكره، ويسمح له بمتابعة سفره ما لم يكن موضوع إجراء آخر، ويقوم فضلا عن ذلك، بإلغاء مذكرة البحث فورا.
يتعين على ضابط الشرطة القضائية بعد ذلك، أن يشعر المصلحة الأمنية المختصة ترابيا بعملية الأداء، على أساس أن تتولى بدورها إشعار النيابة العامة التي أصدرت الأمر بإلقاء القبض كتابة بذلك.
ويعمل عندئذ وكيل الملك المختص وبمجرد توصله بالإشعار الكتابي على إخبار كتابة الضبط المكلفة بالتنفيذ، بعملية الأداء.
موازاة مع ذلك، يقوم قابض الجمارك والضرائب غير المباشرة بإدراج المبالغ المستخلصة من المكرهين بدنيا في حساباته وفق التوجيهات التالية:
أ‌ – يؤهل قباض الجمارك والضرائب غير المباشرة لقبض كل الديون موضوع الإكراهات البدنية بما فيها الديون المتعلقة بالنزاعات المدنية، وكذا الغرامات والإدانات النقدية الصادرة عن محاكم المملكة.
ب‌ – لا يمكن أن يتم الوفاء إلا نقدا أو بواسطة بطاقة أداء بنكية أو بواسطة شيك معتمد.
ويعمل قابض الجمارك على تحويل كل مبلغ إلى حساب كتابة الضبط لدى المحكمة المعنية بعملية تنفيذ الإكراه البدني عن طريق الوكالة البنكية المركزية للخزينة العامة للمملكة.

الفقرة الخامسة: الجمع بين الشرط والمانع في تطبيق مسطرة الإكراه البدني

حيث ان المشرع من خلال م ت د ع، جمع بين الشرط والمانع بخصوص تطبيق الإكراه البدني في الديون العمومية، حينما اعتمد على محضر عدم وجود ما يحجز كآلية لإثبات عسر المدين، والذي يحول دون ممارسة الإكراه البدني في حقه، وفي نفس الوقت اشترط نفس الشيء لمباشرة الإكراه البدني.
فحسب مقتضيات الفصل 39 من م ت د ع [43]، لا يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني الا بعد استنفاذ جميع طرق التحصيل الجبري للديون العمومية، والمتمثلة –حسب الترتيب- في الانذار، والحجز، ثم البيع.
واشار نفس القانون في مادته [44]77، الى موانع تطبيق الإكراه البدني، ومن بينها عدم إثبات عسر المدين، طبقا لمقتضيات الفصل 57 من القانون المذكور[45]، والتي حددت وسائل إثبات العسر في محضر عدم وجود ما يحجز او شهادة العوز.
فتحرير محضر بعدم وجود ما يحجز طبقا للمادة 77 من م ت د ع يكون مانعا من موانع تطبيق الإكراه البدني في الديون العمومية، كما انه في نفس الوقت، شرط وطريق اللجوء إلى الإكراه البدني كأخير وسيلة لتحصيل الديون العمومية.
وبهذا يكون المشرع المغربي قد جمع بين اليتين متناقضتين، مما يثير التساؤل حول غاية المشرع من هاته المقتضيات.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يلاحظ التناقض بين مقتضيات ق م ج وبين مقتضيات م ت د ع، في الشق المتعلق بمحضر عدم وجود ما يحجز.
فحسب ق م ج، فهو شرط جوهري لتطبيق مسطرة الإكراه البدني[46]، امام ت د ع فتنص على انه مانع من موانع ذلك[47].

الفقرة السادسة: تقادم الغرامة والمصاريف القضائية المطلوب تنفيذ الإكراه البدني بشأنهما

تخضع الغرامة بوصفها عقوبة للتقادم المنصوص عليه في المواد 648-653 من ق م ج والمحدد في سنة واحدة اذا كانت الغرامة صادرة في مخالفة، وفي اربع سنوات اذا كانت صادرة في جنحة.
ويبتدئ اجل التقادم من التاريخ الذي يكتسب فيه المقرر القضائي قوة الشيء المقضي به، وينقطع هذا الأجل بكل إجراء من إجراءات التحصيل الجبري الذي يتم بمسعى من إدارة المالية او مصالح كتابات الضبط بمحاكم المملكة[48].
غير ان الإشكال الذي يفرض نفسه، هو حينما تتقادم الغرامة دون المصاريف القضائية، نظرا لاختلاف مدة تقادم كل منهما[49]، وفي هاته الحالة لا يمكن الاستمرار في تنفيذ الإكراه البدني سواء تعلق الأمر بالإكراه البدني من اجل الغرامة فقط او من اجل الغرامة والمصاريف معا، بل يتم إرجاع الملف موضوع مسطرة الإكراه البدني الجارية الى مصدره (كتابة الضبط) والتي يمكنها ان تتقدم بطلب جديد بشمل المصاريف القضائية وحدها دون الغرامة المتقادمة، مع ما يستلزم ذلك من الإجراءات القانونية المصاحبة. وفي هذا الصدد، أصدر رئيس النيابة العامة الدورية عدد 12 س/ر ن ع وتاريخ: 28/02/2018 (انظر الملحق) لكافة الوكلاء العامين للملك وكذا وكلاء الملك، خاصة مع ما أثاره تطبيق الإكراه البدني في مخالفات السير من إشكالات[50].

المطلب الثاني: الإشكالات المتعلقة بمسطرة الإكراه البدني أمام قاضي تطبيق العقوبات

رغم ان الإكراه البدني لا يعتبر عقوبة، فقد أناط المشرع المغربي بقاضي تطبيق العقوبات مراقبة سلامة الإجراءات المتعلقة به. فهو يقترب من العقوبة السالبة للحرية، لما فيه من حرمان الشخص المكره من حريته، ولكونه ينفذ في نفس الإطار الذي تنفذ فيه العقوبات السالبة للحرية، وهو المؤسسة السجنية التي تخضع لرقابة ق ت ع.[51]
غير ان تدخل هذه المؤسسة القضائية في مسطرة الإكراه البدني، يثير العديد من الإشكالات، منها ما نص عليها المشرع: كتحديد مدة الإجبار في حالة تضامن المدينين، والإنذار المشار اليه في الفصل 640 من ق م ج... ومنها ما اغفل التطرق اليها، كإمكانية الطعن في قراراته، وتحديد اجل للبت في ملفات الإكراه البدني من طرفه.

الفقرة الأولى: دور قاضي تطبيق العقوبات في تحديد مدة الإكراه البدني 

في حالة تضامن المدينين باستقرائنا للمادة 644 من ق م ج[52]، يمكن بيان شروط تدخل ق ت ع في تحديد مدة الإكراه البدني كالأتي: " يحدد ق ت ع مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه (الشرط الأول)، في حالة الحكم بتضامن المدينين (الشرط الثاني)، وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر (الشرط الثالث) من الدين."
الا ان التساؤل الذي يثيره الشرط الثالث الوارد أعلاه، هو: هل اختصاص ق ت ع بتحديد مدة الإكراه البدني، ينحصر فقط في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يتعلق بأحد المدينين المتضامنين دون الباقي، كما قد يفهم من خلال اشتراط المشرع ضرورة مراعاة حصة "المدين المعني بالأمر"؟ ام يشمل حتى الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يهم كل المدينين المتضامنين؟
ان الارتباط بالمعنى الحرفي لنص المادة 644 أعلاه، يسعف في ترجيح الاحتمال الأول، الا ان مراعاة غاية المشرع في اسناد هذه الصلاحية لقاضي ت ع، وتجاوزا للمشاكل التي كان يطرحها الفراغ التشريعي بخصوص هذه المسالة في ق م ج السابق، حيث كان وكيل الملك هو الذي يقوم بهذه المهمة، لكون المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه لا تختص الا اذا كانت مدة الإكراه غير محددة، او هناك منازعة في هذا التحديد، وهو الأمر غير الوارد في حالة المدينين المتضامنين المحددة في حقهم جميعا مدة الإكراه، وإعمالا كذلك لقاعدة انه " لا تضامن في الإكراه البدني" ، يجعلنا نقول ان اختصاص ق ت ع يتحقق حتى في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني موجها ضد كل المدينين المتضامنين، حيث يحدد مدة الإكراه البدني الخاصة بكل مدين اعتبارا لحصته من الدين[53].
وفي هذا الشأن صدر القرار عدد38 /2004 بتاريخ 24/5/2004 في الملف 38/2004، عن ابتدائية امنتانوت، حيث جاء فيه ما يلي:
"بناء على طلب تحديد مدة الإكراه البدني عدد:03/2002 المتعلق بالمسميين...المحال علينا من طرف السيد وكيل الملك بهذه المحكمة بتاريخ 18مايو 2004.
وحيث ان تحديد مدة الإكراه البدني من طرف ق ت ع بخصوص المدين المتضامن، لا يكون لها محل الا اذا اصدر قراره بتطبيق الإكراه البدني في حق المدين المذكور، عملا بأحكام الفقرة الأولى والأخيرة من المادة 640 من ق م ج، والتي تعطي لقاضي ت ع وحده صلاحية إصدار القرار بتطبيق الإكراه البدني الذي يعتبر قرارا ولائيا وليس حكما جنحيا، مما يستفاد منه انه لا يمكن إصدار قرار بتحديد مدة الإكراه البدني استقلالا عن القرار بتطبيق الإكراه البدني، وهو ما يستنتج ايضا من صيغة المادة 640 من ق م ج التي لم تقرر الإحالة على ق ت ع الا في حالة واحدة وهي من اجل تطبيق الإكراه البدني مادام ان تحديد مدة الاكراه يتم تلقائيا من طرف ق ت ع في حال ثبوت شروط المادة 644 من ق م ج وان القول بغير ذلك سيفتح المجال أمام التقدم بطلبات تحديد مدة الإكراه البدني باستقلال عن طلبات تطبيق الإكراه البدني، وهو الأمر الذي لا ينسجم والإجراءات المسطرية المنصوص عليها في ق م ج. لما سيترتب عليه من اوضاع اجرائية في غاية التعقيد، وهو ما يتنافى وغاية المشرع في تبسيط الاجراءات والمعبر عنها في ديباجة ق م ج.
وحيث انه فضلا عما ذكر، فان الطلب المقدم بهذا الخصوص لم يراع الشروط المقررة بمقتضى المادة 644 من ق م ج، والمحددة لاختصاص ق ت ع في تحديد مدة الاكراه البدني في حق المدين المتضامن، والمتمثلة فيما يلي:
1)- ان يكون المدين المراد تحديده مدة الإكراه البدني في حقه موضوع طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني أمام ق ت ع، وفقا لما اوضحناه سابقا.
2)- ان يكون التضامن مقررا بمقتضى حكم قضائي، وهو ما لم يتم الإدلاء به.
3)- ان يتعلق الأمر بأحد المدينين المتضامنين وليس كل المدينين المتضامنين.
وحيث انه زيادة على ما ذكر فان النيابة العامة لا تثبت لها الصفة في التقدم بهذا الطلب، مادامت لا تعتبر دائنا ولا مدينا ولا طرفا في مسطرة الإكراه البدني سواء تعلق الأمر بدين عمومي او خصوصي، وان دورها في إطار إجراءات الإكراه البدني هو مجرد إحالة ملف الإكراه البدني على ق ت ع بعد توصلها بالطلب والوثائق المرفقة به من الدائن.
وحيث انه للعلل المبينة أعلاه ولغيرها يكون الطلب غير مؤسس قانونا ويتعين الحكم برفضه".

الفقرة الثانية: الطعن في قرارات قاضي تطبيق العقوبات

انطلق بعض الفقه[54] في تحليل إمكانية الطعن في قرارات قاضي تطبيق العقوبات من ضرورة التمييز بين نوعين من القرارات الصادرة عنه بخصوص تطبيق الإكراه البدني او عدم تطبيقه، مبرزا عدم إمكانية الطعن في قراراته إذا كان موضوعها قرار بتطبيق الإكراه البدني او تطبيق الإكراه البدني مع تحديد مدته، بعلة:
- عدم وجود نص يتيح إمكانية الطعن في هذه القرارات.
- قرار قاضي تطبيق العقوبات لا يعدو ان يكون إجراء يندرج ضمن باقي الإجراءات التي تقطعها مسطرة الإكراه البدني، الأمر الذي يجعله من حيث المنازعة فيه خاضعا لنفس مسطرة المنازعة التي تشمل كافة إجراءات مسطرة الإكراه البدني.
- اسناد المشرع مهمة البت في النزاعات المتعلقة بهذا الشأن الى رئيس المحكمة الابتدائية (الفصل 643 من ق م ج) والى المحكمة التي أصدرت الحكم عند إغفالها لمدة الإكراه البدني(الفصلين 599 و600 من ق م ج).
وبالتالي لا يمكن الطعن في هذه القرارات، على عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة للقرار القاضي بعدم تطبيق الإكراه البدني، حيث يبرز هنا الطابع القضائي لقرار قاضي تطبيق العقوبات مجسدا في عنصر التعليل، وهو ما لا يستساغ معه إمكانية اسناد النظر فيه الى رئيس المحكمة او الى المحكمة المصدرة لهذا القرار، ولهذه العلة قضت محكمة الاستئناف بمراكش في قرارها عدد 4504 الصادر بتاريخ 19/4/2004 في الملف 07/2004 ان قرار قاضي تطبيق العقوبات في هذا الإطار قرار قضائي، لكونه صادر باسم جلالة الملك، وجميع الأحكام تقبل الطعن الا ما استثني بنص خاص[55]، وهو نفس التوجه الذي سارت عليه محكمة الاستئناف بفاس قد اتخذته بهذا الشأن اذ جاء في احدى قراراتها [56]:
"...وحيث ان ما اثاره المستأنف يعتبر في غير محله ذلك ان المقال ألاستعجالي المستأنف من طرف السيد رئيس كتابة الضبط يروم الى الحكم بصحة إجراءات مسطرة الإكراه البدني وإحالة الملف على السيد قاضي تطبيق العقوبات لاتخاذ المتعين على ضوء ذلك، بعد ان اصدر مقررا بعدم صحتها بعلة ان المنفذ المطلوب اكراهه لم توصل بإشعار لأداء ما بذمته في غياب ما يفيد توصله وتبعا لذلك فان ما يهدف اليه الطالب (المستأنف) في مقاله ألاستعجالي هو الغاء الرفض المتخذ من طرف السيد ق ت ع وهو اتجاه وطلب لا يجوز قانونا تقديمه للسيد رئيس المحكمة الابتدائية لكون هذا الأخير لا يعد درجة ثانية يمكن الطعن امامه في مقررات السيد ق ت ع بل ان الجهة المخولة قانونا للبث في الطعن الموجه ضد مقرراته هي محكمة الاستئناف على الرأي القائل بصحة الطعن في هذه القرارات..."
والحقيقة ان هذا المنحى قد يجعلنا امام إشكالية عميقة تلقي بنا خارج مبدا الشرعية المعتبر العمود الفقري في الميدان الجنائي، ففي غياب نص صريح يخول هذه الإمكانية والضمانات التابعة، وتبقى كل الاجتهادات التي ذهبت منحى إمكانية الطعن في قرارات ق ت ع عديمة الأساس.
ونقترح اعتبار المنازعة في قرارات ق ت ع تدخل ضمن النزاعات التي تنصب على صحة إجراءات الإكراه البدني والتي يعود اختصاص النظر فيها الى رئيس المحكمة من منطلق ان مناط اختصاص رئيس المحكمة في مسطرة الإكراه البدني هو وجود نزاع يتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني، وان هذه الإجراءات تشمل كل الأوامر والقواعد المسطرية من اجل تطبيق الإكراه البدني، ولما كانت قرارات ق ت ع لا تعدو ان تشكل حلقة ضمن سلسلة الإجراءات التي تباشر من اجل تطبيق مسطرة الإكراه البدني فان أي نزاع في صحة هذه القرارات يعود النظر فيه الى السيد رئيس المحكمة طبقا للمادة 643 من ق م ج [57].
هذا من جهة، ومن جهة اخرى يثار إشكال اخر يتعلق بحق النيابة العامة في الطعن في قرارات ق ت ع، حيث يبقى التساؤل حول دور النيابة العامة في مراقبة مدى شرعية وقانونية مقرر قاضي تطبيق العقوبات، ولو في الحالة التي يصدر المقرر بقبول تطبيق مسطرة الإكراه البدني ... فهل يحق للنيابة العامة كمبدأ، أن تطعن في مقرر قاضي تطبيق العقوبات ... وهل تتحقق لها الصفة والمصلحة في ذلك ...؟[58]
بداية نشير أن هذه الإشكالية شدت انتباه العديد من الدارسين ومهتمي الشأن القانوني، وكانت محط تجادب بين توجهين مختلفين.
الاتجاه الأول:
يرى ان النيابة العامة مقيدة بنصية مقرر قاضي تطبيق العقوبات، بنفس القدر الذي تكون فيه مجبرة على تطبيق محتواه كجهة مؤسساتية لتنفيذ مقررات الجهاز القضائي [59] فضلا عن أولويتها كجهة رقابية ذات السبق على طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني، قبل إحالته على السيد قاضي تطبيق العقوبات، وهو الأمر الذي يفضي للقول بتعذر أي إمكانية للطعن في هذا الأمر سواء في صيغته السلبية عندها يقضي برفض تطبيق مسطرة الإكراه البدني، أو صيغته الايجابية المتمثلة في الموافقة على نفس الطلب.
معطى قانوني آخر يستند عليه أنصار هذا الاتجاه، ويحتجون بآثاره لدفع أية إمكانية تؤهل النيابة العامة للطعن في المقرر الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات ... ويتعلق الأمر بحالة انتفاء الصفة والمصلحة لدى مؤسسة النيابة العامة في هذا النوع من الطعون عكس طالب مسطرة الإكراه البدني بصفته دائنا والمطلوب فيها بصفته مدينا مجبرا وجوبا على تبرئة ذمته المالية اتجاه من له الحق ... وحسب جهة نظر هذا الاتجاه فإن وكيل الملك يبقى مقيدا بدورين أساسيين، أولهما إحالة طلب مسطرة الإكراه البدني مشفوعا بوثائقه على من له الحق طبقا للفقرة الأولى من المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية وثانيهما يتعلق بالسهر على تنفيذ الأمر الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات طبقا للفقرة الأخيرة من المادة ذاتها من نفس القانون.[60]
ومن المؤيدات الموازية التي شكلت أساس توجه هذا التيار، نجد إصرارهم على أن المشرع المغربي في خضم تقنينه للمستجدات التشريعية التي كرست بتزامن مع إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات، تغاضى عن منح النيابة العامة صلاحيات معتبرة في سياق مسطرة الإكراه البدني، يمكن أن ترقى بها إلى مباشرة دور الطرف الرئيسي في الدعوى، خاصة وان اكتساب هذه الصفة يبقى أمرا يحدده القانون.
بيد أن التقييم النقدي لرؤية هذا الاتجاه، وتحليل مرتكزاته الواقعية والقانونية، سيحيلنا على نتيجة مباشرة، مفادها غل يد النيابة العامة عن تطبيق القانون ومراقبة المقررات القضائية ومن ثم جعلها مؤسسة قضائية مشلولة ... أكثر من ذلك فإن المؤيدات المتخذة كأساس لنصرة منظور هذا الاتجاه قد تتخذ منحى عكسيا، لتقوم كحجة مضادة على مصداقية ذات التصور ... فالقول بانتفاء الصفة والمصلحة لدى النيابة العامة للطعن في مقررات السيد قاضي تطبيق العقوبات في مادة الإكراه البدني، قول مردود ويتضمن –ودون الإجهاز على الرؤى المناهضة- الكثير من المغالطات القانونية، إضافة إلى كونه يتنافى والثوابت الرئيسة المعمول بها في قانون الإجراءات المسطرية .
إن النيابة العامة تحتكر أدوارا طلائعية ومطلقة في المادة الزجرية، ويكفي التذكير بأحقيتها وطبقا للمادة 36 من قانون المسطرة الجنائية في إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها والمطالبة بتطبيق القانون ... كما يسمح للسيد وكيل الملك (الفقرة 7 من المادة 40 من ق م ج) وللسيد الوكيل العام للملك (الفقرة 9 من المادة 49 من ق م ج) بأحقية استعمال وسلوك وسائل الطعن ضد ما يصدر من مقررات قضائية ... والنيابة العامة كأصل ومبدأ تعتبر الهيئة القضائية المؤهلة للدفاع عن مصالح المجتمع وهي تهدف كأساس إلى حسن تطبيق القانون والدفاع عنه، كما تهدف في شق موازي إلى بسط رقابتها على مدى شرعية وقانونية المقررات القضائية الصادرة، أيا كانت طبيعتها ونوعيتها، لكون هذه الأخيرة منسجمة والمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، لذلك فإن تدخلها في المادة الجنائية يبقى مرتبطا بالأسس التي تقوم عليها فكرة النظام العام، مع ما يوفره هذا المعطى من غطاء قانوني لفائدة النيابة العامة لمباشرة مهامها في التتبع والمراقبة... ومع ما يوفره لها من إمكانات وآليات موازية تساعدها على القيام بهذه المهمة، وعلى رأسها بطبيعة الحال صلاحية التصدي بالطعن للمقررات سيمنحه حصانة غير مستحقة من أي طعن رغم الإمكانية المتوافرة لمخالفة هذه العينة من القرارات كغيرها من الأحكام والقرارات القضائية الأخرى، للشكليات النظامية أو القواعد الموضوعية الموجبة كأصل ومبدأ للطعن في الأحكام...
الاتجاه الثاني:
يمنح النيابة العامة أحقية الطعن في مقرر قاضي تطبيق العقوبات، من منطلق بديهي يتمثل في صلاحية هذه المؤسسة في بسط رقابتها على مشروعية وقانونية الأحكام والمقررات القضائية، إذ ينص الفصل 40 من ق م ج في فقرته السابعة: "... يستعمل (وكيل الملك) عند الاقتضاء وسائل الطعن ضد ما يصدر من مقررات، وهي نفس الصلاحية المخولة له بمقتضى المادة 397 من نفس القانون[61]، على اعتبار أن جميع الأحكام والمقررات الصادرة في مادة زجرية تقبل الطعن، ولو أن صياغة النص تشير إلى الأحكام الصادرة في الجنح. ما دام أن الاستئناف المذكور لا يتجاوز حدود اختصاصها الزجري، ويبرره السياق العام لمهام النيابة العامة، كما تبرره طبيعة استئنافها التي تهدف إلى الحرص على فرض القانون ومراقبة تطبيقاته الميدانية وإلى ذلك ذكر نص المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) في قراره عدد: 1998 بتاريخ 15 مارس 1988 ملف جنحي: 19806/86: "حيث إنه من جهة فإنه ثابت من القرار المطعون فيه أن النيابة العامة استأنفت الحكم الابتدائي وأنه طبقا للفصل 409 من قانون المسطرة الجنائية[62]، فإن استئناف النيابة العامة يكون ذا مصلحة اجتماعية، ولهذا فإنه يفسح المجال لإعادة النظر في القضية برمتها عدا الحقوق المدنية..."
والنسبة للأسلوب الأخير فإن النيابة العامة تتقمص دور الطرف الرئيس في الدعوى وبذلك فهي تباشر سلطة قانونية مقننة تشريعيا، تهدف إلى حماية الحق العام والمصالح العامة للمجتمع، وهذه السلطة قد تباشر بطريقتين أولهما أن ترفع النيابة العامة طعنا ضد كل مخالفة للقاعدة القانونية أو الاعتداء على مركز قانوني يتعين حمايته... أما الطريقة الثانية فتتجلى في ممارسة هذه السلطة في صورة طعن ترفعه ضد حكم مخالفا للقانون أو النظام العام حتى ولو لم تكن طرفا في الخصومة الأصلية... والحقائق المذكورة تحيلنا على نتيجة منطقية مفادها أن النيابة العامة عند ممارستها لهذه السلطة القانونية إنما تثبت لها الصفة باعتبارها الهيئة المكلفة قانونا بالدفاع عن الحق العام والمصلحة العامة، وإلى ذلك يقول الدكتور ابراهيم نجيب سعد: "إن النيابة العامة عند ما تمارس هذه السلطة القانونية إنما تثبت صفتها باعتبارها الهيئة المكلفة قانونا بالدفاع عن المصلحة العامة التي اعتدى عليها، وعلى ذلك إذا كانت النيابة العامة لا تستطيع أن تحرك النشاط القضائي في المواد المدنية إلا في الأحوال المنصوص عليها قانونا، فإنه ينبغي –مقابل ذلك- أن نعترف بأنها الهيئة المتميزة التي أنيط بها حماية المصلحة العامة، وإنه يجب أن تستأثر بهذه السلطة"...[63].
ومن جهة ثانية فإن نفي أهلية النيابة العامة للتصدي لمقررات السيد قاضي تطبيق العقوبات بعلة غياب صفتها ومصلحتها عند إقدامها على اتخاذ هذا الإجراء، يبقى منظورا مفتقرا إلى أساس قانوني وسند واقعي سليم يمكن أن يستند إليهما للقول بصحته، ما دام أنه متى كانت الدعوى تهدف إلى حماية مصلحة عامة أو جماعية او المراقبة العملية لحسن تطبيق القانون على غرار دعوى التصدي لمقررات السيد قاضي تطبيق العقوبات في مادة الإكراه البدني، فإن الصفة تثبت للهيئة التي كلفها القانون بالدفاع عن هذه المصلحة ومراقبة التطبيق السليم للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل ... أما من الناحية الواقعية، فإن القول بعدم إمكانية التصدي لمقررات السيد قاضي تطبيق العقوبات في مادة الإكراه البدني بالنظر إلى طبيعتها القانونية كمجرد قرارات ولائية، لا يوجد نص صريح يجيز الطعن فيها، يتنافى والمنطق القانوني وكذا الواقع الموضوعي الطبيعي، إذ لا يعقل أن تحصن مقررات السيد ق ت ع من الطعن متى كان مخالفا للقواعد العامة والقانونية أو مخالفا للشكليات النظامية المتعين توافرها لصحة الأحكام وهل يتعين التغاضي عن ذلك وتجرد النيابة العامة من أحقية الطعن في ذات المقرر لعلة أنها مجرد قرارات ولائية لا يوجد نص صريح يجيز الطعن فيه.[64]

الفقرة الثالثة: إشكالية الإنذار المشار إليه في إطار الفصل 640 من قانون المسطرة الجنائية

استلزم المشرع لمباشرة إجراءات الإكراه البدني، ضرورة توجيه إنذار للمدين المطلوب اكراهه، يبقى بدون نتيجة بعد مرور اكثر من شهر على تاريخ التوصل به. غير ان المشرع لم يحدد كيفية توجيه الإنذار، وكذا شكلياته.
وفي هذا الصدد يستوي ان يوجه الإنذار بالوفاء في إطار الفصل 148 من ق م م[65]، او عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل، او بأية وسيلة مكتوبة أخرى، وانه في حالة وجود منازعة في صحة الإنذار فان الامر يرجع لتقدير رئيس المحكمة الذي يتحقق من مدى تحقق الغاية من الإنذار عن طريق الوسيلة المتنازع فيها ام لا، كما يجب التأكيد على ان الوسيلة التي يقع بها الإنذار يجب ان تكون مكتوبة، ولا يغني في هذا الشأن الانذار الشفوي، وذلك حتى يتأتى لقاضي ت ع مراقبة تحقق هذا الشرط وفق ما تستلزمه المادة 640 من ق م ج، بل وحتى التأكد من كون تاريخ توجيه الإنذار لاحق لتاريخ تبليغ المقرر الصادر بالإدانة، وهي امور لا تتحقق الا اذا كان الانذار كتابيا[66].
وتجدر الإشارة في هذا الاطار، الى ان العبرة بمرور الأجل القانوني للإنذار[67]تتجلى في مرور اكثر من شهر واحد، ولو بيوم واحد، ما بين تاريخ توصل المدين بالإنذار وتاريخ المطالبة بتطبيق الاكراه البدني .
كما ان العبرة في ترتيب الانذار لأثاره بالتوصل القانوني للمدين وليس بالتوصل الشخصي، وهكذا فان التوصل بالإنذار يعتبر توصلا قانونيا اذا تم بواسطة اقارب المدين او خدمه او اي شخص اخر يسكن معه حسب التفصيل الوارد في الفصول 39، 83، 37 من ق م م.
تأسيسا على القواعد المشار اليها علاه، فقد جاء في القرار عدد 39/2004 الصادر عن ق ت ع بالمحكمة الابتدائية بامنتانوت بتاريخ 21 ملي 2004 في الملف عدد39/2004، على انه:
"وحيث انه من الشروط المتطلبة قانونا كذلك لإعمال مسطرة الإكراه البدني توجيه إنذار بالوفاء من طرف طالب الإكراه الى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني، يبقى دون نتيجة بعد مرور اكثر من شهر واحد، ما بين تاريخ التوصل به، وتاريخ تقديم طلب تطبيق الاكراه البدني، وهو الاجل الذي لم يتم احترامه في هذا الملف، ذلك ان ابن المعنية بالأمر رفض تسلم الانذار بتاريخ 17 يناير 2004، وان تاريخ بداية حساب الأجل القانوني للإنذار لا ينطلق الا بعد مرور 10 ايام ابتداء من اليوم الموالي للتاريخ المذكور، حتى يعتبر توصله قانونيا، عملا بمقتضيات الفصل 39 من ق م ج، التي احال عليها ق م ج في بعض مقتضياته (المواد 247-308-351-383-420).
وحيث ان المقصود بالشهر في المفهوم القانوني سواء الإجرائي او الموضوعي المدني او الجنائي هو ثلاثون يوما (الفصل 30من القانون الجنائي 132 من قانون الالتزامات والعقود)
وحيث ان حدود الاكثرية المشترطة في الإنذار انما تتحقق بمرور ولو بيوم واحد بعد الثلاثين يوما.
وحيث ان الآجال المنصوص عليها في ق م ج هي اجال كاملة لا تشمل اليوم الاول والاخير (المادة 750 من ق م ج).
وحيث ان طلب تطبيق مسطرة الاكراه البدني قدم بتاريخ 17 فبراير 2004، اي قبل مرور الاجل القانوني للإنذار بعد تحقق التوصل القانوني، اي مرور عشرة ايام على تاريخ رفض التوصل، لتصبح المدة الواجب انقضاؤها قبل تقديم الطلب هي 10+31=41 يوما، ودون حساب اليوم الاول واليوم الأخير.
وحيث انه لذلك تبقى الموجبات القانونية لتطبيق مسطرة الاكراه البدني غير متحققة.
كما يثير هذا الانذار(في اطار الفصل 640 من ق م ج) اشكالا اخر حينما يتم تبليغه من طرف المفوض القضائي، ذلك ان هذا الاخير ينجز مهمته المذكورة مقابل اتعاب يؤديها طالب الإكراه البدني-في اغلب الأحيان- مسبقا، وتبعا لترتيب الإجراءات السابقة على تقديم طلب الاكراه البدني الى السيد وكيل الملك، فمحضر الامتناع وعدم وجود ما يحجز باعتباره الإجراء المحدد للمبلغ الواجب اداؤه وفاء بمقتضيات المقرر القضائي القاضي بالإكراه البدني(يتم من خلاله تفصيل المبلغ الإجمالي للأداء: المبلغ الأصلي للدين، والصوائر، ونسبة الخزينة العامة...). هو إجراء سابق للإنذار. وبالتالي فكيف سيقوم طالب الإكراه باستخلاص قيمة الأتعاب المؤذات للمفوض القضائي بخصوص تبليغ الإنذار علما ان المطلوب ضده الإكراه البدني يلتزم بأداء ما هو محدد في محضر الامتناع وعدم ما يحجز الذي ينجز قبل الإنذار؟

الفقرة الرابعة: إمكانية تجريح قاضي تطبيق العقوبات

هل يمكن تجريح ق ت ع في حالة ثبوت احد اسباب التجريح؟ وهل يعتبر ذلك مانعا يخول رئيس المحكمة تعيين من ينوب عنه، ، حيث نص في الفقرة الثالثة من المادة 596 من ق م ج، على انه:"اذا حدث مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه ، يعين رئيس المحكمة قاضيا للنيابة عنه مؤقتا."
ان ق ت ع يضطلع بوظيفة المراقبة، وليس البت في النزاعات، فهو يصدر قراره في مسالة غير نزاعية، ولا ينشئ ولا يقرر حقا لطرف معين ولا تأثير له على المراكز القانونية لأطراف المقرر القضائي موضوع المسطرة، وبالتالي ينتفي اي موجب لتجريحه.
اضافة الى ان عمله لا يتجاوز حدود التأكد من مدى توافر الشروط اللازمة للموافقة او عدم الموافقة على تطبيق الإكراه البدني، لذلك لا يدلي الأطراف بأوجه دفاعهم امامه.

الفقرة الخامسة: اجل البت في ملفات الإكراه البدني من طرف قاضي تطبيق العقوبات

بخلاف م ت د ع التي حددت الاجل الذي يبت فيه قاضي المستعجلات في الطلب الصادر عن المحاسب المكلف بالتحصيل، بتحديد مدة الإكراه البدني (داخل اجل يتجاوز 30 يوما)[68]، رغم عدم ترتيب المشرع لأي جزاء نتيجة الإخلال بالأجل المذكور.
فان ق م ج لم يحدد اجل البت في طلبات الاكراه البدني من طرف ق ت ع، والمحالة عليه من طرف وكيل الملك، في اطار الفصل 640 من القانون المذكور. وهو ما من شانه ان يثير تساؤلات عديدة منها:
- ما هي الإمكانية المخولة لوكيل الملك في حالة تأخر ق ت ع في البت في الطلبات الموجهة اليه من طرفها؟
- ما هي السلطات التي يمكن ان يمارسها رئيس المحكمة في نفس الحالة؟

الفقرة السادسة: الإشكالية التي يثيرها السند التنفيذي في المخالفات[69] بخصوص الإكراه البدني

يثار إشكال بخصوص تطبيق مسطرة الإكراه البدني بخصوص السند التنفيذي في المخالفات، في الحالة التي لم يعبر فيها المعني بالأمر عن رغبته بالأداء داخل اجل عشرة ايام من يوم التبليغ او من يوم رفض التوصل[70]، حيث يصبح السند القابل للتنفيذ نهائيا، فيدرجه رئيس كتابة الضبط ضمن قائمة التحملات، ويسلم ملخصا منه لوحدة التبليغ والتحصيل. فتباشر هذه الاخيرة إجراءات التحصيل وفق مقتضيات م ت د ع، الى غاية سلوك مسطرة الاكراه البدني، في حالة عدم استيفاء المبلغ المطلوب. فتحيل طلب الإكراه البدني مرفقا بالوثائق اللازمة الى وكيل الملك، والذي يحيله بدوره الى ق ت ع في إطار الفصل 640 من ق م ج . فيصدر هذا الاخير قراره بالموافقة على تطبيق الإكراه البدني في حق المعني بالأمر.
غيران بعض قضاة تطبيق العقوبات يصدرون امرا بعدم تطبيق الإكراه البدني، لعلة ان السند التنفيذي ليس مقررا قضائيا صادرا عن هيئة قضائية، ولم يصدر باسم جلالة الملك.، بل هو صادر عن سلطة قضائية (النيابة العامة)، ومعلوم ان الفقرة الثانية من الفصل 598 من ق م ج تنص على انه:" لا يجوز تطبيق الاكراه البدني الا اذا اكتسب المقرر القضائي قوة الشيء المقضي به."
وفي هذا الإطار أصدر ق ت ع لدى المحكمة الابتدائية بامينتانوت قراره رقم: 179 في الملف رقم 179/2005، والقاضي بعدم تطبيق مسطرة الإكراه البدني بخصوص السند التنفيذي في المخالفات (انظر الملحق).

خاتمة
لقد حاولنا على امتداد صفحات هذا الموضوع، توضيح مختلف الأحكام القانونية المتعلقة بالإكراه البدني كآلية لتحصيل الديون الخصوصية والعمومية، وكذا التطرق لمختلف الإشكالات العملية المرتبطة بتطبيقه وتنفيذه امام المؤسسات القضائية (مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات ومؤسسة النيابة العامة) وامام المؤسسات السجنية المعنية بالتنفيذ، إضافة إلى الإغفالات أو الفراغات التشريعية التي اعترت النصوص القانونية المنظمة للإكراه البدني بشقيه.
ومن هذا المنطلق أصبح لزاما على المشرع المغربي ضرورة تجميع النصوص القانونية المتعلقة بتطبيق مسطرة الإكراه البدني في الديون الخصوصية والعمومية في مدونة خاصة، عوض تشتيتها بين قانون المسطرة الجنائية، ومدونة تحصيل الديون العمومية، نظرا للاختلاف الحاصل بينهما على مستوى المدد والشروط وكذا الموانع، علما بان التشريعين المذكورين اتيا بمبادئ اجرائية مهمة تسعى الى التوفيق بين مصلحتين، مصلحة المجتمع في الدفاع عن نفسه ضد المتهربين من عدم أداء ديونهم ومصلحة الأفراد في الدفاع عن حريتهم وحقوقهم المشروعة من جهة أخرى، كما اصبح مفروضا العدول عن اعتبار محضر عدم وجود ما يحجز وسيلة اثبات العسر، وبالتالي التملص من الخضوع لمسطرة الاكراه البدني، حيث لا يمكن الجمع بين متناقضين، الشرط والمانع.
إضافة الى اعادة النظر في دور مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في مسطرة الاكراه البدني، بتخويلها الإشراف الكلي عليها، من خلال تدخلها في جميع مراحل التطبيق والتنفيذ سواء كان المطلوب ضده الإكراه معتقلا او حرا، وكذا البت في جميع المنازعات المتعلق الإكراه البدني، سواء من حيث الصحة او تحديد مدة الإجبار، عوض الاقتصار على بسط رقابتها على الوثائق اللازمة لذلك(الفصل 640 من ق م ج) - تقريبا نفس الإجراء الذي تقوم به النيابة العامة في هذا الإطار- وتحديد مدة الإكراه البدني في حالة المدينين بالتضامن(الفصل 644 من ق م ج). وهو ما من شانه وضع حد للصعوبات العملية التي تثار أثناء تطبيق الإكراه البدني وتنفيذه، وتجنب كثرة المتدخلين في هاته العملية(رئيس المحكمة الابتدائية، رئيس المحكمة الإدارية، النيابة العامة، قاضي تطبيق العقوبات).
لكن مع ذلك لا يفوتنا القول بضرورة تدخل المشرع لإقرار إمكانية الطعن في مقررات قاضي تطبيق العقوبات من طرف جميع الأطراف، حتى لا تبقى هاته المقررات خارج مبدأ الشرعية، والتي تقتضي الطعن في جميع المقررات القضائية.
ونعتقد ان المشرع المغربي قد فطن الى الاختلاف الحاصل في مسطرة الإكراه البدني المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية، وقانون المسطرة الجنائية، فنص في إطار مشروع قانون المسطرة الجنائية، في الفصل 640 على انه: "لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال ولو نص عليها مقرر قضائي، مع مراعاة مقتضيات القانون المتعلق بمدونة تحصيل مدونة الديون العمومية...". كما عدل الفصل 641 من نفس المشروع بتنصيصه على إحالة طلب الإكراه البدني ضد المكره المعتقل بإحدى المؤسسات السجنية مباشرة إلى مدير هذه المؤسسة، عوض الصيغة المعمول بها حاليا (تتم الإحالة من طرف وكيل الملك).
-----------------------------------------------
هوامش:
[1] - يوسف بنباصر، الدليل العملي والقضائي في مسطرة الاكراه البدني، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، طبعة 2005/2006، السنة الثالثة، العدد الرابع، ، ص 43.
[2] - حسن الرميلي، الاكراه البدني على ضوء التشريع المغربي والمقارن، الطبعة الأولى، 1997 مطبعة النجاح الجديدة، ص 32.
[3] - عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 1998، ص 800 وما يليها.
[4] - حسن الرميلي، م س، ص 20.
[5] - إدريس بلمحجوب، "قواعد تنفيذ العقوبات" الجزء الأول (دون ذكر الطبعة ودار النشر والسنة) ص 194.
[6] - عبد العالي العبودي، مسطرة الإكراه البدني في الأحكام المدنية والتجارية، عرض بمجلة القضاة العدد 10، شتنبر1984.
[7] - تنص الفقرة الاخيرة من المادة 635 من ق م ج على انه: «غير انه لا يمكن تنفيذ الاكراه البدني، على المحكوم عليه الذي يدلي لإثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي او العامل او من ينوب عنه وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن المحكوم عليه."
[8] - انظر كنموذج المادة 179 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
[9] - للمزيد من الإيضاح بشأن موضوع الإعسار، يرجى الاطلاع على نظام الإعسار والإفلاس في القانون المدني الحديث وفي الفقه الإسلامي
"أبحاث وتعاليق على ضوء تشريعات خاصة" صفحة89 إلى 118، الشرقاوي الغرواني نور الدين.
[10] - الدكتور عبد العالي العبودي " مسطرة الإكراه البدني في الأحكام المدنية والتجارية مرجع سابق.
[11] - حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بأنفا بتاريخ 24 فبراير 2000، ملف مدني عدد 46/21/2000. حكم عدد 476-21.
[12] - تنص المادة 639 من ق م ج على انه: "يقدم طلب تطبيق الاكراه البدني لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة، ويرفق بنسخة من المقرر القابل للتنفيذ بالإضافة الى الوثائق المشار الها في المادة 640 بعده."
[13] - الشرقاوي الغزواني، أبحاث وتعاليق على ضوء تشريعات خاصة(المطبعة والطبعة والسنة غير مذكورين)، ص 156.
[14] - وفي ذلك يقول الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بعين السبع –الحي المحمدي-(غير منشور) بتاريخ 28 فبراير 2001
"حيث أن الطلب يرمي إلى الحكم بتحديد مدة الإكراه البدني في حق المدين عليه مع اعتبار مبلغ المديونية. والفوائد والمصاريف المترتبة عن الدعوى الصادر بشأنها الامر بالإداء...وحيث ان المدعي سلك طرق التنفيذ الجبري بشان استيفاء المستحق والمحصور في مبلغ ...حسب محضر التنفيذ المؤرخ في 12/01/2001 ودون جدوى مما يجعل الطلب مرتكزا على اساس."...
[15] - منشور صادر عن وزير العدل عدد 975، 8 ابريل 1985." إن الإكراه البدني، لا ينفد إلا بعد إنذار المدين وثبوت عدم الأداء".

[16]
[17] - تنص المادة 596 من ق م ج على انه:" يعين قاض او أكثر من قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام ق ت ع. يعين هؤلاء القضاة بقرار لوزير العدل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ويعفون من مهامهم بنفس الكيفية. اذا حدث مانع لق ت ع حال دون قيامه بمهامه، يعين رئيس المحكمة قاضيا للنيابة عنه مؤقتا. يعهد الى ق ت ع بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي اليها مرة كل شهر على الاقل ...".
[18] - كان حريا بوزارة العدل ان تعدل لفظ "المكره" الى لفظ "المطلوب ضده الاكراه " في مطبوع" امر بإلقاء القبض على المكره"، لان لفظ
"المكره" يعني ان المعني بالأمر قد تم اكراهه، والحال ان مسطرة الاكراه البدني مازالت في طور الانجاز ولم تطبق بعد، ولا يعتبر مكرها الا بعد ان ينفذ مدة الاكراه البدني المحكوم بها.
[19] - المادة الثانية من م ت د ع.
[20] عبد الرزاق شعيبة، التحصيل الجبري للديون العمومية في ضوء القانون المغربي، مطبعة الامنية، الرباط، الاصدار الرابع 2014، ص .141
[21] - قبل عرض الطلب على القضاء، يتم التأشير عليه وجوبا من قبل رئيس الادارة التي ينتمي اليها المحاسب المكلف بالتحصيل او الشخص الذي يفوضه لذلك.
[22] - الفصلان 9 و10 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[23] - تنص المادة 134 من م ت د ع على انه: «يبقى الاكراه البدني في ميدان تحصيل الغرامات والادانات النقدية خاضعا للفصول 675 الى
687 من ق م ج "(الفصول 675-6687 تتعلق بالقانون القديم لق م ج، اما الفصول الجديدة فهي 633-647 من ق م ج).
[24] - الفقرة الاخيرة من المادة 81 من م ت د ع.
[25] - تنص المادة 264 من مدونة الجمارك على انه:"ينفذ الاكراه البدني المطبق بشان جنحة او مخالفة جمركية رغم الطعن بالطرق غير العادية، بمجرد صدور الحكم النهائي."
[26] - ينص الفصل 36 من ظهير 14 يناير 1958 بشان مصلحة الدرك الملكي، على انه:" للدرك الاهلية في ان يقوم مباشرة بأعمال التبليغ والتنفيذ المنصوص عليهما في المقتضيات المعمول بها في المرافعة المدنية، غير انه لا تسند هذه المهمة للدرك الا اذا لم يتأت للمصالح المكلفة بالإعلانات والتنفيذات القضائية القيام بها نظرا لحالة الاستعجال او بعد المسافات."
[27] - وهو خلاف لما نصت عليه م ت دع التي حددت السن الادنى لتطبيق مسطرة الاكراه البدني في اقل من عشرين سنة .
[28] - الفصل 635 من ق م ج.
[29] - الماد 79 من م ت د ع (انظر ص18).
[30] - المادة 262 من م ج (انظر ص 20).
[31] - ينص الفصل 645 من ق م ج على انه: "يمكن للمحكوم عليهم بالإكراه البدني ان يتجنبوا مفعوله او ان يوقفوا سريانه، اما بأداء مبلغ من المال كاف لانقضاء الدين من أصل وفوائد وصائر واما برضى الدائن الذي سعى الى اعتقالهم او بأداء قسط من الدين مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد. يفرج وكيل الملك عن المدين المعتقل بناء على ثبوت انقضاء الدين او بطلب من الدائن.
[32] - ينص الفصل 646 من ق م ج على انه: "إذا لم ينفذ المدين الالتزامات التي ادت الى ايقاف الاكراه البدني، أمكن اكراهه من جديد."
[33] -الفصل 641 من ق م ج.
[34] - عمليا لا وجود لهذا النوع من السجلات بالمؤسسات السجنية، حيث انه الى حد كتابة هاته الاسطر، لم تزود وزارة المالية إدارة السجون بالسجل المذكور. والمعمول به في هذا الإطار هو الأداء بصناديق المحاكم .
[35] - ينص الفصل 647 من ق م ج على انه: " إذا انتهى الاكراه البدني لسبب ما، باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة السابقة، لا يمكن بعدئذ تنفيذه لا من اجل نفس الدين ولا من اجل أحكام اخرى صدرت قبل تنفيذه، ما لم تكن هذه الاحكام تستلزم بسبب مجموع مبالغها مدة اكراه اطول من المدة التي تم تنفيذها على المحكوم عليه. وفي هذه الحالة، يتعين دائما اسقاط مدة الاعتقال من الاكراه الجديد."
[36] - تنص الفقرة الثانية من المادة 120 من ق ج على انه: « اذا ما صدر بشأنها عدة احكام سالبة للحرية، بسبب تعدد المتابعات، فان العقوبة الاشد هي التي تنفذ."
[37] - تنص المادة 636 من ق م ج على انه:".... غير انه لا يمكن الحكم بالإكراه البدني او تطبيقه: 4 – بمجرد ما يبلغ سن المحكوم عليه 60 عاما"...
[38] - يوسف بنباصر: الدليل العملي والقضائي في مسطرة الاكراه البدني، المطبعة والوراقة الوطنية-مراكش، طبعة 2005/2006، ص 250.
[39] - قرار صادر عن محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 9 يناير 1977 عدد 577/85 ملف جنحي سير 142/85- قرار غير منشور-
[40] - يوسف بنباصر، م س، ص 251.
[41] - في بعض الاحيان، يكون المبلغ زهيدا، لكن اجراءات الاداء تتطلب وقتا طويلا، وقد يستلزم الامر يوما او يومين كاملين سيما اذا اقترن موعد السفر مع ايام العطل.
[42] - المنشور المشترك بين وزارة العدل، وزارة الداخلية، وزارة الاقتصاد والمالية، رقم 13 الصادر بتاريخ 29 ابريل 2009 حول تنفيذالاكراهات البدنية بالمراكز الحدودية على المدينين.
[43] - تباشر اجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية حسب الترتيب التالي:-الإنذار-الحجز-البيع. ويمكن اللجوء الى الاكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الاخرى وفق الشروط المنصوص عليها في المواد 76 الى 83 ادناه .
[44] - تنص المادة 77 من م ت د ع على انه: "لا يمكن اللجوء الى الاكراه البدني في ما يخص تحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الاخرى في الحالات الاتية: - اذا ثبت عسر المدين طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 57 اعلاه ."
[45] - تنص المادة 57 من م ت د ع على انه:"يثبت عسر المدينين: اما بمحض عدم وجود ما يحجز كما نصت عليه المادة 56 اعلاه بالنسبة للمدينين المعروفين بقدراتهم على الوفاء والذين لم يفض الحجز الذي اجري عليهم الى اية نتيجة"...
[46] -الفصل 640 من ق م ج.
[47] المادتان 57 و77 من م ت د ع.
[48] - تنص الفقرة الاخيرة من الفصل 648 من ق م ج على انه: «ينقطع التقادم فيما يخص استيفاء المصاريف القضائية والغرامات، بكل إجراء من اجراءات التحصيل يتم بمسعى من الجهات المأذونة لها بتحصيل تلك الاموال". وتنص الفقرة الاخيرة من المادة 138 من م ت د ع على انه:"ينقطع التقادم المشار اليه في الفقرات السابقة بكل اجراء من اجراءات التحصيل الجبري يتم بمسعى من ادارة المالية او مصالح كتابات الضبط بمحاكم المملكة."
[49] - تنص المادة 138 من م ت د ع على انه:"تقادم دعوى التحصيل: فيما يخص الغرامات والإدانات النقدية غير الجمركية بمضي: عشرين سنة بالنسبة للعقوبات الجنائية، خمس سنوات بالنسبة للعقوبات الجنحية، سنتين بالنسبة للعقوبات عن المخالفات .– فيما يخص المصاريف القضائية
بمضي خمسة عشر سنة، وتسري اجال التقادم المنصوص عليها ابتداء م النطق بالحكم بالنسبة للغرامات والادانات النقدية. ينقطع التقادم المشار اليه"....
[50] - الرسالة الدورية عدد 9 س/ر ن ع وتاريخ 08/02/2018 (انظر الملحق).
[51] عبد العلي حفيظ: صلاحيات ق ت ع في القانون المغربي، الطبعة الاولى، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2005، ص 157.
[52] - ينص الفصل 644 من ق م ج على انه: «يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الاكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الاكراه في حقه في حالة الحكم بتضامن المدينين، وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر من الدين."
[53] عبد العلي حفيظ، م س، ص 215.
[54] - عبد العلي حفيظ، م س، ص 228.
[55] - عبد العلي حفيظ، م س، ص 28.
[56] - قرار عدد: 1357/2008 صادر عن محكمة الاستئناف بفاس في ملف عدد: 681/2008 بتاريخ 02/4/2008.
[57] - مريم سعيد، رسالة لنيل الماستر في العلوم الجنائية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، السنة الجامعية 2010/2011، ص 62-63.
[58] - يوسف بنباصر، مجلة الواحة القانونية، العدد الثاني، السنة الرابعة، ص 228-229.
[59] - الفقرة العاشرة من المادة 40 من ق م ج تنص على ان وكيل الملك" يسهر على تنفيذ أوامر قاضي التحقيق وقضاء الاحداث ومقررات هيئات الحكم."
[60] - عبد العلي حفيظ، مدى قابلية القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات في مجال الاكراه البدني، للطعن بالاستئناف، مجلة القصر، العدد
11، ص 150-151.
[61] - ينص الفصل 397 من ق م ج على انه: «يمكن الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة في الجنح كيفما كان منطوقها من المتهم والمسؤول عن الحقوق المدنية والطرف المدني ووكيل الملك والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، واحدى الإدارات عندما يسمح لها القانون بصفة خاصة بإقامه الدعوى العمومية."
[62] - ينص الفصل 409 من ق م ج على انه:" في حالة تقديم الاستئناف من النيابة العامة او من ادارة يخول لها القانون اقامة الدعوى العمومية، يجوز لغرفة الجنح الاستئنافية ان تؤيد الحكم المستأنف او تعدله او تلغيه اما لفائدة المتهم او ضده".....
[63] - إبراهيم نجيب سعد، القانون القضائي الخاص، الجزء الأول، منشاة المعارف بالإسكندرية، ص 310.
[64] - يوسف بنباصر، مجلة الواحة القانونية، العدد الثاني، السنة الرابعة، ص 231-232.
[65] - تنص الفقرة الاولى من الفصل 148 من ق م م على انه:" يختص رؤساء المحاكم الابتدائية بالبت في كل مقال يستهدف الحصول على امر بإثبات حال او توجيه انذار او اي اجراء مستعجل في اية مادة لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الاطراف ويصدرون الامر في غيبة الاطراف دون حضور كاتب الضبط بشرط الرجوع إليهم في حالة وجود اية صعوبة."
[66] -عبد العلي حفيظ، م س، ص 196-197-198.
[67] -اجل الانذار كامل بحيث لا يشمل اليوم الاول ولا اليوم الاخير، كما تنص على ذلك المادة 750 من ق م ج:" جميع الآجال المنصوص عليها في هذا القانون اجال كاملة لا تشمل اليوم الاول ولا اليوم الأخير وتستثنى من ذلك الآجال التي تكون محددة بالساعة. اذا كان اليوم الاخير للأجل يوم عطلة امتد الاجل الى اول يوم بعده."
[68] - الفقرة الثانية من المادة 80 من م ت د ع.
[69] - وتنظمه المواد من 375 الى 382 من ق م ج.
[70] - تنص المادة 378 من ق م ج على انه: «يبتدئ الاجل المذكور المحدد في عشرة ايام من يوم التبليغ او من يوم رفض التوصل به."


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -