رسالة بعنوان : تأهيل الموظف الجماعي ، دعامة لتطوير أداء الإدارة الجماعية PDF

تأهيل الموظف الجماعي ، دعامة لتطوير أداء الإدارة الجماعية PDF

مقدمة:
لاشك أن أداء وفعالية الإدارة مرتبطان أيما ارتباط بمستوى مردودية العنصر البشري المكون لها، فالموارد البشرية تعد ركيزة أساسية للنهوض بالإدارة وتأهيلها للاندماج بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي والمساهمة في رفع التحديات التي تفرضها العولمة والتنافسية الدولية، وانسجاما مع التوجهات الملكية المشار إليها في أكثر من مناسبة للمكانة التي يجب أن يتبوأها العنصر البشري في أي مشروع إصلاح (، منها خطاب العرش لسنة 2000 جد معبر حيث أكد الملك محمد السادس "...ومن ثم كان توجهنا الاستثمار في الموارد البشرية باعتبار الرأسمال البشري رافعة للتقدم وخلق الثروات، ونظرا لدوره في تحويل الثروات وإدماج هذا الاستثمار في مسيرة التنمية...".

ومضمون هذا الخطاب الملكي يتماشى مع الفكرة الاقتصادية التي تقول بالاستثمار في الرأسمال البشري، على اعتبار أن العنصر البشري - المتمثل في الموظف - المؤهل هو الذي يشكل الركيزة الأساسية لكل اقتصاد وتنمية، يرومان مسايرة الايقاع السريع الذي أصبح سمة هذا العصر وعلاماته.

فمفهوم الاقتصاد كان يعتمد في السابق أساسا على الموارد الطبيعية والمادية، حيث كان يقاس مستوى اقتصاد بلد معين، بما يكتنزه من ذهب ومعادن نفيسة واحتياطات نفطية وغازية وخيرات الاقتصاد التقليدي سرعان ما بدأ يتبخر بفعل قوة المنطق الواقعي، حيث تبين بهذا النصف الأخير من القرن المنصرم أن العديد من الدول استطاعت بلوغ التقدم والتطور رغم عدم توفرها على الإمكانيات الطبيعية والمادية فقط عملت على الاستثمار في مواردها البشرية.

ولما كان العنصر البشري يحتل هذه المكانة وأن نجاح أية منظمة يتوقف إلى حد كبير على مدى فعالية ومهارات ومؤهلات العاملين في أداء وظائفهم، فإن الجماعة المحلية أو الترابية". 

بتعبير الدستور الجديد - باعتبارها تتكفل بنسبة هامة من الاستثمارات وتدير كتلة لا يستهان بها من الموارد البشرية - ينبغي أن تتجاوز تلك النظرة التقليدية التي ترى إدارة وتأهيل الموارد البشرية ما هو إلا نشاط روتيني يشتمل على نواحي تنفيذية، كحفظ الملفات وسجلات العاملين، ومتابعة النواحي المتعلقة بهم كضبط أوقات حضورهم وانصرافهم وإنجازاتهم، إلى نظرة إلى نظرة حديثة تعتبرها أي إدارة الموارد البشرية، إحدى الوظائف الأساسية في الإدارة ولها نفس أهمية باقي الموظفين وتأثيره على الكفاية الإنتاجية للجماعة.

فالعنصر البشري يمثل الوسيلة الأساسية لأداء وظائف الجماعات، ويصعب تصور إصلاح إداري بدون مرافقته بتأهيل هذه الالية الرئيسية وجعلها تتلاءم مع تطور الاختيار ومراجعة الأهداف حسب تعديل"، قصد تطوير أداء الإدارة الجماعية.

ولهذا ربطنا تأهيل الموظف الجماعي بتطوير أداء الإدارة الجماعية.

فمسألة تأهيل الموظف الجماعي مسألة هامة جدا، وهي صفة من صفات الإدارة، لأن كل موظف مؤهل يقوم بتأدية وظائف الإدارة كاملة مهما كان موقعه في المستويات الإدارية، هذا لا يمكن إجراء أي عملية إصلاح قبل توفر الموارد البشرية المؤهلة. وكل ما يمكن أن يقال عن مصطلح التأهيل ما يهمنا هنا هو أنه حل محل مفاهيم عتيقة قديمة مثل القدرات الأهلية ، مع إدماج فكرة التعبئة والتحفيز وأهمها الالتزام والإشراك وبصفة عامة الفرد المهل هو الذي يعرف كيف يواجه الحالات المعقدة أو حل المشاكل من خلال معارفه ومهاراته.

ويمكن تعريف التأهيل على مستوى المنظمات بأنه تنمية المهارات أو الكفاءات التي تمر عبر البحث في الأشكال الجديدة للعمل التي تعتمد على ثقافة المنشات التي تشجع انبثاق الكفاءات والعمل بالأهداف وتكوين الفرق المستقلة وتقليص مستويات السلسل الهرمي وإدخال المهارة على الفرق نفسها وتشكيل منهجيات للوصول تتطلب تكوينا خاصا للعاملين واهتماما متزايدا لعناصر أجواء العمل.

وقد وردت كلمة التأهيل habilitation في قاموس المورد بشكلين هما الإصلاح والتأهيل.

وباختصار فمفهوم التأهيل الذي يهمنا هو عملية تكوين الفرد وتزويده بالخدمات اللازمة لتحسين أدائه بصورة عامة 

أما العنصر الثاني من عنوان البحث هو الموظف الجماعي الذي حدده الفصل الأول من مرسوم 27 شتنبر 1977 فى مادته السادسة وقد عرفت الوظيفة العمومية الجماعية تطورا بالموازاة مع تطور التنظيم الجماعي، إلا إنه قبل سنة 1976 لم يكن من الممكن الحديث عن وضيفة عمومية جماعية بالمعنى القانوني للكلمة؟، وبقي الموظف الجماعي خاضعا فقط لمقتضيات النظام الأساسي للوظيفة العمومية لظهير 25 فبراير 1958 الذي تم تعديله بالقانون 05.50 بيد أن الفصل 48 من ظهير 3 شتنبر 1976 وضع اسس وظيفة عمومية جماعية والتي حدد معالمها فينا يعد مرسوم 27 شتنبر 1977، إذ لأول مرة سيستعمل رسميا تعبير الموظف الجماعي.

والغاية من كل هذا تعكسه المكانة التي أصبحت تتمتع بها الإدارة الجماعية في تحقيق التنمية الشاملة والمندمجة.

أما المكون المعرفي الثالث يتمثل في مصطلح الإدارة وهذا المكون ينشق لغويا من لفظة "أدار" أي تولى الإدارة ودبر وقام على الأمر، وتقابلها بالفرنسية Administration"، أما إصطلاحا فيمكن التمييز بين جانبي الإدارة كعلم وكممارسة، فعلم الإدارة هو فرع من العلوم الاجتماعية يصف ويحلل العملية الإدارية والسلوك الإنساني المواكب لها، أما الإدارة كممارسة فتعني كما نعلم الاستخدام الفعال والكفء للموارد البشرية والمادية والمعلومات والأفكار والوقت من خلال العمليات الإدارية المتمثلة في التنظيم و التوجيه والرقابة في سبيل تحقيق الأهداف المسطرة.

وتعني في التعريف القانوني حسب معاجم المصطلحات القانونية عملية اتخاذ القرارات الصحيحة والمستمرة، المراقبة والتحكم بمصادر المؤسسات للوصول إلى الأهداف المرجوة للمؤسسة وذلك من خلال توظيف وتطوير والسيطرة على المصادر البشرية والمالية.

أما مصطلح الإدارة الجماعية لم يشهد تداولا واستعمالا في المغرب، ولم تكن مقتضيات القوانين المنظمة للجماعات الترابية منذ بداية تشريعها تشير إلى هذا المصطلح، إلا بعد صدور القوانين الأخيرة المنظمة للجماعات الترابية، والتي أشارت ولأول مرة إلى مصطلح الإدارة الجماعية، وفي هذا السياق، نخص بالذكر ما جاء في المادة 94 من القانون التنظيمي رقم 113.14 التي نصت على أنه "يقوم رئيس مجلس الجماعة بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك، ولهذا الغرض: يتخذ القرارات المتعلقة بتنظيم إدارةالجماعة وتحديد اختصاصاتها، مع مراعاة مقتضيات المادة 4118& هذا القانون التنظيمي").

وتماشيا مع ذلك أصدرت وزارة الداخلية بتاريخ 28 يوليو 2016 منشور بشأن تنظيم إدارات الجماعات؟، وهو أيضا يحمل مصطلح الإدارة الجماعية. وعموما، فمفهوم الإدارة الجماعية يحيل على وظائف تدبير القضايا المحلية المرتبطة بحاجيات السكان الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فالإدارة الجماعية إذن، هي مجموع الأجهزة الإدارية الجماعية سواء أكانت معينة أم منتخبة داخلة في إطار اللامركزية الإدارية، تهدف إلى تدبير حاجيات ومشاكل المجتمع المحلي تدبيرا ديمقراطيا يرتكز على مفاهيم: المشاركة والتشاركية، القرب والشفافية، المساواة والإنصاف، الرقابة والتقييم، المحاسبة والمساءلة، التحفيز والمسؤولية وغيرها من المفاهيم المساعدة على تجسيد "فكرة الصالح العام" على المستوى المحلي، ذلك لأن الإدارة تحتل مكانة متميزة داخل العناصر المحددة للتغيير.

أهمية الموضوع:

يجسد موضوع بحثنا أهمية قصوى وبارزة يمكن تقسيمها إلى أهمية عامة والثانية خاصة، فالأهمية الأولى تتجلى من كون تطوير أداء الجماعات رهين بتأهيل وتنمية قدرات موظفيها على اعتبار أن تشخيص مواطن الخلل التي تعطل أداء الموظف هو في منطلقه ومنتهاه تشخيص لكل اختلالات وظواهر الجماعة، ولأن الحلول والاقتراحات المقدمة لتطويرها انطلاقا من تشخيص ومعاينة واقع الموظفين هي في نفس الوقت حلول لفائدة الإدارة الجماعية والموظفين على حد سواء، إضافة إلى أنه أصبحت هناك قناعة راسخة متمثلة في وجود علاقة تلازمية بين تدبير وتأهيل موظفي الإدارة الجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية... لذلك لم تعد مسألة تأهيل هذه الموارد البشرية خيارا لدى ضروريا يجب الانخراط فيه، ووضعه كأولوية فى الجماعات، بل أصبح شيئا الاستراتيجيات والأهداف المرجوة.

أما بالنسبة للأهمية الخاصة للموضوع فتتجلى في المكانة المحورية التي تحتلها الجماعات وذلك من خلال الاختصاصات الجسيمة المسندة إليها فى مجالات مختلفة كالاستثمار والبيئة، والتضامن...لكي لا تظل هذه الاختصاصات حبيسة الرفوف، فإن الأمر يتطلب موظفين مؤهلين وقادرين على ترجمة المشاريع التي تقرها الجماعات في الميادين التنمية.

فالجماعة التي لا تكون ولا تؤهل مواردها البشرية - الموظفين - تموت والموتى لا يروون القصص كما يقول المثل.

دوافع اختيار الموضوع:

إن اختيار هذا الموضوع للبحث والدراسة ناتج عن عدة اعتبارات:

المكانة المحورية التي أصبح يحتلها الموظف الجماعي في مسلسل إصلاح الإدارة الجماعية.

معرفة مدى مواكبة مسألة تأهيل الموظفين بالإدارة الجماعية للتطور الحاصل على مستوى الدور التنموي المنوط بها. التأثر الكبير بالعروض التي قدمت خلال السنوات الدراسية، خاصة المواضيع المتعلقة بالتخطيط والتكوين والتدبير الجيد،... بالجماعات الترابية، فنجاح أي مشروع رهين بالممارسة والتفعيل وهذ الأخير رهين بوجود موظف كفء الذي هو جوهر موضوع البحث.

محاولة الإسهام في تطوير وعصرنة منظومة تأهيل الموظفين الجماعيين، وذلك عن طريق إبراز عوامل التعطيل واقتراح آليات للتأهيل.

المنهجية المعتمدة:

بناء على ما تقدم سيعتمد في مقاربة هذه الإشكالية المنهج النسقي وذلك بتحليل مختلف أصناف الموظفين من خلال رصد أهم مشاكل تأهيلهم ومعرفة أسبابها ومحاولة إيجاد حلول لها، ثم المنهج القانوني، وذلك بوقوفنا على مجموعة من النصوص القانونية الخاصة بالوظيفة الجماعية والقيام بتحليلها مع إبراز سلبياتها، وأخيرا المنهج المقارن وذلك من خلال مقارنة الأساليب العتيقة في تأهيل الموظف الجماعي بتلك الحديثة قصد بناء سياسة فعالة وعصرية لتأهيل هؤلاء الموظفين.

إشكالية البحث:

نظرا لما للموظف الجماعي من أهمية قصوى في ترجمة المخططات التنموية للجماعة، فإن الإشكال المركزي لهذا الموضوع يندرج حول:

- ما مدى إمكانية الحديث عن وجود سياسة عامة لتأهيل الموظف الجماعي ومدى مساهماتها وفعاليتها في تطوير أداء الادارة الجماعية من أجل التنمية ؟

هذه الإشكالية المركزية تجرنا إلى إشكاليات فرعية هي كالأتي:

إلى أي حد استطاعت الإدارة الجماعية أن تتجاوز التأهيل الكلاسيكي إلى تأهيل عصري فعال ؟

• هل تمكنت الإدارة الجماعية فعلا من الاستفادة من طاقات موظفيها ؟
• ما هي إكراهات وعوامل تعطيل سياسة تأهيل الموظفين الجماعيين ؟

هل هناك استراتيجية جديدة لتحديث سياسة تأهيل الموظف الجماعي قصد تطوير أداء الإدارة الجماعية وتحقيق التنمية ؟

هكذا سنحاول دراسة وتحليل إشكالية هذا الموضوع من خلال التقسيم التالي:

الفصل الأول: السياق العام لسياسة تأهيل الموظف الجماعي

الفصل الثاني: الموظف الجماعي بين واقع سياسة التأهيل الكلاسيكي ورهان التحديث

---------------------------

لائحة المراجع :

- الكتب :
- أحمد الخطيب وأخرون، البحث والتقويم التربوي، دار المستقبل للنشر والتوزيع عمان، الطبعة الأولى 1985.
- إبراهيم الفقى، قوة التفكير، طبعة خاصة بالمركز الكندي للتنمية البشرية، 2008.
- كامل بربر، إدارة الموارد البشرية وكفاءة الأداء التنظيمي، المؤسسة الجماعية بيروت، الطبعة الأولى 1997.
- محمد كرامي، القانون الإداري، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 2003.
- محمد باهي، تدبير الموارد البشربة بالإدارة العمومية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2002.
- مطر الهيتي، إدارة الموارد البشرية كمدخل استراتيجي، دار جامد، عمان، الطبعة الأولى 2000.
- مليكة الصروخ، القانون الإداري دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الخامسة 2011.
- بوعلام السنوسي، قانون الوظيفة العمومية التابعة للدولة والجماعات المحلية للبرلمان والوظيفة العمومية المؤقتة، مطبعة دار النشر المغربية، طبعة 2012.
- عبد الحق عقلة، القانون الإداري، الجزء الثانى نشاط الإدارة ووسائلها،دار القلم، الرباط، الطبعة الرابعة 2005.
- عبد الرحمان البكريوي، الوجيز فى القانون الإداري المغربي، الكتاب الثاني، نشأة الإدارة وامتيازاتها، الطبعة الأولى، 1990
- عبد الغني اعبيزة، سياسة التحديث الإداري بالمغرب، دراسة قانونية ومؤسساتية، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الثانية 2011.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -