الذكاء الترابي ورهان جلب الإستثمار الجهوي

 رسالة بعنوان: الذكاء الترابي ورهان جلب الإستثمار الجهوي PDF

الذكاء الترابي ورهان جلب الإستثمار الجهوي PDF

مقدمة :
ساهم التطور التكنولوجي للإعلام والاتصال واقتصاد المعرفة في دفع عجلة الاقتصاد والمتخصصين الى التفكير في إيجاد معادلة تخلق التوازن بثوابته ومتغيراته واشكال التدخل الترابي في صيغه الحديثة، فظهرت مفاهيم جديدة في موضوع التنمية الاقتصادية في بعدها الترابي كإدارة القرب، الحكامة الجيدة، المقاربة التشاركية، التدبير والتخطيط الاستراتيجيين، التسويق الترابي، المقاولة والمواطنة، الجماعة المقاولة وغيرها، ليتم مؤخرا الحديث عما اصطلح عليه بالذكاء الترابي كإحدى الحلول لازمة المجال.

وإذا كانت العولمة بتداعياتها المختلفة تفرض المرور من الدولة القوية إلى الدولة الاستراتيجية الذكية التي تخول لنفسها تقنيات واليات من اجل التموقع والتقييم والتدبير والضبط والتحديث تجعلها أكثر صلابة فانفتاحها على محيطها، فان المغرب يعد جزءا لا يتجزء من الخارطة الاقتصادية للعالم شهد هو الأخر تحولات في بيئته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما جعلته مطالبا بالبحث عن وسائل ملائمة ذات كفاءة عالية في معالجة المعلومات من اجل تحقيق أداء متميز وتواجد فعال في سوق عالمي تزداد فيه المنافسة يوما بعد يوم.

كما تعد العولمة الاستراتيجية وحمايتها وتوفير المعطيات للفاعلين الاقتصاديين من اجل الوصول إلى المنافسة، وضمان الأمن الاقتصادي وتعزيز سياسة التأثيرأهم ركائز الذكاء الترابي، وبفضل التطور والتقدم المستمر خاصة في الوسائل التكنولوجية أصبحت معه الميزة التنافسية تقاس بمدى القدرة على الابتكار والإبداع والتجديد الذي يتماشى في نفس الوقت مع متطلبات عولمة الأسواق، خاصة وان عالم اليوم أصبح يشهد تحولات من صراعات عسكرية وجيوسياسية الى صراعات جيواقتصادية.

هذا وبعدما اتخذت العديد من دول العالم واخص بالذكر اليابان، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا وتركيا وغيرها من الدول من الذكاء الاقتصادي وعاء هيكليا لتحقيق تنميتها الاقتصادية منذ ستينيات القرن الماضي، وتم تطويره بعد الحرب العالمية الثانية ليصير نموذجا ذو بعد استراتيجي عملت به لسنين عديدة في التعاون ما بين المؤسسات، تبنت معظم الدول المتقدمة في أواخر التسعينات الذكاء الترابي وعملت به على المستوى الإقليمي رغبة منها في تحقيق مشاريعها التنموية، فعلى سبيل المثال تمكنت فرنسا بفضل الذكاء الترابي من الحصول على المعلومة واستباق المنافسة وإعداد التعاون اللازم لتحقيق التغيير المنشود على المستوى الإقليمي، وذلك تحت إشراف وزيرها المكلف بالداخلية معتمدا هذا الأخير في ذلك على نظام استخباراتي إقليمي هدفه الأساسي تقييم الأداء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكل إقليم، وكان من نتائج تطبيقه تمكين المواطنين من تنظيم أنفسهم وتدبير شؤونهم المحلية والجهوية والمشاركة المكثفة في صنع القرارات التى تخصهم.

أما على المستوى الوطني لم تعد الدولة الجواب الوحيد والدائم لانتظارات المواطنين خاصة بعدما أبانت تجربة المخططات القطاعية الكبرى على المدى المتوسط والبعيد عن قصورها في التأثير على مجموع المجالات الترابية التي ترتبط تنميتها المستدامة بخصوصياتها الجغرافية والمجالية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن التحديات التي تفرضها العولمة في ظل ظرفية تشتد فيها المنافسة، وبناء على تقرير الخمسين سنة من التنمية البشرية الذي خلص إلنأن:" ....تحقيق التنمية المستدامة بالمغرب رهين بمدى قدرته على مواجهة وتخطي خمسة بؤر وهي على الشكل التالي؛ المعرفة، التكوين، والإدماج وأخيرا الحكامة"، أصبح لزاما على الفاعلين العموميين والخواص في إطار مقاربة تشاركية إيجاد سياسة تنموية تتمحور أهدافها حول تطوير المشاريع التي تمكن من خلق فرص الشغل والثروة، إضافة الى التغييرات الاقتصادية خاصة المتعلقة بالاضطرابات والمخاطر التي تفرزها تنافسية الأسواق، وتعزيز جاذبية الجهات وتنشيط وإنعاش شبكات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي.

وقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء بتاريخ 6 نونبر2006 أرضية لهذا التوجه، حيث أكد جلالته على العمل على تطبيق جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية، وذلك يتماشى وينسجم مع مسلسل اللامركزية الإدارية وتقويتها وهذا ما دفع بعض الباحثين للقول بانه "إذا كان القرنالعشرين يعرف قوة وهيمنة الدولة فان القرن الحادي والعشرين سيعرف تعاظم دور الجماعات الترابية".

وبما ان الجهات هي الوعاء المناسب والمحقق لكل الأغراض والأهداف المنشودة، فان من شان تبني سلطات تدبير الشأن العام المحلى للذكاء الترابي السيطرة على العولمة الإستراتيجية، والمعرفة التامة بوضعية الجهات على نحو يمكن من التعرف على خصوصيات ومميزات ما يؤهلها للدخول في منافسة التراب الجهوي الدولي، مع إشراك النخب وكل الفاعلين المحليين من اجل إيجاد الحلول وصياغة القرارات المناسبة لها محليا.

وفي إطار مواكبة ركب التكنولوجيا السريعة الذي أصبح الواحد والعشرين، انخراط المغرب في المجال الرقمي حيث وضع فى الفترة الممتدة ما بين 2005 و2008 البرنامج الوطني للإدارة الالكترونية تحت تسمية "إدارتي"، شمل ستة برامج فرعية وهي المحيط والإشراف الاستراتيجي، التنميط، التعاضد، البنية التحتية، والأمن المعلوماتي، وأخيرا الخدمات الأفقية والخدمات العمودية، هذا ويعد برنامج ". e Gouv" من أهم المشاريع الإستراتيجية التي وضعت المملكة على سكة الإدارة الرقمية لتسهيل الولوج الرقمي على كل الإدارات، كما تم إحداث نظام معلوماتي لتدبير المراسلات "SYGEC" وأخر لتدبير المخزون دون أن ننسى في هذا الإطار دور المملكة في دعم إستراتيجية الطاقات المتجددة.

وقد شكلت فكرة الذكاء الترابي الذي تتخذه المؤسسات المعاصرة كأسلوب ومنهج عمل يجعل من المؤسسة في حالة يقظة تامة ومستقرة بما يجري حولها من أهم وأحدث الأنظمة التي تتضمن ليس فقط للفاعلين الخواص الحفاظ على مكانتهم في سوق المنافسة، بل حتى الحكومات والدول على اعتبار أن المعلومة والمعرفة من أهم الموارد الإستراتيجية بالنسبة للفاعلين، خاصة إذ كانت أكيدة وكاملة وذات مصداقية وجودة عالية تحقق الغاية والهدف منها "التنمية الشاملة والمستدامة".

ويهدف "الذكاء الترابي" إلى جعل الجهة قادرة على جلب الاستثمارات وتوجيهها بفعالية نحو تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وتحقيق التنمية الاجتماعية عبر تأهيل الجماعات الترابية بصفة عامة وترقيتها إلى مستوى الجماعات المقاولة اقتصاديا، والمتضامنة اجتماعيا والمستدامة ايكولوجيا والمتحكمة في التقنيات المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة، كما يهدف إلى النهوض بالعنصر البشري من خلال عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص مبنية على التزام سؤول، يفترض اختيار الشركاء وتوفير شروط مسبقة تتمثل أساسا في توفر معارف قانونية وإتقان استعمال الأدوات المحاسباتية والمالية، إضافة إلى رؤية واضحة للمشاريع التنموية على وجه الخصوص، هذا ويقوم الذكاء الترابي على منظومة متكاملة تتكون أبرز محاورها من اليقظة، التشخيص، تنسيق العمل العام، الشركات، المعرفة، الابتكار، التأثير والحماية.

وبالمزاوجة بين المصطلحين "الذكاء" و"التراب" فان الأول عبارة عن قدرات ذهنية استنتاجية واستدلالية تكتسب من خلال تراكم المعرفة والخبرة والنظر في دلالات حركية الأشياء وتغيير الظواهر في الحياة، ومصطلح الذكاء يرتبط بثلاث كلمات وهي الإبداع والتحليل ثم التطبيق، في حين يشير مصطلح "التراب" إلى بناء عقلاني، متحرك ومتطور، فضفض، غامض، وغير محدد، وهناك من الباحثين من يعتبره ذلك المستوى الذي يمكننا من تقدير أو تقييم التبادلات بين المادة والمعلومة وبين المجتمعات ومحيطها.

يعتبر تدبير وجذب الاستثمارات عملية معقدة تتطلب توافر عدة عوامل اقتصادية وسياسية وتنظيمية في إطار منسجم والذي يتأثر بالظروف الخارجية والداخلية للدولة، فجزء ما يعرفه النظام الاقتصادي العالمي الجديد من تحولات متسارعة وما أضحت الجودة والسرعة في تلبية تلك المتطلبات من الشروط الأساسية. وأمام هذه التحديات أصبحت اللامركزية من الأساليب الجديدة والمقاربات الجدية في تدبير شؤون الحكومات المركزية لم تعد قادرة على المواكبة والاستجابة لمختلف هاته المتطلبات، لذا لجأت اغلب الدول إلى لامركزية القرار والأنشطة الاقتصادية كأساس لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقد برزت "الجهة" كفاعل قادر على تحمل تلك المسؤوليات، وكأداة أساسية لتدبير وجذب وتنشيط الاستثمار، وذلك لسببين، يتجلى أولهما فيما أبانت عنه الجهة من قدرة على تحويل مجال ترابي إلى إطار يعمل على حفظ التوازنات الاقتصادية، وتحسين المناخ الاستثماري قصد الرفع من وثيرة استقطاب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، كما هو الحال في بعض الدول التي تبنت الجهوية بمفهومها الواسع كالنموذج الاسباني والإيطالي. 

والسبب الثاني هو ما يفرضه الوضع الاقتصادي الراهن المتسم بالتنافسية الشديدة والذي أصبح معه الفاعلون الاستثماريون يتخذون قراراتهم ومبادراتهم الاستثمارية ليس بناء على الفرص المتاحة التي تقدمها الدول، وإنما تعدى الأمر إلى الجهات المكونة للدولة، ومدى الاختيارات والمزايا التي تقدمها جهة على حساب جهة أو حتى دولة أخرى.

فالاستثمار أضحى من أهم لاليات الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية،ومن الأدوات الناجعة والفعالة لتشجيع وتنشيط المجال الاقتصادي، وذلك لما يفرضه التزايد السكاني الذي يشهده العالم، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة البطالة، وتوفير الخدمات الصحية، والسعي وراء التنمية المستدامة بجميع جوانبها.

ونظرا لأهمية الجهة في تحقيق التنمية عبر أهم آلية وهي الاستثمار، فالمغرب أولى اهتماما خاصا بتشجيع الاستثمار العمومي والخاص، واللذان تجمعهما علاقة ترابط.

فالاستثمار العمومي يعد القاطرة الاقتصادية التي من خلالها يمكن جذب الاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية. كما إن للاستثمار العمومي القدرة على الحد من الاختلالات المجالية والقطاعية داخل البلد، عن طريق إقامة المشاريع الكبرى كالبنايات التحتية اللازمة من موانئ ومطارات وطرق، بالإضافة إلى توفير اليد العاملة المؤهلة من خلال إنشاء مؤسسات التكوين المهني في التخصصات التي تتماشى مع نوعية الاستثمارات والخصوصيات الطبيعية والاقتصادية الخاصة بالجهة مع توفير البيئة المناسبة للمستثمرين ولاستثماراتهم، فضلا عن التدخلات الأخرى للدولة، وأهمها التقطيع الجهوي الذي بدوره يتحكم في توزيع الاستثمارات بشكل مباشر.

وما يزيد من أهمية وحرص المغرب على جعل الاستثمار الجهوي مكونا أساسيا لتحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة هو اعتماد الدولة اختيار الجهوية المتقدمة كأسلوب في تدبير الفعل العمومي والمحلى، والتي تعتبر شريكا أساسيا في التنمية إلى جانب الدولة. وقد ساير دستور2011هذا التوجه بإقراره للجهوية المتقدمة  كمستوى ترابي يتمتع باختصاصات وموارد وإمكانيات مهمة، ويحتل الصدارة على باقي مستويات الجماعات الترابية الأخرى في مجال إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب. 

ويشكل معه هذا الإقرار الدستوري مرجعية أساسية تعطي للجهة مكانة تتجاوز مجرد الاعتراف بها كجماعة ترابية إلى فاعل أساسي يقوم بالتنمية وينخرط في تدبير الاستثمار.

أهمية الموضوع:

ومن هنا تبرز الأهمية الكبرى لموضوعنا فمن الناحية العملية يتناسب الذكاء الترابي مع المرحلة الراهنة لتحسين أداء الجهات وفتح المجال أمامها لتصبح قوة تتمتع بالمبادرة وتتسم بفعالية التحليل والاستشراف من اجل إعادة التوازن المنشود والمستدام، وكذا جعلها تتمتع بقدرات ذاتية مهمة لمنافسة نظيراتها على المستوى الوطني وجذب الاستثمارات الجهوية، يسمح الذكاء الترابي بإبراز الوضع الحقيقى الذي تعيشه الجهات عبر مجموعة من التقنيات التي تساعد أصحاب القرار على تشخيص واقع الجهة وتناقضاتها، ومؤهلاتها الطبيعية والمادية والبشرية وتحديد أولويتها وربطها بواقعها الوطني والدولي وإبراز الأولويات ومتابعة المنجزات، كما يمكنها من الوقوف على الأخطاء والاستعانة بالخطط البديلة او الاحتياطية والموازية بين مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

يهدف موضوع البحث إلى تحديد دور الذكاء الترابي في دعم عملية التنمية وتقليص الفوارق المجالية بالمغرب وتقييم انعكاسه على الفعل العمومي الترابي، وكذلك يكتسي أهمية بالغة نظرا لاهتمامه بموضوع نال أهمية كبيرة من قبل مراكز البحث العلمي وراهنته في الخطاب الرسمي الوطني والترابي، وبالتالي توازي الإشكالات التي يطرحها والاستعانة بالخطط البديلة أو الاحتياطية، من خلال الموازنة بين مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

أسباب اختيار الموضوع:

ويرجع اختياري لموضوع الذكاء الترابي ورهان جلب الاستثمار الجهوي، موضوعا لرسالتنا هاته لعدة عوامل أهمها:
- بيان كيفية عمل الذكاء الترابي وأهميته في الوقت الراهن خاصة وان مستقبل الجماعات الترابية بصفة عامة والجهات بشكل خاص مرتبط بمدى قدرتها على مواجهة الانفتاح العالمي لان ما هو جيد اليوم قد لا يكون كذلك غدا؛
- التعرف على ميكانيزمات الذكاء الترابي ودورها في مساعدة الجهات الفاعلة على اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها المناسب؛ المساهمة في إيضاح أهمية تطبيق الذكاء الترابي على المستوى الجهوي؛
-بيان وضعية المنظومة على المستوى الجهوي؛
- التأكد من صحة القول بان الذكاء الترابي سيساهم في إعادة التوازنات بين الجهات؛
- تبيان التحديات التي تواجه التنزيل الفعلى للذكاء الترابي؛ التسليم بضرورة إعطاء الأنظمة المعلوماتية الأهمية التى تستحقها والتي يعتبر الذكاء الترابى من أهمها وانجعها نظرا إلى منهجية تعامله مع المعلومة وكيفية استغلالها والتأثير فيها في أن واحد...وغيرها من الأهداف.

صعوبات الموضوع:

تتجلى صعوبات البحث في منهجيته نظرا لما يتطلبه هذا الموضوع من تخصصات عديدة وضبط دقيق للمفاهيم والمصطلحات، خاصة ان جوانبه متعددة وكثيرة، ويشمل تقاطعات معرفية عديدة منها القانوني والسياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي.

ونظرا للظرفية الوبائية "كورونا" التي يعيشها العالم بأكمله، الشيء الذي أدى الى صعوبة الحصول على مراجع بخصوص هذا الموضوع.

وهذا ما جعلنا نلقي صعوبات كثيرة على مستوى قلة المراجع التي تناولت الذكاء الترابي فنتمنى ان يساهم هذا البحث المتواضع بتوضيح وكشف الغطاء عن المصطلحات حديدة نظرا لكون الموضوع يعتبر حديثا نوعا ما، كما يفيد الطالب في دراسته واغناء الخزانة الحقوقية بشكل خاص والمكتبة المغربية بشكل عام باعتباره مرجعا إضافيا قد يساهم في تدعيم الباحثين في هذا المجال.

إشكالية الموضوع:

يعد الذكاء الترابي في المغرب أحد المواضيع المحورية التي أضحت تهيمن على النقاش العمومي، خاصة بعد الحركية التنموية التي عرفها المغرب، ويعد من أهم وأحدث المقاربات التي يمكن على ضوئها تحقيق التنمية الجهوية المنشودة، لذلك فان تحديد طبيعة هذا الذكاء تحتم علينا طرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد يمكن اعتماد منهجية الذكاء الترابي كمقاربة تدبيرية حديثة قادرة على جذب الاستثمارات وكآلية حديثة لتجاوز الاختلالات التي يعرفها واقع تدبير الشأن الجهوي ببلادنا، ومن ثم كسب رهان التنمية ؟
مع مضمون الإشكالية المحورية للبحث سيتم طرح بعض التساؤلات الفرعية وانسجاما
المؤطرة للموضوع التي تتمحور أساسا:
- ما هو مفهوم الذكاء الترابي ؟ وما هى اهم مبادئه ؟
- تمييز الذكاء الترابي عن المفاهيم المتشابهة ؟
- ما هي مظاهره والياته ؟
- ما هي خصائصه وأبعاده وغاياته ؟
- ما هو دور الذكاء الترابي في تحسين مناخ الأعمال وكحافز ودافع لإنعاش الاستثمار الجهوي؛
- إلى أي حد تتوفر الجهة على الموارد البشرية والمالية واللوجستيكية الكفيلة باستقطاب المشاريع الاستثمارية ؟
- ماهية الحدود والاكراهات التي تحد من تفعيل سياسة الذكاء الترابي بشكل .
لمتطلبات التنمية ؟
وأخيرا ما هي الأفاق ومداخل التطوير التي يمكن ان ينفتح عليها الذكاء الترابي لتجاوز هذه الاكراهات ؟

وللإجابة عن هذه الإشكاليات نطرح الفرضيات التالية:

- تعدد المتدخلين وغياب التنسيق في المجال الجهوي يطرح مجموعة من الاكراهات التي تحد من هامش تصرف الجهات في تدبير شؤونها الجهوية.
- نقص الموارد المالية والبشرية أهم معيقات تفعيل سياسة الذكاء الترابي داخل الجهات. 

- الإطار القانوني المتسم بالغموض والنقص بسبب رئيسي لضعف تفعيل إستراتيجية الذكاء الترابي.
- اعتماد آليات ومقومات الذكاء الترابي يؤدي إلى جلب استثمارات جهوية فعالة وناجعة .

المناهج المعتمدة في الدراسة:

لعل مسار التحقق من صحة الفرضيات المطروحة والإجابة عن الإشكالية الرئيسية، يستوجب التركيز على جوانب منهجية في تناول الموضوع، ولذلك ستتبنى هذه الدراسة مقاربة شمولية متعددة الابعاد وتفاعلية طالما أن الذكاء الترابي له ارتباط وثيق بتطوير الاستثمار الجهوي.

هكذا سنعمل في مقاربتنا لهذه الإشكالية على المنهج الوظيفي لكي نرصد من خلاله دور الدولة والجماعات الترابية على رأسها الجهات والمؤسسات العمومية في إعمال اليات الذكاء الترابي وتكريسها على ارض الواقع ومدى قدرتها على جلب الاستثمارات، وتطعيما لهذا المنهج سيتم الاعتماد على مناهج أخرى حفاظا على كمالية البحث ووحدته؛ مثل:

-المنهج الوصفي لمقاربة مختلف الإشكالات التي يطرحها الذكاء الترابي من خلال الياته ومقوماته، فجدوى توظيف المنهج الوصفي تتجلى في وصف طبيعة مهام الأجهزة المتدخلة في مجال تدبير الشأن الترابي، ومدى قدرتهم على تسويق المجال الترابي.
-المنهج الاستنباطي والاستقرائي وذلك من خلال تحليل النصوص القانونية التي لها علاقة بسياسة الذكاء الترابي والاستثمار الجهوي، ومحاولة معرفة مزاياها وعيوبها.
-المنهج البنيوي سنعتمده كأداة لفهم الظواهر ومعرفة واقعا لمنتخبين والموظفين داخل الجهات.

خطة البحث:

لمعالجة إشكالية الموضوع ومراعاة الجوانب المتدخلة فيه، ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى فصلين:

الفصل الاول: الاطار العام لسياسة الذكاء الترابي

الفصل الثاني: فعالية الذكاء الترابي في جلب وتوطين الاستثمار على المستوى الجهوي

---------------------------

لائحة المراجع :



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -