محاكم الاستئناف الإدارية في ضوء قانون التنظيم القضائي الجديد

مقال بعنوان: محاكم الاستئناف الإدارية في ضوء قانون التنظيم القضائي الجديد.

مقال بعنوان: محاكم الاستئناف الإدارية في ضوء قانون التنظيم القضائي المغربي الجديد PDF
لحسن إدبلهي
ماستر قضاء الأسرة، كلية الشريعة
جامعة محمد بن عبد الله –فاس-

ملخص:
تتغيى هذه الورقة البحثية أن تكشف عن هيكل تنظيم محاكم الاستئناف الإدارية، مرورا باختصاصاتها وانتهاء بمسطرة التقاضي أمامها، في ضوء قانون التنظيم القضائي الجديد 15.38، مركزين على الفروق بين هذا الأخير وبين القانون المحدث للمحاكم الإدارية الاستئنافية 80.03 من جهة، مع بحث الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا والإشكالات التي أفرزتها، لكونها جهة استئنافية عتيقة للأحاكم الإدارية ومقارنتها مع محاكم الاستئناف الإدارية شكلا واختصاصا من جهة أخرى، في أفق الخروج بفلسفة المشرع من هذه التقنينات.
الكلمات المفتاحية: محاكم الاستئناف الإدارية، التنظيم القضائي الجديد، الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية.

على سيبل التمهيد:
كلما صدر قانون جديد، إلا وانكب عليه الباحثون والأساتذة والممارسون شرحا ونقدا وتفسيرا، ويتسابقون على إصدار الشروح العملية –قبل أن يدخل حتى حيز التنفيذ-، وبمناسبة صدور قانون التنظيم القضائي الجديد (15.38) ودخوله حيز التطبيق، وحيث إن القضاء الإداري يصنف من أخطر الأقضية، لما يسم باحتكاك الدولة ومؤسساتها ذات النفوذ العال بالمواطن البسيط المغلوب، الذي يحتاج إلى أمن قانوني وقضائي حتى يتسنى له المطالبة بحقوقه بصوت عال.

فإلى أي حد وفر له المشرع ذلك من خلال قوانين المحاكم الإدارية في ضوء قانون التنظيم القضائي الجديد؟
نعرض لهذه القضية من خلال فرعين:

- تأليف محاكم الاستئناف الإدارية.
- اختصاصات محاكم الاستئناف الإدارية ومسطرة التقاضي أمامها.

متبعين في دراستنا منهجا مقارنا، نلتمس فيه الفروق بين قانون إحداث محاكم الاستئناف الإدارية وما جاء به قانون التنظيم القضائي الجديد من مستجدات في هذا الإطار.

الفرع الأول: تأليف محاكم الاستئناف الإدارية وتنظيمها

تطبيقا والتزاما بمبدأ كوني دستوري سام ألا وهو التقاضي على درجتين، وبعدما كانت تُستأنف الأحكام الإدارية الابتدائية لدى الغرفة الإدارية بمجلس الأعلى، اضطر المقنن المغربي أخيرا إلى إصدار الظهير التنفيذي 1.06.97 بتاريخ 14 فبراير 2006 تنفيذا للقانون 80.03، المحدث بموجبه محاكم الدرجة الثانية الإدارية، وقد توج هذا المسار التشريعي الحافل بصدور التنظيم القضائي الجديد [1]15.38 الذي دخل حيز التنفيذ في الخامس عشر من هذا الشهر، حيث إن هذا الأخير وبالرجوع إلى المواد 81 – 82 -83 و84. نجده أنه أكد وعزز ما جاء به القانون 80.03 فيما يخص تأليف وتنظيم محاكم الاستئناف الإدارية، وهو ما سنأكده تبعا في ورقتنا هذه.

1/ قبل إحداث المحاكم الإدارية الاستئنافية:

لا يختلف اثنان أن المحاكم الإدارية الابتدائية[2] أحدثت وبدأ العمل فيها، في بداية تسعينيات القرن الماضي ، فمذ هذه الفترة إلى غاية إحداث محاكم الدرجة الثانية وبداية العمل فيها سنة 2006، كانت الأحكام الإدارية تستأنف لدى الغرفة الإدارية بمجلس الأعلى، إلا أن الفروق الجوهرية بين الغرفة الإدارية كجهة استئنافية وبين محاكم الاستئناف يظهر في هيكلة وتأليف وتنظيم كل جهة.

- فما تأليف وتنظيم هذه الغرفة في ظل بتها كجهة استئنافية في الطعون الموجهة ضد الأحكام الابتدائية ؟ وما هي الإشكالات التي كانت تفرزها ؟

أولا: تأليف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى
لا يمكن الحديث عن الغرفة الإدارية[3] هكذا تجردا، بل نقسمها إلى الرئاسة (أ)، النيابة العامة (ب) ثم كتابة الضبط (ج)؛

أ‌- رئاسة الغرفة:
لا تختلف الغرفة الإدارية عن باقي أخواتها في المجلس الأعلى، إذ هي على غرارهن، تتألف من رئيس[4]، على أنه يتمتع بجميع الصفات والاختصاصات المسندة لرؤساء محاكم الاستئناف ولابد، كالبت في الأوامر والقضاء الاستعجالي. وخمسة قضاة مستشارين، أما مستشارو الغرفة فيعينون أيضا – إسوة برئيسهم- بظهير باقتراح من المجلس، ويخضعون لسلطة وإشراف الرئيس، وعلى غرار باقي مستشاري باقي الغرف فإنه يصنفون ضمن الدرجة الأولى.

ب‌- النيابة العامة:
إسوة بأخواتها فإن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، تتوفر على نيابة عامة قائمة بذاتها يقودها المحامون العامون الذي يساعدونها – من الناحية القانونية - على تأدية عملها على أحسن وجه، تحت سلطة وإشراف السيد المحام العام الأول بالمجلس، وهو فرق جوهري أساس بين هذه الغرفة وبين المحاكم الإدارية السفلى التي تتمثل نيابتها العامة في مؤسسة المفوض الملكي كما هو معلوم.

ج- كتابة الضبط:
لا يمكن للقضاء بمختلف درجاته أن يؤدي مهمته على أحسن وجه، دون حضور قوي لكتابة الضبط، التي لها الريادة في تدوين الأحكام وتسجيل محاضر الجلسات إلى غيره ذلك.

ثانيا: الإشكالات التي أفرزتها الغرفة الإدارية
مما كان يُعاب على القضاء الإداري آنذاك، أن الأحكام والقرارات الإدارية لا يمكن الطعن فيها بالنقض، لأن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لا يمكنها أن تبت في الاستئناف وفي النقض معا من جهة، ومن جهة أخرى لا تعلوها غرفة أخرى لتبت في النقض. ما حرم المتقاضين من ممارسة حقهم في النقض، وهنا وقع إشكال كبير، تفاداه المقنن واستدركه بإحداثه المحاكم الإدارية الاستئنافية ليرفع المشكل.

م أثير مشكل آخر وهو؛ هل يعاد نشر الدعوى من جديد أمام الغرفة الإدارية ويوقف التنفيذ على إثره باعتبارها جهة استئنافية؟
أم أن الغرفة باعتبارها أعلى هرم قضائي إداري لا تبت إلا في الجوانب القانونية، فلا يعاد نشر الدعوى ولا يوقف التنفيذ.؟
فالبين من قراءة المادة 13 من القانون 80.03، أن ليس لاستئناف الأحكام الإدارية أثر واقف، بل يرفع طلب مستقل عن الدعوى يُلتمس فيه وقيف تنفيذ الحكم الصادر داخل أجل 60 يوما من تاريخ توصل كتابة ضبط المحكمة بالملف.
ونعتقد أن نفس المقتضى يتم تطبيقه في ظل استئناف الأحكام لدى الغرفة الإدارية، فاستمر تطبيقه بعد إحداث هذه الأحكام.

2- بعد إحداث المحاكم الإدارية الاستئنافية:

سبق أن أشرنا أن المقنن الإداري المغربي أخذت به الضرورة الملحة بداية هذه الألفية إلى إحداث المحاكم الإدارية الاستئنافية لتحاشي وتفادي الإشكالات التي كانت تفرزها الغرفة الإدارية –كجهة استئنافية - كما لحمنا أعلاه.

وإذ نود أن ندرس تشكيلة محكمة الدرجة الثانية الإدارية وتأليفها، مستأنسين بالقانون المحدث لها(80.03) وبقانون التنظيم القضائي الجديد(15.38)، حتى يتسنى لنا مقارنتها بتشكيلة الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا والخروج بالفروق بينهما.

بالعودة سريعا إلى القانون 80.03 نلحظ أن المقنن جرًّد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا من جميع صفاتها واختصاصاتها (كجهة استئنافية) وأسندها إلى محاكم الاستئناف الإدارية التي صار لها النظر في الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، والمطعون فيها بالاستئناف بعدما كانت تحال على الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى –كما رأينا-، وقد أفرد هذه الأخيرة جهة للنقض والإبرام وحسب، وهذه -في الحقيقة- قفزة نوعية تحسب للمشرع يتباهى بها أمام جميع التقنينات المقارنة. سيما وأن القضاء الإداري يكون استكمل درجتيه بمحاكم الموضوع، وتستتم وحدة وازدواجية القضاء على مستوى قاعدة الهرم القضائي.

أولا: التأليف البشري لمحاكم الاستئناف الإدارية

يمكن تشطير الرأسمال البشري لمحاكم الاستئناف الإدارية إلى:
مؤسسة الرئاسة (أ)، المستشارين (ب)، مؤسسة المفوض الملكي (ج) ثم كتابة الضبط (د).

أ-الرئاسة:

جاء في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المحدث للمحاكم الإدارية الاستئنافية 80.03 : " تتكون محكمة الاستئناف الإدارية من رئيس أول..."
وجاء في المادة 80 من التنظيم القضائي الجديد : " تتألف محكمة الاستئناف الإدارية من:
رئيس أول..".

والرئيس الأول كما هو معلوم، هو المسؤول والمشرف العام إداريا على محكمة الاستئناف وعلى المحاكم الإدارية الابتدائية تحتها التابعة لدائرة نفوذها، ويصنف ضمن الدرجة الاستثنائية التي تعادل درجة رئيس غرفة بمحكمة النقض[5]. وهذا وسم به رؤساء محاكم الاستئناف الإدارية وحدهم وحسب، أما رؤساء محاكم الاستئناف العادية فحدهم الدرجة الأولى أي ما يعادل درجة مستشار بالنقض. والسبب واضح جلي لأن رئيس الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا مصنف بالدرجة الاستثنائية فاستمر الوضع هكذا دون تغيير، رغم إحداث المحاكم الاستئنافية الإدارية، وهو مشكل قائم.

وفي حقيقة الأمر فإن مهام الرئيس لا حصر لها، إذ يتصف بثلاث صفات؛ الصفة القضائية؛ باعتباره قاضيا للمستعجلات وقد يكون قاضيا للتنفيذ، ثم الصفة الرئاسية؛ باعتباره المشرف العام والمسؤول الأول على الشؤون الإدارية بالمحكمة، من خلال مراقبة المستشارين والموظفين وسير الأشغال اليومية، إلى جانب إشرافه المباشر على المستشارين بالمحكمة بمن فيهم المفوضين الملكيين من خلال تنقيطهم، ثم أخيرا الصفة الولائية؛ من خلال إصداره للأوامر القضائية.

ب- المستشارون:

استتماما لقراءة المادة الأولى والمادة 80 السابقتان، فإن محكمة الاستئناف الإدارية إلى جانب الرئيس تتكون من عدة مستشارين حسب كل محكمة، وتصب مهامهم في فض المنازعات المطروحة على طاولة المحكمة، إلى جانب قيام بعضهم –حسب الأقدمية – بالنيابة إن عن الرئيس في بعض مهامه واختصاصاته، وإن بمهام المفوض الملكي، حسب ما تخرج به الجمعية العمومية كل سنة. كما قد تسند لبعضهم رئاسة الغرف التي تحويها المحكمة.[6]

ج- المفوض الملكي:
جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 2 من القانون 80.03:
" ويعين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية من بين المستشارين مفوضا ملكيا أو أكثر للدفاع عن القانون والحق باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتين قابلة للتجديد".

ونفسه ما جاءت به المادة 80 من التنظيم القضائي الجديد:
" تتألف محكمة الاستئناف الإدارية من:
- ...
- مفوض ملكي أو أكثر للدفاع عن القانون والحق يعين من بين المستشارين بالمحكمة...
- ... ".

والمفوض الملكي قريب من وكيل الملك أو الوكيل العام بالمحاكم العادية من جهة أنه لا يمثل أحدا من أطراف النزاع، ولا يبتغي مصلحة شخصية يجري وراءها، إنما يتغيى الدفاع عن تطبيق القانون وسيادته والدوذ عن الحق العام، وليس له أن يشارك في المداولات حسب الفقرة الأخيرة من المادة 3 من القانون 80.03، لأنه ليس طرفا في هيئة الحكم بل هو مؤسسة محايدة، ويكون حاضرا بجميع الجلسات ويدلي بآرائه مكتوبة -ويمكنه توضيحها شفويا – تحت طائلة بطلان الجلسة وبطلان الحكم الصادر، حيث جاء في المادة 3 أعلاه الفقرة الثانية منها: " يجب أن يحضر الجلسة المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق".

وتكون الجلسة باطلة إذا لم يحضرها المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق.

إن كل ما تناولناه أعلاه، هو ما كرسه فعلا المادة 82 من التنظيم القضائي الجديد، حيث نصت في الفقرة الثانية منها على وجوب حضور المفوض الملكي الجلسات للدفاع عن القانون والحق، ولا يشارك في المداولات حسب الفقرة الأخيرة من نفس المادة، والفقرة الثالثة أكدت على ضرورة إدلاء المفوض الملكي بآرائه مكتوبة، ويمكنه توضيحها شفهيا، سواء ما تعلق بالوقائع أو بالقواعد القانوينة المطبقة عليها.

د- كتابة الضبط:
تضطلع كتابة الضبط بمهام لا حصر لها، إذ لا يمكن للقضاء أن يستغني عنها، باعتبارها عنصرا رئيسا مساعدا له على أداء مهامه على أفضل وجه، وتتكون كتابة الضبط من كتاب الضبط ومحررين قضائيين و منتدبين قضائيين بمختلف رتبهم ودرجاتهم[7]، حيث جاء في المادة الخامسة من المرسوم المنظم لأطر هيئة كتابة الضبط[8]:

" تشتمل هيئة كتابة الضبط على الأطر التالية؛
- إطار المنتدبين القضائيين
- إطار المحررين القضائيين
- إطار كتاب الضبط."

ويرأسها موظف منها يعينه السيد وزير العدل من أعلى أطر كتابة الضبط ذو كفاءة وخبرة ومراس لإدارتها، يضطلع بمهام الإشراف ومراقبة باقي الأطر وتنقيطهم، إلى جانب ممارسته عددا من المهمات الأخرى؛ التسيير، المراقبة، التكوين واستكمال الخبرة للموظفين الذين يعملون تحت إمرته وسلطته، علاوة على مسك السجلات وضبطها، والاطلاع على المقالات والمذكرات والمراسلات، إلى غيره من المهام ... 

وبه نختم، فإن محكمة الاستئناف الإدارية تعقد جلساتها وتصدر قراراتها في جلسة علنية، في هيئة جماعية مكونة من ثلاث مستشارين من بينهم رئيس بمساعدة كاتب الضبط، حسب الفقرة الأولى من المادة 82 من التنظيم القضائي الجديد.

ثانيا: التأليف الهيكلي لمحاكم الاستئناف الإدارية
لم يشر القانون 80.03 لهيكلة محاكم الاستئناف الإدارية من قريب ولا من بعيد، إلا أن المادة 81 من قانون التنظيم القضائي الجديد أسعفتنا في هذ الصدد، حيث جاء في فقرتها الأولى:

" تشتمل كل محكمة استئناف إدارية على غرف وتضم كل غرفة هيئة او عدة هيئات، حسب أنواع القضايا المعروضة عليها، ويمكن لكل غرفة البت في كل القضايا المعروضة على المحكمة...".

لكن من الناحية العملية لا يتعلق الأمر سوى بهيئتين قضائتين في الغالب، تتوليان مهمة الفصل في القضايا المعروضة على المحكمة، ويتعلق الأمر كما هو الحال بالنسبة لمحاكم الابتدائية:

- هيئة قضاء الإلغاء: تتولى البت في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة.
- القضاء الشامل: تتولى البت في باقي القضايا التي ينعقد اختصاص المحكمة الإدارية للبت فيها.[9]

الفرع الثاني: اختصاصات المحاكم الإدارية الاستئنافية ومسطرة التقاضي أمامها

يتطلع هذا الفرع أن يرصد اختصاصات محكمة الدرجة الثانية الإدارية التي تسم بها، بدءا بالاختصاص المحلي ومرورا بالاختصاص النوعي، وانتهاء بمسطرة التقاضي أمامها حتى يستقيم بحثتنا. فلا معنى أن نجرد اختصاصاتها من دون حتى الوقوف على مسطرة التقاضي أمامها، فالأول مجرد نظر والثاني تطبيق فلا يستقيم الفصل بينهما.

أولا: اختصاصات محكمة الاستئناف الإدارية
ليس الاختصاص واحدا، إنما ينشطر إلى اختصاص محلي، نوعي، ثم اختصاص قيمي، والذي يهمنا هما النوعان الأولان، لذلك سنفرد كل واحد منها بالدراسة.

1- الاختصاص المحلي:
ويراد به النفوذ الترابي لمحكمة الاستئناف الإدارية، الذي يشمل مجموع دوائر نفوذ المحاكم الابتدائية الإدارية، فلا يمكن –مثلا- للمدعي أن يرفع الدعوى في أي محكمة يهواها، بل هو ملزم بالمحكمة الإدارية الموجودة بدائرة نفوذه، وبحكم أن محاكم الاستئناف الإدارية عددهما اثنان وحسب، الموجودتان بكل من مدينتي مراكش و الرباط، فإن دائرة اختصاص محكمة الاستئناف بالرباط المكاني هي مجموع دوائر نفوذ المحاكم الابتدائية الإدارية الموجود بمنطقة شمال المغرب وهي المحاكم الإدارية لكل من: (الدار البيضاء، الرباط، فاس، مكناس، وجدة وطنجة)، وأما منطقة الجنوب فهي من اختصاص محكمة الاستئناف بمراكش، الذي يشمل نفوذها محكمتين إداريتين (المحكمة الإدارية لأكادير ومراكش)، وقد تم إحداث هذه المحاكم وحددت مقارها ونفوذ اختصاصها بمرسوم خاص[10].

وبما أن قواعد المسطرة المدنية وكذا قواعد القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية الابتدائية تطبق أمام المحاكم الإدارية الاستئنافية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك، حسب المادة 15 من القانون المحدث لها، فإن الفصول المتعلقة بالاختصاص المحلي في المسطرة المدنية (الفصل 27 وما بعده إلى الفصل 30) هي الواجبة التطبيق، "واستثناء من ذلك، ترفع طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة إلى المحكمة الإدارية التي يوجد موطن طالب الإلغاء داخل دائرة اختصاصها أو التي صدر القرار بدائرة اختصاصها." حسب الفقرة الأخيرة من المادة 10 من القانون 41.90.

2- الاختصاص النوعي:
بإمعان النظر في المادتين 5 و6 من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، نجد أن هذه الأخيرة تختص بالنظر في استئناف أحكام المحاكم الإدارية[11] وكذا أوامر رؤسائها[12]، إلا أن تكون هناك مقتضيات قانونية مخالفة، رغم أن هذا القانون لم يوضح ما يقصد بهذه المقتضيات القانونية المخالفة، إلا أنه بالرجوع إلى القانون المحدث للمحاكم الابتدائية الإدارية 40.91، الذي تطبق قواعده على محاكم الاستئناف الإدارية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك، حسب المادة 15 منه. ومن هذه المقتضيات المخالفة ما جاءت به المادة 9 من القانون 41.90: "استثناء من أحكام المادة السابقة تظل محكمة النقض مختصة بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة ب : - المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الأول ؛

قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية."

وما جاء أيضا في الفقرة الأخيرة من المادة 13 من نفس القانون: "وللألطراف أن يستأنفوا الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي أيا كانت الجهة القضائية الصادر عنها أمام محكمة النقض التي يجب عليها أن تبت في الأمر داخل أجل ثالثين يوما 16 يبتدئ من تسلم كتابة الضبط بها لملف الاستئناف".

ما نصت عليه أيضا المادة 17: " تكون محكمة النقض المرفوعة إليها دعوى تدخل في اختصاصها ابتدائيا وانتهائيا مختصة أيضا بالنظر في جميع الطلبات التابعة لها أو المرتبطة بها وجميع الدفوعات التي تدخل ابتدائيا في اختصاص المحاكم الإدارية."

وجاء في المادة 11 من القانون نفسه: " تختص محكمة الرباط الإدارية بالنظر في الوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم."

فهذه المقتضيات القانونية التي أشرنا إليها وغيرها، جاءت استثناء من القاعدة العامة، فغلت يد محكمة الاستئناف الإدارية في النظر في بعض الدعاوى، كالمتعلقة بعدم الاختصاص، أو تنازعه، الذي تفردت به محكمة النقض والبت في بعض طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.

وإذا رجعنا إلى قانون التنظيم القضائي الجديد، نجده ينص في المادة 83 على نفس الاختصاصات التي نص عليها القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، إلا أنه أغفل الاختصاص المتعلق باستئناف أوامر رؤساء المحاكم الإدارية، وأضاف مقتضى جديدا؛

يتعلق بمراعاة الاختصاصات المسندة إلى الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري المحدثة بمحاكم الاستئناف –العادية- المنصوص عليها في المادة 68 من نفس القانون.

ونختم بمقتضى هام أشارت إليه المادة 12 من القانون 41.90 ، والتي نصت بكل وضوح على كون الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بمختلف درجاتها من النظام العام، حيث جاء فيها: "تعتبر القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي من قبيل النظام العام، وللأطراف أن يدفعوا بعدم الاختصاص النوعي في جميع مراحل إجراءات الدعوى، وعلى الجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثيره تلقائيا."

ثانيا: مسطرة التقاضي أمام محاكم الاستئناف الإدارية
نبحث القضية في مسألتين:
- مسطرة الاستئناف
- الطعن بالنقض في القرارات الاستئنافية

1- مسطرة الاستئناف أمام محاكم الاستئناف الإدارية:
تطبق أمام محاكم الاستئناف الإدارية قواعد المسطرة المدنية وكذا القواعد المقررة في القانون المحدث للمحاكم الإدارية (41.90)، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.[13]

بداية يقدم الاستئناف إلى كتابة ضبط المحكمة الإدارية المصدرة للحكم المستأنف بمقال مكتوب يوقع محام مقبول في إحدى هيئات محامي المغرب، عدا استئناف الدولة والإدارات العمومية حيث نيابة المحامي أمرا اختياريا، كما أن طلب الاستئناف معفى من أداء الرسوم القضائية حسب المادة 10.

ويرفع مقال الاستئناف مع المستندات إلى كتابة ضبط محكمة الاستئناف الإدارية المختصة داخل أجل 15 يوما من تاريخ إيداعه بكتابة ضبط المحكمة الإدارية. حسب المادة 11 من القانون نفسه.

وبخلاف الاستئناف العادي، فإن ليس لاستئناف القرار الإداري أثر واقف، بل يُرفع طلب أصلي لمحكمة الاستئناف الإدرية لوقف تنفيذ قرار إداري داخل أجل ستين يوما من تاريخ توصل كتابة ضبط محكمة الاستئناف بالملف، حسب المادة 12.

2- الطعن بالنقض في المقررات الاستئنافية:
جاء في المادة 16 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية الاستئنافية:
" تكون القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية قابلة للطعن بالنقض أمام محكمة النقض، ما عدا القرارات الصادرة في تقدير شرعية القرارات الإدارية، والمنازعات الانتخابية.

يحدد أجل الطعن بالنقض في ثلاثين (30) يوما من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه.
تطبق في شأن مسطرة النقض الواردة في قانون المدنية."
فهذه المادة جاءت صريحة في كون جميع القرارات الاستئنافية الصادر عن محاكم الاستئناف الإدارية تقبل الطعن بالنقض أمام الغرفة الإدارية، باستثناء القرارات الصادرة في تقدير شرعية القرارات الإدارية، والمنازعات الانتخابية. فالقرارات الاستئنافية تصدر نهائية ولا تقبل الطعن بالنقض.

أما ما يخص مسطرة التقاضي بمحكمة النقض، فقواعد المسطرة المدنية هي الواجبة التطبيق، الفصل 353 وما بعده.

على سبيل الختم:
بعدما عرضنا فرشا لهيكل محاكم الاستئناف الإدارية واختصاصاتها ومسطرة التقاضي أمامها، في ضوء القانون الجديد للتنظيم القضائي، مع رصد الفروق بينه وبين القانون المحدث لها، لننتهي بالغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى والمشكلات التي أفرزتها، مع مقارنتها بالمحاكم الإدارية الاستئنافية شكلا ومضمونا. نكون قد وقفنا –ولو جزئيا- على جواب لسؤالنا حول فلسفة وغاية المشرع، من هذه التقنينات، التي ما فتأت تهدف لرفع معنويات المتقاضين وزرع ثقتهم في مؤسسات العدالة، في أفق سواد الأمنين القانوني والقضائي في صفوف المتقاضين.

---------------------------

هوامش:

[1] - الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.22.38 بتاريخ 30 من ذي القعدة 1443 الموافق ل30 يونيو 2022، المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 يوليو 2022 – 14 ذو الحجة 1443، عدد 7108، الصفحة 4568 وما بعدها.
[2] - منظمة بالظهير الشريف رقم 1.91.225الصادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 ( 3 نوفمبر 1991 )، ص 2168.
[3] - للاستزادة وتحصيل الإفادة يمكنك الرجوع إلى الظهير الشريف المحدث للمجلس الأعلى رقم 1.57.223، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 2347 بتاريخ 23 ربيع الأول عام 1377 الموافق ل 18 أكتوبر 1957.
[4] - يعين بظهير باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، وعلى غرار باقي رؤساء الغرف، فإنه يصنف ضمن الدرجة الاستثنائية.
كما يشترط عليه أن يكون ذا مروءة وكفاءة وتجربة وممارسة علمية وعملية.
[5] - "الطعن بالاستئناف أمام المحاكم الاستئنافية الإدارية"، مقال منشور بمجلة القانوينة المغربية الإلكترونية: www.elkanounia.com
تم الاطلاع عليه يوم: 17/1/2023.
[6] - "تأليف محاكم الاستئناف الإدارية واختصاصها والمسطرة أمامها"، مقال منشور في الموقع الإلكتروني: www.universityfestylr..net
تم الاطلاع عليه يوم: 17/1/2023.
[7] - للمزيد من الإيضاح يمكنك الرجوع إلى النظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط المنظم بالمرسوم رقم 2.11.473 الصادر بتاريخ 15 من شوال 1432 ( 14 سبتمبر 2011)، المنشور في الجريدة عدد 5981 بتاريخ 27 شوال 1432 ( 26 شتنبر 2011)، ص 4760 وما بعدها.
[8] - نفسه.
[9] - "محاكم الاستئناف الإدارية : عن تأليفها واختصاصها والمسطرة أمامها"، م.س، تاريخ الاطلاع: يوم 18-1-2023.
[10] - المرسوم رقم 2.06.187 الصادر في 29 جمادى الآخرة 1427 (25 يوليو 2006) بتحديد عدد محاكم الاستئناف الإدارية ومقارها ودوائر اختصاصها، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5447 بتاريخ 19 رجب 1427 ( 14 أغسطس 2006)، ص 2002.
[11] - وهي بطبيعة الحال، الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية طبقا للدعاوى التي تختص بالنظر فيها، حسب المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية 40.91.
[12] - يمارس الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية أو نائبه مهام قاضي المستعجلات.
كما يجوز له منح المساعدة القضائية لطالبها طبقا للشروط الواردة في المرسوم الملكي عدد 65- 514 المؤرخ في 1-11-1966 المتعلق بالمساعدة القضائية.
[13] - المادة 15 من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية (80.03).

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -