أجل التقادم المسقط وسؤال التمديد

مقال بعنوان: أجل التقادم المسقط للحق وسؤال التمديد في القانون المغربي

مقال بعنوان: أجل التقادم المسقط للحق وسؤال التمديد في القانون المغربي pdf

ياسين شادي وعادل راشق 
باحثان في العلوم القانونية

عملت النظم القانونية على تنظيم العلاقات القانونية في المجتمع على نحو يكفل تحقيق العدالة واستقرار المراكز القانونية وتوطيد النظام القانوني ككل. وفي سبيل ذلك يقرر القانون المراكز القانونية ويحدد حقوق الأفراد والتزاماتهم، ويخول كل فرد الحق في إقامة الدعوى القضائية إذا ما انتهكت حقوقه طلبا لحماية القانون، ويظل الحق في حالة سكون قانوني إلى أن يبادر صاحبه بالمطالبة به، فقد كفل القانون للدائن إمكانية استيفاء حقه من مدينه بكافة الوسائل المشروعة، غير أن مُكنَة اللجوء للقضاء والمطالبة بالحق مقيدة بفترة زمنية محددة، حيث إنه بمرور الأجل القانوني دون المطالبة بالحق قد يؤدي إلى سقوط الحق في المطالبة، فيكون التقادم في هذه الحالة سببا لانقضاء الالتزام، وهو ما يعبّر عنه بالتقادم المُسقط. ويعود أصل هذا النوع من التقادم إلى القانون الروماني سنة 424 م، حيث إن الدعوى كانت قبل هذا القانون أبدية لا تتقادم، على عكس الفلسفة التشريعية للفقه الإسلامي الذي أكد على عدم سقوط الحق مهما طال عليه الزمن، ولم تأخذ بفكرة المنع من سماع الدعوى بعد مرور فترة من الزمن. أما القانون الوضعي فقد انتصر لفكرة المنع من سماع الدعوى بعد مرور فترة من الزمن محددة قانونا، حيث يعتبر مرور أمد التقادم سببا لانقضاء الالتزامات، وهذا ما نص عليه الفصل 319 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه: "تنقضي الالتزامات بما يأتي: …التقادم…".

والتقادم وإن كان منصوصا عليه قانونا، فإنه لا يعد من النظام العام أي أن المحكمة لا يمكنها إثارته من تلقاء نفسها، بل لابد لمن له مصلحة في الدفع بالتقادم أن يتمسك به، كما ينص على ذلك الفصل 374 من ق.ل.ع.

في هذا السياق يطرح سؤال حول مدى إمكانية تضمين المتعاقدين لأجل التقادم في متن العقد، ومدى إمكانية تمديد أو تقليص أمد التقادم المضمن في العقد، ثم هل يمكن التمسك والدفع بالتقادم حال قيام نزاع بين أطراف هذا العقد؟

المحور الأول: ماهية التقادم المسقط

الفقرة الأولى: تعريف التقادم وأساسه القانوني

لم يورد المشرع المغربي تعريفا صريحا للتقادم المسقط واكتفى بذكره كأحد أسباب انقضاء الحقوق المتعلقة بالذمة المالية ولا سيما الالتزامات إذا توانى صاحبها عن ممارستها أو أهمل المطالبة بها خلال مدة معينة يحددها القانون، فالزمن الذي يتغلب على كل شيء والذي ينال من المؤسسات والقوانين والكلمات، يهدم الحقوق كذلك فيدفع بها إلى عالم النسيان ويجعلها تتلاشى لمجرد أنها بقيت راكدة مدة طويلة دون أن تستعمل أو يطالب بها[1]. وتلاشي الحق بالتقادم يعني طبعا منع سماع الدعوى به، وقد وجد المشرع أن يؤكد على هذا المعنى في الفصل 371 ق ل ع. الذي جاء فيه "التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام". وبذلك ففكرة التقادم ترتكز على أساس توفير الاستقرار في المجتمع واشاعة الاطمئنان والثقة بين أفراده ففتح باب المنازعات على وجه الديمومة يشيع الفوضى والاضطراب فالدائن الذي لم يطالب بحقه إلا بعد مرور عشرين سنة أو أكثر، سيرهق المدين الذي يكون وفّى بدينه في الاستحقاق، إذ أن تكليف هذا الأخير بالمحافظة على توصيل كان حصل عليه حينها، فلو أن المدين قد توفي وبعد مرور عشرات السنين فاجأ الدائن الورثة بدعواه فيكون من الصعب عليهم إبراز التوصيل الذي يثبت براءة ذمة الموروث، ألا يتطلب توفير الاستقرار وضمان الطمأنينة تقرير مبدأ التقادم المسقط، ومن جهة ثانية تقرير قرينة براءة الذمة المالية لمصلحة المدين من أن الدائن المهمل يجب أن يتحمل وزر إهماله[2].

الفقرة الثانية: شروط تحقق التقادم

يتحقق التقادم المسقط بتوافر شرطين:
الأول: وجوب كون الحق أو الدعوى مما يتقادم ، 
والثاني: وجوب انقضاء المدة المحددة قانونا لتحقق التقادم.

أولا: وجوب كون الحق أو الدعوى مما يتقادم
القاعدة الأصلية أن كل الالتزامات والدعاوى الناشئة عنها تخضع للتقادم المسقط، وهذا ما أكده المشرع في الفصل 371 حيث قرر أن التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام، مؤيدا بذلك مبدأ سريان التقادم على أي التزام وعلى أي دعوى تنشأ عنه، إن المبدأ شمول التقادم كل التزام وكل دعوى تتعلق به بعض الاستثناءات، فثمة التزامات تستعصي على التقادم بمقتضى نص في القانون جعلها غير قابلة لأن تتقادم، وهذه الالتزامات غير القابلة استثناء للتقادم والوارد عليها النص في الفصلين 377 و 378 وهي:

1- الالتزامات المضمونة برهن حيازي أو رهن رسمي (ف 377)
2- الالتزامات بين الأزواج
3- الالتزامات بين الأب أو الأم أو أولادهما
4- الالتزامات بين ناقص الأهلية والأشخاص المعنوية وبين من له الولاية عليهم (ف2/ 378)

ثانيا: وجوب انقضاء المدة المحددة قانونا لتحقق التقادم
لابد حتى يتحقق تقادم الالتزام، أن تنقضي المدة التي حددها القانون، وبحسب الفصل 387 من ق.ل.ع " كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما بعد، والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة."، وبذلك فكل دعوى تنشأ عن التزام يقبل التقادم يجب أن ترفع في مدة أقصاها خمس عشرة وإلا امتنع سماعه، ومن بين الاستثناءات نذكر:

⮚ دعوى المسؤولية التي يقيمها المتضرر أو أقاربه أو خلفاؤه ضد الدولة باعتبارها حالة محل رجال التعليم العمومي وموظفي الشبيبة والرياضة بنتيجة ارتكاب فعل ضار من الأطفال أو الشبان الذين عهد بهم إليهم أو ضدهم، تتقادم بمضي ثلاثة سنوات تبدأ من يوم ارتكاب الفعل الضار “الفصل 85 مكرر”.

⮚ دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه، وتتقادم في جميع الأحوال بمضي 20 سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر “الفصل 106″.

⮚ ج ـ الدعوى الناشئة عن العيوب الموجبة للضمان أو عن خلو المبيع من الصفات الموعود بها يجب أن ترفع بالنسبة إلى العقارات خلال 365 يوما بعد التسليم، وبالنسبة إلى الأشياء المنقولة والحيوانات خلال 30 يوما بعد التسليم” الفصل 573 “.

⮚ ينقضي فيها الدين بمجرد الإدلاء بالتقادم دون إمكانية إقامة أي بينة على انشغال ذمة المدين شأن التقادم القصير في ذلك شأن التقادم العادي طويل الأمد، وزمرة ثانية يعتبر فيها التقادم قائما على قرينة وفاء قابلة للبينة المعاكسة عن طريق توجيه اليمين للمدين بأنه أدى الدين فعلا.

⮚ تلك التي تتعلق بحالات يتقادم فيها الالتزام بخمس سنوات، وتتميز هذه الحالات في أن آثار التقادم من حيث سقوط الدعوى تترتب لمجرد أن يتمسك به ذو المصلحة دون أن يكون بمقدور الدائن تفادي سقوط الدعوى عن طريق إقامة البينة على انشغال ذمة المدين، ولا حتى عن طريق تكليف هذا الأخير حلف اليمين على براءة ذمته، وقد ورد النص على هذه الحالات في الفصلين 391 و392.

⮚ الاستثناءات القائمة على قرينة وفاء قابلة للبينة المعاكسة: فإذا أدلى ذو المصلحة بالتقادم المسقط جاز للشخص الذي يحتج ضده بهذا التقادم أن يقيم البينة على أن ذمة المدين مازالت مشغولة بالدين رغم انقضاء مدة التقادم. وتكون البينة محصورة بطريق واحد ليس إلا هو توجيه اليمين للمدين ليقسم أن الدين قد دفع فعلا، أو توجيه اليمين لأرامل المدين ولورثته ولأوصيائهم إن كانوا قاصرين ليصرحوا بما إذا كانوا لا يعلمون بأن الدين مترتب على المدين “الفقرة الثانية من الفصل 390″. فإن استجاب من وجهت إليه اليمين وحلفها برئت ذمة المدين بصورة نهائية، وإن نكل عن حلفها ثبت الدين في ذمة المدين ووجب عليه الوفاء به، ولا يتقادم الدين بعد ذلك إلا بخمس عشرة سنة من وقت صدور الحكم بثبوت الدين في ذمة المدين.

ومدة التقادم في هذه الاستثناءات ليست واحدة بل هي تختلف من دعوى إلى أخرى، فبعض الدعاوى تتقادم بخمس سنوات ”كدعوى التجار والموردين وأرباب المصانع بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من أجل حاجات مهنتهم (الفقرة الأولى من الفصل 388)”. وبعض منها يتقادم بسنتين” كدعوى الصيادلة من أجل الأدوية التي يوردونها، ابتداء من تاريخ توريدها( المقطع الثاني من الفقرة الثانية من الفصل 388)”، وأخرى تتقادم بسنة واحدة ذات ثلاثمائة وخمسة وستين يوما ” كدعوى أصحاب الفنادق والمطاعم، من أجل الإقامة والطعام وما يصرفونه لحساب زبنائهم (المقطع الرابع من الفقرة الثالثة من الفصل 388)”، وتحسب مدة هذا التقادم، في حالة الهلاك الكلي ابتداء من اليوم الذي كان يجب فيه تسليم البضاعة، وفي غير ذلك من الأحوال ابتداء من يوم تسليم البضاعة للمرسل إليه أو عرضها عليه” الفقرة الرابعة من الفصل 389″، وفي حالة النقل الحاصل لحساب الدولة لا يبدأ التقادم إلا من يوم تبليغ القرار الإداري المتضمن للتصفية النهائية أو للأمر النهائي بالأداء ” الفقرة الرابعة من الفصل 389″ .

كما أن هناك نوع آخر من الدعاوى يتقادم بشهر واحد كدعوى الرجوع التي تنشأ عن عقد النقل وتوجه ممن يثبت له الضمان ضد الضامن كأن توجه دعوى ضياع بضاعة أو دعوى عوارها ضد الناقل الأصلي ويكون الناقل الأصلي عهد بالنقل إلى ناقل ثانوي بحيث يثبت للناقل الأصلي الرجوع بالضمان على الناقل الثانوي، وتقادم الشهر هذا لا يبدأ إلا من يوم مباشرة الدعوى ضد الشخص الذي يثبت له الضمان "الفصل 389"

وإذا كان المشرع قد حدد مدة التقادم كما اسلفنا الذكر كقاعدة عامة في خمس عشرة سنة، بالإضافة إلى الاستثناءات الواردة على هذه القاعدة العامة، فما هي الآثار القانونية التي يمكن أن تترتب على عن العقود التي تتضمن مدد مخالفة لما تم الإشارة إليه؟.

المحور الثاني: آثر الاتفاقات المعدلة لمدة التقادم

بالرجوع إلى الفصل 375 ينص على أنه: "لا يسوغ للمتعاقدين، بمقتضى اتفاقات خاصة تمديد أجل التقادم إلى أكثر من الخمس عشرة سنة التي يحددها القانون".

أما بالنسبة للاتفاقات الرامية إلى تقصير مدة التقادم فالقانون لم ينص صراحة على هذا المقتضى، ولكن الفقه أشار إلى أن المشرع المغربي حين منع المتعاقدين من تمديد أجل التقادم لأكثر من 15 سنة بموجب الفصل 375 من ق. ل. ع، استنبطوا منه بمفهوم المخالفة أنه يمكن تمديد الأجل لأقل من 15 سنة بموجب اتفاقات خاصة، وعليه فقد أتاح المشرع إمكانية تضمين العقد اتفاقا خاصا يخص تحديد أجل التقادم. غير أن بعض الفقه أشار إلى أن الاتفاق على إطالة مدة التقادم بصورة مسبقة لأقل من 15 سنة، قد يحمل معنى التنازل مقدما عن التقادم ويتعارض مع مقتضيات الفصل 373 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه "لا يسوغ التنازل مقدما عن التقادم".

في هذا الصدد ينبغي التمييز بين تقادم قصير الأمد، يؤدي التمسك به إلى قيام قرينة الوفاء التي لا يهدمها إلا المنازعة في المديونية، وبين تقادم مسقط طويل الأمد، يؤدي عدم المطالبة بالدين مع مرور المدة المحددة قانونا إلى انقضاء التزام المدين بالوفاء وبالتالي سقوط الحق في الالتزام وسقوط الحق في رفع الدعوى المتعلقة بهذا الالتزام.

وبالرجوع إلى مقتضيات قانون الالتزامات والعقود المحددة لسنوات التقادم، نجد أن أطول تقادم هو 15 سنة، وأن الالتزامات الناشئة بين التجار تتقادم بخمس 5 سنوات كما هو منصوص عليه في الفصل 387 والفقرة الأولى من الفصل 388 من قانون ل. ع.، وبالتالي فالتقادم بين التجار وفقا لهذا التوجه قصير الأمد ويفترض أن يؤدي إلى قيام قرينة الوفاء إذا تمسك به المدين ولم ينازع في المديونية (إذ المنازعة في المديونية تهدم التقادم وتهدم قرينة الوفاء).

غير أن القضاء المغربي ذهب إلى إقرار توجه مغاير مفاده أن التقادم المحدد أجله في 5 سنوات هو أطول أجل في مدونة التجارة، وهي واجبة الإعمال كونها نص خاص فهي مقدمة على النص العام ق.ل.ع.، وحيث أن أجل الخمس سنوات هو أطول أجل في مدونة التجارة فإنه يصير تقادما مسقطا وليس مبنيا على قرينة الوفاء.

وهذا ما كرسه القرار عدد 1957، المؤرخ في 26/9/2001، ملف تجاري عدد 1844/00 الذي ينص على أن: "تقادم الخمس سنوات الوارد في مدونة التجارة هو أطول تقادم نصت عليه المدونة المذكورة وليس مبنيا على قرينة الوفاء وإنما على قاعدة استقرار المعاملات في الميدان التجاري".

وما نص عليه القرار عدد 327 المؤرخ في 14/10/2015 في الملف التجاري عدد 2015/3/3/594 الذي جاء فيه: "إن التقادم الخمسي المنصوص عليه في المادة الخامسة من مدونة التجارة هو أطول تقادم وضع من أجل استقرار المعاملات، وغير مبني على قرينة الوفاء".

والذي تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد تمييزا للآثار التي تترتب على كل من أجل السقوط وأجل التقادم هو أن الأول لا يخضع لأسباب الوقف والانقطاع المنصوص عليها في المقتضيات الخاصة بالتقادم في ق. ل. ع، وذلك ما أقره القرار الصادر عن محكمة النقض عدد 929 المؤرخ في 03-06-2009 في الملف عدد 2007/1/3/481 والذي ينص على أن: "سقوط الدعوى لسقوط الأجل غير سقوط الدعوى لتقادم الحق المدعى فيه ... سقوط الدعوى للأجل لا يخضع لأسباب الوقف أو الانقطاع بخلاف الثاني".

وبناء على ما تقدم، فإنه من جهة أولى يمكن للمتعاقدين تضمين العقد بنودا خاصة بالتقادم المسقط، غير أنه من جهة ثانية إذا مضى الأجل المحدد لسقوط الحق فلا يمكن الاحتجاج بأجل التقادم أو بأسباب انقطاعه ووقفه.

وختاما ينبغي التنبيه إلى أن أجل التقادم إنما يسري احتسابه بالشكل العادي المنصوص عليه قانونا إذا وجد الدائن في أحوال عادية تمكنه من المطالبة بحقوقه خلال الأجل المنصوص عليه، أما إذا حصل للدائن ظروف حالت بينه وبين المطالبة بحقوقه فإنه لا يمكن الاحتجاج عليه بالتقادم، وهذا ما كرسه الاجتهاد القضائي المغربي كما في القرار عدد 650/2 المؤرخ في 09/12/2013 ملف مدني عدد 2012/2/1/3684 الذي نص على أن "التقادم لا يكون له محل إذا وجد الدائن في ظروف تجعل من المستحيل عليه المطالبة بحقوقه خلال الأجل المقرر للتقادم".

------------------------------
الهوامش:
[1] - مأمون الكزبري. (2020). نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي. بيروت: منشورات الحلبي الحوقية ص 516.
[2] - مأمون الكزبري/ مرجع سابق ص 519.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -