مقال بعنوان: الطاقات المتجددة بالمغرب

تعتبر الطاقات المتجددة من الأهداف الرئيسية لخطة التنمية المستدامة 2030، التي تم إقرارها على مستوى هيئة الأمم المتحدة سنة 2015، بالنظر إلى أهميتها في الحفاظ على الجانب البيئي والتخفيف من حدة الانبعاثات الملوثة. على هذا الأساس رصدت اتفاقية باريس حول تغير المناخ[1] مبلغ 100 مليار دولار سنويا حتى عام 2025 للدول النامية، قصد مساعدتها في مجالات تخفيف الانبعاثات والتأقلم مع آثار التغيرات المناخية، وبذلك أضحى استخدام الطاقة المتجددة أحد الوسائل الرئيسية نحو الانتقال إلى منظومة الطاقة المستدامة.
في هذا السياق انخرط المغرب في استراتيجية للطاقات البديلة بهدف ضمان استقلاليته الطاقية -نسبيا- والمساهمة في التقليص من الانبعاثات الغازية، مما مكّنه من تكريس الريادة على مستوى التجارب المماثلة في القطر العربي والإفريقي، فكيف استطاع المغرب الانتقال إلى اعتماد سياسة الطاقات المتجددة وبأية آليات ووسائل؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من التطرق في البداية للإطار النظري للطاقات المتجددة (المحور الأول)، ثم نتناول بالتحليل الدواعي والأسباب التي أسهمت في الانتقال إلى تبني سياسة الطاقات المتجددة (المحور الثاني)، لتكتمل في النهاية الصورة الشاملة لسياسة الطاقات المتجددة وكيفية اعتمادها (المحور الثالث).
المحور الأول: الإطار النظري للطاقات المتجددة
شكّل مفهوم الطاقة محورا جوهريا في النقاشات العمومية بالمغرب في الآونة الأخيرة، وذلك راجع بالأساس إلى الحضور المكثف لهذا المفهوم في الإصلاحات والمشاريع التنموية التي تحاول التقليص من قيمة التكاليف الطاقية في ظل غياب -أو شبه غياب- الموارد الأحفورية، ما يدفع المغرب إلى الاستيراد المستمر سعيا لضمان التزويد الدائم، ويؤثر سلبا على ميزان الأداءات. على هذا الأساس كان من اللازم مقاربة هذا المفهوم بالبحث والتحليل للوقوف على مدلوله وتمييزه عن غيره من المفاهيم المشابهة أو المتقاطعة معه من جهة، ثم للإحاطة بأبعاده وإدراك أهميته من جهة ثانية.
أولا: مفهوم الطاقة المتجددة
يتخذ مفهوم الطاقة مجموعة من الدلالات المتنوعة حسب منطلق استخدامه، وحسب السياق الذي استعمل فيه هذا المصطلح، فهو في اللغة العربية يدل على الوسع والقدرة والاستطاعة، أي المقدرة على فعل أو إنتاج الشيء أو القيام بأمر.
إذن الطاقة هي القدرة على انجاز شغل ما، أو هي الكيفية التي بموجبها تتغير الأشياء وتتحرك، ولها أشكال متعددة كالطاقة الطبيعية والكيميائية والكهربائية والحرارية وطاقة الضوء والحركة وغيرها كثير.
أما الطاقة المتجددة فهي "شكل من أشكال مصادر الطاقة الشمسية أو الجيو-فيزيائية أو البيولوجية التي تعيد العمليات الطبيعية تزويدها مجددا بمعدل يساوي أو يفوق معدل استخدامها".[2] ويتم تحصيل هذه الطاقة المتجددة من التدفقات المستمرة أو المتكررة للطاقة التي تحدث في البيئة الطبيعية وتشمل مواردا مثل الكتلة الإحيائية، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة الكهرو-مائية، وطاقة الرياح؛ وقد أشار المشرع المغربي إلى مصادر الطاقة المتجددة ضمن مقتضيات القانون رقم 13.09[3] بقوله أن "كل مصادر الطاقات التي تتجدد بشكل طبيعي أو بفعل بشري، باستثناء الطاقة المائية التي تفوق قدرتها المنشأة 30 ميغاواط، ولاسيما الطاقات الشمسية والريحية والحرارية والجوفية والطاقة المتأتية من حركة الأمواج والطاقة المتأتية من غازات المطارح وغاز محطات تصفية المياه العادمة والغاز العضوي".[4] والملاحظ في هذا الصدد أن المشرع نص على مجموعة من التعريفات المرتبطة بالطاقة المتجددة دون التطرق لتعريف هذا المصطلح الأخير، ولعل هذا راجع إلى كون مفهوم الطاقة المتجددة متصل بمصدرها وجودا وعدما، ولذلك اكتفى المشرع بالإشارة إلى تعريف المصادر دون تحديد مفهوم الطاقة المتجددة، مؤكدا في ذات الوقت على معيار الاستمرارية سواء في سياقها الطبيعي أو بفعل التدخل البشري. وقد انتبه الفقه لهذا الفراغ التشريعي فاقترح تعريفا للطاقات المتجددة يتمثل في أنها تلك "الطاقة المستمدة من الموارد الطبيعية التي تتجدد ولا يمكن أن تنفذ -مستدامة-، والتي لا ينشأ عنها مخلفات أو نتائج ضارة بالبيئة"[5].
ثانيا: أهمية الطاقات المتجددة وأبعادها
تتميز الطاقات المتجددة بمجموعة من الخصائص المهمة التي تميزها عن غيرها، كونها أولا تساهم في التقليص من التكاليف المادية لاستيراد الطاقة وتوفر بديلا محليا ذا قيمة أعلى، ثم هي طاقة نظيفة أي تتوافق والعامل البيئي، إضافة إلى أنها مستمرة ومتواصلة وبالتالي تتمتع بالتجدد والاستدامة، وهي طاقة تساعد في الرفع من مستوى التنمية الاقتصادية ودرّ عائدات مالية كبرى، وخلق فرص عمل أخرى غير كلاسيكية.
كما أن الطاقات المتجددة تلعب دورا هاما في النهوض بالجانب التنموي، لاسيما وقد صارت اليوم الحاجة ملحة للاستغلال العقلاني للموارد، وأضحى البعد البيئي مرتبطا بشكل مباشر بالتنمية المستدامة، بالنظر لانعكاسات الاستغلال المفرط للموارد على الطبيعة من حيث استنزافها ومن حيث تلويثها، ما ينجم عنه اختلال التوازن البيئي والتنموي. وهنا تبرز الأهمية البالغة التي تحظى بها الطاقات المتجددة، إذ تعتبر طاقة نظيفة، ويتم التعبير عنها بكونها صديقة للبيئة أو الطاقة الخضراء، فالطاقات المتجددة تنطوي على بعد ايكولوجي يختلف عن الطاقة الأحفورية، فهي تسهم في خفض نسبة غازات الاحتباس الحراري والتقليص من مسببات التغيرات المناخية.[6]
بالإضافة إلى البعد الايكولوجي المميز للطاقات المتجددة فهي ذات بعد اجتماعي يتحدد في مؤشر التنمية البشرية، إذ ينبني هذا الأخير على معدل متوسط استهلاك الفرد من الطاقة، وبالتالي فالعلاقة بين تحسين مؤشرات التنمية البشرية إنما هي رهينة بتثمين القدرة الطاقية، التي تؤثر بدورها على المجالات الاجتماعية لاسيما منها الصحة والتعليم والمستوى المعيشي.
كما أن الطاقات المتجددة تؤثر في البعد الاقتصادي بالشكل الذي يغير من أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام، حيث يمثل قطاع الطاقة واحدا من القطاعات التي تعاني أعلى معدلات الهدر، خاصة في ظل الزيادة في نسبة الاستهلاك نتيجة النمو السكاني[7]. وأمام ازدياد الحاجة الى الطاقة، انخرط العالم في سياسات استثمار في الطاقة المتجددة، بلغت 14% سنة 2013 بقيمة مالية تجاوزت 249 مليار دولار، وتقدر قيمة الاستثمار في الطاقة المتجددة في أفق سنة 2035 أن تصل إلى 500 مليار دولار متجاوزة بذلك الاستثمارات في الوقود الأحفوري والطاقة النووية بحوالي 5 أضعاف.[8]
المحور الثاني: سياسة الطاقات المتجددة
انخرط المغرب في موجة الانتقال الطاقي شأنه شأن العديد من التجارب المقارنة التي اعتمدت الطاقات المتجددة كبديل مستدام عن الطاقات الأحفورية، هذه الأخيرة التي تزداد معدلات نضوبها بشكل متسارع، مما حدآ بالعالم والمغرب أساسا للتفكير في اعتماد سياسة تنبني على استغلال موارد الطاقات المتجددة المتواجدة في البلد، سدّاً للحاجيات والمتطلبات المحلية وانفتاحا على سوق التجارة الطاقية. فكيف تم اعتماد السياسة الطاقية المتجددة بالمغرب؟ وبأية آليات يمكن تفعيلها؟
أولا: استراتيجية الطاقات المتجددة
شكلت استراتيجية الطاقات المتجددة لسنة 2009 تجسيدا لطموح المغرب إلى الريادة في مجال الطاقات، حيث عبّر عن إرادته في الرفع من حصة الطاقات المتجددة إلى 42% بحلول سنة 2020 وإلى 52% بحلول 2030[9]، وهذا راجع إلى أن المغرب يعد أكبر مستورد للطاقة في شمال افريقيا، مع نسبة اعتماد عالية بلغت 95% سنة 2011 بنسبة نمو تقدر ب 5% سنويا للطلب على الطاقة الأولية[10]. على الرغم من ذلك فقد استطاع المغرب بشكل عام الحفاظ على مستوى الاستهلاك الطاقي الذي يتماشى مع مستوى تنميته.
تستند الاستراتيجية الطاقية المعتمدة على خمس توجهات كبرى:
وتهدف بشكل أساسي إلى تعميم الحصول على الطاقة بأسعار تنافسية، وتعزيز أمن الإمدادات ضمانا لتوافر الطاقة، وضبط أو التحكم في الطلب، ثم المحافظة على البيئة. مما يعني أن المغرب يسعى إلى تكريس الأمن الطاقي بغية تلبية الطلبات المستقبلية سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية، ويسعى كذلك لقيادة سوق الطاقة المتجددة، باعتباره يتوفر على موقع استراتيجي يربط بين القارتين الإفريقية والأوروبية ويطل على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.[11]
تم وضع هذه الاستراتيجية الطاقية من طرف وزارة الطاقة والمعادن والمياه والبيئة بتعليمات ملكية لإعادة توجيه الاستراتيجية الوطنية للطاقة، وذلك بتحديد أهداف كمّية لكل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، على أن يصل كل منها إلى 14% من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2020. وقد وضعت لهذه الاستراتيجية الطاقية تكاليف متوقعة بلغت 9 مليار دولار أمريكي لبرنامج الطاقة الشمسية، و4 مليارات دولار لبرنامج الرياح، و0.6 مليار دولار للطاقة الكهرومائية[12].
وضمانا لفعالية ونجاعة هذه الاستراتيجية فقد تم إرساء 3 وسائل:
ومن أجل تسريع وتيرة الانتقال الطاقي، تم إطلاق عدة مبادرات وبرامج جديدة لدعم الاستثمار في الطاقات المتجددة:[13]
ولتنزيل هذه المبادئ والأهداف المرتبطة باستراتيجية الطاقات المتجددة لابد من إيجاد مجموعة من الآليات التي تسهم في التفعيل الأمثل لها، على هذا الأساس قام المغرب بوضع آليات مؤسسية وأخرى قانونية لتأطير مسألة التفعيل والتنزيل لهذه السياسة الاستراتيجية.
ثانيا: آليات تفعيل سياسة الطاقة المتجددة
تشكل مسألة تنمية موارد الطاقات المتجددة أولوية في السياسة الطاقية بالمغرب، التي ترتكز على محاور جوهرية تتحدد في تعزيز أمن الإمدادات من الطاقة من خلال تنويع المصادر والموارد والتدبير الأمثل للناتج الطاقي والتحكم في تخطيط القدرات؛ وتعميم الحصول على الطاقة، وذلك بتوفير طاقة عصرية لكل الساكنة وبأسعار تنافسية؛ وتحقيق التنمية المستدامة من خلال النهوض بالطاقات المتجددة قصد دعم تنافسية القطاعات المنتجة في البلاد والمحافظة على البيئة بالاعتماد على التقنيات الطاقية النظيفة للحد من انبعاث الغازات والتقليص من الضغط الذي يتعرض له الغطاء الغابوي؛ وكذا تقوية الاندماج الجهوي من خلال الانفتاح على أسواق الطاقة الأورو-متوسطية وملاءمة القوانين والأنظمة المتعلقة بقطاع الطاقة.[14]
ولأجل تفعيل أمثل لهذه المحاور تم إحداث عدد من الآليات التي يمكن إجمالها في ثلاث:
1- الآليات المؤسساتية[15]:
2- الآليات القانونية[16]:
3- آليات التمويل[17]:
كما تم في هذا الصدد اتخاذ عدة مبادرات وإجراءات ذات طابع أفقي، وأخرى قطاعية تهم القطاعات الإنتاجية الأكثر استهلاكا للطاقة، لاسيما منها النقل والصناعة والبناء والفلاحة والإنارة العمومية. وقد تم اعتماد أكثر من 100 إجراء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.[18]
ويسعى المغرب من خلال هذه الآليات والمبادرات إلى تأطير قطاع الطاقات المتجددة بهدف تحقيق النهوض بإنتاج الطاقة انطلاقا من مصادر متجددة وبتسويقها وتصديرها بواسطة وحدات عامة وخاصة، إضافة إلى تخويل المستغل لهذه الطاقات المتجددة حق الإنتاج من مصادر مختلفة لحساب مستهلك أو عدة مستهلكين وحق التسويق والتصدير، مما سيساعد على خلق "أنماط إنتاجية واستهلاكية مستدامة، بغرض التأسيس لتنمية اقتصادية متوازنة من جهة، وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة ثانية، والحفاظ على المعطى البيئي من جهة أخرى"[19].
المحور الثالث: وسائل إنتاج الطاقة المتجددة
من أجل العمل على تفعيل ناجع ومنسجم مع السياسة الوطنية حول الطاقات المتجددة، أصدر المشرع المغربي القانون رقم 13.09 بغية تنمية وتكييف قطاع الطاقات المتجددة مع التطورات التكنولوجية، الأمر الذي من شأنه تشجيع المبادرات الخاصة. فإلى أي حد استطاعت المقتضيات القانونية التشجيع على المبادرة الخاصة في مجال الطاقات المتجددة؟ وضمن أية صيغة تعاقدية يمكن أن تتبلور هذه المبادرات الخاصة؟
أولا: منشآت إنتاج الطاقة
تعد منشآت إنتاج الطاقة انطلاقا من مصادر الطاقة المتجددة كل البنايات والتجهيزات التقنية المستقلة المعدة لإنتاج الطاقة والتي تستعمل مصادر من الطاقات المتجددة[20]، وتخضع عملية إنجاز منشآت إنتاج الطاقة الكهربائية انطلاقا من مصادر الطاقات المتجددة لنظام الترخيص التي تساوي قدرتها المنشأة أو تفوق 2 ميغاواط.[21] ويعني نظام الترخيص الإذن المؤقت الذي تمنحه الهيئة المعنية وفقا لأحكام القانون إلى الشركة المتعاقدة التي تريد إنجاز منشآت إنتاج الطاقة، وذلك من خلال استطلاع الرأي التقني لمسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل. وينبغي على كل شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص أو أي شخص ذاتي يريد إنجاز منشأة إنتاجٍ للطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة أن يثبت توفره على القدرات المالية والتقنية الملائمة، ويقدم ملفا للإدارة بغرض المصادقة على المشروع، يوضح فيه ما يلي[22]:
ويشترط لمنح الترخيص المؤقت بإنجاز المنشأة، الأخذ بعين الاعتبار مدى جودة التجهيزات والمعدّات وكذا مؤهلات المستخدمين. كما يجب أن تتوفر في كل طالب ترخيص مجموعة من الشروط تتوزع كالآتي:
✔ بالنسبة للشخص الذاتي:
✔ بالنسبة لشخص معنوي خاضع للقانون الخاص:
✔ بالنسبة لشخص معنوي خاضع للقانون العام:
يشترط فيه أن يكون مؤهلا لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بمقتضى القانون المؤسس له.
وبالنظر إلى عامل السرعة الذي يتميز به مجال الاستثمار والتجارة، لاسيما في الطاقة، فإن المشرع المغربي أطر الآجال المرتبطة بالترخيص المؤقت فيما يخص تبليغها لطالب الترخيص داخل أجل أقصاه 3 أشهر، وألزم المشرع الإدارة بطلب الاستشارة التقنية من مسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل في أجل أقصاه 15 يوما يسري ابتداء من تاريخ تسليم وصل يشهد بإيداع الملف الكامل. ويلزم مسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل بإبلاغ رأيه التقني داخل أجل أقصاه شهر واحد يسري ابتداء من تاريخ عرض الأمر عليه.[23]
كما يلزم حامل الترخيص المؤقت بإنجاز منشأة إنتاج الطاقة في أسرع وقت، إذ حدد المشرع أجلا أقصاه 3 سنوات من تاريخ تبليغه بالترخيص المؤقت ليقوم بإنجاز المنشأة وإلا صار الترخيص المؤقت لاغيا. وبعد مضي أجل شهرين على انتهاء أشغال المنشأة، يقوم صاحب الترخيص المؤقت بتقديم طلب للإدارة للحصول على الترخيص النهائي بتشغيل المنشأة المعنية. وتستند الإدارة في تسليمها للترخيص النهائي لاستغلال المنشأة إلى:
يكون الترخيص النهائي صالحا لمدة أقصاها 25 سنة، تسري ابتداء من تاريخ تسليمه قابلة للتمديد لنفس المدة ولمرة واحدة، وفق ذات الشروط السالفة. وبمجرد انقضاء مدة صلاحية الترخيص النهائي، تصبح منشأة إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقات المتجددة وموقع الإنتاج في ملكية الدولة، حرة وخالصة من كل عبء.
وحرصا على الجانب البيئي فقد ألزم المشرع المغربي صاحب الترخيص النهائي بتقديم تقرير للإدارة في شخص الجماعات الترابية المعنية، وذلك كل سنة، عن تأثير المنشأة واستغلالها على احتلال الموقع وعلى مميزات الوسط المحيط بها.
وتجدر الإشارة إلى أن إنجاز أو استغلال أو توسيع قدرة منشآت إنتاج الطاقة الكهربائية أو الحرارية يخضع لنظام التصريح المسبق[24]، هذا الأخير الذي يرفق بملف إداري يسمح بالتحقق من هوية المصرّح ومن طبيعة أنشطته، وبملف تقني يبين مصدر الطاقة المتجددة الذي سيتم استعماله وقدرة الإنتاج المرتقبة والتكنولوجيا المستعملة في الإنتاج وموقع المنشأة. وتسلم الإدارة مقابل التصريح المسبق المودع لديها وصلا مؤقتا مختوما ومؤرخا[25].
واستجابة لحاجيات السوق الوطنية نص المشرع المغربي على أن المستغل لمنشأة إنتاج الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة يبرم اتفاقية مع الدولة أو الهيئة التي يفوض لها هذا الأمر، وتحدد في هذه الاتفاقية مدة صلاحيتها والشروط التجارية للتزويد بالطاقة المنتجة من قبل المستغل[26]، وفي هذه الحالة يجوز للمستغل أن يزود المستهلك المرتبط بالشبكة الكهربائية الوطنية من خلال إبرام عقد يوضح الشروط التجارية للتزويد وينص على تعهد المستهلك بأخذ الطاقة المنتجة واستهلاكها بصفة حصرية في إطار الاستعمال الخاص.[27] أما فيما يخص فائض الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة، فيمكن أن تباع إما إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بالنسبة للمنشآت المرتبطة بالشبكة الوطنية ذات الجهد العالي أو جد العالي، وإما إلى مسير شبكة توزيع الكهرباء المعني بالنسبة للمنشآت المرتبطة بالشبكة الكهربائية الوطنية ذات الجهد المتوسط والمنخفض.
كما يمكن لمستغل منشآت إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة أن ينفتح على السوق الدولية من خلال تصدير الكهرباء المنتجة عبر الروابط الكهربائية، بعد الاستشارة التقنية لمسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل. وإذا كانت قدرة هذه الروابط الكهربائية غير كافية فإنه يجوز الترخيص للمستغل بإنجاز خطوط مباشرة للنقل واستخدامها، وذلك عبر اتفاقية امتياز تبرم بين المستغل ومسير الشبكة الوطنية للنقل[28]، وينبغي أن تنص على وجه الخصوص على طبيعة الأشغال التي ستنجز وأجل تنفيذها، والالتزامات الخاصة بصاحب الامتياز لاسيما إتاوة العبور الواجب أداؤها، ومدة الامتياز التي لا يجوز أن تتجاوز مدة صلاحية الترخيص بالاستغلال، وكذا الإجراءات المتعلقة بحماية البيئة، إضافة إلى شروط سحب الامتياز أو سقوطه ورجوع المنشآت عند نهاية الامتياز.
ثانيا: عقود الطاقة المتجددة
تمثل عقود الطاقة الأداة القانونية لاستغلال الثروات الطبيعية والمتجددة[29]، وقد تباينت الآراء الفقهية التي تحاول تحديد طبيعة العقد المنظم للمعاملات الخاصة بالطاقة المتجددة، فمن فقهاء القانون من ينسب هذه العقود إلى المجال المدني ومنهم من يجعلها ضمن العقود الإدارية وبعضهم يعطيها تكييفا خاصا، حيث يذهب أصحاب الرأي الأول[30] إلى نفي الطابع الإداري عن عقود الطاقة المتجددة باعتبارها لا تتضمن شروطا استثنائية غير مألوفة، ثم هي لا ترتبط بتحقيق المصلحة العامة، إذ أن استغلال الشركة المتعاقدة للطاقة لا يراد منه تحقيق خدمة أو منفعة عامة، بقدر ما تحقق المصلحة الخاصة للشركة، وعليه فهذه العقود هي أقرب للمجال المدني وتخضع منازعاتها للقانون الخاص وليس العام. ويتأسس هذا الرأي على فكرة مفادها أن عقود الطاقة المتجددة تبرم وفقا لمبدأ سلطان الإرادة، نتيجة تخلي الإدارة عن الامتيازات التي تستمدها من القانون العام، وبالتالي لا تتضمن عقودها شروطا غير مألوفة. إضافة إلى أن معظم عقود الطاقة المبرمة تنص على أن فض النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين الأطراف هي من اختصاص هيئة التحكيم أو القضاء العادي، ما يعني أنها عقود ذات طابع مدني.
أما الرأي الثاني فيذهب إلى القول بأن عقود الطاقة صورة حديثة من صور إدارة المرفق العام الاقتصادي، حيث تربط هذه العقود بين الشركة المستغلة للطاقة وبين أحد مرافق الدولة وهو شخص عام، وذلك تأسيسا على توافر شروط العقد الإداري، إضافة إلى أن الشروط غير المألوفة تتوفر أيضا في القانون الخاص بالنسبة للدولة وباقي أشخاص القانون العام، مثل التفتيش عن نشاط الشركة،[31] الشيء الذي يجعلها داخلة ضمن مجال القانون العام. وهو نفس الاتجاه الذي رسّخه العمل القضائي، حيث ذهب المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) إلى اعتبار "…العقد الذي أبرمه مركز تنمية الطاقات المتجددة هو عقد إداري لأن موضوعه هو تغطية حاجة مرفق عام وتختص بالنظر فيه المحكمة الإدارية"[32].
في حين يذهب أصحاب الرأي الثالث إلى إضفاء طابع خاص على عقود الطاقة المتجددة، بالنظر إلى أن الآليات التي يتم بموجبها إبرام هذه العقود هي متعددة، ما يجعل لكل عقد طابعا خاصا به يميزه عن غيره، ويصعب بالتالي وضع قاعدة عامة أو تحديد دقيق يسري على كافة الأنواع ويمكن من خلالها الترجيح بين المجال المدني والإداري. وعليه فإن عقود الطاقة التي تبرمها الدولة مع المستثمر أو الشركة ليست ذات طبيعة واحدة ولا تخضع لنظام قانوني واحد، فتارة قد تكون عقود إدارية وتارة تكون من عقود القانون الخاص.
وبغض النظر عن الاختلاف المثار بين الآراء الثلاث لفقهاء القانون، فإن عقود الطاقة المتجددة غالبا ما يتم صياغتها في شكل عقود الامتياز، التي تمنح بمقتضاها الشركة صاحبة الامتياز الحق في استغلال الثروات الطبيعية لإنتاج الطاقة والتصرف بها خلال مدة زمنية معينة، وذلك لقاء مقابل مالي يدفع للدولة المانحة. واللافت للنظر في عقود الامتياز هذه أنها طويلة الأمد، حيث تمتد بين سنتين وخمسين سنة مما يمَكّن الشركة المتعاقدة من تغطية تكاليف البحث والاستغلال وحصولها على المكاسب.[33] وقد نص المشرع المغربي في المادة 28 من قانون 13.09 على أن مدة عقد الامتياز لا يجب أن تتجاوز مدة الترخيص بالاستغلال، وقد سبق أن أشرنا إلى أن مدة الترخيص هي 25 سنة وتجدد مرة واحدة حسب مقتضيات المادة 13 من نفس القانون.
يظل العقد المبرم بين الدولة أو أحد أجهزتها والشركة صاحبة الامتياز خاضعا لقواعد القانون المنظمة للمرافق العمومية، وتقوم الإدارة بالإشراف والمتابعة والمراقبة طيلة مدة الاستغلال.
وتمتاز عقود الطاقة المتجددة بمجموعة من الخصائص، التي نوردها كالآتي[34]:
كما أن عقود الطاقة المتجددة تساهم في تحقيق مجموعة من الأهداف الهامة التي تتمثل في[35]:
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن إبرام عقد الطاقة المتجددة يخضع لشروط وشكليات تتحدد أساسا في القيام بالمفاوضات والحصول على التراخيص والتصريحات التي يستلزمها القانون وهي المرحلة السابقة على إبرام العقد، أما المرحلة الثانية فهي عملية الإبرام والتي يشترط في أطرافها أن يكون أحدهم شخصا من أشخاص القانون العام، وتحدد في العقد كيفية التنفيذ بدقة، انطلاقا من مرحلة البناء أو الإنشاء مرورا بمرحلة الإنتاج ووصولا إلى المرحلة الأخيرة المتمثلة في نقل الملكية إلى الدولة عند انتهاء أجل العقد. إضافة إلى ذلك فإن عقد الطاقة المتجددة ينطوي على مقتضيات تروم الحفاظ على التوازن المالي[36] للعلاقة التعاقدية، وذلك عبر تضمين العقد لشرطين أساسيين، الأول يتمثل في الثبات النسبي ويقصد به عدم تطبيق الدولة لأي تشريع جديد على العقد سواء كان محليا أو أجنيا، والثاني يتحدد في عدم المساس بأصل العقد، أي أن الدولة لا تستطيع تعديل أو تغيير مقتضيات العقد بإرادتها المنفردة[37]، وعليه فالدولة ممنوعة من استخدام امتيازات السلطة العامة في مواجهة أشخاص القانون الخاص.
راكم المغرب منذ تبنيه لسياسة الطاقة المتجددة خبرة كبيرة في مجال الطاقة البديلة، بلغت تقريبا نفس قدرة إنتاج الغاز والنفط في فنزويلا ونيجيريا. وسيسمح هذا التوجه للمغرب بتزويد أوروبا بالطاقة الخضراء عبر الكهرباء والهيدروجين، والتقليل من التبعية الطاقية بشكل كبير، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وتحقيق تنافسية الصناعات الطاقية. ولتحقيق هذه الأهداف ينبغي العمل على تنزيل سياسة متناسقة للطاقات المتجددة، ومواكبة ثورة الهيدروجين Power to X إذ يمكن استغلال المميزات التنافسية للمغرب في هذا الشأن، ومواكبتها بإصلاح شامل للإطار القانوني بالشكل الذي يشجع أكثر على الانخراط في هذا التوجه، وإرساء معطى الحكامة من أجل التكيف مع التطورات التي يشهدها القطاع، وإعادة تشكيل السياسات العمومية التي تؤثر على الطاقة من خلال التعاطي بطريقة منسقة ومتكاملة مع مجموع السياسات ذات الصلة التي تمت بلورتها وتنفيذها بشكل منعزل، وإعطاء حيز أكبر للمبادرة الخاصة على جميع المستويات، مع الحرص على نقل التكنولوجيات المساهمة في التنمية الصناعية لقطاع الطاقة المتجددة.