المسؤولية الخاصة بمقاول البناء

 عرض بعنوان: المسؤولية الخاصة بمقاول البناء PDF

المسؤولية الخاصة بمقاول البناء PDF

المقدمة:
إن أمر مساءلة المشغلين بالبناء والتشييد، على ما يحدث فيما يشيدونه من تصدع وانهيار، لم يكن وليد هذا لعصر، ولكنه-دون شك-أمر قديم قدم مجتمعات المدينة حيث بدأ الإنسان يعهد بأمر تشييد مأوى إلى أيدي غيره من بني جنسه، لذلك فلا عجب أن نجد الأمر تنظمه تشريعات تلك المدنيات الضاربة في القدم تنظيما –من عظيم أهميته وبالغ خطره، ثم ينتقل منها إلى التشريعات الوسيطية، فالحديثة منها، مستقرا في النهاية في المدونة الفرنسية للقانون المدني التي وضعت سنة 1804 والتي عنها أخذت معظم التشريعات المعاصرة.
وكما سبق الذكر فإن عقد المقاولة من العقود المنظمة منذ التشريعات القديمة، ففي شريعة حمورابي لم يعرف البابليون عقد المقاولة بهذا الإسم، وإنما عرفوه ضمن عقد الإجارة، ذلك العقد الذي خصه البابليون بعناية كبيرة فتعددت عندهم صوره، وكثرت أنماطه ولقد شدد قانون حمورابي من مسؤولية المقاول ،سواء الجنائية أم المدنية وقد كان يلزم صاحب المهنة بأداء العمل المطلوب منه دون غش أو إهمال منه وإلا تعرض للمسؤولية.
أما عقد المقاولة في القانون الروماني فلم يعرفه أيضا كعقد مستقل بذاته وبنفس تسميته الحالية، وإنما عرفه كنوع من الإجارة، ولكنها إجارة ترد على العمل عرفه أيضا مختلطا بعقد الوكالة.
فأما عن اختلاط عقد المقاولة بالإيجار عند الرومان فذلك لأن القانون الروماني، لم يكن يعرف لفظ المقاولة، فقد كان يعتبر كل العقود الواردة على العمل نزعا من الإيجار، إلا أنه كان يفرق من حيث محل العقد، بينما إذا كان محله انتفاع بشيء معين فسماه عقد إيجار الأشياء، وبين ما إذا كان محله الانتفاع، وسماه عقد إيجار العمل.
وعن اختلاط عقد المقاولة بعقد الوكالة في القانون الروماني، وذلكيرجع إلى تقاليد هذا القانون، التي أبت أن يسوي بين الأعمال اليدوية والعقليةوبينما هبطت بالأولى إلى مرتبة السلع المادية التي تباع ولا تشترى بالأسواق ويتحدد سعرها بأمر خارج عن طبيعتهاوكنهها، طبقا لقانون العرض والطلب ،ونراها تسمو بالذاتية إلى مكان السمو والسؤدد رفعا لشانها وشأن من يؤديها وأبت عليها ان الوكالة في القانون الروماني كانت لا تقتصر على التصرفات القانونية ،بل تمتد أيضا إلى الأعمال المادية.
ولقد ترتب على ذلك، أن صاحب المهنة الحرة لم يكن له في القانون الروماني أن يلزم الطرف الآخر بأجر شأنه في ذلك شأن الوكيل، إلا أن القانون الروماني نفسه لم يثبت على هذا النهج بل انتهى الأمر بالتحايل على أحكامه ،وسلم لصاحب المهنة الحرة أن يطالب باتعابه عن عمله عن طريق دعوى غير عادية ولا عن طريق دعوى الوكالة.
أما عقد المقاولة في القانون الفرنسي القديم فقد ورث هذا القانون عن القانون الروماني خلطه عقد المقاولة بعقد الإيجار أيضا، ولذلك نراه قد عالج احكامه ضمن الأحكام المخصصة لعقد الإيجار. باعتباره نوع من الإجارة، لذلك فقد بقي هذا العقد –كما كان الحال في القانون الروماني –مختلطا بعقدي الإيجار والعمل، واستمر القانون الفرنسي القديم، وكذلك تقنين نابيليون الصادر 1804 والقوانين التي أخذت عنه وذلك كالقانون المصري القديم –وطني ومختلط. يعتبر العلاقة بين المقاول ورب العمل، علاقة صانع بمستصنع.
أما عقد المقاولة في الفقه الإسلامي فلم يعرف الفقه الإسلامي المقاولة إسما، بقدر ما عرفها معنى وعملا. فقد وجدت المقاولة في الفقه الإسلامي على ضربين :
الأول: أن يقدم المقاول (الصانع) العمل والمادة معا وهنا يسمى العقد بعقد الاستصناع، وهو عقد عرفه الفقه الإسلامي وبين أحكامه.
الثاني: أن يقدم (الصانع) العمل فقط، على أن يقدم رب العمل(المستصنع) مادة الصنع من عنده، فيكون المقاول هنا أجيرا مشتركا، وبين الفقهالإسلامي أيضا أحكامه وشروطه.
فالفقه الإسلامي إذن عرف المقاولة معنا وطبقا عملا، وإن لم يستعمل تعبير المقاولة ذاته، ومعلوم أن الأسماء تتغير وتتبذل أما المعاني مثابثة راسخة ،ولهذا كانت القاعدة أن الأمور بمقاصدها لا بمسمياتها.
كذلك فإن كل صورة من هاتين الصورتين، يكون الصانع فيها مستقلا في أدائه لصنعته من المستنصنع )رب العمل( استقلالاتها تاما فنيا وإداريا وتنظيميا، فهو يؤدي عمله بالكيفية اللتي يراها أنسب لتأديته، وبالمواد التي يختارها، وغير مطالب في مواجهة المستصنع إلا بالنتيجة المتفق عليها، ومدة هي الخاصة المميزة لعقد المقاولة في المفهوم الحديث، وبذلك يكون كل صورة من هاتين الصورتين قد تضمنت أهم خصائص عقد المقاولة في مفهومه الحديث.
وهنا نخلص للأهمية المعاصرة لعقد المقاولة بحيث أصبحت العلاقة التي تربط المقاول برب العمل، ليست مجرد علاقة صانع بمستصنع، كما كان عليه الحال قديما، بل غدت أشمل من ذلك وأبعد، طبقا لشمول الاحتياجات المعاصرة وعمق مداها.
والنتيجة اللازمة لذلك كله، ان تتعدد الأعمال التي يمكن أن يرد عليها عقد المقاولة وتتوزع سواء بالنظر إلى طبيعتها، أو من حيث حجمها، أو منظور إلى جنسها.
فأما بالنظر إلى طبيعتها: فقد ترد المقاولة على مجرد عمل يتعلق بشيء معين وهو من هذا المنظور، قد يكون عملا ماديا كنقل الأشخاص، والطبع والنشر او عملا فنيا ، كالرسم، والنحت والنقش، والتصوير، والتمثيل، أو عملا علميا كمرافعة المحامي عن موكله، وعلاج الطبيب لمريضه، وعمل المحاسب لعميله ،أو عملا أدبيا كالتأليف، والمحاضرة، والتدريس.
وقد يكون العمل متصلا بشيء، فيتنوع هذا العمل تبعا لوجود هذا الشيءمن عدمه، فإما ألا يكون الشيء موجود وقت العقد، فيوجه المقاول بمادة منعنده، أو من عند رب العمل.
وإما أن يكون الشيء موجودا وقت العقد فيرد العقد عليه.
أما إذا نظرنا في حجم العمال فإننا نجدها تتفاوت من الصغير إلى الكبير تفاوتا كبيرا، فقد ترد المقاولة على أعمال صغيرة، أو متوسطة او كبيرة، فهي قد تكون صنع حذاء أو حذاء أو حياكة ثوب... أو من أعمال المهن الحرة كرفع دعوى أو معالجة مريض إلى غير ذلك من الأعمال الصغيرة، التي يمكن أن تكون موضوعا لعقد المقاولة.
وقد تقع المقاولة على أعمال متوسطة: كبناء منزل صغيرا أو حفر بئر... وقد تقع على او مال كبيرة عملاقة، يقف العقل أمامها حائرا، كإقامة ناطحة سحاب تناهز المائة طابق أو تزيد، أو إقامة السدود والخزانات التي تحتجز وراءها بحيرات ضخمة من المياه لا يكاد يلفها بصر. وكل نوع من هذه الأعمال يتميز بخصائص ومميزات تعزله عن غيره من المقاولات الأخرى يتضح من خلال من سبق أن أهمية هذا الموضوع تتمثل على وجه الخصوص في تطور عقد المقاولة باعتباره من العقود التي تنظمها الشرائع القديمة والتي امتدت إلى الشرائع الحديثة.
تمييز عقد المقاولة كما يشتبه به من عقود بحيث نقصد هنا أنه يجب أن يكون عقد مقاولة موضوعه تشييد أبنية أو إقامة منشآت ثابتة أخرى 1.
وخلاصة القول يعد عقد المقاولة من المهن الحرة التي يمارسها من لهالقدرة على ممارسة أنشطة ذات طابع عقلي 2.
إذن فللإحاطة بموضوع : العمل القضائي في مجال المسؤولية المهنية "المسؤولية الخاصة بمقاول البناء كنموذج "، فإن التفسير يفرض الوقوف على المسؤولية الخاصة بمقاول البناء وشروط وتحققها، وسنرى من جهة أخرى المسؤولية المدنية لمقاول البناء التقصيرية والعقدية. وماهي العوامل التي تؤدي إلى تطبيق هذه الأخيرة، وبالتالي الإجراءات المتخذة في هذا المجال.

خــطــة البحــث:

ومن خلال ما تقدم سنتطرق في دراستنا هذه لموضوع "العمل القضائي في مجال المسؤولية المهنية " (نموذج المسؤولية الخاصة بمقاول البناء) على الشكل التالي :

الباب الأول : شروط تحقق المسؤولية الخاصة بمقاول البناء
الباب الثاني : المسؤولية المدنية للمقاول في شقيها التقصيري والعقدي

---------------------------
لائحة المراجع :

- المسؤولية العقدية للمقاول بالمغرب، أطروحة لنيل دوكتراه الدولة في القانون الخاص، من إعداد العرعاري عد القادر، الطبعة الأولى، السنة الجامعية 1990-1991 –بجامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط.
- مشكلات المسؤولية المدنية، الجزء الأول، مطبعة جامعة القاهرة سنة 1973.
- دوليد فاروق جمعة : "حماية المقاول من الباطن في إطار عقود الأشغال العامة"
- شكري سرور : "مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة الأخرى "أطروحة دكتوراه-دار الفكر العربي-طبعة : 1985
- شكري السباعي : "الخيرة بين المسؤوليتين التقصيرية والعقدية وارتباطهما بتطور القضاء المغربي " العدد 13 و 14 1983 ص : 11، "المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد
- الدكتور عبد الرزاق حسين يس: المسؤولية الخاصة بالمهندس المعماري ومقاول البناء " الطبعة الأولى ، كلية الحقوق، جامعة أسيوط لسنة 1987.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -