أثر العمل القضائي على تكييف عقد الشغل

 رسالة بعنوان: أثر العمل القضائي على تكييف عقد الشغل PDF

أثر العمل القضائي على تكييف عقد الشغل PDF

مقدمـة:
تعتبر النصوص القانونية عند وضعها من طرف المشرع نصوصا جامدة، والذي يبث فيها الحركة هو القضاء، فالمشرع وان قصر في وضع النصوص التي تستطيع مجا ارة التطور، فإن المهمة تنتقل إلى الجهاز القضائي الذي عليه أن يسد كل نقص في هذه النصوص، ذلك أن وظيفته لا تقتصر على تطبيق القاعدة القانونية الجامدة كما هي، وانما من واجبه أيضا أن يسد كل ثغرة تظهر في صرحها وأن يجعلها مسايرة للتطور الاجتماعي1.
وهكذا فالقضاء لا يخلق من الوجهة النظرية قواعد قانونية عامة ومجردة، ومع ذلك فإنه وبما يصدره من أحكام وقراارت فإنه يساهم في إنشاء هذه القواعد القانونية العامة، وذلك عندما تستقر أحكامه على اتجاه معين، فحينما تأخذ محكمة ما أو أكثر من محكمة بحل معين فيما يعرض عليها من منازعات ونوازل وتأخذ غيرها بذات الحل في المنازعات والنوازل المشابهة، فإن هذا المسلك يجعل الحل المأخوذ به ليس صاد ار عن حكم فردي بل صاد ار عن القضاء كمصدر ولو تفسيري للقاعدة القانونية، لذلك يتعين التفرقة بين حكم المحكمة وحكم القضاء. فالأول لا يخلقسوى حلول فردية خاصة، في حين أن الثاني يعتبر مصد ار من مصادر القاعدة القانونية في حالة استق ارر المحاكم على اتجاه معين2، لذلك فإن علاقة القضاء مع التشريع لم تعد بالشيء الهين واليسير، للبس الذي يكتنف النصوص أحيانا ولغموضها أحيانا أخرى، فالقضاء سيكون أمام عملية ذكاء عند التكييف أكثر منها عملية معرفة الإ اردة، وأمام إرشادات أكثر منها أوامر، وهو مدعو آنذاك لإعادة التكييف باعتباره أداة للتفكير في الأهداف المرغوب فيها، وبالتالي لعملية تصحيح حقيقة التكييف.3
والقاضي عندما يمارس الاجتهاد، فإنه يجتهد لإجراء التكييف القانوني والذي لا يمكن أن ينزله بطريقة فجائية على الن ازع المعروض عليه، بل لابد من إجراء لتهيئة الن ازع، فعليه أولا أن يضع في اعتباره دائما قاعدة قانونية محتملة التطبيق على النواع، ذلك أن التكييف القانوني هو في الحقيقة عمل ذهني يتوصل به القاضي إلى تطبيق القانون على وقائع النزاع4. ولعل المجال الخصب لإعمال القضاء لقواعد التكييف يتجلى في النزاعات الشغلية التي تتميز بتباين الم اركز العقدية لأطارفها، وورود محل العقد على علاقة إنسانية، فالأجير في أغلب الأحيان يكون طرفا ضعيفا في هذه العلاقة خاصة في حالة عدم توفره على مؤهلات عالية تتيح له فرصة مناقشة بنود العقد وشروطه التي يفرضها المشغل بكامل الحرية، لذا فإنه في حالة وقوع نزاع حول الوصف القانوني المعطى له –أي للعقد- فإن القضاء الاجتماعي يتعين عليه إعمال سلطته في التكييف وعدم الالتزام بالوصف الذي يضفيه رب العمل عليه، ذلك أن هذا الأخير قد يدعي أن العقد ليس بعقد شغل وانما هو عقد آخر من قبيل المقاولة مثلا أو الوكالة للتملص من الآثار القانونية الناتجة عن إنهاء عقد الشغل، لذا فإن القاضي المعروض عليه النزاع ولما يتوفر عليه من سلطة في تفسير وتكييف بنود العقد يستشف هذا التحايل ويقوم بإعادة الوصف وذلك بالاعتماد أساسا على عنصر التبعية الذي يعد وبحق أهم عنصر يتضمنه عقد الشغل وينفرد به عن كل علاقة تعاقدية مشابهة له. إلا أن هذه العلاقة –أي علاقة التبعية- لا تكون في كل الأحوال واضحة بما فيه الكفاية ،خاصة مع وجود فئات مهنية لا تخضع مباشرة لمشغليها في تأدية العمل المطلوب إنجازه. فكيفتعامل القضاء المغربي بمختلف درجاته مع هذا العنصر المعتمد عليه لإعطاء التكييف الصحيح لعقد الشغل؟ وكيف يمكن إثبات هذا العقد خاصة في ظل انتشار العقود الشفوية التي تزيد في تعقيد مهمة القضاء في إعطاء الوصف الحقيقي لل اربطة محل النزاع ؟ وهل استقر العمل القضائي بهذا الصدد على اتجاه موحد أم أن هناك تذبذب وقصور من جانبه وما مدى الحديث عن دور المجلس الأعلى في توحيد اجتهادات قضاء الموضوع، وهل كان المجلس نفسه مستقرا على توجه واحد أم تعددت مواقفه بصدد الوقائع محل النزاع ؟ وما هي أهم الآثار القانونية التي تستتبع هذا التكييف لعقود الشغل بناءا على عنصر التبعية؟
هذا وأن العمل القضائي بصدد التكييف في المادة الشغلية لا ينحصر فقط في ماهية العقد الذي يتنازع الأطراف بشأنه، بل يمتد أيضا لمراقبة الطبيعة القانونية له، حيث غالبا ما يميل المشغلين لإضفاء وصف العقد بالمحدد المدة نظ ار لما يتيحه هذا الأخير من سهولة في إنهائه وضعف الضمانات القانونية المخولة للأجراء الذين يتعاقدون في إطاره، مما يدفعنا لمناقشة التوازن على صعيد مدونة الشغل5 بين مبدأ استقرار الشغل ومبدأ المرونة، فما هو موقف القضاء المغربي إزاء المبدأين السابقين، وهل جسد التوجه الحمائي ال ارمي إلى التوسع في مفهوم العقد غير المحدد المدة باعتباره هو الأصل، أم نحى إلى تطبيق مبدأ المرونة الذي فرضته معطيات التحول الاقتصادي والدخول في عالم المنافسة حيث يشكل اللجوء إلى العقود المحددة المدة إحدى أهم الوسائل القانونية المجسدة له خاصة في ظل التوجه الليبرالي للمدونة الحالية؟
وكيف تعامل مع مسألة تتابع العقود المحددة المدة عن طريق التجديد، فهل أقر بتحول هذا العقد إلى عقد غير محدد المدة؟ أم تمسك بمبادئ القانون المدني المبنية أساسا على الحرية التعاقدية وسلطان الإرادة؟ وهل تمكنت المدونة الجديدة من حسم النقاش حول هذا الموضوع أم أن الأمر زاد تعقيدا بعد صدورها؟ وما هي نتائج التكييف القانوني لطبيعة العقود الشغلية؟ وهل من ضمانات كافية بشأن إنهاء هذه العقود بصنفيها المحدد المدة وغير المحدد المدة؟

I- دوافع اختيار الموضوع وأهميته

يعود اختياري لموضوع أثر العمل القضائي على تكييف عقود الشغل لعدة أسباب أهمهاما يلي:
- يعتبر الموضوع الذي أنا بصدده من الأهمية بمكان، ذلك أنه يتطرق للجانب العملي في تطبيق المقتضيات الشغلية ألا وهو الجانب القضائي بالأساس، مع دعمه بالدراسات الفقهية التي تطرقت للموضوع بشكل عام دون الخوض في الجزئيات.
- كما تتضح أهمية هذه الد ارسة نظرا لحداثة المدونة وبالتالي تعين علي معرفة التوجه الجديد للمشرع المغربي في إبرام عقود الشغل، خاصة وأن الدراسات التي تعرضت لهذه المدونة لا تزال لم تستوف كل الجوانب العديدة المتضمنة بها .
- إن هذا الموضوع يمس شريحة واسعة من المجتمع ألا وهي فئة الأجراء ،التي تسعى جاهدة في تحقيق الاستقرار بالعمل وبالتالي ضمان الاستقرار الأسري والنفساني، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية التي تتسم بعدم الثبات.

II- الصعوبات

لعل أهم صعوبة إعترضتني في إنجاز هذه الرسالة هي قلة الأحكام والقراارت القضائية التي طبقت المدونة الجديدة، فرغم حداثة أغلب هذه الأحكام والقراارت إلا أنها في أغلبها تطبق مقتضيات التشريع الملغى نظرا لتسجيل الدعوى قبل دخول المدونة حيز التنفيذ وحتى عند توفر الأحكام القضائية التي تسير في منحى تطبيق مدونة الشغل فإنها لم تأت بجديد بل كرست ما كان عليه الأمر سابقا، مما يصعب معه القول بوجود اتجاه قضائي قار حاليا. هذا بالإضافة إلى قلة المراجع المتخصصة التي تناولت هذا الموضوع خاصة بعد صدور المدونة المذكورة .

III- خطة البحث

تقتضي معالجة المشاكل المطروحة بخصوص د ارسة هذا الموضوع وفق الأسئلة المطروحة سابقا أن أتناولها وفق التصميم الآتي:
- مبحث تمهيدي: آليات العمل القضائي في المادة الاجتماعية.
- الفصل الأول: علاقة التبعية وتكييف عقد الشغل في الاجتهاد القضائي.
- الفصل الثاني: مناط تكييف عقد الشغل من حيث المدة.
وأختم هذه الدراسة بخلاصة لأهم النتائج التي توصلت إليها، مدعمة ببعض المقترحات التي من شأنها أن تعمل على تجاوز بعض الثغرات القانونية، وتجعل دور القضاء أكثر فاعلية في عملية التكييف القانوني لعقود الشغل.

IV- منهج الدراسة المعتمد

اعتمدت في دراسة هذا الموضوع على أغلب المناهج المتبعة في الدراسات القانونية ، وان كنت قد ركزت على المنهج الاستدلالي و الاستقرائي مع دعمهما بالمنهج المقارن والنقدي كلما اقتضى الأمر ذلك.

---------------------------
لائحة المراجع :
- إدريس الفاخوري: المدخل لد ارسة القانون الوضعي، دار النشر الجسور وجدة، طبعة.2006-2005
- أسامة عبد الرحمن: ملخصات في النظرية العامة للالت ازمات –الجزء الأول- المصادر الإ اردية، دار النشر الجسور وجدة، طبعة 1998.
- امحمد الأم ارني زنطار: التشريع الاجتماعي المغربي مجموعة النصوص القانونية والتنظيمية وفق آخر التعديلات1913-1999، المطبعة والوارقة الوطنية م اركش، الطبعة الثالثة 2002.
- الحاج الكوري: مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65 أحكام عقد الشغل، مطبعة الأمنية الرباط، طبعة 2004.
- الحاج الكوري: القانون الاجتماعي المغربي، مكتبة دار السلام الرباط، الطبعة الأولى.1999
- السيد محمد السيد عم ارن: شرح قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 ومشروع القانون الجديد، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية مصر، طبعة 1999-2000.
- أحمد عبد التواب محمد بهجت: دروس في أحكام عقد العمل الفردي –الج زء الأول عقد العمل الفردي- دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الأولى 1997.
- المصطفى شنضيض: عقد الشغل الفردي في ضوء مدونة الشغل الجديدة القانون رقم99-65 والنصوص التنظيمية الصادرة بشأنه، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2004.
- أحمد عبد الكريم أبو شنب: شرح قانون العمل الجديد، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع عمان الأردن، الطبعة الأولى الإصدار ال اربع 2003.
- آمال جلال: مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأم ارض المهنية، منشوارت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، الطبعة الأولى 1977.
- امحمد الفروجي: الإثبات أمام المحاكم من خلال قضاء المجلس الأعلى لسنوات
2000-2005 في القضايا التجارية والجنائية والاجتماعية والإدارية والمدنية، سلسلة دلائل علمية عدد 2، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة 2005.
- الحسين بلحساني: ملخصات في العقود المسماة –البيع والك ارء- مطبوعات الهلال وجدة، الطبعة الأولى 2005.
- إب ارهيم زكي أخنوخ: شرح قانون العمل الج ازئري، ديوان المطبوعات الجامعية الج ازئر، الطبعة الثانية 1998.
- الصديق ب ازوي: قانون الشغل الفصل لأسباب اقتصادية، مطبعة دار النشر المغربي الدا ارلبيضاء، طبعة 1999.
- أحمية سليمان: التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الج ازئري علاقات العمل الفردية، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية الج ازئر، طبعة 2002.
- أحمد شوقي عبد الرحمن: شرح قانون العمل الجديد في الفقه والقضاء المصري والفرنسي، منشأة المعارف الإسكندرية، طبعة 2005.
- المعطي الجبوجي: القواعد الموضوعية والشكلية للإثبات وأسباب الترجيح بين الحجج ،مطبعة الرشاد سطات، الطبعة الأولى 2002.
- توفيق حسن فرج: قانون العمل في القانون اللبناني والقانون المصري الجديد، الدار الجامعية، طبعة 1986.
- حسن كيرة: أصول قانون العمل، عقد العمل، منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة
الثالثة 1979.
- حمدي عبد الرحمن: قانون العمل، دار الفكر العربي، مكان النشر غير مذكور، طبعة.1976

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -