حرية الإثبات في المادة التجارية

 بحث بعنوان: حرية الإثبات في المادة التجارية PDF

حرية الإثبات في المادة التجارية PDF

مقدمة :
إن المجتمع المثالي يأبى فيه ضمير كل فرد أن ينكر حقوق الآخرين عليه، لدى لا تبدو للفكرة أي ضرورة، ولكن مثل هذا المجتمع لا وجود له في الواقع، فعند ما تتعارض المصالح بين الأفراد، قد تفضل النفس البشرية، إقرار حقوق لها على الاخرين، وهي ليست كذلك، أو إنكار حقوق الآخرين، بما يجعل صاحب الحق مجبرا على إثبات ما يدعيه، بالطرق الجائزة أمام السلطة التي أناط بها المجتمع حماية الحقوق، وهي السلطة القضائية.
وعلاقة الإثبات بالأعمال التجارية، هي علاقة وطيدة، خاصة في ظل ما تشهده المجتمعات من تطور على مختلف المجالات، فالبرغم من أن التجارة بالأساس، قائمة على اعتبار أن العرف والعادات الاتفاقية، وبصورة أساسية فهي تلعب دورا هاما في المعاملات ما بين التجار منذ القدم، إلا أنه في ظل التغيير المجتمعاتي وتطور المعاملات التجارية، قد تنشب خلافات فيذلك، أكثر من أي وقت سبق، فيصبح كل طرف في الخلاف يسعى لاكتساب حقا لنفسه، أو ينكر حقا عليه، وبالتالي لا بد أن يكون الاذعاء مصحوبا بأذلة تثبت صحته.
وتقوم المعاملات التجارية على عاملين أو عنصرين أساسيين هما، السرعة من جهة والائتمان والثقة من جهة أخرى، وتنعقد هذه المعاملات بمجرد تبادل كلا طرفى العلاقة التجارية، الإيجاب والقبول، بعيدا عن الشكلية التي تتطلبها الأعمال الأخرى. وبالتالي فالمعاملات التجارية تقتضي السرعة والثقة والائتمان، كأحد الدعائم الأساسية لنمو وازدهار التجارة، فإن انفراد المعاملات التجارية بخصوصياتها سير في هذا الاتجاه، حيث إن دعم الثقة بين التجار يستوجب حرية الإثبات أمام القضاء التجاري فإن المعاملات التجارية تفرض قواعد خاصة في القانون التجاري، ومن هذه القواعد حرية الإثبات في المواد التجارية، حيث في الأصل التجاري، يجوز إثبات الأعمال التجارية بكافة وسائل الإثبات، بما فيها الكتابة، وشهادة الشهود والقرائن والدفاتر التجارية، وكذا الفاتورات والمراسلات، أو بأية وسيلة أخرى جائزة، أو أي سيلة أرادت المحكمة قبولها، وذلك طبقا للمادة 334 من مدونة التجارة، حيث تنص على ما يلي: "تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات، غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك"
وفي هذا السياق، نجد التشريع الإسلامي قبل القانون الوضعي، قد نص على أن الإثبات فى المعاملات التجارية، إثباتا حرا ومطلقا مراعاة لعوامل وأساسيات التجارة والتاجر، أي أنه يسمح للأطراف والخصوم التجار استعمال أي وسيلة من وسائل الإثبات العامة والجائزة، عند وقوع نزاع يهدد أو يحد حق أو أكثر من الحقوق المترتبة فيما بين الخصوم، حيث قال الله تعالى في القران الكريم: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا سورة البقرة الاية 282.
ويقصد بالإثبات لغة تأكيد الحق بالبينة، والإثبات مشتق من فعل ثبت وثبوتا أي مثبث غير منفى، كما يقال إثبات الشيء أي استقر، والتثبيت أي الحجة، والمثبت أي عرفه حق المعرفة، والإثبات بهذا المعنى عام وشامل لكل عام وشامل لكل شيء يمكن أن يكون مستقرا.
وهو في لغة القانون يعني إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون لتأكيد حق متنازع فيه له أثر قانوني، لذلك كان الإثبات في جوهره سواء أمام المحاكم التجارية أو غيرها إقناعا للقضاء بإدعاء الأطراف، وذلك بهدف تأكيد الحق المتنازع فيه.أو بمعنى اخر أنه تأكيد واقعة قانونية تصلح أساسا لحق مدعى به، والإثبات بهذا المعنى يختلف عن الإثبات بمعناه العام. فالبرغم من أن كلا من القاضي والباحث يريد الوصول إلى نتيجة معينة إلا أن الباحث يتمتع بحرية تامة في البحث والتنقيب وإثبات الوقائع بكافة الطرق والوسائل المتاحة علما وعملا، لذلك فالإثبات بهذا المعنى هو إقامة البراهين على وجود حقيقة علمية أو تاريخية بكل الطرق.
أما القاضي في الإثبات القانوني لا يتمتع بهذا القدر من الحرية، إذ أنه مقيد فى تكوين إقتناعه بالأدلة المحددة قانونا، والتي يقدمها له الخصوم بالإجراءات التي رسمها القانون، فلا يستطيع القاضي أن يقدم دليلا لم يطرح أمامه في الدعوى من قبل أصحاب الشأن، لذلك فهذا النوع من الإثبات يسمى بالإثبات القضائي، لكونه في جوهره يعتبر إقناعا للقضاء بادعاء أو باخر من جانب هذا الخصم أو ذاك.
كما أن الإثبات هو الأداة التي يعول عليها الأفراد في صيانة حقوقهم، في نظام قانوني وكل تنظيم قضائي يقتضي حتما وجود نظام للإثبات، وأهميته هاته هي التي جعلت مختلف التشريعات الوضعية على مر العصور تقر بالإثبات، وتضع له قواعد ونظم قانونية تحكمه، كما هو الحال عند المشرع المغربي، الذي أقره في مدونة التجارة وفي قوانين أخرى.
وأهمية الإثبات ترتبط ارتباطا وثيقا بالقاعدة التي تقضي بأن الإنسان لا يستطيع أن يقضي حقه بنفسه، وأنه على الأفراد اللجوء إلى القضاء، ومن اللازم على كل من يلتجئ إلى القاضي أن يقنعه بأحقيته بهذا الحق المتنازع بخصوصه دون غيره، ومن أجل ذلك لا بد أن يقيم الدليل على قوله. وبالتالي فالإثبات ضروري، يستلزمه تنظيم المجتمع، وتوزيع السلطات فيه، لكن إذا لم يتمكن صاحب الحق من إقامة الدليل على حقه، أو بالأحرى على المصدر المنشئ له، تجرد هذا الحق من كل قيمة عملية.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أن قواعد الإثبات تنقسم إلى قسمين، قسم يتعلق بالقواعد الشكلية، وهذه القواعد تتمثل في الإجراءات المتبعة من قبل القضاء، فى تقديم حقوق الإثبات المختلفة التي رسمها القانون.
وقسم ثان يتعلق بالقواعد الموضوعية، التي هي مجموعة من الضوابط التي تحدد طرق وأدلة الإثبات المختلفة، وكيفية إثبات الحقوق المتنازع عليها، والحالات التي يجوز التمسك فيها بكل دليل وقيمته فى الإثبات، وكذا شروط قبوله ومحله، وعلى من يقع عبئالإثبات، بالإضافة إلى أدوار القاضي في كل ذلك، وعليه فإن قواعد الإثبات الشكلية والموضوعية لها أهمية كبرى في حماية الحقوق، إذ بدونها يتجرد الحق من قيمته، ويرتب عدم قبوله الدعوى، أمام القضاء التجاري.
كما أنه يجب ذكر نقطة مهمة وهي التمييز بين الإثبات في المادة التجارية عن الاثبات في المادة المدنية، فبالنسبة للإثبات فى المادة التجارية، وانطلاقا من المادة 334 المادة التجارية لحرية الإثبات ... من مدونة التجارة، التى جاء بها "تخضع ، و يتضح أن المشرع التجاري أخذ بمبدا الإثبات الحر والمطلق في المعاملات التجارية، بالرغم من وجود بعض القيود التي تقيد بعض المعاملات التجارية، حيث نجد أن هذا الإثبات المطلق قد سبق وأكدهالفقه الوضعي المغربي، وأقره القضاء في العديد من المناسبات. 

بينما نجد الإثبات فى المادة المدنية، فقد ذهبعكس نظيره في المادة التجارية، المشرع المدني، حيث تطرق للإثبات بدقة وتفصيل، إذ نجد وسائل الإثبات محددة في مقتضيات الفصل 404 منه، أو في فصله 443 الذي القانون المدني، كما جاء ضمن فرض الكتابة فى التصرفات وكافة الاتفاقات التي قد تنشئ بين الأفراد.
فالإثبات في المسائل التجارية عكس الإثبات في المسائل المدنية، يتميز بعدة خصائص، حيث أنه إثبات قضائي بالدرجة الأولى لأنه لا يتم إلا أمام القضاء، القاضي هو الذي يقدر وسيلة الإثبات، نظرا لوجود قاعدة حرية الإثبات، وهذه الحرية بدورها خاصية جوهرية. كما أنه من الخصائص أن محل الإثبات في المسائل التجارية، هو وجود واقعة أو نزاع تجاري أو عمل غير مشروع.
يحظى موضوع حرية الإثبات في المادة التجارية، بأهمية بالغة، فعلى الصعيد القانوني نجد تنوعا في النصوص والقواعد التي تناولت الإثبات وهي نصوص لها من القوة ما يمكن المتقاضين من اقتضاء حقوقهم وضمان كرامتهم، من خلال الأدلة التي تمكن القاضي التجاري من التحقيق في المنازعات وإصدار حكمه فيها، من أجل تطابق الحقيقة القضائية مع الحقيقة العملية.
هذه الاهمية كان لها تأثير على اختيارنا لموضوع حرية الإثبات في المادة التجارية، ذلك أن التطرق لهذا الموضوع سيمككنا من ضبط القواعد العامة للإثبات عامة وتلك التي يقوم عليها الإثبات في المادة التجارية، والتعرف عن قرب عما يميزه من مقومات وأساسيات تجعل منه نظام إثبات خاص ومميز عن باقي أنظمة الإثبات أخرى.
فضلا عن الرغبة الكبيرة لدراسة هذا الموضوع ومعرفة بعض من جوانبه، وبالخصوص معرفة كيف يقوم الأفراد بإثبات ادعاءاتهم أمام القضاء التجاري، ومدى تقييم القاضي لهذه الأذلة المعروضة عليه.
وترمي هذه الدراسة أيضا إلى الوصول لأهداف أخرى، حيث يمكن أن تقدم الإفادة لكل دارس للقانون، لأن نظرية الإثبات تعتبر من أهم النظريات القانونية، وأكثرها تطبيقا من الناحية العملية، فالمحاكم لا تنقطع عن تطبيقها كل يوم فيما يعرض عليها من قضايا خاصة، كما أن هذه الدراسة قد تمهد لتوصيات ربما تفيد لاستدراك بعض النقائص، أو تكون مفتاحا لدراسات أخرى في الموضوع أو في عنصر أو جزء من أجزاءه.
إذا كان الإثبات في الميدان التجاري يجري أمام القضاء المختص بالطرق التي بينها القانون في جملة من القواعد الشكلية، التي تحدد إجراءات تتبع إقامة الدليل أمام القضاء، وقواعد موضوعية تحدد الأدلة ومحل الخصم الذي يقع على عاتقه عبئ الإثبات.
وإذا كان المشرع المغربي قد راعى طبيعة الإختلاف بين قواعد الإثبات في القانون المدني والقانون التجاري، فإن منطلق هذا الأخير يأبى الحصر والتقييد في الإثبات، وأن عامل السرعة في المعاملات والتصرفات التجارية، والثقة بين التجار تصوغ للتاجر إثبات معاملاته بالطرق المعهودة، مما يدفعنا إلى طرح الإشكالية الأساس موضوع البحث التالية:
مامدى فعالية مبدأ حرية الاثبات في المادة التجارية ؟
وعن هذه الإشكالية الأساس تطرح الإشكاليتين الفرعيتين التاليتين؛
مامضمون مبدأ حرية الإثبات وتجلياته في المادة التجارية ؟
كيف يتم اعتماد مبدأ الإثبات أمام القضاء التجاري ؟

خطة البحث:
للإجابة على الإشكالية الأساس والإشكاليتين الفرعيتين سنعتمد التصميم الاتي:

الفصل الأول: ماهية الاثبات في المادة التجارية

الفصل الثاني: وسائل الاثبات أمام القضاء التجاري

---------------------------
لائحة المراجع :
- أحمد الخمليشي، "شرح قانون المسطرة الجنائية"، مكتبة المعارف 1980.
- أحمد شكري السباعي " الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية - الجزء الثانى" مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2001.
- أحمد شكري السباعي، "الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية - الجزء الأول"، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2001.
- أحمد محمد محرز، "القانون التجاري"، (باقي البيانات غير مذكورة).
- أحمد نشأت، "رسالة الإثبات - الجزء الأول - " أركان الإثبات عبئ الإثبات طرق الإثبات الكتابة شهادة الشهود " "، الطبعة السابعة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1972.
- إدريس العلوي العبدلاوي، "وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي"، المطابع الفرنسية والمغربية، الرباط 1971. الشريف الغيوبي رشيد البكر، "اللغة والمصطلحات القانونية"، الناشر صوماديل، الدار البيضاء 2017.
- جلال وقا محمدين، "المبادئ العامة في القانون التجاري"، الدار الجامعية بيروت 1988.
- زهير نعيم (بونعايمة)، "القانون التجاري التاجر، الأنشطة التجارية، الأصل التجاري"، الطبعة الأولى 2019.
- زهير نعيم (بونعايمة)، "دراسات في القانون التجاري المغربي، الجزء الأول"، "، المؤسسة الجامعية مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية 2000.
- سليمان بوذياب، "القانون التجاري، التجارة، التاجر..... للدراسات والنشر والتوزيع بيروت 1995.
- سميحة القيلوبي، "القانون التجاري الكويتي، نظرية الأعمال التجارية، التاجر، "، المطبعة العصرية- الكويت 1974. المحل التجاري...
- سمير السيد تناغوا، "النظرية العامة في الإثبات"، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1997.
- عبد الرحيم شميعة، "القانون التجاري الأساسي "الأعمال التجارية - نظرية التاجر الأصل التجاري" "، طبعة 15()2 (مكان النشر غير مذكور).
- عبد الرزاق السنهوري، "الوسيط في شرح القانون المدني انظرية الالتزام بوجه عام "، دار النهضة العربية 1968.
- عبد القادر عزت المحامي، "شرح أحكام المنازعات التجارية"، دار الكتب القانونية، القاهرة، (سنة النشر والطبع غير مذكورة).
- عبد الكريم شهبون، "الشافي في ق. ل. ع. المغربي" الجزء الثالث، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1999.
- عبد المنعم فرج الصدة "الاثبات في المواد المدنية"، مكتبة الإنجاز المصرية 1955.
- عز الدين بنستي، "دراسات في القانون التجاري المغربي" الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية.
- عصام حنفي محمود "القانون التجاذري الجزء الأول-" كلية الحقوق، جامعة بنها، (دون سنة الطبع).

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -