جريمة الإتجار بالبشر

 عرض بعنوان: جريمة الإتجار بالبشر  PDF

جريمة الإتجار بالبشر  PDF

مقدمة :
إن ما شهدته البشرية من تقدم ورقي وتطور مع مر العصور على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والانفتاح الاقتصادي في ظل العولمة وحرية التجارة وسهولة تنقل الأشخاص والبضائع بين الدول، له إيجابيات وسلبيات، وإن كانت السرعة في التواصل وتقريب المسافات وانتشار التعليم وازدهار التكنولوجيا من إيجابيات هذا التطور، فإن سلبياتها لا حصر لها أيضا، ومن سوء هذا التقدم تطور الجريمة المنظمة وانتشارها لتصبح عابرة للحدود الوطنية وخطرا يهدد معظم دول العالم.

وهذه التغيرات والتحولات انعكست لاحقا على الواقع الأمني في دول العالم بصفة عامة وبالمغرب بصفة خاصة، الذي لم يبق بمعزل عن سلسلة هذه التحولات العميقة التي عرفها العالم، الأمر الذي ترتب عنه ميلان ظواهر إجرامية تتمثل في الإرهاب وتجارة المخدرات ورواج سوق الأسلحة والاتجار بالبشر، والتي شكلت ولا تزال تشكل معضلة خطيرة وتطرح في الوقت نفسه إشكالية الأمن في دول العالم ككل، إذ تعد جريمة الاتجار بالبشر ثالث أكبر تجارة غير مشروعة في العالم بعد الاتجار في السلاح والاتجار في المخدرات، بوصفها أحد أشكال الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي تقف وراءها عصابات كبيرة لنقل أعداد هائلة من البشر عبر الحدود الدولية.

وأمام هذه المشكلة الخطيرة لم يقف المجتمع الدولي صامتا ومكتوف الأيدي، بل بذل جهودا كثيرة من أجل مكافحتها ومعالجتها في إطار قانوني، إذ استطاع التوصل إلى صياغة اتفاقية عالمية في المؤتمر الدولي الذي عقد في إيطاليا سنة 2000، وهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وألحق بها بروتوكولان إضافيان، أحدهما بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، وثانيهما بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين.

وقد مهدت تلك الاتفاقية الطريق أمام صياغة مواثيق واتفاقيات إقليمية لعل أهمها اتفاقية المجلس الأوروبي لمكافحة الاتجار بالبشر في وارسو سنة 2005، كما سارت العديد من الدول على خطى تلك الاتفاقية بعد أن صادقت عليها وأصدرت تشريعات داخلية لتجريم أفعال الاتجار بالبشر ومعاقبة مرتكبيها.

إن جريمة الاتجار بالبشر من الجرائم الماسة بكرامة الإنسان والتي تحط من قدره، وهي تعرض حياته وحياة أسرته للخطر والتهديد. فالاتجار بالبشر تتكون من كلمتين الأولى كلمة الاتجار إلى المادة اللغوية تجر يتجر تجارة أي باع الاتجار والثانية البشر، وترجع واشترى، وعلى ذلك فالاتجار والتجارة من مادة واحدة، والتجارة باعتبارها صنعة التاجر ويمارسها من خلال البيع والشراء هي ترويج المال لغرض الربح، والذي يمارس من الأعمال التجارية على سبيل الاحتراف يسمى تاجرا.

وفي القانون مجموع النشاطات المحددة في قانون التجارة التي تتيح للثروات أن تنتقل من الإنتاج إلى الاستهلاك. أما البشر فيقصد به الإنسان رجلا كان أو امرأة ولا يثنى ولا يجمع وعليه فإن الاتجار بالبشر يعني ممارسة الأعمال التجارية على الإنسان كسلعة تباع وتشترى. كما يعرف الاتجار أي نقله أو احتجازه، أو محاولة اختطافه أو نقله أو احتجازه، بالقصر بأنه اختطاف قاصر و لأغراض غير مشروعة وبوسائل غير مشروعة.

ويقصد بتعبير الاتجار بالأشخاص طبقا لبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص: "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة واستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص اخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال كحد أدنى:

استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء، أما الفقهاء فقد اختلفوا في تعريف جريمة الاتجار بالبشر، فقد عرفها بعض الفقه بأنها: كافة التصرفات المشروعة وغير المشروعة التي تحول بالإنسان إلى مجرد سلعة أو ضحية ينم التصرف فيها بواسطة وسطاء محترفين عبر الحدود الوطنية بقصد استغلالهم في أعمال ذات أجر متدني أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك، سواء ثم التصرف بإرادة الضحية أو قصرا عنه أو بأية صورة أخرى من صور العبودية.

في حين عرفها البعض الاخر بأنها تجنيد أشخاص أو نقلهم بالقوة أو بالإكراه أو الخداع لغرض الاستغلال بشتى صوره، ومن ذلك الاستغلال الجنسي، العمل الجبري، الخدمة القسرية، التسول الاسترقاق، تجارة الأعضاء البشرية وغير ذلك ؟


أما المشرع المغربي فالملاحظ أنه تبنى في تعريفه لهذه الجريمة نفس التعريف الوارد في بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وذلك من خلال الفصل 448-1 من قانون 27-14 المتعلق بهذه الجريمة والذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر من عام 2016.

وتعتبر جريمة الاتجار بالبشر من الجرائم المستحدثة، والتي ظهرت مع ظهور الكثير من الجرائم في العصر الحديث، مثل جرائم غسل الأموال وجرائم الفساد وجرائم الاتجار بالأعضاء البشرية وجرائم الإرهاب...، وكان لتلك الجريمة مظهر آخر في الماضي وهو الرق حيث تعتبر تجارة الرقيق التي كانت تتم فيما يسمى بسوق الرقيق أو سوق النخاسة، من أقدم أنواع التجارة في المجتمع الإنساني القديم وهي جريمة كبيرة في حق الإنسانية. 

فقد عرفت البشرية الكثير من الاضطهاد وذاقت مرارة وقسوة الاسترقاق والعبودية نتيجة الصراع الأزلي بين طبقات المجتمع البشري. وبذا العرق في الزوال في القرن الخامس عشر، وقد أدى صدور الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن إلى إعلاء الحريات الأساسية للإنسان وظهور حكم جديد هو الحرية للجميع، وأصدر مجلس الثورة الفرنسي قرارا بإلغاء الرق. وبعد انتهاء الرق في أوروبا أصبحت الحاجة ملحة إلى أيدي عاملة فتم الاهتداء إلى القارة السوداء والرقيق السود قتمت مهاجمة القارة الإفريقية وتجنيد بعض أهلها واقتدائهم إلى الأرض الأمريكية الجديدة وتسخيرهم للعمل بها.

كما أن المجتمع الجاهلي قبل الإسلام تعامل هو الاخر مع تلك الظاهرة التي انتشرت في كافة البلدان وعندما جاء الإسلام كان الرق معترفا به وقد دعى الإسلام إلى معاملة الرقيق معاملة إنسانية، كريمة وسعى إلى تحرير الرقيق بشتى الوسائل وفتح افاق رحبة لتحرير العبيد. 

وقد حذرت الشريعة من استغلال المرأة في البغاء والتحريض عليه. وقد شعرت الدولة الأوروبية فيما بعد أن نظام الرق لا يتفق وكرامة الإنسان، فبدأت في اتخاذ إجراءات إيجابية لشجب تلك التجارة والتعاون المثمر مع بعضها، فعقدت عدة مؤتمرات وثم التوقيع على عدد من الاتفاقيات في هذا الشأن. وتجدر الإشارة إلى ظاهرة الرق تراجعت بشكل كبير مع بداية القرن التاسع عشر، نتيجة الجهود المبذولة على المستوى الدولي والداخلي، ولأن بالمقابل ظهرت عادات أخرى شبيهة بالرق ومظاهر جديدة من الرق والعبودية تطورت فى أشكال مختلفة منها استغلال النساء والأطفال والاتجار بهم لأغراض جنسية. 

وإذا كانت ظاهرة الرق موجودة إلى يومنا هذا، فهى قائمة بثوب جديد وتحت اسم جديد، وهو الاتجار بالإنسان أو الاتجار بالبشر، فهو الصورة المستحدثة لظاهرة الرق والتي يسعى المجتمع الدولي مكافحتها والتصدي لها بكل قواه.

وتتجلى أهمية موضوع الاتجار بالبشر، في كونه ظاهرة قديمة ومستحدثة فى الوقت نفسه، والتي تشكل تهديدا متعدد الأبعاد لجميع الأمم، لما لهذه التجارة من آثار وخيمة ومدمرة على نفسية الإنسان وحياته، فبالاضافة من تعذيب وتهديد وسخرة وانتهاك لحقوق الإنسان، فإنها أصبحت أكثر خطورة على الأمور الصحية وخاصة إذا استغل الإنسان جنسيا، فيسبب له الإصابة بالعديد من الأمراض، ونظرا لكافة الملابسات التى تحيط بها فقد أضحت هذه الجريمة من الجرائم التي أخضعها المجتمع الدولي للاختصاص العالمي خصوصا في ظل هيمنة المافيا الدولية وما يرافقه من ظهور أشكال جديدة لهذه الجريمة لم تكن موجودة من قبل.

وبالتالي يمكن اعتبار أهمية الموضوع الأساسية تسع م ارتباطه الوثيق بحقوق الإنسان تشكل هذه الجريمة بكافة أشكالها وصورها تعديا رئيسيا ومباشرا على هذه الحقوق.

لقد أسفر الواقع العملي عن ظهور العديد من الإشكاليات تتعلق بجريمة الاتجار بالبشر وتأثرت بها كافة البلدان ومن بينها المغرب، فالتشريع يجب أن يكون ناهضا بأمور كثيرة وفعال في أحكامه ونصوصه العقابية. 

فإلى أي حد استطاع المشرع المغربي التصدي لجريمة الاتجار بالبشر، وما هي توجهاته لمكافحة هذه الظاهرة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال فرعين نخصص الفرع الأول لسياسة التجريم الخاصة بالإتجار بالبشر بينما نخصص الفرع الثاني للسياسة العقابية في جريمة الاتجار بالبشر.

الفرع الأول: سياسة التجريم الخاصة بالإتجار بالبشر
الفرع الثاني:السياسة العقابية في جريمة الاتجار بالبشر

---------------------------
المصدر :
- دة.سعاد التيالي، محاضرة في القانون الجنائي الخاص تحت عنوان - جريمة الإتجار بالبشر ، السداسية الرابعة - الفوج الأول، جامعة محمد بن عبد الله بفاش، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية - فاس - ظهر المهراز.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -