مصادر القانون الجبائي في التشريع المغربي

عرض بعنوان: مصادر القانون الجبائي في التشريع المغربي PDF

مصادر القانون الجبائي في التشريع المغربي PDF

مقدمة :

يميز بعض من الفقه الجبائي بين المصادر القانونية للقانون الجبائي والمصادر "غير القانونية"، كما يميز البعض الآخر بين المصادر الداخلية والمصادر الخارجية لهذا القانون.
وأخذا بعين الاعتبار هذه التصنيفات يمكن تقسيم مصادر القانون الجبائي إلى مصادر تشريعية داخلية متمثلة في الدستور والتشريع العادي والتشريع الفرعي (المبحث الأول) ومصادر تشريعية خارجية متمثلة في الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الجبائي (المبحث الثاني) وكذا الفقه الجبائي (المبحث الثالث) والقضاء الجبائي (المبحث الرابع).

المبحث الأول: المصادر التشريعية الداخلية للقانون الجبائي

تجد المصادر التشريعية الداخلية للقانون الجبائي أساسها في القواعد الدستورية الجبائية (المطلب الأول) والتشريع العادي الجبائي (المطلب الثاني) وكذا التشريع الفرعي ذي الطبيعة الجبائية (المطلب الثالث).

المطلب الأول: القواعد الدستورية ذات الطابع الجبائي

يعتبر الدستور أو ما يسمى "بالتشريع الأساسي" أسمى وثيقة قانونية ينبني عليها النظام القانوني للدولة. ومن هذا المنطلق فهو يعتبر وثيقة مرجعية بالنسبة للتشريعات الأدنى درجة احتراما لمبدأ تراتبية أو تدرج القوانين. وفي هذا السياق، من الضروري احترام الوثيقة الدستورية عند إعداد واعتماد القوانين ذات الطابع الجبائي. ومن أهم المبادئ الضريبية ذات الطابع الدستوري يمكن أن نذكر:
· مبدأ العدالة الضريبية (la justice fiscale) : "الفصل 39 من الدستور".
والذي يقضي باحترام المقدرة التكليفية للملزم عند ربط وتحصيل الضريبة انسجاما مع قاعدة "كثرة الضرائب تقتل الضرائب"Trop d’impôt tue l’impôt.، فبمقتضى هذه القاعدة، كلما ارتفع الضغط الضريبي كلما ارتفعت نسبة التهرب الضريبي وامتناع الملزمين عن أداء الضريبة، ومع مرور الوقت يمكن أن تتوقف الخدمات والمواد موضوع الضريبة وبالمقابل اختفاء الموارد الضريبية أو بمعنى آخر "موت الضريبة".

- مبدأ التضامن في تحمل التكاليف العمومية : "الفصل 40 من الدستور"
وهو مبدأ كرسه الدستور المغربي لسنة 2011 في الفصل 40 من الدستور الذي ينص على " على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.
إن الأساس في أداء الضريبة وفقا لهذا المبدأ هي فكرة التضامن الاجتماعي المقترن بسيادة الدولة كضرورة تاريخية، أي باجتماع التبعية السياسية (الجنسية) مع الرابطة الاجتماعية (الإقامة والموطن) والرابطة الاقتصادية (ممارسة نشاط اقتصادي، التمتع بملكية أو ثروة، تحقيق دخل) وهي روابط أصبحت سائدة في الوقت الحاضر.

- مبدأ "لا ضريبة إلا بنص" (la légalité de l’impôt):" الفصل 39 من الدستور"
وهو مبدأ بمقتضاه لا يجوز فرض أو إلغاء أو رفع أو خفض الواجبات الضريبية إلا بنص قانوني يسمح بهاته الإمكانية، وذلك تحت طائلة المتابعة بما يعرف في مجال المخالفات الجبائية بجريمة "الغدر"، وهي جريمة يتم التذكير بها عادة في إطار الجزء الأول من قانون المالية السنوي وتفرض على الإدارة الضريبية التطبيق السليم للنصوص القانونية الجبائية.
وفي هذا الاطار تنص المادة الأولى (الفقرة الثالثة) من قانون مالية سنة 2020 على أن "كل ضريبة مباشرة أو غير مباشرة سوى الضرائب المأذون فيها بموجب أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها وأحكام هذا القانون تعتبر، مهما كان الوصف أو الإسم الذي تجبى به، محظورة بـتاتا، وتتعرض السلطات التي تفرضها والمستخدمون الذين يضعون جداولها وتعاريفها أو يباشرون جبايتها للمتابعة باعتبارهم مرتكبين لجريمة الغدر، بصرف النظر عن إقامة دعوى الاسترداد خلال ثلاث سنوات على الجباة أو المحصلين أو غيرهم من الأشخاص الذين قاموا بأعمال الجباية. ويتعرض كذلك للعقوبات المقررة في شأن مرتكبي جريمة الغدر جميع الممارسين للسلطة العمومية أو الموظفين العموميين الذين يمنحون بصورة من الصور ولأي سبب من الأسباب، دون إذن وارد في نص تشريعي أو تنظيمي، إعفاءات من الرسوم أو الضرائب العامة أو يقدمون مجانا منتجات أو خدمات صادرة عن مؤسسات الدولة".

- مبدأ المساواة أمام الضريبة : " الفصل 6 من الدستور"
ويمكن أن نستشف كذلك مبدأ إضافيا يتعلق بمساواة المواطنين أمام الضريبة انطلاقا من تكريس المساواة أمام القانون باعتباره مبدأ دستوري منصوص عليه في الفصل السادس " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاص داتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له" .

تكمن أهمية التنصيص على هاته المبادئ في إطار الوثيقة الدستورية في كونها تتضمن قواعد مرجعية بالنسبة للقوانين التشريعية والتنظيمية في إطار احترام مبدأ التدرج ومطابقة القوانين الأدنى درجة للقوانين الأسمى داخل الهرم القانوني للدولة.
وبالإضافة إلى هذه المبادئ ذات الطابع الدستوري، تجد القوانين الجبائية مصدرها في التشريع الضريبي العادي.

المطلب الثاني : التشريع الضريبي العادي

ويرتبط التشريع الضريبي بسؤالين أساسيين:
ما مدى السلطة البرلمانية في المجال الجبائي؟ (الفقرة الأولى) وما هي حدود هاته السلطة في هذا المجال؟ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مدى السلطة البرلمانية في المجال الجبائي

يقضي مبدأ شرعية الضريبة (la légalité de l’impôt) المعروف بعبارة "لا ضريبة إلا بنص" أن مجال التشريعات الضريبية هو من اختصاص البرلمان.
وفي هذا الإطار ينص الفصل 71 من دستور 2011 على ما يلي: "يختص القانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور بالتشريع في الميادين التالية : ................
- النظام الضريبي ووعاء الضرائب ومقدارها وطرق تحصيلها".
وتتمثل سلطة البرلمان في المجال الضريبي، من خلال سلطة المناقشة والتصويت ، وهذا على الرغم من أن الحكومة تضطلع بسلطة إعداده.

وجدير بالذكر أن الضريبة كانت وراء إحداث تحولات كبرى في مجال المالية العمومية لكونها كانت موضوع صراع بين الملك وممثلي الشعب في كل من إنجلترا وفرنسا، بل يمكن القول أن الضريبة كانت وراء التأسيس لسلطة الإذن أو الترخيص البرلماني.
ومما لا شك فيه أن قانون مالية السنة يشكل مناسبة لإقرار نصوص قانونية في المجال الجبائي، ومثال ذلك مدونة الضرائب المغربية التي رأت النور بمقتضى قانون مالية 2007 وعرفت عدة تعديلات بمقتضى قوانين السنوات المالية الموالية.

وفي مقابل الصلاحيات المخولة للبرلمان في المجال الجبائي، فإن سلطة هذه المؤسسة تبقى محدودة وخاضعة لبعض القيود.

الفقرة الثانية: حدود سلطة البرلمان في المجال الجبائي

تخضع سلطة البرلمان في المجال الجبائي لبعض القيود ومن أبرزها :

- أولا : تضطلع الحكومة بسلطات واسعة في مجال إعداد وتنفيذ قانون مالية السنة والذي يتضمن عادة "الإصلاحات الجبائية".
وتعزى هاته السلطة إلى عدة اعتبارات تتعلق بالطبيعة التقنية والمعقدة للمقتضيات الجبائية، إضافة إلى امتلاك الحكومة لمصادر المعلومات في جميع المرافق العمومية المكلفة بالوعاء والتصفية والتحصيل والمنازعات الجبائية، وكذا امتلاكها للموارد التقنية والبشرية المؤهلة ... إلخ.

- ثانيا : تخضع سلطة البرلمان في المجال الجبائي لقيود دستورية، ومنها ما نص عليه الفصل 77 "الفقرة الثانية" من الدستور المغربي 2011 بخصوص توازن مالية الدولة كالآتي:
"وللحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية أو إلى إحدى تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود".

- ثالثا: تخضع سلطة البرلمان كذلك لحدود ذات طبيعة سياسية ترتبط بامتلاك الحكومة للأغلبية داخل البرلمان وخصوصا في الغرفة الأولى (مجلس النواب) والتي يعود لها التصويت النهائي على النص الجبائي الذي تم البث فيه.

- رابعا: كما تخضع سلطة البرلمان لحدود أخرى ترتبط بسلطة المجموعات الضاغطة وهيئات المصالح المعروفة باسم "اللوبيات" والتي تدافع عن مصالحها من خلال المقتضيات الجبائية التي تلائمها... إلخ. (الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الفلاحون الكبار...).
هذا عن التشريع العادي. فماذا عن التشريع الفرعي كأحد مصادر القانون الجبائي ؟

المطلب الثالث: التشريع الفرعي الجبائي

بالإضافة إلى المقتضيات الدستورية والتشريعية العادية في المجال الجبائي تحتفظ الحكومة باختصاصها في هذا المجال عن طريق التشريع الفرعي.
ويشمل التشريع الفرعي الجبائي مختلف القواعد التطبيقية المعمول بها في المجال الجبائي. ووفقا لمبدأ تراتبية القوانينla hiérarchie des lois فهي توجد في منزلة أدنى من التشريع العادي بل يمكن القول أنها ينبغي تكون مطابقة له.
ويأخذ التشريع الفرعي الجبائي شكل مراسيم (Décrets) أو مقررات (Arrêtés) أو قرارات (Décisions) أو منشورات (Circulaires) أو مذكرات (Notes) وأحيانا شكل أجوبة رسمية عن بعض الأسئلة الكتابية التي تتقدم بها الإدارات للسلطات المركزية المختصة.

وبالإضافة إلى المصادر الداخلية للقانون الجبائي، فإن هذا القانون يجد أساسه كذلك في المصادر الخارجية من خلال الاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها الدولة في هذا المجال.

المبحث الثاني : المصادر التشريعية الخارجية للقانون الضريبي.

يعد المجال الضريبي أحد المظاهر السيادية للدولة، إذ لا يتصور خضوع دولة لنظام جبائي لدولة أخرى، ومن هذا المنطلق يأتي الاختلاف بين الأنظمة الوضعية في المجال الضريبي.
إلا أن المعاملات الاقتصادية والمالية يتجاوز مداها في كثير من الأحيان النطاق الترابي للدولة ، وهو ما يدفع الدولة إلى إبرام معاهدات واتفاقيات دولية في المجال الجبائي.

وتقر أغلب الدساتير الدولية بما فيها الدستور المغربي " الفقرة الأخيرة من تصدير دستور 2011"، قيمة قانونية عليا للمعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها بصفة قانونية بالمقارنة مع التشريعات الداخلية للدولة.
والواقع أن هذه الاتفاقيات والمعاهدات إنما تتم من خلال تراض وتشاور بين دولتين أو أكثر، وذلك لأن الأصل في الضريبة يقوم على مبدأ "النطاق الترابي للضريبة" انطلاقا من مفهوم سيادة الدولة على ترابها عبر تطبيق تشريعاتها الضريبية.
وقد ساعدت الاتفاقيات الجبائية بين الدول بتقوية التعاون بين الإدارات الجبائية سواء فيما يتعلق بمعالجة الازدواج الضريبي أو محاربة التهرب أو الغش الضريبيين.
هذا عن المصادر الخارجية، فماذا عن الفقه الجبائي كأحد مصادر القانون الجبائي؟

المبحث الثالث: الفقه الجبائي

يشمل الفقه الجبائي مختلف الكتابات الأكاديمية والعلمية المتخصصة التي تسعى إلى تناول الإشكالات المختلفة للقانون الجبائي.
ويسعى الفقه الجبائي إلى شرح وتفسير المقتضيات الجبائية وتبيان مواطن النقص والخلل التي تميزها سواء في إطار دراسات قانونية صرفة أو في إطار التعليق على أحكام قضائية صادرة في المجال الجبائي.

وبالإضافة إلى الدور التفسيري الذي يمكن أن يلعبه الفقه في المجال الجبائي، يمكن لهذا الأخير أن يساهم في خلق القاعدة الجبائية من خلال مقترحات وتوصيات تروم إصلاح المادة الجبائية من خلال تنوير المشرع بأهميتها وبضرورة تبنيها عند الاقتضاء.
ولكن، وعلى غرار فقه المالية العمومية، لا يزال الفقه الجبائي بالمغرب ضعيفا بالمقارنة مع فقه القاعدة القانونية عموما ولا يساهم إلا بحيز ضئيل في هذا المجال.
وإلى جانب الفقه الجبائي يضطلع الاجتهاد القضائي الجبائي بدور خاص في هذا المجال.

المبحث الرابع: الاجتهاد القضائي الجبائي

يكمن دور القضاء في تكييف الوقائع مع النصوص القانونية، وهو دور أساسي واعتيادي يقوم به القضاة بمناسبة البث في المنازعات الجبائية والتي تنشأ بين المكلفين بأداء الضرائب من جهة والإدارة الضريبية من جهة أخرى.
وتحتاج عملية التكييف هاته إلى قدرة خاصة لدى القاضي لفهم وتفسير النصوص القانونية المنظمة للمجال الجبائي، وفي هذا السياق يعتبر القضاء الإداري هو القضاء المختص بالبث في المنازعات الضريبية.
إلا أن غموض أو غياب القاعدة الجبائية قد يقود القاضي إلى الاجتهاد من خلال الاستفادة من المبادئ العامة المعمول بها في المجال القانوني بشكل عام والجبائي بشكل خاص من أجل المساهمة في إقرار القاعدة القانونية الجبائية، وبذلك يكون الاجتهاد القضائي مصدرا من مصادر القاعدة الجبائية بخلاف الدور الاعتيادي للقضاء والذي ينحصر في تطبيق القاعدة القانونية.
---------------------------
المصدر:
د.محمد أشملال، محاضرة في مادة القانون الجبائي يوم الإثنين 16 مارس 2020، السداسية الرابعة - الفوج الأول، جامعة محمد بن عبد الله بفاش، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية - فاس - ظهر المهراز.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -