منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري

 رسالة بعنوان: منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري PDF

منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري PDF

مقدمة :
تشكل الضرائب والرسوم التي في حكمها أهم مورد مالي لميزانية الدولة والجماعات المحلية، وتساهم بشكل فعال في تمويل النفقات العمومية، وإنعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
وقد عهد المشرع لإدارة الضرائب والخزينة العامة، أمر فرضها وتحصيلها وزودها من السلطات والامتيازات العامة بما يكفى لأداء وظيفتها تلك، وفي المقابل سن ضمانات واسعة للخاضعين للضريبة لحمايتهم من كل تعسف أو شطط قد يرتكب في حقهم من طرف الإدارة الضريبية ضد حقوقهم المالية.
ويستمد الإلزام الضريبي مصدره من مضمون الدستور كقانون أسمى، حيث نص الدستور المغربي المعدل سنة 1996 في المادة 17 بأن " على الجميع أن يتحمل كل قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها حسب الإجراءات المنصوص عليها في الدستور" .
و يقوم النظام الضريبي بالمغرب على الثلاثية الجبائية المعروفة لدى أغلب الدول، في إطار عولمة الأنظمة الضريبية أي إخضاع الشركات لضريبة خاصة، والأشخاص الذاتيين وشركات الأشخاص لضريبة عامة على الدخل بالنسبة لمجموع دخولهم، ثم ضريبة عامة على الإنفاق وبعض الضرائب النوعية كالضريبة المهنية أو الحضرية إلى جانب النظام الجبائي المحلي.
غير أن الإدارة الضريبية التي منحها المشرع عدة صلاحيات تتعلق بتأسيس الوعاء الضريبي، قد تخل ببعض الضمانات القانونية المخولة للملزمين من مثل: التبليغ بفرض الضريبة، احترام الإجراءات المسطرية المتعلقة بتصحيح أسس الضريبة أو الفرض التلقائي لها، الإعفاءات الجبائق مما يؤدي إلى نشوء نزاع بين الإدارة والملزم.
والنزاع الضريبي في مفهومه الضيق، كخلاف بين طرفين، هما الإدارة والملزم، يدفع فيه كل طرف بموقف متعارض مع موقف الطرف الآخر أمام جهاز قضائي يفصل بينهما بإصدار حكم تنفيذي وملزم.
وفي مفهوم أوسع يعرف النزاع الجبائي بأنه " مجموعة الأساليب القانونية التي يتم بمقتضاها فض النزاعات التي l'assiette de contentieux تنشأ عن تطبيق قانون الضريبة من طرف الإدارة الجبائية على الملزم" (0)
وينحصر النزاع الجبائي في صنفين هامين هما المنازعات في الوعاء والمناز عات فى التحصيل recouvrement de ontentieux.
وسنقتصر على تعريف منازعات الوعاء الضريبي لأن بحثنا سيتناولها فقط، " فالنزاع في الوعاء هو نزاع في أساس الضريبة، أي النزاع الذي يخول للجهة التي تبث فيه صلاحية البحث فيما إذا كانت الضريبة قد تأسست مطابقة للمقتضيات التشريعية والتنظيمية، وفي حالة ما إذا تبين لها العكس فمن سلطتها أن تقرر إسقاطا جزئيا أو كليا لهذه الضريبة.
إما أن الملزم لا ينازع مبدأ خضوعه للضريبة، وإنما ينازع في العناصر الواقعية التي اعتمدتها الإدارة أو اللجنة الضريبية كأساس لتحديد الضريبة وهنا يطالب بإسقاط جزئي لمبلغها ونكون هنا أمام نزاع في الوقائع.
وإما أن الملزم ينازع مبدأ خضوعه للضريبة، أي يعتبر وضعه غير مشمول بنطاق تطبيقها، وهنا يطلب بإسقاطها كليا ونكون أمام نزاع قانوني.
وتجدر الإشارة، إلى أن الملزم لا يحق له أن يرفع نزاعه في الوعاء الضريبي مباشرة إلى القضاء الإداري، بل إن القانون اشترط صراحة لصحة الدعوى القضائية في المجال الجبائي أن يستنفذ الملزم طعنا سابقا أمام الإدارة الجبائية، أو أمام اللجان الضريبية حسب الحالات، فتقديم المطالبة النزاعية أمام الإدارة الجبائية فى مجال مناز عات الوعاء الضريبي إجراء إلزامي قبل نشر الخلاف أمام أنظار القضاء.
لكن إذا باشرت الإدارة الجبائية فحصا جبائيا في حق الملزم، أو أعادت النظر في العناصر التي صرح بها، فيحق للملزم التقدم بالطعن مباشرة أمام اللجن الضريبية المختصة.
وبعد استنفاد الطعن خلال المرحلة الإدارية يحق له التقدم بالمنازعة الضريبية أمام القضاء الإداري طبقا للمادة الثامنة من القانون رقم 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية 1 التى نصتعلى ما يلي : " 

تختص المحاكم الإدارية...
تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبث في الدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة".
وقد نظم الباب الخامس من نفس القانون من المادة 28 إلى المادة 36 اختصاص المحاكم الإدارية فيما يتعلق بالضرائب وتحصيل الديون المستحقة للخزينة والديون التي في حكمها.
وقد عرفت منازعات الوعاء أمام القضاء بالمغرب تطورات متلاحقة، فقبل الحماية كان "القضاء الجبائي" يقوم به والي المظالم، فقد كان بإمكان من أصابه ضرر من أحد عمال المملكة أن يتقدم بتظلم إلى وزير الشكايات الذي يسجله ويلخصه ويعرضه على السلطان، وبالفعل تقدم العديد من المواطنين بتظلماتهم إلى والي المظالم بخصوص الحيف والظلم الذي كان يمارس عليهم من طرف بعض جباة الضرائب.
السلطان بنفسه كان ينظر في بعضها.
أما خلال فترة الحماية، فقد أدخلت فرنسا بمقتضى بنود الحماية لسنة 1912 عدة إصلاحات همت النظام القضائي المغربي وذلك بإنشاء محاكم صلحية، محاكم ابتدائية، ومحاكم استئنافية.
و صدرت خلال هذه الفترة عدة نصوص ذات طبيعة جبائية مثل ظهير 9 أكتوبر 1920 بإحداث ضريبة على البحار وظهير 9 نونبر 1926 الذي يتعلق باستخلاص الديون للبلدية... (3)
و حددت هذه النصوص المحاكم المختصة في النزاع الجبائي والإجراءات التي يلزم القيام بها لرفع النزاع أمامها أما بعد استقلال المغرب فقد تم إنشاء المجلس الأعلى بمقتضى الظهير الشريف الصادر في 27 شتنبر 1957.
وخلال هذه الفترة وبالر غم من الإصلاحات المتوالية التي عرفها الجهاز القضائي، فإن المحاكم الابتدائية كانت هي المختصة في منازعات الوعاء الضريبي بالنظر للولاية العامة التي تتمتع بها في جميع أنواع القضايا طبقا للفصل l8 من قانون المسطرة المدنية""، ويمكن استئناف الأحكام الصادرة عنها أمام محاكم الاستئناف.
في حين أن المجلس الأعلى يختص بالطعن بالنقض، والطعون الرامية إلى إلغاء القرارت الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي سنة 1993 سيتم إنشاء المحاكم الإدارية كمحاكم متخصصة بالنظر في المنازعات الإدارية ومنها منازعات الوعاء الضريبي وذلك مواكبة للتحولات الكبرى التي عرفها المغرب .
وأخيرا تم إصدار القانون رقم 03-80 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية تأكيدا لرغبة المغرب في بناء دولة الحق والقانون القائمة على احترام المشروعية ومبادئ حقوق الإنسان، وبالتالي ستصبح الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تقوم بدورها الأصيل كمحكمة قانون بعد أن كانت ولمدة l3 سنة تنظر كمحكمة موضوع في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية.
ويحتل هذا الموضوع أهمية بالغة في الظروف الراهنة اعتبارا لما يلي :
راهنية البحث بالنظر للإصلاحات التي يعرفها المغرب من أجل جلب الاستثمارات وتمتيع المقاو لات بكافة الضمانات القانونية ،ومن بينها الضمانات التي يوفرها القضاء الإداري بخصوص المنازعات الضريبية.
- القانون الضريبي يحتل أهمية قصوى في حياة المجتمعات لارتباطه بالاقتصاد الذي هو عصب المجتمع، ومصدر العديد من النزاعات الدولية خاصة مسائل الإزدواج الضريبي الدولي، والوطنية، وكدا عنصر أساسي في التنمية.
- موضوع منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري لازال يتميز بقلة الدراسات القانونية والبحوث العلمية داخل فضاء الجامعة المغربية ومن ثمة فإن المجال لازال خصبا للبحث والتنقيب.
كما أنا أغلب المنازعات المطروحة أمام القضاء الإداري المتعلقة بالضريبة هي منازعات الوعاء، وأن سلطات القاضي ودوره خلالها دور واسع تفتح أمامه باب الاجتهاد والإبداع وتجاوز ثغرات النصوص الضريبية التي تتميز بالتشتت والغموض، خلافا لمنازعات التحصيل التي للقاضي دور محدود فيها.
وموضوع المنازعات الضريبية يطرح عدة أسئلة في سياق التحولات الديمقراطية التي يعرفها المغرب، وتنامي ثقافة حقوق الإنسان وحقوق الملزم الضريبي.
فإلى أي حد سن المشرع الضريبي نصوص قانونية تتضمن وتحتوي ضمانات لصالح الملزم الطرف الضعيف في المعادلة الضريبية، أمام إدارة قوية هي إدارة الضرائب؟ وما دور القضاء الإداري في حماية هاثه الضمانات التشريعية؟ وهل عمل على خلق قواعد ومبادئ جديدة لصالح الملزم؟
وترتيبا على ما سبق فإن إشكالية البحث التي تتفرع إلى مجموعة من الإشكاليات، تتلخص في البحث عن التوازن بين طرفي العلاقة في منازعات الوعاء الضريبي، وعن الضمانات التي خولها التشريع الجبابي للملزم، وكيف عمل القاضي الجباني على حمايتها، أو سن ضمانات جديدة من خلال اجتهاداته في مجال الوعاء الضريبي، وذلك عبر دراسة بعض أهم المنازعات التي عرضت أمامه في المجال.
وسنعتمد في معالجة ودراسة هذه الإشكالية على الدارسات التحليلية والنقدية للعمل القضائي الصادرة في مجال الوعاء الضريبي وفقا للمناهج التالية :
- المنهج التاريخي : لمعرفة مدى التطور الحاصل في تناول الإجتهادات القضائية لبعض الإشكالات التي كانت مثيرة للجدل الفقهي والقانوني.
- المنهج المقارن : لإبراز نقط التقاطع والاختلاف مع بعض النماذج القضائية وخاصة الفرنسية والمصرية.
- المنهج التحليلي : لإبراز خصائص ومميزات العمل القضائي ومن خلال تحليل مضمون الأحكام والقرارات الصادرة في مادة تنازع الوعاء الضريبي.
وقد واجهتنا عدة صعوبات خلال إعداد هذا البحث يمكن إجمالها في :
- أن البحث العلمي والجامعي في هذا المجال لا زال في بدايته، كما أن الدراسات والمقالات والكتب قليلة جدا ومشتتة عبر رفوف المكتبات بالمغرب.
- نذرة الأحكام والقرارات القضائية المنشورة في مادة الوعاء الضريبي ناهيك عن تحليلها ودراستها أو التعليق عليها، مما اضطرنا إلى التنقل إلى المحكمة الإدارية بالدار البيضاء لمرات عديدة قصد جمع البعض منها.
سيتناول موضوع منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري بالتعرض لمحورين أساسيين هما:

الفصل الأول : العمل القضائي في مجال منازعات الوعاء الضريبي 
الفصل الثاني : تقييم العمل القضائي في مادة الوعاء الجبائي 

---------------------------
لائحة المراجع :
- أحمد الحضراني النظام الجبائي المحلي على ضوء التشريع المغربي والمقارن. الطبعة الأولى دار النشر المغربية. الدار البيضاء 2001 منشورات م.م.إ.م.ت. سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية.
- أحمد سنيهجي. الوجيز في القانون الإداري المغربي و المقارن مكناس، الطبعة الثانية 1998. الجيلالي أمزيد مباحث في مستجدات القضاء الإداري منشورات م.م.إ.م.ت سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية. عدد 50, دار النشر المغربية البيضاء، الطبعة الأولى ,2003.
- الحسن البوعيسي. كرونولوجيا الإجتهاد القضائي في المادة الإدارية الطبعة الأولى 2()()2 وزان.
- خالد الشرقاوي السموني، الخبرة القضائية على ضوء قانون المسطرة المدنية و الاجتهاد القضائي منشورات 1956- م م.إ.م.ت. دار النشر المغربية. الدار البيضاء، عدد 7, 1998.
- رابح راتب. الممول و المادة الضريبة.دار النهضة العربية.1991.
- عبد الغني خالد المسطرة في القانون الضريبي المغربي دار النشر المغربية البيضاء. 2002.
- عبد القادر التيعلاثي. النزاع الضريبي في التشريع المغربي دار النشر المغربية البيضاء.1997.
- عبد السلام أديب السياسة الضريبية إستراتيجية التنمية دراسة تحليلية للنظام الجبائي المغربي . الطبعة الأولى 1998.إفريقيا الشرق الرباط.
- رابح راتب. الممول و المادة الضريبة.دار النهضة العربية.1991.
- عبد الاله حارسي. الوجيز في القضاء الإداري فاس السنة الجامعية 1997-1996.
- مولاي إدريس الحلابي الكتاني. مسطرة التقاضي الإداري، دار النشر المغربية البيضاء، طبعة 1997.
- محمد السماحي مسطرة المنازعة في الضريبة. دار أبي رقراق الرباط ،الطبعة الثانق.2003.
- محمد مرزاق وعبد الرحمان أبليلا المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظري والتطبيق. مع تقييم لتجربة المحاكم الإدارية في المادة الجبائية. مطبعة الأمنية، الطبعة الثانية 1998.
- منشورات م.م.إ.م.ت. مطبعة المعاريف الجديدة الرباط
- محمد شكيري القانون الضريبي المغربي دراسة تحليلة الطبعة الثانية 2005.
- محمد فصري المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري منشورات م م.إ.م.ت. عدد 62، مطبعة المعاريف الجديدة الرباط ،الطبعة الأولى 2005.
- محمد قزيبر مدخل لدارسة المالية العامة. مكناس ، مكتبة سلجماسة 2001.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -