التمييز بين العمل التجاري و المدني

 مقال بعنوان: التمييز بين العمل التجاري و المدني 

التمييز بين العمل التجاري و المدني
مقدمة:
بالرغم من نص المقنن المغربي على الأنشطة التجارية في المواد: (6 و7)، إلا أنه قد يدق الأمر أحيانا، نظرا لتنوع الأنشطة وتطورها من جهة، ونظرا لعمومية بعض النصوص من جهة ثانية، ومن ذلك المادة 8، التي نصت على أنه: تكتسب صفة تاجر كذلك، بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لكل نشاط يمكن أن يماثل الأنشطة الواردة في المادتين 6و7.
فهذه المادة تبين أن التعداد الوارد في المادتين 6 و7 غير حصري، وأن مدونة التجارة أتاحت المجال للسلطة القضائية لتضفي الطابع التجاري على بعض الأنشطة التي لم ترد في المادتين 6و7.
واذا كان القانون المغربي انطلق في تعداد الأنشطة التجارية من الواقع المعاصر وما يعرفه من أنشطة تجارية. فإنه راعى كذلك (من خلال المادة 8 من المدونة) خصائص جميع الأنشطة التجارية التجارة التي تتطور بسرعة كبيرة؛ مما يصعب معه استيعاب بالنص الصريح، ويدعو إلى المرونة في النص القانوني المحدد للأنشطة التجارية، وإلا فلو اتسم النص القانوني بالحصر لأمكن تجاوزه في وقت وجيز في ظل تطور الأنشطة التجارية.
ويناء على هذا المنهج الذي سلكه المقنن المغريي في المادة 8، تكون هذه المادة قابلة لأن تستوعب كل نشاط يمكن أن يعتبر نشطا تجاريا، سيما في ظل توسع القانون التجاري والحديث عن قانون الأعمال.
والقضاء نفسه سيكون مدعوا لكشف هذه المماثلة التي نصت عليها المادة 8، وإذا بطبيعة الأنشطة تعني التشابه، فإنه يمكن للقضاء وقبله الفقه أن أن يستنير بطبيعة الأنشطة التجارية، وبعض النظريات الفقهية لتمييز النشاط التجاري عن العمل المدني.

أولا: نظرية المضاربة

تعتمد هذه النظرية على معيار نية وقصد الريح من أجل تمييز النشاط التجاري عن العمل المدني، فكل نشاط يهدف إلى تحقيق الربح فهو نشاط تجاري حسب هذه النظرية.
لكن هذا المعيار الريحي ليس مطلقا؛ لأن هناك أعمالا ربحية، لكنها لاتعتبر أنشطة تجارية، وذلك كالزراعة والمهن الحرة، كما أن هناك أنشطة تجارية لا تقوم على الريح وذلك كالأوراق التجارية. وإن كانت هذه منصوص عليها في المادة 9 ولا اجتهاد مع وجود النص.
فهل معيار هذه النظرة كاف للقضاء في تمييز النشاط التجاري من غيره، أم لا بد من معايير أخرى ؟

ثانيا :نظرية الوساطة في التداول

تعني هذه النظرية: التداول للسلع ونقلها من المنتج إلى المستهلك، أو من تاجر إلى تاجر، فكلما وجد عنصر الوساطة في التداول، كان النشاط تجاريا.
وإن كانت هذه النظرية تخرج الأوراق التجارية إلا أنها منصوص عليها في المادة 9 ولا اجتهاد مع وجود النص. لكن هذه النظرية تدخل السلع التي تشتريها التعاونيات من أجل توزيعها على أعضائها بسعر الشراء أو بدون مقابل.
وانطلاقا من هذ النظرية "فكل عمل لا يقوم على الوساطة في تداول الخيرات هو عمل مدني، مثل: الزراعة والعمل المهني الحر والإنتاج الفكري فهل يعني هذا أن هذه النظرية كافية لوحدها لتمييز النشاط التجاري عن العمل المدني ؟

ثالثا: نظرية المقاولة

تقوم هذه النظرية على وجود عمل يتسم بالتنظيم، والتكرار، والاحتراف، وهو ما يسمى بالمقاولة أو المشروع، فكل عمل يتسم بهذا يعتبر عملا تجاريا.
لكن ليس دائما كلما وجدت المقاولة وجد العمل التجاري، كما أنه يمكن أن نكون أمام عمل تجاري دون وجود المقاولة. فالسمسرة مثلا قد تكون دون وجود مقاولة وهي عمل تجاري بالنص، وبعض الأعمال الفلاحية والمهنية تعتبر مدنية رغم وجود مظاهر المقاولة.

خلاصة النظريات:

نخلص من خلال ما سبق إلى أنه لا يمكن للقاضي وهو بصدد تمييز النشاط التجاري عن العمل المدني أن يعتمد بشكل تقني على إحدى النظريات السابقة، وانما يستأنس بكل هذه النظريات، مرتكزا على وجه الشبه والمماثلة بين النشاط المنصوص وغير المنصوص للوصول إلى النتيجة والحكم. فكل نظرية لا تصلح على حدة لوضع معيار جامع مانع للأعمال التجارية، إلا أنه يمكن لنا الاهتداء بها جميعا لوضع معيار ينطبق على القانون المغربي، فيمكن القول من تم أن عنصرين أساسيين يحكمان العمل التجاري هما: عنصر المضاربة، وعنصر الوساطة في التداول، إلا أن القانون المغريبي يوجب بالإضافة إلى ذلك، أن يتكرر العمل بحيث يمارس على سبيل الاعتياد أو الاحتراف على نحو يشكل نشاطا للقائم به وبناء عليه يمكننا تعريف النشاط التجاري بأنه: النشاط الذي يقوم على التوسط في التداول مع التكرار المحقق لمعنى نشاط ومعنى الاعتياد أو الاحتراف، بقصد تحقيق الريح، فيما لم يعتبر نشاطا تجاريا بشكله".

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -