واجبات الموظف في قانون الوظيفة العمومية

مقال بعنوان: واجبات الموظف في قانون الوظيفة العمومية

مقال بعنوان: واجبات الموظف في قانون الوظيفة العمومية PDF

مقدمة:
إن الدولة باعتبارها شخصا معنويا عاما لا تستطيع أن تقوم برسالتها ولا تؤدي دورها إلا عن طريق شخص طبيعي يقوم بالتعبير عن إرادتها، هذا الشخص يتمثل في الموظف الذي يجب أن يكون محل ثقة للمتعاملين[1].
وإذا كانت الدولة الحديثة مسؤولة عن تخطيط التنمية بأبعادها المختلفة وتنفيذها ومتابعتها وتحديد أولوياتها وبالتالي مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بغية تحقيق تنمية شاملة، فإن هذا الأمر يتطلب الاهتمام بشؤون الموظفين الذين هم الأداة الفاعلة والمتحركة داخل الجهاز الاداري برمته، لذلك فإن حجر الزاوية في عملية التنمية هي العناية بالعنصر البشري.
ولكفالة أداء الوظيفة العمومية على الوجه الأكمل يجب أن يتضمن نظامها القانوني القواعد التي تكفل حسن اختيار الموظفين عند التعيين وأثناء العمل وأن تضمن لهم مستوى معيشة جيد يحفظ لهم كرامتهم وآدميتهم، وأن تعطى لهم الضمانات اللازمة لذلك، كما يجب أن تنظم رقابة فعالة تسمح بمعاقبة الموظف المهمل والمقصر بسرعة وحزم، وأن يكون كل ما يتعلق بالوظائف والموظفين بمنأى عن السياسية والاعتبارات الحزبية[2].
وتبعا لذلك، عملت الدولة على توفير مجموعة من الموظفين لضمان استمرارية المرافق العامة يؤطرهم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية مع مراعاة بعض المهن الخاصة التي تقتضي وجود أنظمة خاصة بها، كرجال الشرطة وأعضاء السلك الدبلوماسي وغيرهم. ومن خلال هذه الأنظمة قامت الدولة بضمان مجموعة من الحقوق لموظفيها، وفي مقابل ذلك فرضت واجبات عليهم سواء كانت اتجاه الإدارة أو اتجاه المواطنين، وهذه الواجبات منها ما يأخد شكل الواجبات التي يجب على الموظف القيام بها على خير وجه، ومنها ما يأخد شكل محظورات أو الأعمال المحظورة التي يتوجب عليه الامتناع عن تأديتها تحت طائلة المسؤولية.
ويجب التأكيد على أن المشرع المغربي لم يحدد واجبات الموظف العمومي على سبيل الحصر، بل اكتفى بذكر بعض الواجبات الأساسية، علما أن معظم الواجبات الوظيفية مستمدة من وضعية الموظف وطبيعة مهامه الوظيفية، ومرتبطة أساسا بسير المرافق العمومية بانتظام واطراد[3].
ويأتي تحديد هذه الواجبات من أجل أن يعرف الموظف الحدود التي يتحرك فيها وكذلك الالتزامات المفروضة عليه ليقوم بالمهام المنوطة به أحسن قيام. وحيث أن الموظف مرتبط في نفس الوقت بالإدارة التي يعمل فيها والتي تفرض عليه سلوكا ومهاما متميزة ومرتبط بالحياة العامة باعتباره مواطنا أيضا له حياته الخاصة. وبالرغم من كامل حقوقه في التمتع بهذه الأخيرة إلا أنه ملزم باعتبار وضعيته كموظف ليس فقط خلال حياته المهنية ولكن أيضا خلال حياته الخاصة[4].
ومن هنا يمكن طرح التساؤلات التالية:
· ماهي أهم واجبات الموظف؟
· هل يترتب عن الإخلال بهذه الواجبات توقيع جزاء على الموظف؟
وللإجابة على هذه التساؤلات سيتم تقسيم هذا البحث إلى مبحثين وفق التصميم الآتي:

المبحث الأول: واجبات الموظف المهنية
المبحث الثاني: واجبات الموظف خارج ممارسة المهنة

المبحث الأول: واجبات الموظف المهنية

من بين المبادئ المنصوص عليها في الوظيفة العمومية هو تحقيق توازن عادل مابين حقوق الموظف والمصلحة العليا للدولة والجماعات المحلية. وهذا المبدأ هو المرجع في تحديد القواعد المتعلقة بالواجبات المهنية للموظف والعقوبات التأديبية، التي تطال اخلالات هذا الأخير بواجبه. وإذا كان النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية يعطي للموظفين ضمانات قانونية التي تحفظ حقوقهم فمن الطبيعي أنه بالمقابل تلزم الدولة والجماعات المحلية بعدة واجبات[5].
وكما سبقت الإشارة، فإن واجبات الموظف المهنية كثيرة سنقتصر فقط على تحليل واجبين أساسين هما: واجب أداء العمل الوظيفي و واجب الطاعة الرئاسية.

المطلب الأول: واجب أداء العمل الوظيفي

إن أول واجب من واجبات الموظف هو أن يؤدي عمله بنفسه ولا يفوضه لغيره إلا إذا أجاز له القانون ذلك، و يأخد هنا مفهوم الواجب عدة معان

الفقرة الأولى: قبول الموظف المنصب المخصص له واحترام أوقات العمل

أ‌- قبول الموظف المنصب المخصص له
أي موظف قُبل تعيينه في الوظيفة العمومية تقع عليه واجبات مهنية، فالموظف وجب عليه أن يخصص وقته الكامل وبشكل غير منقطع في خدمة الإدارة. وبالتالي فإن أول ما عليه القيام به هو الإلتحاق بوظيفته والسكن بمكان قيام مهامه والإلتزام بالحضور طيلة ساعات العمل. وأي موظف يتغيب عمدا و بدون مبرر مقبول تطاله العقوبات التأديبية المنصوص عليها قانونا، كما أن أجرته ستكون محل اقتطاع في حدود ساعات غيابه عن العمل[6].
فالفصل 24 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ينص على أنه "يتعين على كل مرشح أَذن بتوظيفه الوزير المختص، أن يجعل نفسه رهن إشارة الإدارة فيما يتعلق بتسميته وتعيين مقر وظيفته. وإذا امتنع من الالتحاق بالمنصب المعين له فإنه يحذف من قائمة المرشحين الموظفين بعد إنذاره.
وينص الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية على أنه " باستثناء حالات التغيب المبرر قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الإنقطاع عن عمله يعتبر في حالة ترك الوظيفة. ويعد حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية التي ينص عليها النظام الأساسي".
لذا فإن عدم الالتحاق بالمنصب بدون مبررات قانونية يعتبر تخليا عنه، ويترتب عن ذلك تطبيق أشد العقوبات بحيث تقرر الادارة المعنية بالموظف عزله من قطاع الوظيفة العمومية بعد إنذار سابق و دون اعتبار للضمانات التأديبية. وقد سار القضاء الاداري على اعتبار أنه لا حق للموظف المتخلي عن منصبه أن يطعن في قرار عزله على أساس عدم شرعيته إلا في حالة إذا كان هذا الأخير يشوبه عيب واضح وخطير يسيء إلى المصلحة العامة.
لذا لا يمكن معاقبة الموظف إذا كان التخلي عن المنصب وتركه ناتج عن القوة القاهرة.
ومن أجل اجتناب كل ما من شأنه أن يعوق الإلتحاق بمقر العمل ، فإن المشرع ألح على ضرورة الأخد بعين الاعتبار مصلحة الموظف دون المس بمصلحة الإدارة، وذلك في الفقرة الثانية من الفصل 64 من قانون الوظيفة العمومية "....يجب أن تراعى في تعيين الموظفين الطلبات التي يقدمها من يهمهم الأمر وكذا حالتهم العائلية ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة".
وإذا كان المشرع قد عمل كل ما في وسعه لكي تراعي الادارة مصلحة الموظف في التعيين والانتقال، فإن المراد من ذلك هو التخفيف من حدة التردد وعدم قبول الإلتحاق بمقر العمل الذي قد يعكر جو العلاقة بين الإدارة وموظفيها، ذلك أن التجربة في هذا المجال أفرزت مواقف سلبية لبعض الموظفين فيما يتعلق بالتحاقهم إذا كانت مقرات عملهم تقع في جهات نائية.
غير أنه يمكن القول أن هذه المواقف أصبحت الآن متجاوزة نظرا لكون المصلحة العامة تقتضي ضرورة العمل في هذه النواحي وذلك للنهوض باقتصادها، كما أنه من اللازم أن توزع الإدارة موظفيها توزيعا جغرافيا يقوم على أساس المساواة خصوصا وأن عدد العاملين في حظيرة الوسط الحضري يعرف تضخما مهولا.
إضافة إلى هذا، فإن الإدارة تنهج اليوم سياسة تحفيزية وذلك بمنح الموظفين الراغبين في مزاولة مهامهم في بعض المناطق الجنوبية وخاصة الصحراوية عدة امتيازات مادية ومالية بمقتضى مرسوم 12-04-1976.[7]

ب)- إحترام الموظف أوقات العمل
إن ضمان إنتظام العمل واستمراره يعتبر من المبادئ الأساسية داخل الإدارة العمومية، ذلك أن أي توقف أو تعطل في أداء الموظف لمهامه يعرض مصالح الجمهور للخطر والإطراب مما غدا معه التزاما على عاتق الموظف لإمكان سير المرفق العمومي لبلوغ أهدافه وتحقيق غاياته ويتجلى ذلك في احترام أوقات العمل ولا تعفيه من هذا الالتزام إلا الرخص الإدارية أو المرضية والحالات الأخرى المنصوص عليها في القانون الأساسي. وإذا كان تطبيق المبدأ لا يثير أية صعوبة فيما يتعلق بالأنظمة الخاصة بالرخص والتغيبات أو بترك المنصب فإنه يبرز على العكس من ذلك مشكلا عويصا فيما يخص ممارسة حق الإضراب وتقديم الاستقالة وخصوصا إذا ما قدمت بشكل جماعي بدون قبولها قانونيا، بمعنى أن هناك شروطا وضوابط تنظم الاستقالة كقبولها من قبل السلطة المختصة وداخل آجال محددة، فإذا لم يتم احترام هذه الشروط تعرض طالبها للمساءلة التأديبية.[8]
وتبعا لذلك يمكن القول بأن الموظف يجب عليه أن يمارس وظيفته في إطار احترام أوقات العمل المنصوص عليها قانونا حيث لا تأخير ولا خروج إلا بوجود مبرارت قانونية تبرر ذلك، ويمكن للموظف أن يقوم بعمله حتى خارج أوقات العمل ويكون ملزما بمقتضى القانون كحالة رجال الأمن الذين عليهم أن يقدموا المساعدة لأي شخص وجد في خطر أو متى كان هناك تهديد للنظام العام.

الفقرة الثانية: أداء الموظف لعمله بصفة شخصية وتحمله المسؤولية المترتبة عليه

أ‌) أداء الموظف لعمله بصفة شخصية.
يتعين على الموظف أن يؤدي عمله بصفة شخصية وليس له الحق في أن يوكل غيره في ذلك إلا في الحدود التي يسمح بها القانون.
لذا لا يجب أن يفوض من تلقاء نفسه لغيره تنفيذ مهامه، لأن ذلك يعد بمثابة ترك وظيفته وبالتالي خطأ مهنيا تترتب عنه عقوبات تأديبية في حقه.
غير أنه في حالة العائق الشرعي والذي بسببه يستحيل على الموظف أداء وظيفته، فيمكن آنذاك وعند الضرورة اللجوء إلى المسطرة النيابة " la suppléance " التي تنص عليها عادة المقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بقاعدة الاختصاص أو إلى عملية التفويض التي تحدد عادة بحكم القانون في مثل هذه الحالات علما أن التفويض يخضع لأحكام قانونية مشددة.
لذا فإذا أباح المشرع لهذا الموظف إمكانية التفويض، فهذا يعني التفويض الجزئي فقط ذلك أن التفويض الكلي يعتبر تنازلا عن السلطة وبالتالي فهو مخالف لمبدأ الشرعية.
وماذا يمكننا ان نقول عن تغيب موظف من وظيفته من أجل القيام بوكالة نقابية أو نيابة عمومية أو من أجل مبررات عائلية؟
في هذه الحالة يتعين على الادارة أن تلجأ إلى مسطرة الإنابة "intérim " لتحقيق مداومة العمل الوظيفي.[9]

ب‌) تحمل الموظف المسؤولية المترتبة عن عمله.
حيث يسأل الموظف في نطاق أداء واجبه الوظيفي عن تنفيد أعماله كما جاء ذلك في الفصل 17 من القانون الاساسي للوظيفة العمومية الذي ينص على أن " كل موظف كيف ما كانت رتبته في السلك الاداري مسؤول عن القيام بالمهام التي عهد بها إليه....". وفي هذا الصدد فإن الموظف المكلف بتسيير مصلحة من المصالح مسؤول أمام رئيسه عن السلطة المخولة له وعن تنفيذ أوامره.[10]
ولا يبرأ في شيء من المسؤوليات الملقات على عاتقه بسبب المسؤولية المنوطة بمرؤوسيه وكل هفوة يرتكبها الموظف في تأدية وظيفته أو عند مباشرتها تعرضه لعقوبة تأديبية، زيادة إن إقتضى الحال عن العقوبات التي ينص عليها القانون الجنائي. وعند متابعة أحد الموظفين من طرف الغير بسبب هفوة إرتكبها في عمله يتعين على المجتمع العمومي أن يتحمل الغرامات المالية المحكوم بها مدنيا.
ومن الملاحظ بأن مسؤولية الموظف لم يقتصر على تحديدها النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية والقانون الجنائي فقط، بل تم تحديدها كذلك في بعض الفصول في قانون الالتزامات والعقود في الفصلين 79 و80 حيث ميز فيها المشرع بين المسؤولية الناتجة عن الخطأ المرفقي التي تتحمل فيها الدولة التعويض وبين المسؤولية الشخصية للموظف التي يتحمل فيها شخصيا التعويض عن الاضرار الذي قد يسبب ضررا للغير.فالفصل 79 ينص على ان الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الاخطاء المصلحية لمستخدميها.أما الفصل 80 يقضي بأن" مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الاضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الاخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
وهكذا يكون الموظف مطالب بأن يحسن عمله وفي حالة العكس يجب أن يقوم بتصحيح الاضرار الناتجة عن سوء تصرفه،حتى يتمكن من تجنب إلحاق ضرر بالغير ينتج عنه في الاخير مسؤولية مدنية أو جنائية او إدارية وهذا ما قد يؤثر سلبا على مساره المهني.

المطلب الثاني: واجب الطاعة الرئاسية

يتعين على الموظفين احترام رؤسائهم في العمل والقرارات التنظيمية لمرافقهم والقرارات المتعلقة بوضعياتهم الفردية مثل تلك التي تقضي بنقلهم من عمل الى اخر والكل تحت طائلة العقوبات التاديبية ويبقى السؤال المطروح متعلقا بمدى مضمون هدا الواجب وحدوده؟ وهل هدا الواجب مطلق يتعين تنفيذه حتى ولو تعلق الامر بتنفيذ اوامر غير شرعية[11].

الفقرة الاولى:مضمون واجب الطاعة الرئاسية

يخضع الموظف للسلطة الرئاسية التي يمارسها رئيسه الاداري حسب التدرج الهرمي للسلم الاداري ويقصد بواجب الطاعة ان الموظف العمومي ملزم باحترام وتنفيذ الاوامر الرئاسية الصادرة اليه من رؤساء اداريين ويعد هذا الواجب من اهم الاتزامات القانونية ذلك ان الاخلال به يؤدي الى توقف العمل الاداري وتعرض الموظف للجزاء التاديبي.[12]
فالطاعة الرئاسية لم يخلقها القانون بذاته،وانما اتت ونشات كظاهرة ادارية واجتماعية نتيجة لتطبيق الوظائف الادارية بصفة متدرجة ابتداء من وظائف التخطيط والتصور ومرورا بوظائف التطبيق وانتهاء بوظائف التنفيذ. فالموظف الذي يشغل الوظيفة التنفيذية يتعين عليه الخضوع الى اوامر الموظف التطبيقية الذي بدوره مطالب بطاعة التعليمات الصادرة عن متقلدي وظائف التخطيط، وهذه هي سنة المجتمع الاداري الذي تفرض وجود آمر ومأمور في العلاقات المتواجدة بين الموظفين.
وانطلاقا من هذا التسلسل ظهرت فكرة واجب الطاعة التي لم يوجد لها تعريفا دقيقا من الناحية الفقهية وانما يمكن استنباطها من بعض فصول النظام الاساسي للوظيفة العمومية (فصول 3و9و13و17و66)[13]

الفقرة الثانية: حدود واجب الطاعة

لمعرفة حدود واجب الطاعة في الوظيفة العمومية ينبغي التمييز بين الوظيفة العمومية المدنية والعسكرية:
فالبنسبة للاولى:يقتضي الفصل 28 من النظام العام للوظيفة العمومية في فرنسا الانصياع لاوامر الرؤساء باستثناء الاوامر اللاشرعية الواضحة .والتي من طبيعتها المساس بالمصلحة العامة. وفي هذا السياق أي موظف يقترف جرما ولو بمناسبة تنفيذه لاوامر رؤسائه تطاله العقوبات الجنائية .[14]
ومن المسلم به ان هناك وظائف ادارية تستلزم تمتيع ممارسيها بقدرا من الاستقلال كما هو الحال بالنسبة للقضاة الذين لا يمكنهم باي حال من الاحوال ان يخضعوا لاوامر الرئيس اثناء مباشرة عملهم القضائي ذلك ان الوظيفة القضائية مستقلة عن الوظيفة التنفيذية اسوة وعملا بمبدء فصل السلط.كما ان رجال التعليم العالي لا يمكنهم ان يتقيدوبمبدء الطاعة الرئاسية فيما يتعلق بالقاء محاضراتهم وتصحيح مواد امتحاناتهم.
أما من حيث الاوامر اللاشرعية الموجهة من طرف الرئيس الى مرؤسيه فهل يتعين على هذا الاخير تنفيذها استجابة لمبدء الطاعة الرئاسية او الامتناع عن دلك عملا بمبدء الشرعية؟فهناك مجموعة من التيارات الفقهية مثل الفيه duguit تبقى مسئولية المرؤوس الشخصية كاملة حين يتصرف احد الموظفين بحكم امر من الرئيس كما لو تصرف من تلقاء نفسه.إذ على المرؤوس أن ينصاع للقانون فقط حتى ولو كان بعمله هذا يعصي اوامر رئيسه ويعني ذلك تفوق مبدء الشرعية.
أما الفقيه Hauriou فنظريته مناقضة تماما للنظرية السابقة لكون صاحبها يعتبر من أنصار التسلسل القوي للوظيفة العمومية:
"الرئيس يطاع" وهذه الصورة توضح وجوب طاعة أوامر الرئيس التسلسلي حيث يتفوق واجب الطاعة عن القانون.[15]
وبخصوص الوظيفة العمومية العسكرية فان مرسوم 1 ابريل 1933في فرنسا ينص على التنفيذ الحرفي للاوامر الصادرة عن الرؤساء العسكريين بدون مناقشة ،هذا المقتضى القانوني عرف تلطيفا مبررا ،ذلك ان قانون 13 يوليوز 1972 لاسيما الفصل 15 منه نص على "عدم امكانية طاعة الاوامر التي تتعارض مع القوانين والأعراف الحربية والمواثيق الدولية أو التي بطبيعتها تشكل جنحا أو جنايات.[16]
وبالبرغم من ان المنطق العسكري يفرض واجب الطاعة التامة ذلك ان الانضباط اساس القوة بالنسبة للجنود غير ان القضاء خرج عن هذه القاعدة الصلبة في بعض القضايا الحساسة مثلا في قضية محاكمة بعض رجال الجيش الامريكي في حرب الفيتنام وكذلك في قضية حوادث الصخيرات سنة 1971التي رفضت فيها المحكمة نظرية الطاعة المطلقة وعملت بمبدأ الشرعية.[17]
ومن هنا يتبين أن المشرع والاجتهاد القضائي اتجه الى الأخذ بمبدأ الشرعية على طاعة الرؤساء حيث في حالة ما إذا تم تنفيذ أوامر تتعارض مع القوانين والنظام العام فان المرؤوس يتحمل مسؤوليته عن الفعل الذي ارتكبه بمقتضى أمر من رئيسه.

المبحث الثاني: واجبات الموظف خارج ممارسة المهنة

إن مفهوم الواجب الملقى على عاتق الموظف لا ينحصر فقط في تأدية هذا الأخير للعمل المنوط به وطاعة أوامر رؤسائه، بل يتعدى ذلك إلى خضوع الموظف لمجموعة من الالتزامات التي يجب على الموظف الإلتزام بها خارج ممارسة عمله ككتمان السر المهني وواجب التحفظ وكذا عدم ممارسة مهنة تتنافى مع وظيفته.
فما المقصود بواجب التحفظ وبماذا يتميز عن كتمان السر المهني؟ وماهي طبيعة المهام التي يحظر على الموظف مزاولتها؟

المطلب الأول: واجب التحفظ وتمييزه عن كتمان السر المهني
الفقرة الأولى: واجب التحفظ

إن الموظفين بصفة عامة ملزمون باحترام سلطة الدولة والجماعات الترابية، وإذا كان لهؤلاء الموظفين الحق في إبداء آرائهم فإن ذلك مسموح به في حدود واجب التحفظ بشرط عدم المساس بمصالح المرفق العام ، وبشرط آخر وهو احترام رسمية مهامهم المنوطة بهم. وأي إخلال بهذين الشرطين يؤدي حتما إلى المسائلة القانونية على اعتبار أن الخطأ المذكور يعد خطأ مهنيا. وينضاف إلى ماذكر أن واجب التحفظ يطال سيرة الموظف وفق مقتضيات النظام الأساسي.
وهذا الواجب أخد مصدره الأساسي من القضاء، ويهم التصرفات العامة والسلوكات الخصوصية للموظف الذي يتعين عليه أن لا يقوم بأي عمل من شأنه أن يعوق مسار نشاط الادارة.
فواجب التحفظ يلزمه أن يتمسك بقاعدة الحياد من آراء المواطنين الذي وجد هو أصلا في المنصب لخدمتهم.
ولذا فلا حق له أن يستعمل وظيفته للدعاية أو يقوم بتصريحات تمس بحياده ووقاره للمؤسسات المقدسة في البلاد ولدستورها. وكما قال الفقيه Gaston Zèze[18]
"يتعين على الموظف أن يبقى خارج كل التصرفات والتظاهرات التي لا تليق بالوظيفة"
ومن البديهي أن واجب التحفظ تختلف تطبيقاته حسب درجة المسؤولية المناط بالموظف، فالموظفون السامون مطالبون أكثر باحترامه. لذا يمكن القول أن الالتزام بالمحافظة على سر المهنة يعتبر واجبا لا يهم الموظفين فحسب بل كذلك كل من دخل في علاقة مع الادارة سواء بواسطة وكالة نيابية أو كانو يشغلون مناصب حساسة كمستخدمي إدارة مجلس النواب أو المكلفون بمهام خاصة في الخارج[19].

الفقرة الثانية: كتمان السر المهني وتمييزه عن واجب التحفظ

لقد تضمن الفصل 18 من قانون الوظيفة الإشارة إلى واجب كتمان السر المهني، حيث نص على مايلي:
"... إن كل موظف يكون ملزما بكتمان سر المهنة في كل مايخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها، ويمنع كذلك منعا كليا اختلاس أوراق المصلحة ومستنداتها أو تبليغها للغير بصفة مخالفة للنظام".
فلا شك أن الموظف يطلع بحكم عمله على أمور وأسرار كما يقع بين يديه وثائق ومستندات، لهذا كان من أهم واجباته كتمان سر مهنته وعدم إفشائه لها محافظة على المصلحة العامة ومصالح المواطنين الذين تخصهم تلك الأسرار، وأيضا عدم تسريب بعض الوثائق والمستندات إلى الغير بطريقة غير قانونية وإلا تعرض لجزاء تأذيبي أوعقوبات جنائية طبقا للفصول 232 و446 و554 من القانون الجنائي[20].
ويمكن التمييز مابين كتمان السر المهني وواجب التحفظ في النقط التالية:
· أن التحفظ يتعلق بالأمور الشخصية للموظف، بحيث لا يمكن أن يبدي رأيه في قضية أو مسألة معينة، فهو مطالب بالتزام الحياد. أما كتمان السر المهني فهو يتعلق بالمهنة التي يزاولها و الأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه والتي يكون مطالبا بعدم إفشائها للغير؛
· كتمان السر المهني يبقى ملازما للموظف حتى بعد حصوله على التقاعد، بخلاف واجب التحفظ الذي يتجرد منه الموظف بمجرد حصوله على التقاعد.
ومن المعلوم أن واجب كتمان السر المهني لا تقتصر المحافظة عليه فقط أثناء الحياة الادارية للموظف بل تتعداه إلى ما بعد مرحلة الإحالة على التقاعد، بحيث أن مخالفته يمكن أن تثير إلى جانب المسؤولية الادارية كلا من المسؤولية الجنائية والمدنية لمرتكبه.
وتظهر فلسفة هذا الالتزام في كون أن تسرب معلومات إدارية للغير قد يفقد الثقة مابين الإداري والمدار، إن لم نقل فقط السلطة والهيبة التي من الضروري أن يتميز بها كل موظف يوجد في خدمة الدولة، غير أن هذه الفلسفة جعلت البعض ينظر إليها نظرة سلبية خاصة إذا ظل سر المهنة مطلقا، وهكذا وحسب المناهضين لفكرة السرية يرون بأن الإلتزام بكتمان سر المهنة قد يجعل من الإدارة عالما مغلقا ومبهما بالنسبة للمجتمع المدني وخاصة بالنسبة للباحثين في المجال الاقتصادي والاجتماعي والاداري والذين غالبا مايعانون من صعوبة الحصول على المعلومات التي تحتكرها الإدارة والتي يكونون في حاجة ماسة إليها من أجل إغناء أبحاثهم التي قد تستفيد منها الادارة نفسها، لهذا فلابد من التعامل مع هذا الواجب بشيء من المرونة لتيسير البحث العلمي والمعرفة العامة خاصة وأن الإدارة العمومية تعتبر إدارة جميع المواطنين تماشيا مع مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين[21].
وواجب كتمان السر المهني قد يطرح إشكالا يتعلق بكيفية التوفيق بين حق حصول المواطنين على المعلومة من الادارة و واجب المحافظة على كتمان السر المهني.
فدستور 2011 نص في الفصل 27 على أن "للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهذف حماية كل مايتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور وحماية مصادر المعلومة والمجالات التي يحددها القانون بدقة".
ومن الملاحظ أن هذا الفصل تضمن مصطلحات فضفاضة يصعب تحديد نطاقها ومفهومها، ويدخل من ضمنها مايتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي. وبناء على يتبين أن حق الحصول على المعلومة متوقف أساسا على سلطة الإدارة التقديرية التي تعد مؤهلة لتقدير مايمكن أن يتعلق بالدفاع الوطني و أمن الدولة الداخلي والخارجي.

المطلب الثاني: عدم مزاولة الموظف مهنة تتنافى مع الوظيفة

يلزم الموظف بالتفرغ الكلي للمهام المنوطة به بالوظيفة المعين فيها والمكلف بأدائها أحسن أداء، لهذا يتقاضى الأجرة كاملة على ذلك، وبالتالي يمنع عليه البحث عن مداخيل أخرى قد تطلب منه مجهودا إضافيا على حساب واجبه المهني الأصلي، أو قد تحد من حريته. وهكذا يمنع مبدئيا على الموظف ممارسة أي نشاط مهني آخر يتعارض مع وظيفته الأساسية إلا في حالات استثنائية محدودة، وتتخد عدة احتياطات حتى لايوجد الموظف في هذه الوضعية المتعارضة[22].
وتكمن هذه الاحتياطات أساسا في محظورين على الموظف، حيث يمنع عليه ممارسة نشاط مهني يدر عليه مدخولا سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص .

الفقرة الأولى: في القطاع العام

يمنع منعا كليا على الموظف أن يجمع بين وظائف عمومية بأجرة أو مكافئة سواء في الإدارات العمومية أو في المؤسسات والمقاولات العمومية والشركات الوطنية أو ذات الامتياز أو الوكالات التابعة للدولة، وذلك عملا بما جاء في الفصل 16 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص على أنه "يمنع على الموظف مهما كانت وضعيته أن تكون له مباشرة أو بواسطة ما أو تحت أي إسم كان في مقاولة موضوع تحت مراقبة الإدارة أو المصلحة التي ينتمي إليها أو على اتصال بهما مصالح من شأنها أن تمس بحرياته"[23].
إذن يفرض القانون على كل الموظفين أن يمتنعوا عن كل ما من شأنه أن يضر بواجبهم المهني الأساسي وهو القيام بالوظيفة المسندة إليهم. وأن لايعملوا على الاستفادة من بعض الخدمات من جهات تخضع لمراقبة الادارةالتي يشرف عليها هؤلاء الموظفون.
وقياسا على ذلك لا يمكن للموظفين أن يتحملوا مسؤوليات أساسية في نطاق جمعيات جهوية أو محلية تستفيذ بدون حساب من مساعدات الادارة، الشيء الذي يضر بمبدأ المساواة أمام القانون بين المغاربة سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين[24].

الفقرة الثانية: في القطاع الخاص

لا يجوز كذلك للموظف أن يجمع بين وظيفته و الأنشطة الحرة كممارسة التجارة والصناعة والتصنيع أو أن يكون أجيرا، وذلك لكون مثل هذه الممارسات تؤثر بكيفية مباشرة على مردودية عمله الأصلي وبالتالي تحول دون أداء الوظيفة بكل مايلزم ذلك من الإنضباط والحيوية اللازمة للتفرغ الكامل لها.
وفي الواقع فإن مسألة الجمع بين الوظيفة العمومية و الأنشطة الحرة انتشرت في أوساط الادارة المغربية و أصبحت ممارسة عادية، مما حدا بحكومة التناوب للحد من انتشارها من خلال تفعيل الفصل 15 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يمنع على كل موظف أن يمارس نشاطا مهنيا سواء في الأوقات الرسمية أو غير الرسمية بأجرة أو بمكافئة[25].
غير أنه في الإمكان الخروج عن مبدأ عدم الجمع نشاطين مهنيين في حالة موافقة الوزير التابع له الموظف وبعد مصادقة الوزير الأول على ذلك وبشروط معينة منها بالأساس سحب قرار الترخيص متى اقتضت الضرورة ذلك[26]. كما يجب أن يصرح الموظف بمهنة زوجه كلما كان هذا الأخير يزاول نشاطا يدر عليه ربحا.
وعلى خلاف من ذلك يترك المجال مفتوحا للموظفين من أجل ممارسة أنشطة التأليف الادبية أو الفنية أو العلمية، على أن لا يذكر الموظف صفته أو مرتبته الإدارية بمناسبة نشر هذه المؤلفات إلا بموافقة السلطة الرئاسية ( الوزير )[27].
وانسجاما مع روح الفصل 15 السالف الذكر، فإنه بإمكان كذلك أن يمارس الموظف بعض الأنشطة التي ترتبط بمجالات الخبرة أو الاستشارة أو التدريس الجامعي أو التقني في القطاع الخاص على أساس أن هذا الأخير لا يتوفر على الكفائات المؤهلة للقيام بهذه الأعمال، وشريطة أن لا تمس باستقلالبة وحياد المرفق الذي ينتمي إليه وأن تكون مزاولتها غير دائمة.

خاتمة:
إن الموظف باعتباره ممثل للإدارة داخل المجتمع ينبغي عليه أن يقوم بواجباته الملقاة على عاتقه تجاه الإدارة والمواطنين، هذه الواجبات التي تجد أساسها في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
وذلك حتى يتمكن المواطنين من الحصول على حقوقهم المرتبطة بالمرافق العامة للدولة، فإذا تقاعس الموظف عن أداء واجباته فإن ذلك سينعكس حتما على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، كما أن هذا التقاعس يضع مبدأ استمرارية المرفق العام محل تهديد في أي وقت.
وحتى يتمكن الموظف من أداء واجباته الملقاة على عاتقه، يجب على الإدارة أن تراعي وضعه الاجتماعي والمالي من تطبيب ومراعاة بعده عن مقر عمله وراتب شهري محترم يكفل له العيش الكريم.
---‐----------‐--------
هوامش:
[1] - الحاج شكرة، الوظيفة والموظف في القانون الإداري المغربي، طبعة 2007، ص: 12.
[2]- الحاج شكرة، م س ، ص:9.
[3] - محمد الأعرج، القانون الاداري المغربي، الطبعة 2009، ص: 135.
[4] - عبد القادر باينة، الموظفون العموميون بالمغرب، دار توبقل لنشر، طبعة 2002، ص: 307.
[5] - Boualem Snoussi, les grands textes de la fonction publique, 3éme édition, p : 167.
[6] - Boualem Snoussi, les grands textes de la fonction publique, 3éme édition, p :169
[7] د رضوان بوجمعة الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث،ص243
[8] د الحاج شكرة مرجع سابق ص46
[9] د رضوان بوجمعة ،مرجع سابق 246
[10] د رضوان بوجمعة ،مرجع سابق247
[11] Rene chapus, droit administratif général,8 édition, p :255.
[12] محمد الاعرج مرجع سابق صفحة 135
[13] رضوان بوجمعة صفحة 247
[14] Rene chapus, droit administratif général,8 édition, p :258
[15] رضوان بو جمعة مرجع سابق ص 249
[16]- Rene chapus, droit administratif général,8 édition, p :257
[17] رضوان بو جمعة مرجع سابق ص249
[18] - أنظر الأستاذ Rivéro في مقاله حول واجب التحفظ A.J.D.A 1975،
مرجع مشار إليه عند الأستاذ رضوان بوجمعة ، م س، ص:261.
[19] - رضوان بوجمعة ، م س، ص:261.
[20] - محمد الأعرج، م س ، ص: 136.
[21] - الحاج شكرة، م س ، ص:48.
[22] - عبد القادر باينة، م س، ص: 318.
[23] - الحاج شكرة، م س ، ص: 251.
[24] - عبد القادر باينة، م س، ص: 319.
[25] - منشور الوزير الأول رقم 99/30 بتاريخ 19 نوفمبر 1999 كتيب أعدته وزارة الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري حول الاجراءات المتخدة في إطار تحسين التدبير العمومي- يونيو 2000.
هذا المنشور مشار إليه لذى الأستاذ رضوان بوجمعة، م س ، ص252.
[26] - رضوان بوجمعة، م س ، ص: 252.
[27] - الحاج شكرة، م س ، ص: 49

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -