مناقشة وإقرار مشروع قانون المالية

مقال بعنوان: مراحل مناقشة وإقرار مشروع قانون المالية

مقال بعنوان: مراحل مناقشة وإقرار مشروع قانون المالية

مقدمة
تعهد الدساتير بسلطة إقرار مشاريع قوانين المالية إلى البرلمان، بحيث يناط بهذه المؤسسة التصويت على المشروع الحكومي وإدخال التعديلات عليه. وهذا ما جاء في الفصل 75 من دستور 2011 "يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب بالتصويت من قبل البرلمان". وهو ما يجعل من المحطة البرلمانية مرحلة هامة في مسلسل الميزانية، إذ يمكن وصفها بالمرحلة المفتوحة للنقاش العمومي حول المالية العامة والسياسة الاقتصادية، كما أنها محطة تجاذب النقاش بين الفاعلين السياسيين والفاعلين الاقتصاديين.
وفي هذه المرحلة أيضا ينتقل النقاش من التقني إلى السياسي. فالمناقشة البرلمانية تشكل المرحلة العمومية لسيرورة الميزانية ومرحلة شرعنة الاختيارات الميزانية من طرف السياسة. إن أهم ما يميز هذه المرحلة هو احتدام النقاش بين عدة فاعلين من خلال ثنائية حكومة- برلمان ، معارضة – أغلبية، حكومة- برلمان- بيروقراطية، حكومة- برلمان- جماعات الضغط، وحكومة – برلمان – قوى المجتمع المدني. وإذا كان من المنظور أن هذه المرحلة تبدو الإطار الذي تباشر من خلاله المؤسسة البرلمانية التأثير في خيارات الدولة، وطرح تصوراتها للإصلاح الاقتصادي.
وبالنظر لأهمية هذه المرحلة تم تقنين مرحلة إقرار البرلمان للميزانية بضوابط تؤطر أجل ومسطرة مناقشة البرلمان للميزانية وآليات ممارسة حقه في التصديق عليها. لكن هذا الأخير يجد نفسه في الممارسة مقيدا بضوابط عدة تحول دون إمكانيته في إدخال تعديلات جوهرية على المشروع الذي أعدته الحكومة.
فما هي إذا المراحل التي يمر منها مشروع قانون المالية بعد استنفاده لمرحلة الإعداد؟ والآجال المخصصة لذلك؟
للإجابة على هذين السؤالين سنتناول الموضوع وفقا لتصميم التالي:

المبحث الأول: المناقشة والتصويت على مشاريع قانون المالية
المبحث الثاني: البرلمان وسلطة إقرار الميزانية العامة

المبحث الأول: المناقشة والتصويت على مشاريع قانون المالية

ترتبط مناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية بأجندة زمنية، فعند مناقشة هذا المشروع يواجه البرلمان بحاجز الوقت. ويتحدد ذلك من خلال جانبين: أجل تقديم ومناقشة مشروع قانون المالية والتصويت عليه، ثم مدة سريانه حيز التنفيذ.

المطلب الأول: أجل تقديم ومناقشة والتصويت على الميزانية العامة

يخضع تقديم ومناقشة والتصويت على ميزانية محددة لأجل محدد تفرضه ضرورة تنظيم دورة الميزانية، وبما يكفل دخول مقتضياتها عند بداية السنة المالية.

أولا: أجل تقديم مشروع قانون مالية السنة
إذا كان الدستور المغربي لا يحدد أجل إيداع ومناقشة مشروع قانون المالية والتصويت عليه ، إذ يضطلع فقط في تحديد التدبير المتخذ في حالة عدم نشر القانون قبل بداية السنة المالية، فإن القانون التنظيمي للمالية هو الذي يقوم بتفصيل المحطة، حيث تنص المادة 48 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية على أنه "يودع مشروع قانون المالية للسنة بالأسبقية بمكتب مجلس النواب في 20 أكتوبر من السنة المالية الجارية على أبعد تقدير". إن المقتضى الوارد في هذه المادة يهدف هذا الإلزام ضمان التصويت على هذا المشروع في الأجل المحدد من أجل ضمان استمرارية المرافق الوطنية.
يطرح تساؤل في حالة عدم التزام الحكومة بالأجل المحدد، وبالخصوص أن العديد من مشاريع قوانين المالية في المغرب تم وضعها خارج الأجل المحدد، الأمر الذي قاد إلى تقليص الهامش الزمني المخصص لمناقشة هذا المشروع.
ما يتعين الإشارة إليه أنه رغم الطابع الإلزامي للمقتضى، فليس هناك تدابير تحدد مسؤولية الحكومة في حالة التأخر في إيداع المشروع، مما يجعل البرلمان رهينا لإرادة الحكومة، التي يخولها الدستور إمكانية إدخال مقتضيات مشروعها عن طريق مرسوم. ومن تم لا يبقى أمام البرلمان سوى استعمال الخيارات الدستورية التي خولها له الدستور، أساسا إثارة المسؤولية السياسية للحكومة.

ثانيا: أجل مناقشة مشروع قانون المالية والتصويت عليه
تحكم مناقشة مشروع قانون المالية والتصويت عليه بأجل معين. إذ تتم هذه العملية بتتابع بين المجلسين (مجلس النواب أولا). لقد نصت المادة 49 من القانون التنظيمي على أنه:" يبث مجلس النواب في مشروع قانون المالية للسنة داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ إيداعه.
تعرض الحكومة، فور التصويت على المشروع أو عند انصرام الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة، على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها في مجلس النواب والمقبولة من طرف الحكومة.
يبث مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل اثنين وعشرين يوما الموالية لعرضه عليه.
يقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية في أجل لا يتعدى ستة أيام." يثير تحديد الأجل ملاحظتين أساسيتين:
- إحداث تفاوت في الأجل المخصص لكل مجلس لمناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية، وهو أمر يتجاوب مع النظرة التي حكمت واضعي دستور 2011 في إعطاء الأهمية للغرفة الأولى، وأيضا مع تقليص عدد أعضاء مجلس المستشارين إلى 120 عضوا مقابل 395 عضوا في مجلس النواب.
- ضعف الحيز الزمني المخصص لكلا المجلسين، فثمانية وخمسون يوما كحد أقصى المخصصة لمناقشة هذا المشروع تبقى غير كافية لمناقشة جدية للمشروع والاضطلاع على الوثائق المرفقة له. وهو ما يجعل اللجان والجلسات العمومية تعقد جلسات مارطونية ، مما يفرض ضغطا كبيرا على الأعضاء خلال تلك المرحلة.
- يهدف تحديد الأجل إلى ضمان التصويت على المشروع قبل بداية السنة المالية، وذلك لارتباط مقتضيات قانون المالية بضمان سير المرافق العمومية.
ما يتعين الإشارة إليه أن تحديد الأجل لا يهم سوى مشروعي قانون مالية السنة والقانون المالي التعديلي، ولا يسري على قانون التصفية الذي يخضع للمسطرة العادية لمناقشة باقي القوانين. غير أن القانون التنظيمي الحالي على خلاف باقي القوانين التنظيمية المتعاقبة، أحدت تحول في الأجل المخصص لمناقشة مشروع القانون المالي التعديلي، فقد تم التنصيص في المادة 51 على أنه: " يصوت البرلمان على مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما الموالية لإيداعه من طرف الحكومة لدى مكتب مجلس النواب.
يبث مجلس النواب في مشروع قانون المالية المعدل داخل أجل ثمانية أيام الموالية لتاريخ إيداعه. بمجرد التصويت على هذا المشروع أو نهاية الأجل المحدد في الفقرة السابقة ، تعرض الحكومة على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس النواب والمقبولة من طرف الحكومة. يبث مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل أربعة أيام الموالية لعرضه. يقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البث النهائي في مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى ثلاثة أيام"

المطلب الثاني: آثار عدم التصويت على مشروع قانون المالية السنة قبل بداية السنة المالية

مقابل عدم تأطير لا النص الدستوري ولا القانون التنظيمي للمالية حالة عدم تقديم مشروع قانون المالية في الأجل المعين، تم تقنين وضعية عدم نشر مشروع قانون المالية قبل بداية السنة المالية ( سواء عدم التصويت على النص، أو رفضه من طرف البرلمان أو الإحالة إلى المحكمة الدستورية أو طلب القراءة الثانية من طرف الملك أو عدم إصداره)، بحيث نصت الفقرة الثالثة والرابعة من الفصل 75 من دستور 2011: " إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو صدور الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته على المحكمة الدستورية، تطبيقا للفصل 132 من الدستور، فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها ، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة.
ويسُترسل العمل، في هذه الحالة، باستخلاص المداخيل طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجارية عليها، باستثناء المداخيل المقترح إلغاؤها في مشروع قانون المالية ; أما المداخيل التي ينص المشروع المذكور على تخفيض مقدارها، فتسُتخلص على أساس المقدار الجديد المقترح".
إن هذا التقنين الذي يقرر بمبرر سير المرافق العمومية، يعد بمثابة تقييد لدور البرلمان بإجباره على التصويت على المشروع في الأجل المحدد، وإلا ستقدم الحكومة مشروعها واقعيا. وبذلك فالمؤسسة التشريعية تعاقب بذنب لم ترتكبه، وتجرد من سلطاتها.

المبحث الثاني: البرلمان وسلطة إقرار الميزانية العامة

بعد تقديم مشروع قانون المالية، يتم المرور لمرحلة المصادقة التشريعية، أي ترخيص البرلمان للحكومة بصرف النفقات واستخلاص الإيرادات المنصوص عليها في مشروع قانون المالية. ويتم ذلك من خلال إقرار البرلمان لميزانية الدولة. هذا الإقرار يتم وفقا لمسطرة يؤطرها كل من الدستور والقانون التنظيمي للمالية والنظام الداخلي لمجلسي البرلمان، وبما يراعي اجتهادات القضاء الدستوري.
والمسجل أن البرلمان وإن كان دوره محوريا في إقرار أحكام ومقتضيات ميزانية الدولة، فكثيرا ما يتدخل في تعديل بعض الأحكام التي أوردها مشروع قانون مالية السنة، ويتم ذلك سواء في مجلس النواب أو في مجلس المستشارين. لكن يجد نفسه مقيدا بأحكام في النصوص المشار إليها تقيد سلطته في تعديل والتصويت على ميزانية الدولة.

المطلب الأول: مسطرة مناقشة والتصويت على مشروع قانون مالية السنة

حسب دستور 2011 يودع مشروع قانون المالية السنة بمجلس النواب بالأسبقية، وهذا ما أكذه القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 الذي أورد في المادة 48 الفقرة 1 على أنه: " يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب مجلس النواب في 20 أكتوبر من السنة المالية الجارية على أبعد تقدير ، "ويجتمع مجلسي البرلمان في جلسة مشتركة للاستماع إلى عرض مشروع قانون المالية الذي يقدمه الوزير المكلف بالمالية. ويودع مشروع قانون المالية مرفقا بوثائق عدة، يتعلق الأمر ب:
  • مذكرة تقديم لمشروع قانون المالية والتي تتضمن معطيات حول استثمارات الميزانية العامة وحول الآثار المالية والاقتصادية للمقتضيات الضريبية والجمركية؛
  • التقرير الاقتصادي والمالي؛
  • تقرير حول المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية؛
  • تقرير حول مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة؛
  • تقرير حول الحسابات الخصوصية للخزينة؛
  • تقرير حول النفقات الجبائية؛
  • تقرير حول الدين العمومي؛
  • تقرير حول الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع؛
  • تقرير حول الموارد البشرية؛
  • تقرير حول المقاصة؛
  • مذكرة حول النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة؛
  • تقرير حول العقار العمومي المعبأ للاستثمار؛
  • مذكرة حول التوزيع الجهوي للاستثمار؛
  • تقرير حول الحسابات المجمعة للقطاع العموم.
إثر ذلك تبدأ مناقشة المشروع، والتي تبدأ أولا في اللجان النيابية التي يكتسب عملها طابعا تحضيريا وليس انتقائيا. ثم ينتقل بعد ذلك إلى الجلسات العمومية، حيث تتخذ المناقشات بعدا سياسي أكثر منه تقني.

أولا: إحالة مشروع قانون المالية على اللجان
نص الدستور والقانون التنظيمي للمالية والنظام الداخلي لمجلسي البرلمان على قاعدة وجوب إحالة النصوص التشريعية ومناقشتها في اللجان النيابية قبل إحالتها على الجلسة العامة. ويعود تحديد اللجان إلى النظام الداخلي. وتتميز مناقشة مشروع قانون المالية عن مناقشة باقي مشاريع ومقترحات القوانين باشتغال جميع لجان مجلسي البرلمان. غير أن الدور المحوري يناط باللجنة المكلفة بالمالية (لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ولجنة المالية والتجهيزات والتخطيط بمجلس المستشارين) التي تتولى دراسة مشروع قانون المالية برمته، الجزء المتعلق بالموارد والميزانيات الفرعية للقطاعات الداخلة في اختصاصها، بينما تضطلع باقي اللجان بدراسة الميزانية الفرعية للوزارات التابعة لها.
يجد هذا الأمر سنده في القانون التنظيمي للمالية، فوفقا للمادة 48 الفقرتين 3 و4 " يحال المشروع في الحين إلى اللجنة المكلفة بالمالية بمجلس النواب قصد دراسته. تقدم للجان البرلمانية المعنية، قصد الإخبار، رفقة مشاريع ميزانيات القطاعات الوزارية أو المؤسسات، البرمجة المتعددة السنوات لهذه القطاعات الوزارية أو المؤسسات وكذا المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية الخاضعة لوصايتها والمستفيدة من موارد مرصدة أو إعانات الدولة."
وقد زكى القضاء الدستوري المغربي مركزية اللجان في العمل التشريعي، فقد صرحت الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى في مقررها الصادر بتاريخ 20 أبريل 1878 عند نظرها في دستورية النظام الداخلي لمجلس النواب الذي صادق عليه بتاريخ 20 من ذي القعدة 1397 ( 3 نونبر 1977) عن عدم مطابقة الفصل 80 للدستور المقتضى الذي نص على أنه: " لا تجوز المناقشة ولا التصويت حول نص أو اقتراح قبل تقديمه إلى اللجنة المعنية بالأمر باستثناء الاقتراحات التي طلبت لها الأسبقية دون تجزئة"، فقضى بأن " الجزء الناص على الاستثناء غير مطابق للدستور ذلك أن الفصل 53 من دستور 1972 نص على الإحالة الإجبارية للنصوص على اللجان، فإنه لم يستثن أية حالة من هذه القاعدة التي وردت في صيغة العموم والإطلاق."
ويتوزع أشغال اللجان إلى مناقشة مواد المشروع، مرحلة تقديم التعديلات، تم البت في التعديلات ، فعملية التصويت. إثر ذلك يقوم مقرر اللجنة بإعداد تقرير يتضمن العرض التقديمي الذي تقدم به الوزير المعني وملخص حول المناقشات العامة للمشروع، وجواب الوزير عنها، ومناقشة مواد المشروع ثم التعديلات المقترحة ثم التصويت على هذه التعديلات وعلى مواد المشروع، ثمالصياغة النهائية للمواد المعدلة.

ثانيا: تداول مشروع قانون المالية داخل الجلسات العمومية
تشكل فترة مناقشة مشروع قانون المالية الفضاء المناسب للصراع بين الفرقاء السياسيين .
ويتم التمييز في النقاش داخل الجلسات العمومية بين المناقشات العامة والمناقشات القطاعية، حيث تكون الأولى فرصة لمناقشة السياسة العامة للحكومة وتنصرف الثانية لمناقشة السياسات القطاعية .
ويتولى الوزير المكلف بالمالية عادة بالرد على موقف الحكومة من التعديلات والاستفسارات حول مشروع قانون المالية، بينما يتولى كل وزير بذلك عند مناقشة الميزانيات الموجودة تحت تصرفه .
بعد أن ينتهي مجلس النواب من دراسة مشروع قانون المالية، يعرض النص كما صادق عليه المجلس على مجلس المستشارين للبت فيه ومناقشته وفق نفس المسطرة التي تم مباشرتها بمجلس النواب، ثم يحال لمجلس النواب لإعطاء كلمته النهائية حول النص .
ويخضع التصويت على مشروع قانون مالية السنة لمقتضى خاص يميزه عن التصويت عن باقي النصوص القانونية، إذ وفقا للمادة 52 من القانون التنظيمي للمالية " لا يجوز في أي من مجلسي البرلمان عرض الجزء الثاني من مشروع قانون المالية للسنة للتصويت قبل التصويت على الجزء الأول. وفي حالة التصويت بالرفض على الجزء الأول لا يمكن عرض الجزء الثاني على التصويت، ويعتبر رفض الجزء الأول من قبل أحد مجلسي البرلمان رفضا للمشروع برمته من قبل تفس المجلس.
إذا وقع رفض المشروع من قبل مجلس المستشارين تحال إلى مجلس النواب، في إطار القراءة الثانية، الصيغة التي صوت عليها مجلس المستشارين بالرفض، للبت فيها"

المطلب الثاني: القيود على البرلمان في إقرار مشروع قانون المالية

من المفترض أن يكون البرلمان هو الفاعل الأساسي في مجال قانون المالية من خلال سلطتي التعديل والتصويت، لكن في ظل تبني الدساتير الحالية لمبدأ العقلانية البرلمانية، فإن سلطة البرلمان ترد عليها عدة تقييدات. إذ أضحت الدساتير تضع مقتضيات تهدف إلى تكريس تفوق السلطة التنفيذية في إقرار مشروع قانون المالية على حساب البرلمان. إذ تتوفر الحكومة على آليات دستورية وقانونية تمكنها من تقييد دور البرلمان في ممارسة حقه في تعديل الميزانية أو التصويت عليها بالقبول أو الرفض.

أولا: آلية تقييد دور البرلمان في التعديل
على الرغم من أن الدستور نص على أنه: " لأعضاء مجلسي البرلمان وللحكومة حق التعديل...". إلا أن أحاطه بمجموعة من القيود تحول دون إمكانية قيام النواب والمستشارين بالدور المنوط بهم في إدخال تعديلات جذرية على مشروع قانون المالية. ويهم هذا التقييد وضع قيود مسطرية ضابطة لممارسة حق التعديل، ثم تقييد في مضمون التعديلات وفقا لما يتضمنه الفصل 77 من دستور 2011 الذي نص على أنه لا تقبل مقترحات التعديل في حالة تخفيض الموارد العمومية، أو إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود. وقد اعتبر المجلس الدستوري المغربي في تأويل للفصل 51 من دستور 1996 المطابق للفصل 77 من الدستور الحالي في قراره رقم 2001/467 أن القصد من هذا الفصل هو تقنين حق التعديل المخول لأعضاء البرلمان منأجل الحفاظ على التوازنات المالية التي يعتمدها قانون المالية.
من خلال قراءة لهذا الفصل يلاحظ أن الفصل المذكور يؤطر مجالين للمبادرة البرلمانية: مجال يرخص بموجبه لأعضاء البرلمان في ممارسة التعديل، ومجال آخر تمنع مقتضياته كل إمكانية لأعضاء البرلمان للتعديل. وبناء عليه يلاحظ أنه بتحليل الفصل، يمنع على أعضاء البرلمان القيام بمبادرات من شأنها الحذف أو التخفيض من الموارد العمومية أو إحداث أو الزيادة في تكليف عمومي أو تكاليف عمومية، وكذلك الزيادة في تكليف موجود. من ثم لا يبقى أمام النواب والمستشارين سوى القيام بالتعديلات التي من شأنها إحداث أو الرفع من مورد عمومي أو من الموارد العمومية، وكذلك لهم الإمكانية للمبادرة بحذف أو تخفيض تكليف عمومي أو تكاليف عمومية .
وقد حاول القانون التنظيمي توضيح المقتضى وإعطاء نوع من المرونة، فقد نصت المادة 56 من القانون التنظيمي على أنه: " طبقا للفقرة 2 من الفصل 77 من الدستور، للحكومة أن ترفض ، بعد بيان الأسباب، المواد الإضافية أو التعديلات الرامية إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود". وقد أوضحت المادة على أنه يقصد بالتكليف العمومي، فيما يخص المواد الإضافية أو التعديلات، الاعتمادات المفتوحة برسم الفصل.
أي أنه يمكن لممثلي الأمة داخل نفس الفصل، إدخال مواد إضافية أو تعديلات مبررة ومصحوبة بالتقويمات الضرورية لأهداف ومؤشرات البرامج المعنية والتي من شأنها الزيادة أو التخفيض في الاعتمادات المتعلقة ببرنامج معين وذلك في حدود الاعتمادات المفتوحة برسم هذا الفصل.

ثانيا: آلية تقييد دور البرلمان في التصويت على الميزانية
يخضع مشروع قانون المالية لبعض المساطير التي تقيد حق التصويت المخول للمجلسين.
وتتمثل هذه القيود وفقا لدستور 2011 في استعمال مسطرة التصويت الإجمالي. فهذه التقنية تجعل البرلمان أمام خيارين إما قبول النص أو رفضها كليا. وهي بذلك تمكن من تقييد حق التعديل المعترف به لأعضاء البرلمان دون أن تعرض مسؤوليتها للخطر.
وتم التقييد الثاني للحق المخول للبرلمان في ممارسة سلطته في إقرار الميزانية، من خلال الإمكانية المخولة للحكومة بربط تحمل مسؤوليتها بالتصويت على نص المشروع، بما يعني فرضها للواقع في التصويت على الميزانية. فوفقا للفصل 103 من الدستور " يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. لا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء، الذين يتألف منهم مجلس النواب.
لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة. ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية."

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -