الجرائم الماسة بأمن الدولة

 عرض بعنوان: الجرائم الماسة بأمن الدولة PDF

الجرائم الماسة بأمن الدولة PDF

 

مقدمة :
تتمتع الدولة باعتبارها شخصا معنويا بعدد من الحقوق التي تقتضي الحماية، والكثير من المصالح التي تستدعي من يقوم عليها ويتولاها، وفي نفس الوقت يكون ملزما بحمايتها والتصدي لمن يحاول الاعتداء عليها. ولعل هذا هو ما دفع بالمشرع المغربي والتشريعات المقارنة للتدخل وتولي حماية هذه الحقوق والمصالح، ومن خلالها حماية أمن واستقرار المجتمع وأيضا استقلال وسيادة هذه الدولة.
إن تطور الدولة بكافة مرافقها زاد من وظائفها وكذلك من مصالحها، الأمر الذي أصبح يستدعي العمل بشكل أكبر لحمايتها والمحافظة عليها من كل ما يمكن أن يمس بها أو يلحقها من اعتداءات قد تهدد كيانها واستقرارها وسيادتها ، وهو ما أدى إلى تجريم مجموعة الأفعال عرفت بالجرائم الماسة بأمن الدولة أو ضد أمن الدولة، وهي جرائم تمس بكيفية مباشرة كيان الدولة القانوني، بحيث تكون الدولة هي محل الاعتداء الذي تتحقق به جرائم أمن الدولة.
 وعليه، فالمقتضيات القانونية التي تجرم وتعاقب هذه الجرائم تهدف أساسا إلى توفير الحماية اللازمة والمتطلبة ـ وبشكل كبير ـ للدولة ولحقوقها الأساسية إن على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا تختلط بالجرائم التي تستهدف الأشخاص أو الأموال أو غيرهما والتي تمس بدورها بكيان الدولة ولكن بطريقة غير مباشرة.
ولا يقصد بجرائم أمن الدولة، الجرائم التي ترتكب ضد الأشخاص الحاكمين كما كان الأمر في السابق، حيث لم تكن التشريعات القديمة تميز بين الجرائم التي تمس بأمن الدولة الداخلي وتلك التي تمس بأمن الدولة الخارجي، ولكنها كانت تشكل نوعا واحدا من الجرائم وهي التي تمس بشخص الحاكم ،والذي كان المساس به وبحياته يؤدي إلى انهيار الدولة أو تعطيل سيرها.
أما حاليا فالتمييز بينهما قائم على اعتبارات تتعلق بطبيعة الحق المعتدى عليه ومدى خطورة وجسامة هذا الاعتداء.
وعموما،فالمقصود بهذه الجرائم كل الأفعال التي التي تمس كيان الدولة باعتبارها شخصا اعتباريا حيث تصبح سلامتها مهددة سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو خارجيا متى تم الاعتداء على حقوقها.
وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة فإن المشرع المغربي أفرد مجموعة من النصوص القانونية التي يستهدف من خلالها المحافظة على أمن الدولة المغربية، وتتمثل في الفصول من 163 إلى 218 من القانون الجنائي المغربي. وبإطلاعنا على هذه النصوص نستنتج ما يلي:
1 ـ أن المشرع المغربي قسم هذه الجرائم إلى جرائم تمس أمن الدولة الداخلي وهي التي تقع على كيان الدولة الداخلي و تستهدف إحداث تغيير في النظام السياسي للدولة، وإثارة الفتنة والقيام بأعمال إرهابية داخل البلد،وأهمها جريمة المؤامرة والاعتداء على حياة الملك أو شخصه( المادة 163 و 164 )، أو الاعتداء على حياة ولي العهد أو شخصه ( المادة 165 و 166 )، أو الاعتداء الذي يكون الهدف منه قلب نظام الحكم.
وفي هذا الصدد يرى بعض الفقه أن الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي كأنها موجهة ضد الحكٌام أنفسهم، أو نظامهم الدستوري أو السلطات الدستورية أو ضد النظام الاجتماعي بقصد تعليب أشخاص آخرين أو قلب نظام الحكم.
وفي المقابل جرائم يشكل اقترافها مساسا بأمن الدولة الخارجي، وهي التي تهدد سيادة الدولة واستقلالها، وأهمها جريمة الخيانة والتي تتحقق بحمل المواطن للسلاح ضد المغرب ،أو بمباشرته لاتصالات مع السلطة أجنبية لتسهيل دخول القوات الأجنبية إلى المغرب وأيضا جريمة التجسس.
 وسيرا مع التقسيم أعلاه يرى الفقيه " غارو" بأن جرائم الأمن الداخلي تقع على الحكومة في حين أن جرائم أمن الدولة الخارجي تقع على الدولة أو الأمة بأسرها .
ونعتقد أن كلا من الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي وتلك التي تمس أمن الدولة الداخلي تقع على الدولة وتستهدف أمنها واستقرارها وسيادتها واستقلالها.وإن كانا يختلفان من حيث جسامة الخطورة مادام أن الجرائم التي تتعلق بأمن الدولة الخارجي ضررها يكون أكبر وأخطر لأنه يمسها في وجودها وكيانها.
2 ـ اعتماد المشرع المغربي الأسلوب الوقائي و الاحتياطي في تنظيمه للجرائم الماسة بأمن الدولة، حيث جرمت بعض النشاطات التي لا يمكن اعتبارها جريمة إذا ما اعتمدنا القواعد العامة في القانون الجنائي. فحينما جرم المشرع الجنائي جريمة الاعتداء على حياة الملك أو شخصه وعاقب عليه، فإنه جرم أيضا المؤامرة ضد حياة الملك أو شخصه، والمؤامرة ـ كما يعرف ـ ما هي إلا اتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب الجريمة وان لم يؤد ذلك إلى أي عمل من أعمال البدء في التنفيذ ،ورغم ذلك فقد جرمها المشرع الجنائي وعاقب على إتيانها خروجا عن القواعد العامة التي لا تعاقب على الاتفاق ولا تعتبره جريمة.
ونفس الأسلوب اتبعه المشرع في جرائم أمن الدولة الخارجي ( الفصل 1/191 من القانون الجنائي ) الذي جرم فيه مسألة الحصول بأية وسيلة من الوسائل على سر من أسرار الدفاع الوطني وان لم تقع بيد العدو وعاقب عليها9معنى ذلك أن النتيجة ليست عنصرا لازما لتحقق الركن المادي الذي به سيتحقق الجرم وإنما يكفي تحقق الفعل كعنصر وليس كركن فمجرد الحصول على المعلومة السرية كاف وإن لم يتم تسليمها للقول بتحقق النتيجة مادام أنه كفعل تتحقق به هذه النتيجة ويلزم مساءلة ومعاقبة من قام بذلك.
3ـ استبعاد الجرائم الماسة بأمن الدولة من نطاق الجرائم السياسية على أن هذا لا يعني عدم اعتبارها جرائم و الاعفاء من مساءلة مرتكبيها ولكن الأمر لا يعدو أن يكون اختلاف من حيث العقوبات المقررة وكدا الأحكام القانونية التي تسري على المجرم السياسي دون غيره من المجرمين. وفي هذا الصدد يقول الفقه أن الجاسوسية قديما كانت تعتبر من جرائم الإضرار بالذات الملكية، لكنها اليوم تعد من الجرائم التي تضر بالمجتمع والدولة.
---------------------------
الهوامش : 
1- سمير عالية، الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والداخلي، دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة الأولى 02..، ص: 99
2 -  R.Garraud ;Tr. Théorie et pratique du droit pénal français ;3n°1197 ;p :460.
3 - دة.فريدة اليوموري: محاضرات في القانون الجنائي الخاص، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية - سلا الجديدة، الموسم الجامعي 2021/2020. 
تعليقات