قراءة في القانون رقم 103-13

مقال بعنوان: قراءة في القانون رقم 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء

مقال بعنوان: قراءة في القانون رقم 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء

من إعداد: عماد أكضيض
الطالب باحث في العلوم الجنائية والأمنية 
جامعة القاضي عياض- مراكش
تقديم
بعد نشر القانون أعلاه في الجريدة الرسمية في 12 مارس 2018 والذي دخل حيز التنفيذ يوم 12 شتنبر 2018 و الذي شكل جدلا قانونيا وفقهيا في أوساط المجتمع المغربي بين مؤيد و معارض خصوصا الجمعيات النسائية المهتمة بحماية حقوق المرأة، كما جعل كل المهتمين بالشأن القانوني و الحقوقي في جدال واسع بين من يؤيد ما ذهب اليه المشرع المغربي في تقرير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف وتكفيل لهن مجموعة من الحقوق والضمانات، وبين من يعارض هذا التوجه التشريعي على اعتبار أنهم لا يعترفون بالمساواة بين الرجل و المرأة ويؤكدون أن تقرير هذه المساواة سيخلق فيما بعد مشاكل قد لا تحمد عقباها.

وخروجا عن الانتقادات التي وجهت لهذا التوجه التشريعي الذي ذهب في سياقه المشرع فالقانون 103-13 جاء في إطار تصاعد العنف على اختلاف أنواعه في مجتمعنا وهو ما شكل تطورا وتقدما في مجال محاربة جميع أشكال العنف ضد المرأة والنساء بشكل عام (الضرب، العنف الجسدي، العنف الاقتصادي، المعنوي، الجنسي...)، إلى غير ذلك من الاعتداءات التي يتعرضن له النساء وإلى حد الان هناك من ينكر أن المرأة لا تتعرض للعنف، لكن أقول وبكل صراحة لأن الشيء بالشيء يذكر ومن منطلقي المتواضع كباحت قانوني أقر صراحة أن هناك فئة من النساء لا نعمم بل فئة يتعرضن للعنف كل يوم بشتى أنواعه من ضرب و شتم ومعاملة قاسية وتعديب نفسي وجسدي.وهنا نتساؤل عن دور الجمعيات الحقوقية و هيئات المجتمع المدني التي تناظل من أجل المرأة؟

بكل تواضع إنما كان ذلك ومازال حبرا على ورق وكذلك معظم القوانين التي أصدرها المشرع المغربي تبقى حروفا سوداء داخل الترسانة قانونية ونصوص قانونية بلا تفعيل. يجب على المشرع قبل إصدار أي قانون بل وخلال فترة إعداده التفكير أولا و النظر الى بنية المجتمع المغربي ومن يقف و ينظر نظرة تأمل في المحيط الذي نعيش فيه، ومنظومة أفكاره ومعتقداته، سيستنتج أن مشكلة العنف ضد المرأة هي أكبر وأعمق من الاكتفاء بصياغة قوانين، قد تبدو متكاملة ومنسجمة المرامي والأهداف، لكنها تحتاج لوقت وجهد طويلين حتى تتبلور في بنية المجتمع.

هذه الترسانة القانونية متخمة بالقوانين التي باتت حبيسة الرفوف، من منطلق أن القانون الذي يخالف ولا يتماشى مع مرامي و توجهات نظام المجتمع فإنه ومما لا يدعو مجالا للشك سيبقى بدون جدوى. ولنأخد على سبيل المثال مجموعة القانون الجنائي التي تعتبر ترسانة قانونية زجرية بامتياز اوجد فيها المشرع المغربي مجموعة من النصوص القانونية التي تتضمن عقوبات زجرية من أجل وضع حد أو على الاقل التخفيف من انتشار الظواهر الاجرامية داخل المجتمع المغربي، لكن ما نراه و ما نعيشه عكس ما سنه المشرع و ما يقوله حيت نجد ارتفاع سهم و معدل الاجرام ونسبة العود. إذن يبقى السؤال المطروح أين يكمن المشكل؟ لماذا القانون الجنائي عجز عن مكافحة الظاهرة الاجرامية؟

إذن نقول وبكل صراحة عدم وجود إرادة سياسية وانتشار نسبة الجهل والامية سيبقيان العقبة التي تقف عائقا أمام عدم فعالية هذه القوانين لاننا ننظر اليها محشوة في الكتب و المقالات ومكدسة في الجريدة الرسمية لكن لا نراها في الواقع.

فعلى المسؤولين زرع الروح في تلك النصوص التشريعية لكن و أمام غياب الوعي القانوني و الاحساس بالمسؤولية وموت الضمير في النفوس وعدم قيام الدولة بالمسؤولية التي القيت على عاتقها من خلال توفير (الصحة، التعليم، فرص العمل) لمواطنيها وبالتالي فكل هذه المشاكل وما يعرفه المغرب الان من إنتشار ظاهرة الهجرة السرية بكثرة في غياب لفرص الشغل وتصاعد وثيرة الإجرام في المدن المغربية ستبقى من المشاكل التي تشغل فكر السلطات الأمنية وكذا كل الجهات المعنية في محاولة منها لتقليص تطورها.

والقانون 103-13 أحد القوانين التي أصدرها المشرع المغربي استجابة للموجة الحقوقية النسائية ولأصوات الجمعيات التي تنادي بحماية المرأة من جميع أشكال العنف، ونقر أنه بدوره سيبقى حبرا على ورق خطوط سوداء بلا فائدة في غياب للوازع الديني و الاخلاقي وفي غياب كذلك للإرادة السياسية للدولة في هذا المجال.

ومن هذا المنبر أقول أنه يجب على الدولة و المسؤولين بصفة خاصة قبل إصدار أي قانون لتطبيقه على أرض الواقع يجب أولا و قبل كل شيء دراسة المشاكل التي يعاني منها الشعب المغربي وإعداد المحيط الملائم لتنزيل تلك القوانين وتوفير الاليات التي من خلالها ستعمل على أساسها هذه النصوص لان غياب الاوكسجين داخل ذلك المحيط سيؤدي حتما الى موتها لان لكل قانون محيط خاص به يعيش فيه.

وبعد هذه التوطئة سنحاول دراسة القانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء لنتعرف على فحواه و ما أتى به من مستجدات تشريعية في هذا المجال، بحيث يهدف هذا القانون بالأساس الى تقرير الحماية القانونية اللازمة للنساء ضحايا العنف وحمايتهن من كل أشكال العنف الذي يمارس عليهن (العنف الجسدي والنفسي و الجنسي و الاقتصادي) ويحتوي على أربعة أبواب، حيث تطرق في بابه الأول لمسألة تعريف العنف، سعيا لرفع اللبس نسبيا عن مفهومه، إذ اعتبر أن العنف ضد المرأة هو" كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة " تجنبا للتأويلات التي تعطى لبعض المصطلحات القانونية وللحسم كذلك في تعريفها وتجنبا لاي لبس أو غموض الذي قد يخلقه أمام القضاء بمناسبة النظر في قضية ما، كما تم بموجبه إحداث آليات للتكفل بالنساء ضحايا العنف وفي سبيل توضيح بعض المقتضيات القانونية التي جاء بها القانون المذكور سنحاول دراسته من خلال النقاط التالية:

-المحور الأول: المقتضيات الزجرية

ويجرم هذا القانون بعض الأفعال باعتبارها تشكل عنفا يلحق ضررا بالمرأة (كالإكراه على الزواج تبديد أو تفويت الاموال بسوء نية بقصد الاضرار أو التحايل على مقتضيات مدونة الاسرة المتعلقة بالنفقة والسكن الخ... الضرب والعنف المادي والجسدي، النفسي، الجنسي، الاقتصادي...) وكذلك تجريم بعض الأفعال باعتبارها صورا من صور التحرش الجنسي وتشديد العقوبات إذا ارتكب التحرش في ظروف معينة (الشارع العام، العمل، المنزل، الاماكن العمومية...) ومن طرف أشخاص معينين كزميل في العمل أو شخص بحفظ النظام، موظف عمومي، أو أحد الاصول أو المحارم.

كما يعاقب على السب المرتكب ضد المرأة بسبب جنسها طبقا للفصل 441-1 بغرامة مالية من 12.000 الى 60.000 درهم، بالإضافة الى القدف الذي قد يرتكب ضدها حيت يعاقب عليه بغرامة مالية من 12.000 الى 120.000 درهم طبقا للفصل 441-2، كما أشار القانون 103-13 إلى الأفعال التي ترتكب عمدا بواسطة الانظمة المعلوماتية المتعلقة بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري بدون موافقة أصحابه بحيث عاقب مرتكيها بالحبس من ستة أشهر إلى تلات سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم و أشار إلى نفس العقوبة عندما يتعلق الأمر بالقيام عمدا بأي وسيلة بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع أو صورة شخص أتناء تواجده في مكان خاص دون موافقته.

كما أشار إلى جريمة التحرش الجنسي الأفعال المنصوص عليها و على عقوبتها في الفصل 1-1-503 حيت يعتبر مرتكبا لها ويعاقب بالحبس من شهر واحد الى ستة أشهر وغرامة من 2.000 الى IO.OOO درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية:
- في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.
- بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.

كما أضاف مقتضى جديد متعلق بجريمة الإكراه على الزواج عندما عاقب كل من أكره شخصا على الزواج عندما نص في الفصل 1-2-503 "دون الاخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وغرامة من IO.OOO الى 30.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط من أكره شخصا على الزواج باستعمال العنف والتهديد "وتضاعف العقوبة إذا إرتكب الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد ضد إمرأة بسبب جنسها أو قاصر أو في وضعية إعاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية، و للإشارة فإن المتابعة لا تجوز إلا بناء على شكاية من طرف الشخص المتضرر من الجريمة، ويضع التنازل على الشكاية حدا للمتابعة.

المحور الثاني: التدابير و الآليات التشريعية الخاصة بالتكفل بالنساء ضحايا العنف

وأشار المشرع في الباب الرابع من هذا القانون إلى آليات التكفل بالنساء ضحايا العنف ويتعلق الأمر باللجان التالية (اللجنة الوطنية- اللجنة الجهوية- اللجنة المحلية) حيت نص في المادة 12 على اختصاصات اللجنة الوطنية و أشار في المادة 13 و 14 على صلاحيات اللجنة الجهوية و أخيرا المادة 15 و 16 اختصاصات اللجنة المحلية. وفي الباب الخامس تم التنصيص على التدابير و المبادرات للوقاية من العنف وذلك من خلال ما ستتخده السلطات العمومية من تدابير وإجراءات لازمة للوقاية من العنف ضد النساء، ومن أجل ذلك تسهر السلطات العمومية على إعداد وتنفيذ سياسات وبرامج تهدف إلى التحسيس بمخاطر العنف ضد المرأة وتصحيح صورتها في المجتمع، و العمل على إذكاء الوعي بحقوقها.

المحور الثالث: معيقات التنزيل

وفي الأخير يجب أن لا ننكر بأن إخراج قانون محاربة العنف ضد النساء للوجود سيصتدم بمجموعة من العقبات التي تظهر أثناء تنزيل مقتضياته على أرض الواقع في ظل غياب بيئة سليمة ملائمة لهذا التنزيل.

بالإضافة الى ما قيل فإن هذا القانون لن يلقى في البداية ترحيبا كبيرا من كل أطياف المجتمع، فالتيارات المحافظة، تعتبر أن هذا الموضوع لم يصل إلى درجة الظاهرة المقلقة ، بالنظر لغياب دراسات علمية مضبوطة تؤشر لارتفاع العنف ضد النساء في المجتمع المغربي ، بالإضافة إلى ذلك وتماشيا مع ما قلناه في الأول فإن من بين أكبر المعيقات التي ستحول دون تنزيل هذا القانون على أرض الواقع عدم وجود إرادة حقيقية للدولة وتقاعس الجهات المكلفة بمتابعة تنفيذ القوانين على توفير أرضية خصبة وفضاء ملائم لإعمال و تطبيق مقتضياته، من قبيل اتخاد تدابير و وضع استراتيجيات للحوار الجاد من أجل معالجة العديد من الملفات الحساسة في هذا الإطار.

خاتمة ومقترحات:
وفي الختام يمكن القول بأن موضوع العنف ضد النساء من المواضيع الهامة التي يجب على كل المنظمات الحقوقية و النسائية خاصة و فعاليات المجتمع المدني و الجمعيات العاملة في هذا المجال و الدولة في المقام الأول توفير البيئة الملائمة لتنزيل هذا القانون وكذا مواكبة التدخل التشريعي في هذا الاطار في سبيل تسهيل عملية تزيله على أرض الواقع الهدف من ذلك سد الثغرات التي يمكن أن تظهر أثناء التطبيق.

بالإضافة الى تكثيف الجهود و توفير الاليات الكفيلة و التي تساعد على التقليص من هذه الظاهرة و دعوة الجهات المعنية على مد يد المساعدة لكل الجهات الرسمية و غير الرسمية في مجال مكافحة العنف ضد النساء، فضلا عن تهيئ مكونات المجتمع بحملات تحسيسية للقوانين الصادرة، التي في غالب الأحيان نجهل مقتضياتها.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -