رسالة بعنوان: حق المواطن في الولوج للعدالة الدستورية PDF
المقدمة :
لما كانت جل الديمقراطيات في العالم، كرست واعتبرت أن المقتضيات الدستورية هي ضامن أساسي لحقوق المواطنين وحرياتهم، وحيث أن سمو هذه المقتضيات وتكريسها لهذه الحقوق والحريات، يأتي عبر حمايتها، وذلك لضمان الفعالية الوظيفية لهذه المقتضيات، كان لزاما وجود جهاز دستوري يتكلف بهده الحماية، التي اتخذت فكرة الرقابة الدستورية.
هدا ما يدفعنا لتساؤل هل العدالة الدستورية هي ضمان لدولة القانون ؟ للإجابة على هذا التساؤل يستدعي منا الرجوع إلى أصل الدولة كسلطة، نظرا لتلازم الموجود بين السلطة والقانون، وهذا الأخير في نظر الفقه هو أداة السلطة السياسية لحكم المجتمع. ومنه فالسلطة تمارس بالقوانين، وبالتالي فالتعارض المعروف بين مفهومي القانون والحرية متى تعاملنا معهما في إطارهما الواسع، يجعلنا أمام معضلة التوفيق بينهما.
هذا وباعتبار أن المجتمع دون سلطة وقانون هو مجتمع فوضوي خارج عن السيطرة، لذا فالسلطة هي ضرورة حتمية في حياة المجتمعات الحديثة، ضرورة لطالما سعت هذه المحتمعات لتحديد وتقييد مسار عملها وسيطرتها على جميع مناحي حياة الدولة. وذلك عبر فترات ومراحل متعددة من الفكر السياسي والقانوني الدولي، حيث تم الانتقال من الحكم المطلق إلى سلطة الثوابت
الدينية.
وفي سبيل البحث عن حل لصراع بين السلطة والحرية، كان ذلك من أسباب ظهور القوانين الوضعية الطبيعية التي تجعل القانون مصدر حقوق الأفراد في المجال السياسي. ولما كانت فكرة العقد الاجتماعي باعتبارها أساسا للسلطة بمفهومها البشري قوامها التعاقد بين الحاكم
والمحكوم، كان لزاما أن تكون السلطة مبنية على سمو القانون وعلو مرتبته، وبما أن هذه الأفكار وأخرى تعتبر منبعا فكريا للحركات الدستورية في العالم. فإن علاقة فكرة مراقبة دستورية القوانين بالدستور كقانون أسمى، لا تنصرف بهذه العلاقة إلى مستوى التأكيد على تلازم ضروري بين نشأتيى.2
وتبعا لأن وجود الرقابة يرتبط بوجود تراتبية للقوانين ووجود قواعد قانونية أسمى تلترم باقي القواعد بمطابقتها وعدم مخالفتها، وذلك تحت طائلة إلغاء وعدم تطبيق القاعدة الأدنى.
وهذا الأمر يجسده الفكر القانوني المعاصر في مفهوم سمو الدستور، وهو أساس المراقبة ولما كانت الدول قد سارت في طريق تدوين دساتيرها، وجعلتها تسمو على بقية القوانين، نظرا لأن هذه الأخيرة تستمد منها ومن مضمونها. وبحيث أن القاضي الدستوري ليس مشرعا، بل فقط يضع تأويلات ونفسيرات للقانون.
لأن فعالية العدالة الدستورية تظهر من خلال سهرها على مراقبة عمل المؤسسات الدستورية، في علاقة مع الجهاز والنظام السياسي، لذلك فالعدالة الدستورية هي تفعيل ومأسسة للرقابة على أنشطة الدولة وذلك يظهر من خلال ثلاث نقاط وهي: سمو مؤسسة القاضي الدستوري وتدخلها في مراقبة التشريع قبل وبعد المصادقة عليه كمراقبة إلزامية، وكذلك مكانته كضامن للتوازن بين أجهزة الدولة وعملها كما هو الحال في حمايته لمجال التشريع بين البرلمان والحكومة (القانون واللائحة)، وذلك في تداخل بين الرقابة السياسية والرقابة القضائية.
زيادة على ذلك العدالة الدستورية تتجسد من خلال المكانة القانونية للقاضي الدستوري، التي تجعله بعيدا عن أي تأثير، وظهور بشكل عادل واعتيادي أمام المتقاضين .
ومما لا شك فيه أن مراقبة دستورية القوانين أضحت عنصرا مميزا للأنظمة الديمقراطية، كما هو الشأن بالنسبة لمبدأ فصل السلطات، واستقلالية السلطة القضائية، حرية الاقتراع، تعدد الأحزاب السياسية ووسائل التعبير 3... فهي غالبا ما تقدم كأهم وسيلة لضمان وحدة وانسجام النظام القانوني الداخلي، وهو ما يبرر مبدأ سمو الدستور.
وفي هذا الإطار استوحى العميد لويس فافورو من شارل إيزنمان، عبارة شهيرة استعملها سنة 1928 في أطروحته لتقريبها من "مبدأ الشرعية" هذا الأخير يعني أن القانون وحده يمكن أن يخالف القانون، و"مبدأ الدستورية" يعني أنه "لا يمكن مخالفة نص دستوري إلا بنص دستوري". وقد ربط هذا المبدأ الحديث بوجود عدالة دستورية وأكد أن التنصيص عليها في الدستور يكتسي أهمية بالغة لأن ذلك وحده "الكفيل بأن يجعل القواعد الدستورية قواعد ملزمة قانونا، وقواعد قانونية حقيقية مرتبطة بعقوبة، والتي بدونها يصبح الدستور مجرد برنامج سياسي، ملزم أخلاقيا؟" على أبعد تقدير ...""7.
بتبني مبدأ الدستورية بدل مبدا فكل دول التي توجد بها عدالة دستورية فعليا، قامت الشرعية. غير أن وجود دستور مكتوب، وإن كان شرطا ضروريا، فإنه غير كاف لفرض مبدأ الدستورية في ظل غياب عدالة دستورية ". لهذا فمن الصعب تحديد تاريخ لظهور هذا المفهوم، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أن هانس كيلسن وشارل إيزنمان استعملاه، بالمعنى الذي نعرفه حاليا، منذ سنة 1928.
فالعدالة الدستورية بالنسبة لهانس كيلسن هي "الضمانة القضائية للدستور " وبالنسبة لأيزنمان هي "ذلك النوع من العدالة الذي يتعلق بالقوانين الدستورية". وبعد ذلك قام بتكملة تعريفه بالتمييز بين "العدالة الدستورية" و "المحكمة الدستورية"، لتكون الثانية هي الجهاز التي تمارس بواسطته الأولى. أم بخصوص المعنى القانوني للعدالة الدستورية، فهي تهدف إلى ضمان توزيع الاختصاص بين التشريع العادي والتشريع الدستوري، وضمان احترام اختصاص نظام القواعد أو الجهاز الأسمى في نظام الدوله".
حيث أن الدستور والكتلة الدستورية يشتركان في تحديد الفكر القانوني لدولة القانون، وكذلك مفهومي الديمقراطية والعدالة الدستورية، فنظر للتشابه الكبير بين تلك المفاهيم جعل جورج فيديل يقول "أنه إذا خلطنا تلك المفاهيم مع بعضها، ثم اخترنا واحدا، سيكون مناسبا
وملائما للمفهوم أو المؤسسة الأخرى" ومعنى ذلك هو وجود مفاهيم كثيرة والتي تعبر على نفس المعنى، ويقول فيديل أيضا بخصوص وضع المشرع للنظرية "ان أي نظام يعيش في ديمقراطية، فيجب أن يكون له دستور، ووجود دستور يعني وجوب احترامه من طرف السلطة التشريعية" وهو ما يدفعنا للقول بضرورة وجود المراقبة الدستورية التي تسهر على ذلك".
وعموما فمبدأ مراقبة دستورية القوانين تطور وعرف انفتاحا بمنطق مشابه للمنطق الذي طبع الحركة الدستورانية الحديثة منذ القرن 18. ظهر أولا في الولايات المتحدة الامريكية سنة 1803، من خلال حكم المحكمة العليا في قضية MADISON— MARBURY
التي أعطت الحق للقاضي العادي بمراقبة دستورية قاعدة أدنى لقاعدة أعلى أأ، لكن مراقبة دستورية القوانين لم تكتسب قوتها الكاملة إلا بعد دخولها المجال الدستوري الأوربي، فكما هو الحال بالنسبة للدستور تبقى المراقبة الدستورية أيضا من صنيع الأوربيين، فمع مأسستها، أصبح مقبولا مواجهة ومناقشة وإلغاء التشريعات التي نشأت بإرادة سياسية للحكام. غير أن قبول فكرة المراقبة من الديمقراطيات الأوربية لم يأتي دفعة واحدة، بل اتخذ تقسيما تاريخيا يمكن تسميته بموجات مأسسة المراقبة. وهي ثلاث موجات كبيرة.
الموجة الأولى: تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى ويتم وصفها عادة بالمرحلة الكيلنسية"، لأن النمسا وحدها، وتحت تأثير الفقيه هانس كيلسن، تبنت سنة 1920 دستورا ينص على إنشاء محكمة دستورية عليا.
فعندما تم وضع القانون الدستوري الفدرالي، نص على محكمة دستورية مستقلة ومؤهلة من أجل مراقبة القوانين، فقد كان ابتكارا نمساويا خالصا، نظرا لأن هذه المحكمة كانت هي الوحيدة من نوعها في العالم، وبعد ذلك أصبح النموذج للعدالة الدستورية ومثالا يحتذى به في كامل أوربا، كما هو حال في تشيكوسلوفاكيا سنة 1920 التي أنشأت هي الأخرى محكمة دستورية، ثم الجمهورية الثانية في إسبانيا في دستور 1931 التي أنشأت محكمة الضمانات الدستورية، وإيرلندا أيضا سارت في نفس التوجه بموجب دستور 1937 الذي لا يزال ساري المفعول .
غير أن الأزمات السياسية العميقة التي مرت منها هذه البلدان وظهور الأنظمة الفاشية في أوربا، لم تمسح لا لهذه الدساتير ولا للميكانيزمات الجديدة لمراقبة دستورية القوانين بالتطبيق العادي، فقد تم تجميد هذه النصوص، وهذه الموجة انسحبت بنفس السرعة التي تطورت بها، لكنها تركت آثارا بالعقول.
الموجة الثانية: ظهرت هذه الموجة بقوة وكثورة للعدالة الدستورية بعد الحرب العالمية الثانية، في ثلث العالم، ففي فرنسا مع دستور 1958، ساهمت الرقابة الدستورية في عقلنة العمل البرلماني، ومن أسباب قوة هذه الموجة أيضا هي المخططات الكارثية للأنظمة الفاشية والنازية التي قوضت كل النظريات الدستورية المؤسسة حول عدم قابلية القانون للننفيد، وأن
البرلمان هو الحامي الطبيعي للحريات ويعبر عن الإرادة العامة.
ففي وقت إعادة بناء الديمقراطيات، حرص السياسيون وفقهاء القانون على منح المجتمع مؤسسات قادرة على الحيلولة دون عودة سيطرة البرلمان الذي وصف بأقبح الوصوف. وفي خضم هذه المرحلة تكونت قناعة بأن المراقبة الدستورية القوانين تشكل الوسيلة الوحيدة لحماية حقوق الأقليات وضمان تفادي هيمنة أغلبية سياسية وتطاولها على الحقوق والحريات الأساسية.
فالمشرعون الدستوريون الجدد بكل من النمسا (1945)، اليابان (1947)، إيطاليا (1948) والجمهورية الفيدرالية الألمانية (1949). تبنوا دساتيرا تمثل فيها مراقبة دستورية القوانين ردة فعل عن الماضي المأساوي لدولهم وصمام أمان مستقبل ديمقراطي.
الموجة الثالثة: ظهرت في دول أوروبا الثلاث التي تحررت من الأنظمة الديكتاتورية في السبعينات من القرن الماضي، وتبنت دساتيرا جديدة ضمنتها مجموعة من الحقوق والحريات ونصت على آلية مراقبة القوانين: اليونان في دستورها بتاريح 1975/06/11، البرتغال في دستورها المؤرخ في 1976/04/02، وإسبانيا في دستورها المؤرخ في 1978/12/07.
وتميزت هذه الفترة أيضا بتثبيت وتطوير ميكانيزمات المراقبة أينما كانت، وذلك بإدخال تعديلات مهمة وضرورية لتطويرها، في ألمانيا الفيدرالية (1979) في فرنسا (قرار المجلس الدستوري بتاريخ 1972/07/16، وتعديل الدستوري سنة 1974، وفي النمسا (1975)، وفي السويد (1979).
يمكن القول إذن كل دول أوريا الغربية، باستثناء سويسرا والمملكة المتحدة، أسست نطما لمراقبة دستورية القوانين، مستوحاة وبدرجات مختلفة من النموذج الكلنسي 5.
وكما كان متوقعا أن ينتشر هذا النموذج بقارات أخرى، حيث القيم والمبادئ والمعتقدات الجماعية، ولأسباب متعددة، مختلفة عن الحضارة الغربية، فالهند، وباكستان، جمايكا، ومعظم دول أسيا وإفريقيا وأمريكا الوسطى واللاتينية؛ تبنوا آليات قضائية لمراقبة دستورية القوانين على غرار النموذج الأمريكي أو النموذج الأوربي حسب تأثير السلطة الاستعمارية.
والمغرب كعضو في المنظومة الدولية تأثر بدوره بهذه الموجات وتبنى النموذج الأوربي بسبب ما خلفته الحماية الفرنسية من تبعية. فنص في أول دستور له سنة 1962 على مراقبة دستورية القوانين التتظيمية والنظامين الداخليين لغرفتي البرلمان وخولهما للغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)، وتوسع نطاق هذه المراقبة مع تبني دستور 1992 وإنشاء المجلس الدستوري ليشمل مراقبة القوانين العادية أيضا، ومع دستور 2011 الذي نص على إحداث المحكمة الدستورية وصدور القانوني التنظيمي 066.33 المنشئ لها، امتد نطاق المراقبة ليشمل أيضا الأنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية، وكذلك الالتزامات الدولية، كما تم إحداث آلية دستورية جديدة لحماية الحقوق والحريات الأساسية ألا وهي الدفع بعدم دستورية القوانين في الفصل 133 من الدستور. هذه الآلية التي تعتبر أساس موضوع دراستتا نظرا لأن ولوج المواطنين للعدالة الدستورية يتأتى من خلال مسطرة الدفع، هذه الآلية التي عرفها التشريع المقارن في الدول التي كان لها السبق في تكريس معالم وأوجه القضاء الدستوري في العالم: وهي جمهورية النمسا التي عرفت الانطلاقة الأولى للقضاء الدستوري في أوروبا عبر الفقيه هانس كيلسن لكن قبل ذلك كانت هناك مجموعة من المحاولات التي باءت بالفشل، وفي ترتيب تاريخي تأتي التجربة المصرية كأبرز التجارب العربية التي عرفت عبر دستور 1979 وقانون المحكمة الدستورية لنفس السنة آلية الدفع بعدم الدستورية، وهي متاحة للخصوم في دعوى مباشرة أمام القاضي الدستوري، وذلك كتجربتين في المراقبة الدستورية القضائية.
وبعد ذلك نجد التجربة الفرنسية التي هي الأخرى عرفت محاولات كثيرة لوضع وإحداث ألية الدفع بعدم الدستورية بعد ثورة 1789، ودساتيرها وكذلك بعد إحداث المجلس الدستوري في 1946 نحت إلى شكل مغاير من القضاء الدستوري، حيث أسست لنموذجها في الرقابة السياسية وامتد ذلك لسنوات، إلا أنه لم يتأتى للمواطن ولوج هذا القضاء إلا بعد التعديل الدستوري لـ 2008.
ومنه فإن هذا البحث المعنون بحق المواطنين لولوج العدالة الدستورية، سوف يمر بعدة تجارب مقارنة لاستكشاف ماهية هذه المسطرة، وهذا ما سنوضحه من خلال أهداف الدراسة.
أهداف الدراسة :
إن أول ما يطرحه البحث هو تحديد أبعاد العدالة الدستورية، فالقضاء الدستوري كأساس لها، هو حامي للدستور ورقيب على مدى مطابقة التشريعات معه. لذلك من واجب أي نظام ديمقراطي وضع دستور حامل لمعاني الديمقراطية ودولة القانون، وكذلك اتسام هذا الدستور بالثبات والجمود، ومن دواعي دلك أيضا وجود مؤسسة دستورية تسهر على مراقبة وحماية هذا الدستور من أي تعد عليه أو مخالفة له. أي بالتحقق من مدى احترام القانون للدستور.
وبما أن معظم الأنظمة الدستورية في العالم كرست هذا المبدأ من خلال دساتيرها، وذلك بوضع أجهزة تسهر على حماية ومراقبة ومطابقة القوانين للدستور، وتحقيقا للعدالة الدستورية، إلا أن ولوج هذه العدالة كان مقتصرا في أغلب التجارب المقارنة على المؤسسات الرسمية بعينها، هو ما استدعى التساؤل حول أحقية الأفراد في الولوج للعدالة الدستورية حماية لحقوقهم وحرياتهم.
وحماية هذه الحقوق والحريات تستدعي التعرف على مسار تطور العدالة الدستورية وأشكال الرقابة التي عرفتها التجارب المقارنة، وكذلك تحديد مجال هذه المراقبة.
ولما كانت قرارات القضاء الدستورية تصدر لإلغاء القوانين موضوع النزاع الدستوري، فكان لزاما معرفة وتحديد قيمة وحجية هاته القرارات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدفوع الموجهة من الأفراد، حيث تكون مطالبتا بحماية الحقوق والحريات الأساسية.
وعليه فإن الأهمية النظرية في هذا البحث تتمثل أساسا في عدم وجود بحوث كثيرة درست إجراءات وشكليات ولوج المواطن للقضاء الدستوري، خصوصا باستعمال المقارنة كمنهاج للحث عن أبرز التجارب في العالم التي كرست لهذه الإجراءات ومعرفة ماهيتها.
أما فيما يخص الأهمية العملية، فإنها تتأتى من خلال توضيح وشرح وتفسير مجموعة من المساطر والإجراءات الهامة، والتي تعطي الطريق للمواطن لولوج العدالة الدستورية.
وكذلك من خلال المساهمة في وضع مقارنة للقيمة القانونية والدستورية لهده المسطرة. وتبعا لما لهذه التجارب من اختلاف وتكريس للعدالة الدستورية في عدة أشكال للقضاء الدستوري، أغنت لا محالة الجسم الدستوري في هذه الدول وأثرت على مسارها الديمقراطي والسياسي والدستوري، وكذلك ساهمت بل أصبحت هي الحامي للحقوق والحريات الأساسية للأفراد، كجزء لا يتجزأ من الدستور. فالعدالة الدستورية بأشكالها كانت ولا تزال الحامي للقانون من أي اعتداء أو خرق. ومنه فإن أهمية البالغة والمكانة الهامة التي تعتليها العدالة الدستورية في الجسم السياسي للدولة، أصبحت موضوعا هاما لدرجة أن الأنظمة الديمقراطية لا يمكن أن تكون دون هيئة تقوم مقام القضاء الدستوري.
وهو ما يدفع لطرح الإشكالية التالية:
الإشكالية :
وفي إطار البحث على الشكليات التي سوف عليها البحث. ولما كانت أي مسطرة قانونية تحدد مجموعة من الشكليات التي توجب اتباعها، فإن ولوج العدالة الدستورية مجموعة من المساطر وتختلف باختلاف النظام الدستوري الذي يتبنها، فهي تنتقل أو تتراوح بين الرقابة السابقة واللاحقة، وبما أن الرقابة اللاحقة في شكل الدفع بعدم الدستورية هي تكريس لولوج المواطن للعدالة الدستورية، وأن هذه الشكليات في جانب منها تتعلق بمن له الحق في سلوكها، وفي جانب آخر بطرقها ومساطرها.
فتبعا لذلك فإن الاشكال المطروح في هذه الدراسة هو:
إلى أي حد تستطيع مساطر القضاء الدستوري، تحقيق ولوج المواطنين للعدالة الدستوربة ؟
وعليه نطرح مجموعة من الأسئلة الفرعية:
- ماهية العدالة الدستورية وتوصيفها ؟
- ما مساطر وشكليات العدالة الدستورية ؟
- ما هي أشكال وسبل ولوج المواطن للعدالة الدستورية ؟
- ما هي حجية وآثار قرارات القاضي الدستوري ؟
- ومساهمة العدالة الدستورية وبالخصوص من خلال الاختصاص الممنوح للمواطن،
في حماية الحقوق والحريات ؟
ولما كان سبر معالم آليات الرقابة الدستورية بشكل مقارن، كان لزاما علينا العمل بالمنهج المقارن القانوني، نظرا لأن هذا المنهج يعمل من خلال أليات مقارنة والمساطر والاليات القانونية، ومحاولة البحث في أوجه التشابه والاختلاف، وكذا أوجه الضعف والقوة في كل
النماذج المقترحة، وعليه فإن تقسيم هذا البحث سيكون على الشكل التالي:
القسم الأول: توصيف حق المواطن في ولوج للعدالة الدستورية في التجارب
القسم الثاني: آثار حق المواطنين في اللجوء إلى القاضي الدستوري وأفاقه
لائحة المراجع :
- أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، مطبعة دار الشروق، الطبعة الأولى، 1999، الطبعة الثانية 2OOO، القاهرة.
- امحمد مالكي، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء الأول المفاهيم الأساسية، مطبعة تينمل للطباعة والنشر، الحي المحمدي، مراكش، الطبعة الثائية 93—94.
- حمدي علي عمر، النظام الدستوري المصري وفقا لدستور 2014، الناشر منشأة المعارف، الاسكندرية، 2016.
- رقية المصدق، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية - الجزء الأول-، دار توبقال للنشر، 1986، الدار البيضاء.
- سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، الكتاب الأول، قضاء الإلغاء، دار الفكر العربي،
- عبد السلام محمد الغنامي، النظرية العامة للرقابة على أعمال الحكومة والبرلمان، الجزء الأول، الرقابة على دستورية القوانين، الطبعة الأولى، 2014، دار القلم، الرباط
- عبد القادر باينه، الهيئات المتخصصة في مجال الرقابة الإدارية، الجزء الأول: الهيئات المتخصصة المشاركة في مراقبة التدبير الإداري، الطبعة الأولى 2012، دار القلم الرباط.
- عبد العزيز النويضي، المجلس الدستوري بالمغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة المؤلفات وأعمال جامعية، العدد 29، الطبعة الأولى 2001، مطبعة دار النشر المغربية الدار البيضاء
- عبد العزيز النويضي، العدالة والسياسة - الانتخابات والقضاء الدستوري في المغرب، 1997، م. ن. ج، الدار البيضاء
- عثمان ياسين علي، إجراءات إقامة الدعوى الإدارية في دعوى الإلغاء والتعويض، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، بيروت 2011
- كريم لحرش، الدستور المغرب الجديد للمملكة المغربية - دراسة وتحليل، سلسلة العمل التشريعي والاجتهاد القضائي، عدد 3 طبعة 2012.
- محمد فؤاد عبد الباسط ولاية المحكمة الدستورية العليا في المسائل الدستورية، مطبعة منشأة المعارف الاسكندرية، سنة 2OO2.
- محمد أتركين، دعوى الدفع بعدم الدستورية في التجربة الفرنسية - الإطار القانوني والممارسة القضائية، الطبعة الأولى سنة 2013، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.
- مصطفى محمود عفيفي، رقابة الدستورية في مصر والدول الاجنبية - دراسة تحليلية مقارنة لأنظمة الرقابة في الدساتير المعاصرة.
- مصطفى بن شريف، التشريع ونظم الرقابة على دستورية القوانين، سلسلة الوعى القانوني، العدد 1، سبتمبر 2015، مطبعة بني زناسن، سلا، المغرب.
- يحي حلوي، المجلس الدستوري المغربي: دراسات وتعاليق (2017-1994)، الطبعة الأولى 2017، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط