منهجية كتابة البحوث القانونية

 مقال بعنوان: منهجية كتابة البحوث القانونية

منهجية كتابة البحوث القانونية
خالد أوراز منتدب قضائي

خالد أوراز : منتدب قضائي
وباحث في القانون

مقدمة :
لقد أصبح البحث العلمي سمة واضحة للتقدم والتطور والازدهار على مستوى جل الكليات والجامعات في كل دولة من دول العالم، وتم إقرار تدريس منهجية البحث العلمي في المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحوث لمساعدة الطلبة والباحثين في مجالات العلوم بصفة عامة، والمجال القانوني بصفة خاصة على تحضير بحوثهم، وتزويدهم بأهم الأسس المنهجية في الكتابة والبحث ومن تم تطوير القابلية الفكرية للطلبة وصقل شخصيتهم العلمية والقانونية، وتوسيع إطلاعهم على مصادر البحث المختلفة، وأيضا تنمية روح الاستنتاج العلمي لديهم.
وترتبط المنهجية عموما بعلم القانون بمختلف فروعه وأشكاله. فوظيفتها أن ينشأ لدى الطالب الأسلوب والطريقة في التعامل مع شتى الميادين التي يطرحها علم القانون. ذلك أن المشكل الحقيقي الذي عانى ويعاني منه الطالب في الدراسة القانونية، يتمثل أساسا بالدرجة الأولى في عدم إلمامه بأدوات التحليل والتعليق، والمناقسة والبحث، بطريقة علمية سليمة، وبالتالي نكون أمام طالب الشهادة في الحقوق لا الطالب القانوني بالمعني الحقيقي للكلمة، في وقت يتطلب أن تكون له شخصية قانونية جديرة بالحصول على الشهادة في الحقوق[1].
ومما لا شك فيه أن اتباع قواعد المنهجية القانونية ستمكن الطالب من اكتساب الأسلوب والطريقة العلمية في التعامل مع مختلف المواضيع القانونية، وهي حقائق لا تتجسد في المحاضرات التي يلقيها الأستاذ المحاضر فقط.
إن ما يؤسف على حد تعبير رأي في الفقيه بروز جيل من الباحثين يجهل أبسط قواعد المنهجية، ويستخفون بهذه القواعد، ولا يلتزمون بها على اجتهاداتهم الخاطئة، ولذلك أصبحت الكثير من الأبحاث الجامعية تعتمد النقل الحرفي، أو تخلو من الجودة والدقة، ولا تعتمد تقنيات البحث وشروطه الضرورية[2].
تتجلى أهمية هذه الدراسة في تعرف الباحثين على منهجية البحث القانوني دعما لبحوثهم، حتى يصبح الباحثون ملمون بالخطوات التأسيسية للبحث القانوني وبشروط التوثيق الجيد وبمقومات التركيب وكيفية وضع التصميم وما إلى ذلك من الأساليب والتوجيهات العلمية والفنية التي يتعين على الباحث القانوني الإلتزام بها.
كما تتمثل الإشكالية الرئيسية في إلى أي حد تؤثر المنهجية في إنجاز البحوث القانونية ؟
هذه الإشكالية الرئيسية يتفرع عنها سؤالين اثنين:
- ما علاقة المنهجية بالقانون ؟
- ما هي المنهجية الواجب اتباعها لإنجاز بحث قانوني ؟
لمحاولة الإجابة على هذا الاشكال الرئيسي والأسئلة الفرعية سنتبع في دراستنا هذه للمنهج التحليلي.
كما سأعمل على مقاربة الإشكال الجوهري والإشكالات الفرعية للموضوع من خلال إعتماد تقسيم ثنائي على شكل مطلبين وفق التصميم التالي:

◄ المطلب الأول: البحث القانوني
◄ المطلب الثاني: منهجية البحث القانوني



المطلب الأول: البحث القانوني

إن التعمق في دراسة القانون يعني فهم كل تعبير من تعابيره وكل صيغة من صيغه فهما دقيقا، وهذا ما يحصل فعلا في تفتيشنا وسعينا الدائب لتفسير وفهم قاعدة قانونية ما من خلال البحث القانوني. فما المقصود بالبحث القانوني وما هي خصائصه؟ (الفرع الأول) وما هي الخصوصية التي يتميز بها أسلوب البحث القانوني؟ (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مفهوم البحث القانوني وخصائصه

إن البحث القانوني هو فن بقدر ما هو علم. وهناك عدة مقاربات، وليس هناك واحدة هي الأفضل لإنجاز بحث قانوني، فالطرق أو المنهجيات تتغير وفق طبيعة المسألة المطروحة، وتعتمد على خبرة الباحث ومهاراته. هذه المقاربات يمكن أن تفرضها وفرة مواد البحث، وكثيرا ما لا يتمكن الباحث من الوصول إلى كافة المستندات أو المراجع المختصة بالموضوع، فالمقدرة على حل المسائل القانونية تتم بشكل أسرع وأدق إذا ما قاربناها بمنهجية منظمة ومتماسكة.
سنعمل من خلال هذا الفرع على تحديد مفهوم البحث القانوني قبل العمل على تحديد الخصائص التي يتمز بها هذا النوع من البحوث.

أولا: مفهوم البحث القانوني
البحث القانوني هو مجموعة طرق أو آليات لتحديد وجمع المعلومات الضرورية لمساعدة عملية صنع القرار القانوني. وبمعناه الأوسع يشمل كل خطوة أو عمل يبدأ مع تحليل حقائق أو وقائع مسألة ما، وصولا إلى الاستنتاج مرورا بالتطبيق والتواصل بين نتائج البحث. ويعرفه جان بيار غريدال (Jean Pierre Gridel) بأنه: "يشكل أساس العرض المتناسق والاستنتاجي لمختلف المعطيات الوضعية، وعلم القانون الذي يستند إليه الموضوع المعالج"[3].
وهذا العرض المتناسق والاستنتاجي الذي يشكل جوهر البحث القانوني يجعله يلتقي مع البحث العلمي، ويمكننا من استعمال المناهج العلمية في معالجتها لدراسة الإشكاليات والتساؤلات التي تطرح حول كيفية تطبيق القواعد القانونية.
فمن المعروف أن القاعدة القانونية تصاغ بشكل مقتضب جدا، وبعبارات عامة ومجردة، مما يطرح الكثير من التساؤلات حول كيفية تطبيقها، ويترك مجالا واسعا لوضع الدراسات حولها. وهناك عدة أنواع من هذه الدراسات التي تتخذ أشكالا متعددة، فتظهر ضمن مقالة أو رسالة أو أطروحة، كما تظهر في استشارة قانونية أو تعليق على نص قانوني أو تعليق على قرار قضائي.
فالبحث القانوني يجسد نوعا من الجهد الفكري المنظم لدراسة موضوع قانوني معين عن طريق التفتيش عن العناصر أو المواد الأولية التي يتألف منها من أجل تجميعها وتنظيمها ضمن أجزاء أو أقسام، تقسم بدورها إلى عدد قليل جدا من الفروع المتجانسة، وهو بهذه الصفة يلتقي مع كافة أنواع العلوم، وخاصة في مجال الاستعانة بمنهجية البحث العلمي[4].

ثانيا: خصائص البحث القانوني
يتكون البحث من معلومات، ومفاهيم ومصطلحات ومبادئ أساسية تتوفر عند الباحث القانوني، الذي يقوم باستعال هذه المعلومات بعد غربلتها، وتحديد الضروري منها ثم عرض تلك المعلومات ضمن أفكار أو مقاطع متجانسة ومتوازنة إلى حد ما، ليتمكن من إتقان بحثه وجعله دراسة وافية حول الموضوع المطلوب.
والباحث بشكل عام، والباحث في مجال القانون بشكل خاص، يجب أن يعرف بحثه بدقة، لذلك فهو مسؤول عن جمع أكبر كمية من المعلومات التي تغطي جميع عناصر البحث للاستفادة منها في مجال بحثه، سواء المصادر الأصلية أو الأبحاث أو الرسائل والأطروحات، بعد التأكد من صحتها. وهناك بعض الخصائص الأخرى التي يجب أن يتصف بها البحث القانوني، يشترك فيها مع كافة الأبحاث العلمية، ومن هذه الميزات والصفات ما يلي:
1- الربط الجيد بين المعلومات المهمة بهدف الوصول إلى نتائج دقيقة وجديدة، بحيث يقتنع الباحث بسلامة النتائج، ويستطيع بالتالي أن يُقنع الآخرين بصحة ما توصل إليه من قناعة.
2- أن تكون خطة البحث وإجراءاتها التنفيذية موضوعية وخالية من التحيز، وتركظ على الوقائع والحقائق والنصوص الواضحة.
3- أن يقوم البحث على موضوع محدد وواضح بشكل يسمح للآخرين بالتعرف إليه.
4- أن يكون البحث مفيدا بالنسبة للمؤسسة التي ينتمي إليها الباحث.
5- أن يحصر الباحث الأفكار ويركزها ليأتي البحث واضحا وممتعا للقراءة.

الفرع الثاني: خصوصية أسلوب البحث القانوني

إن الأسلوب هو الواسطة التي توصل المعلومات التي يريد الباحث إيصالها إلى الغير وهو ما يميز كل باحث عن الآخر، فالتعبير عن الأفكار التي جمعها الباحث يكون بأسلوب خاص به بعيدا عن النقل والاقتباس الحرفي.
وخصوصية البحث القانوني تميزه عن غيره من البحوث على اعتبار أنه كثيرا ما يوصف بالبحث الجاف، فمعظم البحوث القانونية تعتمد على المعلومات النظرية التي تدور حولها مشكلة البحث، وهذا الأمر يُحتم استخدام المفردات بدقة.[5] لذا لابد على الباحث الإلمام بهذه الدقة من خلال القراءة وسعة الاطلاع بدلا من الاعتماد على الثقافة العامة والاقتباس.
إن أسلوب البحث القانوني يتطلب العديد من الخصائص نذكر منها:
1- سلامة اللغة وأسلوب التعبير، فمن أهم المشكلات التي تعاني بعض البحوث الأكاديمية والقانونية خاصة مسألة سلامة اللغة والأخطاء التي تُخل بجوهر البحث كالأخطاء اللغوية والأخطاء الإملائية التعبيرية.[6]
2- البساطة وعدم التعقيد في الأسلوب، لأن التعقيد يقلل من قيمة البحث.
3- التقليل من النقل الحرفي والاقتباس، لأن كثرة الاقتباس من أهم عوامل اختفاء شخصية الباحث.
4- يجب على الباحث استخدام العبارات الموجزة التي تدل على المعنى والتركيز على ما هو مفيد ودال.
5- الدقة والوضوح والتحديد والبعد عن المبالغة والاطناب والعمومية.
6- التسلسل بين أجزاء وفروع وعناصر الموضوع، ويجب على الباحث التقيد بخطة البحث الموضوعية.
7- أن يراعي الباحث عدم استخدام ضمائر المتكلم في صيغ التواضع[7].
8- استخدام عبارات الربط في الانتقال والإحالة بين الموضوعات من كلمة إلى كلمة أو من فقرة إلى فقرة.
9- إعادة الباحث قراءة ما كتبه مرات عديدة لتصحيح الأخطاء.
10- تعريف المفاهيم الأساسية في البحث.[8]
ولتمكن من تجميع وتنظيم المعلومات ودراستها ومناقشتها وصياغتها بشكل متناسق ومتناغم يؤدي إلى الغرض المطلوب، هناك عدة طرق منهجية لابد من اعتمادها من قبل الباحث غي مجال القانون للتمكن من إنجاز أي بحث أو دراسة قانونية.
وإن الباحث في هذا المجال ليس حرا في إعداد بحثه بالطريقة التي يريد، بل هو مُلزم باتباع العديد من الطرق والأساليب والاجراءات حتى يتوصل إلى نتائج علمية دقيقة وموضوعية، سواء كان هذا البحث بحثا علميا نظريا أو تحليلا لمواد ونصوص قانونية أو تعليقا على أحكام قضائية إلى غير ذلك[9]. وهذا كله يتحقق بإتباع منهجية قانونية.
فما هي المنهجية القانونية؟ وما هي أهدافها؟ هذه الأسئلة سأحاول الاجابة عنها في المطلب الثاني من هذا الموضوع.

المطلب الثاني: المنهجية القانونية

سأعمل من خلال هذا المطلب على دراسة المنهجية القانوينة من حيث ماهيتها ومفهومها (فرع أول) ثم سأعمل على التعرف على أهداف المنهجية القانونية (فرع ثان).

الفرع الأول: ماهية المنهجية القانونية

إن الحديث عن المنهجية القانونية يستدعي منا أولا التميز بين المنهج والمنهجية (فقرة أولى) قبل الحديث عن مفهوم المنهجية القانونية (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم المنهج والمنهجية
إن المنهج لغة هو ذلك الطريق أو المسلك البين الواضح، أما اصطلاحا فهو: "فن التنظيم الصحيح لسلسة الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخيرين حين نكون بها عارفين". ويرى الدكتور عبد الرحمان بدوي أن المنهج هو: " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل التي تحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة".[10]
يمكن القول، أن المنهج هو تلك الطريقة العلمية التي ينتهجها أي باحث في دراسته وتحليله لظاهرة معينة أو لمعالجته لمشكلة معينة وفق خطوات بحث محددة من أجل الوصول إلى المعرفة اليقينية بشان موضوع الدراسة والتحليل.
أما المنهجية فهي فرع من فروع (الابستمولوجيا) علم المعرفة أو فلسفة العلوم أو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة المناهج المطبقة في البحوث العلمية.[11] وهناك من يعرف المنهجية بكونها علم المناهج؛ وعلم المنهج (الميثودولوجيا) هو ذلك العلم الذي يدرس المناهج البحثية المستخدمة في كل فرع من فروع العلوم المختلفة، لذلك يعتبر فرعا من فروع الابستمولوجيا.
إن أول من استعمل كلمة "علم المناهج" أو "المنهجية" هو الفيلسوف الألماني كانط، وذلك عندما قسم المنطق إلى قسمين:
أ‌- مذهب المبادئ؛ وهو الذي يبحث في الشروط والطرق الصحيحة للحصول على المعرفة.
ب‌- علم المناهج؛ الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم وبتحديد الطريقة التي يتشكل بها أي علم من العلوم.
ولقد تبلورت فكرة المناهج على يد الفيلسوف فرانسيس بيكون، تبعه ديكارت ثم جون لوك ثم آخرون. فذهب "بيكون" و"ديكارت" وبعض المناطقة إلى أن هناك منهج واحد، ويرى آخرون أن هناك مناهج متعددة. هذا التعدد لا يمنع من وجود عمليات مشتركة بين مختلف المناهج وهي:
أ‌- الاستدلال: الذي يعني الانتقال من مقدمة أو المقدمات إلى نتيجة، أو البرهنة على قضية بواسطة قضية أخرى.
ب‌- التحليل: يعني الانتقال من النتائج إلى المبادئ أو من المشروط إلى الشرط، أو من المركب إلى البسيط، أو من العام إلى الخاص.
ت‌- التركيب: يعني الانتقال من المبادئ إلى النتائج، ومن البسيط إلى المركب.[12]
نستشف مما سبق أن المنهج هو طريقة وأسلوب ونظام يتم نهجه من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، أما المنهجية فهي ذلك العلم الذي يبحث في الطرق التي يستخدمها الباحث لدراسة ظاهرة ما أو مشكلة معينة والعمل على تحليلها وتفسيرها من أجل الوصول إلى حقيقة علمية. لكن ما المقصود بالمنهجية القانونية؟ وما هي علاقتها بدراسة القانون؟

الفقرة الثانية: مفهوم المنهجية القانونية
قبل تحديد مفهوم المنهجية القانونية لابد من الإجابة عن السؤال الذي طرحناه سابقا حول علاقة المنهجية بالقانون؛ فكل واحد منا يشاهد كيف يُلقي المحامون مرافعاتهم، ونندهش للأساليب التي يتبعونها والنتائج التي يتوصلون إليها والآثار التي يتركها كلامهم على هيئة المحكمة والمشاهدين. قد نشعر بذلك، لكن ما لا نعرفه هو العمل والجهد الذي تم سلفا من خلال بحث قانوني، أو كتابة، أو مرافعة أعدها المحامي معتمدا منهجية معينة قبل دخوله إلى هيئة المحكمة.
إن معالجة مسألة، أو إعطاء استشارة أو إصدار حكم، يستوجب على رجل القانون أن يعرف أولا أي قانون يُطبق. ولمعرفة هذا القانون عليه أن يجري بحثا. والبحث القانوني والكتابة هي المهارات الأساسية الضرورية لمعالجة وحل المسائل ومعالجة القضايا على أنواعها (...) من أجل ذلك كله علينا التعامل مع مادة القانون على أنها إحدى العلوم الدقيقة التي ندرسها إضافة إلى كونها فنا نطبقه. وإذا نظرنا إلى القانون كعلم من العلوم الاجتماعية أو كفن يتجسد في تطبيق معارف علمية مكتسبة، فإنه في الحالتين يخضع لمنهجية تفكير تتمثل في عدد من الطرق العلمية التي ترعاها قواعد المنطق، لأن التفكير المنطقي هو تنظيم الأفكار وتسلسلها وترابطها بطريقة تؤدي إلى معنى واضح، أو نتيجة مترتبة على حجج معقولة.[13]
ودراسة المنهجية القانونية تقتضي القراءة القانونية المتعمقة، وعدم الاكتفاء بالقراءة العرضية أو المتسرعة، فالقراءة هي دعوة إلى التفكير العميق وفهم ما يقرأ، لذا يفضل عدم الاكتفاء بالتلخيص، فهو لا يعبر عن الجوهر تعبيرا كاملا، وهذه القراءة تتطلب لذا الباحث القانوني أو المشتغل بالمواضيع القانونية المتوافرة، كما تتطلب مهارة معلوماتية.[14]
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول أن المنهجية القانونية هي دراسة للطرق والمناهج التي يجب على رجال القانون إتباعها أثناء عملية تطبيق القانون أو بشكل عام ليتمكنوا من إيجاد حلول لمشاكل قانونية، وهي غاية لا تدرك فقط بالمعرفة بالقوانين والأنظمة والاجتهاد القضائي.
ويمكن القول، أن المنهجية القانونية هي وسيلة لإكساب الطالب الباحث الأسلوب والطريقة العلمية والمنطقية في التعامل مع المواضيع القانونية رغم تعددها وتشعباتها المتنوعة.

الفرع الثاني: أهداف المنهجية القانونية

إن البحث القانوني المنهجي له مقومات لا يمكن نجاحه دونها وكل عنصر من عناصر هذه المقومات هو شرط ضروري لكنه غير كاف وحده لتحقيق الهدف منه، هي وجود الموجه القادر والطالب المحب للعلم وتوفر المادة العلمية اللازمة.
والمنهجية القانونية تهدف إلى تعليم الطالب الباحث كيف يفتش عن المعلومات، وكيف يعرضها، وكيف يناقشها أو كيف يكتبها.
وترمي إلى تحقيق الأهداف التالية: [15]
1- إبراز مدى قدرة الطالب لاستيعاب المعلومات النظرية التي يدرسها أو يتلقاها في المحاضرات، وكيفية التعبير عنها وفقا لأهداف السؤال المطروح.
2- تعويد الطالب على ترتيب وتنظيم أفكاره وعرضها بشكل منسق ومضبوط مع مراعاة التسلسل المنطقي.
3- تدريبه على الأسلوب القانوني في الكتابة القائم على الدقة والاختصار والوضوح وعدم التكرار، وإبعاده عن السطحية والأسلوب السردي المألوف.
إن المنهجية القانونية تهدف بالأساس إلى إكساب الطالب الطريقة العلمية السليمة للتعامل مع المواضيع القانونية وتكوين الشخصية القانونية المستقلة لديه التي تمكنه من تحديد مادة البحث ومعالجتها وكيفية استحضارها، وكيف يفتش، وكيف يعرض أفكاره وكيف يناقشها.[16]
وللتمكن من تحقيق هذه الأهداف لابد من اعتماد أساليب التفكير العلمي الذي لم يعد مقتصرا على ميادين العلوم الطبيعية وحدها بل تعداها إلى العلوم القانونية، رغم اعتقاد البعض أن القانون أو دراسة الحقوق تصنف ضمن المواد الأدبية، بصفتها احد أنواع الدراسات الإنسانية، لكن هذا الاعتقاد تلاشى بعدما ثبت أن القواعد القانونية تقوم على أسس علمية خاصة بها ولابد لفهمها من اعتماد أسس التفكير العلمي.

خاتمة :
ختاما، يمكن القول أن المنهجية القانونية هي بمثابة العمود الفقري لرجل القانون، سواء كان قاضيا أو محاميا، مستشارا أو باحثا قانونيا أم أستاذا جامعيا. فالمنهجية هي التي تجعل من دفاعه عن وجهة نظر موكله أو حله للنزاع القائم أمامه، من استشارته القانونية أو بحثه الأكاديمي عملا منطقيا أو علميا. من هنا تكتسب دراسة المنهجية القانونية في كليات الحقوق أهميتها. بهذا المعنى فإن معرفة أصول المنهجية القانونية ليست بذخا علميا يحتاجه بعض الطلبة الباحثين دون غيرهم، ولا حكرا على أحد فروع القانون يعفي بعض أساتذة القانون من تدعيم أساسياته لدى طلابهم[17].
ونستخلص إذن، أن مهمة رجل القانون ليست فقط إعطاء الجواب النهائي للقضية التي أمامه، بل عليه بالأساس أن يعرف كيف يتعامل مع النصوص القانونية، فيستنبط القاعدة أو القواعد القانونية ذات العلاقة، ويفسرها أولا ويحللها ويطبقها على الحالة التي يعنى بها. بعبارة أخرى، تكتسب طريقة الحل أهمية أكبر من الحل نفسه[18].
إن المنهجية القانونية يختلف مضمونها بين أن يكون المطلوب دراسته هو نص قانوني أو معالجة قرار قضائي أو وضع دراسة قانونية مجردة أو حل مسألة عملية أو وضع استشارة قانونية. كل هذه المواضيع حاولنا جاهدين ونحن ننجز هذا العرض الذي بين أيديكم أن لا نتدخل فيها أو نعالجها بأي شكل من الأشكال، رغم أنها تدخل في صلب موضوع المنهجية القانونية، فقط لأنها تشكل عناوين لعروض قادمة وحتى لا يقع خلط وتكرار بين هذه العروض، ارتأينا أن نفتح الباب أمام زملائنا الباحثين في وضع اضافاتهم وتصوراتهم واجتهاداتهم في مجال هذه الدراسة سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية.

----------------------------

الهوامش :

[1] - زين بدر فراج، أصول البحث القانوني، دار النهضة العربية بالقاهرة، 1993، ص 3.
[2] - عبد الواحد الناصر، مفاتيح المنهجية، مطبعة إليت بالرباط، 1995، ص 1.
[3]- عكاشة عبد العال وسامي منصور بديع، المنهجية القانونية، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة أولى، بيروت 2005، ص: 220.
[4]- د. حلمي الحجار، المنهجية في القانون من النظرية إلى التطبيق، (د.ن)، ط 2، سنة 2003، ص 325.
[5]- عمار عباس الحسيني، منهج البحث القانوني أصول إعداد البحوث والرسائل الجامعية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، سنة 2012، ص 252.
[6]- يقوم العديد من الباحثين وهم في صدد إعداد بحوثهم الأكاديمية على عرضها على مدققين لغويين من أجل تجاوز الأخطاء التي قد تضعف بحوثهم وتنقص من قيمتها العلمية.
[7]- ومنها استخدام مفردات مثل: نحن أو نرى، نميل إلى، نعتقد: لأن هذه العبارات تتنافى والتواضع العلمي والأفضل استخدام تعبيرات مثل: يُرى، يبدو، يستنتج من خلال هذه الدراسة...، كما ينصح أيضا بالابتعاد عن أساليب الجزم والقطع (أجزم بأن القانون) واستبدالها بعبارات أكثر دقة مثل (لعل القانون أراد...).
[8]- يجب على الباحث أن يبين المعنى اللغوي لأهم المفردات المحورية الواردة في البحث ولا سيما العنوان.
[9]- وردة خلاف، منهجية العلوم القانونية، محاضرات كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، سنة 2016، ص 3.
[10]- عبد الرحمان بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات للنشر، بيروت، سنة 1977، ص 4.
[11]- د. بودراع بلقاسم، منهجية ومناهج البحث العلمي وتطبيقاتها في القانون، الجزائر، (د.ت)، ص 4.
[12] - للمزيد يرجى الإطلاع على كتاب "محاضرات في مناهج العلوم القانونية والاجتماعية"، ذ. جواد الرباع، ذ. عادل تميم، الطبعة الثانية، سنة 2019.
[13] - الدكتور صالح طاليس، المنهجية في دراسة القانون، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى، سنة 2010، ص 24.
[14]- د.عمار تركاوي، د.محمد خير العكام، المنهجية القانونية، الجامعة الافتراضية السورية، سوريا، سنة 2018، ص 224.
[15] - الدكتور صالح طاليس، مرجع سابق، ص 25.
[16]- د.عمار تركاوي، د.محمد خير العكام، مرجع سابق، ص 223.
[17]- عكاشة محمد عبد العال، وسامي بديع منصور، المنهجية القانونية، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية، سنة 2008، ص 5.
[18]- عاصم خليل، منهجية البحث في العلوم القانونية، سنة 2010، ص 23.

----------------------------

لائحة المراجع والمصادر:

1- عبد الرحمان بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات للنشر، بيروت، سنة 1977.
2- إحسان محمد الحسن، الأسس العلمية لمناهج البحث الاجتماعي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1982.
3- زين بدر فراج، أصول البحث القانوني، دار النهضة العربية بالقاعرة، سنة 1993.
4- عبد الواحد الناصر، مفاتيح المنهجية، مطبعة إليت بالرباط، سنة 1995
5- د. حلمي الحجار، المنهجية في القانون من النظرية إلى التطبيق، (د.ن)، ط 2، سنة 2003.
6- عكاشة عبد العال وسامي منصور بديع، المنهجية القانونية، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة أولى، بيروت، سنة 2005.
7- عكاشة محمد عبد العال، وسامي بديع منصور، المنهجية القانونية، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية، سنة 2008.
8- الدكتور صالح طاليس، المنهجية في دراسة القانون، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى، سنة 2010.
9- عاصم خليل، منهجية البحث في العلوم القانونية، سنة 2010.
10- عمار عباس الحسيني، منهج البحث القانوني أصول إعداد البحوث والرسائل الجامعية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، سنة 2012.
11- وردة خلاف، منهجية العلوم القانونية، محاضرات كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، سنة 2016.
12- د.عمار تركاوي، د.محمد خير العكام، المنهجية القانونية، الجامعة الافتراضية السورية، سوريا، سنة 2018.
13- ذ. جواد الرباع، ذ. عادل تميم، محاضرات في مناهج العلوم القانونية والاجتماعية، الطبعة الثانية، سنة 2019.
14- د. بودراع بلقاسم، منهجية ومناهج البحث العلمي وتطبيقاتها في القانون، الجزائر، (د.ت).

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -