السلطات القضائية للنيابة العامة

مقال بعنوان: السلطات القضائية للنيابة العامة في المغرب

مقال بعنوان: السلطات القضائية للنيابة العامة في المغرب PDF


مقدمة
تعتبر النيابة العامة جزءا من الهيئة القضائية، وهي خصم شريف في الدعوى الجنائية و من أعرافها أن ممثلها بالجلسة يترافع واقفا، وبذلك سميت بالقضاء الواقف، ولها دور مهم جدا في استقرار المجتمع وطمأنينته، فهي تساهم مساهمة فعالة في رقيه و ازدهاره وهي ضامنة لحقوقه في جميع المجالات وساهر على تطبيق القانون ومتابعة ومساءلة كل شخص سولت له نفسه تعكير صفو أمن المجتمع و عرقلة رقيه بانتهاكه حرمة القوانين التي تنظمه.
ويعرف بعض الفقه النيابة العامة بكونها المؤسسة التي تمثل المجتمع في توجيه الاتهام ومباشرته، وهي بذلك طرف شريف في الدعوى العمومية، في حين يعرفها البعض تعريفا آخر بأنها هيئة قضائية من نوع خاص فهي قضاء يجسد الحق العام وهي طرف رئيسي في الدعوى العمومية، و تتابع و لها سلطة تقديرية في ذلك من خلال مبدأ ملاءمة المتابعة.
تتألف النيابة العامة بالمحاكم الابتدائية من وكيل الملك و نوابه، وبمحاكم الاستئناف من الوكيل العام للملك و نوابه، وتتألف النيابة العامة بمحكمة النقض من الوكيل العام للملك يساعده محامون عامون .
وقد خول المشرع المغربي للنيابة العامة إقامة الدعوى العمومية وممارستها، فإقامة الدعوى العمومية تعني تحريكها، أو احالة الخصومة على المحكمة لتنظر فيها، أما ممارستها فهي تتبع الدعوى وتقديم بشأنها ملتمسات وحضور الجلسات وكذلك سلك طرق الطعن التي يتيحها القانون.
والنيابة العامة كجهة قضائية، أصبحت اليوم مستقلة عن وزير العدل حيث أصبح لها رئيسا ممثلا في الوكيل العام للملك لدى لمحكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بموجب قانون رقم 33-17 والمتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة ،وبسن قواعد لتنظيم رئاسة للنيابة العامة . وهذه الاستقلالية يمكنها أن تساهم في تعزيز السلطات القضائية التي تتمتع بها النيابة العامة.
وبالنظر لتعدد السلطات القضائية التي تملكها النيابة العامة، سوف نركز الحديث عن أهم السلطات القضائية سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة و كذلك في مرحلة أثناء المحاكمة و بعدها
الاشكالية: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال السلطات القضائية للنيابة العامة تحقيق التوازن بين حق المجتمع في إنزال العقاب و حق المتهم في محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات؟
و للإجابة على هذه الإشكالية المطروحة اعتمدنا التصميم التالي:

المبحث الاول : السلطات القضائية للنيابة العامة ما قبل المحاكمة .
المبحث الثاني : السلطات القضائية للنيابة العامة أثناء المحاكمة وبعدها.

المبحث الأول: السلطات القضائية للنيابة العامة ما قبل المحاكمة

تعتبر النيابة العامة شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية، تملك بمقتضى القانون العديد من السلطات، وسوف نركز في هذا المبحث على السلطات القضائية للنيابة العامة ما قبل المحاكمة ، و يتعلق الأمر بسلطات في مرحلة البحث التمهيدي و سلطات في مرحلة التحقيق الاعدادي.

المطلب الأول: سلطات خلال مرحلة البحث التمهيدي

تمارس النيابة العامة خلال مرحلة البحت التمهيدي العديد من السلطات القضائية، كما أن هذه السلطات تظهر جليا من خلال العلاقة الوطيدة التي تربط النيابة العامة بجهاز الشرطة القضائية.

الفقرة الأولى: تلقي المحاضر و الشكايات

بالرجوع الى المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية ، نجد ان أهم اختصاص لوكيل الملك خلال مرحلة البحث التمهيدي يتجلى أساسا في تلقي المحاضر والشكايات و الوشايات و يتخذ بشأنها ما يراه ملائما.
و يقصد بالوشاية هي إخبار السلطات القضائية أو الشرطة القضائية بوقوع جريمة من طرف شخص لم يتضرر منها وقد يكون الواشي شخصا معلوما أو مجهولا.
أما الشكاية فهي تصريح يعبر عنه شخص أمام السلطات القضائية أو الشرطة القضائية يبين بمقتضاه أنه تعرض لضرر اصابه بمناسبة ارتكاب جريمة .
هكذا، فشعبة الشكايات والمحاضر هي قطب الرحى لعمل النيابة العامة في الميدان الزجري، إذ لا يمكن تصور ملف جنائي أو جنحي دون أن تشكل فيه الشكاية أو الوشاية أو المحضر حجر الزاوية.
فالمحضر هو الوثيقة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه وما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع إلى اختصاصه مع مراعاة مجموعة من البيانات حددها قانون المسطرة الجنائية ، كما ان هناك التقارير وهي وثائق يحررها الموظفون والأعوان الذين خول لهم المشرع ممارسة مهام الشرطة القضائية ولها نفس حجية المحاضر ، ويجب توجيه أصول المحاضر التي يحررها ضباط الشرطة القضائية إلى النيابة العامة مرفقة بنسختين منها مشهود بمطابقتهما للأصل وكذا جميع الوثائق المتعلقة بها طبقا للمادة 23 من قانون المسطرة الجنائية.
أما فيما يتعلق بتلقي الشكايات و الوشايات ، فوكيل الملك او من ينوب عنه يتلقاها من طرف المتقاضين أو محاميهم إما مباشرة أو بواسطة البريد المضمون او العادي.
و عند تلقي السيد وكيل الملك هذه الشكايات ، ينبغي أن تكون متوفرة على مجموعة من البيانات الالزامية و هي:
- هوية الشاكي الكاملة و عنوانه
- هوية المشتكى به الكاملة و عنوانه
- موضوع الشكاية
- إمضاء المشتكي.
وعند تلقي النيابة العامة لهذه المحاضر و الشكايات و الوشايات تبقى لديها سلطة الملاءمة في تقدير المتابعة إذ يمكن لها:
- حفظ الشكاية لعدم توفر العناصر الضرورية لتحريك البحث
- إحالة الشكاية على الشرطة القضائية لإجراء بحث في الموضوع
- الإحالة للاختصاص مع إشعار المشتكي بذلك
و هكذا تتلقى النيابة العامة كل المعلومات التي تصل إلى علم ضباط الشرطة القضائية العاملين في دائرة نفوذها بشأن الجرائم المرتكبة ضمن حدود هذه الدائرة مع مراعاة الاختصاص المحلى و الثلاثي للنيابة العامة و المتمثل في مكان ارتكاب الجريمة أو مكان ألقاء القبض على المتهم أو مكان إقامة مرتكب الجريمة أو المتهم بارتكابها ، كما ان المحاضر المشار إليها سابقا قد تكون بناء على شكاية أو وشاية قدمت للنيابة العامة أو أمام الشرطة القضائية و قد تكون منجزة في حالة الجريمة المتلبس بها.

الفقرة الثانية: إشراف وتسيير أعمال الشرطة القضائية

إن جهاز الشرطة القضائية يبقى أهم الوسائل المعتمدة لمكافحة الجريمة تحت إشراف و تسيير و مراقبة النيابة العامة ، فالمادة 16 من قانون المسطرة الجنائية ـ تنص على أنه :
يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه. كما ان المادة 19 تجعل وكيل الملك ونوابه ضباطا سامين للشرطة القضائية. 
فإذا استثنينا الموظفين المختلفين الذين يكلفهم القانون ببعض مهام الشرطة القضائية لخضوعهم بصفة عامة إلى مبادئ القانون الاداري مع ملاءمتها نسبيا مع ما يقتضيه الانتساب إلى الشرطة القضائية ، ينكم القول بأن النظام القانوني للشرطة القضائية يرتكز أساسا على قواعد الإشراف عليها ومراقبة أعمالها ، وعلى المبادئ التي تسري على مسؤوليتهم من جهة أخرى.
وهكذا فهناك علاقة وطيدة تربط النيابة العامة بالشرطة القضائية ، و تتجلى فيما يلي:

1- على مستوى الحراسة النظرية
يسهر وكيل الملك على احترام إجراءات الحراسة النظرية وآجالها و على مباشرتها فب الأماكن المعدة لهذه الغاية الموجودة في دائرة نفوذه ، كما يسهر على احترام التدابير الكفيلة باحترام أنسنة ظروف الاعتقال.
كما يعين عليه أن يقوم بزيارة هذه الأماكن في أي وقت شاء ومتى دعت الضرورة لذلك ، دون أن تقل هذه الزيارة عن مرتين في الشهر . وعليه ايضا مراقبة سجلات الحراسة النظرية.

2- على مستوى التفتيش
يجب على النيابة العامة مراقبة وقت إجراء التفتيش ، إذ لا يجوز كقاعدة عامة أن يتم قبل الساعة السادسة صباحا و بعد التاسعة ليلا ، كما يجب التأكد من كون التفتيش تم بحضور وموافقة صاحب المنزل أو ممثله وإلا بحضور شاهدين أجنبيين عن الشرطة القضائية . غير أنه يجب مراعاة بعض الحالات الاستثنائية ، على سبيل المثال تفتيش مكتب المحامي يتم بحضور ممثل النيابة العامة و بعد إشعار نقيب المحامين و بأي وسيلة كانت و لو تم هذا الاشعار عن طريق الهاتف.

3- على مستوى تنقيط ضباط الشرطة القضائية
يسير وكيل الملك في دائرة نفوذه محكمته أعمال ضباط الشرطة القضائية و يقوم بتنقيطهم في نهاية كل سنة . و يوجه وكيل الملك لائحة التنقيط الى الوكيل العام للملك قصد إبداء وجهة نظره وإحالتها على السلطة المشرفة إداريا على ضباط الشرطة القضائية ويؤخد هذا التنقيط بعين الاعتبار من أجل التقييم العام للمعني بالأمر.
أما بالنسبة للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ، فيقوم بتنقيط ضباط الفرقة الوطنية أو الجهوية للشرطة القضائية التي يقع بدائرة مقرها ويمكن لهذه الغاية لجميع الوكلاء العامين للملك أن يرفعوا إليه تلقائيا ملاحظاتهم حول أداء ضباط الفرقة الذين سبق أن أجروا أبحاثا تحت إشرافهم خلال السنة.
و تجدر الاشارة أنه من بين الصلاحيات الجديدة التي منحت للنيابة العامة في هذه المرحلة ، وهي أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة الى ما كانت عليه ، على ان يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو التي سترفع إليها خلال 3 أيام على الأكثر لتاييده أو تعديله أو إلغائه.

المطلب الثاني: سلطات النيابة العامة خلال مرحلة التحقيق الإعدادي

لقد خول المشرع للنيابة العامة مجموعة من السلطات القضائية تمارسها أثناء مرحلة التحقيق الإعدادي أهمها تقديم ملتمس بإجراء تحقيق، ثم ممارسة الطعن في أوامر الصادرة عن قاضي التحقيق سوف نعرض لها من خلال الفقرتين التاليتين.

الفقرة الأولى : تقديم ملتمس بإجراء تحقيق

إن الملتمس بإجراء تحقيق عبارة عن وثيقة تطلب بمقتضاها النيابة العامة فتح تحقيق في نازلة معينة ، و تكون في الغالب بملف شامل حول وقائع جريمة معينة نسبتها إلى شخص أو أشخاص معينين، لكن حسب الفقيه الخمليشي ، ليس ضروريا أن يذكر فيه إسم الشخص الذي يجرى التحقيق ضده ، لأنه يجوز المطالبة بإجراء تحقيق ضد شخص معين أو ضد مجهول .
لقد خول المشرع المغربي للنيابة العامة طبقا للمادة 40 من قانون المسطرة الجنائية تقديم ملتمسات بقصد القيام بإجراءات التحقيق متى كانت الجناية المرتكبة خاضعة لتحقيق الإلزامي طبقا للمادة 83 من قانون المسطرة الجنائية فيكون التحقيق إلزاميا في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة وفي جميع الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث وفي الجنح بنص خاص.
بينما يكون اختياريا فيما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر.
لكن قاضي التحقيق يمكنه وضع يده على القضية بطرق أخرى منها الشكاية التي يقدمها الطرف المدني أو المتضرر أو عندما ينتقل قاضي التحقيق إلى مكان ارتكاب الجريمة تغل يد وكيل الملك وضباط الشرطة القضائية طبقا للفصل 75 من قانون المسطرة الجنائية حيث ينص "اذا حضر قاضي التحقيق بمكان وقوع الجناية أو الجنحة المتلبس بها فإن الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية بقوة القانون.
يقوم قاضي التحقيق بجميع أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الباب وله أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية بمتابعة العمليات، كما يرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد انتهاء تلك العمليات جميع وثائق التحقيق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.
وإذا حل بالمكان الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وقاضي التحقيق في ان واحد ، فلممثل النيابة العامة أن يلتمس مباشرة تحقيق قانوني يكلف بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة 90 الاتية بعده."
هكذا يستفاد من مقتضيات المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية بأن قاضي التحقيق هو في حاجة لملتمس بإجراء تحقيق من النيابة العامة ثم هذا الفصل ولد ميت لأنه عندما ترتكب جريمة ضباط الشرطة القضائية يشعرون وكيل الملك فإذا كان المشرع يرغب في تفعيل مقتضيات المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية كان عليه أن يلزم ضباط الشرطة القضائية بإشعار كل من قاضي التحقيق وكيل الملك.

الفقرة الثانية : الطعن في أوامر قاضي التحقيق

لقد خول المشرع المغربي للنيابة العامة أن تطعن في أوامر الصادرة عن قاضي التحقيق بموجب المادة 222 من قانون المسطرة الجنائية حيث تنص " يحق لنيابة العامة أن تستأنف لدى الغرفة الجنحية كل أمر قضائي صادر عن قاضي التحقيق باستثناء الأوامر الصادرة بإجراء خبرة طبقا لمقتضيات المادة 196.
يتم هذا الاستئناف في صيغة تصريح يقدم إلى كتابة الضبط بالمحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق في اليوم الموالي لإشعارها بصدور الأمر يبقى المتهم معتقلا في حالة صدور أمر بالإفراج المؤقت إلى حين انصرام أجل الاستئناف المنصوص عليه في الفقرة السابقة ، مالم توافق النيابة العامة على الافراج عنه في الحال.
و تسري نفس المقتضيات اذا تعلق الامر برفع المراقبة القضائية.
يترتب عن الاستئناف الذي تقدمه النيابة العامة إبقاء المتهم في حالة اعتقال إلى أن يبث في هذا الاستئناف"
هكذا يستفاد من خلال المادة 222 من قانون المسطرة الجنائية بأن النيابة العامة يمكنها استئناف جميع الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق سواء التي يصدرها أثناء سير إجراءات التحقيق وهي الأمر بالحضور والإحضار والأمر بإلقاء القبض والإيداع في السجن والأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية وهناك أوامر يصدرها بعد الإنتهاء من إجراءات التحقيق وهي عدم المتابعة وعدم الإختصاص الإحالة على هيئة الحكم عموما فجميع الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق قابلة للطعن باستئناف من قبل النيابة العامة، باستثناء الأمر بإجراء خبرة لأن الغاية من الاجراء الوصول للحقيقة.
لكن المشرع لم يحصر استئناف أوامر الصادرة عن قاضي التحقيق في النيابة العامة ولكنه خول أيضا لطرف المدني والمتهم إستئناف أوامر الصادرة عن قاضى التحقيق.

المبحث الثالث : السلطات القضائية للنيابة العامة أثناء المحاكمة و بعدها

النيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية هي الجهاز الذي أوكل إليه المشرع مهمة تحريك الدعوى العمومية و مراقبة سيرها بعد ذلك إلى صدور الحكم فيها و تنفيده ، و سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين ،نتطرق في المطلب الأول إلى سلطات النيابة العامة أثناء المحاكمة و في المطلب الثاني إلى سلطات النيابة العامة بعد المحاكمة

المطلب الأول : سلطات النيابة العامة أثناء المحاكمة

من بين سلطات النيابة العامة أثناء المحاكمة حضور الجلسات و هو ما سنتطرق إليه في فقرة أولى على أن نتطرق في الفقرة الثانية إلى تقديم الملتمسات

الفقرة الثانية: سلطات النيابة العامة أثناء المحاكمة

لقد نص المشرع المغربي في المادة 374 من ق م ج في فقرتها الأولى "على أن المحكمة تعقد جلساتها و هي مكونة من رئيس و قاضيين بحضور ممثل النيابة العامة و بمساعدة كاتب الضبط".
و بمفهوم المخالفة للفقرة الثانية من المادة المذكورة ،فإن الهيئة الجماعية تنظر في القضايا الجنحية التي يعاقب عليها القانون بالحبس الذي يزيد حده الأقصى عن سنتين و هي التي سماها الفصل 111 من القانون الجنائي بالجنح التأديبية.
وتتكون الغرفة الجنحية بمحكمة الإستئناف من الرئيس الأول أو من ينوب عنه ومستشارين إثنين ، و تنظر و هي مكونة ممن سبق ذكرهم و بحضور ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط فيما تم التنصيص عليه في المادة 231 من ق م ج
و قد نصت المادة 399 من ق مج على أن الإستئناف يعرض على غرفة الجنح الاستئنافية التي تتكون تحت طائلة البطلان من رئيس ومستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة و بمساعدة كاتب الضبط، وبهذا فحضور النيابة العامة للجلسات يعد أمرا إلزاميا بنص القانون

الفقرة الثانية : تقديم الملتمسات

تنص المادة 36 من ق م ج على أنه "تتولى النيابة العامة إقامة و ممارسة الدعوى العمومية و مراقبتها و تطالب بتطبيق القانون " فللنيابة العامة وظيفتان: الأولى تحريك الدعوى العمومية و هذه المهمة قد يشارك فيها غيرها ، و الوظيفة الثانية مراقبة سير الدعوى العمومية بعد تحريكها ،و هي مهمة خاصة لا يشارك فيها غيرها .و خلال ممارستها لهذه الوظيفة الأخيرة تتسع مسؤولية النيابة العامة بقدر اتساع صلاحيتها ،فتشمل الملتمسات التي يتعين رفعها إلى المحكمة و استعمال طرق الطعن في الاحكام و تنفيد الإجراءات التي تأمر بها المحكمة أثناء سير الدعوى.
و تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت النيابة العامة طرفا اصليا في الدعوى العمومية وخصما شريفا فيها يختلف عن الخصم العادي ،بحيث أن لها كامل الحرية في التعبير خلال المرافعات من خلال تقديم الملتمسات و المطالبة بتوقيع العقوبات أو تشديدها أو تخفيضها حسب الأحوال و حسب ما يمليه الضمير المهني ،فإنه لا يحق للمحكمة أن تعاملها معاملة الخصوم العاديين و لا توجيه الأوامر إليها ولا أن تلزمها بالقيام بإجراء من الإجراءات و لا أن تقاطعها خلال مرافعتها اللهم إدا كان عملها يعرقل حسن سير الجلسة.

المطلب الثاني: سلطات النيابة العامة بعد المحاكمة

إذا كانت للنيابة العامة سلطات ومهام قبل وأثناء المحاكمة، فإنها تتدخل أيضا بعد المحاكمة وذلك وفق السلطات التي تحظى بها قانونا، والتي يعد الطعن في المقررات القضائية أهما بالإضافة إلى الصهر على تنفيذ المقررات القضائية.

الفقرة الاول : الطعن ضد المقررات القضائية

يحق للنيابة العامة في جميع القرارات التي يصدرها قاضي التحقيق وكذلك القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام وكذلك الطعن في الأحكام القضائية إما بالاستئناف أو عن طريق الطعن بالنقض فيها.
وتعد النيابة العامة في مجال الصحة أو الصفة في الطعن، خصما عادلا تنفرد بمركز قانوني خاص باعتبار أنها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون، ومن مصلحة المجتمع أن تبنى الأحكام على تطبيق قانوني خال من شائبة الخطأ والبطلان، ومن تم يجوز للنيابة العامة أن تطعن في الأحكام وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن، بل كانت المصلحة في للمحكوم عليه.
فأجاز المشرع للنيابة العامة حق الطعن بالنقض في حالتين اثنتين: أولهما لفائدة القانون وهي مناط الفصل 381 من قانون المسطرة المدنية وثانيهما الطعن بالنقض بسبب تجاوز استعمال سلطة القضاء، وهي موضوع الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية.
ويتوقف الطعن في هذه الحالة على توفر أربع شروط أساسية، تتمثل في وجوب ممارسة الطعن من الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، وكذا وجوب أن يكون الحكم محل الطعن نهائيا، إضافة إلى تأسيس الطعن بالنقض لمسلحة القانون على خرق القانون الموضوعي أو الشكلي.
أما بالنسبة للطعن بالنقض لتجاوز استعمال، فيمكن القول أنه يوجد فرق جوهري بين الطعن بالنقض لمصلحة القانون والطعن بالنقض من أجل تجاوز استعمال السلطة من حيث غاية كل منهما. فغاية الأول تتجلى في السهر على حسن تطبيق القانون الموضوعي والقانون الإجرائي وبالتالي العمل على توحيد هذا التطبيق من جانب كل محاكم الموضوع بالمملكة، أما غاية الثاني فتتمثل في إجبار السلطة القضائية على التزام حدود اختصاصاتها، ومن تم فإنه لا يعتبر تجاوزا للسلطة مجرد مخالفة نص قانوني موضوعي، أي خرق قاعدة مسطرية.
ويعترف للنيابة العامة بحق استئناف جميع الأوامر القضائية الصادرة عن قاضي التحقيق ماعدا تلك الخاصة بإجراء الخبرة.
تمارس النيابة العامة في علاقتها مع قاضي التحقيق رقابة قضائية على سير إجراءات التحقيق الإعدادي، باعتبارها طرفا أساسيا في الدعوى.

الفقرة الثانية: السهر على تنفيذ المقررات القضائية

يعد تنفيذ المقررات القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما بالمحكوم له، ويؤثر بالتالي على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في الجهاز القضائي.
نظرا لأهمية موضوع تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية باعتبارها أسمى تعبير من كل الأطراف المعنية عن تمجيد القضاء أو تكريم السلطة القضائية، وفي الوقت ذاته اعترافا بحقوق المواطنين واحتراما وتكريسا لحقوق الانسان، خول المشرع للنيابة مهمة السهر على تنفيذ المقررات القضائية.
تتجلى مهمة النيابة العامة مهمة في مجال تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية، في السهر على تنفيذ قرارات التحقيق وغرفة الاتهام مثل احضار المتهم أو القبض أو الابداع كما أنها تسهر على تنفيذ الأحكام القضائية والصادرة من مختلف الجهات القضائية.

خاتمة
هكذا يتضح مما تقدم أن المشرع المغربي منح للنيابة العامة سلطات قضائية وازنة حاول من خلالها التوفيق بين مصالح المجتمع في إنزال العقاب و مصلحة المتهم في محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات.
وفى هذا السياق اتجه المشرع من أجل تعزيز هذه الضمانات السعي إلى عصرنة جهاز النيابة العامة، بإعطائها صلاحيات بديلة تشكل بدائلا للمتابعة ، فكما هو معلوم أن مبدا ملاءمة المتابعة يعطي للنيابة العامة إما المتابعة أو الحفظ بدون متابعة ، إلا أن المشرع في ظهير 2002 أعطى للنيابة العامة أن تسلك طريقا ثالثا وطريق الصلح ، والأكثر من ذلك أن المشرع المغربي في المشروع الجديد وسع من وعاء الصلح ، مما يفيد أن الفلسفة التشريعية تتجه نحو مبادئ العدالة التصالحية.
------------------
لائحة المراجع
عصام المديني، مرشد الشرطة القضائية فى أساليب البحث و التحري و طرق الاستدلال الجنائي، الطبعة الثانية.
فريد السموني ، المعين في المادة الجنائية لولوج المهن القضائية و الأمنية
جواد أمهلول :" الوجيز في المسطرة المدنية"، مطبعة الأمنية، الرباط طبعة 2015.
وزارة العدل ،شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني ،إجراءات المحاكمة و طرق الطعن.
الحبيب بيهي :" شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، الجزء الأول"، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية"، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى 2004
محمد الادريسي العلمي المشيشي ، المسطرة الجنائية ، الجزء الأول المؤسسات القضائية

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -