المرافق العمومية بالمغرب

 مقال بعنوان : المرفق العمومي بالمغرب

المرافق العمومية بالمغرب

مقدمة :
تحتل المرافق العمومية المحلية مكانة هامة للقيام بخدمات أساسية، لأنها تشكل أداة لتلبية الحاجيات اليومية للمواطنين في قطاعات حيوية، كالنقل والماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات والازبال، في إطار حكامة جيدة تعتمد إدارة القرب والفعالية والاستجابة الفورية...الخ، لذا يتعين البحث دائما عن أساليب وطرق لتدبير الخدمات الأساسية في أحسن الظروف.
فيما يخص حكامة التدبير المفوض للمرافق العمومية يمكن القول بأنه لا يمكن القضاء على أزمة تخلف الاستثمار الوطني أو الأجنبي في بلادنا، إلا بإيجاد الحلول القادرة على تخطي المشاكل التي تزيد تفاقم أزمة الثقة بين المستثمر والدولة، وكذلك بالبحث في مواقع الخلل والكشف عنها لمحاولة إيجاد حلول مناسبة تساعد على الخروج من هذه الوضعية الصعبة التي نتجت عنها مظاهرات واحتجاجات بالجملة.
فالأمر يبدو واضحا ولا داعي للتذكير بأن التدبير المفوض ليس هو الخوصصة، وبالتالي تبقى مسؤولية الدولة في الرقابة على تنفيذ العقد تجاه المفوض إليه قائمة، بل تنتقل فقط من دور المسير للمرفق العام المفوض إلى دور المراقب.
إن الحكامة في هذا المجال تتمثل في طرح وسائل وطرق جيدة للتدبير من طرف القطاع الخاص، خاصة بعد فشل مجموعة من المنظمات العمومية في تدبير مرافق عمومية محلية، باعتمادها توجهات غير صائبة في التسيير، وبالتالي منح آليات الشراكة مع القطاع الخاص وإمكانيات وفرص حقيقية من أجل تدبير هذه المرافق، وذلك عن طريق عقد اتفاقيات للشراكة والتعاون أو التدبير المفوض...الخ، وهذا بدوره يتيح آليات جديدة للتدبير وتجاوز الطرق التقليدية، إضافة إلى أن تنفيذ السياسات التنموية المحلية من طرف القطاع الخاص يعتبر أكثر فعالية من الناحية الاقتصادية، مما يدعو إلى البحث المستمر عن ملاءمة وفعالية السياسات التنموية المحلية وضرورة توضيح التزامات الفاعلين وعقلنة التدبير. كل ذلك يقتضي اعتماد مجموعة من المعايير المناسبة لإنجاح هذه التقنية.
تسعى المرافق العامة إلى إشباع حاجات عامة لدى المواطنين. فماذا نقصد بمفهوم المرفق العمومي (المبحث الأول)، وما هي أنوع المرافق العمومية (المبحث الثاني)، وما هي المبادئ الأساسية التي تحكم تسييرها (المبحث الثالث)، وطرق إدارتها (المبحث الرابع) ؟


 المبحث الأول: مفهوم المرفق العمومي

يمكن تعريف المرفق العمومي بأنه "نشاط يحقق مصلحة عامة يسهر عليه شخص معنوي عام."
يتضح من هذا التعريف أن للمرفق العام عنصرين أساسين وهما:
- عنصر وظيفي يتجلى في ممارسة نشاط يحقق المصلحة العامة مع ما يترتب عن ذلك من خضوعه لنظام قانوني متميز.
- عنصر عضوي يتمثل في ارتباط المرفق العمومي بالشخص المعنوي العام.

المبحث الثاني: أنواع المرافق العمومية

تتنوع المرافق العمومية حسب طبيعة النشاط الذي تقوم به (المطلب الأول)، وأيضا حسب النطاق الجغرافي الذي تتواجد فيه (المطلب الثاني)، وكذا حسب مدى تمتعها بالشخصية المعنوية (المطلب الثالث.)

المطلب الأول: أنواع المرافق العمومية من حيث طبيعة نشاطها

تنقسم المرافق العمومية من حيث طبيعة ونوعية النشاط الذي تؤديه إلى مرافق عمومية إدارية (الفرع الأول)، ومرافق عمومية اقتصادية (الفرع الثاني)، ومرافق عمومية اجتماعية (الفرع الثالث)، ومرافق عمومية مهنية (الفرع الرابع.)

 الفرع الأول: المرافق العمومية الإدارية
يقصد بالمرافق العمومية الإدارية تلك المرافق التي ينصب نشاطها على الوظيفة الإدارية الصرفة، والمتصلة بالمهام السيادية والحيوية للدولة، والتي لا يمكن الاستغناء عنها. فجميع الوزارات ومختلف القطاعات الحكومية تشكل مرافق عمومية إدارية.
وتخضع المرافق العمومية الإدارية لأحكام القانون الإداري، واستثناء يمكن أن تخضع لقواعد القانون الخاص كأن تقوم مثلا بإبرام عقد عادي في إطار ما يقرره المرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية[1]. وبالتالي فإن القرارات الصادرة عنها تعتبر قرارات إدارية. والعاملون فيها هم موظفون عموميون يسري عليهم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. ويخضع المتعاقدون لقواعد القانون العام ولنظرية العقد الإداري. وتعتبر أموالها أموالا عامة، وتخضع لقواعد المحاسبة العمومية .والأضرار التي تتسبب فيها للغير تخضع لنظام المسؤولية الإدارية، ولاختصاص القضاء الإداري.

الفرع الثاني: المرافق العمومية الاقتصادية
هي تلك المرافق العمومية التي تمارس نشاطا له طابع تجاري وصناعي يشبه النشاط الذي يزاوله الأفراد العاديون، ومن نماذجها نذكر المكتب الوطني للشاي والسكر، ومكتب التسويق والتصدير، والمكتب الوطني للحبوب والقطاني.
تخضع المرافق العمومية الاقتصادية لقواعد القانون العام والخاص. فهي تخضع لقواعد القانون العام بوصفها مرافق عمومية، وبهذا الوصف تحترم المبادئ التي تحكم سير المرافق العمومية، وتستفيد من امتيازات السلطة العامة. وتخضع لوصاية الدولة ولمراقبتها المالية .
وتخضع لقواعد القانون الخاص نظرا للطابع الخاص لنشاطها الذي يشبه نشاط الأفراد.
وبالنسبة للعاملين في المرافق العمومية الاقتصادية يعتبرون مستخدمين يخضعون للنظام الأساسي الخاص بمستخدمي المؤسسة، ولقواعد القانون الخاص، باستثناء المدير إذا كان ملحقا من وظيفة عمومية أما إذا عين من القطاع الخاص فلا يسري عليه النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وإن اعتبره القضاء موظفا عموميا[2]. كما يعتبر كل من المراقب المالي والمحاسب العمومي المعينان لممارسة مهام الرقابة المالية بالمؤسسة، موظفين تابعين لوزارة المالية.

الفرع الثالث:المرافق العمومية الاجتماعية
يقصد بالمرافق العمومية الاجتماعية تلك المرافق التي تقوم بأنشطة ذات طبيعة اجتماعية تسعى إلى تحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين أو إلى توفير بعض الخدمات الاجتماعية لهم. ومن أمثلة هذه المرافق العمومية نجد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق المغربي للتقاعد، ومؤسسة التعاون الوطني، ومؤسسة الحسن الثاني للنهوض بالأعمال الاجتماعية لفائدة العاملين بالقطاع العمومي للصحة.

الفرع الرابع المرافق العمومية المهنية
تقوم المرافق العمومية المهنية بمهمة المراقبة وتوجيه النشاط المهني بواسطة هيئاتمهنية منحها المشرع الشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وتتكون من أصحاب المهنة المعنية. ومن أمثلة هذه المرافق العمومية المهنية نجد الغرف المهنية التي تشمل غرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الصناعة التقليدية وغرف الفلاحة وغرف الصيد البحري.

المطلب الثاني: أنواع المرافق العمومية من حيث النطاق الجغرافي

نميز في هذا الإطار بين المرافق العمومية الوطنية (الفرع الأول) والمرافق العمومية المحلية (الفرع الثاني.)

الفرع الأول: المرافق العمومية الوطنية
تتميز المرافق العمومية الوطنية باتساع النطاق الجغرافي لنشاطها الذي يمتد إلى مجموع تراب المملكة، ومن أمثلتها نذكر مرفق الأمن، ومرفق القضاء، ومرفق التعليم، ومرفق الصحة.

الفرع الثاني: المرافق العمومية المحلية
المرافق العمومية المحلية هي تلك المرافق التي تتولاها الجماعات الترابية، وتمارس نشاطها على مستوى الجهة أو العمالة أو الإقليم أو الجماعة. ومن نماذجها نذكر مرفق التطهير، ومرفق النظافة، ومرفق النقل الحضري، ومرفق توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، ومرفق الإنارة العمومية وغيرها ...

المطلب الثالث: أنواع المرافق العمومية من حيث تمتعها بالشخصية المعنوية

نميز في هذا الموضوع بين المرافق العمومية ذات الشخصية المعنوية (الفرع الأول) والمرافق العمومية غير المتمتعة بهذه الشخصية المعنوية (الفرع الثاني).

الفرع الأول المرافق العمومية ذات الشخصية المعنوية
تتمتع هذه المرافق العمومية بشخصية معنوية عامة، وتملك نوعا من الاستقلال الإداري والمالي كما هو الأمر بالنسبة للمرافق العمومية المنظمة في شكل مؤسسات عمومية.
ويعود الاختصاص في منح الشخصية المعنوية للمرافق العمومية إلى القانون. ويترتب عن التمتع بهذه الشخصية المعنوية النتائج التالية:
-امتلاك ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للأشخاص الطبيعيين الذين يمثلون المؤسسة، وأيضا عن الذمة المالية للدولة أو للجماعات الترابية؛
-التمتع بالأهلية القانونية أي بأهلية القيام بالتصرفات القانونية، وبالمثول أمام القضاء.
-الخضوع للمسؤولية الإدارية؛
-الاستفادة من امتيازات السلطة العامة من خلال سلطة إصدار القرارات الإدارية وإبرام العقود الإدارية ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة.

الفرع الثاني: المرافق العمومية غير المتمتعة بالشخصية المعنوية
يقصد بها المرافق العمومية التي لا تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن الدولة أو عن إحدى الجماعات الترابية .وفي هذا الإطار نميز بين المرافق العمومية ذات الاستغلال المباشر (الفقرة الأولى) ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: المرافق العمومية ذات الاستغلال المباشر la régie
يقصد بها تلك المرافق العمومية الخاضعة مباشرة لإدارة وتسيير وإشراف الدولة أو الجماعات الترابية عن طريق موظفيها وأموالها. ومن نماذجها نذكر مرفق الأمن الذي يسير من قبل المديرية العامة للأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية، ومرفق التعليم الذي يسير من قبل وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، ومرفق الصحة الذي يدار من قبل وزارة الصحة ،ومرفق الحالة المدنية الذي تسهر عليه مباشرة الجماعة.

الفقرة الثانية مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة S.E.G.M.A
تندرج مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة ضمن المرافق العمومية التي لا تتمتعبالشخصية المعنوية. وهي صورة من صور الاستغلال المباشر .
تعرف مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة بأنها مصالح الدولة غير المتمتعة بالشخصية الاعتبارية والتي تغطي بموارد ذاتية بعض نفقاتها غير المقتطعة من الاعتمادات المقيدة في الميزانية العامة. ويهدف نشاطها أساسا إلى إنتاج سلع أو تقديم خدمات مقابل دفع أجر .
وتحدث مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة بمقتضى قانون المالية الذي تقدر فيه مداخيلها ويحدد به المبلغ الأقصى للنفقات الني يمكن اقتطاعها من ميزانياتها. ومن أمثلة مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة نجد المركز الوطني لتحاقن الدم بالرباط، المركز الوطني للوقاية من الأشعة، المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين، المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، المركب الرياضي بفاس، المراكز الجهوية للاستثمار وغيرها...

المبحث الثالث: مبادئ سير المرافق العمومية

تخضع المرافق العمومية في تسييرها لبعض المبادئ والمعايير الأساسية نص عليها الدستور في الفصل 154 كالتالي: "يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني والاستمرارية في أداء الخدمات. وتخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية وتخضع في تسييرها لمبادئ وقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور."
كما نصت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية على هذه المبادئ في إطار قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر.
وهكذا يتضح من الفصل 154 المذكور أن المرافق العمومية تخضع للمبادئ والمعايير التالية:
- مبدأ المساواة (المطلب الأول)؛
- مبدأ الاستمرارية (المطلب الثاني)؛
- مبدأ التغيير والتعديل (المطلب الثالث)؛
- معيار الجودة (المطلب الرابع)؛
- معيار الشفافية (المطلب الخامس)؛
- معيار المحاسبة والمسؤولية (المطلب السادس)؛
- مبادئ وقيم الديمقراطية (المطلب السابع).
ونتناول فيما يلي هذه المبادئ والمعايير كل على حدة.

المطلب الأول: مبدأ المساواة أمام المرافق العمومية

بالإضافة إلى ما جاء في الفصل 154 من الدستور، هناك مقتضيات دستورية أخرى تنص على مبدأ المساواة. من ذلك ما جاء في الفصل 19 كالتالي: "يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى وكذا في الإتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب."
ومن أهم مظاهر وتطبيقات مبدأ المساواة أمام المرافق العمومية هناك المساواة بين المواطنين في الانتفاع من خدمات المرفق العمومي، والمساواة بين المواطنين في ولوج وظائفه والمساواة في تحمل الأعباء المترتبة عنه، ومبدأ حياد المرافق العمومية، والإنصاف في تغطية التراب الوطني.

المطلب الثاني: مبدأ استمرارية المرفق العمومي في أداء خدماته

يقتضي هذا المبدأ استمرارية ومواصلة المرافق العمومية في أداء المهام التي من أجلها أنشئت بدون توقف. لأن من شأن هذا التوقف أن يحدث اضطرابا وانزعاجا لدى المواطنين الذين لا يستطيعون الاستغناء عن خدماتها. كما هو الشأن بالنسبة لمرفق الأمن الذي يحفظ الأمن والسلام والسكينة داخل الدولة بشكل منتظم ومطرد .
ليس هناك تطبيقا واحدا وموحدا لمبدأ الاستمرارية في جميع المرافق العمومية، وإنما يختلف بحسب طبيعة أنشطتها. إذ يعني في بعض المرافق العمومية العمل المستمر وغير المنقطع كما هو الحال في مجال الأمن الوطني، وفي مجال الصحة العمومية، وفي مجال الوقاية المدنية، ويفيد في مرافق أخرى العمل وفق توقيت محدد سلفا، وخلال أيام معينة وهو حال أغلب المرافق العمومية بالدولة .
يعد مبدأ استمرارية المرفق العمومي في أداء خدماته من أهم المبادئ التي أقرها الاجتهاد القضائي، وكرسها المشرع الدستوري والعادي. لذلك تم تنظيم استقالة الموظف، وزجر تغيبات الموظفين غير المشروعة عن العمل ووضع ضوابط وشروطا لممارسة حق الإضراب بل وتحريمه في بعض المرافق العمومية الحيوية،وابتدع القضاء من أجل تأمين وضمان استمرارية المرافق العمومية في أداء خدماتها بعض النظريات كنظرية الموظف الفعلي، ونظرية الظروف الطارئة .

المطلب الثالث: مبدأ قابلية المرفق العمومي للتعديل والتغيير

يقصد بهذا المبدأ أن المقتضيات القانونية المنظمة للمرافق العمومية يمكن أن تخضع للتعديل والتغيير بهدف تمكين المرفق من مواكبة حاجات المجتمع، ومتطلبات المصلحة العامة، ومسايرة جميع التطورات الجديدة التي تحدث في مجال نشاطه. وبالتالي لا يمكن سواء للمستفيدين من خدمات المرفق العمومي أو العاملين فيه التمسك بالحقوق المقررة في النصوص التشريعية والتنظيمية السابقة. بمعنى أن هذه النصوص لا تنشئ حقوقا مكتسبة للغير إلا بتطبيقات فردية، وهو ما أكدته الغرفة الإدارية في أحد قراراتها الذي صاغته كالتالي: "وحيث إن مرفق التعليم كغيره من المرافق العامة لا يمكن أن يظل مرفقا جامدا، بل من المفروض أن يخضع للتطور، وأن يستجيب لحاجيات المجتمع وللمصلحة العامة من حيث برامجه وأهدافه وطريقة تنظيم الولوج إليه.
وحيث إن الإدارة المشرفة على التعليم العالي تتوفر على كل المؤهلات، والإمكانيات الضرورية لإدخال التغييرات والتعديلات التي تراها ضرورية لضمان الأداء الجيد لهذا المرفق...وحيث إن مؤدى ذلك أن المقرر المطلوب إلغاءه لم يخرق أي حق مكتسب"[3].
إن من شأن هذا المبدأ أن يمنح للمرفق العمومي مرونة كبيرة تسمح له بأن يتلاءم مع المعطيات الجديدة التي تتطلبها المصلحة العامة التي يصعب تحديدها بدقة مسبقا مادام مفهومها يتغير حسب ظروف الزمان والمكان.

المطلب الرابع: معيار الجودة

يعتبر معيار الجودة الذي يحكم عمل المرافق العمومية من المعايير التي نص عليها الدستور، ويفيد أن على المرفق العمومي أن يؤدي خدماته لعموم الأفراد بجودة عالية. وهو ما يتطلب من السلطات العمومية المسيرة لهذه المرافق أن تسهر على أن توفر لها جميع إمكانيات ووسائل الاشتغال. كما يتطلب هذا المعيار من السلطات العمومية أن تتبنى الطريقة المثلى في إدارة هذه المرافق وتسعى إلى ذلك.

المطلب الخامس: معيار الشفافية

يفيد معيار الشفافية الذي نص عليه الدستور في كل من الفصلين 154 و155، أن تقوم المرافق العمومية بالاشتغال في جو تطبعه الشفافية القصوى؛ بمعنى أن جميع قواعد تسيير وتدبير هذه المرافق يجب أن تكون معلومة للجميع بشكل علني في منأى عن أية سرية أو تحفظ. لذلك يرتبط هذا المعيار بالحق في الحصول على المعلومة الذي نص عليه الدستور في الفصل 27. كما يوجب هذا المبدأ على المرافق العمومية أن تنفتح على المرتفقين في إطار ما ينص عليه الفصل 156 وتتلقى ملاحظاتهم، واقتراحاتهم وتظلماتهم وتسهر على تتبعها.
وقد حرص المشرع على تضمين عقود التدبير المفوض للمرافق العمومية وعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص بعض المقتضيات التي من شأنها أن تضمن شفافية المرفق من خلال إقراره لنظام الإعلام ونشر المعلومات المالية والتدقيق.

المطلب السادس: معيار المحاسبة والمسؤولية

تخضع المرافق العمومية لمبدأ المحاسبة والمسؤولية الذي يفيد أن على المرافق العمومية أن تقدم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية طبقا للقوانين الجاري بها العمل لذلك فهي تخضع للمراقبة والتقييم والتدقيق وفقا لما ينص عليه الفصل 156 من الدستور .

المطلب السابع: مبادئ وقيم الديمقراطية

هناك العديد من المبادئ والقيم التي أرسها الدستور، والتي يجب أن تخضع لها المرافق العمومية في تسييرها، وتدبيرها، وهي بالإضافة إلى المبادئ، والمعايير التي سبق ذكرها هناك مبدأ احترام القانون، والنزاهة، والتشارك، والفعالية، ومبدأ المصلحة العامة، ومبدأ سيادة القانون.

المبحث الرابع: أساليب إدارة المرافق العمومية

تتنوع أساليب إدارة المرافق العمومية بحسب طبيعة نشاط كل مرفق. فمنها ما يقتضي طبيعة نشاطها إدارتها بطريقة مباشرة من قبل السلطات الإدارية كمرفق الأمن والقضاء أو إحداث شخص معنوي عمومي. أو إسناد أمر إدارتها واستغلالها إلى أشخاص من القانون العام أو الخاص في إطار نظام التدبير المفوض للمرافق العمومية أو عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ونعرض أساليب إدارة المرافق العمومية فيما يلي:
- أسلوب الاستغلال المباشر (المطلب الأول)؛
- أسلوب التسيير المستقل (المطلب الثاني)؛
- أسلوب المؤسسة العمومية (المطلب الثالث)؛
- أسلوب التدبير المفوض (المطلب الرابع)؛
- أسلوب الامتياز (المطلب الخامس.)

المطلب الأول: أسلوب الاستغلال المباشر La régie

يقصد بأسلوب الاستغلال المباشر قيام الدولة أو الجماعات الترابية بنفسها بإدارة مرفق عمومي بأموالها وموظفيها مع تحملها لجميع المسؤوليات والمخاطر الناجمة عن هذا الاستغلال.
تستعمل الدولة كثيرا هذا الأسلوب في تدبير المرافق العمومية الإدارية الصرفة كمرفق الأمن، ومرفق القضاء، ومرفق التعليم، وقلما تلجأ إليه في إدارة المرافق العمومية الاقتصادية.
وتتميز المرافق العمومية المدارة بأسلوب الاستغلال المباشر أو أسلوب الإدارة المباشرة بالخصائص التالية:
- تعيين الدولة والجماعات الترابية لجميع الموظفين والأعوان بها؛
- خضوع أملاكها لنظام الأموال العامة من حيث عدم جواز الحجز عليها أو التصرف فيها أو اكتساب ملكيتها بالتقادم؛
- عدم التمتع بشخصية معنوية عامة مستقلة عن الشخصية المعنوية للدولة والجماعات الترابية؛
- التوفر على امتيازات السلطة العمومية؛
- عدم التوفر على ميزانية مستقلة عن ميزانية الدولة أو الجماعات الترابية.

المطلب الثاني: أسلوب التسيير المستقل

يعتبر كما سلف الذكر أسلوب التسيير المستقل صورة مخففة من الاستغلال المباشر .ويطلق على المرافق العمومية الخاضعة لهذا الأسلوب في التدبير بمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة .

المطلب الثالث: أسلوب المؤسسة العمومية

يكتسي أسلوب المؤسسة العمومية أهمية كبرى في الوقت الراهن ذلك أن العديد من المرافق العمومية التي كانت تدار بواسطة الاستغلال المباشر أصبحت تدار عن طريق المؤسسة العمومية. وهي طريقة تتلاءم كثيرا مع الأنشطة التي تتميز بالسرعة والمرونة ،وتتطلب في إدارتها قدرا من الاستقلال الإداري والمالي. وقد عرفت إدارة المرافق العمومية من خلال نظام المؤسسة العمومية تطورا متناميا وانتشارا واسعا استخدمتها الدولة لتحقيق مختلف تدخلاتها في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وكذا في بعض المجالات الإدارية.
وتوجد المؤسسة العمومية في صور وأشكال عديدة ومختلفة كالوكالات، والمراكز ،والمعاهد، والصناديق والمكاتب، والأكاديميات، والمختبرات، وغيرها .
نتناول بالدراسة في إطار هذا الأسلوب في إدارة المرافق العمومية الجوانب التالية:
- مفهوم المؤسسة العمومية (الفرع الأول)؛
- عناصر المؤسسة العمومية (الفرع الثاني)؛
- أنواع المؤسسات العمومية (الفرع الثالث)؛
- إحداث المؤسسات العمومية (الفرع الرابع)؛
- الأجهزة الإدارية للمؤسسات العمومية (الفرع الخامس);
- إنقضاء المؤسسات العمومية (الفرع السادس) .

الفرع الأول: تعريف المؤسسة العمومية
يدرج الفقه الإداري المؤسسة العمومية ضمن صورة اللامركزية الإدارية المرفقية. وهي شخص من أشخاص القانون العام تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، وتتكلف بتسيير مرفق عمومي إداري أو اقتصادي أو اجتماعي، وتخضع للمراقبة الإدارية والمالية.
استنادا إل التعريف السابق تتميز المؤسسة العمومية بمجموعة من العناصر نجملها فيما يلي:

الفقرة الأولى: المؤسسة العمومية مرفق عمومي يتمتع بالشخصية المعنوية

من نتائج الاعتراف للمؤسسة العمومية بالشخصية المعنوية تمتعها بالاستقلال الإداري والمالي. ومفاد ذلك أن المؤسسة العمومية تتكون من أجهزة تقريرية وتنفيذية لممارسة النشاط الموكول إليها، وتتمتع بذمة مالية مستقلة عن الشخص العام الذي أحدثها، وقد تعتمد في تسير نشاطها على مجموعة من المستخدمين الخاصين بها يخضعون لأنظمة أساسية خاصة.

الفقرة الثانية: التخصص

بمعنى أن تؤدي المؤسسة العمومية نشاطا محددا بشكل لا يتعارض مع الهدف الذي أنشئت من أجله، والمنصوص عليه في قانون إحداثها. وقد تمارس المؤسسة العمومية أنشطة أخرى شريطة أن تكون مكملة لنشاطها الأصلي، وأن تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وفق ما انتهى إليه مجلس الدولة في رأيه الاستشاري الصادر بتاريخ 7 يوليوز 1994 بخصوص الأنشطة المتنوعة لكل من كهرباء فرنسا (EDF) وغاز فرنسا(GDF) باعتبارهما مؤسستين عموميتين.

الفقرة الثالثة: خضوع المؤسسة العمومية للمراقبة

تخضع المؤسسات العمومية إلى وصاية إدارية ومراقبة مالية. ويقصد بالوصاية الإدارية خضوع هذه المؤسسات العمومية لرقابة وإشراف الوزير الذي يرتبط نشاطها بمجالات اختصاصاته أما المراقبة المالية فيقصد بها خضوع هذه المؤسسات للمراقبة المالية للدولة في إطار ما يقرره القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيآت أخرى الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.03.195 بتاريخ 11 نونبر 2003.
الفرع الثاني: أنواع المؤسسات العمومية
تتنوع المؤسسات العمومية حسب النطاق الجغرافي الذي تمارس فيه نشاطها (الفقرة الأولى)، وحسب طبيعة النشاط الذي تقوم به (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المؤسسات العمومية من حيث النطاق الجغرافي
تنقسم المؤسسات العمومية من حيث النطاق الجغرافي إلى مؤسسات عمومية وطنية مثل
المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وإلى مؤسسات عمومية محلية كالوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء.

الفقرة الثانية: المؤسسات العمومية من حيث طبيعة نشاطها
تنقسم المؤسسات العمومية من حيث طبيعة نشاطها إلى مؤسسات عمومية إدارية (أولا) ،ومؤسسات عمومية اقتصادية (ثانيا)، ومؤسسات عمومية اجتماعية (ثالثا)، ومؤسسات عمومية مهنية (رابعا).

أولا: المؤسسات العمومية الإدارية
تعتبر المؤسسات العمومية الإدارية من أشخاص القانون العام تمارس نشاطا ذا طبيعة إدارية، وتتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، والعاملون فيها موظفون عموميون. ويمكنها أن تصدر قرارات إدارية، وأن تبرم عقودا إدارية، ويمكنها بصفة استثنائية أن تطبق قواعد القانون الخاص، وتتصرف كالخواص في الحالات المقررة في النصوص القانونية. ومن نماذجها الوكالات الحضرية، وأرشيف المغرب، والمعهد العالي للقضاء وغيرها.

ثانيا: المؤسسات العمومية الاقتصادية
تعتبر المؤسسة العمومية الاقتصادية شخصا من أشخاص القانون العام تدير مرفقا تجاريا وصناعيا تتمتع باستقلال إداري ومالي، وتخضع لنظام قانوني مختلط يمزج بين القانون العام والقانون الخاص. وهذا النوع من المؤسسات هو الغالب في نظام المؤسسات العمومية. وهناك نماذج كثيرة عنها من ذلك صندوق الإيداع والتدبير، ومكتب التنمية الصناعية، والمكتب الوطني للنقل، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ،والمركز المغربي لإنعاش الصادرات، ومكتب التسويق والتصدير، والمكتب الوطنيللحبوب والقطاني وغيرها.
وبالنسبة للعاملين في هذه المؤسسات يعتبرون مستخدمين خاضعين للأنظمة الأساسية الخاصة للمؤسسات المعنية، ولا يطبق عليهم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية باستثناء المراقب المالي والمحاسب العمومي اللذان يعتبران موظفين عموميين تابعين للوزارة المكلفة بالمالية. أما مدير المؤسسة وإن أدرجه القضاء في خانة الموظفين كما سبق القول، إلا أنه لا يخضع للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ولا يسري عليه تعريف الموظف الوارد في الفصل الثاني منه إلا إذا كان ملحقا من وظيفة عمومية بإدارة الدولة أو الجماعات الترابية.

ثالثا: المؤسسات العمومية المهنية
تعتبر المؤسسة العمومية المهنية من الأشخاص المعنوية العامة تتكون من أعضاء المهنة المعنية تدير مرفقا عموميا مهنيا، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي. وكمثال عن هذه المؤسسات العمومية المهنية نذكر غرف التجارة والصناعة والخدمات، وغرف الصناعة التقليدية، والغرف الفلاحية، وغرف الصيد البحري.

رابعا: المؤسسات العمومية الاجتماعية
تهدف هذه المؤسسات إلى تقديم خدمات اجتماعية لعامة المواطنين أو لفئة محددة منهم، ومن أمثلتها نجد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق المغربي للتقاعد، ووكالة التنمية الاجتماعية، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ،ومؤسسة الحسن الثاني للنهوض بالأعمال الاجتماعية لفائدة العاملين بالقطاع الصحي العمومي، ومؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لفائدة رجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية، والمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي وزارة العدل ،وغيرها .

الفرع الثالث: إحداث المؤسسات العمومية
إن إحداث المؤسسات العمومية الوطنية يدخل في نطاق القانون وهذا ما جاء في الفصل 71 من دستور 2011 .

الفرع الرابع: الأجهزة المسيرة للمؤسسات العمومية
تتولى إدارة المؤسسات العمومية أجهزة تختلف تسميتها، وتشكيلها باختلاف المؤسسات العمومية ذاتها. ويمكن تقسيم هذه الأجهزة إلى أجهزة تقريرية (الفقرة الأولى) وأجهزة تنفيذية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الأجهزة التقريرية للمؤسسات العمومية

نعرض فيما يلي تشكيلة هذه الأجهزة (أولا)، وطريقة تسييرها (ثانيا)،كذا اختصاصها (ثالثا).

أولا: تشكيلة الأجهزة التقريرية
تتمثل الأجهزة التقريرية للمؤسسات العمومية في مجلس الإدارة(1) أو اللجنة المديرية (2) أو مجلس التوجيه والمراقبة(3).
1-مجلس الإدارة
- يدير بعض المؤسسات العمومية مجلس الإدارة، وتختلف تشكيلته من مؤسسة عمومية إلى أخرى حسب طبيعة النشاط الذي تمارسه.
2-اللجنة المديرية
تتوفر بعض المؤسسات العمومية على اللجنة المديرية كجهاز تقريري أو تداولي. ومن أمثلة هذا النوع من المؤسسات بهذه الأجهزة التقريرية نذكر مؤسسة الحسن الثاني للنهوض بالأعمال الاجتماعية لفائدة العاملين بالقطاع العمومي الصحي .
3-مجلس التوجيه والمراقبة
تتوفر بعض المؤسسات العمومية على مجلس التوجيه والمراقبة كجهاز تقريري .
وكمثال عن ذلك نذكر المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية للقضاة، وموظفي وزارةالعدل .

ثانيا: تسيير الأجهزة التقريرية
تسند رئاسة الأجهزة التقريرية بالمؤسسات العمومية إلى رئيس الحكومة أو إلى السلطة
الحكومية التي يفوض إليها هذه الرئاسة إلا إذا قضى القانون بخلاف ذلك. وهذا ما يتجلى من خلال العديد من القوانين المنشئة للمؤسسات العمومية فقد أسند القانون رقم 038.13 المحدث للمدرسة الوطنية العليا للإدارة رئاسة مجلس إدارتها لرئيس الحكومة أو للسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية بتفويض منه .
وتشترك المؤسسات العمومية في الكثير من الجوانب المتعلقة بطريقة تسييرها كيفما كانت طبيعة جهازها التداولي أو التقريري. وهكذا يجتمع هذا الجهاز بدعوة من رئيسه بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أو نصف أعضائه، حسب الحالة، مرتين في السنة على الأقل، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك.
ويشترط لصحة مداولات المجلس أن يحضرها على الأقل نصف أعضائه أو ممثليهم. وإذا لم يتوافر هذا النصاب في الاجتماع الأول يدعو الرئيس الأعضاء لاجتماع ثان، وتكون حينئذ المداولات صحيحة أيا كان عدد الأعضاء الحاضرين.
وتتخذ القرارات داخل المجلس التداولي بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين أو ممثليهم فإن تعادلت الأصوات رجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس..

ثالثا: اختصاصات الأجهزة التقريرية
تتمتع الأجهزة التقريرية بالمؤسسات العمومية بجميع السلط والصلاحيات لإدارة المؤسسة، وإنجاز مهامها لذلك تناط بها المهام التالية:
- المصادقة على برنامج العمل السنوي للمؤسسة بناء على الإستراتيجية التي تضعها هذه الأجهزة، والتوجهات التي تحددها الحكومة؛
- المصادقة على الميزانية السنوية؛
- حصر الحسابات السنوية للمؤسسة؛
- تجديد إستراتيجية عمل المؤسسة؛
- حصر برنامج عمل المؤسسة؛
- المصادقة على النظام الداخلي للمؤسسة الذي يحدد كيفيات تنظيم وسيرالمؤسسة؛
- تحديد النظام الأساسي لمستخدمي المؤسسة الذي يضع على الخصوص شروط التوظيف والأجر والمسار المهني للمستخدمين؛
- المصادقة على التنظيم الإداري للمؤسسة؛
- المصادقة على الاتفاقيات والعقود التي تبرمها المؤسسة؛
- تحديد الشروط والأشكال التي تبرم وفقها صفقات الأشغال، والتوريدات ،والخدمات لفائدة المؤسسة، مع مراعاة مطابقتها للأحكام والشروط المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية؛
- اتخاذ جميع التدابير لتنمية وتطوير جودة المشاريع الاجتماعية التي تقوم المؤسسة بتدبيرها أو تديرها هيئات أخرى لفائدتها.
تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للأجهزة التقريرية بالمؤسسات العمومية أن تفوض بعض صلاحياتها، بحسب الحالة، لرئيس المؤسسة أو للمدير العام أو المدير الذين يمارسون اختصاصات واسعة لتسيير المؤسسات العمومية.

الفقرة الثانية: الأجهزة التنفيذية للمؤسسات العمومية

يعتبر المدير العام أو المدير أو رئيس المؤسسة الجهاز التنفيذي بالنسبة للمؤسسات العمومية، ويتمتع بسلطات واسعة في هذا الإطار. وتتجلى في ما يلي:
- تنفيذ قرارات الجهاز التقريري؛
- الالتزام بنفقات المؤسسة وتصفيتها والأمر بصرفها1؛
- التعيين في مناصب المؤسسة العمومية وفقا للقانون الأساسي لمستخدميها؛
- تمثيل المؤسسة إزاء الدولة وكل إدارة عمومية أو خاصة وإزاء الغير؛
- تمثيل المؤسسة أمام المحاكم، وإقامة جميع الدعاوى القضائية للدفاع عنمصالح المؤسسة العمومية؛
- اقتراح مشاريع الاتفاقيات والعقود المزمع إبرامها من قبل المؤسسة؛
- الإشراف على تدبير مجموع المصالح وتنسيق أنشطتها.
ويمكن للجهاز التنفيذي أن يتلقى تفويضا من الجهاز التقريري لتسوية قضايا محددة كما يجوز له أن يفوض تحت مسؤوليته جزءا من سلطته وصلاحياته إلى المسؤولين والمستخدمين العاملين تحت إمرته.

الفرع الخامس: مراقبة المؤسسات العمومية
نميز في إطار المراقبة الممارسة على المؤسسات العمومية بين الوصاية الإدارية (الفقرة الأولى)، والمراقبة المالية (الفقرة الثانية)، والمراقبة البرلمانية (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: الوصاية الإدارية

تخضع المؤسسات العمومية الوطنية لمراقبة إدارية تسمى بالوصاية الإدارية يقوم بها حسب الحالات رئيس الحكومة أو الوزير الذي يرتبط نشاط المؤسسة باختصاصاته. ويكون الهدف منها ضمان تقيد أجهزة المؤسسة المختصة بمقتضيات القانون المنظم لها خصوصا فيما يتعلق بالمهام المسندة إليها، وبوجه عام السهر على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العمومية .

الفقرة الثانية: المراقبة المالية

تخضع المؤسسات العمومية للمراقبة المالية للدولة والتي نميز فيها بين المراقبة التي يقوم بها المجلس الأعلى للحسابات باعتباره يمارس رقابة عليا على تنفيذ قوانين المالية والمراقبة التي تقوم بها وزارة المالية من خلال مختلف مصالحها.

الفقرة الثالثة: المراقبة البرلمانية

تخضع المؤسسات العمومية لمراقبة السلطة التشريعية، وذلك من خلال عدة آليات تتمثلفي الأسئلة الشفهية والكتابية التي يوجهها البرلمانيون للسلطات الحكومية الوصية على المؤسسات العمومية. وكذلك من خلال اللجان النيابية لتقصي الحقائق طبقا للفصل 67 من الدستور، والتي تشكل بمبادرة من الملك أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين. ويناط بهذه اللجان جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة أو بتدبير المؤسسات العمومية وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها.
ولا يجوز تكوين هذه اللجان في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية ما دامت هذه المتابعات جارية، وتنتهي مهمتها فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها.
لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها، وتنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني، وعند الاقتضاء، بإحالته على القضاء من قبل رئيس هذا المجلس.
وتخصص جلسة عمومية داخل المجلس المعني لمناقشة تقارير لجان تقصي الحقائق.
كما أنه من بين التقارير التي يجب أن ترفق بمشروع قانون المالية السنوي للتصويت عليه من قبل البرلمان هناك تقرر حول المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية، وذلك طبقا للمادة 48 من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية .

الفرع السادس: انقضاء المؤسسة العمومية
يمكن إرجاع انقضاء المؤسسة العمومية إلى الأسباب التالية:
-الدمج؛ من خلال دمج مؤسسة عمومية مع مؤسسة عمومية أخرى، والمثال الأبرز عن هذه الحالة يقدمها المكتب الوطني للماء الصالح للشرب الذي أدمج مع المكتب الوطني للكهرباء وفق القانون رقم 40.09 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.160 بتاريخ 29 سبتمبر 2011.
-التحويل؛ يمكن أن تنقضي المؤسسة العمومية بتحويلها إلى شركة مساهمة. فبعد صدور القانون رقم 24.96 الصادر بتاريخ 7 غشت 1997 أصبح المكتب الوطني للبريد والمواصلات شركة مساهمة تحمل إسم اتصالات المغرب. كما تم تحويل المؤسسات الجهوية للتجهيز والبناء إلى شركة مساهمة جهوية تسمى بالعمران بمقتضى القانون رقم 27.03 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.50 بتاريخ 17 أبريل 2007.

المطلب الخامس: عقد التدبير المفوض

لقد دخل عقد التدبير المفوض حيز التطبيق في المغرب ابتداء من سنة 1997، في مجال الماء والكهرباء والتطهير والسائل، إذ أبرمت المجموعة الحضرية للدار البيضاء عقدا بتاريخ 28/04/1997 مع الشركة الفرنسية "ليونيزدي زو" لمدة 30 سنة. كما أبرمت المجموعات الحضرية للرباط، سلا وتمارة والجماعتان الحضريتان للصخيرات وبوزنيقة والجماعات القروية لسيدي بوقنادل والسهول وعين عتيق والصالح ومرس الخير وسيدي يحي زعير وشراط الممثلة من طرف رؤساء مجالسها عقدا بتاريخ 14 ماي 1998 مع شركة ريضال وهي شركة مجهولة الإسم خاضعة للقانون المغربي.
وتم إبرام هذه العقود دون وجود إطار قانوني ينظمها. إلا أنه بتاريخ 16/3/ 2006 صدر بالجريدة الرسمية قانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة الذي نظم جوانب كثيرة في هذا النوع من العقود، وقد عرف عقد التدبير المفوض في المادة الثانية كالتالي: "يعتبر التدبير المفوض عقدا يفوض بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى "المفوض" لمدة محددة تدبير مرفق عام يولي مسؤوليته إلى شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى المفوض إليه يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا ."
يتكون عقد التدبير المفوض طبقا للمادة 12 من القانون رقم 54.05 السالف الذكر من الإتفاقية ودفتر التحملات والملحقات. فالإتفاقية تحدد الإلتزامات التعاقدية الأساسية لكل من المفوض والمفوض إليه. أما دفتر التحملات فإنه يتكون من البنود الإدارية والتقنية التي تحدد شروط الاستغلال والواجبات والالتزامات المتعلقة باستغلال المرفق المفوض أو بإنجاز أشغال أو منشآت. وعليه فقد تضمن دفتر التحملات في إطار عقد التدبير المفوض المبرم مع شركة ريضال لتوزيع الماء الصالح للشرب وتوزيع الطاقة الكهربائية المقتضيات التالية:
-المقتضيات العامة المتعلقة بموضوع العقد والتعريف بالمرافق المعنية؛
-المقتضيات المتعلقة بالالتزامات العامة للمفوض إليه وبالمسؤولية وبالتأمينات وبالتعاقد من الباطن؛
-المقتضيات المتعلقة بالتزامات ومسؤوليات السلطة المفوضة خاصة في مجال الإشراف والمراقبة؛
-المقتضيات المتعلقة باحترام الشروط التقنية الخاصة بالمرفق أو المرافق المعنية؛
-المقتضيات المتعلقة بالمستخدمين؛
-المقتضيات المتعلقة بالوسائل المادية للتدبير والأملاك؛
-المقتضيات المتعلقة بالجزاءات وآليات السهر على حسن تدبير المرفق في حالة الصعوبات.
أما الملحقات فتتكون من جميع المستندات المرفقة للاتفاقية، ولدفتر التحملات والواردة بصفتها ملحقة في الاتفاقية أو في دفتر التحملات. وتتضمن الوثائق الملحقة بالخصوص جردا للأموال المنقولة والعقارات الموضوعة تحت تصرف المفوض إليه، وكذلك قائمة بأسماء المستخدمين ووضعيتهم الإدارية بالمرفق العام المفوض تدبيره.
ويمكن للحكومة إعداد عقود نموذجية بشأن التدبير المفوض المبرم من قبل الجماعات الترابية وهيآتها، ويمكنها كذلك تحديد لائحة البنود الإجبارية في العقد، وكذا كيفيات المصادقة والتأشير عليه.
نتناول تباعا في ما يلي طرق إبرام عقد التدبير المفوض (الفرع الأول)، ومدته (الفرع الثاني).

الفرع الأول: طرق إبرام عقد التدبير المفوض
يتم إبرام عقد التدبير المفوض عن طريق المنافسة (الفقرة الأولى)، وعن طريق التفاوض المباشر (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الدعوة إلى المنافسة

لاختيار المفوض إليه يجب على المفوض ما عدا في بعض الحالات الاستثنائية القيام بالدعوة إلى المنافسة قصد ضمان المساواة بين المترشحين، وموضوعية معايير الاختيار ،وشفافية العمليات، وعدم التحيز في اتخاذ القرارات. لذلك يجب أن تكون مسطرة إبرام عقد التدبير المفوض موضوع إشهار مسبق.
تحدد أشكال وكيفيات إعداد وثائق الدعوة إلى المنافسة ولاسيما مختلف مراحلها بالنسبة للجماعات الترابية من قبل الحكومة.

الفقرة الثانية: التفاوض المباشر

الأصل أن يتم إبرام عقد التدبير المفوض بأسلوب المنافسة إلا أنه يمكن استثناء اللجوء إلى التفاوض المباشر لاختيار المفوض إليه في الحالات الآتية:
1-في حالة الاستعجال قصد ضمان استمرارية المرفق العام؛
2-لأسباب يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام؛
3-بالنسبة إلى الأنشطة التي يختص باستغلالها حاملو براءات الاختراع أو بالنسبة إلى الأعمال التي يمكن أن يعهد بإنجازها إلى مفوض إليه معين؛
إذا لم يتم تقديم أي عرض أو إذا تم الإعلان عن عدم جدوى الدعوى إلى المنافسة. يمكن للمفوض المعني أن يلجأ إلى التفاوض المباشر. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعد تقريرا يبين فيه الأسباب التي أدت إلى اللجوء إلى هذه الطريقة وإلى اختيار المفوض إليه المقترح .ويعرض التقرير المذكور على مصادقة سلطة الوصاية لاتخاذ القرار بشأن التدبير المفوض للمرفق العام المعني.

الفرع الثاني: مدة عقد التدبير المفوض
إذا كانت مختلف عقود التدبير المفوض التي تم إبرامها ابتداء من سنة 1997 لا تتجاوز مدتها 30 سنة، فإن القانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية لم يحدد مدة زمنية واحدة تسري على جميع عقود التدبير المفوض، واكتفى بالنص في المادة 13 على أنه "يجب أن تكون مدة كل عقد تدبير مفوض محددة. ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في تحديد المدة طبيعة الأعمال المطلوبة من المفوض إليه، والاستثمار الذي يجب أن ينجزه، ولا يمكنها أن تتجاوز المدة العادية لاستهلاك الإنشاءات عندما تكون المنشآت ممولة من قبل المفوض إليه.
لا يمكن تمديد مدة العقد إلا عندما يكون المفوض إليه ملزما من أجل حسن تنفيذ خدمة المرفق العام أو توسيع نطاقه الجغرافي وبطلب من المفوض، بإنجاز أشغال غير واردة في العقد الأولي من شأنها أن تغير الاقتصاد العام للتدبير المفوض، ولا يمكن استهلاكها خلال مدة العقد المتبقية إلا مقابل رفع مفرط في الثمن بشكل جلي.
يجب أن تنحصر قصرا مدة التمديد على الآجال الضرورية لإعداد توفير شروط استمرارية المرفق أو التوازن المالي للعقد.
لا يمكن أن يتم هذا التمديد إلا مرة واحدة، ويجب تبريره في تقرير يعده المفوض، وأن يكون موضوع عقد ملحق بعقد التدبير المفوض.
لا يمكن أن يتم تمديد عقود التدبير المفوض المبرم من قبل الجماعات الترابية أو هيآتها إلا بعد مداولة خاصة للجهاز التقريري المختص.

---------------------------
الهوامش :
[1] - جريدة رسمية عدد 6140 بتاريخ 4 أبريل 2013.
[2] - قرار الغرفة الإدارية بتاريخ 26 يناير 1977 في قضية بدوي محمد ضد وزير التجارة والصناعة والمعادن، جاء في هذا القرار أن "المدير العام المعين بظهير والذي يتولى مهمة تنفيذ مجموع القرارات المتخذة من طرف مجلس الإدارة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي له صفة موظف عمومي، وبالتالي فإن المقررات المتخذة من طرفه تدخل في عداد المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية". ذكرة أحمد بوعشيق في كتابه حول المرافق العامة الكبرى على ضوء التحولات المعاصرة، الطبعة السابعة ،2002. دار النشر المغربية بالدار البيضاء، ص.159.
[3] - قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 1602 بتاريخ 23 /11/2000، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 46 ص .209 تطرق إليه محمد الأعرج في كتابه حول القانون الإداري المغربي، الجزء الأول، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 66/2010، ص.440.

تعليقات