الدفع بعدم الدستورية

 عرض بعنوان: الدفع بعدم الدستورية في القانون المغربي PDF

عرض بعنوان: الدفع بعدم الدستورية في القانون المغربي PDF

مقدمة :
في حياة الأمم والشعوب و على سلم التطور التاريخي للبشرية، ثمة محطات رئيسية لتحولات عميقة أصابت صيرورة هذه الشعوب نحو تطورها وتقدمها، وعلى الرغم من التباين والاختلاف بينها في الزمان والمكان، وفي طبيعة التحول ذاته، إذ شهدت المرحلة الحالية من تاريخنا المعاصر تناقضا في مساراتها المتعددة، وعلى الرغم من المخاض الصعب والمتناقض هذا، يبدو أن صوت حماية حقوق الإنسان وحرياته طاغيا على غيره من الميادين الخرى.

ومما لا شك فيه أن خير حماية وضمانة للحقوق والحريات، هو التنصيص عليها صراحة في الدستور باعتباره أسمى تشريع في الدولة وهذا هو التوجه الذي سلكته معظم الدول ومنها الدولة المغربية منذ إقرار أول دستور؛ لن الإقرار الدستوري للحريات والحقوق بالنص عليها في صلب الوثيقة الدستورية، يجعل منها تتمتع ليس فقط بالصفة الدستورية بل بالحماية الدستورية، بحيث إذا اعتدى المشرع على هذه الحقوق والحريات بأن انتقص منها أو أهدرها، من خلال تشريعاته التي يصدرها أو أساء استخدامها، فإن هذه التشريعات تكون عرضة للحكم عليها بعدم الدستورية، وإذا كان الأمر كذلك فإن أثر الرقابة الدستورية تمثل الارتكاز الساسي في حماية هذه الحقوق والحريات.

وتسند الدساتير حماية الحقوق والحريات الساسية عن طريق مراقبة دستورية القوانين وأعمال السلطة العامة، إلى هيئة عليا تعتبر المفسر السمى للدستور وتكون مستقلة عن الهيئات الأخرى، وتختلف تسمية واختصاص هذه الهيئة تبعا للتنظيم الدستوري لكل دولة وحيث تسمى في الولايات المتحدة المريكية بالمحكمة العليا الاتحادية، وفي فرنسا المجلس الدستوري، أما في ألمانيا الاتحادية تتولى مهمة الرقابة المحكمة الدستورية الاتحادية، وبخصوص المغرب فقد تميز مسار الرقابة الدستورية التي تعد دعامة دولة الحق والقانون بالتذبذب والمحدودية انطلاقا من أول دستور عرفته البلاد في سنة 1962 المحدث للغرفة الدستورية؛ التي كانت مجرد غرفة ضمن غرف المجلس الأعلى للقضاء آنذاك، وتعود مهمة رئاستها إلى رئيس هذا المجلس والى غاية دستور 1992 الممهد لإرهاصات التناوب الأولي حيث أسس لإحداث تطور نوعي في مجال الرقابة الدستورية، بنصه على إحداث هيئة مستقلة تختص بهذه الرقابة وتتمثل في المجلس الدستوري، غير أن عمله تميز بالمحافظة والانغلاق استنادا إلى حجم القرارات الصادرة عنه وكذلك بالنظر إلى ضعف الوسائل والمكانة الوظيفية التي طبعت مساره قياسا مع باقي المؤسسات الدستورية.

ولذلك عمل المشرع المغربي الدستوري بمناسبة المراجعة الدستورية لسنة 2011 ، إلى إحداث تحول نوعي في مجال الرقابة الدستورية التي تعد أساس دولة القانون وذلك بنصه على إحداث محكمة دستورية تعوض المجلس الدستوري، والتي منح لها اختصاصات جديدة ولعل أهمها هو البت في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور.

إن الرقابة عن طريق الدفع بعدم دستورية القانون ليست دعوى أصلية يحق للأفراد ممارستها أمام المحكمة الدستورية مباشرة، وإنما اشترط المشرع أن يكون هذا الدفع بمناسبة وجود نزاع معروض على القضاء بمقتضى دعوى أصلية؛ حيث إن الرقابة عن طريق الدفع تكون مقيدة وجوبا بوجود دعوى رائجة أمام إحدى المحاكم كانت مدنية أو تجارية أو زجرية أو إدارية.

وإذا كانت هذه الآلية أقرتها أكثر من 42 دولة فإنها تتباين من حيث أساسها إذ تجد في البعض منها أساسها في الدساتير كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، إذ نص الفصل 133 من دستور 2011 "تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور"، وفرنسا إذ اعتمد المشرع الفرنسي هذه الآلية بمقتضى التعديل الدستوري ل 23 يوليوز 2008 ، غير أنه لم يستعمل كلمة دفع وسماها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 1523 لسنة 2009 الصادر في 10 / 12 / 2009، « question prioritaire de constitutionnalité » والمتضمن كيفية تطبيق المادة 61-1 من الدستور وقد تم إعمالها في فاتح مارس 2010 ، وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية تحت مسمى "المسألة الدستورية ذات الأولية" وقد تم إعمالها سنة 2010، في حين شكلت السوابق التاريخية والأحكام القضائية الصادرة من المحاكم بعض الولايات والمتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين قبل إنشاء الاتحاد المريكي والمحكمة الاتحادية أهم أسس الرقابة على دستورية القوانين كما أن الأسباب التي استند إليها قاضي القضاة "مارشال "في قضية "ماربوري" ضد "ماديسون"عام 1803 لا تزال تمثل حجر الأساس الذي تعتمد عليه المحاكم المريكية في قضائها في هذا الموضوع.

وتكمن أهمية الموضوع من الناحية النظرية في كون الدفع بعدم الدستورية، تعد الركيزة الأساسية لحماية الحقوق والحريات العامة للأفراد، التي كفلتها الشرائع السماوية والدساتير والمواثيق الدولية، وذلك من أي تعسف قد تقوم به المؤسسات العامة بما تصفه من قوانين ولوائح لتنظيم الحياة العامة والنشاط، أما عن الهمية العملية فتكمن في أن هذه الآلية أضحت من أهم الموضوعات التي أسالت كثيرا من المداد فقها وقضاء وتشريعا، وأثارت العديد من النقاشات داخل المؤسسات البحثية والعلمية في الدراسات المقارنة.
ومن هنا يمكن طرح الإشكالية المحورية التالية : إلى أي حد يمكن القول أن الدفع بعدم الدستورية آلية قانونية من شأنها حماية الحقوق والحريات؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية المحورية مجموعة من التساؤلات الفرعية من قبيل :
ما هي الضوابط الموضوعية والإجرائية للدفع بعد الدستورية؟ وماذا عن آثار هذا الدفع؟ 
ثم - كيف تعامل القضاء الدستوري المغربي والمقارن ما هذه الآلية القانونية؟
وانطلاقا من الإشكالية المحورية والتساؤلات الفرعية يمكن طرح الفرضيات التالية :
الدفع بعدم الدستورية ضمانة هامة لحماية الحقوق والحريات الساسية؛
الدفع بعدم الدستورية وسيلة قانونية تساهم في إعلاء أحكام الدستور ؛
الدفع بعدم الدستورية تسهل ولوج الأطراف إلى العدالة الدستورية.

وللإجابة على الإشكالية أعلاه نقترح مقاربة الموضوع، معتمدين في ذلك المنهج الاستقرائي التحليلي والمنهج المقارن، وفق التصميم التالي :

المبحث الأول : ضوابط ممارسة الدفع بعدم الدستورية
المبحث الثاني : آثار الدفع بعدم الدستورية وتطبيقاته في التشريعات المقارنة

المراجع المعتمدة :
الكتب :
 مصطفى قلوش، المبادئ العامة للقانون الدستوري، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة.
 أحمد السوداني، ترجمة أحكام الدستورية الفيدرالية الألمانية الحقوق والحريات الأساسية ، الجزء الثاني، دار الطبع لون الرباط المغرب، نشر مؤسسة كورناد أديناور، 2017 .
 أحمد مفيد، النظرية العامة للقانون الدستوري والمؤسسات السياسية "دراسة في الدولة وأنظمة الحكم الديمقراطي وآليات المشاركة السياسية" مطبعة أنفوبرانت، فاس، الطبعة الأولى، 2017 .
 المجلس الدستوري، الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي، مطبعة الأمنية، الرباط.
 حسن مصطفى البحيري، القضاء الدست وري "دراسة مقارنة"، دار الطبع غير مذكورة، الطبعة الأولى 2017 .
 محمد أتركين، دعوى الدفع بعد الدستورية في التجربة الفرنسية " الإطار القانوني والممارسة القضائية "، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى – 2013 .
 محمد الرضواني، مدخل للقانون الدستوري، مطبعة المعارف الجديد، الرباط، الطبعة الأولى.
 أحمد عبد الحميد الخالدي، المبادئ الدستورية العامة للقانون الدستوري، دار شتات للنشر والبرمجيات مصر.
وهيب عياد سلامة : مبادئ القانون الدستوري وتحليل النظام الدستوري المصري "مكتبة الآلات الحديثة بأسيوط، 1999 ص 128 .
الأطاريح :
 عبد السلام محمد الغنامي ، مراقبة دستورية القوانين في المغرب والقانون المقارن ، أطروحة لنيل دكتوراه في الدولة في القانون العام ، جامعة محمد الخامس كلية الحقوق الرباط ، 1999 ، 2000 .
 أحمد كمال أبو المجد، "الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية والاقليم. المصري" رسالة الدكتوراه، 1960 .
المقالات :
 حجاجي امحمد، بصمات المجلس الدستوري المغربي في مجال الحقوق والحريات الأساسية، سلسلة دراسات الدستورية والسياسية منشورات مجلة العلوم القانونية، العدد التاسع، السنة 2018 .
عبد المولى المسعيد، المحكمة الدستورية في ظل دستور 2011 ، مجلة مسارات في الأبحاث والدراسات القانونية، العدد الأول .
 جمال العزوزي، تأملات أولية في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القانونين، المجلة المغربية للحكامة القانونية والقضائية، مطبعة الأمنية، الرباط، العدد الأول ، السنة 2016 .
 عادل حميد الصلوي، القضاء الدستوري في الولايات المتحدة الأمريكية رقابة الامتناع نموذجا. مجلة قانونية قانون وأعمال، العدد الخامس.
 الزياني، المواطن والعدالة الدستورية حق الأفراد في الدفع بعدم الدستورية في ظل الفصل 133 من دستور 2011 ، مجلة الحقوق سلسة المعارف القانونية والقضائية، الإصدار 21 تحت عنوان المحكمة الدستورية بالمغرب نحو رؤية استشرافية، السنة 2018 .
 عبد الحق بلفقيه، القضاء الدستوري بالمغرب دراسة مقارنة، مجلة مسالك للفكر والسياسية والاقتصاد، العدد مزدوج 37 / 38 ، السنة 2016 .
 الذهبي بدر، حق الدفع بعدم الدستورية بين الدستور المغربي والنموذج الألماني، مجلة مسالك في الفكر والسياسية والاقتصاد، العدد المزدوج 37 / 38 ، السنة 2016
مجلة الأبحاث والدراسات القانونية ، مجلة علمية محكمة، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع – العدد 1
عبد الرحيم أضاوي ، مروان عبادي منشورات المجلة المغربية للحكامة القانونية والقضائية مجلة نصف ثانوية محكمة، مطبعة الأمنية، الرباط، 2016
عادل حميد الصلوي، القضاء الدستوري في الولايات المتحدة الأمريكية، رقابة الامتناع نموذجا، مجلة قانونية، قانون وأعمال العدد الخامس، السنة 2017
. مجلة الممارس للدراسات القانونية والقضائية، العدد الأول، أكتوبر 2018
قوانين :
. الدستور المغربي لسنة 2011
الدستور الألماني، الصادر بتاريخ 23 ماي 1949 وتم تعديله بموجب قانون صدر في 22 يوليوز 2012
. الدستور الفرنس ي ل 23 يوليوز 2008
مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية، كما رتبت عليه الآثار القانونية لقرار المحكمة الدستورية رقم 70.18 بتاريخ 06 مارس .2018
القانون التنظيمي الفرنسي المتضمن كيفية تطبيق المادة 61/1 لسنة 2009 الصادر في 2009/12/10 . والمتعلق بالمسألة الدستورية ذات الأولية.« question prioritaire de constitutionnalité
قرارات قضائية :
قرا ر المحكمة الدستورية تحت رقم 18/70 الصادر في 6 مارس 2018 المتعلق بمشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من دستور 2011
.قرار رقم 18/80 ملف عدد 18 /029 بتاريخ 12 يونيو 2018
حكم المحكمة الدستورية الفيدرالية رقم 108/282 الصادر عن الغرفة الثانية بتاريخ 24 شتنبر 2003 يتعلق بالحجاب الإسلامي.
حكم المحكمة الدستورية الفيدرالية الألمانية رقم 9/328 يتعلق بالحد الأدنى للسن للقابلات، ضد قرار المحكمة الدستورية الفيدرالية الصادر بتاريخ 22 نونبر 1-1956 ت 54/198

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -