محددات منح الإذن القضائي بزواج القاصر في ضوء التشريع المغربي

مقال بعنوان: محددات منح الإذن القضائي بزواج القاصر على ضوء التشريع المغربي

مقال بعنوان: محددات منح الإذن القضائي بزواج القاصر على ضوء التشريع المغربي

عبد الواحد الركَيلي
عبد الواحد الركَيلي
طالب باحث في القانون الخاص؛
ماستر العقار والتعمير، الكلية المتعددة التخصصات بالناظور

تقديم:
لقد اعتبر المشرع المغربي بموجب النص القانوني العام أن "الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع"[1]، ثم زكى ذلك بموجب النص القانوني الخاص حينما عرف عقد الزواج بكونه "ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة براعية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة"[2]، فباستقرائنا لفحوى هذه المادة سندرك بحق أن عقد الزواج يصنف ضمن التصرفات القانونية التي تحتاج إلى إدراك فاحص نظرا لما يترتب عليه من أثار مستمدة من كونه ميثاق غليظ.

كما يتوجب على طرفي العقد معا أن يكونا عاقلان بالغان سن الرشد القانونية التي وحدتها المدونة في ثمان عشرة سنة شمسية[3]، وذلك حتى يتحملان الالتزامات القانونية المترتبة عن العقد، وكذا مساهمتهما معا في إنشاء أسرة مستقرة براعيتهما.

هذا وقد أذنت المدونة لمن لم تكتمل سنه القانونية ثمان عشرة سنة شمسية بالزواج بناء على نيابة نائبه الشرعي، إذ يشكل زواج القاصر باعتباره الشخص الذي لم يبلغ بعد سن الرشد القانونية، استثناء على القاعدة العامة المتجلية في البلوغ القانوني، ولقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون بلوغهما السن القانوني وذلك بمراعاة مجموعة من الشروط التي أقرتها المدونة.

وتبرز أهمية موضوعنا من خلال ثلاثة مستويات:
على المستوى الأولى: يشكل هذا المقتضى استثناء على القواعد العامة وبالتالي يتطلب نوعا من التريث في التعامل معه، على اعتبار أن مؤسسة الزواج تتطلب القدرة الجسمانية والسلامة النفسية لمواكبة مشاغلها، ولتحقيق الهدف الذي سعى إليه المشرع من عقد الزواج ألا وهو إنشاء أسرة مستقرة براعية الزوجين.
على المستوى الثاني: نظرا لما خوله المشرع للقاضي من سلطات مساعدة له للإذن بالزواج آو برفضه، وإذا كان المقرر القضائي يقضي بالموافقة على طلب الإذن به يجب أن تراعى فيه مجموعة من الاعتبارات، نظرا لما سيترتب عليه من أثار قانونية إذا ما نظرنا إلى الطرف الثاني في العلاقة الزوجية الذي لازال قاصرا والتي غالبا ما تكون الزوجة.
على المستوى الثالث: اعتبار السلطة القضائية في هذا الباب واسعة النطاق لا من حيث سلطة البت، ولا من حيث تحصين المقرر القضائي بالاستجابة للطلب من الطعن فيه، الأمر الذي اقتضى منا البحث في محددات منح الإذن القضائي بزواج القاصر للوقوف على تفاصيلها بدقة.

هذا ويقتضي منا الموضوع معالجته وفق منهجية أكاديمية محكمة، تعتمد على المنهج التحليلي للنصوص القانونية الضابطة له، وعلى التقسيم الثنائي الذي من خلاله سنجيب عن الإشكالية المحورية التي ستكون هي الرابط بين جل جوانبه والتي صغناها وفق الآتي:
ما مدى توفق المشرع المغربي في وضعه للوسائل القانونية المُؤسِسَة لمحددات الإذن القضائي بزواج القاصر؟

وانطلاقا من الإشكالية المحورية للموضوع يمكن طرح تساؤلات فرعية من قبيل:
ما هي القواعد الإجرائية لطلب الحصول على الإذن القضائي بزواج القاصر
ما هي ضوابط منح الإذن القضائي بزواج القاصر
ما هي دواعي تحصين مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر من الطعن
ما هي المؤاخذات المسجلة ضد المشرع ؟

ومادام أن الموضوع لا يستقيم إلا باستخدام منهاج معين، فإننا سوف نعالج محاوره باستخدام المنهج التحليلي، وكذا تقسيمه وفق التصميم الأتي:

المبحث الأول: القواعد المسطرية لمنح الإذن القضائي بزواج القاصر
المبحث الثاني: حدود منح الإذن القضائي بزواج القاصر وأثاره

المبحث الأول: القواعد المسطرية لمنح الإذن القضائي بزواج القاصر

يشكل زواج القاصر استثناء على القاعدة العامة المقررة في مدونة الأسرة، هذه الأخيرة التي اعتبرت أن إتمام أهلية الزواج يتم باستكمال الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية، حيث ساوى المشرع في هذا بين الجنسين.

والاستثناء المذكور أفرد له قواعد مسطرية خاصة، تلك التي تتمثل في خضوع طلب الإذن القضائي بزواج القاصر لإجراءات المسطرية المذكورة، بناء عليها يتأسس ومنها يستمد صحته القانونية (المطلب الأول)، حيث لا يكفي ذلك بل لابد أن تتوفر في الطلب المذكور ضوابط أخرى معتمدة في منح الإذن، والكل يتم تحت مراقبة القضاء فيما يتعلق بصحة المسطرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إجراءات طلب الحصول على الإذن القضائي بزواج القاصر

تعتبر إجراءات طلب الحصول على الإذن القضائي بزواج القاصر قاعدة مسطرية معتمدة في صحة الطلب وفي منحه، وبالخصوص في ما يتعلق بتقديمه، والذي يتعين أن يقدم ممن هم مؤهلين له بموجب القانون، وباحترام الشكليات المتطلبة فيه (الفقرة الأولى)، كما أن الإجراءات السالفة الإشارة إليها تقتضي أن يحترم الاختصاص المكاني في تقديمه حتى يتم قبوله والبت فيه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: على مستوى تقديم الطلب

لقد نظم المشرع أحكام زواج القاصر بموجب قواعد قانون مدونة الأسرة المغربية، إلا أنه لم يبين بوضوح الإجراءات المسطرية الواجب إتباعها لإتمام الزواج، والتي من ضمنها طلب الحصول على الإذن القضائي بزواج القاصر، مبينا بذلك من له الصفة القانونية في تقديمه.

وبالرجوع إلى القواعد المسطرية العامة، نجدها تعتبر أن التقاضي لا يصح إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه[4]، محددة بذلك من له الصفة القانونية في تقديم الطلب القانوني ألا وهو الشخص المتمتع بالأهلية الكاملة، خاصة أهلية الأداء التي تمكنه من التقاضي حينما يتطلب الأمر ذلك.

وبما أن القاصر في معرض هذا الباب غير مكتمل الأهلية القانونية، فإن المشرع أجاز أن يقدم الطلب الرامي إلى زواجه من طرف نائبه الشرعي[5]، حيث استلزم في هذا الإجراء المسطري والمتعلق عموما بالإجراءات الإدارية والشكلية لإبرام عقد الزواج[6] ومنه زواج القاصر بخاصة شروطا معينة. تلك التي تتمثل في اعتبار طلب الإذن بالزواج المقدم إلى قاضي الأسرة المكلف بالزواج موقعا من لدن النائب الشرعي والقاصر في حالة موافقته على الطلب ثم حضوره وقت إبرام العقد[7].

حيث وطبقا لنص المادة 21 من المدونة يمكن القول أن المشرع اشترط ضمن القواعد المسطرية السالف ذكرها، موافقة النائب الشرعي عبر توقيعه على الطلب، موظفا بذلك عبارة النائب الشرعي التي تقتضي كل من الولي أو الوصي أو المقدم موسعا منهم على خلاف ما كان معمولا به في ما سبق، حيث كان هذا الإجراء يتحدد من خلال موافقة الولي أبا كان أو أما[8].

هذا وقد ذيل المشرع المادة المذكورة، بأنه رغم امتناع النائب الشرعي عن الموافقة فإن قاضي الأسرة المكلف بالزواج يبت في الموضوع. فحالة الامتناع هذه تؤدي بالقاصر إلى رفع طلب الإذن له بالزواج مباشرة إلى القاضي المعني، هذا الأخير الذي عليه أن يبت فيه وفق الإجراءات التي حددها له القانون[9].

حيث مكن المشرع القاضي من وسائل قانونية يستند إليها، كي يتضح له الأمر ويكون بذلك مقتنعا بالوقائع المدلى بها ضمن الخبرة، وكذا من خلال ما هو مصرح به في البحث الاجتماعي، وحتى من خلال استماعه لأبوي القاصر[10].

فمتى تبين له أن في الأمر مصلحة للقاصر أذن له بالزواج، وفي الأمر توجه قضائي أدى إلى الإذن للقاصر بالزواج رغم معارضة الأب، باعتباره نائبا شرعيا له. حيث تتلخص الواقع في الأتي:
" معارضة أب القاصر وادعائه بأن الخاطب يكبر البنت سنا، كما سبق له الزواج من سيدة أخرى، لكن وبعدما أجرى قاضي الأسرة المكلف بالزوج الاستماع في إطار البحث الاجتماعي لأم القاصر صرحت بأن الولي لم يعد ينفق على ابنته منذ طلاقها منه، وأن ما صرح به ليس صحيحا بالمطلق، ليتضح للقاضي مع نهاية البحث الاجتماعي الذي اجري في النازلة، أن الخاطب ذو سلوك جيد وقويم، بل ويصلح أن يكون زوجا للبنت القاصر"[11].

لكن ماذا لو أرغم النائب الشرعي غير الأب طبعا[12] القاصر الذي تحت ولايته على الزواج دون رضاها وموافقتها... ؟
جوابا على هذا السؤال؛ يمكن القول بأن المشرع لم يتطرق له بشكل مباشر ضمن المقتضيات القانونية التي أسس لها بموجب قواعد مدونة الأسرة، لكن وباستقرائنا لمضمون المادة 20 منها بشكل جيد، يمكن أن نستشف الجواب عليه والذي يتمثل في كون قاضي الأسرة المكلف بالزواج، له أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون السن القانوني المحدد في ثمان عشرة سنة، وذلك بمقرر معلل تبين فيه مصلحة الزواج.

في حين اتضح له من خلال الوسائل المضمنة في القانون، أن لا مصلحة للقاصر في الزواج المذكور، وأن النائب الشرعي يتغى منه مصلحة خاصة به تؤدي في نهايتها إلى الإضرار بالقاصر، فإنه لن يأذن له بذلك، بل سيكون الإذن بالرفض وليس بالقبول.

كما أن توقيع القاصر الذي نص عليه المشرع في المادة 21 من المدونة، فيه إشارة واضحة لموافقته إذا وقع، وإذا امتنع أو تبين للقاضي أنه لن يريد التوقيع، حينها يجب عليه أن يتحرى الأمر جيدا، ليقف بجلاء على المصلحة المذكورة في النص من عدمها، ومن تم سيكون الإذن بالرفض مستحضرا شساعة مؤسسة الزواج من جهة، وكذا الأعباء التي ستلقى على القاصر إذا أذن له بذلك من جهة أخرى، وهو لا يقبل بذلك الزواج حيث سيترب عنه لا محالة نتائج غير محمودة.

ومنه نقول بأن محدد منح القاضي الإذن بالزواج يرتكز بالأساس على مصلحة القاصر التي يتعين أن تراعى بشكل كبير قبل الإذن بذلك، خاصة إذا كان مضمون الطلب بقضي بالقبول.

الفقرة الثانية: على مستوى الاختصاص المكاني

يقوم الاختصاص المحلي لمحاكم المملكة المغربية على مبدأ عام يتجلى في منح الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه، أو لمحكمة محل إقامته في حالة انعدام موطن لديه[13]. فالموطن هو المناط الأول في منح الاختصاص للمحكمة مكانيا، ويقصد به المقر الحقيقي الذي يباشر فيه الشخص عادة أنشطته وأعماله، أما الموطن المختار هو المقر الذي يختاره الشخص لمباشرة عمل من الأعمال[14].

وباستقراء مقتضيات الفصل 65 من مدونة الأسرة، نجده قد نص على أن الملف المحدث لتوثيق عقد الزواج يحفظ بكتابة ضبط لدى قسم قضاء الأسرة لمحل إبرام العقد، وذلك بغير تقييد الخاطبين الراغبين في توثيق عقد زواجهما بتقديم طلب الإذن به لدى قسم معين من ضمن أقسام قضاء الأسرة المغربية.

ومنه نستخلص أن هذا التنصيص القانوني الذي جاء في عمومياته تكمن الغاية منه في جعل كل أقسام قضاء الأسرة مختصة بهذا الشأن، مع منح الطرفين حق اختيارهم القسم الذي يودون توثيق عنده زواجهما بكل أريحية[15].

هذا وإذا كان الفتى أو الفتاة مصابا بإعاقة ذهنية فإن هذه الإعاقة تجعل أهليته ناقصة بموجب القانون وطبقا لأحكام المادة 19 من المدونة، حتى ولو تجاوز سنه ثمان عشرة سنة شمسية، ولا يسمح له بالتالي بعقد زواجه إلا بعد الحصول على إذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج، ولا يعطى له هذا الإذن إلا بناء على تقرير طبي يحدد فيه نوعية الإعاقة بدقة مع بيان درجتها وخطورتها.

مع توضيح فيه إمكانية أو عدم إمكانية زواجه، ويجب على القاضي المذكور إعلام وإخبار الطرف الثاني بذلك، مع اشتراط القانون في هذا الأخير أن يكون راشدا وكامل الأهلية قصد الإطلاع عليه، حيث لا يكتفي فقط بالموافقة الشفوية بل يتعين أن تكون تلك الموافقة محررة بشكل رسمي وتضمين كل ذلك في محضر مع توقيعه[16].

ويلاحظ إذا أن الصياغة التشريعية المتعلقة بالإجراءات الخاصة بزواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية جاءت هي الأخرى عامة، ولم يحدد القانون لمن يعود الاختصاص المكاني بشأنها[17]، مما يمكن معه القول إضافة إلى ما سبق ذكره، أن أي قاضي للأسرة المكلف بالزواج يكون مختصا، إذا لجئ له الشخص المعني بغرض توثيق زواجه، شريطة أن يتم احترام الإجراءات المسطرية التي شرعت بهذا الخصوص.

وإذا أمعنا النظر جيدا في ما تقدم، واستحضرنا ذلك من الناحية الواقعية، سيتضح لنا بشكل جلي أن هذا المقتضى القانوني العام، والمتعلق بعدم تحديد المشرع بدقة لمن يعود الاختصاص المكاني بشأن إجراءات طلب الحصول على الإذن القضائي بزواج القاصر سندرك أن ذلك سيفتح المجال للتحايل على النص القانوني من طرف النائب الشرعي أو من طرف القاصر ذاته.

كما أنه سيشكل للراغب في الزواج مكنة من خلالها سيلتف على القانون، بأن يلتجئ بعد رفض منحه الإذن القضائي من قسم قضاء الأسرة التابع له مكانيا، إلى قسم قضاء أسرة أخر، يوجد في منطقة تواتر العمل فيها بمرونة مع زواج القاصرين، الشيء الذي يؤدي إلى تضارب في المقررات القضائية من جهة وكذا المساس بمصداقية القضاء من جهة ثانية[18].

المطلب الثاني: ضوابط منح الإذن القضائي بزواج القاصر

لقد حدد القانون لقاضي الأسرة المكلف بالزواج عدة وسائل قانونية يعتمد عليه قبل منحه الإذن القضائي بزواج القاصر، لتكون بذلك من الضوابط المسطرية المؤسسة لمنح الإذن من جهة، ولمساعدته في بناء وتكوين قناعته ثم بحثه من خلالها على المصلحة التي تدفع إلى منح الإذن من جهة ثانية، ولعل من ضمن هذه الوسائل نجد الاستماع لأبوي القاصر أو للنائب الشرعي (الفقرة الأولى) ثم الاستعانة بكل من الخبرة الطبية أو البحث الاجتماعي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاستماع لأبوي القاصر أو للنائب الشرعي

تخضع مسطرة منح الإذن القضائي بزواج القاصر لضوابط خاصة أوجدها القانون، وذلك انسجاما مع ما هو معمول به في حقل القواعد الإجرائية المؤطرة لكل مسطرة، والتي من ضمنها ما يتعلق بزواج القاصرين. حيث جعل المشرع هذا الزواج استثناء، إلا أنه رتب عليه قيودا وشروطا يتعين على قاضي الأسرة المكلف بالزواج التقييد بها، وذلك قبل إصداره المقرر القضائي القاضي إما برفض أو منح الإذن.

لقد تم تحديد على سبيل الحصر القواعد الموضوعية التي يتعين اعتمادها في منح الإذن القضائي بزواج القاصر، والتي يستعين بها القاضي لاستخلاص الأسباب المبررة إما للإذن بالزواج أو رفضه، ولعل من بينها الاستماع لأبوي القاصر باعتباره الإجراء الذي من خلاله يستبين القاضي مصلحة الزواج على اعتبار أنهما الأقرب إلى القاصر والأكثر دراية بمصلحته[19].

ومن خلال الاستماع الذي سيجريه مع ذوي القاصر فإنه سيكون بداية فكرة عامة على الزواج المطلوب، وعلى أطرافه، وفرض تحقق نجاحه ثم على السن الحقيقي للقاصر[20]. وإذا ما ستحضرنا وقوع خطأ مادي في البيانات الشخصية المدلى بها في سجلات الحالة المدنية، وإدلاء القاصر بعقد ولادة يبين من خلاله بأنه دون أهلية الزواج، ثم مقارنته بين ما أدلي به وما هو مضمن بالوثائق في الملف[21].

وبذالك يكون لزاما على القاضي الاستماع لأبوي القاصر أو لنائبه الشرعي، وهذا ما يستفاد من المادة 20 من مدونة الأسرة، ويدخل هذا الإجراء في نطاق وسائل الإثبات التي تساهم في تكوين قناعة القاضي في تعليل مقرره، ذلك أنه لابد من إجراء اللقاء معهم للتأكد من رغبة القاصر في الزواج ورغبة والديه كذلك[22].

ومنه نستنتج أن استماع القاضي للقاصر على انفراد يجعله يتأكد من مدى استعداده بدنيا ثم نفسيا لأعباء الزواج الجسيمة، وحتى تأكده من مدى رضاه بذلك الزواج، ورغبته فيه، عل اعتبار أن التراضي من الأركان الأساسية التي تجعل عقد الزواج صحيحا، ذلك الرضى الذي يترجم إلى الواقع عبر توقيعه على طلب الإذن بالزواج.

وتجدر الإشارة إلى أنه بعد الاستماع لأبوي القاصر، فإن التوقيع المنصب على طلب الإذن بزواج يكون من الولي الأب دون الأم، وذلك لكون الأم لا تحمل دوما صفة النائب الشرعي وفقا لما جاء به المشرع حصرا[23].

وهذا المقتضى لا يتوافق مع ما أقره المشرع في ما يتعلق براعية الزوجين معا للأسرة وتحملهما مسؤولية تربية الأبناء ورعاية شؤونهم، مما يمكن معه القول أنه يشكل محل نظر خاصة فيما يتعلق بالقرار المصيري الذي يمس حق الأبناء إلا وهو الزواج عامة ودون السن القانوني بخاصة، بحيث كان من اللازم على المشرع أن يجعل الموافقة على الطلب الرامي إلى إذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج تتم من لدنهما معا.

كما تتجلى أهمية الإجراء المسطري المذكور في وصول القاضي إلى رأي الأبوين معا أو رأي النائب الشرعي بخصوص زواج القاصر والتي غالبا ما تكون الفتاة، حتى تتضح له المصلحة المتوخاة من الزواج، واطلاعه على الأسباب الحقيقة التي دعتهم إلى إجرائه، مع وجوب تحرير الإذن القضائي الصادر في هذا الصدد ضمن مقرر قضائي معلل بناء على ما أدلي به من الأبوين أو من النائب الشرعي.

الفقرة الثانية: الاستعانة بالخبرة الطبية أو البحث الاجتماعي

نظم المشرع الخبرة ضمن الفرع الثاني من الباب الثالث المتعلق بإجراءات التحقيق من القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية، على اعتبار أن الخبراء القضائيون من مساعدي القضاء ويمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها القانون[24]، بحيث يكون رأي الخبير في هذا المجال على سبيل الاستئناس دون أن يكون ملزما للمحكمة[25].

كما تعد الخبرة وسيلة يسترشد بها القاضي لتنوير معارفه في أمور فنية ليس له علم أو دراية بها[26]، حيث يتحدد دور الخبير في تنفيذ ما طلبته منه المحكمة والإجابة عنها بشكل مضبوط في التقرير الذي ينجزه بعدما يستمع للأطراف، ليعتمد عليها القاضي فيما بعد لتكوين قناعته وهو بصدد الإذن بالزواج.

وتمكن الخبرة الطبية المجرات على القاصر القاضي من المعرفة التامة لبلوغه ومدى قدرتها على تحمل الأعباء الزوجية من جهة وكذا المنزلية من جهة ثانية، والتي يتوصل إليها الخبير بعدما يجري فحوصاته السريرية الدقيقة وينجز بشأنها تقريره الطبي مبينا فيه المعطيات التي استند إليها في انجازها، وكذا الخلاصات التي توصل إليها في نهاية تلك الفحوصات.

وفور انتهاء الخبير من انجاز تقريره الطبي يعمد إلى إيداعه لدى كتابة ضبط قسم قضاء الأسرة حيث يوجد القاضي الذي سيتطلع عليه، بعد تبليغه إياه من لدن كتابة الضبط المذكورة ليتأكد من مدى انجاز الخبير الخبرة التي طلبت منه، ومدى احترامه النقط التي أجريت الخبرة بشأنها، ليكون بالنهاية قناعته ومن تم يأذن بزواج القاصر أو يرفض ذلك والكل من خلال قرار معلل مع بين المصلحة التي انتهى إليها.

أضف إلى ذلك أن الخبرة الطبية المنجزة في هذا الباب، والتي أدرجها المشرع ضمن الإجراءات المسطرية التي يرتكن إليها قاضي الأسرة المكلف بالزواج لمنح إذنه، أنها مجرد وسيلة للاستئناس ليس إلا، حيث تظل قناعة القاضي هي الفيصل بين منحه الإذن بزواج القاصر أو عدم منحه إياه، إذا ما استندنا في هذا إلى القواعد التي تقرر ذلك[27].

وهنا البيت القصيد، أي أن المحدد الأساسي الذي سيتعمد عليه القاضي في منح الإذن هو قناعته الشخصية وفقط، بغض النظر عن الوسيلة التي منحها إياه المشرع في هذا الباب، خاصة إذا لم يعتمد القاضي على الخبرة المنجزة من لدن الطبيب المختص، ثم خبرة تمت باعتماد فحوصات طبية سريرية حيث جاء في مقرر قضائي الأتي:
" وبناء على الخبرة الطبية والتي مفادها أن البنت القاصر قادرة على الوطء والإنجاب نقرر الإذن للقاصر بالزواج[28]".
ومعنى ذلك أنه تم بالفعل من خلالها فحص القاصر جسديا، حتى يخلص إلى انجاز تقريره الطبي المهني المختص، والذي من خلاله سيخرج بنتيجة مفادها قدرة أو عدم قدرة القاصر على الزواج، وعلى أعبائها ونحن أمام مؤسسة كبرى، وأن هذه المؤسسة تتطلب أن يكونا الطرفان معا راشدان تامان الأهلية، حتى يتمكنان من تربية ما سينتج عن زواجها من أبناء، وحتى تكون بالفعل تلك الأسرة مستقرة وبرعاية الزوجين كما نص على ذلك القانون.

وعموما تضل السلطة الممنوحة تشريعيا للقاضي في هكذا قرار حاسم، ويتعلق باستثناء على القاعدة العامة في الزواج واسعة جدا يتعين ضبطها والتعامل معها بنوع من الحزم والشدة، حتى يتم تقليص دائرة الاستثناء الذي أصبح هو الأصل، ويؤدي بالنهاية إلى نتائج غير محمودة إذا ما استحضرنا قضايا الطلاق والتطليق التي تشهدها أقسام قضاء الأسرة على سائر التراب الوطني، دون أن ننسى ايجابية الموضوع لكنها تطل ضئيلة جدا.

مع الإشارة إلى أن الخبرة الطبية ليست مقيدة لسلطة القاضي في منحه الإذن وإنما مساعدة له من زاوية الخبير المختص، حيث يمكن للقاضي رفض منح الإذن حتى ولو كانت الخبرة تؤكد على سلامة القاصر بدنيا ونفسيا للزواج، والفيصل في ذلك ليس ما ذكر فحسب، بل مدى تحقق المصلحة الكبرى من الزواج من عدمها وفي هذا الصدد نورد قرارا قضائيا وفق الأتي:
" وحيث إن أهلية الزواج تكتمل عند تمام سن الثامنة عشر من عمر الذكر والأنثى، والمشرع لما حدد سن الزواج لم يفصل ذلك عبثا، إذ أن الزواج يقتضى أن يكون المقبل عليه تتوفر فيه الكفاءة والقدرة البدنية والعقلية وتقديره لأمر ما هو مقبل عليه. وعند مخالفة هذه القاعدة فإنه يمكن النزول عن الحد الأدنى لسن الزواج، وبيان أسباب ودواعي تبرير الإسراع في تزويج القاصر، والمستأنف اعتمد في تبرير طلبه على موجب العنت، والمحكمة بعد اطلاعها على الموجب فإن شهودها لم يثبتوا بوضوح ما هو السبب الداعي إلى تزويج البنت. كما أن الشهادة الطبية وكذا التقرير الطبي وإن كان في صالح البنت لازالت في سن مبكرة أربعة عشر سنة، وأن مصلحتها تقتضي عدم الزج بها في مشاكل الحياة الزوجية، الأمر الذي يكون معه الحكم المستأنف الذي قضى برفض الطلب قد صادف الصواب فيما قضى به ويتعين تأييده[29]."

وإلى جانب الخبرة الطبية التي تنصب على الجانب البدني للقاصر، ثمة إجراء البحث الاجتماعي الذي جعله المشرع كوسيلة أخرى من خلالها يستبين الوضع المادي والاجتماعي له.

ثم البحث عن الوسط الذي نشأ فيه القاصر وعن مستوى أخلاقه وسلوكه الاجتماعي، ليتضح له ما مدى التزامه بالأخلاق وحسن السلوك والتعامل مع أفراد منشأه، إذ أن الزواج لا يستلزم فقط النضج الجسدي بل يتطلب حتى النضج الفكري[30].

حيث منح القانون الاختيار للقاضي بين إجراء الخبرة الطبية و بين البحث الاجتماعي، هذا الأخير باعتباره وسيلة قانونية غير ملزمة له، وإنما ستساعده وفقط في بناء قناعته لأجل الإذن للقاصر إما بالزوج أو برفضه.

وفي هذا الصدد يمكن للقاضي المعني أن يجري البحث الاجتماعي بنفسه أو إصدار أمره إلى السلطة المحلية بهدف إجرائه، مع تحديده في أمره النقط الواجب التركيز عليها والتي يراها مناسبة في تكوين القناعة المذكورة، وجاء في هذا عن قسم قضاء الأسرة بفاس الأتي:
" بناء على البحث الاجتماعي المجرى من طرف المحكمة، والذي مفاده أن القاصر انقطعت عن متابعة دراستها وبدأت تحيض منذ بلوغها سن الثانية عشر من عمرها وترغب في الزواج وبكامل رضاها، نقرر الإذن للقاصر بالزواج"[31].

وتعليقا على المقرر الذي أوردناه أعلاه يمكننا القول:
حيث اعتمدت المحكمة إجراء البحث الاجتماعي وفقا لما حددته المادة 20 من مدونة الأسرة، وحيث يلاحظ أن الإذن القضائي بزواج القاصر منح بناء على واقعة الحيض وواقعة رضا القاصر بالزواج.
مما يمكن القول معه، أنها وقائع غير كافية، على اعتبار أن القاصر لازالت لم تبلغ بعد بموجب القانون، وأن رغبتها في الزواج قد لا تكون مجدية بما سيعود بالنفع عليها، وذلك انطلاقا من صغر سنها، ومن ما سيترتب عن الزواج من مسؤوليات جسام، منها ما هو بدني متعلق بالمعاشرة الزوجية والحمل فيما بعد، ثم ما هو نفسي يتعلق بمدى تحملها الحياة الجديدة التي ستبتدئ بعد زواجها.
حيث يفرض الوضع الحزم من القاضي، وأخذه بعين الاعتبار ما أدلي به من وليها أو نائبها الشرعي باعتباره عارفا أكثر منها وواعيا زيادة، ثم البحث الجدي عن المصلحة وعدم جعل رغبة القاصر وحيضها حاسمين في منح الإذن القضائي بزواجها، مستحضرا دوما مسؤوليات والتزامات الزواج والزوجين معا، حتى يمكن الوصول إلى علاقة زوجية ناجحة ومسؤولة ودائمة وكذا إنشاء أسرة مستقرة.

المبحث الثاني: حدود منح الإذن القضائي بزواج القاصر وأثاره

يشكل منح الإذن القضائي بزواج القاصر استثناء عن القاعدة العامة المعمول بها في المدونة، وكما هو معلوم واستنادا إلى القاعدة الفقهية الشهيرة فإن "الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره"، ما معناه أن تعامل القاضي مع هذا المقتضى القانوني-الاجتماعي- يجب أن يكون في حدود ما حدده النص، مع مراعاة دواعي وأسباب ذلك الزوج، ثم البحث عن المصلحة الفضلى منه والتي ستعود بالنفع على القاصر.
ومنه نقول أن سلطة القاضي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أمرين اثنين، أولهما السن وثانيهما المصلحة كما ذكر (المطلب الاول)، إلا أن تجليات تلك السلطة وحسب ما هو مقرر في المدونة يجب أن تراعى فيها هي الأخرى مجموعة من الاعتبارات، حتى يتم ما أمكن تجنب الأثر السلبي من هذا الاستثناء إذا منح الإذن بالقبول (المطلب الثاني).

المطلب الأول: سلطة القاضي في منح الإذن القضائي بزواج القاصر

لقد خول القانون للقاضي المكلف بالبت في طلب الإذن بزواج القاصر سلطة واسعة النطاق ارتباطا بالاستثناء المذكور، لذلك وجب أن يأخذ بعين الاعتبار وهو بصدد البت في الطلب، وبالخصوص إذا كان بالقبول أمر سن القاصر المراد تزويجها (الفقرة الأولى)، ثم البحث من خلال الوسائل المقررة له عن المصلحة منه، فإذا بدت له أمر بقبول الزواج والإذن له، وإذا لم تظهر له وجب عليه أن يأمر بالرفض، حتى لا يتم الزج به في حياة أخرى غير قادر عليها لا من الناحية الجسدية ولا حتى النفسية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مراعاة سن القاصر في منح الإذن القضائي

تنبني سلطة قاضي الأسرة المكلف بالزواج أثناء منحه الإذن القضائي بزواج القاصر على اعتبار المصلحة في ذلك الزواج[32]، وتتضح فكرة المصلحة المذكورة من خلال قراءته الأسباب التي دفعت القاصر إليه والمبررة له. ولا يمكن للقاضي أن يذرك هذه الأمور إلا من خلال اعتماده على الوسائل القانونية التي بناء عليه يأذن أو يرفض.

ويتوجب عليه أن يعتبر سن القاصر في منحه للإذن أول محدد لسلطته القضائية في هذا الموضوع، فالمشرع المغربي لم يكلف نفسه عناء تحديده سنا معينا للقاضي المكلف بالزواج يرتكن إليه قصد منح الإذن ودون النزول عليه، وربما ذلك جاء باحترام المقتضيات التي كرستها المادة 19 من المدونة باعتبار الأصل من جهة، ومن جهة أخرى وفي تعامله مع الاستثناء الذي اشرنا إليه فكان لزاما عليه أن يحدد القاعدة القانونية التي سيعمل وفقها القاضي في رفض أو قبول الطلب.

وفي هذا الصدد نلمس اختلاف بين العمل القضائي المغربي، حيث يختلف من منطقة لأخرى، فعلى مستوى قسم قضاء الأسرة بالبيضاء يكون السن محدد في 17 سنة، والذي يختلف مثلا على مستوى قسم قضاء الأسرة بفاس والمحدد في 16 سنة[33] وما دون هذا يكون مصيره الرفض، والعلة في ذلك اعتبار هذا السن هو المحدد لترشيد القاصر واقترابه من سن الرشد القانوني بكثير مما يجعله نوعا ما آهلا للزواج.

ففي هذه الأقسام القضائية لا يمكن للقاضي منح الإذن للقاصر الذي لم يصل إلى السن المحدد أعلاه، حيث وفي الحالة الأخيرة هذه وإذا تبين له من الطلب القضائي بأن القاصر لم يبلغ بعد السن المحدد، لا يكون مضطرا إلى إجراء لا الاستماع لأبوي القاصر والبحث الاجتماعي ولا حتى الخبرة الطبية، ولنا في هذا قرار قضائي جاء فيه الأتي:
"وحيث أن الشهود لم يبينوا بوضوح ما هو السبب الداعي إلى تزويج البنت، مكتفين بالقول بأنها محتاجة إلى تزويجها كما يخشى عليها من العنت، وهذه الشهادة غير كافية لتبرير الطلب، كما أن الشهادة الطبية، والتقرير الطبي وإن كانا في صالح البنت، نرى خلافا ما يهدف إليه الطلب لكون البنت لازالت في سن مبكرة 14 سنة، وأن مصلحتها تقتضي عدم الزج بها في مشاكل الحياة الزوجية حتى يكتمل نضجها، وأن الإسراع في تزويجها قد يؤدي بها إلى ما لا يحمد عقباه"[34].

ويتضح من القرار الذي استشهدنا به في الموضوع، أنه أيد الحكم المستأنف الذي قضى برفض طلب الإذن الزواج نظرا لصغر سن القاصر التي تبلغ سن الرابعة عشرة سنة من عمرها، معللا القرار بعدم بيان السبب الواضح والداعي إلى تزويجها.

وما يثير الاستغراب في هذا الشق من البحث، هو أن المشرع المغربي سمح من جهة بالنزول عن السن القانوني الذي سبق وأن حدده في ثمان عشرة سنة في إطار زواج القاصر، إلا أنه لم يحدد السن الذي لا يمكن النزول عنه حتى تتضح القاعدة القانونية أمام القضاء للعمل وفقها، ومن تم يرفض مباشرة الطلب الذي اتضح من خلاله لقاضي الأسرة المكلف بالزوج عدم بلوغه السن الاستثنائي المحدد قانونا.

كما أن المشرع لم يفطن إلى مسألة غاية في الخطورة، ألا وهي اعتبار الزواج الذي سيتأسس بناء على طلب الإذن به يشكل استثناء على القاعدة العامة، ثم خضوع ذلك إلى السلطة التقديرية للقضاء، وهذا يطرح إشكالا عمليا تظهر معالمه من خلال تضارب العمل القضائي على المستوى الوطني، كون أن المعيار المعمول وفقه لرفض الطلب هو السن، غير أنه ليس موحدا وذلك ربما لظروف كل منطقة ما كما سلف بيان ذلك بالنسبة لكل من البيضاء وفاس، إلا أن هذا ليس مبررا، فحتى لو اختلفت الظروف المعيشية للقاصر، فإن البنية الجسمانية والنفسية والحاجيات الأولية للتعلم واستكمال النمو تظل واحدة ولا تسمح لزج به في عالم جديد ليس بمقدوره مسايرته.

وعليه فإن الأمر يتطلب نوعا من الحزم باستحضار ما سيترتب على ذلك الإذن إذا منح ورتب أثارا سلبية على الطرفين معا، وعلى القاصر بالخصوص، نظرا لصغر السن، وكذا لعدم تحمل تبعات بل التزامات الزواج ومسؤولية رعاية الأسرة وتربية الأبناء.

وكلما كانت البيانات المدلى بها في طلب منح الإذن بالزواج توضح اقتراب القاصر من سن الرشد القانوني، كلما ازدادت نسبة قبول الطب ومنحه الإذن القضائي، والعلة في ذلك هي احتمال قدرته على الزواج وتحمله تبعاته، قياسا على ما افترضه المشرع حين حدد وساوى في سن الزواج بين الفتى والفتاة في ثمان عشرة سنة شمسية كاملة.

وعملا بالامتداد التلقائي للأهلية في إبرام العقد على ممارسة أثاره، ففي حالة الإذن بالزواج دون السن القانوني، فإن الزوجان معا يكتسبان الأهلية المدنية للممارسة ما يتعلق بآثار عقد الزواج، فقط في الشق الخاص بالحقوق والالتزامات[35].

حيث يحق للزوجين معا ولو لم يبلغا قانونا سن الأهلية في الزواج التقاضي ورفع الدعاوى بشأن الحقوق والالتزامات الناتجة عن عقدهما، وبعبارة أخرى أصبح الزواج يرشد الزوج القاصر، سواء أكان ذكرا أو أنثى. لكن ذلك لا يتم إلا في حدود ضيقة تعنى بكل ما يتعلق بآثار العقد، وكيفما كان الحال ونظرا لظروف الاجتماعية في البوادي، يجب على المحاكم أن لا تتساهل في منح الإذن بتزويج القاصر إذا لم يكن سنها يتعدى ستة عشر سنة شمسية كاملة، حتى لا نجد أنفسنا أما الشجرة التي تخفي غابة الآثار الوخيمة الناتجة عن الزواج المبكر[36].

الفقرة الثانية: اعتبار مصلحة القاصر في منح الإذن القضائي

إن القراءة المتأنية للمادة 20 من مدونة الأسرة تجعل قارئها يستنتج وبجلاء أن المصلحة المنشودة، والتي توخاها المشرع من هذا المقتضى القانوني تتمثل في مصلحة القاصر، نظرا لأن الاستثناء الذي تمت الإشارة إليه، جاء لفائدته وليس لفائدة نائبه الشرعي. وإذا تبث للقاضي انطلاقا من الوسائل القانونية التي سبق البحث فيها، أن الزواج لن يحقق للقاصر أي مصلحة ستعود عليه بالنفع، كان إذنه بالرفض وليس بالقبول.

فالمصلحة إذا يجب أن تكون مجدية وحقيقة ونافعة له، بل هي الدافع الأساسي لإبرام ذلك الزواج، مما يجعل القاضي المكلف بزواج القاصر يأذن له به، ويتضح معه أن المصلحة تعتبر هي الأخرى محددا قانونيا، ومناطا أساسيا لسلطة القاضي في منح الإذن القضائي، وإذا انعدمت باعتبارها أصلا انعدم معها الفرع -الإذن القضائي- الذي سيكون بالرفض.

كما يتضح أن مفهوم المصلحة الذي أتى به المشرع أثناء صياغته لمدونة الأسرة في شق زواج القاصر ينطوي على مفهوم شاسع، حيث لم يحدد المقصود بها بشكل دقيق خاصة ونحن أمام استثناء على القاعدة العامة، والذي يفرض الحزم في هكذا مساطر قانونية حاسمة، ومتعلقة بشخص لازال قاصرا، لم يصل إلى سن الرشد القانونية التي تمكنه من الدفاع عن مصالحة بمفرده، ودون تدخل أي شخص أخرى. وكمقارنة بسيطة مع ما كان معمول به في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، فإن مفهوم المصلحة كان دقيقا جدا يتجلى في الخوف من الوقوع في العنت.

مما أدى إلى جعل القاضي هو الحاسم في هذا الأمر، إما بإذنه أو برفضه، متى اتضحت له المصلحة من ذلك الزواج، لكن ثمة إشكالات حقيقة قد يصادفها القاضي من قبيل تعارض المواقف المدلى بها من النائب الشرعي، أو ولي القاصر، وبين ما استنتجه شخصه حينما أجرى الاستمتاع إلى القاصر نفسه.

ففي هذه الحالات يمكن أن يمتنع النائب الشرعي عن تزويج القاصر التي توجد تحت ولايته، حيث يمكن له التقدم بطلب زواجه مباشرة إلى القاضي المكلف بالزواج، للبت فيه وفقا للإجراءات المنصوص عليها قانونا[37]. ويرجح إما رأي القاصر الراغب عن طواعية منه في الزواج أو يرجح رأي النائب الشرعي إذا كان مدعما بحجج كافية وحاسمة، ليظل الفيصل في ذلك هو المصلحة التي استنتجها القاضي من تلكم الأراء والتي تجعله إما أنه سيوافق على طلب الإذن أو سيرفضه[38].

وما تواتر العمل به على مستوى أقسام قضاء الأسرة في مثل هذه الحالات هو الأخذ برأي القاصر، فإذا بدا منه الرضى في الزواج أذن له القاضي بذلك، وإذا تبين أنه يرفض ذلك الزواج رفض القاضي ذلك. وهذا هو الصواب إذا ما استحضرنا رضا الطرف الثاني في العقد أي عقد الزواج، غيرا أنه ماذا عن صغر السن ؟ وهل القاصر في هذه الحالة يكون عالما ومدركا لمصالحه من ذلك الزواج ؟ في الحالتين معا أي إذا قبل أو حتى إذا رفض يتعين على القاضي تحري ضرورة وجود المصلحة الجدية والحاسمة، قبل الإذن أو الرفض تفاديا لما قد يحدث من نتائج سلبية يكون السبب الأول فيها هو ذلك الإجراء القانوني الذي اتخذ.

وماذا عن مصلحة المصاب بإعاقة ذهنية في الزواج ؟
فبخصوص الجواب عن هذا السؤال؛ نجد أن تصرفات عديموا الأهلية باطلة بحكم القانون[39]. وفي بحثنا لفكرة المصلحة في زواج القاصر، فقد يكون هذا الزواج نافعا للمصاب بإعاقة ذهنية أو المجنون ومفيدا في علاجه، مما جعل المشرع المغربي يمنح الاختصاص لقاضي الأسرة المكلف بالزواج بأن يأذن بزواجه ذكرا كان أم أنثى بناء على طلب نائبه القانوني أو من طرف المعني شخصيا[40].

وباستقراء المادة 23 من المدونة نلمح أن المشرع حدد الشروط الواجب توفرها في هذا الزواج، حيث يشترط في زواج المصاب بإعاقة ذهنية تقديم تقرير حول حالة الإعاقة من طرف طبيب خبير واحد أو أكثر، ثم اطلاع القاضي الطرف الأخر على التقرير وينص على ذلك في المحضر، مع ضرورة اعتبار الطرف الثاني في العقد راشدا، ويرضى الزواج ثم يتعهد بذلك رسميا في العقد مع المصاب بالإعاقة.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يستلزم موافقة النائب الشرعي لذوي الإعاقة الذهنية، في حين أن هذه الإعاقة قد تعدم التمييز استنادا لما أقره القانون، مع عدم إشارة المدونة إلى أهلية الطرف المصاب بإعاقة ذهنية للتقاضي في حدود ما ينتج عن العلاقة الزوجية من أثار، مثلما فعلت مع زواج القاصر واكتفت ببلوغ الطرف الثاني[41].

إذن من خلال ما تقدم، لم نلمس فكرة المصلحة في زواج المصاب بإعاقة ذهنية، باستثناء فرضية اعتبار هذا الزواج انسب له في حالة مساعدته على العلاج، وما دون ذلك لم يوليه المشرع أي اهتمام، كأن لا اعتبار لشخصية ومصالح هذا الطرف في العقد.

هذا وتجعلنا فكرة المصلحة نناقش فكرة الرضى في العقد وهل هذا الشخص ذكرا كان أم أنثى راضيا على التعاقد أي على ذلك الزواج ؟ وهل بمقدوره تحمل الأعباء التي سلف الحديث عنها والمترتبة عن مؤسسة الزواج ؟ والتي تتخذ صورة التزامات قانونية مترتبة عن العقد، وهل سيتحمل الشريك شريكه المصاب بإعاقة ذهنية بعد توالي الأيام والسنوات من الزواج ؟.

ما معناه أن المشرع عليه بحق أن يستحضر مصالح الطرفين معا، والتزاماتهما معا، وليس طرفا واحد، هذا إن لم نقل بأن زواج الطرف المصاب بإعاقة ذهنية لا يصح من الأصل على اعتبار أن المشرع اعتبر وافترض أن إنشاء الأسرة المستقرة يكون رهين برعاية الزوجين معا، وليس زوجا واحد، حتى يمكن أن يساهما معا في إنشاء جيل متوازن أمام صعوبة الحياة التي بتنا نعيشها.

المطلب الثاني: تجليات منح الإذن القضائي بزواج القاصر

ونحن بصدد البحث في الموضوع أثرنا أن نجمل تجليات منح الإذن القضائي بزواج القاصر في نقطتين أساسيتين، أولهما تتعلق بتحصين الإذن القاضي من الطعن على اعتبار أنه يشكل مبدأ قضائيا مكفولا لكل من له مصلحة فيه (الفقرة الأولى)، وثانيهما ما تم رصده من مؤاخذات تسجل ضد المشرع بشكل خاص، وضد الصياغة التشريع بشكل عام، والتي تشكل نواقص من الواجب تداركها تجويدا لمضمون القانون وتفاديا لما قد تطرحه من إشكالات على المستوى الواقعي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تحصين مقرر الاستجابة لطب الإذن بزواج القاصر من الطعن

لقد منع المشرع بموجب نص المادة 20 من المدونة إمكانية الطعن في مقرر الاستجابة للإذن بزواج القاصر، إذ ورد في الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة الأتي بيانه: " مقرر الاستجابة لطلب الإذن بالزواج غير قابل لأي طعن"، وبموجبه حسم المشرع في الطعون التي تستهدف حرمان القاصر من الزواج باستحضار الشروط التي استلزمها فيه، وتحصين المقرر المذكور وتمتعيه بقوة مطلقة في مواجهة الجميع.

إضافة إلى سكوته التام عن مدى إمكانية الطعن من عدمه في المقرر القاضي بالرفض، وأثار ذلك جملة من الاختلافات في أوساط المهتمين والدارسين والممارسين للشأن القانوني بالساحة القضائية المغربية. ثم برزت في هذا الصدد اتجاهات فقهية منها من اعتبر أن مقرر الرفض هذا قابل للطعن مثله مثل باقي المقررات القضائية أمام محكمة الاستئناف التابع لها مكانيا القاضي الذي أصدره، إعمالا لمفهوم المخالفة لمقرر الاستجابة غير الجائز فيه الطعن بصراحة المشرع[42].

وفي مقابل هذا الرأي، نجد من اعتبر أن مقرر الإذن بالزواج هذا غير قابل للطعن من الأصل، سواء كان ايجابيا أي أنه قضى بقبول الزواج والإذن به أو كان سلبيا حيث يرفض القاضي ذلك الزواج، والعلة في هذا الاتجاه الفقهي تتجلى في طبيعة القاضي المصدر للمقرر والتي لا تسمح بالطعن فيه، استنادا إلى الاختصاص النوعي وكذا إلى طريقة تعيينه، وأن ممارسة الطعن انطلاقا من هذه المبررات يفرغ مؤسسة القاضي المكلف بالزواج من محتواها وينزع اختصاصها[43].

ولنا في هذا موقف؛ على اعتبار أن الزواج تم بين طرف راشد وأخر قاصر، هذا الأخير الذي قد تعترضه بعض الصعوبات في إدراك ما هو أصلح له وما هو دون ذلك. ثم ليست له الأهلية القانونية الكاملة التي ستمكنه من الدفاع عن شخصه، وعن ما يضره، بل وما فيه مصلحة له.

وإذا استحضرنا الإجراءات القانونية التي بناء عليها يبني القاضي رأيه في القبول أو الرفض، وكما سبق توضيح الأمر أعلاه، نقول بأنها قد تعترضها هي الأخرى بعض العوارض التي تحول دون البناء السليم للرأي القضائي والحسم بموجبها فيه.

لذلك واعتبارا لمصلحة القاصر التي تشكل هدفا أساسيا من الزواج المبرم بينه وبين شريكه ضروري أن تراعى من لدن القاضي، ومن لدن النائب الشرعي، حتى يكون زواجا سليما ومنتجا للمنفعة بالنسبة للمعني به الذي غالبا ما تكون هي الزوجة.

ويشكل حق الطعن وسيلة قانونية للدفع الضرر وجلب المنفعة، حيث يحق الطعن في المقرر من ذي مصلحة والذي غالبا ما يكون النائب الشرعي سواء أكان وليا أو وصيا في حالة عدم قبوله الزواج والموافقة عليه إذا كان حسن النية، ثم من طرف النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام مدونة الأسرة[44].

وفيما يخص القواعد الإجرائية بالطعن بالاستئناف في هذا المقرر، فإنها تتم أما محكمة الاستئناف المختصة، باحترام الآجال القانونية التي حددها المشرع في خمسة عشرة يوما بالنسبة لقضايا الأسرة. ويبتدئ التاريخ المذكور من تاريخ التبليغ إلى الشخص نفسه، أو في موطنه الحقيقي أو المختار أو التبليغ في الجلسة إذا كان ذلك مقررا بمقتضى القانون. كما يتعين على كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية في هذا الشأن، رفع مقال استئناف الأحكام الصادرة في قضايا الأسرة مع المستندات المرفقة إلى كتابة الضبط المحكمة المرفوع إليها الاستئناف، خلال أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الاستئناف[45].

الفقرة الثانية: المؤاخذات المسجلة ضد المشرع المغربي في مدونة الأسرة

إن من بين المؤاخذات[46] التي تسجل ضد المشرع في باب مسطرة الإذن بزواج القاصر، أنه جعل من الاستثناء أصلا، حين سمح بزواج القاصرين، حتى ولو أنه اشترط موافقة النائب الشرعي على ذلك الزواج، كون أن العقد الذي نحن بصدد البحث فيه يحظى بطبيعة خاصة، والذي ينصب على توثيق الزواج بين شخصين قد يكونان مختلفين من جميع النواحي، وبتالي يقتضي الأمر نوع من الحزم والتريث في هكذا قرارات.

وما زاد من هذه المؤاخذات أن الصياغة التشريعية لهذا الاستثناء لم تتم بشكل مدقق، بما يستجيب وخطورة الموضوع الذي تعنيه، حيث يمكن تسجيل كصورة عنها منح سلطة تقديرية واسعة النطاق للقاضي، سواء تعلق الأمر بالمسطرة، أو تعلق بالإذن نفسه وحتى بتعليله.
مع عدم تحديده سنا قانونيا أدنى لمنح الإذن الاستثنائي بزواج القاصر، وعدم إيراده حالات وأوضاع خاصة وفريدة يمكن فيها الإذن بالزواج، باستحضار المصلحة التي لم يحدد لا نطاقها ولا حتى أسبابها التي بموجبها يعلل القاضي إذنه بالزواج، وكذا طبيعتها بالوجه الذي معه يسمح بالتمييز بشكل دقيق بين التعليل والتبرير، علما بأن المادة 20 من المدونة وظف فيها عبارة المبررة لذلك.

وباستحضار الإجراءات المسطرية المساعدة للقاضي في بناء وتكوين قناعته، لم يحسم المشرع بشأن طبيعة الخبرة المجرات، ولا حتى بموضوعها، وكذا الهدف الذي قصده منها بشكل مضبوط. تم عدم تحديده نوع الأطباء الذين يرجع لهم اختصاص إجرائها، كما أن البحث الاجتماعي المجرى لم يحدد موضوعه، ولا طبيعته، ولا مداه والجهة المخول لها انجازه.

ليختم المشرع الإجراءات المشار إليها أعلاه بكون المقرر الصادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج، والقاضي بتزويج القاصر، عبر الإذن له به لا يقبل الطعن فيه على خلفية أن الطرف الذي قد تكون له المصلحة في الطعن هو طالب الإذن، وأنه لا يمكنه منطقيا أن يطعن في مقرر صادر لفائدته، وبطلب منه، مع أنه ليس هنالك مبرر لاستثناء مقرر قضائي من القابلية للطعن، على اعتبار أن هذا الأخير يشكل ضمانة أساسية حق دستوري ومبدأ من مبادئ التقاضي على درجتين، مقررا عبره قواعد المحاكمة العادلة والإنصاف والشفافية في الأحكام القضائية.

بقي أن نشير إلى المادة 21 من المدونة التي نصت على أن زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وتتجسد الموافقة المذكورة في شكلية التوقيع على طلب الإذن بالزواج وكذا حضوره تاريخ إبرام العقد، وفي الحالة التي يمتنع فيها النائب الشرعي عن الموافقة المتجسدة في عدم توقيعه على الطلب المشار إليه أعلاه، حيت يسند الاختصاص إلى القاضي لإعمال سلطته التقديرية للبت في الموضوع بما يراه مناسبا استنادا إلى قناعته الشخصية.

وهذه الحالة تضاف إلى المؤاخذات المسجلة ضد المشرع في هذا الباب، وهي عدم قابلية المقرر الصادر عن القاضي بالاستجابة لطلب الزواج لأن يطعن فيه النائب الشرعي غير الموافق عن الزواج، ليجد بذلك نفسه محروما من حق خوله له القانون في المقرر القاضي بزواج منوبته، إذا ما اعتبرنا أن الطعن في هذه الحالة يكون لصالح القاصر بأن لا يتم ذلك الزواج.

ولهذه المؤاخذات المسجلة ضد النص التشريعي أو ضد الصياغة التشريعية عموما أثار سلبية تتمثل بالأساس، وفي نطاق بحثنا هذا أن زواج القاصرات اللواتي يضطرن إلى الزواج دون بلوغهن سن الثامنة عشر سنة من عمرهن، بغض النظر عن الأسباب وعن سياق ذلك الزواج تنتهك حرمة حقوقهن من التعلم واللعب، وذلك بسب التطبيق والتفسير غير السليمين لمدونة الأسرة المغربية[47].

خاتمة
من خلال ما سبق بحثه في موضوع محددات منح الإذن القضائي بزواج القاصر في التشريع المغربي، خلصنا إلى أن المشرع قد أحاطه بعدة قواعد مسطرية إجرائية غايتها احترام القانون، وكذا حصول القاصر على الإذن القضائي من خلال ما خوله القانون للنائب الشرعي في هذا الباب لزواج المعني بالأمر، هذه الإجراءات التي من الضروري احترام فيها قواعد وشكليات تقديم الطلب، والاختصاص القضائي، حتى يتم الحصول وفقها على الإذن أو رفض الطلب.

ومن ناحية أخرى كرس القانون لقاضي الأسرة المكلف بالزواج مجموعة من الآليات المساعدة التي من خلالها يبنى قناعته، ويعلل رأيه، وكذا المقرر الصادر عنه، والتي تتوزع وكما سلف بين الاستماع لأبوي القاصر أو لنائبه الشرعي ثم الاستعانة بكل من الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي.

كما خضنا في حدود منح الإذن، عبر مراعاة سن القاصر المراد تزويجه ثم البحث عن المصلحة من ذلك الزواج، والتي اعتبرناها هي الفيصل في الموضوع بأجمله، حتى تظهر المصلحة الدافعة إلى الزواج والتي ينبغي فيها أن تكون جدية وحقيقة ستجلب النفع له بالنظر إلى ظروفه الاجتماعي وأحوله النفسية والبنيوية تحسبا للأثر التي ستترب عن ذلك الزواج.

لنختم بمسألة التطرق إلى تحصين مقرر الاستجابة من الطعن خاصة من ذي مصلحة والذي غالبا ما يكون النائب الشرعي الذي امتنع عن الموافقة، حيث يحتمل انه يعلم مصلحة منوبته أكثر من القاضي باعتباره الأقرب إليه والى أحواله الاجتماعية والاقتصادية، وكذا النفسية مع تسجيلنا مجموعة من النواقص على مستوى النص التشريعي، المتجلية في تنظيم استثناء يفرض نوعا من الحزم في القواعد الإجرائية المسطرية ثم ضبط الموضوع والتقليص من شاشته التي يتقاطع فيها ما هو قانوني بما هو اجتماعي وشخصي ثم نفسي والذي يستدعي مراجعة هذه القواعد الإجرائية تجويدا للنص بشكل يتناسب وحجم الموضوع المنظم.

وبذلك نكون قد اجبنا عن الإشكالية المحورية للموضوع باعتبار أن المشرع لم يكن موفقا بالشكل المطلوب في تنظيمه للوسائل القانونية المؤسسة لمحددات الإذن القضائي بزواج القاصر مما يحتم عليه مراجعة المقتضيات التي سلف البحث فيها حتى تستجيب لما هو مطلوب منها.

ولأجل ذلك نقترح الأتي:
- صياغة النصوص القانونية المؤطرة للموضوع بنوع من الدقة الإجرائية التي تناسب مكانته ؛
- تحديد إجراءات الخبرة الطبية بشكل محدد عبر بيان الجهة المختصة، ونوع الخبرة المتطلبة، ثم الجهة التي يعهد إليها بإجراء البحث الاجتماعي؛
- اعتبار كل من سن القاصر الذي يجب أن يحدد بدقة والمصلحة من الزواج سببا موضوعيا بناء عليها يمنح الإذن أو يرفض الطلب مثلما هو معمول به في بعض الدوائر القضائية المغربية ؛
- تكريس حق الطعن الذي بموجب تضمن الحقوق وعليه يؤسس نظام تعدد درجات التقاضي.
------------------------------
هوامش:
[1] الفقرة الأولى من الفصل 32 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91، في 27 شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز 2011، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964، بتاريخ 28 شعبان 1432 الموافق 30 يوليوز 2011 ، الصفحة 3600.
[2] المادة 4 من القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.04.22 في 12 من ذي الحجة 1424 الموافق 3 فبراير 2004، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5184، بتاريخ 14 ذي الحجة 1424 الموافق 5 فبراير 2004، ص 418، والتي حييت بتاريخ 25 يناير 2016 بموجب القانون 102.15 الذي عدل لمادة 16 منها.
[3] المادة 19 من مدونة الأسرة.
[4] الفصل الأول من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447، بتاريخ 11 رمضان 1394 الموافق 28 شتنبر 1974، بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية كما تم تعديله بنصوص قانونية متعددة.
[5] تعتبر النيابة الشرعية عن القاصر في مدونة الأسرة المغربية، إما ولاية أو وصاية أو تقديم. حيث يقصد بالنائب الشرعي في الكتاب الرابع من المدونة، والمعنون بالأهلية والنيابة الشرعية، الولي وهو الأب و الأم والقاضي. والوصي هو وصي الأب ووصي الأم ثم المقدم وهو الذي يعينه القضاء.
[6] المادة 65 من مدونة الأسرة المغربية.
[7] تنص الفقرة الثانية من المادة 21 من مدونة الأسرة المغربية على الأتي:" تتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد".
[8] عبد الكريم شهبون، شرح مدونة الأسرة والأحوال الشخصية، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الثانية، الجزء الأولى، الرباط، الصفحة 65.
[9] دليل عملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد الأول، سنة 2004، الصفحة 29.
[10] المادة 20 من مدونة الأسرة المغربية.
[11] حكم قضائي عدد 9-12 صادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج، المحكمة الابتدائية، قسم قضاء الأسرة بالناظور، في الملف رقم 06-2009.
[12] لأن الأب باعتباره وليا شرعيا دوما ما يطمح لأن يجلب النفع من ولايته على ابنه القاصر خاصة البنت ودفع الضرر عنها من خلال فعل الولاية التي يمارسها اتجاهها.
[13] الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية.
[14] نجيب شوقي، الاختصاص المحلي لأقسام، أشغال الندوة الدولية – مدونة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق- الحصيلة والمعوقات، كلية الحقوق بوجدة سنة 2008، مقال منشور بدار المنظومة، الصفحة 2.
[15] الحسن بن دالي، المرشد العملي والقانوني لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، دراسة عملية وقانونية، طبعة يناير 2013، الصفحة 4 (بتصرف).
[16] دليل عملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، مرجع سابق، الصفحة 31.
[17] المادة 23 من مدونة الأسرة المغربية.
[18] سهام الرويجى، الإجراءات المسطرية والوسائل المعتمدة لمنح الإذن بزواج القاصر، مقال قانوني منشور بموقع العلوم القانونية، تاريخ الولوج يومه 14 أكتوبر 2020، على الساعة الثانية عشر ظهرا.
[19] سعيد النقوب، زواج القاصر في النظام القانوني المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية 2009-2010، الصفحة 43 وما يليها.
[20] محمد الشتوي، الإجراءات الإدارية والقضائية لتوثيق الزواج، المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش الطبعة الأولى، سنة 2004، الصفحة 147.
[21] عبد الله أمين، حدود سلطة القضاء في المادة الأسرية، كتاب الزواج نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2008-2009، الصفحة 9.
[22] عبد اللطيف الدراز، الحماية القضائية لمصلحة القاصر في مدونة الأسرة، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد بن عبد الله بفاس، السنة الجامعية 2017-2018، الصفحة 14.
[23] المادة 238 من مدونة الأسرة المغربية.
[24] المادة 1 القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.01.126، بتاريخ 29 من ربيع الأول 1422، الموافق 22 يونيو 2001، الجريدة الرسمية عدد 4918، بتاريخ 27 ربيع الثاني 1422 الموافق 19 يوليوز 2001، الصفحة 1868.
[25] المادة 2 من نفس القانون.
[26] حفصة الوهابي، مركز الخبرة الطبية في مدونة الأسرة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي بطنجة، السنة الجامعية 2005-2006، الصفحة 8.
[27] تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية المغربية على الأتي:
"لا تلزم المحكمة بالأخذ برأي الخبير المعيين ويبقى لها الحق في تعيين أي خبير أخر من أجل استيضاح الجوانب التقنية في النزاع".
[28] مقرر قضائي صادر عن قسم قضاء الأسرة بطنجة، رقم 905، صادر بتاريخ 25 نونبر 2010، ملف رقم 905، أورده عبد الهادي الشاوي، زواج القاصر بين النص القانوني والواقع العملي، مقال قانوني منشور بمجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية، الطبعة الأولى 2019، العدد الثامن شتنبر 2020، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط، الصفحة 15.
[29] قرار صادر عن محكمة الاستئناف بطنجة رقم 401-05-07، الصادر بتاريخ 09 يونيو 2005، في الملف رقم 164-05-07، أورده عبد الهادي الشاوي، مرجع سابق، الصفحة 17.
[30] إدريس الفاخوري، قانون الأسرة المغربي، الجزء الأول- أحكام الزواج-، الطبعة الأولى، مطبعة الجسور، وجدة، سنة 2005، الصفحة 39.
[31] مقرر رقم 3218 الصادر بتاريخ 19 أبريل 2013، في الملف عدد 101-2013، أورده، عبد الهادي الشاوي، مرجع سابق، الصفحة 15.
[32] المادة 20 من مدونة الأسرة.
[33] عبد اللطيف الدراز، الحماية القضائية لمصلحة القاصر في مدونة الأسرة، مرجع سابق، الصفحة 23.
[34] قرار قضائي صادر عن محكمة الاستئناف بطنجة رقم 401-05-0072، بتاريخ 06 ماي 2005، ملف رقم 64-05-07، إدريس الفاخوري، العمل القضائي الأسري، الجزء الأول مطبعة الأمنية بالرابط، الطبعة الأولى 2009، الصفحة 35.
[35] المادة 22 من مدونة الأسرة المغربية.
[36] محمد الشافعي، الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث الجامعية العدد 24، الصفحة 39.
[37] دليل عملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد الأول، سنة 2004، الصفحة 29.
[38] إدريس الفاخوري، مرجع سابق الصفحة 70.
[39] المادة 224 من مدونة الأسرة المغربية.
[40] محمد الشافعي، مرجع سابق ، الصفحة 44.
[41] محمد الشافعي، نفس المرجع، الصفحة 45.
[42] محمد الكشبور، شرح مدونة الأسرة الجزء الأول، ص 129.
[43] العربي المتقي، زواج القاصر بين القاعدة والاستثناء، ندوة حلقات دراسية حول مدونة الأسرة ودور الوساطة برنامج الحلقة الدراسية الجهوية المنظمة من طرف وزارة العدل بمدينة تطوان، خلال الأيام الدراسية من خامس إلى ثامن دجنبر 2005، ص 8 (بتصرف).
[44] المادة 3 من مدونة الأسرة المغربية.
[45] مقتضيات الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية المغربية
[46] الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، مدونة الأسرة بين النص والتطبيق من خلال العمل القضائي لمحكمة النقض، ص 28
[47] تقرير ميداني صادر عن مؤسسة يطو، سنة 2013،في إطار القوافل التحسيسية التي تجريها المؤسسة لرصد واقع تزويج الطفلات وثبوت الزوجية وكذا زواج الفاتحة، أوردته الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، مدونة الأسرة بين النص والتطبيق من خلال العمل القضائي لمحكمة النقض مرجع سابق ، ص 30

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -