دور القضاء الإداري في حماية الحقوق و الحريات بالمغرب

 عرض بعنوان: دور القضاء الإداري في حماية الحقوق و الحريات بالمغرب PDF

دور القضاء الإداري في حماية الحقوق و الحريات بالمغرب PDF

مقدمة : 
لقد شغل موضوع الحقوق والحريات الفكر الإنساني عبر التاريخ، فهو قديم قدم الإنسانية ويشكل جزءا من تاريخها، وتؤثر سلبا وإيجابا بالظروف الزمانية والمكانية للمجتمعات البشرية، وبالتيارات الفكرية الفلسفية والسياسية التي كانت سائدة، وبالشرائع السماوية وتعاليمها، كل هذه العوامل كان لها صدى كبير في تشكيل الجذور الروحية لحقوق الإنسان، فليس غريب أن نجد أن موضوع حقوق الإنسان كان منار مد وجزر بين الحاكمين والمحكومين، بل إن العديد من الثورات والانتفاضات كانت تحمل شعار المطالبة بالحقوق والحريات. 
ولعل ما وصل إليه مستوى الحقوق والحريات هو نتيجة لتراكمات تاريخية، بدأت بذورها الأولى في العصر اليوناني، ليكون للعهد الروماني الفضل في تقنين القواعد القانونية، دون إغفال إسهامات الديانات السماوية التي جعلت الإنسان محور الوجود؛ لكن أولى إعلانات الحقوق ستنبع من التصريحات الإنجليزية نتيجة الصراعات في القرن الثالث عشر بين الملك والبرلمان، ستترك هذه الإعلانات بصمة واضحة في إعلان استقلال الولايات المتحدة، وسيدعم هذا البناء بالثورة الفرنسية سنة 1987 وبإعلانات الحقوق الفرنسية، أما الثورة البولشفية لسنة 1917 فستضيف مفهوم جديد هو الحريات الحقيقية بالحث على توفير الشروط والإمكانات المادية للتمتع بهذه الحقوق. 
كل هذه الجهود والاهتمامات توجت بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من دجنبر سنة 1984، ويعتبر الإعلان بمثابة المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدف كافة الشعوب في مجال حقوق الإنسان، وقد صدر بعد هذا الإعلان العديد من المواثيق والإعلانات المهتمة بمختلف مجالات حقوق الإنسان، ويأتي في مقدمتها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 
ومنظومة حقوق الإنسان، من حقوق سياسية ومدنية واجتماعية وثقافية هي بناء متكامل ومترابط غير قابل للتجزئة، ومع ذلك فقد جرت العادة التمييز بين ثلاثة أجيال: 
الجيل الأول ويشمل الحقوق المدنية والسياسية، والجيل الثاني ويتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أما الجيل الثالث فيتكون من الحقوق الجماعية كالحق في التنمية، والحق في السلم... 
وبالرجوع إلى دستور 2011 ، نجده يتضمن مجموعة من الحقوق إضافة إلى السياسية والاجتماعية، دون إغفال وديباجة الدستور التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الدستور، فقد خصص المشرع الدستوري بابا كاملا للحقوق والحريات تبتدئ بالفصل 19 الذي يشير إلى المساواة في مختلف الحقوق بين المرأة والرجل، إضافة إلى الحق في الحياة (الفصل 20) والحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة (الفصل 31). 
إضافة إلى الفصلين 33 و 34 اللذان يلزمان السلطات العمومية بالتدخل الإيجابي لتفعيل هذه الحقوق؛ ومن هنا تبرز أهمية الحماية القضائية لهذه الحقوق الدستورية من خلال القضاء الإداري الذي يحرص على مراقبة احترام مبدأ المشروعية. 
حيث شكل إحداث المجلس الأعلى سنة 1957، أولى إرهاصات إخضاع الإدارة المغربية لمبدأ المشروعية وخطوة نحو حماية الحقوق والحريات، وفي هذا الصدد شكل إنشاء المحاكم الإدارية بمقتضى القانون 90-41 قفزة نوعية على مستوى بناء دولة الحق والقانون ،باعتباره قضاء متخصصا في المنازعات الإدارية والأقدر على ضبط ميزان القوى بين الإدارة والمواطن، بالارتكاز على دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة أو دعاوى التعويض ،وقد تعزز دور القضاء الإداري بإنشاء محاكم الاستئناف الإدارية سنة 2006. 
وتزداد أهمية القضاء الإداري في البناء الديمقراطي والارتقاء بمكانة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في ظل مجالات تتسم بالتعقيد كالتعليم والصحة ونزع الملكية، وما يمكن تشكله من كوابح أو قاطرات للتنمية والتقدم، حيث أثبتت بعض التجارب الدولية بما لا يدع للشك ما يمكن للتعليم أن يقدمه للمجتمع من ازدهار. 
وعليه فللقاضي الإداري دور لا يستهان به في إعادة التوازن للطرف الأضعف في المعادلة وهو المتقاضي عن طريق التأسيس لاجتهاد يتجه نحو تكريس قواعد ومبادئ قانونية تعزز المكتسبات في مجال الحقوق والحريات عن طريق ملئ الفراغات التشريعية بما يزرع الثقة في القضاء باعتباره نتاج سياق اجتماعي يؤثر ويتأثر بمحيطه، مع الأخذ بعين الاعتبار الالتزامات الدولية للمغرب في هذا المجال. 
ويستمد دور القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات أهمية كبرى انطلاقا من الواقع والتشريع، فالأهمية النظرية تتجلى في كون الحقوق التي كفلها الدستور والتي تقرها المنظومة الحقوقية الكونية، هي محور المشروعية والبناء الديمقراطي وبها يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية، فلا يمكن للتنمية أن تتحقق في غياب هذه الشروط الجوهرية لارتباطها بأسمى شيء في الوجود وهو الإنسان وكرامته، وعليه يكون الكشف عن الخلفيات النظرية المدعمة لقرارات القضاء الإداري ذات قيمة جوهرية في فهم طريقة اشتغالها، ومدى مسايرتها للتطورات المجتمعية. 
ولهذا الموضوع إشكالية أساسية تتمحور في: إلى أي حد استطاع القضاء الإداري المغربي في حماية الحقوق والحريات ؟ 
وللإجابة عن هذه الإشكالية يمكن طرح الأسئلة التالية ما مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة ؟ وما هي صور رقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة ودورها في حماية الحقوق والحريات ؟ وذلك بالاستعانة بالمنهج الوظيفي بشكل رئيسي لتبيان دور القاضي الإداري في حماية الحقوق والحريات، وباعتماد المنهج الاستقرائي الوصفي الذي سيسعفنا في الانطلاق من جزئيات وهي القرارات والأحكام قصد الوصول إلى استنتاجات ،ثم المنهج التحليلي الذي اعتمدنا عليه لفهم طريقة اشتغال القضاء الإداري واستخلاص جوانب الحماية التي استطاع القاضي الإداري مراكمته في مجال الحقوق والحريات، كما سنعزز البحث بالمنهج المقارن بين فرنسا والمغرب متى دعت الضرورة لذلك. 
ولمعالجة الإشكالية أعلاه ارتأينا معالجتها وفق مبحثين كالتالي: 

المبحث الأول : الإطار النظري العام لدور القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات. 
المبحث الثاني : اجتهادات القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات.

---------------------------
لائحة المراجع :

الكتب :
- القاضي أحمد الأشقر، "الاجتهادات القضائية العربية في تطبيق الاتفاقيات الدولية الحقوق الإنسان" دراسة وضعية تحليلية، سنة الإصدار 2017. 
- عبد الرزاق المسكي، "القضاء الإداري وجدلية الموازنة بين ممارسة الحريات العامة والمحافظة على النظام العام" مجلة الإرشاد القانوني العدد الثاني والثالث.
- مليكة الصروخ، مشروعية القرارات الإدارية، الطبعة الأولى 2011. 
- أحمد الدرداري، مسطرة تنفيذ القرارات الإدارية دراسة فقهية مقارنة- دار آفاق المغربية للنشر والتوزيع، الرباط، 2012. 
- مصطفى قلوش، الحريات العامة في المذاهب المعاصرة، الجزء الأول.

الرسائل :
- عبد الصمد شكري، حماية حقوق الأفراد على ضوء الاجتهاد القضائي الإداري المغربي، بحث لنيل شهادة الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي طنجة، السنة الجامعية: 2011/2010 . 
- علي ادمو، "دور القضاء الإداري في حماية المواطن من التعسف الإداري" بحث النيل شهادة الماستر، كلية الشريعة آيت ملول-، السنة الجامعية 2018/2017.
- رشید رشيد الكنوني، الحماية القضائية للحقوق السياسية والاجتماعية، رسالة لنيل شهادة الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس.

المقالات :
- أمال المشرقي، "حماية الحقوق والحريات بالتقييد القضائي لسلطة الإدارة التقديرية"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد13، 1995. 
- خديجة أمعيوة القاضي وحماية الحقوق والحريات بالمغرب، "أط" فاس 05/ 04 .
- عبد العزيز العروسي، "حقوق الإنسان بالمغرب: ملاءمات دستورية وقانونية"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 103 2018. 
- ذ محمد العبدوي، الشرطة الإدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات، منشورات المجلة المغربية للإدارة والتنمية المحلية
- غلاي حياة، الرقابة القضائية على سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية، مقال منشور بموقع مجلة القانون والأعمال droitetentrprise.com
- مناد بالا، دور القضاء الإداري في حماية النظام العام الصحي، مقال منشور بهيسبريس، 30 ماي 2020 تاريخ الإطلاع الجمعة 26 يونيو 2020م،
- عبد الغني السرار، دور القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات، مجلة الفقه والقانون الدولية، العدد 38، فبراير 2020 ص:75.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -