دور الدستور في تنظيم الحياة السياسية

 عرض بعنوان: دور الدستور في تنظيم الحياة السياسية PDF

دور الدستور في تنظيم الحياة السياسية PDF

المقدمة :
إن كل من يتطلع إلى تاريخ الدول يتبين بأن المشكلة الكبرى التي لعبت دور المحرك في مجريات حياتها وتطور أنظمتها إنما هي في النزاع الذي يقوم بين الدولة وبين مواطنيها، فالدولة إنما تبدو في آخر تحليلاتها، بشكل آلية حاكمة، يتناول سلطانها الشعب الخاضع لحكمها ولكي لا ينقلب هذا الحكم إلى طغيان، فلابد له من قواعد قانونية تجعله حكما منظما في إطار القانون، ومقيدا بأحكامه ولن يتحقق هذا الأمر إلا في ظل وجود دستور يحدد اختصاصاتها ويقنن صلاحيات الحاكمين الممارسين للسلطة السياسية.
فقد عدا الدستور مفهوما متداولا في الفقه الدستوري وكتابات علم السياسة، أي إخضاع الدولة وممارسة السلطة والعلاقات بين المؤسسات إلى أحكام وثيقة مكتوبة تحدد فلسفة الدولة وشكلها ونوع الحكم فيها وتقييد سلطاتها.2
والدستور بالمعنى الصهر و امضة " ويعتبر ميكيافيلي أول من استعمل هذا اللفظ بمعنى النظام القائم، واستعمل عند مونتسكيو بمعني يشير إلى قواعد الأنظمة التي تحافظ على الحرية وتعلنها وتضمنها وتنظمها. 
وجاءت الثورة الفرنسية بمعنى آخر للدستور حيث أشار الإعلان الصادر عام 1789 على أن المجتمع لا يمكن أن يكون له دستور ما لم ينص على حقوق الإنسان ولم يقم على مبدأ الفصل بين السلطات، فرغم تعدد الاجتهادات الفقهية في تعريف الدستور وتحديد ماهيته، ورغم اختلاف الدساتير في العالم وتباين مناهجها من نظام لآخر، إلا أن التسمية الأساسية التي يمكن تعريفها للدستور لا تختلف عليه هو أنه "مجموعة القواعد والأحكام القانونية التي تنظم وتحدد شكل الدولة ونظام تسييرها وسلطاتها العليا، وحدود هذه السلطات وعلاقاتها المتبادلة، وحقوق الأفراد والحريات الأساسية والوسائل الكفيلة لضمانها". 
بعبارة أخرى أنه المجال الذي تتبلور فيه عقيدة الأمة وأصالتها ومقوماتها ومستوى حضارتها وطموحاتها من جهة، ومن جهة أخرى يعتبر أسمى وأقوى القوانين.
ويتضح مما سبق أن للدستور مفهومین؛ مفهوم موضوعي مادي و آخر شكلي. فالمفهوم الشكلي يجعل من الدستور مجموعة القواعد القانونية المجتمعية التي يتضمنها الصك الرسمي الصادر عن السلطات التأسيسية الأصلية والتي تحظى بقيمة سامية على باقي المبادئ التشريعية أو التنظيمية، والتي يخضع تعديله ومراجعته لقواعد شكلية محددة. أما المفهوم الموضوعي المادي فهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطات العامة لوظائفها واختصاصاتها، إذ يشير إلى أسلوب اختیار وتعيين الحكام، وإلى طبيعة مهامهم وعلاقتهم مع المؤسسات العامة الأخرى. 
وبمعنى آخر مجموع القواعد المرتبطة بممارسة السلطة السياسية و التي تبين نظام الحكم والأسس التي تقوم عليها، وتنظيم علاقات السلطة الحاكمة بالأفراد الخاضعين لسيادتهاد. 
مع انتشار الأفكار الديمقراطي رقم الحركات السياسية التي اقترنت بنداء الحرية وتقرير مبدأ سيادة الشعب الهادف إلى الحد من السلطان المطلق للحكام، قامت دعوة في نفس الوقت إلى إصدار دساتير مكتوبة تبين نظام الحكم في الدولة وتحدد كيفية تنظيم السلطات العامة من حيث تكوينها واختصاصاتها وعلاقاتها بعضها ببعض، وبالأفراد أو المواطنين، وتقرر حقوق الانسان و حرياته، وتضع الضمانات الأساسية لحماية هذه الحقوق وتلك الحرياته
ظلت الأنظمة الدستورية في الدول المختلفة حتى أواخر القرن 18 تستمد قواعدها من العرف وحده، إلى أن قامت الثورة الفرنسية وما عاصرها من حركات فكرية تهدف إلى وضع دساتير مكتوبة، حتى إنه يمكن القول أن أول الدساتير المكتوبة هي تلك التي وضعتها لنفسها المستعمرات الإنجليزية في أمريكا الشمالية حينما أعلنت استقلالها و انفصالها عن بريطانيا العظمی، وذلك عقب حرب الاستقلال في سنة 1776، إذ صدرت في تلك السنة دساتير ولايات كل من فرجينيا و نيوجيرسي ، ثم تبعها في السنة التالية دستور ولاية جورجيا وولاية نيويورك، وفي سنة 1778 صدر دستور ولاية مساشوستس، وما إن حل عام 1780 حتى كانت جميع المستعمرات أو الولايات المستقلة عن التاج البريطاني قد انتهت من وضع دساتير مكتوبة لها
تنشئ على أساسها حكوماتها الجديدة. وفي الأول من الشهر مارس سنة 1781 صدر رسميا أول دستور للولايات المتحدة الأمريكية، وهو دستور الاتحاد الكونفدرالي (التعاهدي) الذي أقام رابطة صداقة بين الولايات الأمريكية، ثم صدر بعد ذلك الدستور الفيدرالي وهو الدستور الصادر في 17 شتنبر سنة 1787
ولقد كان صدور الدساتير الأمريكية المختلفة فاتحة لحركة تقنين دستورية واسعة بدأتها فرنسا في أعقاب ثورتها الكبرى سنة 1789، فأصدرت أول دستور مكتوب لها في سنة 1791، ثم انتقلت فكرة الدساتير ال ية و فرنسا إلى فيه دود أو Page فصدر دستور السويد سنة 1709 والنرويج سنة 1714 وبلجيكا سنة 1731 وسويسرا سنة 1874 وهولندا سنة 1887. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى اتسع نطاق حركة تدوين الدساتير وازداد انتشارها، فقد انتهت هذه الحرب بانهيار الإمبراطوريات الروسية والألمانية والنمساوية والعثمانية، وقامت على أنقاضها دول جديدة كلها بنظام الدستور المدون، فصدر في روسيا دستور سنة 1918وهو أول دستور اشتراكي، وفي ألمانيا دستور فيمار سنة 1919، وفي النمسا دستور 1920، وفي تركيا دستور 1924. وهكذا عمت حركة إصدار الدساتير المكتوبة في البلدان المختلفة في أمريكا و أوربا وأفريقيا، كما سادت في البلدان العربية.
فالفكر الإصلاحي في المغرب، وفضلا عن استحضار المستعمر لفكرة الدستور كإطار مرجعي للعمل السياسي والمؤسساتي، كان منفتحا على التجارب الدستورية والفكر الدستوري المقارن منذ أمد طويل. وقد أدى كل ذلك إلى بلورة وضع مشروع دستور سنة 1908، الذي لم يكتب له أن يرى النور بفعل خضوع المغرب للاستعمار. 
فسقوط المغرب في القضية الاستعمارية لم يلغ تشبت الحركة الوطنية بالفكر الدستوري ووضع إطار قانوني للحياة السياسية في البلد، وهذا ما جعل رضع دستور المغرب المستقل أولوية سياسية واستراتيجية إبان الدولة العصرية القاسة على فرض احترام القانون ع لى السلط وحماية الحقوق والحريات، توج أول دستور سنة 1962 تلاه دستورا 1970 و1972 ومراجعتين دستوريتين
سنتي 1992 و 1996. يعتبر حضور فكرة الدستور كإطار مواكب للإصلاح وموجها له كانت وراء دستور 2011 . فبعد الربيع العربي وحراك الشارع المغربي كان على الدستور أن يتسع الاحتواء التطورات والتوازنات السياسية الجديدة، نتجت عنه هندسية دستورية جديدة أفرزت دستور 2011 الذي أسس لممارسة سياسية ودستورية جديدة من خلال إعادة رسم السلطة السياسية، وتوسيع مجال الحقوق والحريات مع تأسیس موسسات دستورية أكثر عصرنة تتماشى وتطورات الفكر الدستوري المعاصر.
تتجلى أهمية الموضوع في دور القواعد الدستورية في توضيح شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتنظيم السلطات العامة من حيث تكوينها واختصاصاتها وعلاقاتها ببعضها أو بالأفراد أو المواطنين كما تقرر حقوق الانسان وحرياته وتضع الضمانات الكفيلة لضمان الحقوق والحريات.
بالإضافة إلى الأهمية القصوى للمضمون الذي ينطوي عليه الدستور واستنادا إلى ضرورة أن يعكس ذلك المضمون القيم السائدة وتطلعات الشعب بكافة فئاته فإن العملية التي يتم من خلالها صياغة الدستور والتوافق على محتواه تعتبر على درجة باغة من الأهمية بحد ذاته.
فلا ريب أن أي عملية دستورية باعتبارها تلك الإجراءات الهادفة إلى إحداث تغيير دستوري في دولة ما ماهي إلا نتاج تضافر مجموعة من المعطيات الواقعية التي تحمل على الاعتقاد بأن نصا دستوريا ملأو مجموعة نصوص دستورية أو الدستور كله لم يعد يتماشى بشكل ملائم مع متطلبات الدين السياسية السائدة وبالتالي فان يحتاج لإحداث ذلك التغيير استجابة لشروط الواقع الجديد.
انطلاقا مما سبق يتبين أن الموضوع يثير إشكالية أساسية تتمثل في:
هل تنظم الحياة السياسية ومأسستها كفيل فقط بوجود وثيقة دستورية أم هناك فاعلين أخري مساهمين في هاته العملية ؟
ويتفرع عن هاته الإشكالية مجموعة من الأسئلة : 
كيف نشأت فكرة الدساتير؟ وماهي العوامل المساعدة في ذلك؟ وماهي العوامل المتدخلة في عملية هندسة وبناء الدساتير؟ وإلى أي حد ساهم دستور المغرب لسنة 2011 الذي جاء ببنية وهندسة جديدة في مأسسة الحياة السياسية بالمغرب؟
وللإجابة على هاته الإشكالية سنعتمد كلا من المنهج التاريخي والتحليلي. وذلك وفق التصميم التالي:

المبحث الأول: السياق العام لانتاج الدستورانية عبر العالم 
المحث الثاني: انعكاسات الدستورانية على الحياة السياسية

---------------------------
لائحة المراجع :

الكتب:
- حماد صابر، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية النظرية العامة، الجزء الأول، مطبعة فاس بريس، 2016/2015 
- حسن مصطفي البحري، القانون الدستوري (النظرية العامة )، الطبعة الأولى، و حسن سيد أحمد اسماعيل، النظام السياسي للولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا،دار النهضة العربية، الطبعة الأولى
- اندريه هوريو، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، الجزء الاول ، الاهلية للنشر والتوزيع 
- أحمد عبد الحميد الخالدي ، القانون الدستوري، النظم السياسية الديمقراطية الرئيسية المقارنة - دراسة مقارنة دار الكتب القانونية مصر، سنة 2011، و المنظمة العربية للقانون الدستوري ، الكتاب السنوي 2015-2016
- اعبيزة عبد الغني ، البرلمان المغربي والمسؤولية السياسية للحكومة ، الطبعة الثانية 2018
- ادریس جنداري، التجربة الحزبية في المغرب، غموض التصور وأعاقة الممارسة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، معهد الدوحة، فبراير 2012، 
- جواد الخرازي ، دور المؤسسة الملكية في النظام السياسي المغربي من خلال دستور 2011 رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الحقوق فاس ، السنة الجامعية 2015-2016 
- عبد النبي کياس ، الحكومة في ظل الدستور الجديد من جهاز مساعد إلى السلطة التنفيذية ، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 104 ماي يونيو 2013
- عبد الحي بنيس، نصف قرن من الحياة البرلمانية في المغرب ، الطبعة الأولى ، مطبعة البيضاوي ،2013

الأطروحات والرسائل:
- التهامي بن أحدش ، ممارسة الانتخابات في المغرب ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، السنة الجامعية 2006- 2007
- عليمة مدفوني، الهندسة الدستورية والاصلاحات السياسية في العالم العربي، مذكرة تكميلية لنيل شهادة الماستر، جامعة العربي بن مهدي أم البواقي كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم، السنة الجامعية 2014\2015 
- رشيد الإدريسي، التجربة الدستورية في بلدان المغرب العربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة القاضي عياض، مراکش، السنة الجامعية 2011/2010
- منال البراهمي ، تواز السلط في النظام الدستوري المغربي ، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام ،مسلك، جامعية سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الحقوق فاس ، السنة الجامعية 2013-2014 
- يوسف تحيفة ، السلطة التنفيذية في النظام الدستورية المغربي ، رسالة لنيل شهادة الماستر ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الحقوق فاس ، السنة الجامعية 2014/2013

الندوات و المجلات:
- لؤي عبد الفتاح ، عثمان زياني "الهندسة الدستورية ومتطلبات الإصلاح"، الندوة الوطنية التي نظمتها كلية العلوم العلوم الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، جامعة محمد الأول وجدة ، في موضوع "أفاق الإصلاح الدستوري"، أبريل 2011 
- ندوة وطنية، تحت عنوان: التاريخ الدستوري المغربي 1962-1970-1972 2011 - 1996 - 1992 ، الرباط، 11-12 دجنبر 2018 و محمد المعتصم ، عناصر الاستمرارية و التطور في الممارسة البرلمان 1984 مؤلف جماعي بعنوان التجربة البرلمانية الرابعة (1984-1992) منشورات كلية العلوم القانونية الاقتصادية و الاجتماعية ، مراکش العدد 4 1993

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -