نظام الشفعة في ضوء الفقه الإسلامي والقانون المغربي

عرض بعنوان: عرض-نظام الشفعة في ضوء الفقه الإسلامي والقانون المغربي PDF

نظام الشفعة في ضوء الفقه الإسلامي والقانون المغربي PDF

مقدمة :
عرفت البشرية منذ القدم ارتباط كبيرا بالتصرف في الملكية العقارات، لذلك تمارس هذا الارتباط بالعديد من التصرفات كالتعايش جنبا إلى جنب في تملك هذه العقارات إما بصورة مشتركة في ما بينهم وذلك بألية الشياع أو من خلال تقاسم السلطات التي ترد على حق تملك العقارات وذلك من خلال الحقوق العينية التي تقع على هذه العقارات.
ونظرا لحساسية الملكية الشائعة، والمشاكل التي تثار عند قيام أحد الشركاء بتفويت حصته الأجنبي، فإن الفقه الإسلامي ومجموعة من القوانين الوضعية أخذة بالشفعة كأحد الحقوق التي تثبت للشركاء على الشياع عند تفويت شريكهم لحصته للغير، والذي يمكنهم من استرداد الحصة المبيعة.
وقد جاء في لسان العرب تعريف الشفعة من الناحية لغوية بأنها: الشفعة بضم الشين وسكون الفاء مشتقة من الشفع وهو خلاف الوتر الذي هو الزوج، تقول كان وترة فشفعته شفعة، وشفع الوتر من العدد شفعة صيره زوجا، ثم قال: و الشفعة، والشفعة ، في دار و الأرض: القضاء بها لصاحبها.
وسميت بذلك لأن الأخذ بها يضيف بسببها الشفيع الحصة المشفوعة فتصير بذلك الحصتان شفعة بعد أن كانت التي بيده وترا. 2
أما تعريف الشفعة اصطلاحا فقد تعددت التعريفات الفقهية التي أعطيت لها منها: تعريف الفقيه المالكي ابن عرفة الذي عرف الشفعة بأنها: "استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه"؛ أي طلب الشريك أخذ مبيع شريكه بثمنه الذي باع به سواء أخذ أو لم يأخذ فالشفعة معروضة للأخذ وعدمه.
وقال ابن رشد في المقدمات:" والأصل في تسميتها بذلك، هو أن الرجل في الجاهلية كان إذا اشترى حائطا أو منزلا أو شقصا من حائط، أتاه المجاور أو الشريك فشفع له في أن يوليه إياه ليتصل له الملك أو يندفع عنه الضرر".
الشيخ خليل فقد نص في مختصره على ما يلي: " الشفعة أخذ شريك ممن تجدد ملکه اللازم اختيارا بمعاوضة عقار أو ما يتبعه بمثل الثمن أو قيمة الشقص أو ما حدده الشارع في عوض الشقص "6.
أما بالنسبة للفقه القانوني فقد عرف الشفعة بكونها أخذ شريك على الشياع عقارا من شخص تجدد ملكه اللازم اختيارا بعوض بمثل الثمن أو القيمة".
وعرفها البعض الآخر بكونها وب من اسباب کسي الملكية وهي رخصة إذا استعملها الشفيع تملك عقارا باعه صاحبه لغير رمل الشفيعمل المشتري في هذا البيع بشروط معينة. أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد عرفها في المادة 292 من القانون 08.39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية كما يلي: "الشفعة أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية النافعة عنذ الاقتضاء .
أما الفصل 25 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغي كان يعرف الشفعة بأنها: "الحق الثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوق عينية عقارية في أن يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها بعد أدائه المبلغ المؤدي في شرائها وكذا مبلغ ما أدخل عليها من تحسينات وما أدى عنها من مصاريف الازمة للعقد".
وعرفها أيضا المشرع المغربي في الفصل 974 من قانون الالتزامات والعقود بقوله: إذا باع أحد المالكين على الشياع لأجنبي حصته الشائعة، جاز لباقيهم أن يشفعوا هذه الحصة لأنفسهم، في مقابل أن يدفعوا للمشتري الثمن و مصروفات العقد الضرورية والنافعة التي أنفقها منذ البيع. ويسري نفس الحكم في حالة المعاوضة".
وتتميز الشفعة بالعديد من الخصائص منها:
- الشفعة حق إستثنائي: باعتباره تقييدة لحرية التعاقد ولحق الملكية فيه ينتزع العقار من مشتريه بدون رضاه فيتملك لشخص آخر غير الذي أباعه إياه، كما أنه حق لا يمارس إلا في صور معينة وحسب شروط مضبوطة وفي حدود ضيقة.
- الشفعة حق غير قابل للتجزئة: فيعني أنه للشفيع أن لا يطلب تملك بعض المبيع وترك بعضه وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 296 من مدونة الحقوق العينية على أنه: "إذا باع شريك حصته الأجنبي في ملك مشاع، فيجب على الشريك أن يأخذ الحصة المبيعة بكاملها أو أن يتركها". إذ يترتب على أخذ بعض المبيع ضرر بالمشتري وعليه يجب على كل شفيع أن يطالب بكل العقار تفاديا لاحتمالات تجزئة الشفعة.
- الشفعة حق عقاري: فإن ذلك يعني أنها لا ترد إلا على العقارات هذا ما نصت عليه المادة 298 من مدونة الحقوق العينية على أنه: "تكون الشفعة في العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غير قابلة لها، تكون في الحقوق العينية القابلة للتداول".
- الشفعة تعتبر حق اخباري :وك أن الأخذ بها يرجع الممحض إرادة الشفيع فله الأخذ بها أو التنازل عنها. 10
ينبغي التأكيد على أن الشريعة الإسلامية تعد المصدر الرئيسي لنظام الشفعة، إذ استمدت معظم التشريعات أحكام الشفعة من الفقه الإسلامي.
- الشفعة كانت معروفة في الجاهلية حيث كان الرجل إذا اشترى حائطا أو منزلا أتاه جاره أو شريكه فشفع في أن يوليه إياه ليصل ملكه أو ليدفع عنه ضرر المشتري، وإذا كان صا هي العقود هو (الرضائية ام انها تقررت استثناء لهدف أهم وأشمل هو أنه (لا ضرر و ضرر وأن السري في سن العليا، والخليط أحق من الجار، والجار أحق من غيره "12
والحكمة من تشريع الشفعة أنها قد شرعت لدفع الضرر المتوقع من المشتري الأجنبي غير المرغوب فيه، ومنع تجزئة العقارات إلى قطع صغيرة لبيعها لغير الجار والشريك اللذين باستعمالهما حق الشفعة يضمانها إلى أملاكهما فيمنعان تجزئتها، إلا أنه لا يشترط تحقق الضرر لكي يثبت الحق في الأخذ بالشفعة لأنه من المقرر شرعا وقانونا أنها تثبت متى توافرت في الشفيع الشروط المقررة للأخذ بالشفعة.
بالإضافة إلى ذلك قررت الشفعة للتقليص من عدد الشركاء، ووضع حد للنزاعات التي تقع بين الشركاء في الانتفاع والاستغلال بالشيء المشترك، وذلك ما جعل بعض الفقه يذهب للقول بكون الشفعة تعتبر جزءأ من أحكام المعاملات بين الناس الهدف منها جلب المصلحة ودفع المفسدة. وحسب مذهب المالكية يرى أن الضرر الذي شرعت الشفعة الدفعه، هو الضرر الناشئ عن القسمة إذا ما طلب الشريك الحادث من الشريك القديم قسمة الأملاك، كما يرو أن سبب وجوب الشفعة هو انتقال الملك في الحصة بعوض.15
ولقد اتفق الفقهاء المسلمون على مشروعية الشفعة وأقروا الأخذ بها، فهي ثابتة بالسنة والإجماع، فالأحاديث النبوية عديدة ومتنوعة، فقد ثبتت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قضي بالشفعة في كل ما لم يقسم، قد وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة".
وبالرجوع إلى المشرع المغرى فقد اخذ بنظام الشفعة ،حيث انه قبل صدور مدونة الحقوق العينية كانت الشفعة في العقارات غير المضة تخضع في كامها إلى قواعد الفقه الإسلامي بينما ظلت العقارات المحفظة منظمة في إطار مقتضيات ظهير 2 يونيو 1915 المحدد لتفاصيل نظام التحفيظ العقاري 17.
وقد نجم عن هذه الازدواجية في القاعدة القانونية بالنسبة للعقار وجود تضارب في بعض الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع بسبب تنوع القواعد الفقهية واختلافها وعدم وجود مرجعية موحدة وملزمة يستند إليها القضاء 18.
غير أنه بعد صدور قانون رقم 08.39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية تم توحيد القواعد المطبقة على العقارات سواء أكانت محفظة أو غير محفظة، ويدخل ضمن هذه القواعد المقتضيات المتعلقة بممارسة الشفعة.
وتجدر الإشارة أن هنالك العديد من المؤسسات المشابهة لشفعة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر حق الأفضلية وحق الأولوية، غير أن ما يميز الشفعة عن هاتين المؤسستين الأخيرتين هو أن الشفعة تعد بمثابة مؤسسة لاحقة للعقد يتم بمقتضاها حلول الشفيع محل المشتري بعد إبرام البيع، في حين أن كل من حق الأفضلية وحق الأولوية يعتبران بمثابة مؤسستان سابقتان للبيع إذ تستند الملكية إلى شخص بتفضيله على الآخرين فتمارس الأولوية قبل العقد بما يمكن إدراجهما في إطار المؤسسات ما قبل التعاقدية.
يكتسي موضوع الشفعة أهمية بالغة سواء من الناحية العلمية أو العملية. فمن الناحية العلمية تعتبر الشفعة مجال خصب للكتابات منذ قيام الإسلام، فقد حظي نظام الشفعة باهتمام الفقهاء المسلمون، وبعد إلحاق هذا النظام بالقوانين الوضعية، اهتم مجموعة من الباحثون في مجال الشريعة والقانون بموضوع الشفعة مما ساهم في صدور العديد من المؤلفات في الموضوع. أما من الناحية العملية فإن للشفعة دور أساسي في دفع ضرر الأجنبي، ووضع للتجزئة الملكية والتقليص من عدد الشركاء، ووضع حد للنزعات التي تقع بين الشركاء في الانتفاع والاستغلال في الشيء المشترك لذلك شرعت لأجل استقرار المعاملات العقارية.
إلى أي حد تتطابق أحكام الفقه الإسلامي مع مقتضيات التشريع المغربي بشأن نظام الشفعة ؟
---------------------------
لائحة المراجع :

الكتب:
- إدريس الفاخوري: "مدونة الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08 "، دون ذكر عدد الطبعة، مبطعة المعارف الجديدة، الرباط، 2013. 
- الزرقاني:" شرح مختصر خليل"، الجزء السادس. 
- سليمان الحمزاوي:" أحكام الشفعة والصفقة"، سلسلة دروس المعهد الوطني للدراسات القضائية، منشورات تنمية البحوث والدراسات، مطبعة الساحل، الرباط، الطبعة 1983. 
- عبد الرحمان الشرقاوي: قانون العقود الخاصة، الكتاب الأول: العقود الناقلة للملكية، عقد البيع"، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الخامسة أكتوبر 2018. 
- عبد الرزاق أحمد السنهوري:" الوسيط في شرح القانون المدني، أسباب كسب الملكية"، الجزء التاسع، دار النهضة العربية، 1968. 
- عبد العالي دقوقي: "محاضرات في حق الملكية والضمانات العينية والشخصية"، طبعة 20162017، 
- عبد العالي دقوقي، محاضرات في حق الملكية وفي الضمانات العينية والشخصية، الطبعة
- عبد الفتاح محمود إدريس:" أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي"، (دون ذكر مكان الطبع)، الطبعة الأولى، 2000. 
- عبد الكريم شهبون: "الشافي في شرح مدون الحقوق العينية الجديدة وفق قانون 39.08 "، مكتبة الرشاد، مطبعة النجاح الجديد من الطعبة الثانية، 2017. 
- عبد الوهاب عرفة: "الشامل في الشفعة كسبب لكسب الملكية في العقار"، المكتب الفني للموسوعات القانونية، الإسكندرية، (دون ذكر تاريخ الطبع)، الطبعة الأولى. 
- عمر أزوکار: "أحكام الشفعة في ضوء قضاة محكمة النقض"، طبعة 2018، مطبعة النجاح الجديدة. 
- لسان العرب لابن منظور:" مادة شفع"، للإمام أبي الفضل جمال الدين محمد ابن مكرم المعروف بابن منظور، الإفريقي المصري الأنصاري الخزرجي، الجزء الرابع، المطبعة الميرية، ببولاق، مصر، 1300ه، الطبعة الأولى. 
- محمد ابن معجوز: "الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي المقارن"، دون ذكر عدد الطبعة، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 2008.
- محمد ابن معجوز:" أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي المقارن"، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة 1993. 
- محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي مطبعة الصباح الجديدة الدار البيضاء ، طبعة 2016. 
- محمد برادة اغزيول :" الدليل العملي للعقار غير المحفظ"، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 2، مطبعة فضالة، المحمدية، الطبعة الثانية، أبريل
- محمد محبجوبي: "الشفعة في الفقه المالكي والتشريع المغربي"، دون ذكر عدد الطبعة، مطبعة دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، 1993. 
- محمد محبوبي:" أساسيات في أحكام الشهر العقاري والحقوق العينية العقارية في ضوء التشريع المغربي"
- محمد محجوبي:" أساسيات في الحقوق العينية العقارية وفق قانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية"، مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، 2012. 
- محمد محجوبي، الشفعة في الفقه المالكي والتشريع المغربي، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الثالثة، 2002. 
- مهدي كامل الخطيب:" الموجز في شرح أحكام الشفعة"، دار الألفي لتوزيع الكتب القانونية بالمنيا، طبعة 2000.

الرسائل والأطروحات الجامعية:
- أنوار رفيق: شفعة العقار غير المحفظ الأحكام والآثار"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات العقارية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية: 2013-2014. 
- عبد الكريم نفيل : مركز الفقه المالكي من شفعة العقار المحفظ"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية: 2013/2012 . 
- فدوى بوزكري :" الإجراءات المسطرية لممارسة حق الشفعة وفقا لمستجدات قانون 39.08 "، رسالة لنيل دبلوم ماستر في القانون الميني راكسالجامعة عبد المالك السعدي - كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الجماعة طنجة 

المقالات:
- رشيد لعنب:" الإحالة على الفقه المالكي"، سلسلة الأعمال الجامعية - مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف الجديدةا الرباط، الطبعة الأولى 2016. 
- السعيد بوركبة: "الشفعة ومجالات تطبيقها"، مجلة المحاماة، العدد 8، سنة 1991. 
- شكير لفتوح: "مقاربة قانونية لحد الشفعة في مدونة الحقوق العينية والفقه المالكي والاجتهاد القضائي المغربي"، مجلة الإشعاع، مجلة نصف سنوية تصدرها هيئة المحامين بالقنيطرة، العدد المزدوج 41-42
- عبد المجيد لعميري: احكام الساعة ، مقال منشور بجريده قانون الإلكترونية، عدد 301. 
- العربي مياد: "تأملات في مدونة الحقوق العينية"، الجزء الثاني، سلسلة إعلام وتبصير المستهلك، العدد 25. 
- محمد الحياني:" دعوى الشفعة بين العقار العادي والمحفظ (أوجه التلاقي والاختلاف)"، مجلة البحوث، عدد 2007. 
- محمد الكشبور: "مشكلة التنازع بين الفقه المالكي وقانون الالتزامات والعقود في مجال العقار غير المحفظ"، المجلة المغربية للقانون الاقتصاد، العدد 7، سنة 1984.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -