أثر موانع الإرث على الوصية الواجبة

مقال بعنوان: أثر موانع الإرث على الوصية الواجبة

أثر موانع الإرث على الوصية الواجبة

مقدمة : 
تعتبر الوصية الواجبة من المسائل التي أثارت جدلا فقهيا واسعا بين فقهاء الفقه وأساتذة القانون حتى أطلق عليها البعض " لغز الوصية الواجبة "؛ فهي لغز في تشريعها، لأنه خرجت عن المذاهب الأربعة ولا يوجد لها نص صريح صحيح يساندها بل کادت تكون مجرد قانون وضعي لا مستند لها من الشرع.
ونظام الوصية الواجبة خليط من الأحكام المتعلقة بالميراث الشرعي ومن الأحكام المتعلقة بالوصية الإرادية وتشريعها من الإرث الشرعي وأخذ منها مكوناتها ومقوماتها لكنها خالفته في بعض القواعد الأخرى.
ومن بين هذه القواعد ما يتعلق بموانع الإرث حيث اذا تحقق مانع من هذه الموانع حرم الشخص من الميراث على خالف الوصية الواجبة ومن هنا تظهر أهمية الموضوع وذلك من خلال البحث في تأثر الوصية الواجبة بموانع الإرث ولنا أن نتساءل عن آثار موانع الإرث على الوصية الواجبة ؟
وبذلك سنحاول معالجة هذه الإشكالية من خلال التطرق أولا لموانع الإرث بصفة عامة ،ثم بعد ذلك سنعرج على أثر هذه الموانع على الوصية الواجبة وذلك وفق التقسيم التالي: 

المطلب الأول : موانع الإرث
المطلب الثاني : آثار موانع الإرث على الوصية الواجبة 


المطلب الأول : موانع الإرث 

رأينا سابقا أن استحقاق الإرث يستوجب توفر أحد أسبابه وتحقق شروطه، غير أنه قد تجتمع تلك الأسباب وتتحقق هذه الشروط ومع ذلك يحرم الوارث من الإرث عند وجود أحد الموانع.
وإلى جانب المانع الذي يقف في بداية طريق الإرث حائلا دون اكتساب الشخص لصفة الوارث ابتداء ، قد يواجه الوارث بأحد العوارض التي قد تعترض طريقه لتأثير على نصيبه من الميراث وذلك بحجبه منه إما إسقاطا أو نقلا أو بالتأثير في نسبة حظه من الميراث إما بالزيادة عن طريق الرد وإما بالنقصان عن طريق العول.
فالمانع صفة تلحق بالشخص تمنعه من الإرث فمن قتل موروثه عمدا لحقت به صفة القتل وهي صفة مانعة.
والممنوع من الإرث هو الشخص الذي توفر له سبب الإرث ولكنه اتصف صفة سلبت عنه أهلية الإرث ويسمى هذا الشخص محروما.
والموانع التي تمنع من الميراث بالكلية سبعة وهي: عدم الاستهلال والشك واللعان والكفر والرق والزنى والقتل وهي التي رمز إليها الفرضيون بقلوهم: عش لك رزق.
فبالنسبة للمانع الأول هو عدم الاستهلال، وهو ما نصت عليه مدونة الأسرة في مادتها 331 " لا يستحق الإرث إلا إذا ثبتت حياة الولود بصراخ أو رضاع أو نحوهما "[1].
أما بالنسبة الرق فلم تأخذ به مدونة الأسرة كأحد موانع الإرث لأنه لم يبق له وجود في هذا العصر.
يبقى إذا أن نتطرق لباقي الموانع وهي: الشك، الزنا واللعان، واختلاف الدين، والقتل.
أولا: الشك 
نصت المادة 328 من مدونة الأسرة على أنه إذا مات عدة أفراد وكان بعضهم يرث بعضا ،ولم يتم التوصل إلى معرفة السابق منهم، فلا استحقاق لأحدهم في تركة الآخر سواء كانت الوفاة في حادث واحد أم لا، فالعلة من عدم التوارث بين الأشخاص الذين تطالهم الوفاة نتيجة حوادث السير، و الزلازل أو الغرق أو الهدم مثلا، هو الشك في تحديد السابق منهم من اللاحق وبالتالي انتفاء الشرطين الأول والثاني من شروط الإرث وهما تحقق موتالموروث حقيقة أو حكما وتحقق وجود وارثه عند موته حقيقة أو حكما[2].
قال مالك: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ولا شك عند أحد من أهل العلم ببلدنا وكذلك العمل في كل متوارثين هلكا بغرق أو قتل أو غير ذلك من الموت إذا لم يعلم أيهما مات قبل صاحبه لم يرث أحد منهما من صاحبه شيئا وكان ميراثهما لمن بقي من ورثتهما يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء.
قال مالك: لا ينبغي أن يرث أحد أحدا بالشك ولا يرث أحد أحدا إلا باليقين من العلم والشهداء.
قال مالك: ومن ذلك أيضا الأخوان للأب والأم يموتان ولأحدهما ولد والأخر لا ولد له ولهما أخ لأبيها قلا يعلم أيهما مات قبل صاحبه فميراث الذي لا ولد له لأخيه لأبيه وليس لبني أخيه لأبيه وأمه شيء.
قال مالك: ومن ذلك أيضًا أن تلك العمة وابن أخيها أو ابنة الأخ وعمها فلا يعلم أيهما مات قبل، فإن لم يعلم أيهما مات قبل، لم يرث العم من ابنة أخيه شيئا ولا يرث ابن الأخ من عمته شيئا.
كما ورد في منح الجليل، أن الشك في المقتضى يمنع الحكم إجماعا وتعلقه منحصر في ثمانية؛ الوجود كالمفقود، والحياة كاستبهام أحد المولودين، والعدد كالحمل، والذكورة كالخنثى، والنسب كالمتداعى بين شخصين، وجهة الاستحقاق كمن أسلم على أكثر من أربع زوجات ومات قبل اختياره أربعا منهن، وتاريخ الموت بطر، والنسيان، والجهل به كالغرقى.
ثانيا: الزنا 
الرنا هو كل علاقة جنسية خارج إطار العلاقة الزوجية أي من غير زواج صحيح ولا شبهة زواج، فالولد الناجم عن هذه العلاقة هو ولد زنا، لا توارث بينه وبين الزاني لأن البنوة بينها غير شرعية.
وقد نصت مدونة الأسرة في المادة 148 على أنه لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة الأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية.
ودليل هذا المنع ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " لا مساعاة في الإسلام من ساعى في الجاهية فقد لحق بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشدة (أي زواج صحيح) فلا يرث ولا يورث."
وإلى هذا المانع أشارت مدونة الأسرة في المادة 332 بقولها:
" لا توارث بين مسلم وغير مسلم ولا بين من نفى الشرع نسبه ".
وإذا كان الولد الناجم عن العلاقة غير الشرعية لا يرث في والده الطبيعي كما لا يرث هذا الأخير فيه لوجود مانع الزنا، فإنه على العكس من ذلك يرث في أمه لأنه ولدها، يرث فيها وترث فيه، وإلى ذلك أشارت المادة 146 من مدونة الأسرة " تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية ".
كما أن الإرث يثبت بين ولد الزنا وأخيه من الأم سواء كان هذا الأخير شرعيا أم لا ودليل ذلك ما ورد في موطإ الإمام مالك: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة و ولد الزنا، إنه إذا مات ورثته أمه حقها في کتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم".....[3].
ثالثا: اللعان 
تطرقنا آنفا إلى ما نصت عليه المادة 332 من مدونة الأسرة من عدم التوارث بين من نفى الشرع نسبه، ويدخل في هذه الحالة أيضا ـ فضلا عن مانع الزنا ـ مانع اللعان.
وقد جاء ذكر اللعان في القرآ ن الكريم في سورة النور، قال تعالى:
} وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناَتِ ثمَُّ لمَْ يأَتْوُا بأِرَْبعَةَِ شُ هَدَاءَ فَاجْلِدُوهمُْ ثمََانيِنَ جَلْدَة ً وَلاَ تقَْبَ لوُا لهَُمْ شَهَادَة ً أبََدًا وَأوُلَٰئَكَِ ه مُُ الْفاَسِقوُ نَ (4) إلِاَّ الَّذِينَ تاَبوُا مِن بعَْدِ ذََٰلِكَ وَأصَْلحَُوا فإَ نَِّ اللَّّ َ غَفوُ ر رَّحِي م )5( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أزَْوَاجَهُمْ وَلَمْ يكَُن لهَُّمْ شُهَ دَاءُ إلِاَّ أ نَفسُُهُمْ فشََهَادَة ُ أ حََدِهِمْ أرَْبَعُ شَهَادَا ت باِللَِّّ إنِهَّ ُ لمَِ نَ الصَّادِقيِنَ )6( وَالْخَامِسَة ُ أنََّ لعَْنَتَ اللَِّّ عَليَْهِ إنِ كَا نَ مِ نَ الْكَ اذِبيِنَ )7( وَيَدْرَأ ُ عَنْهَا الْعَذاَبَ أنَ تشَْهَدَ أرَْبعََ شَهَادَا ت باِللَِّّ إنِهَّ ُ لمَِ نَ الْكَ اذِبيِنَ )8( وَ الْخَامِسَ ةَ أنََّ غَضَبَ اللَِّّ عَليَْهَا إنِ كَانَ مِنَ الصَّادِقيِنَ )9( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَِّّ عَليَْكُمْ وَرَحْمَتهُ ُ وَأ نََّ اللََّّ توََّا ب حَكِي م.}(10)
ودليل هذا المانع ما ورد في الموطإ: " وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم وألحق الولد بالمرأة." واللعان، هو أن يحلف الزوج على زنا زوجته أو على نفي الولد أو الحمل منه، وتحلف الزوجة على كذبه فتحرم عليه حرمةمؤبدة، على رأي الجمهور وينتفي الولد من الملاعن فلا يكون بينهما نسب ولا يتوارثان، كما لا يتوارث المتلاعنان بعد الفرقة، وتبقی البنوة قائمة بين الولد والملاعنة لأنه ولدها يرثها وترثه كما تقدم بالنسبة لولد الرنا[4]۔
وقد نصت المدونة في مادتها 153 على إمكانية اللجوء إلى مسطرة اللعان لنفي النسب.
يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب، لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طرق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع.
ولا تلاعن بين الزوج وزوجته إلا بعد توفر شروط أربعة وهي:
+ أن لا تأتي الزوجة بالولد خارج مدة الحمل المعتبرة شرعا وإلا انتفى منه شرعا بلا لعان.
+ أن ينفي الولد عند رؤية الحمل واشترط مالك أنه متى لم ينفه وهو حمل لم يجز له أن ينفيه بعد الولادة ما لم يكن غائبا ولا يعلم بالحمل.
+ أن يدفع بنفي الحمل على أساس القذف بالزنا إذا ادعى الرؤية[5].
+ وأخيرا أن يدعي الاستبراء أي عدم الوطء بعد الطهر أو الولادة[6].
وقد جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (ولا يرث ملاعن) زوجته التي لاعنها إذا التعنت بعده بمجرد تمام التعانها فإن ماتت قبل التعانها ورثها (و)لا ترث(ملاعنة) زوجها الملتعن قبلها فإن ابتدأت هي ومات قبل التعانه ورثته وإن مات بعد التعانه الواقع بعد التعانها فعلى القول بإعادتها ترثه وعلى القول بعدم إعادتها لا ترثه فالحاصل أنه إذا لم يقع اللعان من الجانبين توارثا وإن حصل اللعان من كل على الوجه الشرعي لم يرث أحدهما الآخر فإن بدأت قبله ولاعن بعدها فعلى القول بعدم الاعتداد بلعانها ولا بد من إعادتها ومات أحدهما قبل إعادتها ورثه الآخر وعلى مقابله لا إرث ورجح وأما ولده الذي وقع فيه اللعان فلا توارث بينهما سواء التعنت أم لا (وتوأماها) أي الملاعنة من الحمل الذي لاعنت فيه (شقيقان) أي يتوارثان على أنهما شقيقان على المشهور كالمستأمنة والمسبية لا توأما زانية ومغتصبة فأخوان لام على المشهور.[7]
رابعا: اختلاف الدين 
ودليل هذا المانع من السنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم."
وهو ما نصت عليه مدونة الأسرة في المادة 332: " لا توارث بين مسلم وغير مسلم " وهذا المنع يقوم مهما يكن بين المسلم وغير المسلم من علاقة نسب أو زوجية.
من ذلك مثلا، الحالة التي يتوفى فيها مسلم ويترك زوجته غير المسلمة فإنها لا ترث فيه بينما يرث فيه أبناؤها منه، وكذلك إذا توفيت هي، فإنه لا يرث فيها أيضا، كما يرث فيها أبناؤه منها، بمعنى أن الأبناء يرثون في والدهم لأن الولد يتبع أباه في الدين والنسب بصريح المادة 145 من مدونة الأسرة، كما يدخل في حكم غير المسلم المرتد أيضا عن الإسلام فإنه لا يرث المسلم[8].
خامسا: القتل 
يعرف القتل في الشريعة كما يعرف في القوانين الوضعية، بأنه فعل من العباد تزول به الحياة أي إنه إزهاق روح أدمى بفعل أدمى آخر .
ويقسم بعض الفقهاء القتل إلى قتل عمد، وقتل خطأ، ولا وسيط بينهما، والقتل العمد عند هؤلاء هو كل فعل ارتكب بقصد العدوان إذا أدى إلى موت المجني عليه سواء قصد الجاني القتل أو لم يقصده، وبشرط ألا يكون الفعل قد وقع على وجه اللعب أو مقصودا به التأديب ممن له حق التأديب.
والقتل الخطأ، هو ما لم يكن عمدا[9].

المطلب الثاني : أثر موانع الإرث على الوصية الواجبة 

نتناول في هذا المطلب شرح المادة 369 من مدونة الأسرة واستحقاق الحفدة والحفيدات الوصية الواجبة حتى في حالة وجود مانع الشك بين وفاة جدهم أو جدتهم وموت والدتهم أو والدهم [10](أولا) ، ثم ندرس و نتناقش مدى شرعية وقانونية استحقاق هؤلاء الحفدة الوصية الواجبة في حالات وجود موانع الارث الأخرى ( ثانيا).
أولا: شرح المادة 369 من مدونة الأسرة واستحقاق الوصية الواجبة حتى في حالة وجودشك بين وفاة الأصل و وفاة الفرع
ثانيا: مناقشة مدى قانونية استحقاق هؤلاء الحفدة الوصية الواجبة في حالات وجود موانع الإرث الأخرى
أولا: شرح المادة 369 من مدونة الأسرة واستحقاق الوصية الواجبة حتى في حالة وچود شك بين وفاة الأصل و وفاة الفرع 
نصت المادة 369 من مدونة الأسرة على أنه:
" من توفي وله أولاد ابن أو أولاد بنت ومات الابن أو البنت قبله أو معه وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته وصية بالمقدار والشروط الآتية ".
أقرت المادة مبدأ فرض الوصية الواجبة وحددت من تجب لهم، فنصت على أن من مات عن أولاد ابن أو بنت ذكورا كانوا أو إناثا، وتوفي ذلك الابن أو البنت قبله أو معه، وجب لأحفاده المذكورين وصية بالمقدار والشروط وفق الأحكام والمقتضيات المنصوص عليها في القسم الثامن من مدونة الأسرة، وذلك في حدود ثلث تركته، ومعنى هذا أن حكم هذه الوصية الوجوب.
والحفائد جمع حفيد وهو ولد الولد؛ وحفد يحفد حفدا وحفدانا واحتفد، خف في العمل وأسرع، والحفد في الخدمة والعمل الخفة، وحفد خدم، ومنه الدعاء الدعاء الوارد في قنوت الصبح، "واليك نسعي ونحفد": أي نسرع في العمل والخدمة، والحفد والحفدة الأعوان والخدمة واحدهم حافد، وحفدة الرجل[11] بناته، وقيل أولاده وقيل الأصهار، وهذا يعني أن الحفيد عند أهل اللغة يطلق في معناه الخاص على ولد الابن دون ولد البنت الذي يسمي السبط، ومن ذلك سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين من بنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها.
وعن بعض المتأخرين في المذهب أن الحفيد ولد الابن ذكرا كان أو أنثى وولد البنت كذلك، وتخصيصه بولد الذكر وتخصيص ولد الأنثى بالسبط عرف طارئ علي أصل اللغة[12].
ومن المعلوم أن الوصية الواجبة إنما يستحقها أولاد الابن أو أولاد البنت إذا توفيت قبل وفاة أبيها أو توفيت معه في وقت واحد، أو في أوقات متعددة ولم يعلم السابق من اللاحق في الوفاة؛ لأنه إذا توفي هذا الابن أو البنت بعد وفاة أبيها أو أمها، فإنها تكون وارثة فيها وماسترثه هي ستخلفه لأولادها الذين سيرثونها بدورهم وبالتالي سوف لا تكون أمام أي وصيةواجبة أو غيرها.
ويستحق هؤلاء الأحفاد أو الأسباط الوصية الواجبة سواء وقعت وفاة الابن أو البنت حقيقة كالموت الطبيعي والعادي، أو حكما كما إذا غاب هذا الابن ( أو البنت ) غيبة انقطاع وفقد، وحكمت المحكمة بتمويته بناء على ما ثبت لديها من وسائل بعد إجراء البحث اللازم عنه بواسطة الجهات المختصة بالبحث عن المفقودين، فإذا حكمت المحكمة بموت الابن أو البنت في حياة أبيه أو أمه أو حكمت بموته معه وكان لهما أولاد، فإن هؤلاء الأولاد يستحقون وصية واجية بالمقدار والشروط المنصوص عليها في المدونة[13].
بل يستحق هؤلاء الحفدة والحفيدات وصية واجية في تركة جدهم أو جدتهم ولو مات أبوهم أو أمهم مع جدهم أو جدتهم في وقت واحد أو في أوقات مختلفة ولم يعرف من الذي توفي منهما قبل الآخر، كما إذا ماتا معا أو ماتوا جميعا في حريق أو غرق أو حادث سير وله يعلم السابق أو اللاحق موتا منهما، ففي كل هذه الأحوال يستحق أولاد الابن أو البنت وصية واجبة في تركة جدهم أو جدتهم، أي أن الوصية الواجبة تستحق لهؤلاء الحفدة حتى في حالة الشك الذي هو مانع من موائع الإرث بالشرع، لأنه كما هو معلوم فإن الحرقی الغرقى ومن في حكمهم ممن يموتون دفعة واحدة وفي آن واحد أو في أوقات متفاوتة ولم يعلم السابق من اللاحق موتا، فإنهم لا يتوارثون لا الفرع في أصله ولا الأصل في فرعه، لكن حينما يتعلق الأمر بالوصية الواجبة فإنهم يتوارثون لأن الغاية من إقرار الوصية الواجبة وفرضها هو تفادي حرمان هؤلاء الحفدة من الإرث في تركة جدهم أو جدتهم، وهي إنما تكون وتفرض بسبب عدم إرث الابن أو البنت في تركة أبية أو أمه، وهذا السبب يكون موجودا في حالة وفاة الفرع والأصل معا في آن واحد، وإذا وجد السبب وجد المسبب، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما[14].
وإذا وافتهم المنية جميعا في أن واحد أو في أوقات مختلفة وعلم السابق من اللاحق موتا، فالحكم على ما يعلم ويثبت، فإذا كانت وفاة الابن أو البنت سابقة عن وفاة الأب أو الأم، فالوصية الواجبة محققة، وإذا كانت هذه الوفاة بعد وفاة الأب أو الأم، فإن الابن أو البنت وارث في أبيه أو أمه بالشرع، وهؤلاء الحفدة سيأخذون حظهم بدورهم في والدهم أو والدتهم عن طريق الارث لا عن طريق الوصية الواجبة15.
هذا مع العلم أن من توفي من الحفيدات أو الحفدة قبل وفاة والدهم أو والدتهم لا يستحق شيئامن الوصية الواجبة، ولا حظ فيها لورثته، وكذلك إذا كان الابن ما زال لم يمت أو البنت مازالت حية، فإنه لا وصية واجبة لأولادهم.
وكما سبقت الإشارة فإن تحديد الوصية الواجبة في ثلث التركة مرده إلى حديث سعد بن أبی وقاص، فعن عامر بن سعد عن أبيه قال، " عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة : أفاتصدق بثلتي مالي ؟ قال، لا ، قلت أفتأصدق بشطره و قال}: لا، الثلث والثلث كثيرا إنك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس الحديث...{؛ هذا مع العلم أن علماء الظاهرية يمنعون الوصية بأكثر من الثلث وإن أجازها الورثة.
ومن مقتضيات المادة أن المعتبر في استحقاق الحفدة والحفيدات الوصية الواجبة: تاريخ وفاة الأصل ) الجد أو الجدة أو أصولهما (؛ وليس وفاة الابن أو البنت، وهذا من توابع وأحكام اعتبار الوصية الواجبة كالإرث[15].
ثانيا: مناقشة مدی قانونية استحقاق الوصية الواجبة في حالات وجود موانع الإرث الأخرى
إذا كانت المادة 369 المذكورة نصت صراحة على أن الأحفاد والحفيدات يستحقون الوصية الواجبة حتى في حالة وفاة أبيهم أو أمهم مع جدهم أو جدتهم في آن واحد ولم يعلم السابق من اللاحق موتا منهم، وهي حالة الشك التي هي إحدى موانع الإرث، فإنها لم تنص صراحة على عدم استحقاقهم هذه الوصية إذا وجد مانع من موانع الإرث الأخرى، وبالتالي يمكننا التساؤل عن أولاد الابن أو البنت إذا كانوا من علاقة غير شرعية كما في مانع الزنا ومانع اللعان، وكذلك في حالة قتل أبيهم أو أمهم لجدهم أو جدتهم، أي أنه كان هو السبب17 في واقعتها، كأن يضرب الابن ) أو البنت ( أباه أو أمه ضربة أو يطعنه بطعنة يموت بسب بها بعد وفاة الابن أو البنت؛ أو كان أبوهم أو أمهم أو كان الحفدة أنفسهم على غير دين الإسلام، فهل يستحق هؤلاء وصية واجبة كما استحقها أولاد من توفي مع أصله في وقت واحد، بمعنى آخر هل يجوز قياس حالات موانع الإرث الأخرى المسكوت عنها قانونا، على حالة مانع الشك المنصوص صراحة استحقاق الوصية الواجبة فيها ؟ وسواء تعلق الأمر بوجود هذه الموانع أو عدم وجودها أثناء موت الجد أو الجدة، أو أثناء موت الابن أو البنت، إذ الإشكال يبقي قائما سواء في هذه الحالة أو تلك18.
والذي يبدو من ظاهر المادتين 370 و 372 من المدونة أنه لا يستحق الأحفاد والحفيداتالوصية الواجبة إلا إذا كان أبوهم أو أمهم وارثا بالفعل في أصله، فإذا كان الابن أو البنتغير وارث في أصله لمانع من الموانع غير مانع الشك، فإن الحفدة والحفيدات لا يستحقون هذه الوصية، وأيضا ألا يكون بالحفدة والحفيدات أي مانع من موانع الإرث في إرثهم أبيهم أو أمهم ولو مانع الشك، هذا ما يقتضيه عموم ظاهر المادتين المذكورتين.
غير أن هذا الفهم العام للمادتين المذكورتين قد يبدو متعارضا - من جهة أولى - مع فلسفة تشريع الوصية الواجبة من أساسها، لأن الغاية من إقرار هذه الوصية فى الأساس هي تعويض الحفدة والحفيدات من الحرمان الذي يلحق بهم من جراء عدم استحقاقهم شيئا في تركة جدهم أو جدتهم بسبب موت أبيهم أو أمهم قبل أو مع جدهم أو جدتهم ولم يرثوا شيئا، وهذه الغاية لا تتحقق مع القول بعدم استحقاق الحفدة والحفيدات في حالات وجود موانع الإرث الأخرى مع العلم أن بعض فقهاء الشريعة - وكما سبقت الإشارة - يرون أن آية الوصية المذكورة مخصوصة بالأقربين الم منوعين من الإرث بسبب وجود أحد موانع الإرث، والأحفاد أولى بهذا الاعتبار من غيرهم، وبالتالي فمراعاة لهذه الاية وتلك الغاية يتعين دفع الوصية الواجبة لكل الحفدة والحفيدات حتى ولو كانوا من أصحاب الحالات المذكورة19.
ومن جهة ثانية فإنه ليس بالضرورة دائما أن يتم الاسترشاد بقواعد الإرث ومبادئه وأحكامه وشروطه وإسقاطها على قواعد وأحكام الوصية الواجبة، لأنه بين الإرث الشرعي والوصية الواجبة فروق جوهرية عميقة، والسير في هذا الاتجاه قد يعني للبعض أنه التفاف على هذه الوصية وتعطيل للعمل بها أصلا20.
ومن جهة ثالثة فان المادتين 370 و372 من المدونة لا تشترطان صراحة في أب الأحفاد )أو أمهم( أن يكون وارثا في جدهم أو جدتهم من أجل أن يستحقوا هذه الوصية، كما أن المادتين 369 و371 لم تشيرا لا من قريب ولا من بعيد إلى اشتراط ذلك.
وقد نصت هذه المواد علی شروط أخرى لاستحقاق هذه الوصية، فلو كانت هناك نية للمشرع لاشتراط إرث الابن أو البنت في أصلهما لنص صراحة على ذلك، وحيث لم يفعل فإنه قد يفهم منه أن الشرط غير مرغوب فيه، لاسيما وأن المدونة نصت في المادة 283 على إمكانية استحقاق الموصى له الوصية الاختيارية ولو قتل عمدا الموصي في حالة ما إذا أوصی له من جديد، ومعنى هذا أنه ينبغي العمل بالأصل في الأشياء الذي هو الإباحة أو العمل بما ورد عاما ومطلقا دون تخصيص أو تقييد، وهذا يقتضي استحقاق هؤلاء الحفدة والحفيدات الوصية الواجبة حتى ولو مع وجود مانع أو أكثر من موانع الإرث المذكورة.
ومن جهة رابعة، فإن الابن أو البنت إذا قتل أباه أو أمه عمدا، فإنه يحرم من الميراث،وكذلك إذا بدل دينه، وليس من المعقول في شيء أن يحمل أولاده مسؤولية عن ذلك وأنيحرموا من هذه الوصية بفعل أو جريمة لا علاقة لهم بها، ثم إن الحكمة من حرمان القاتل من ميراث مقتوله ألا يصبح الميراث مطية لقتل الموروثين واستعجال الإرث قبل الأوان، وبالتالي لا يتصور منطقيا أن يقدم الابن ( أو البنت ) على قتل أصله ليستحق أولاده وصية واجبة في جدهم أو جدتهم.
ومن جهة خامسة، فإنه لا يشوش على هذا الفهم ما نصت عليه المادة 370 من أن الوصية الواجبة لهؤلاء الأحفاد تكون بمقدار حصتهم م ما يرثه أبوهم أو أمهم عن أصله المتوفي، لأن القصد من الإتيان بهذه العبارة " مما يرثه أبوهم أو أمهم عن أصله " بيان مقدار ما يستحقه هؤلاء الحفدة من النصيب الذي ينوب والدهم أو والدتهم على فرض أنها توفيت بعد وفاة أصلها، وليس القصد من الإتيان بها اشتراط إرث أب الأحفاد ( أو أمهم ) ليستحقوا هذه الوصية، هذا بالإضافة إلى أن الشأن في الشروط أن يؤتى بها صراحة ونصا21.
لكن يمكن لقائل أن يقول إن المادة 369 المذكورة نصت صراحة على مانع الشك الذي تستحق مع وجوده هذه الوصية، ونصها هذا يعني أن المدونة أو القانون اقتصر على هذا المانع فقط دون الموانع الإرثية الأخری، وبالتالي يكون القانون قد حسم في الموضوع بنص واضح لا غموض فيه، ولو أنه أراد ترتيب استحقاق الوصية الواجبة حتى مع وجود الموانع الأخرى لنص على ذلك صراحة كما فعل في مانع الشك، وحيث إنه لم يفعل دل على عدم استحقاق الحفدة للوصية الواجبة في حالات موانع الإرث الأخری۔ وإذا ثبت اشتراط الخلو من موانع الإرث في والد أو والدة الأحفاد والحفيدات؛ أو في الأحفاد والحفيدات أنفسهم، فإنه يبدو من خلال ظاهر مقتضيات مدونة الأسرة أن المعتبر في ذلك هو وفاة الجد أو الجدة أو أصولهما لا وفاة والد الأحفاد أو الحفيدات؛ بمعنى أن أهلية استحقاق الوصية الواجبة تراعى عند وفاة الأصل، فمن كان به أحد هذه الموانع عند وفاة الفرع ثم انتفى المانع عند وفاة الأصل ( الجد أو الجدة ) استحق الوصية الواجبة؛ أما إذا لم يكن به أي مانع عند وفاة الفرع ثم صار به مانع عند وفاة الجد أو الجدة فإنه لا يستحق هذه الوصية22.
وعلى كل حال، فان الاختلاف وارد في الموضوع ويستلزم التدخل لحسمه في هذا الاتجاه أو ذاك، إن على مستوى التشريع أو على مستوى الاجتهاد القضائي في أعلى مستوياته، وأقصد اجتهاد محكمة النقض.
هذا مع العلم أن القانون المصري ينص على أن مانع القتل يحرم الحفدة والحفيدات منالوصية الواجبة، فإذا قتل الابن أو البنت أباه أو أمه قتلا عمدا، فإن أولاده يحرمون منالوصية الواجبة كما أنه يحرمه هو من الوصية الإرادية.
وتجدر الإشارة إلى أن مانع الزنا ومانع اللعان بالنسبة للبنت المتوفاة قبل أصلها أو معه لا يؤثران على استحقاق أولادها المباشرين الوصية الواجبة، لأنهم يرثون أمهم، وترثهم أمهم على كل حال، ولو كانوا من زنا أو لعان، ولا يعتبر الزنا أو اللعان مانعا من الإرث الشرعي في جانب الأم، لأن ولد الزنا أو اللعان لاحق بأمه وينسب إليها على كل حال23.

خاتمة : 
من خلال ما سبق يتبين لنا أنه على الرغم من تشارك الوصية الواجبة والإرث في بعض الأحكام المنظمة لهما، إلا أنهما يختلفان في أحكام أخرى، ونخص بالذكر الأحكام المتعلقة بموانع الإرث، بحيث نجد أنه بالرغم من وجود بعض موانع الإرث فإن الأمر لا يحول للحرمان من الوصية الواجبة لمستحقيها، حيث نصت المادة 369 من مدونة الأسرة صراحة على استحقاق الأحفاد للوصية الواجبة ولو وجد مانع الشك، وسكوتها عن باقي الموانع، مما خلق تضارب في الآراء بالنسبة المذاهب.
----------------------------
الهوامش :
[1] الدليل العملي لفقه الإرث وتوزيع التركات، الطبعة الثانية ، سنة 2012، الصفحة 58
[2] المرجع السابق، ص 59
[3] مرجع سابق، ص 60
[4] امحمد برادة غزبول، مرجع سابق، ص 60
[5] امحمد برادة غزبول، مرجع سابق، ص 61
[6] امحمد برادة غزبول، مرجع سابق، ص 62
[7] مرجع سابق، ص 62
[8] امحمد برادة غزبول، مرجع سابق، ص 62
[9] امحمد برادة غزبول، مرجع سابق، ص 64
[10] الحراق، الوصية الواجبة وتطبيقاتها الإرثية وفق مدونة الأسرة، الطبعة الأولى، سنة 2012، ص 65
[11] المرجع السابق، ص 67
[12] المرجع السابق، ص 68
[13] الدكتور العلمي الحراق، مرجع سابق، ص 68
[14] سابق، 68
[15] الدكتور العلمي الحراق، مرجع سابق، ص 70
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -