واجبات وحقوق الممول خلال عملية الفحص الضريبي

مقال بعنوان: واجبات وحقوق الممول خلال عملية الفحص الضريبي

واجبات وحقوق الممول خلال عملية الفحص الضريبي

مقدمة :
عمل المشرع الدستوري المغربي من خلال دستور 2011 على إقرار مجموعة من الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات من خلال التنصيص على "تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية"، وبالمقابل نص على واجبات والتزامات والتي أحاطها بضمانات قانونية وقضائية لتفادي أي تجاوز للسلطة أو سوء استعمالها في إطار مبادئ دولة الحق والقانون.
ومن ضمن هذه الواجبات ما نص عليه الفصل 39 من الدستور حيث أكد أن "على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور"، وهذا الفصل يؤسس لمبادئ أساسية تتمثل فيما يلي:
- إلزام الجميع بتحمل التكاليف العمومية؛
- مساواة الجميع أمام تحمل التكاليف العمومية؛
- تشخيص هذه التكاليف العمومية بحسب وضعية الممولين؛
- اختصاص القانون بإحداث وتوزيع التكاليف العمومية.
فبخصوص إلزام الجميع بتحمل التكاليف، فإن هذه العملية الإلزامية تكتسي دلالتين، فمن جهة تعتبر الضريبة تجسيدا وتجليا للسيادة والسلطة العمومية، ومن جهة أخرى، إجبارية الفرض الضريبي على الممول، الذي ليس بمقدوره التحلل من التزامه الضريبي تحت طائلة الجزاء.
ولكن هذا الالزام على الجميع وفق مبدأ المساواة، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار وضعية الممولين من خلال تشخيص الضريبة والوصول إلى تحديد قدراتهم الاسهامية وضبط قواعدها، وهذا العملية التي تقع على المشرع الذي يستحضر احترام مبادئ الدستور ويستند على معايير موضوعية وذلك حتى لا تشكل الضريبة نوع من المصادرة أو التعسف تجاه الملزمين.
وهكذا فإن تكريس الدولة الديمقراطية يقتضي حماية الملزمين وتقرير ضماناتهم وبالتالي تحقيق الرضى عن الضريبة لديهم، وهذا لن يتحقق إلا من خلال نظام ضريبي عادل وناجع ومعقلن.
وقبل الوصول إلى عمليتي التحصيل واستيفاء الضريبة، توجد مرحلة أساسية تتمثل في تحديد المادة الخاضعة للضريبة ومن تم كيفية احتسابها، أي مرحلة تحديد الوعاء الضريبي، وبالنظر لأهمية هذه المرحلة التي تلتقي فيه مبادرة الممول الذي يتحمل العبئ، على اعتبار أن النظام الضريبي بالمغرب يرتكز على نظام التصريح الضريبي، تحت طائلة الفرض التلقائي للضريبة، وسلطة الإدارة الضريبية التي تحرص على تنفيذ النظام الجبائي وتستحضر هاجز تحصيل الموارد العمومية.
ولحمل الممول على المساهمة في تنفيذ النظام الجبائي فقد مكن المشرع الإدارة الضريبية من عدة وسائل لضمان تنفيذ هذا النظام، في الوقت الذي سطر فيه ضمانات لحماية الممولين من كل تعسف أو شطط قد يرتكب في حقهم من طرف الإدارة. وفي هذا البحث، سنركز على مرحلة تحديد الوعاء الضريبي ولاسيما الضمانات، وخصوصا المسطرية منها، التي أقرها المشرع أثناء عملية الفحص الضريبي.
فإلى أي حد تمكن المنظومة القانونية والتنظيمية المؤطرة لعملية الفحص الضريبي من ضمان حقوق الممول ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية التساؤلات التالية:
ما هي الضمانات المسطرية التي أقرها المشرع لحماية حقوق الممول ؟
ما هي حقوق الممول أثناء عملية الفحص الضريبي؟ ما هي واجبات الممول أثناء عملية الفحص الضريبي ؟
للجواب على هذه الإشكالية سوف نتناول الموضوع من خلال التصميم الآتي:

المطلب الأول: الضمانات العامة أثناء عملية الافتحاص الضريبي

المطلب الثاني: الضمانات الخاصة أثناء عملية الفحص الضريبي

المطلب الثالث : واجبات الممول أثناء عملية الافتحاص الضريبي


المطلب الأول: الضمانات العامة أثناء عملية الفحص الضريبي

تعتبر مراقبة أو فحص الضريبة مرحلة أساسية ضمن مراحل عمل الإدارة الضريبية تمهيدا لاعتماد الإقرار الضريبي للممول ومن تم تحديد وتقدير الوعاء الضريبي وربطه وتحديد المبلغ الواجب أداؤه في الموعد القانوني، وتنطلق عملية الفحص ابتداء من واقعة التصريح الضريبي التلقائي للممول أو في غياب هذا التصريح، الفرض التلقائي للضريبة الذي تقوم به الإدارة الضريبية بناء على عملية الفحص المكتبي أو الميداني الذي يقوم به مفتشيها.
ومن تم فالفحص الضريبي هو دراسة وتحليل وتقييم للقوائم المالية وسجلات ودفاتر وحسابات الممول موضوع الفحص ارتكازا على القواعد المقررة في التشريع الضريبي المغربي ووفقا للقواعد والمبادىء المحاسبية المعمول بها بغية التأكد من صحة مضمون التصريح الذي أدلى به الممول والتأكد من صحة الأرقام ومطابقتها للواقع خلال فترة معينة[1].
وهذه العملية، إي عملية الفحص الضريبي، وبالنظر لأهميها، فقد أحاطها المشرع بعدة ضمانات لحماية حقوق الممول، وقبل تناول الضمانات المسطرية الخاص بالفحص الضريبي (الفرع الثاني) سنتناول الضمانات العامة المتعلقة بالفحص الضريبي (الفرع الأول).

الفرع الأول: الضمانات الدستورية العامة في الفحص الضريبي

يعتبر الدستور المغربي المعتمد في 29 يوليوز 2011، من جيل الدساتير المتقدمة التي تكفل وتضمن حقوق المواطنين والمواطنات، وعلاقة بموضوع الضريبة فقد أكد الفصل 39 من الدستور على مبدأ المساواة والعدالة الضريبية كما سبقت الإشارة في مقدمة هذا البحث، وحينما نتحدث عن المساواة فتشمل جانبين فمن جهة هناك مساواة أمام القانون الضريبي والذي ينبع من المساواة أمام القانون الذي ينص عليه الفصل السادس من الدستور حين نص على "أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له"، ومن جهة أخرى المساواة أمام التكاليف العمومية، مع وضع قواعد لتقدير القدرات الاسهامية للممولين، بحيث يتم تكييف كل ضريبة مع القدرات التكليفية للممول وذلك وفق المباديء الدستورية وما نص عليه المشرع[2].
من بين الضمانات الدستورية أيضا عدم جواز إعمال الأثر الرجعي في المجال الضريبي
ويجد هذا المبدأ أساسه الدستوري في الفصل السادس الذي ينص على أنه "ليس للقانون أثر رجعي" ومن تم لا يمكن تطبيق القانون الضريبي بأثر رجعي على الممولين حماية لمراكزهم القانونية ومكتسباتهم.
من ضمن الضمانات الدستورية أيضا حماية الحقوق والحريات في مختلف تجلياتها كحق الملكية وحق التقاضي وحق التنقل وحماية الحياة الخاصة (كحرمة المسكن أثناء الفحص مثلا)[3] بالنسبة للممول وغيرها من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور المغربي، وقد يتعارض ذلك مع بعض الامتيازات التي تتوفر عليها الإدارة الضريبية كحق الاطلاع والمعاينة ومراقبة التهرب والغش الضريبي، غير أن استعمال هذه الوسائل تتم وفق ما حدده المشرع وتحت رقابة القضاء.
من بين الضمانات أيضا قرينة البراءة التي ينص عليها الفصل 23 من الدستور بتنصيص على أن "قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان"، إذ أن الإدانة لا تثبت إلا بحكم قضائي نهائي والمتهم بريء إلى أن يصدر الحكم، ومن تم فلا يجب على الإدارة الضريبية التصرف خارج هذه الضوابط من خلال التشكيك وتوجيه الاتهام دون تقديم أدلة وبراهين تثبت إدعاءاتها.
غير أنه بالإضافة إلى هذه الضمانات الدستورية المسطرية هناك ضمانات عامة أخرى تحمي حقوق الممول أثناء الفحص الضريبي.

الفرع الثاني: الضمانات العامة أثناء الفحص الضريبي.

لا تتحقق العدالة الضريبية إلا بإحاطتها بمجموعة من الضمانات التي تحمي حقوق الممول، فعلاوة على الضمانات الدستورية المشار إليها في الفقرة السابقة، يمكن الإشارة إلى ضمانات عامة أخرى منها حق الإخبار وشفافية القانون الضريبي وحق الاعتراض وحق التبليغ والحق في المساعدة الضريبية والحق في المسطرة التواجهية والحق في التظلم واللجوء إلى القضاء.
فمن الضمانات إرساء قواعد الإعلام الضريبي، فأمام تعقد و تشعب المادة الضريبية يصبح إعلام الممول واجبا من واجبات الإدارة الضريبية، و ذلك لتلافي الكثير من المشاكل والصعوبات التي تثور من جراء عدم معرفة الممولين بالكثير من حقوقهم و التزاماتهم. إذ يلعب إعلام الممول دورا أساسيا في بناء العلاقة الجبائية، فهو يساهم في تفسير النصوص الجبائية المعقدة والمتغيرة دوما بالنسبة للممول، كما يساهم بالنسبة للإدارة الضريبية في تطبيق هذه النصوص، لأن نصا منشورا ومفهوما يكون أكثر قابلية للتطبيق.
فيجب على الإدارة الضريبية وضع ميثاق لممول على غرار ما هو موجود في فرنسا بقصد تحديد الحقوق والضمانات المحولة له وكذا واجباته، وأن ترسل له هذه الوثيقة مع إرسال الإقرار الضريبي، و عند إعلانه بالفحص، حتى يتسنى له فهم ماله و ما عليه. كما يجب على الإدارة الضريبية أن تعمل على إصدار نشرات ومجلات متخصصة في الشؤون الضريبية وتكون مواكبة لكافة المستجدات والتعديلات التي تلحق بالضريبة، حتى يتمكن الملزمون من الإحاطة بالقوانين والنصوص التنظيمية إحاطة شاملة.
ومما يؤكد ذلك ما أشار إليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي بكون إدارة الضرائب لا تعمل على دائما على نشر مجريات تحكيمها، وأن العقيدة الجبائية لا تتطور عبر الاجتهاد القانوني وإنما فقط عبر التأويل الذي تعطيه لها إدارة الضرائب، وأوصى بنشر قررات اللجن والمحاكم ودواعي التقويم لتطوير العقيدة الضريبية والاجتهاد القضائي[4].
ومن الضمانات أيضا، حق الدفاع المخولة للممول في إطار المسطرة التواجهية لفرض الضريبة، لتمكينه من الدفاع عن مركزه القانوني وإدلائه بالوسائل والمستندات المتعلقة بإقراره وإن الإخلال بهذا المبدأ يعد مساسا بحق الدفاع وخرقا لإجراء جوهري يترتب عنه بطلان الضريبة، ومن تم يعتبر حق التبليغ إجراء من النظام العام وعماد عملية الربط الضريبي لما يخوله لكل طرف للدفاع عن مراكزه القانونية في الأجل المحددة وذلك وفق مسطرة تواجهية والتي تعتبر أيضا من الحقوق الأساسية في المادة الضريبية والتي تساهم في حماية حقوق الطرفين.
وغني عن البيان ضمن الضمانات العامة الأساسية حق التظلم الإداري ولاسيما الطعن أمام اللجن التي تعتبر مرحلة أساسية وإجبارية في المادة الضريبية قبل اللجوء للقضاء.

المطلب الثاني: الضمانات الخاصة أثناء الفحص الضريبي

يحق لإدارة الضرائب مراقبة الإقرارات الضريبية والعقود المستعملة لفرض الضرائب والواجبات والرسوم كما تنص على ذلك المادة 210 من المدونة العامة للضرائب، ويجب أن نميز بين الفحص الميداني، أي حق المعاينة التي تقوم بها الإدارة الضريبية من خلال مأموريها المحلفين والتي تأتي مباشرة بعد تسليم إشعار بهذه المعاينة وفحص المحاسبة تتعلق بضريبة أو رسم معين بعد مرور 15 يوما على الأقل من تبليغ الإشعار بذلك إلى الخاضع للضريبة كما تنص على ذلك المادة 212 من المدونة العامة للضرائب.
وهاتين الوسيلتين، التي تستعملهما الإدارة الضريبة للتأكد من مدى صحة وصدق إقرارات الخاضع للضريبة وتحديد الوعاء الضريبي، أحاطها المشرع بضمانات بمثابة لحماية حقوق للممول.

الفرع الأول: الضمانات قبل الفحص الضريبي

أكد المشرع الضريبي على وجوب إشعار الممول للدفاع عن مركزه القانوني في كل فرض ضريبي تلقائي أو تصحيح أساس الضريبة وإمكانية التعرف على كيفية تأسيس تلك الضريبة ومناقشتها أمام الإدارة الضريبية[5].
فبخصوص حق المراقبة من خلال إجراء معاينة فقد نصت المادة 210 من المدونة العامة للضرائب على وجوب تسليم إشعار بالمعاينة من طرف المأمورين المحلفين المعتمدين قبل إجراء عملية المعاينة والذي يجب أن يتضمن أسمائهم الشخصية والعائلية وإخبار الخاضع للضريبة بممارسة هذا الحق، كما يجب أن يسلم هذا الإشعار مقابل وصل للخاضع للضريبة وإذا رفض الشخص الذي استلمه التوقيع على تسلمه وجب على العون الذي قام بالتسليم الإشارة إلى ذلك في وصل الاستلام.
وبخصوص الفحص المحاسبي، كما تنص عليه المادة 212 من المدونة العامة للضرائب، فقد أوجب المشرع على الإدارة الجبائية حينما تقرر القيام بفحص المحاسبة تتعلق بضريبة أو رسم معين تبليغ إشعار avis de passage بذلك للخاض للضريبة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة لضرائب قبل التاريخ المحدد للشروع في عملية الفحص بخمسة عشر يوما على الأقل ويجب على الإدارة الضريبية احترام هذا الأجل تحت طائلة البطلان، ويقع على عاتق هذه الأخيرة عبء احترامها الأجل المذكور وهذا ما أكدته محكمة النقض في إحدى قراراتها الذي جاء فيه:
“إذا قررت الإدارة القيام بفحص محاسبة تتعلق بضريبة أو رسم معين وجب تبليغ إشعار بذلك إلى الخاضع لضريبة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أدناه قبل التاريخ المحدد للشروع في عملية الفحص بخمسة عشر يوما على الأقل ويقع عبء الإثبات على الإدارة الضريبية في حالة المنازعة بأن تدلي بما يفيد احترامها أجل 15 يوما الفاصلة بين تاريخ تبليغ الإشعار بالفحص و تاريخ الشروع فيه ولا يشترط القانون في هذا المجال شكلا معينا ومحددا لإثبات واقعة مادية ما دامت الغاية من المقتضى القانوني المذكور هي مراعاة الأجل القانوني بين تاريخ تبليغ الإشعار بالفحص وتاريخ الشروع فيه وأن الإشعار بانتهاء الفحص وباعتباره إجراء جوهريا ومحدد لعملية الفحص في الزمان ما دام يتضمن تاريخ بداية الشروع في الفحص والذي يتزامن مع التاريخ الوارد مع الإشعار بالفحص وتاريخ نهاية هذا الأخير والذي يقتضي بالضرورة احتساب مدته منذ الانطلاق في عملية الفحص إلى وقت انتهائها لم لذلك من آثار قانونية على صحة تلك العملية وعلى مسطرة التصحيح من أساسها[6]، ويوجه الإشعار إلى الملزم إما بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو بالتسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب، أو أعوان كتابة الضبط أو المفوضين القضائيين أو بالطريقة الإدارية مع ضرورة تضمين هذا الإشعار أنواع الضرائب المشمولة بعملية الفحص وأرقام المواد القانونية التي تنظم هذه المسطرة وكذلك الفترة غير المتقادمة واسم المفتش أو المحقق ودرجته وتاريخ الشروع في عملية الفحص.
وأجل الـ 15 يوما الفاصل بين الإشعار وتاريخ بداية الفحص ممنوح للملزم من أجل إعلامه لإعداد وثائقه وعدم مباغثته، وبهذا يكون المشرع الضريبي لا يتعمد في مجال المراقبة على مبدأ المباغثة أو المراقبة غير مسبوقة بإشعار بل لا بد من إعلام الملزم بالضريبة أو المقاولة بنية الإدارة في إجراء مراقبة ضريبية.
ولكن الإشكال الذي يطرح عندما يرسل الإشعار بالفحص بواسطة أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية ثم ترجع الوثيقة مذيلة ببيان غير مطالب به أو انتقل من العنوان أو عنوان غير معروف أو غير تام أو أماكن مغلقة أو خاضع لضريبة غير معروفة بالعنوان في هذه الحالات يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة أيام التالية لتاريخ إثبات تسليم الظرف المذكور.
هذا ما أكدته محكمة النقض في إحدى قراراتها الذي جاء فيه: “إن الفقرة الأخيرة من المادة 219 من المدونة العامة لضرائب نصت على أنه “إذا تعذر تسليمها (أي الرسالة) إلى الخاضع لضريبة (عندما يتم توجيهها رسالة مضمونة مع إشعار بالتسليم) وتم إرجاعها مذيلة ببيان غير مطالب به، يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة أيام الموالية لتاريخ إثبات تسليم الظرف المذكور"[7].

الفرع الثاني: الضمانات أثناء عملية أثناء الفحص

أحاط المشرع الضريبي عملية الفحص الضريبي بعدة ضمانات قانونية مسطرية لترسيخ مبدأ العدالة وتقوية الثقة بين الممولين والإدارة، منها ما يتعلق بالقواعد والضوابط الزمنية ومنها ما يرتبط بالضوابط المكانية وكذا بضرورة تعاون الممول مع الإدارة الضريبية من خلال تيسير حق الإطلاع.
فبخصوص الضوابط المكانية فقد نص المشرع الضريبي على أن الحق في المعاينة يجب أن يمارس في جميع محلات الخاضعين للضريبة المعنيين المخصصة لغرض مهني أو في مستغلات فلاحية أو فيهما معا ونفس الشي بالنسبة للفحص المحاسبي الذي ينجز في عين المكان وهو المقر الرئيسي بالنسبة للأشخاص الطبيعيين والمقر الاجتماعي بالنسبة للأشخاص المعنويين.
وبهذا لا يجوز للإدارة الضريبية أن تطالب الملزم بإحضار الوثائق المحاسبية، أو مقتطف من المحاسبة لإجراء مراقبة عليها في مقر الإدارة المعينة كما لا يجوز للمفتش الضريبي أو المحقق أن يأخذ معه السجلات ووثائق المحاسبة الأصلية التي تسلم إليه أثناء تواجده إلا إذا رخص الممول بذلك مع احترام الشروط التالية:
- أن يكون ذلك بموافقة مكتوبة من طرف الخاضع للضريبة؛
- أن يسلم المفتش للخاضع وصلا مفصلا لجميع الوثائق وأن يحتفظ بنسخة منه،
- إرجاع الوثائق قبل انتهاء المدة القانونية للفحص وفي جميع الحالات قبل تبليغ الرسالة الأولى للتقويمات؛
- على المفتش أن يطلب من الخاضع للضريبة إبراء ذمته وقت إرجاع الوثائق.
وإذا كانت المحاسبة ممسوكة بوسائل الإعلاميات أو كانت الوثائق محفوظة مكروفيشات، فيجب على الملزمين أن يقدموا للأعوان جميع التسهيلات للقيام بالمراقبة وتحليل المعطيات.
أما بخصوص الضوابط الزمنية، فإن المشرع يلزم الإدارة الضريبية بحيز زمني لإجراء عملية المعاينة في عين المكان لا تتعدى 08 أيام من أيام العمل ابتداء من تاريخ تسليم الإشعار، في حين حدد بالنسبة لإجراء عملية الفحص المحاسبي مدة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستغرق أكثر من:
- ثلاثة أشهر بالنسبة للمنشآت التي يعادل أو يقل مبلغ رقم معاملاتها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف برسم السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص عن خمسين مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
- أكثر من ستة أشهر بالنسبة للمنشآت التي تفوق مبلغ رقم معاملاتها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف برسم إحدى السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص خمسون مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
ولا يدخل في مدة الفحص كل توقف ناتج عن تطبيق المسطرة المنصوص عليها في المادة 229 من المدونة العامة للضرائب بعدم تقديم الوثائق المحاسبية.
وفيما يتعلق بإثبات بداية عملية الفحص فالمشرع المغربي أصبح يلزم أعوان إدارة الضرائب بتحرير محضر عند بداية عملية الفحص يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه للخاضع لضريبة، كما يلزمهم بإشعار الخاضع للضريبة بتاريخ انتهاء عمليات الفحص.
ويحق للخاضع للضريبة أن يستعين في إطار فحص المحاسبة بمستشار يختاره.
وضمانا لاستقرار العلاقة بين الإدارة الجبائية والملزم وحتى يطمئن هذا الأخير على مصير تصريحاته الجبائية حدد المشرع أجلا للتقادم في 4 سنوات بحيث يمكن للإدارة الضريبية، أن تقوم إلى غاية السنة الرابعة التالية لاختتام سنة محاسبية بمراقبة وتحقيق المحاسبة المتعلقة بالسنة المذكورة، ولا يمكن أن تتعداها إلى السنة الخامسة و إلا اعتبر تدخلها غير قانوني وكان من حق الملزم الوقوف في وجهها والتشبث بإعمال حقه في الاستفادة من التقادم.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم إجراء عملية الفحص سنة 2016 ل 3258 ملفا من قبل إدارة الضرائب بالمغرب والملاحظ أن عدد الملفات التي تم فحصها ارتفعت بنسبة 50% مقارنة مع سنة 2015 حيث تم فحص 2167 ملفا فقط، ورغم هذا الارتفاع الإيجابي إلا أنه لا يصل إلى المستوى المطلوب خصوصا عندما نقارنه بعدد الأشخاص سواء الطبيعيين أو المعنويين الخاضعين لضريبة.

الفرع الثالث: الضمانات بعد الفحص الضريبي

ينتج عن عملية المعاينة أثر مهم يتمثل في تحرير محضر خلال 30 يوما الموالية لانتهاء المعاينة ويتضمن جميع الملاحظات والإخلالات ويوقع عليه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الخاضع للضريبة، الذي له حق الإدلاء بملاحظاته خلال أجل 8 أيام الموالية لتاريخ تسلم المحضر، ويمكن في إطار مراقبة ضريبية مواجهة الخاضع للضريبة بالبيانات الواردة في محضر المعاينة وفق ما تنص عليه المادة 210 من المدونة العامة للضرائب.
أما بعد انتهاء عملية الفحص المحاسبي فيتعين على الإدارة الضريبية إطلاع الخاضع للضريبة بنتائج الفحص سواء في حالة تصحيح أسس فرض الضريبة أو في حالة العكس وذلك خلال 3 أشهر التي تلي تاريخ انهاء المراقبة الضريبية، ففي الحالة الأولى يتوجب إخبار الخاضع للضريبة بأسباب التصحيح المزمع القيام به وطبيعة وتفاصيل مبلغه والأساس الجديد الواجب اعتماده وعاء لتصفية واجبات التسجيل وكذا مبلغ الواجبات التكميلية الناتجة عن الأساس المذكور ودعوته لإبداء ملاحظته خلال أجل 30 يوما الموالية لتاريخ تسلم رسالة التبليغ.
ويعتبر هذا إخبار الممول بنتائج الفحص حقا من حقوقه، إذ يمكنه من معرفة مآل المراجعة وما توصلت إليه، كما يمكنه من ممارسة حقه في الاعتراض على النتائج المتوصل إليها، ومن بين النتائج التي تسفر عنها عمليات المراقبة مطابقة ما تم تضمينه بالتصريح الضريبي لما تمت معاينته من طرف موظفي الضرائب، أو التصحيح الأسس الضريبية عند وجود إختلالات أو نقص في التصريح أو الفرض التلقائي للضريبة عند غيابه.
ذلك أنه يجب التمييز بين مسطرة التصحيح ومسطرة الفرض التلقائي للضريبة للحد من الاختلاط الذي يمكن أن ينشأ بينهما فمسطرة التصحيح الضريبي يتم تطبيقها كلما لجأت الإدارة إلى تعديل أساس الضريبة المحدد بناء على تصريح الخاضع للضريبة.
أما مسطرة الفرض الضريبي التلقائي للضريبة فيتم تطبيقها للتقويم في الحالة التي لم يدل الملزم فيها بأساس معين لضريبة إقرارية.
ومن بين حقوق الممول في هذا الصدد عدم تغيير نتائج المراقبة الأولى، ففي حالة قيام إدارة الضرائب بعملية افتحاص ثانية، فلا يجوز أن تسفر هذه المراقبة عن زيادة في مبالغ التصحيحات أو المستدركات المعتمدة على إثر المراقبة الأولى برسم البنود أو العمليات السالفة وهذا أيضا من حقوق الممول لضمان الثقة بينه وبين الإدارة الضريبية.
ومن حقوق الممول أيضا، أثناء وبعد عملية الفحص، كتمان السر المهني بالنسبة لكل شخص يشارك، بمناسبة مزاولة مهامه أو اختصاصاته، في تحديد الضرائب والواجبات والرسوم ومراقبتها واستيفائها أو المنازعات المتعلقة بها وكذا أعضاء اللجان، كما تنص على ذلك المادة 246 من المدونة العامة للضرائب.

المطلب الثالث: واجبات الممول أثناء فحص الضريبة

فكما سبقت الإشارة إلى ذلك فالممول ملزم وفق النظام المغربي القائم على التصريح الضريبي بالتقديم التلقائي للإقرار الضريبي وسواء في حالة التصريح أو عدمه فإنه من حق الإدارة الضريبية أن تراقب الإقرارات والعقود ولهذه الغاية فإن الممولين ملزمون بالإدلاء بجميع الإثباتات الضرورية وتقديم جميع الوثائق المحاسبية إلى المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب.
وعليه، فإن من واجبات الممول، مسك محاسبة وفق القواعد القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، كما تنص على ذلك المادة 211 من المدونة العامة للضرائب التي تنص على ضرورة الاحتفاظ بنسخ من فاتورات البيع أو بطاقات الصندوق والأوراق المثبتة للمصروفات والاستثمارات وكذا الوثائق المحاسبية اللازمة لمراقبة الضرائب ولاسيما السجلات المقيدة فيها العمليات والسجل الكبير وسجل الجرد والجرود المفصلة إن لم تكن مستنسخة بكاملها في هذا السجل أو السجل اليومي وجذاذات الزبناء والموردين وكذا كل وثيقة أخرى واردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وذلك طوال 10 سنوات في المكان المفروضة فيه الضريبة.
وفي حالة ضياع هذه الوثائق المحاسبية يذوجب للمول إخبار إدارة الضرائب داخل أجل 15 يوما الموالية للتاريخ الذي لاحظ فيها ضياعها.
كما أن الممول ملزم بالتحلي بالشعور الوطني والحس المدني الضريبي والصدق وحسن النية[8].

خاتمة :
من خلال يتبين أن العلاقة بين الإدارة الضريبية والممول تحكمها مجموعة من المباديء والضوابط، حيث تسعى الإدارة من خلالها إلى تحسين موارد الدولة المالية عن طريق الإقرار بمبالغ معقولة ومناسبة، ولكن دون أن يؤثر ذلك على مصلحة الممول، الذي هو أولا وقبل كل شيء أداة للتنمية وهدف لها، وعلى هذا الأساس تطرح أمام الممول مسؤولية وصلاحية مساهمته في هذه التنمية عن طريق الإقرار بمبالغ مناسبة ومضبوطة، وعند عدم الاستجابة تفرض الضريبة بصورة تلقائية.
وفي حالة وجود نزاع حول الأسس الضريبي أو المس بإحدى الضمانات القانونية فإن للممول، الحق في إمكانية المنازعة في الضريبة المفروضة بالطعن فيها أمام الإدارة من خلال التظلم أو التعرض أمام اللجن المحلية لتقدير الضريبة وأمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلق بالضريبة وفي حالة عدم إنصافه يمكن الطعن بعد ذلك أمام القضاء.
--------------------------------
الهوامش :
[1] ) مقالة بعنوان الفحص الضريبي، https://accdiscussion.com (تاريخ الاطلاع 20 أبريل 2019)
[2] ) سي سي محمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية، محاولة لرصد المرتكزات الدستورية لقانون المالية والميزانية، مطبعة البصيرة، ط.1، 2017.
[3] ) محمد محمد عبد اللطيف، الضمانات الدستورية في المجال الضريبي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000.
[4] ) تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، 2013
[5] ) يونس مليح، الضمانات المسطرية للملزم في مواجهة الإدارة الضريبية، السلسلة المغربية للعلوم والتقنينات الضريبية، العدد 9، مطبعة الأمنية، الرباط، ط. 1، 2015.
[6] ) قرار محكمة النقض، عدد89/2، الملف الإداري عدد 2594/4/132، صادر بتاريخ 29/01/2015.
[7] ) قرار محكمة النقض، عدد 1138/2، الملف الإداري عدد 117/14/14،صادر بتاريخ 04/12/14
[8] ) تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، إحالة ذاتية رقم 9/2012، مطبعة كانابرنت، 2013.
--------------------------------
لائحة المراجع :
- سي محمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية، محاولة لرصد المرتكزات الدستورية لقانون المالية والميزانية، مطبعة البصيرة، ط.1، 2017.
- يونس مليح، الضمانات المسطرية للملزم في مواجهة الإدارة الضريبية، السلسلة المغربية للعلوم والتقنينات الضريبية، العدد 9، مطبعة الأمنية، الرباط، ط. 1، 2015.
- محمد محمد عبد اللطيف، الضمانات الدستورية في المجال الضريبي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000.
- تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، إحالة ذاتية رقم 9/2012، مطبعة كانابرنت، 2013.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -