تفويت الأراضي الجماعية للأغيار في القانون المغربي

مقال بعنوان: تفويت الأراضي الجماعية للأغيار في القانون المغربي و آثار ذلك على حقوق السلاليين

تفويت الأراضي الجماعية للأغيار في القانون المغربي

مقدمة :
تعتبر الملكية العقارية إحدى الدعائم الأساسية لتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية في مختلف الدول، ولا يتأتى تحقيق ذلك إلا بوضع قوانين تراعي الحفاظ على قيمتها من جهة وصيانة حقوق مالكيها من جهة ثانية.[1]
ويعرف المغرب تعددا وتنوعا في الأنظمة القانونية المطبقة على العقار، حيث نجد أراضي الكيش2، أراضي الأحباس، الملك الغابوي، أراضي الملك الخاص للدولة، وأراضي الملك العام للدولة، وأراضي الموات ... والأراضي السلالية، أو ما يعرف "بالأراضي الجماعية"3 وهي تلك الأراضي التي توجد في حوزة القبائل والسلالات، التي هي إما قبائل أو فرقة أو دواوير أو عشائر تربط بينهم روابط عرفية، أي أنها تنتمي إلى أصل واحد أو سلالة واحدة، ويتم الإستغلال في إطار ملكية شائعة بين جميع أفراد الجماعة مع إمكانية توزيع الإنتفاع فيما بينهم، كما يسهر على تدبير هذه الأملاك إما الجماعة أو رؤساء العائلات المكونة للقبيلة أو الفرقة أو الدوار وإما نواب الجماعة الذين ينتدبون لهذه المهمة[2].
وتتولى مهمة الإشراف على هذا النوع من الأملاك وزارة الداخلية ممثلة في وزريها ومجلسي الوصاية المركزي والإقليمي إعتبارا لكون هذه الأراضي تحتل مكانة خاصة سواء على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي، إذ تشكل ثروة إقتصادية هامة، بحيث تقدر المساحة الإجمالية لهذه الأراضي بحوالي 15 مليون هكتار ويستغل مجموع الأراضي حوالي 4600 جماعة سلالية، ويقوم بتدبير شؤونها 8000 نائب تمثل الأراضي الرعوية نسبة تفوق 85% تستغل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق، بينما توظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الفلاحي[3][4].
ويمكن تعريف أراضي الجماعات السلالية أو أراضي الجموع بأنها "أراضي ترجع في ملكيتها إلى جماعات سلالية في شكل قبائل أو دواوير أو عشائر قد تربط بينهم روابط عائلية أو روابط عرقية وإجتماعية ودينية وحقوق الأفراد فيها غير متميزة عن حقوق الجماعة."6
ويعتبر هذا النوع من الملكية الموغل في القدم تعبيرا عن نمط سائد في المغرب يجد مظهره الإجتماعي في الجماعة نفسها، حيث ظل الشكل الجماعي سواء إتخذ صورة قبلية أو عائلية عماد التنظيم الإداري والإقتصادي بالمغرب، تقوم فيه القرابة بدور مهم، يحدد الهوية الإجتماعية والإنتساب لسلالة معينة من خلال إستعمال مصطلحات أيت، أولاد، بني ، إبن ... ويضمن الأمن لأفرادها والتكافل بينهم والإستقرار والإستمرارية، ويفسر هذا التأثير الإجتماعي طبيعة هذه الأملاك وطريقة إستغلالها وخضوعها للأعراف وعادات الجماعات السلالية الموجودة، ويعطيها أهمية خاصة في الحفاظ على التماسك القبلي والإستقرار الإجتماعي بإعتبارهما وسيلة تضامن بين الأفراد على إعتبار أن الملكية الجماعية هي التي كانت سائدة آنذاك حتى ظهرت إلى جانبها الملكية الفردية مع مرور الزمن7.
وتلعب الأراضي السلالية دورا مهم في التنمية بالمغرب سواء في المجال الإجتماعي أو الإقتصادي، ذلك أن هذه الأراضي تستغل مباشرة من طرف ذوي الحقوق، أفراد الجماعات السلالية في مجالات متعددة أهمها الرعي والفلاحة والسكن وجزء بسيط منها موجه للتنمية الإقتصادية، وعلى وجه الخصوص لإستغلال المقالع والمعادن والإستغلال الغابوي8.
وقد كان إستغلال الأراضي الجماعية يتم بناء على أعراف وتقاليد كل قبيلة، إلى أن دخلت الحماية الفرنسية وعمدت إلى إصدار قوانين من أجل توضيح طريقة إستغلال هذه الأراضي والإستيلاء عليها بإعتبارها كانت تشكل أهم ثروة عقارية نظرا لشساعة مساحتها إذ أصدرت ظهير 13 – 12 – 1941 الذي أجاز كراء الأراضي الجماعية كراء طويل الأمد وكذا تفويت حق الإنتفاع الدائم للغير، تم أصدرت بعد ذلك ظهير 19 – 03 – 1951 الذي نظم طريقة تفويت الأراضي الجماعية9.
ويعتبر ظهير 27 ابريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية على الجماعات السلالية وضبط تدبير الأملاك الجماعية وتفويتها ) العشائر الأهلية( الإطار القانوني الأساسي المنظم لأراضي الجماعات السلالية آنذاك بالإضافة إلى كل من ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بالتحديد الإداري للأملاك الجماعية وظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري زيادة على العديد من المناشير والقرارات الوزارية والدوريات وغيرها، كما أنه تم تعديل ظهير 27 أبريل 1919 بموجب ظهير 06 فبراير 1963 وذلك من أجل تجاوز حالة الجمود التي كانت تعيشها هذه الأراضي إبان الإستعمار وذلك بجعلها قابلة للتفويت لجهات محددة كإستثناء، لكن الهيئات المكلفة بالوصاية على هذه الأراضي لم تكتفي بهذه التعديلات الطفيفة على تلك القوانين القديمة وذلك لوجود عدة إشكالات وثغرات يتطلب التطور الإقتصادي ومراعاة مبدأ المساواة بين الجنسين وغيرها من المبادئ إحلال قوانين محل هذه الظهائر، وهو ما إستجاب له المشرع المغربي بإصداره لثلاثة قوانين جديدة ممثلة في القانون رقم 17 .62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها والذي عمل على نسخ ظهير 27 أبريل 1919 ثم القانون رقم 17 .63 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية الذي بموجبه تم نسخ مقتضيات ظهير 18 فبراير 1924 وأخير القانون رقم 17. 64 الذي إكتفى بتعديل وتتميم بعض مقتضيات ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري كما أن المشرع أصدر مؤخرا المرسوم رقم 973 .19 . 2 بتاريخ 09 – 01 – 2020 المتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 17. 62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها.
ومع صدور هذه القوانين فإن هذه الأراضي أصبحت تحضى بأهمية كبيرة سواء على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي وذلك لكونها تعد هدفا في حد ذاته من خلال المساهمة في إنجاز مشاريع إنمائية وإجتماعية من قبيل إقامة التجزئات السكنية لفائدة أفراد الجماعات السلالية وبناء المدارس والمستوصفات وإنجاز طرق معبدة ومشاريع هيدروفلاحية وتوسيع مجال الكهربة القروية والماء الصالح للشرب، هذا إضافة إلى تأهيل العالم القروي وذلك لمواجهة الفقر والهشاشة التي يعاني منها غالبية ساكنة القرى والمداشر وذلك عن طريق إنجاز مشاريع من شأنها أن تساعد على تحسين الوضع المعيشي والإجتماعي للجماعات السلالية كتزويدها بالماء الصالح للشرب وربط دواويرها بشبكة الكهرباء وشق المسالك والطرق لفك العزلة عنها وتشييد المرافق الضرورية.
ورغبة من المشرع في حماية أراضي الجماعات السلالية، وحصر منفعتها في الجماعة التي لها الحق فيها، فإنه أقر مبدأ عدم قابلية هذه الأراضي للتفويت أو الحجز أو الإكتساب بالتقادم، غير أن هذا المبدأ غير مطلق إذ أقر المشرع مبدأ تفويت الأراضي الجماعية للفاعلين العموميين أو الخواص وذلك عن طريق المنافسة أو عند الإقتضاء بالمراضاة بعد مصادقة مجلس الوصاية المركزي، كما أن هذه الأملاك يمكن أن تكون محلا لنزع الملكية متى توفرت المنفعة العامة وأن تفويتها غالبا ما يكون لأسباب إستثمارية.
وتماشيا مع موضوع هذا العرض المتعلق بتفويت الأملاك الجماعية للغير وتأثير ذلك على حقوق السلاليين فإن المشرع قد نظم ذلك بمقتضى القانون تحت طائلة بطلان عملية التفويت ومن هنا تبرز أهمية هذا الموضوع.

أهمية الموضوع:
 يحضى موضوع تفويت الأراضي الجماعية للغير بأهمية بالغة إن على المستويين الإقتصادي والإجتماعي:
على المستوى الإقتصادي: تفويت الأراضي الجماعية للأغيار له دور مهم في تحريك عجلة الإستثمار وتنشيط المعاملات المالية من خلال خلق مشاريع والرفع من قيمة الأراضي في السوق.
على المستوى الإجتماعي: إن تفويت الأراضي السلالية للأغيار وفق مسطرة خاصة يساهم بشكل كبير في خلق وضعية إجتماعية مستقرة من خلال الإشتغال في تلك المشاريع المنصبة عليها.

إشكالية الموضوع: 
يعالج موضوع تفويت الأراضي السلالية للأغيار إشكالية مفادها مدى نجاعة النصوص القانونية المؤطرة لعملية التفويت في إخراج تلك الأراضي من الجمود إلى الإستثمار، وذلك بإعتبار عملية التفويت إستثناء من الأصل الذي هو عدم قابلية تلك الأراضي للتفويت للغير تحت طائلة بطلان التصرف؟ وكذا مدى تأثير عملية التفويت هذه على حقوق السلاليين ؟

خطة البحث: 
للإجابة على هذه الإشكالية إرتأينا تقسيم هذا البحث إلى مبحثين وذلك على الشكل الآتي: 

المبحث الأول: التصرفات القانونية المؤدية لتفويت الأراضي السلالية للأغيار
المبحث الثاني: مسطرة تفويت الأراضي السلالية وآثار ذلك على حقوق السلاليين



المبحث الأول: التصرفات القانونية المؤدية لتفويت الأراضي السلالية للأغيار

مند أول تنظيم تشريعي لأراضي الجماعات السلالية، وضع المشرع مبدأ عدم قابلية الأراضي السلالية للتفويت[5] على رأس المبادئ المؤطرة لهذا النظام العقاري، لكن حاجة الدولة إلى وعاء عقاري لتنفيذ إستثماراتها وسياساتها دفع المشرع المغربي بداية لفتح المجال أمام تفويت هذه العقارات للدولة والأشخاص المعنوية العامة،[6] ومع صدور القانون الجديد رقم 17. 62 أضاف إلى جانب الدولة والأشخاص المعنوية العامة الخواص كما أنه أقر مبدأ المبادلة و الشراكة كنوع من أنواع إستثمار العقارات السلالية ورفع الجمود عنها.
ومن هنا تبرز أهمية معرفة التصرفات القانونية التي من شأنها أن تؤدي إلى تفويت الأراضي السلالية للأغيار وبالتالي فإننا سنتناول هذا المبحث من خلال مطلبين الأول نخصصه لتفويت الأراضي السلالية للأغيار والثاني نخصصه للمبادلة و الشراكة كآلية من الآليات التي تؤدي إلى التفويت.

المطلب الأول: تفويت الأراضي السلالية للأغيار

من بين خصائص الأراضي السلالية أنها غير قابلة للتفويت (الفقرة الأولى) لكن هذه الخاصية ليست مطلقة بل ترد عليها إستثناءات (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مبدأ عدم قابلية الأراضي السلالية للتفويت

رغبة من المشرع في حماية الأراضي الجماعية وحصر منفعتها في الجماعة التي لها الحق فيها ،فإنه أقر مبدأ عدم قابلية هذه الأراضي للتفويت أو الحجز أو الإكتساب بالتقادم ،حيث نص الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 2019 على أن " الأراضي الجماعية غير قابلة للتقادم ولا للتفويت ولا الحجز.".
وهو نفس المبدأ الذي أقره المشرع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 17. 62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 5.19.111 بتاريخ 09 غشت 2019 عندما نص في مادته 15 على أنه " لا تكتسب أملاك الجماعات السلالية بالحيازة ولا بالتقادم ولا يمكن أن تكون موضوع حجز.
لا يمكن تفويت أملاك الجماعات السلالية إلا في الحالات ووفق الشروط الواردة في هذا القانون ونصوصه التطبيقية، وذلك تحت طائلة بطلان التفويت."
وهكذا فقد منع المشرع المغربي صراحة تفويت الأراضي السلالية وذلك تحت طائلة بطلان التفويت، ويرى أحد الباحثين[7] أن الحكمة من التنصيص على هذا المقتضى هو المحافظة على الرصيد العقاري لهذه الأراضي وعدم تفتيتها والترامي عليها، وذلك تأهيلا لها للمساهمة في التنمية الإقتصادية والإجتماعية المرجوة.
ويقصد بعدم قابلية الأراضي الجماعية للتفويت عدم قابلية نقل ملكيتها للغير، إما بصفة مباشرة كالبيع، أو بصفة غير مباشرة كالرهن مثلا، وتزداد أهمية هذا المبدأ إذا أخذنا بعين الإعتبار أن وظيفة الأرض لدى سكان القرى ليست دائما إقتصادية بقدر ما أن تعاملهم معها ينبي على إعتبارت تتعلق بإستقرارهم وإنتمائهم إلى مجموعة أو وسط ما.[8]
وإذا كان هذا المبدأ من أكثر المبادئ رسوخا في نظام الأراضي الجماعية فإن المشرع قد أورد عليه بعض الإستثناءات.

الفقرة الثانية: الإستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز تفويت الأراضي السلالية

لقد نص المشرع المغربي على هذا الإستثناء في الفصل 11 من ظهير 27 أبريل 2019 كما تم تعديله بمقتضى ظهير 06 فبراير 1963 على أن "إقتناء عقار جماعي من طرف الدولة أو الجماعات أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الأصلية يمكن إنجازه خلافا لمقتضيات الفصل الرابع من ظهيرنا الشريف هذا إما بالمراضاة إذا كانت الجماعة المالكة ومجلس الوصاية متفقين على مبدأ وشروط التفويت وإما بواسطة نزع الملكية في حالة العكس."
وقد أعاد المشرع التنصيص على جواز تفويت الأراضي السلالية كإستثناء من خلال القانون الجديد رقم 17. 62 الذي نص في مادته 20 على أنه " يمكن إبرام عقود التفويت بالمراضاة وإتفاقات الشراكة والمبادلة بشأن عقارات الجماعة السلالية لفائدة الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والجماعات السلالية الأخرى.
كما يمكن إبرام العقود والإتفاقيات المذكورة عن طريق المنافسة أو عند الإقتضاء بالمراضاة، لفائدة الفاعلين العموميين والخواص.
تتم مباشرة إبرام العقود والإتفاقات السالفة الذكر بعد مصادقة مجلس الوصاية المركزي".
ومن خلال هذه المادة يتضح أن الجماعات السلالية من حقها أن تعمد إلى تفويت أراضيها أو جزء منها إلى جماعات سلالية أخرى أو إلى الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية أو الخواص.
والجديد الذي أتى به هذا القانون هو إمكانية تفويت الأراضي الجماعية للخواص، وذلك بعد أن كان القانون القديم يحصر ذلك في الفاعلين العموميين فقط، وهكذا فإن هذا القانون من شأنه أن يؤهل الجماعات السلالية لتلعب دورا هاما في الميدان العقاري، بحيث أصبح بإمكانها أن تساعد على إنعاش الإقتصاد الوطني من خلال تفويتها للدولة أو الخواص أراضي لإحداث مشاريع صناعية أو تجارية بها، كما أنها ساعدت في حل أزمة السكن من خلال توفير مساحات مهمة أنجزت بها تجزءات عقارية ومنشآت تعليمية وصحية وإدارية ورياضية14.

المطلب الثاني: الشراكة والمبادلة في الأراضي السلالية

تعد الشراكة شبيهة بمبادلة عقارية يمنح المقتني بمقتضاها للجماعة المالكة حصة من المشروع المراد إنجازه من طرفه أو مقابل قطعة أرضية فلاحية نظير القطعة المفوتة لفائدته أو هما معا، ومن هذا المنطلق سوف نقوم بالتطرق للشراكة مع الجماعات السلالية كآلية من آليات إستثمار هذه الأراضي (الفقرة الأولى) قبل القيام بملامسة مظاهر نجاعة هذه الشراكة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الشراكة والمبادلة كآلية من آليات تفويت الأراضي السلالية

في إطار إستثمار موارد الجماعات السلالية في إنجاز مشاريع تنموية من شأنها الرجوع بأرباح مهمة يتوخى منها تحسين ظروف عيش الساكنة وتنمية موارد ودخل ذوي الحقوق نص المشرع على مبدأ الشراكة والمبادلة كوسيلة من وسائل إستثمار هذه الأراضي عن طريق تفويتها للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية أو الخواص مقابل تجهيز الأرض وتمكين ذوي الحقوق من جزء منها للإنتفاع به.
وقد نص المشرع المغربي على الشراكة والمبادلة كآليات للإستثمار في الأراضي السلالية ضمن المادة 20 من القانون رقم 17. 62 في فقرتها الأولى التي جاء فيها" يمكن إبرام عقود التفويت بالمراضاة وإتفاقات الشراكة والمبادلة بشأن عقارات الجماعة السلالية لفائدة الدولة أو المؤسسات العمومية والجماعات السلالية الأخرى." في حين نصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة على أنه " كما يمكن إبرام العقود والإتفاقيات المذكورة عن طريق المنافسة أو عند الإقتضاء بالمراضاة، لفائدة الفاعلين العموميين والخواص".
وقبل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ كان المشرع المغربي قد نظم عملية المبادلة و الشراكة بمقتضى الدورية رقم 103 الصادرة بتاريخ 26 يوليوز 1994 التي سمحت بإعتماد مبدأ الشراكة بين الجماعات الأصلية المالكة والجماعات أو المؤسسات العمومية كلما تعلق الأمر بمشروع إقتناء عقار جماعي يهدف إلى إنجاز مشروع سكني أو عملية تجارية أخرى تكفل للجماعة السلالية المعنية حق الحصول على نسبة تتراوح بين 15 و 25 % من المساحة المفوتة على شكل قطع مجهزة توزع على ذوي الحقوق، بدل الحصول على التعويض المادي.15

الفقرة الثانية: مظاهر نجاعة عقود الشراكة

تهدف الوزارة الوصية على أراضي الجماعات السلالية ، في إطار شراكات مالية أو تقنية مع قطاعات خارجية، أو فاعلين تنمويين آخرين، إنجاز مشاريع تنموية من شأنها الرفع من مؤشرات التنمية لذوي الحقوق، وأيضا إنجاز مشاريع في مجال البنيات التحتية، وكذلك مشاريع مدرة للدخل تتوخى تحسين ظروف عيش الساكنة المحلية وتنمية موارد ودخل ذوي الحقوق.[9]
إن إبرام عقود الإشتراك الفلاحي سواء بين الجماعات المالكة أو الغير قليلة جدا ،إن لم نقل منعدمة بالمرة رغم أن المادة السادسة من ظهير 27 – 04 – 2019 الملغى تفتح المجال لهذه الإمكانية ،وأنه وإن كان القانون الجديد رقم 17. 62 يفتح الباب واسعا لذلك فإنه ينبغي التفكير في طرق من شأنها تشجيع الإستثمار وخلق فرص الشغل وتحسين مداخيل عيش الجماعات المالكة، وذلك من خلال البحث عن طرق الإستغلال الأمثل سواء في المجال الفلاحي والغابوي أو النباتات العطرية أو لأغراض تجارية وصناعية وسياحية أو في مجال المقالع أو إستغلال المعادن إلى غير ذلك، وقد يشكل مخطط المغرب الأخضر مع مراعاة الجانب التضامني والإجتماعي فيه، فرصة لجعل الأراضي السلالية تساهم في التنمية، خاصة إذا تظافرت جهود الجميع من سلطات وأفراد للعمل من أجل مغرب أخضر ومن أجل تحسين وتطوير طرق الإستغلال عن طريق إبرام إتفاقيات شراكة مع المنعشين الخواص نظرا لإنعدام الإمكانيات المادية لدى غالبية أعضاء الجماعات السلالية.
وقد أكد التقرير السنوي لوزارة الداخلية أن سنة 2019 ستعرف مواصلة تزويد وصيانة قاعدة البيانات المتعلقة بمشروع التتبع ومعالجة المنظومة المعلوماتية الخاصة بمشروع تعبئة الأراضي الفلاحية الجماعية الموجهة للإستثمار، مع مواصلة العمل على دعم المشاريع المدرة للدخل لفائدة تعاونيات ذوي حقوق الجماعات السلالية من صندوق التضامن والصناديق الخاصة بالجماعات السلالية، وأضاف التقرير أنها ستعرف إنتاج الوثائق الخرائطية والإحصائية اللازمة لترشيد إتخاذ القرار في مجال التدبير، وبالخصوص فيما يتعلق بالمشاريع ذات الأهمية البالغة والمتمثلة في التصفية القانونية للأراضي الجماعية، وتوفير الوعاء العقاري الجماعي لفائدة الإستثمار في المجال الفلاحي، وكذا تسوية الوضعية القانونية للإستغلاليات دون سند قانوني، وأكد التقرير أنها ستعرف دراسة وإنجاز مشاريع تنموية مندمجة ب 16 إقليم وهي ( اليوسفية، شيشاوة، فكيك، بولمام، تنغير ،ورزازات، شفشاون، وزان، تاونات، طاطا، أزيلال، تاوريرت، جرادة، كرسيف، ميدلت ،زاكورة)، علاوة على تفعيل التجزئات الفلاحية لفائدة ذوي الحقوق في إطار توقيع حق الإنتفاع بأقاليم(ورزازات وزاكورة وكرسيف).[10]

المبحث الثاني: مسطرة تفويت الأراضي السلالية وآثار ذلك على حقوق السلاليين

إذا كانت مقتضيات المادة 15 من القانون رقم 17. 62 المتعلق بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها تؤكد عدم قابلية هذه الأراضي للتفويت والحجز والتقادم فإنه وبمقتضى الفقرة الثانية من المادة المذكورة فإنه يمكن تفويت الأراضي السلالية في الحالات ووفق الشروط الواردة في القانون المذكور ونصوصه التطبيقية وذلك تحت طائلة بطلان التفويت، كما أن هذه الأراضي يمكن أن تكون موضوع نزع الملكية من أجل المنفعة العامة طبقا للتشريع الجاري به العمل.
فكيف يتم تفويت الأراضي السلالية ؟ (المطلب الأول) وماهي آثار ذلك على حقوق السلاليين ؟ (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مسطرة وطرق تفويت الأراضي السلالية

تتم عملية تفويت الأراضي الجماعية بطرق مختلفة (الفقرة الأولى) وتمر عبر مسطرة محددة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: طرق تفويت الأراضي السلالية

يكون تفويت الأراضي السلالية إما عن طريق:
- التفويت عن طريق المنافسة: وتعتبر هذه الطريقة هي الأصل في تفويت جميع الأراضي السلالية وقد نص عليها المشرع في الفقرة الثانية من المادة 20 من القانون رقم 17. 62 التي جاء فيها " كما يمكن إبرام العقود والإتفاقيات المذكورة عن طرق المنافسة." وقد وضحت مقتضيات المادة 33 من المرسوم التطبيقي للقانون المذكور بأنه " تتم عملية تفويت الأراضي المملوكة للجماعات السلالية بواسطة طلبات العروض على أساس دفتر تحملات، بمبادرة من سلطة الوصاية أو بطلب من الجماعة السلالية المالكة، لإنجاز مشاريع إستثمارية من طرف الفاعلين العموميين أو الخواص ".
- التفويت بالمرضاة: حيث يتفق الطرفان معا على شروط التفويت والثمن إلى غير ذلك، على أساس دفتر تحملات ويقع التفويت بالمراضاة في الحالة التي يجب فيها على المشتري أن ينجز في مقابل الثمن الذي يتم تحديده بناء على عناصر المقارنة أشغالا لإستثمار أراضي تملكها الجماعة وقد نصت على هذه الحالة الفقرة الثانية من المادة 20 من القانون رقم 17. 62 والتي جاء فيها "كما يمكن إبرام العقود والإتفاقيات المذكورة عن طريق المنافسة أو عند الإقتضاء بالمراضاة، لفائدة الفاعلين العموميين والخواص". ووضحتها المادة 39 من المرسوم التطبيقي التي جاء فيها " يمكن تفويت عقارات الجماعات السلالية بالمراضاة على أساس دفتر تحملات من أجل إنجاز مشاريع الإستثمار في الميدان الصناعي أو التجاري أو السياحي أو السكني أو الصحي أو التربوي أو الخدماتي، لفائدة الفاعلين العموميين أو الخواص"..
- عن طريق نزع الملكية للمنفعة العامة مقابل تعويض يحدد وفق العناصر المنصوص عليها في المادة 20 من القانون 7. 81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والإحتلال المؤقت، مع إعمال المحكمة لسلطتها التقديرية لتقييم التقديرات الواردة في تقارير الخبرة حفاظا على المصلحة العامة وضمانا لحقوق الأطراف وقد نصت على هذه الحالة الفقرة الثالثة من المادة 15 من القانون رقم 17. 62 التي جاء فيها " يمكن أن تكون عقارات الجماعات السلالية موضوع نزع الملكية من أجل المنفعة العامة طبقا للتشريع الجاري به العمل".
- التفويت عن طريق الشراكة والمبادلة العقارية، حيث يمنح المقتني بمقتضاها للجماعة المالكة حصة من المشروع المراد إنجازه من طرفه أو مقابل قطعة أرضية فلاحية نظير القطعة المفوتة لفائدته أو هما معا، وذلك وفق شروط محددة، أو عن طريق القيام بمبادلة العقار الجماعي مقابل تسليم قطع أرضية مجهزة أو وحدات سكنية أو مبادلة العقار المراد تجزئته مقابل أرض فلاحية.[11]

الفقرة الثانية: مسطرة تفويت الأراضي السلالية

تتم عملية تفويت الأراضي المملوكة للجماعات السلالية بواسطة طلبات العروض على أساس دفتر التحملات وذلك بمبادرة من سلطة الوصاية ممثلة في وزير الداخلية أو بطلب من الجماعة السلالية المالكة عن طريق نوابها وذلك من أجل إنجاز مشاريع إستثمارية من طرف الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية أو الخواص.
وتشرف على عملية التفويت هذه لجنة[12][13][14]مكونة من عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه بصفته رئيسا، وممثل المركز الجهوي للإستثمار وممثل سلطة الوصاية عند الإقتضاء، ورئيس قسم الشؤون القروية بالعمالة أو الإقليم الذي يتولى كتابة اللجنة، والسلطة المحلية ونائب أو نواب الجماعة السلالية المعنية، وممثلي المصالح اللاممركزة المعنية حسب طبيعة المشروع، عند الإقتضاء.
وتنطلق عملية التفويت عن طريق طلب العروض بنشر إعلان في جريدتين أو أكثر مرخص لهما بنشر الإعلانات، والتعليق في مقر كل من السلطة المحلية والعمالة أو الإقليم المعني، كما ينشر هذا الإعلان في البوابة الإلكترونية لسلطة الوصاية، ويتضمن هذا الإعلان بالخصوص معلومات عن العقار أو العقارات المعروضة للتفويت، وخاصة الموقع والمساحة والمراجع العقارية والإستعمال حسب وثائق التعمير إن وجدت، ومكان إيداع العروض وتاريخ الشروع في إستلامها والتاريخ والساعة المحددين لإنتهاء هذه العملية، وكذا التاريخ والساعة والمكان المحددة لفتح الأظرفة[15].
وتقوم اللجنة المذكورة أعلاه بفتح الأظرفة وفحص العروض وتقييمها وتحرر محضرا في الموضوع، ويحال الملف بجميع وثائقه إلى مجلس الوصاية المركزي لإتخاذ القرار بشأنه، ويتم تعليق نتائج فحص العروض وتقييمها بمقر السلطة المحلية المعنية ونشرها بالبوابة الإلكترونية لسلطة الوصاية، ويبلغ المتنافس الذي فاز عرضه بإحدى طرق التبليغ القانونية، مع دعوته إلى أداء الثمن وتقديم الضمانة البنكية المطلوبة داخل أجل ثلاثين يوم من تاريخ التبليغ، تحت طائلة سقوط حقه في التفويت، ويسلم مشروع عقد التفويت إلى المتنافس المذكور، داخل أجل خمسة عشر يوم من تاريخ أداء ثمن البيع والمصاريف والإدلاء بالضمانة البنكية المطلوبة، وذلك قصد توقيعه والمصادقة على هذا التوقيع ،وإعادته داخل أجل ثلاثين يوم من تاريخ التوصل به[16].
أما فيما يخص التفويت عن طريق المرضاة على أساس دفتر تحملات، وكذا عمليات إجراء مبادلات عقارية، وإبرام إتفاقيات شراكة بشأن الأملاك الجماعية، فإنه تودع الطلبات المتعلقة بهذه العمليات لدى السلطة المحلية أو سلطة الوصاية أو المركز الجهوي للإستثمار وذلك مقابل وصل وتقوم السلطة المحلية بجمع المعطيات الضرورية حول العقار أو العقارات موضوع الطلبات وتقوم بإعداد تقرير يتضمن رأيها في الموضوع ويحال الملف على اللجنة المشار إليها أعلاه قصد دراسته وإبداء الرأي بشأنه وإقتراح قيمة العقار المعني، بناء على عناصر المقارنة، تم يحال الملف بجميع وثائقه على مجلس الوصاية المركزي لإتخاذ القرار بشأنه22.

المطلب الثاني: آثار التفويت والصعوبات التي تعترض ذلك

لقد بين المشرع طرق تفويت الأراضي السلالية بإعتباره إستثناء على مبدأ عدم قابلية هذه الأراضي للتفويت، وذلك من أجل إنجاز مشاريع إستثمارية تعود على أفراد الجماعة والمفوت له بالنماء، فإنه قد أفرد مقتضيات في المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بالوصاية على أراضي الجماعات السلالية تتعلق بتتبع إنجاز هذه المشاريع من طرف الجهة المختصة وذلك حماية للسلاليين من ضياع حقوقهم (الفقرة الأولى) إلا أن عملية التفويت هذه تعترضها مجموعة من الصعوبات(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حق السلاليين في تتبع مشاريع الإستثمار وتدبير مداخيل التفويت

أولا: حق السلاليين في تتبع مشاريع الإستثمار.
تناول المشرع واجب تتبع مشاريع الإستثمار وتنفيذ الشروط الواردة في العقد ودفتر التحملات في المادة 38 من المرسوم التطبيقي للقانون رقم 17. 62 للجنة المنصوص عليها في الفصل 34 من المرسوم المذكور وهي اللجنة التي أشرفت على عملية التفويت أو المبادلة و الشراكة وقد خولها المشرع حق تتبع مشاريع الإستثمار المتعهد بها من طرف المفوت له فإذا لاحظت هذه اللجنة من خلال معاينتها للعقار المعني بحضور المقتني الذي يتم إستدعائه برسالة تبلغ إليه بإحدى طرق التبليغ القانونية، أن هذا الأخير قام بإنجاز كامل المشروع الملتزم به، فإنها تقترح منحه شهادة رفع اليد وإرجاع الضمانة البنكية له، وإذا تقاعس المفوت له عن إنجاز المشروع بالكامل، أو لم يتمم إنجازه، فإنها تنذره بضرورة إنجاز المشروع أو تتميمه داخل أجل تحدده له، فإذا إستجاب فإنها تقترح منحه شهادة رفع اليد وإرجاع الضمانة البنكية له، وإذا لم يستجب فإن اللجنة تقترح سلوك مسطرة فسخ عقد التفويت مع إستخلاص مبلغ الضمانة البنكية، وتقوم بإعداد محضر يوقعه أعضاؤها يتضمن معطيات عن المعاينة التي أنجزتها والتدابير التي تقترحها، ويحال الملف على مجلس الوصاية المركزي قصد البث فيه داخل أجل 30 يوما من تاريخ تقديم الملف إليه.
ثانيا: حق السلاليين في تدبير مداخيل التفويت.
لاشك أن تفويت الأراضي السلالية للأغيار يكون بمقابل مادي، ومن تم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو من يتصرف في هذا المقابل؟ وكيف تتم عملية تدبيره؟
بالرجوع إلى القانون 17. 62 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، نجده أنه أفرد الباب الرابع منه لتدبير الموارد المالية للجماعات السلالية، وبقراءة مواد هذا الباب يتضح أنها تتعلق بالموارد المتأتية من كراء العقارات السلالية أو تفويتها أو من بيع المنتوج الغابوي أو الغلل والمواد المتأتية من تلك العقارات، وأنه وإنسجاما مع موضوع عرضنا فإننا سنقتصر على الحديث عن الموارد العائدة من عملية التفويت.
وهكذا فقد نص القانون السالف الذكر في مادته 23 على أنه " يتم تدبير الموارد المالية المتأتية من المعاملات التي ترد على أملاك الجماعات السلالية ومسك الحسابات المتعلقة بها من طرف سلطة الوصاية بتنسيق مع جماعات النواب الممثلة للجماعات السلالية المالكة". وبناء على هذه المادة فإن سلطة الوصاية ممثلة في شخص وزير الداخلية هي التي تشرف على تدبير الموارد المالية التي تدرها الأراضي السلالية وذلك بتنسيق مع جماعات النواب الممثلة لذوي الحقوق وأن هذه الموارد تستعمل أساسا لتغطية مصاريف تدبير أملاك هذه الجماعات وتصفية وضعيتها القانونية، خاصة المصاريف التي تتطلبها عملية التحفيظ والتحديد الإداري وكذا مصاريف الدفاع عن هذه الأملاك أمام المحاكم.
وقد تنبه المشرع إلى الحالات التي تفوق فيها مداخيل العقارات السلالية ما تتطلبه عمليات التصفية والتحفيظ والتحديد الإداري، سيما وأن عملية التفويت تكون مقابل مبالغ مهمة ،وهكذا فقد نص المشرع في المادة 25 من القانون رقم 17. 62 على أنه " يمكن إستعمال الموارد المالية للجماعات السلالية من أجل إقتناء عقارات لفائدتها، وكذا إجراء مبادلات عقارية." في حين نص في المادة 26 من نفس القانون على أنه " يمكن إستعمال الموارد المالية للجماعات السلالية لتمويل وإنجاز مشاريع إجتماعية وتنموية لفائدة الجماعات السلالية المعنية، أو المساهمة في إنجازها في إطار إتفاقات وشراكة في هذا الشأن ".
وإنطلاقا من هذه المادة فإن عائدات تفويت الأراضي السلالية يمكن إستعمالها في إنجاز مشاريع إجتماعية وتنموية تعود بالنفع على أعضاء الجماعة ككل، أو المساهمة في إنجاز هذه المشاريع وذلك في إطار إتفاقات وشراكة إذا كانت أموال الجماعة السلالية لا تكفي لوحدها من أجل إنجاز المشاريع المذكورة.
وقد لا ترغب الجماعة السلالية في ذلك ولا تكون لديها حاجة لإنجاز مشاريع إجتماعية، فإنه يبقى من حقها طلب تقسيم تلك الموارد على أعضائها كلا أو بعضا، ذكورا وإناثا وذلك بناء على طلب من جماعة النواب وموافقة مجلس الوصاية المركزي، وهو ما نص عليه المشرع في المادة 27 من القانون 17. 62 في حين تناول المشرع في المادة 28 من ذات القانون تخصيص جزء من الموارد المالية للجماعات السلالية لتغطية مصاريف تدخلات جماعات النواب، ونفقات المواكبة الضرورية للجماعات السلالية وتقوية قدراتها وتنمية مؤهلاتها.
ولا شك أن جماعة النواب وفي إطار دفاعها عن مصالح الجماعة السلالية، قد تضطر إلى إنفاقمبالغ مالية في تحركاتها، ومن تم فإن المشرع قد تنبه لذلك ونص على تخصيص جزء من عائدات التصرفات الواردة على أملاك الجماعات السلالية – سواء كانت كراء أو تفويت أو مبادلة – لتغطية المصاريف التي تتطلبها عملية الدفاع عن مصالح الجماعة، كما أن تلك العقارات قد تكون في حاجة إلى الإصلاح من أجل تقويتها وتأهليها، وبالتالي فإن تلك المصاريف تخصم من الموارد المالية للجماعة السلالية ككل.
وأخيرا فقد نص المشرع في المادة 29 من نفس القانون على أنه تحدد بنص تنظيمي كيفية تطبيق الأحكام الوارد في هذا الباب، وهو الباب الرابع المتعلق بكيفية تدبير الموارد المالية للجماعات السلالية، إلا أنه وبالرجوع للمرسوم 973. 19. 2 الصادر بتاريخ 09 – 01 – 2020 المتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 17. 62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، نجده أنه خصص مادتين فقط بالنسبة للموارد المالية للجماعات السلالية إذ نص في المادة 44 منه على أنه " تودع الموارد المالية المتأتية من المعاملات المتعلقة بأملاك الجماعات السلالية بحسابات مفتوحة بإسم الوصي بمؤسسة أو مؤسسات بنكية معتمدة." أما المادة 45 فقد نصت على أنه " يتم إيداع المبالغ المالية بالمؤسسات البنكية المشار إليها بأمر من الوصي أو من يفوض إليه ذلك ،ويتم سحب أو صرف هذه المبالغ بواسطة تحويلات أو شيكات موقعة من طرف الوصي أو من يفوض إليه ذلك" وبالتالي فإنه وبقراءة هاتين المادتين يتضح أن المشرع لم يخرج بعد المرسوم التطبيقي الذي يبين كيفية تطبيق مواد القانون رقم 17. 62 المتعلقة بتدبير موارد الجماعات السلالية لذلك فإنه يتعين على الجهات المعنية خاصة منها سلطة الوصاية الإسراع بإخراج هذا المرسوم.

الفقرة الثانية: الصعوبات التي تعترض عملية تفويت الأراضي السلالية

بالرغم من أن التفويتات التي تم على إثرها إنجاز مشاريع تنموية كبيرة ساهمت بشكل أو آخر في حل أزمة السكن، وتنشيط الحركة الإقتصادية للبلاد بشكل عام، إلا أنها لا تخلو من صعوبات سواء القانونية منها (أولا) أو الواقعية (ثانيا).
أولا: الصعوبات القانونية.
- أن بعض المؤسسات العمومية والجماعات المحلية وخاصة القروية، قد قامت بالإستحواذ على مجموعة من الأراضي الجماعية دون أي إتفاق، وقامت بإحداث أسواق أو بناءات معينة دون أي إعتبار لحقوق الجماعة السلالية.
- بعض الأراضي يتم تفويتها بشكل منافي للقانون لفائدة الأجانب عن الجماعة كالتنازل عن حق إستغلال نصيب من الأرض الجماعية وهو أمر يثير مشاكل جمة أمام المحاكم من أجل الترامي على ملك الجماعة خاصة إذا كان بعض ذوي الحقوق يجيزون هذا التصرف وجزء منهم يعارض ذلك.
- ترامي بعض الأشخاص على الأراضي الجماعية وإنجاز رسوم ملكية خاصة بها وتفويتها للغير بناء على تلك الرسوم.23
ثانيا: الصعوبات الواقعية.
- الوضع الذي توجد عليه الأراضي الجماعية لا يمكن أن يشكل فاعلا حقيقيا في التنمية ،نظرا لصعوبة التوفيق بين مطالب الجماعات الأصلية والمؤسسات أو الجماعات التي قامت بإقتناء أرض جماعية، بحيث في بعض الأحيان يرفض ذوي الحقوق تسلم التعويض نظرا لهزالة المبلغ، فيلتمسون إعادة النظر فيه أو تخصيص قطعة فلاحية كبديل لهم عن العقار موضوع التفويت.
- صعوبة تحديد ذوي الحقوق الذين يحق لهم الحصول على التعويض مقابل تفويت عقارهم الجماعي.
- بعض الجماعات السلالية تقوم بتجزيء أنصبتها الجماعية خوفا من نزعها منهم من طرف الدولة، بقصد إنجاز مشاريع عمرانية وتعويضهم تعويضا هزيلا.
- إن التفويت يؤدي بالنتيجة إلى وقوع تغيير مفاجئ على ذوي الحقوق يؤثر سلبا على أسلوب عيشهم وفقدانهم لإمتيازاتهم القروية.
- عدم رضا القبائل بتفويت حقوقها نظرا للمكانة التي لازالت تحتلها الملكية الجماعية في المجتمع المغربي.24 

خاتمة : 
إن المتمعن في المسار التاريخي والتشريعي للأراضي الجماعية سيظهر له مدى التطور الكبير الذي عرفته هذه المجموعات على مستوى التسيير والإستثمار، وكذا الحماية القانونية، فبعد أن كانت الظهائر القديمة متضمنة في طياتها إقصاء صريح للنساء وتجميدا لوضعية هذه الأراضي إذ أن التفويت لم يكن إلا على سبيل الإستثناء، فإن القوانين الجديدة قد تضمنت مجموعة من المستجدات الجريئة والتي تعد من الحسنات المحسوبة للمشرع، نذكر من بينها تكريس العمل بمبدأ المساواة بين الجنسين وكذا منح إمكانية التفويت للخواص، والنص على الشراكة أو المبادلة العقارية كوسيلتين من الوسائل الإستثمارية إلى جانب كل من الكراء والتفويت إلى غيرها من الأمور الإيجابية التي تخدم مصلحة ذوي الحقوق والإقتصاد الوطني.
يتضح مما سبق أن الرؤية التشريعية الجديدة تتجه صوب تفعيل وإشراك الأراضي السلالية ضمن السياسة التنموية للمملكة من خلال إدخال الإحتياطي العقاري السلالي في مسلسل الإستثمارات ومن خلال خلق آليات لتمكين الأشخاص المنصوص عليهم ضمن هذا القانون من وضع مشاريعهم على أرض الواقع.
ومن الحسنات التي أتى بها المشرع المغربي في القانون الجديد أنه نص على إمكانية تقسيم الأراضي السلالية التابعة للجماعات، والواقعة خارج دوائر الري وغير المشمولة بوثائق التعمير ، وإسنادها على وجه الملكية المفرزة أو المشاعة، لفائدة عضو أو عدة أعضاء بالجماعة السلاليةالمعنية ذكور وإناثا، وان من شأن التنصيص على هذا المقتضى تصفية الأراضي الجماعية وتحويلها إلى ملكية خاصة عن طريق تقسيمها بين أعضاء الجماعة، خاصة وأن الإستغلال الجماعي يثير الكثير من المشاكل والصعوبات التي تحد من فاعلية الإستغلال.
ومما تنبغي الإشارة إليه كذلك ضرورة إخراج باقي النصوص التنظيمية المشار إليها في القوانين الجديدة بإعتبارها المحرك الأساسي لهذه القوانين.
---------------------------
الهوامش :
[1] الحسين حيان: الوصاية الإدارية على أراضي الجموع، بحث لنيل شهادة الماستر تخصص القانون المدني جامعة محمد الخامس كلية الحقوق أكدال السنة الجامعية 2015 – 2016 ص 5 أصبحت أراضي الكيش التي تم التخلي عن ملكية رقبتها لفائدة الجماعات السلالية خاضعة لأحكام القانون رقم 17. 62 2
ولقد سميت هذه الأراضي عقارات جماعية، لأن الجماعة هي التي تقوم بتدبيرها، وذلك بتوزيعها على أرباب العائلات خلال مدد معلومة عرفا.3
[2] إبراهيم صادوق: إشكالات أراضي الجموع من خلال العمل القضائي، مقال منشور بمجلة سلسلة الإجتهاد القضائي العدد 5 ص 13.
[3] الحسين حيان: الوصاية الإدارية على أراضي الجموع م س ص
[4] المناظرة الوطنية حول الأراضي الجماعية لسنة 1995.
[5] أنظر الفصل 4 من ظهير 27 أبريل 1919.
[6] أنظر الفصل 11 من ظهير 27 أبريل 1919 .
[7] حياة البجدايني: وضعية أراضي الجموع بين المتطلبات القانونية ورهانات التنمية، ج 2، م المعارف الجديدة، ص 45 .
[8] محمد اوزيان: أراضي الجماعات السلالية بالمغرب، منشورات مجلة الحقوق المغربية ص 108.
[9] دليل الأراضي الجماعية، مديرية الشؤون القروية، مارس 2008 ص 16 .
[10] عبد الله اموش: الداخلية تضع خريطة تمليك الأراضي السلالية ودعم المشاريع التنموية تستهدف المغرب العميق، تاريخ الإصدار 20 – 11 – 2018
[11] محمد العايش صغيري: أراضي الجماعات السلالية بين الواقع والآفاق، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العقود والعقار م س ص 63 / 64 
[12]
[13] . 62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6849 بتاريخ 20
[14] أنظر المادة 34 من المرسوم التطبيقي رقم 973. 19 .2 الصادر بتاريخ 09 – 01 – 2020 بتطبيق أحكام القانون رقم
[15] أنظر المادة 35 من المرسوم المذكور.
[16] أنظر المادة 36 من المرسوم المذكور. أنظر المادة 39 من المرسوم المذكور.22
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -