الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك العقارية

عرض بعنوان: الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك العقارية PDF

الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك العقارية PDF

مقدمة :
إن الأهمية التي أصبحت تحتلها الثروة العقارية لا تخفى على أحد، لذلك يسارع مختلف المتدخلين إلى ضبط الآليات الكفيلة للتحكيم في العقار بصفة عامة، وعيا من الكل بأنه يعتبر حاليا قطب الرحى في أي عملية استثمارية، لذلك تسارع الجهات المعنية الخطى لتطهير الرصيد العقاري، والحد من ظاهرة الاستيلاء على أملاك الغير[1].
تعتبر التعديلات التي جاء بها القانون 14.[2]07 والمتعلق بالتحفيظ العقاري من أنجع الوسائل التي تضمن استمرارية نجاعة تأمين الملكية العقارية و تعبئتها لتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و تشجيع الاستثمار من خلال تسريع و تبسيط الإجراءات المتعلقة بالتحفيظ العقاري و توفير حماية قوية لحق الملكية، و ذلك مع الحفاظ على المبادئ الأساسية للنظام المذكور و على رأسها مبدأ الصفة النهائية للرسم العقاري و مبدأ التوازن بين الإشهار الموسع للإجراءات و مبدأ التطهير القانوني و المادي للعقار، و مبدأ الأثر الإنشائي و القوة الثبوتية للتقييدات المنجزة بالرسم العقاري.
إذا كانت هذه التعديلات في مجملها انصبت على الإجراءات الموضوعية و المسطرية لحماية حق الملكية فإن جانب هاما من مسطرة التقاضي و اختصاص المحاكم لحقته تعديلات أساسية همت توزيع الاختصاص بين المحاكم الابتدائية و المحاكم الإدارية.
وهكذا فإن الأصل العام- و الذي حافظت عليه تعديلات التحفيظ العقاري- في القرارات التي يصدرها المحافظ على الأملاك العقارية، سواء في المعيار الموضوعي أو المادي أنها قرارات إدارية لصدورها عن سلطة إدارية و ارتباطها بتسيير المرفق العام[3] الذي يشرف عليها، فالمعيار العضوي يهتم بالجهة التي أصدرت القرار، و فيما يهتم المعيار المادي بمضمون القرار و موضوعه، كما تتوفر فيها خصائص القرار الإداري باعتبارها قرارات إدارية نافذة في حد ذاتها و مؤثرة في المراكز القانونية للمعنيين به، و بالتالي فإن الطعن فيها يكون من حيث المبدأ عن طريق سلوك دعوى الإلغاء التي تختص بالنظر فيها المحاكم الإدارية، باعتبارها صاحبة الولاية العامة بالبث في جميع طلبات الإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية استنادا إلى مقتضيات المادتين 8 و 20 من القانون رقم 90.41 ، إلا ما ارتأى المشرع استثناءه بنص صريح من خلال جعل بعض القرارات رغم طبيعتها الإدارية تخرج عن اختصاص القضاء الإداري ثم اسند الاختصاص بشأنها إلى المحاكم العادية، ذلك رغبة من المشرع في توحيد الجهة القضائية التي تختص بالنظر في منازعات التحفيظ العقاري من منطلق أن القاضي العادي هو القاضي الطبيعي للعقار.
وهكذا اعتبرت محكمة النقض أن المحافظ على الملكية العقارية يعتبر سلطة إدارية و أن
القاعدة العامة هي جواز الطعن في قرارات المحافظ أما القضاء الإداري و الاستثناء هو ما ورد في الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري5.
ومما لا شك فيه أن ظهير التحفيظ العقاري 14.07 على مستوى توزيع الاختصاص بين المحاكم الابتدائية و المحاكم الإدارية يؤكد أن المشرع حافظ على التوازن في الاختصاص بين الجهتين و إن قام بنقل بعض الاختصاصات لجهة على حساب جهة أخرى، بغية توحيد جهة الاختصاص أصيل في مادة المنازعات الإدارية بصرف النظر عن محلها، و اختصاص المحاكم الابتدائية كاختصاص استثنائي و محصور، لقد ساهم توزيع الاختصاص في تشتيت ذهن المتقاضين و ترددهم بين القضاء المختص مما أضعف مبدأ الأمن القانوني و القضائي لأن أكثر من نصف الطعون يقضى فيها بعدم الاختصاص من كلتا الجهتين.
عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي.
وتزداد أهمية وصعوبة معالجة هذا الموضوع,من خلال تشتت النصوص القانونية المنظمة للطعون ,وغموض بعض مقتضياتها,وكذلك من خلال تأثيرات واقعية على القرارات التي يتخذها المحافظ, وتفاعل القضاء معها.و كذلك من خلال الخصوصيات التي تتميز بها قراراته، فعلى الرغم من كونها تعتبر قرارات إدارية, إلا أن المشرع أخضع البعض منها للطعن أمام القضاء العادي.
لهذا يعالج هذا الموضوع إشكالية محورية مفادها: كيف عالج المشرع المغربي طبيعة القرارات الصادرة عن المحافظ؟ هل اعتبرها قرارات إدارية أم عادية؟
تتفرع عن هذه الإشكالية جملة من التساؤلات:
- ما هي القرارات القابلة للطعن؟
- متى يكون الاختصاص للقضاء العادي؟
- متي يعود الاختصاص للقضاء الإداري؟
- ما الغاية التي جعلت المشرع يحافظ على ازدواجية الاختصاص في الطعن على قرارات المحافظة؟
و للإجابة عن هذه التساؤلات سوف يتم تقسيم الموضوع إلى ما يلي: 

المطلب الأول: الطعن في قرارات المحافظ العقاري أمام القضاء العادي
المطلب الثاني: الطعن في قرارات المحافظ العقاري بالتظلم أمام القضاء الإداري 



المطلب الأول: الطعن في قرارات المحافظ العقاري أمام المحاكم العادية

يقوم المحافظ العقاري بدور مهم، سواء على مستوى مسطرة التحفيظ أو على مستوى التقييدات و التشطيبات التي تهم الحقوق العينية و التقييدات الاحتياطية، فالمحافظ العقاري له سلطة إدارية مختصة، لكونه يملك الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات بشأن هذه الطلبات فيمكن له أن يقبل بها أو يرفضها[4].
باستقرائنا لمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري نلاحظ أن المحافظ العقاري قد يصدر قرارات هامة بمناسبة قيامه بالمهام المنوطة به، و في هذا الإطار يمكن للمتضررين ممارسة حق الطعن أمام المحاكم الابتدائية في الحالات التي تدخل ضمن اختصاصها. و لهذا سنعرض لمسألة الطعن في أهم القرارات و أكثرها شيوعا في الممارسة العملية سواء الصادرة أثناء جريان مسطرة التحفيظ (الفقرة الأولى)، أو بعد تأسيس الرسم العقاري (الفقرة الثانية.) 

الفقرة الأولى: الطعن في قرارات المحافظ الصادرة خلال مسطرة التحفيظ 

من أهم القرارات السلبية التي يتخذها المحافظ العقاري أثناء جريان مسطرة التحفيظ هو قرار رفض مطلب التحفيظ، و الذي يكون قابل للطعن القضائي طبقا لمقتضيات الفصل 37 مكرر و الذي ينص على" يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها طلبا للتحفيظ أن يعلل قراره ويبلغه لطالب التحفيظ. يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه مع الحق في الاستئناف، وتكون القرارات الإستئنافية قابلة للطعن بالنقض". و قد تم تأكيد هذا التعليل بواسطة الفصل 10 من القرار الوزاري المؤرخ في 3 يونيو1915، حيث نص على أنه:" في حالة ما إذا رفض المحافظ أن يحفظ عقار كلا أو بعضا، أو يشطب عليه بالسجلات العقارية، فإن قراره يجب أن يكون معللا و أن يبلغ لطالب التحفيظ بدون تأخر".
و في الحالة التي يكون فيها تعليل المحافظ على الأملاك العقارية برفض مطلب التحفيظ مبنيا على حكم قضائي، فإن الأمر لا يطرح أية صعوبة في وجهه "أي المحافظ" حيث يكتفي بالإشارة إلى هذا الحكم[5]، و رفض التحفيظ في الحالات الأخرى ينبغي أن يكون معللا و مبنيا على أساس، لأنه يخضع للطعن لدى السلطة القضائية المختصة[6].
وتجدر الإشارة أن هذا المقتضى" الفضل 37 مكرر" جاء بعبارة جديدة" في جميع الحالات" تستغرق جميع حالات رفض التحفيظ لأي سبب كان، و التي أصبحت جميعها من اختصاص المحاكم الابتدائية والتي لا تشاركها فيه بأي وجه من الوجوه المحاكم الإدارية، على خلاف المقتضى السابق )الفصل 96 في صيغته القديمة و المنسوخة(، الذي كان يحصر اختصاص المحاكم الابتدائية على حالتي رفض التحفيظ إما لعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم، وتظهر أهمية هذا التعديل في كونه سيساهم في توحيد الاختصاص لصالح جهة القضاء العادي في هذا المجال، للقضاء على ازدواجية الاختصاص لتسهيل عمل المتقاضين بالقاعدة القانونية المسطرية وضمان وضوحها و رسوخها للحفاظ على الأمن القانوني و القضائي[7].
كما أن هذا المقتضى يعد من الضمانات المهمة التي جاء بها القانون رقم 14.07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري، والتي من خلالها تم النص على وجوب تعليل القرار الرفض و تبليغه لطالب التحفيظ لما لذلك من فوائد ستساهم في تفعيل الشفافية الإدارية و تحفظ حقوق الدفاع .
ومن المهم الإشارة أن إحجام المحافظ على الأملاك العقارية عن مواصلة مسطرة التحفيظ و تأسيس الرسم العقاري لفائدة المتعرض بعدما قضت المحكمة بصحة تعرضه، يكون خارجا عن اختصاص المحاكم الإدارية[8]، لكون الأحكام الصادرة في التعرضات يكون لها فيما بين الأطراف قوة الشيء المقتضي به طبقا للفصل 38 من ظهير التحفيظ العقاري .
وقد جاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 7-1-2009 " ليس للمحافظ رفض التعرض على مطلب التحفيظ المقدم داخل لأجل، و ليس له أيضا مناقشة الأحكام الصادرة بين الطرفين بشأن التعرضات على مطلب التحفيظ سابق للقول بما إذا كانت تلك الأحكام لها مفعول الشيء المقتضي به من الأطراف أم لا، إذ أن من حق المحكمة وحدها بعد التعرض على المطلب الجديد"[9].

الفقرة الثانية: الطعن في قرارات المحافظ اللاحقة على تأسيس الرسم العقاري

لقد أخضع المشرع العقاري بعض القرارات التي يتخذها المحافظ العقاري بشأن الرسوم العقارية للطعن القضائي منها قرار رفض التقييد أو رفض التشطيب (أولا)، و كذا قرار رفض تصحيح الأخطاء المادية التي تشوب الرسم العقاري(ثانيا). بالإضافة إلى قرار رفض تسليم نظير الرسم العقاري أو الشواهد الخاصة(ثالثا.)
أولا- القرارات الصادرة بشأن التقييدات أو التشطيبات
كما لا تخفى عليكم أهمية إشهار التصرفات القانونية الواقعة على العقارات المحفظة من حيث ضمان الحقوق المترتبة عليها و حمايتها، فكيفما كان السند المؤيد للحق، أوجب القانون ضرورة تقييده بالرسم العقاري لينتج آثاره القانونية اتجاه أطراف العقد أو الغير، إذ أن تقييده بالرسم العقاري هو بداية الوجود القانوني له، و ابتداء من تاريخ التقييد[10].
لذا فإن عدم متابعة أطراف العلاقة لإجراء تقييد الحق في الرسم العقاري كيفما كان مصدره سواء تعلق الأمر بعقد بيع للعقار كله أو جزء منه أو عقد كراء طويل الأمد...، فإن ذلك يجعل الحق غير جدير بالحماية في نظر القانون. و المشرع المغربي خول للمحافظ العقاري صلاحية واسعة سواء فيما يتعلق بالتقييدات(أ)، أو التشطيب على الحق المقيد(ب.)
أ- قرار المحافظ رفض التقييد
إذا كان المشرع المغربي قد أعطى للمحافظ سلطة تقديرية واسعة في مراقبة و دراسة كل ما يتعلق بتقييد الحقوق بالرسوم العقارية، ففي المقابل أعطى الحق لكل من يهمهم أمر التقييد، أن يطعنوا في قراره عند الرفض، محددا للمحكمة الابتدائية صلاحية الاختصاص بمقتضى الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري[11]، و الفصل العاشر من القرار الوزاري المؤرخ في 3/6/1995.
وإذا كانت الحالات التي تستوجب على المحافظ اتخاذ قرار الرفض، محصورة سابقا في عدم صحة الطلب، و عدم كفاية الحجج المدلى بها من أجل التقييد، فإن الأمر يختلف مع التعديلات التي أتى بها القانون 14.07 حيت أصبحت لا تقتصر عليها فقط، ومن هنا يمكن القول أن المشرع وسع مجال اختصاص القضاء العادي في مجال رفض المحافظ تقييد الحقوق بالرسوم العقارية.
وإذا كان قرار رفض التقييد قابل للطعن أمام القضاء العادي استنادا إلى الفصل 96، كما أكده القضاء الإداري في قراره الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 2012/11/18 ملف 5/12/6 رقم 3011 ما يلي" قرار المحافظ رفض تقييد حق عيني يرجع أمر النظر فيه للمحكمة الابتدائية، ولا تختص فيه المحاكم الإدارية".
فالملاحظ أن المشرع المغربي تطرق إلى حالة التي يرفض فيها المحافظ العقاري تقييدحق عيني أو التشطيب عليه، لكن في المقابل لم يتطرق إلى الحالة التي يتضرر فيها أحد الأطراف من القرار الإيجابي للمحافظ .
ونرى أن هذه الحالة ممكنة في حالة ما إذا تقدم شخص بطلب من المحافظ من أجل مراجعة قرار تقييد معين أو تشطيب عليه قام به و كان مصير طلبه الرفض.
عموما يمكن القول أن المشرع المغربي بمقتضى تعديله للفصل 96 من ظهير التحفيظ
العقاري، لم يحصر الحالات التي تستوجب على المحافظ اتخاذ قرار رفض التقييد، وهذا التعديل من شأنه أن يؤثر في مجال الاختصاص النوعي للمحاكم[12] المرتبط بالطعن في قرر المحافظ ،ذلك أن القضاء يفسر مقتضيات الفصل 96 تفسرا ضيقا، مما يجعلنا نعتقد أن الاختصاص في الطعن، و النظر في قرارات المحافظ رفض التقييد أصبحت محصورة للقضاء العادي دون الإداري[13].
ومع ذلك فإن هناك حالات التي تستوجب تدخل القضاء الإداري، منها قرار الرفض الذي يكون موضوعه نزع الملكية و التي نرى أن الاختصاص يعود للمحاكم الإدارية لارتباطها بمسطرة نزع الملكية.
وفي جميع الحالات يجب أن يكون قرار المحافظ برفض التقييد معللا مع تبليغه للمعني بالأمر الذي يمكن له الطعن فيه أمام المحكمة الابتدائية، مع الحق في الاستئناف و الطعن بالنقض عند الاقتضاء، و ذلك داخل أجل شهر واحد من تاريخ تبليغه، و ذلك استنادا لما جاء في الفصل 10 من القرار الوزاري الصادر بتاريخ 3/6/1915 المحدد لتفاصيل تطبيق نظامالتحفيظ العقاري بمسطرة خاصة لتقديم هذه الطعون و البت فيها بحيث إذا رفض المحافظ كليا أو جزئيا، تقييد حق عيني أو التشطيب عليه من السجلات العقارية ، فإن قراره يجب أن يكون معللا و يبلغ دون تأخير إلى الطالب، و يكون هذا القرار قابلا للطعن القضائي المنصوص عليه في الفصل 96 من ظهير 12/08/1913 داخل شهر واحد من تبليغه[14].
وعليه فإن انعقاد الاختصاص يعود للمحاكم العادية، وإن كان رهينا باحترام المحافظ للإجراءات المتبعة للتبليغ[15]، فإن ذلك لا يسحب البساط عن القضاء العادي في حالة عدم قيامه بذلك، لأن القضاء العادي أثناء تقييمه لقرار المحافظ رفض التقييد، يقوم في نفس الوقت بمراقبة مشروعية القرار، وهو بذلك يقوم بنفس الدور الذي يقوم به القضاء الإداري، أثناء النظر في الطعون الموجهة ضد المحافظ العقاري بسبب الشطط في استعمال السلطة.
ب-الطعن في قرار المحافظ بالتشطيب على حق عيني أو رفضه
لقد جاءت مقتضيات القانون 14.07 بأحكام خاصة تتعلق بانقضاء الحق المقيد، التي مكنت المحافظ العقاري من إمكانية التشطيب عليه، بمقتضى الفصول 96/95/94/93/91 من ظهير التحفيظ العقاري. وحتى لا يتم التعسف في استعمال هذا الحق حدد له المشرع الأسباب و الطرق التي يجب اتخاذها، في الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري[16]، فإذا ما قرر المحافظ رفض طلب التشطيب لسبب ما، فإنه يكون مطالبا بتعليل قرار رفضه، حيت يمكن لكل من يهمه الأمر أن يطعن فيه أمام المحكمة الابتدائية و ذلك داخل أجل شهر من تاريخ تبليغه عملا بمقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري والفصل 10 من القرار الوزاري المشار إليه أعلاه. و
هذا ما أكده القضاء من خلال العديد من الأحكام منها الحكم الصادر بتاريخ 22 يناير 1998 عن المحكمة الإدارية بالرباط و التي جاء فيه ما يلي "التشطيب على التقييد ليس من اختصاص المحاكم الإدارية..."[17]. ونفس الأمر تم تأكيده في قرار لمحكمة النقض مؤرخ في 30 يونيو2004 و الذي جاء فيه ما يلي "تختص المحكمة الابتدائية وحدها في النظر في رفض المحافظ على الأملاك العقارية تقييد حق عيني أو التشطيب علية".[18] و منه فقرار المحافظ لا يتمثل دائما في رفض طلب تقييد حق بل يمكن أن يكون في شكل رفض التشطيب على حق مقيد، وفي كلتا الحالتين يحق للمعني بالأمر الطعن في هذه القرارات بواسطة مقال كتابي يوجه إلى كتابة الضبط المحكمة الابتدائية يبين فيه طالبه بكيفية مختصرة وقائع النزاع و الأسباب المستند عليها قصد مراجعة القرار المطعون فيه. ويجب أن يتم الطعن في قرار المحافظ خلال أجل شهر واحد من تبليغ القرار.[19] و يجب أن يكون الطعن موجها مباشرة ضد المحافظ دون غيره و دون إدخال أي طرف آخر و إلا سيكون مرفوضا.
وإذا كان الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تغييره أصبح لا يحصر موضوع قرار الرفض، فإن التساؤل نطرحه بشأن القرارات الإيجابية التي يتخذها المحافظ في الموضوع، فقرارات التشطيب قد تحدث ضررا من حق المتضرر الطعن فيها، فما هي الجهة المختصة للبت في الطعون الموجهة ضدها؟
مبدئيا المحافظ العقاري لا يقوم بإجراء التشطيب إلا في إطار الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري و الإحالة المتعلقة بالتقييد الاحتياطي. و بالتالي فقرار التشطيب يجب أن يكون وفق ما نص عليه القانون. لكن قد يسبب قرار المحافظ ضررا لأحد الأطراف المقيدة بالرسم العقاري أو لكل ذي مصلحة له ارتباط أو علاقة بالرسم العقاري، مما يعطي إمكانية الطعن فيقرار المحافظ أمام القضاء الإداري، لغياب مقتضيات تخول القضاء العادي النظر فيه.
وفي تصورنا نرى أن قرار المحافظ القاضي بالتشطيب يجب أن يخضع للرقابة أمام القضاء الإداري عكس رفض التشطيب الذي يعود الاختصاص للطعن فيه أمام المحاكم العادية بموجب الفصل 96.
وخلاصة النقاش، يجب عدم الخلط بين القرار السلبي للمحافظ و المتمثل في رفض التشطيب الخاضع لمقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري و الذي يخول الاختصاص الطعن فيه للقضاء العادي، و بين القرار الإيجابي ألا و هو قرار التشطيب الذي لم ينضم ظهير التحفيظ العقاري إمكانية الطعن فيه، ويخول سكوته هذا لكل المتضرر منه اللجوء إلى القضاء الإداري للمطالبة بإلغائه.
ثانيا- قرار المحافظ برفض تصحيح الأخطاء المادية .
معلوم أن للرسم العقاري أهمية بالغة في إثبات الحقوق المحفظة، وهو الوسيلة الوحيدة المقبولة للاحتجاج بهذه الحقوق على الأغيار، و لا يمكن الاحتجاج إلا بالحقوق الواردة في الرسم العقاري، ووفقا للبيانات الواردة في الرسم العقاري. غير أن تسرب الأخطاء المادية إلى الرسم العقاري أمر وارد لا محالة، ككتابة أسماء أصحاب الحقوق بشكل معيب أو الخطأ في مساحة أو معالم العقار...، لذلك تدخل المشرع المغربي لوضع مسطرة لتصحيح هذه الأخطاء المادية، بموجب القرار الوزاري المؤرخ في 3 يونيو 1915 حيث خصص لمسألة تصحيح الأخطاء المادية والإغفالات، الباب الخامس من هذا القرار الوزاري أي المواد من 29 إلى 31، حيث نصت على أن تصحيح المخالفات والإغفالات والأغلاط في الرسم العقاري، إما تتم بمبادرة من المحافظ العقاري بنفسه أو بمبادرة من أصحاب الحقوق.[20]
غير أن تصحيح هذه الأغلاط يكون تحت مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية، وعليه فأن للمحافظ كامل الصلاحية في رفض إجراء أي تصحيح، إذا لم يقتنع بجدية أو صحة الطلب المقدم إليه.
وقرار المحافظ هذا جعله الفصل 30 من المرسوم المذكور قابل للطعن حيث جاء فيه: "إذا رفض المحافظ القيام بالتصحيحات المطالب بها، أو لم يقبل الأطراف بالتصحيحات المنجزة فإن المحكمة تبت في الأمر بحكم تصدره بغرفة المشورة ".
الملاحظ في هذا الفصل أنه لا يسعف في تحديد الجهة التي يعود إليها الاختصاص خاصة مع إحداث المحاكم الإدارية بموجب القانون رقم 90/[21]41، غير أنه انطلاقا من كلمة غرفة المشورة و من السياق الزمني الذي وضع فيه هذا القرار الوزاري يمكن القول أن الاختصاص ينعقد للقضاء العادي مادام أن المحاكم الإدارية بالمغرب لا تتألف، و لا تتوفر على غرفة المشورة حسب المادة الثانية من القانون 90/41، التي جاء فيها تتكون المحكمة الإدارية من:
- رئيس المحكمة
- كتاب الضبط
و يجوز تقسيم المحاكم الإدارية إلى عدة أقسام بحسب أنواع القضايا المعروضة عليها.
غير أن بعض الفقه اعتبر أن هذه المسطرة قد تم إلغاؤها بشكل ضمني لفائدة مسطرة الإلغاء، و إن كان القضاء المغربي لا يزال متشبث بهذه المسطرة حيث جاء في قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 739 الصادر بتاريخ 19شتنبر 2015 في ملف إداري[22] :" ...إن الفصل 30 من القرار الوزاري أعلاه أناط بالمحكمة العادية النظر في مسألة امتناع المحافظ عن مباشرة الإصلاحات المطلوبة، و هو نص تطبيقي يكشف عن إرادة المشرع إسناد الاختصاصالنوعي للمحاكم العادية بالنظر في النزاعات المتعلقة بتصحيح الغلط أو السهو أو الخلل في الرسم العقاري في إطار الفصل 29 من نفس القرار. وليس في قانون المحاكم الإدارية ولا في غيره ما يصح القول بأن هذه المسطرة ثم إلغائها للفائدة مسطرة الإلغاء... يبقى ما أثير بأسباب الاستئناف بدون أساس قانوني".
ثالثا- قرارات المحافظ برفض تعويض نظير الرسم العقاري أو الشهادة الخاصة في حالة خاصة.
عندما يصدر المحافظ على الأملاك العقارية قرار بتحفيظ عقار فإنه إلى جانب ذلك السند الذي يعرف بهوية العقار المحافظ، يتم تحرير نظير لهذا الرسم العقاري يحتوي على جميع البيانات الموجودة في هذا الأخير.[23] و هذه النظائر الشهادات لا تسلمها المحافظات إلا مرة واحدة و لا تسلمها إلا لأشخاص محددين بالذات حسب الفصل [24]58 من القانون رقم 14.07.
غير أنه قد يحدث ما من شأنه أن يفقد الشخص هذه الوثيقة كتعرضها للتلف أو للسرقة أو الضياع، لذلك نص المشرع المغربي على إمكانية تعويض هذه الوثائق بنسخ تقوم مقامها ،يسلمها المحافظ العقاري بناء على طلب يقدمه المعني بالأمر، طبقا لفصل 101 من ظهير التحفيظ العقاري، و قد ترك المشرع المغربي للمحافظ على الأملاك العقارية السلطة التقديرية ،في تعويض هذه الوثائق بحسب اقتناعه بصحة تصريحات طالب النسخة.[25]
و لضمان عدم تعسف المحافظين و تشددهم في رفض طلبات تعويض الوثائق الضائعة ،أجاز المشرع المغربي أن تكون قرارات المحافظ العقارية قابلة للطعن، و هو ما يستفاد من الفصل 103من القانون المذكور سالفا، و الذي جاء فيه "إذا وقع تعرض على تسليم نظير جديد للرسم العقاري أو نسخة شهادة التقييد الخاصة المنصوص عليهما في الفصل 101 من هذا القانون، أو رأى المحافظ على الأملاك العقارية أنه لا داعي لتلبية الطلب المقدم إليه فيمكن للطالب أن يرفع الأمر إلى المحكمة الابتدائية التي تبت وفق الإجراءات المقررة في قانون المسطرة المدنية."
وهو ما استقر عليه القضاء المغربي، فكثيرة هي قرارات و أحكام المحاكم الإدارية التي دفعت بعدم الاختصاص في هذه الدعاوي:
كحكم المحكمة الإدارية بفاس عدد 16/94 بتاريخ 22شتنبر [26]1994 والذي قضت فيه المحكمة الإدارية بفاس بعدم الاختصاص طبقا للفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري الذي يسند الاختصاص صراحة إلى المحكمة الابتدائية .
وقد نظم المشرع مقتضيات خاصة بشهادات العقارية بمقتضى القرار الوزاري الصادر بتاريخ 3 يونيو 1915 و بإمكان كل شخص ضاعت منه هذه الشهادات أن يتقدم بطلب إلى المحافظ العقاري قصد استلام نسخة جديدة، كما هو الحال بالنسبة لنظير الرسم العقاري، و لذلك فإن المقتضيات المتعلقة باستجابة المحافظ و رفضه، هي نفسها المتعلقة بتسليم النظير العقاري ،حيث تعتبر نفسها المحكمة الابتدائية صاحبة الاختصاص للنظر في الدعوى الموجهة ضد قرار المحافظ في هذا الموضوع، وذلك عملا بمقتضيات الفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري.
والملاحظ أن مقتضيات الفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري، لا تنص صراحة على إمكانية استئناف الحكم الصادر أو الطعن فيه بالنقض، و سكوت الفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري، لا يفهم منه أن المحكمة تصدر حكما ابتدائيا و نهائيا في الموضوع، لأن الأمر لو كان ذلك، لنص المشرع عليه صراحة، ولذلك فإن إمكانية الاستئناف و النقض تبقى واردة ما لم يتمالتنصيص على هذا المنع قانونا. 

المطلب الثاني: الطعن أمام القضاء الإداري 

استهدف القانون 07.14 المتمم والمغير لظهير 9 رمضان إدخال تعديلات تروم الدفع بالعقار وجعله أكثر تباتاً واستقرارا وذلك ما ينعكس على التنمية والاستثمار بنتيجة إيجابية.
ومن بين التعديلات المدخلة بالقانون السالف الذكر، التغيير في موازن توزيع الاختصاص للنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات المحافظ حيث تم تحديد القرارات تقبل الطعن أمام المحكمة الابتدائية، وذلك في الفصل 96 و 37 وترك القرارات الأخرى من نصيب المحكمة الإدارية باعتبارها القضاء المتخصص في دعوى الإلغاء، إلا أن هذه التعديلات حملت بعض المستجدات التي تطرح السؤال عن دستوريتها خصوصاً مع زيادة بعض القرارات المحصنة من الطعن.
فقرارات المحافظ على الأملاك العقارية تعتبر قرارات إدارية بكل ما يحمل هذا المصطلح من معنى، كل ما هناك المشرع بعضها بمسطرة خاصة للطعن، وما عدا ذلك يبقى القضاء الإداري هو المختص فيه[27] وفيما يلي نستعرض لبعض تطبيقات القضاء الإداري للقرارات القابلة للطعن عن طريق دعوى الإلغاء.

الفقرة الأولى: قرارات رفض التعرض أو قبولها 

إن قرارات المحافظ جميعها أصبحت في مادة التعرضات تخضع لاختصاص المحاكم الإدارية حصراً سواء تعلق الأمر برفض تسجيل التعرض أو إلغائه، إلا أنه توجد قرارات تهم التعرض لا تقبل الطعن القضائي.
أولا: قرار رفض التعرض في مسطرة التحفيظ
لقد أعطى المشرع الحق لكل من لديه حق أو ادعاء يتعلق بالعقار الذي وضع بشأنه التحفيظ أن يتعرض للمطالبة بحقوقه، والذي حدد الحالات التي يمكن فيها التعرض وذلك في حالة المنازعة في وجود حق الملكية أو في مداه أو حدود العقار، وكذلك عندما يكون الشخص لديه حق عيني متعلق بالعقار المراد تحفيظه أو في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقاُ للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري .
وقد حدد المشرع طريقة تقديم التعرض في الفصل 25 من التحفيظ العقاري، والذي يجب أن يتضمن البيانات والشروط التي حددها المشرع في الفصل السالف الذكر، ويعمل المحافظ على تضمين التعرضات بسجل التعرضات[28] وبخصوص أجل تقديم التعرضات فهو يبدأ من تاريخ تقديم مطلب التحفيظ إلى غاية شهرين ابتداء من الإعلان عن انتهاء التحديد، ويتم وفق التعرضات التي تقدم خارج الأجل المحدد باستثناء ما هو محدد في الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري وبالتالي فالتعرض يكن مرفوع خارج الأجل المحدد وهذه السلطة أي سلطة البت في التعرض تبقى من اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية، وليست للمحكمة سلطة قبول التعرضات أو عدم قبولها حسب تقديمها داخل الأجل القانوني أو خارجه يدخل في اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية الذي يتولى تلقي هذه التعرضات وتهيئتها قبل إحالة الملف على المحكمة المختصة، وبالتالي فإن اختصاص المحكمة يبقى محصور بالبت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعة ومشتملاته ونطاقه[29] ويبقى الاختصاص للبت في الطعن في قرار المحافظ على الأملاك العقارية في إطار التعرض من نصيب المحكمة الإدارية بصفة مطلقة بعد أن تشاركها فيه المحكمة الابتدائية.
ثانيا: قرار رفض التعرض غير "القابل للطعن القضائي"
خص المشرع لمسطرة التحفيظ مجموعة من الآليات الإشهارية التي ينبغي من ورائها
إعلام جميع أو كل من له حق متعلق بالعقار المراد تحفيظه لكي يتقدم بتعرض من أجل الحفاظ على حقه، ولكن هذه الإمكانية فتح لها أجل محدد ،يجب أن يمارس فيها التعرض، وإلا سقط الحق في ذلك، والتي تحدد من فترة تقديم مطلب التحفيظ إلى غاية شهرين بعد نشر الإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية، غير أنه حدد أجل استثنائياً طبقاً للفصل 29 من نفس الظهير ،سمح فيه بتقديم التعرض رغم فوات الأجل القانوني لكنه ربطه بشرط عدم توجيه المحافظ الملف للمحكمة الابتدائية.
وحصر المشرع الجهات التي لها التعرض الاستثنائي في المحافظ على الأملاك العقارية ،ويلاحظ أنه تم تقليص هذه الجهات بصدور قانون 14.07 المتمم والمغير لظهير. التحفيظ العقاري، مما يؤثر سلباً على مبدأ الأمن العقاري وبالتالي على الأمن القانوني ككل  وصدر في هذا الإطار قرار لمحكمة النقض جاء فيه: أن المحكمة الابتدائية المؤيد حكمها بالقرار المطعون فيه لاحظت وهي تنظر في التعرض المحال عليها بعد فتح أجل جديد له من طرف المحافظ في إطار الفصل 29 لاحظت أن هذا النص إنما يخول للمحافظ فتح أجل جديد للتعرض من طرف المحافظ وقع بعد إحالة الملف على المحكمة وخروجه من يده وانتهاء المرحلة القضائية وإعادته إليه لاتخاذ ما يراه في شأن طلب التحفيظ[30].
ويجب أن يقدم المتعرض داخل الأجل الاستثنائي الوثائق المبنية للأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل وكذلك العقود المرافقة أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية .
وبالعودة للفقرة الأخيرة من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري يلاحظ أن المشرع جعل قرار رفض التعرض الاستثنائي غير قابل للطعن القضائي.
فهل يقصد المشرع فقط المنع من الطعن أمام المحاكم الابتدائية أم التحصين من الطعن نهائيا ؟
أن القاعدة العامة والمستقر عليها فقهاً وقضاء هي عدم تحصين أي قرار إداري من الطعن القضائي، واذا كان المشرع يقصد التحصين بصفة مطلقة فهذا يتعارض مع أسمى قانون في البلاد والذي أقر في مادته 118 حق التقاضي وجعله حقاً دستورياً ، ونحن نعلم قيمة القواعد الدستورية حيث تلزم باقي القواعد الأخرى الأقل درجة منها في إطار احترام مبدأ هرمية القواعد القانونية[31] وكذلك يأتي هذا المقتضى مخالفاً لما نصت عليه نفس المادة من الدستور، والتي اعتبرت جميع القرارات الإدارية سواء الفردية منها أو التنظيمية قابلة للطعن فيها أمام الهيئة القضائية المختصة.
وجاء في حكم المحكمة الإدارية بأكادير صادر بتاريخ 20/07/1995، "تعتبر دعوى الإلغاء بمثابة دعوى القانون العام لإلغاء القرارات الإدارية عموماً، أي يمكن أن توجه ضد أي قرار إداري دونما حاجة إلى نص قانوني صريح، وحيث إنه لا يقبل وفقاً لروح قانون 90.41 تحصين أي قرار من مراقبة قاضي المشروعية وحرمان المواطن في دولة الحق والقانون ضماناً لحقوقه وحرياته من مراقبة أعمال الإدارة عن طريق دعوى الإلغاء التي تمارسها هيئة مستقلة عن الإدارة وتتكون من قضاء تابعين للسلطة القضائية ولا يخضعون للتسلسل الرئاسي أو لأي نوع من الوصاية، ويستعملون اختصاصاتهم من أجل حماية المواطن والإدارة مع اً".[32]
ومن هنا يمكن القول أن الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري غير دستورية وبالتالي يمتنع على المحاكم الإدارية تطبيقها، واعتبار المنع المقصود ينصرف للقضاء العادي فقط[33].
وقد كانت المحاكم الإدارية بالمرصاد ضد هذا التحصين الغير دستوري كما يبدو حسب مقتضيات الدستور الجديد، حيث صدرت أحكام ترفض تحصين القرارات الإدارية من الطعن بالإلغاء من بينها المحكمة الإدارية بالرباط في حكم أصدره بتاريخ 21 مارس [34]2013، يقضي بأن حضر الطعن في قرار رفض التعرض يضل قاصرا في جميع الأحوال على الطعن العادي أمام المحاكم العادية ولا يشمل الطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري الغير قابل للتحصين مطلقاً طبقاً للفصل 118 من الدستور .
ثالثا: قرار إلغاء التعرض
منح المشرع الحق لكل من يدعي حقاً على عقار قدم بشأنه مطلب تحفيظ، أن يتقدم بتعرضه للمحافظة على حقوقه، لكي لا تشملها قاعدة التطهير، ويجب أن يكون هذا التعرض مدعماً بالحجج والمستندات التي تقويه وتدعمه وتجعله جدياً، وكذلك أداء الرسوم القضائية، التي تترتب عليه حقوق المرافعة، ويجب أن يقوم بذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض وإلا اتخذ المحافظ على الأملاك العقارية قرارا بالإلغاء حسب ما تم ،التنصيص عليه في الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 32 في صيغته المنسوخة كان يعطي الاختصاص للمحكمة الابتدائية بالنظر في قرارات رفض التعرض أو إلغائه بسبب عدم تقديم المتعرضين للوثائق أو عدم كفاية الرسوم ، والرفض لغير هذه الأسباب كان يخضع للطعن أمام المحكمة الإدارية، لكن هذا التمييز لم يحافظ عليه المشرع الجديد مما جعل الاختصاص يرجع فيما يخص القرارات الصادرة في التعرض خاضع للمحكمة الإدارية المطلقة.

الفقرة الثانية: القرارات الإيجابية المتعلقة بالتشطيب 

تشمل القرارات الإيجابية الصادرة عن المحافظ على الأملاك العقارية والمتعلقة بالتشطيب كل من التشطيب على حق عيني ثم التقييد الاحتياطي.
أولا: قرار التشطيب على حق عيني
بالرجوع للفصل 6 من ظهير التحفيظ العقاري، نجده حصر الطعن أمام المحاكم الابتدائية ،في القرارات التي يرفض فيها المحافظ على الأملاك العقارية تقييد حق عيني أو التشطيب عليه، وبالتالي فما عدا هذه القرارات التي لا تختص فيها المحاكم المذكورة، بل يرجع أمر البت فيه للمحاكم الإدارية، باعتبارها صاحبة الولاية في دعوى الإلغاء الموجهة ضمن القرارات الإدارية، وذلك حسب قانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية، حيث يمكن لكل طرف في مواجهة قرار بالتشطيب على حقه العيني، وإذا كان متأكد من صحة حقه أن يطعن في ذلك القرار أمام المحكمة الإدارية المختصة بموجب المادة 8 من قانون إحداثها.
وهكذا جاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 03/12/1998، "التشطيب على حق عيني مسجل بالرسم العقاري يعتبر قراراً إدارياً يطعن فيه أمام المحكمة الإدارية المختصة".[35]
ثانيا: قرار التشطيب على التقييد الاحتياطي
أعطى المشرع الحق لكل شخص يدعي حقاً على عقار محفظ أن يطلب تقييده احتياطياً، في حالة ما إذا تعذر على صاحبه تقييده نهائياً، وذلك من أجل الحفاظ على المؤقت على رتبة حقه في الزمن إلى حين استكمال الشروط القانونية من أجل التقييد التلقائي، وقد حدد المشرع الحالات التي تجيز التقييد الاحتياطي بناء على :
• سند يثبت حق على عقار ويتعذر )على المحافظ تقييده على حاله.(
• أمر قضائي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار في دائرة نفوذها.
• نسخة من مقال دعوى في الموضوع مرفوعة أمام القضاء.
أيضاً هناك بعض الحالات الخاصة التي تجيز التقييد الاحتياطي نظرا لوجود مصلحة معينة، رأى المشرع حاجتها إلى الحماية.[36]
ويدخل قرار التشطيب على التقييد الاحتياطي، ضمن القرارات الإدارية التي تخضع لمراقبة القضاء الإداري.[37]
فالمحافظ لا يحق له التشطيب على التقييد الاحتياطي المبني على تقديم نسخة مقال افتتاحي لدعوى تتعلق بالاستحقاق وبطلان التحفيظ وذلك قبل صدور حكم نهائي في الدعوى المعروضة.

الفقرة الثالثة: قرار رفض إرجاع نظير الرسم العقاري وقرار رفض تغيير اسم العقار المحافظ 

أولا: قرار رفع إرجاع نظير الرسم العقاري رغم انتهاء التقييدات
بعد انتهاء التقييدات يقوم المحافظ بإرجاع نظير الرسم العقار لصاحبه، وامتناع المحافظ عن ذلك يجعل قراره مشوباً بشطط في استعمال السلطة، يجوز الطعن فيه بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية، وهذا ما جاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 06/04/1995 إن امتناع المحافظ من إرجاع رسم عقاري لأصحابه رغم انتهاء التسجيلات التي كانت سبب وضع الرسم العقاري لدى المحافظ هو قرار إداري يتسم بالشطط في استعمال السلطة وقابل للطعن بالإلغاء لعدم وجود دعوى موازية أمام القضاء الشامل[38].
وتجدر الإشارة إن هذه الحالة تتعلق فقط برفض المحافظ إرجاع نظير الرسم العقاري، أما الرفض الذي يكون مصدره الأطراف فيجب الرجوع بخصوصه إلى الفصل 89 من ظهير التحفيظ العقاري والذي نظم هذه الحالة)حالة رفض الإدلاء بنظير الرسم العقاري)، وبالتالي ففي حالة عدم الإدلاء بالنظير رفقة الطلب وكان يتعلق بحق يقتضي إنشاؤه موافقة المالك والحائز لنظير الرسم العقاري، فهنا يجب على المحافظ أن يمتنع عن تقييد الحق موضوع الطلب إلى أن يتم الإدلاء بالنظير .
أما في الحالات الأخرى فالمحافظ ينجز التقييد ويبلغه للحائز مع إنذاره بتقديم النظير داخل أجل 20 يوماً.
ويمكن للمحافظ أن ينجز المطابقة كلما أتيحت له الفرصة في ذلك، وإذا لم يقم الحائز للنظير بإيداعه داخل الأجل الذي حدده المحافظ في الإنذار، يبقى هذا النظير بدون قيمة إلى أن يتم المطابقة بينه وبين الرسم العقاري، ويعمل المحافظ على إبلاغ العموم بهذه الوضعية عن طريق إعلان مختصر يغلق في المحافظة العقارية وبكل الوسائل المتاحة.
ويبقى للأطراف المعنية بالتقييد، الحق في اللجوء إلى المحكمة الابتدائية من أجل الحكم بإيداع النظير بالمحافظة العقارية.
ثانيا: قرار رفض تغيير اسم العقار المحفظ
بالرجوع للفصل 52 مكرر من ظهير التحفيظ العقاري، نجده يجيز لمالك العقار أن يتقد بطلب لتغيير اسم العقار المحفظ والذي جاء فيه "يمكن للمالك المقيد تغيير اسم العقار المحفظ وفي حالة الشياع تكون الموافقة الصريحة لكافة الشركاء المقيدين ضرورية.
ينشر الطلب بالجريدة الرسمية ويقيد في سجل الإيداع بعد انصرام خمسة عشر يوم اً، من تاريخ هذا النشر ويضمن الاسم الجديد بالرسم العقاري وبنظيره، ويشار إليه لاحقاً في التقييدات والوثائق."
وبالتالي فما يستكشف من هذا الفصل أن المشرع أعطى الحرية لمالك العقار لكي يتقدم بطلب لتعيير اسم عقاره دون أن يربط ذلك بشرط معين، وتعتبر هذه النقطة الأخيرة من بين المستجدات التي جاء القانون 14.07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري، ولذلك فرفض المحافظ على الأملاك العقارية تغيير اسم العقار بعد الانحراف في السلطة، وبالتالي يجوز للمعني بالأمر الطعن في قرار المحافظ أمام المحكمة الإدارية، لأن الانحراف في السلطة[39] يشكل أحد الأسباب التي يمكن لطالب الطعن أن يؤسس عليه طلبه الرامي إلى إلغاء قرار المحافظ المتعلق برفض تغيير اسم العقار.

الفقرة الرابعة: رفض تنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به ورفض إحالة مطلب التحفيظ على المحكمة 

أولا: رفض تنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء
يقصد بالأحكام هي تلك القرارات الصادرة من المحاكم المشكلة تشكيلا قانونياً في النزاعات التي تطرح عليها. والأحكام التي يجب تسجيلها هي الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقتضى به، أي تلك الأحكام النهائية التي أصبحت لا تقبل أي طريق من طرق الطعن المادية وهي الاستئناف و التعرض ، ويستوي في ذلك أن يكون الحكم نهائياً لصدوره في مرحلة الاستئناف، أو بفوات ميعاد الطعن فيه بهذا الطريق دون أن يطعن فيه في المرحلة الابتدائية42.
وينص الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري 14.07 " يجب أن تشهر بواسطة التقييد في الرسم العقاري، جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أم بعوض، وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به".
كذلك الفصل 65 مكرر" يحدد أجل إنجاز التقييد المنصوص عليه في الفصل 65 في ثالث أشهر ويسري هذا الأجل بالنسبة للقرارات القضائية ابتداء من تاريخ حيازتها لقوة الشيء المقضي به".
ويتبين من ذلك أن الأحكام التي تكون صادرة عن المحاكم واكتسبت قوة الشيء المقضي به، تفرض على المحافظ أن يقوم بتقييد تلك الحقوق التي تم اكتسابها عن طريق ذلك الحكم.
المحدث بموجبه المحاكم الإدارية والتي تتجلى في كل من العيب في الشكل أو الانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو مخالفة القانون فهذه كلها أسباب تجيز طلب الطعن بالإلغاء.
وهذا ما قررته المحاكم الإدارية في بعض قراراتها.
وقد استقر اجتهاد الغرفة الإدارية بمحكمة النقض على أنه "يعتبر شططاً في استعمال السلطة امتناع المحافظ العقاري عن تقييد حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به."
وحيث أنه من المستقر عليه فقهاً وقضاء أن الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به هي الأحكام التي لا تقبل التعرض لا الاستئناف، أي التي لا تقبل طريق من طرق الطعن، لا ينزع هذه الأحكام صفة الإنتهائية وقوة الشيء المقضي به.
وحيث أنه بالنسبة للفصل 361 من قانون المسطرة المدنية فإنه وكما استقر اجتهاد محكمة النقض الغرفة الإدارية في عدة قرارات فإن المقصود بعبارة التحفيظ العقاري مجموع الإجراءات المتعلقة بإنشاء رسم عقاري لا يزال في طور التحفيظ.
أما العقارات المحفظة فلها نظام خاص يتبع من الرسوم العقارية ولذلك فإنه لا تدخل ضمن مقتضيات المصطلح المذكور مما يكون معه قرار المحافظ القاضي برفض تقييد الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي به المستدل بالشطط في استعمال السلطة.[40]
ويتبين من ذلك أنه المحافظ الذي يرفض تقييد الحكم النهائي في مادة التقييد الحائز لقوة
الشيء المقضي به صدر في محكمة الاستئناف ولو مع صيرورته قابلا للطعن بالنقض، يعتبر مشتطاً في استعمال سلطته ، وقراره مشوب بعيب مخالفة القانون واجب الإلغاء، لأن الطعن بالنقض يوقف التنفيذ في قضايا التحفيظ العقاري باعتبارها مجموع الإجراءات المتعلقة بإنشاء عقاري لا يزال في طور التنفيذ.
إن جميع قرارات المحافظ ذات الصلة برفض تنفيذ حكم قضائي راجعة لاختصاص المحاكم الإدارية كيفما كان سببها سواء تعلق بالتقييد أو التشطيب.
ثانيا: رفض إحالة مطلب التحفيظ على المحكمة
إن مسطرة التحفيظ من بدايتها تعتبر في الأصل مسطرة إدارية إلا أنه قد تتخللها المر حلة القضائية في حالة وجود تعرضات على مطلب التحفيظ ،وأن عدم التوصل إلى صلح يرضي الأطراف أو عدم رفع التعرض أو قبوله من طرف طالب التحفيظ يفيد تشبت كل طرف بمطالبه ويقتضي الأمر إحالة ملف التحفيظ على المحكمة المختصة للبت فيه.و
بالتالي فذلك يفرض على المحافظ إحالة المطلب على المحكمة المختصة، وإذا رفض ذلك فقراره هذا يكون معرضاً للطعن أمام القضاء الإداري وهذا ما درج عليه القضاء الإداري حيث جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 23 مارس 2000 "أن قرار المحافظ على الأملاك الرافض لطلب إحالة ملفي مطلبي التحفيظ على المحكمة المختصة للبت فيه على اعتبار أن مطلب التحفيظ الثاني هو بمثابة التعرض على المطلب الأول يعتبر قراراً إدارياً قابلا للطعن فيه عن طريق دعوى الإلغاء أما المحكمة الإدارية"[41].

الفقرة الخامسة: قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري بين القابلية للطعن وغير القابلية 

للطعن
إن ما تعلق بقرار المحافظ بخصوص تحفيظ العقار وإنشاء الرسم العقاري هناك من ينادي بعدم قابلية الطعن وذلك استنادا إلى مقتضيات الدستور، وبين من ينادي بعدم قابلية الطعن وذلك وفق الفصل 62 من قانون التحفيظ العقاري.
أولا: قابلية قرار المحافظ بخصوص تحفيظ نشاء الرسم العقاري للطعن
لقد استند مؤيدو هذا الإتجاه إلى مقتضيات الفصل 118 من دستور 2011 بأن "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون.
كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان إدارياً أو فردياً يمكن الطعن فيه أمام الهئية القضائية المختصة".
ويستنتج من هذا النص أن جميع القرارات التي تكون إدارية وصادرة عن مؤسسة إدارية تكون قابلة للطعن أمام الهيئة القضائية ولا يمكن له الإفلات من الرقابة، وهذا ما ينطبق على
قرارات المحافظ فهي وفق القواعد الدستورية تكون قابلة للطعن حتى ولو كانت محصنة بنص تشريعي[42]، ويدعمون بمجموعة من القرارات التي صدرت بهذا الشأن.
وفي هذا الإطار أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكماً يحمل رقم 1027/97 في الملف الإداري رقم 10/97 قضت فيه باختصاصها للنظر في القرار الصادر عن السيد المحافظ على الأملاك العقارية عن انتهاء التحديد لتأسيسه على إجراء باطل وبإلغائه، رغم انتهاء الرسم العقاري المبني على هذا القرار، وقد تم تأييد هذا الحكم بمقتضى قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تحت رقم 736 بتاريخ 16/07/1998 في الملف الإداري عدد 44و15/01/[43]1998.
ثانيا: قابلية التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري للطعن
ويعتبر هذا الطعن هو الراجح ويستندون في ذلك على مقتضيات الفصل 62 من قانون 14.07 الذي ينص على أن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المتربة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.
إن قرار المحافظ بشأن تحفيظ العقار وتأسيس الرسم العقاري يعتبر من أخطر القرارات التي يتخذها المحافظ وذلك بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به، وهو قرار نهائي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن[44] .
أما إذا وقع ضرر بالغير جراء قرار التحفيظ، فإنه حسب الفصل 64 من قانون 14.07 لا يمكنه المطالبة باستحقاق العقار عيناً وإنما يبقى له الحق في التعويض فقط إذا كان يختل عملية التحفيظ تدليس.
وقد كرس الاجتهاد القضائي هذا المبدأ النهائي وعدم القابلية للطعن من خلال عدة قرارات صدرت .
كما في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 01/04/1998 لا يمكن قانوناً التشطيب على الرسم العقاري وإعادة إجراء مسطرة التحفيظ لأن رسم الملك الناتج عن التحفيظ له صفة نهائية ولا يقبل الطعن ولا الإلغاء ولو في حالة التدليس طبقاً لما هو منصوص عليه بالفصل 64 من قانون التحفيظ[45] .
وعن قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى سابقاً القرار الصادر بتاريخ 21 أبريل 1972 في الملف الإداري رقم 18271 الذي جاء فيه" أن إقامة الرسم العقاري له صفة نهائية ولا يقبل الطعن ويحسم كل نزاع بالعقار"[46].
ومن خلال ما سبق يتبين أن الرأي الثاني هو السائد لأنه يؤدي إلى حماية الملكية ويحافظ على القاعدة التي يؤسسها التحفيظ وهي قاعدة التطهير.

الفقرة السادسة: الطعن في قرار التحديد الإداري والطعن في المسؤولية المرفق عن الأضرار الناتجة عن عملية التسجيل 

أولا: الطعن في قرار التحديد الإداري
تعتبر عملية التحديد من أهم مراحل التحفيظ، بل وأخطرها أحياناً لأنها هي المنطلق الذي يثبت حالة العقار مادياً وقانونياً. ذا كان هذا التحديد يهدف إلى تحديد العقار من الناحية المادية والقانونية فإنه يهدف أيضاً إلى ربط العقار موضوع التحديد من الناحية الهندسية بالخريطة العامة للمنطقة[47]، وأن هذه العملية رغم ما يمكنه أن تساهم به من إعطاء قيمة للعقار وتحديده
يمكن أن يلحقها خلل أو عيب قد يسبب ضرارً إما لطالب التحفيظ أو أحد المتعرضين أو للغير، فهي بالتالي تكون محل للطعن أمام القضاء الإداري من قبل المتضررين .
وقد صدرت عدة قرارات قضائية بهذا الشأن نذكر منها القرار الصادر على المجلس الأعلى حين حمل المسؤولية للمحافظ في عدم احترام الإجراءات المقررة لإنجاز عملية التحديد ورد فيه ما يلي:" إذا كان المشرع لم ينظم طريقة الطعن في مقرر الإعلان عن انتهاء التحديد لفسح المجال أمام الشروع في المرحلة الإدارية اللاحقة، فإنه اختصاص المحافظ على الملكية العقارية وبالتالي فإنه قرار إداري يكون قابلا للطعن بالإلغاء، وأن المحكمة الإدارية كانت مختصة للنظر في طلب إلغائه، وأنه يمكن الطعن في جميع الإجراءات المتخذة عن طريق المحافظ والسابقة على إنشاء الرسم العقاري ما دام من شأنها أن تؤثر على مركز الطاعنين"[48].
وهناك أيضاً حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط 16/01/2007 والذي استجابت فيه لطلب إلغاء قرار المحافظ العقاري القاضي برفض إلغاء عملية التحديد المؤقت التي تمت في غيبة المتعرض الطاعن لعدم استدعاءه رغم إعلان تعرضه على مطلب التحفيظ مما يعد خرقاً لمقتضيات الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري.
ثانيا: مسؤولية المرفق عن الأضرار الناتجة عن عملية التسجيل أو التشطيب
إن جميع القرارات التي تكون صادرة عن المحافظ في إطار أدائه لمهام إدارية بخصوص ما يتعلق بالتقييد أو التسجيل يمكن أن تتسبب في أضرار إما لطالب التقييد أو صاحب الرسم العقاري وذلك إما ناتج عن تطبيق المقتضيات القانونية أو من خطأ أو تدليس، ونتيجة لهذا الضرر الذي يلحق بالأفراد يتسبب إحداث خلل في حقوق الأفراد ولمعالجة الأمر يسمح الأفراد بالمطالبة بالتعويض الذي أصابهم نتيجة ذلك التقييد أو التشطيب.
والسؤال المطروح في هذه الحالة من هي الجهة القضائية المختصة للبت في القضايا المتعلقة بطلب التعويض بخصوص مسؤولية الدولة في تلك التقييدات أو التشطيبات؟
إن هذا الإشكال قد حسمت فيه المحكمة، وذلك بمنح الاختصاص للمحكمة الابتدائية للنظر في دعاوى المسؤولية الشخصية عموماً والمسؤولية الشخصية للمحافظ على وجه الخصوص، فقد جاء في قرارها وهي بصدد تحديد جهة الاختصاص للنظر في قضايا المسؤولية الشخصية ،حيث أن دعوى التعويض المقامة حالياً مبنية على المسؤولية الشخصية للمحافظ مما تكون معه المحكمة الابتدائية المختصة للنظر في الطلب وليست المحكمة الإدارية التي يضل اختصاصها محصورا في المنازعات المتعلقة بالمسؤولية الإدارية الناتجة عن الأضرار الحاصلة بسبب أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام طبقاً لمقتضيات الفصل 8 من قانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية.[49]
وكذلك هناك قرار صادر عن محكمة النقض بخصوص منح الاختصاص للمحاكم الإدارية بما يتعلق بالخطأ المصلحي بتاريخ 12/10/2005 والذي جاء في حيثياته حيث أن الدعوى الموجهة ضد الدولة والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية من أجل التعويض عن الضرر يتمسك المدعي بأنها نتجت عن خطأ مصلحي، كما أن المحافظ على الأملاك العقارية أشار لرفع
المسؤولية الشخصية أن رفضه إيداع العمليات الهندسية التي تهم الرسم العقاري المعني مبني على أساس قانوني.
وحيث أن الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود أي في نطاق المسؤولية عن اختصاص القضاء الإداري عملا بالمادة 8 القانون رقم 10.41 المحدث للمحاكم الإدارية ،فيكون الحكم المطعون فيه الذي انتهى إلى عكس ذلك قد خرق المادة 8 المذكورة[50].

خاتمة
في ظل السير البطيء لفض النزاعات الطارئة بشأن التحفيظ الذي يشكل عرقلة في حد ذاته أمام تطبيق نظام التحفيظ العقاري يتحتم تدخل المشرع من أجل خلق مسطرة ناجعة لفض المنازعات وذلك بالعمل على خلق محاكم عقارية تتوفر على قضاة متخصصين يتمتعون بالكفاءة القانونية في هذا المجال تكون مهمتها تصفية النزاعات وإخراجها من حالة الجمود الذي تتسم به والسهر باستمرار على تنفيذ المقتضيات القانونية المتعلقة بالتحفيظ العقاري.
_______________________
الهوامش : 
[1] - عبد العالي الدقوقي: "نظام التحفيظ العقاري بالمغرب بين النظرية والتطبيق-دراسة في الاجتهاد القضائي والاداري-"، مطبعة النجاح الجديدة ،2020، الدار البيضاء، ص: 9.
[2] - لظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 )12 أغسطس 1913( المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تعديله و تتميمه بالقانون رقم14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011).
[3] - ينص الفصل الأول من القانون رقم 58.00 المحدث للوكالة الوطنية للمحافظ العقارية والمسح العقاري بأن الوكالة مؤسسة
[4] - فوزية الغاشي: " قرارات المحافظ على الملكية العقارية بين إمكانية الطعن وحق التعويض"، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي بالرباط، السنة الجامعية :2010/2011، الصفحة.10.
[5] - عبد الخالق أحمدون: "نظام التحفيظ العقاري بالمغرب مقتضياته القانونية و إشكالاته الواقعية" طوب بريس، الرباط، الطبعة الثالثة،2007، ص:74.
[6] - محمد خيري: " العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري"، المساطر الإدارية و القضائي للتحفيظ، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2014، دار النشر المعرفة، ص.:06.
[7] - من المعلوم أن الفصل 38 من ظهير التحفيظ العقاري في صيغته القديمة و المنسوخة كان يشترط أن يكون رفض التحفيظ مبنيا على عدم كفاية الحجج و أما بمقتضى الحكم الصادر بشأن التعرضات، لا على أسباب أخرى و هو ما سبق أن ذهب إليه محكمة النقض في عدة قرارات منها قرار عدد1424 بتاريخ 09/10/1997 في الملف الإداري 1240/5/01/97 حينما اعتبر عدم تسجيل جزء من العقار المطلوب تحفيظه في إطار الفصل 31 من ظهير التحفيظ العقاري نظرا لخلوه من التعرضات قرارا إداريا يخضع لاختصاص المحاكم الإدارية.
[8] - حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 388 صادر بتاريخ 3/3/2005 في الملف عدد 262/7/04، غير منشور.
[9] - مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات محكمة النقض، إصدارات محكمة النقض 2009 ص.24.
[10] - المرزوقي بشرى:"الطعن في قرارات المحافظ بين اختصاص المحاكم العادية و المحاكم الإدارية"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية وجدة، السنة الجامعية 2013/2014، ص28.
[11] - نص الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه" يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها تقييد حق عيني أو التشطيب عليه أن يعلل قراره و تبليغه للمعني بالأمر.
يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحاكم الابتدائية التي تبت فيه مع الحق في الاستئناف. و تكون القرارات الإستئنافية قابلة للطعن بالنقض."
[12] - حسن مرشان "ملاحظات حول تطبيق قواعد الاختصاص النوعي"، مقال منشور بمجلة بمناسبة الندوة الجهوية الثالثة اختفاء بالذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى، مراكش 22/21 مارس 2007، ص:101.
[13] - القرار الصادر عن محكمة النقض رقم 244 بتاريخ 8 غشت1980 جاء فيه ما يلي "حيث أن اختصاص المحكمة الابتدائية المنصوص عليه في الفصل 96 ينحصر في حالتين: و هما حالة ما إذا كان رفض المحافظ مبررا لعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم، و لا ينطبق في باقي الأحوال حيث ينبغي الرجوع إلى القاعدة العامة المذكورة في الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية و هي اختصاص المجلس الأعلى". أشار إليه الأستاذة أمينة جبران في كتابها " الفضاء الإداري-دعوى القضاء الشامل"، مطبعة بيماك، ص.305.
[14] - المرزوقي بشرى، مرجع سابق، ص.29.
[15] - راجع حسن البكوري: " إشكالات قانونية في التبليغ من خلال العمل القضائي، جمع وعرض لأهم الأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الأولى، 2003، ص.59
[16] - ينص الفصل 91 من ظ.ت.ع على ما يلي:" مع مراعاة أحكام الفصل 86 أعلاه يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين، في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا الحق".
[17] - حكم المحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 22 يناير 1998، تحت رقم 99 و المنشور بمجلة الإشعاع العدد 17، ص203.
[18] - قرار محكمة النقض عدد 763 صدر بتاريخ 30 يونيو 2004 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية بالرباط و التنمية العدد 60 يناير- فبراير 2005،ص.292.
[19] - محمد خيري:" العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي" دار النشر المعرفة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة2018.ص:689.
[20] - فوزية الغاشي، م س.ص:40.
[21] - ظهير شريف رقم1.91.225 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 )10 سبتمبر 1993( بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بوجبه محاكم إدارية.
[22] - قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 739 الصادر بتاريخ 19 شتنبر2015 في ملف إداري عدد2372/4/1/2005 أورده محمد الهيني في مقال الطعن في قرارات المحافظ على ضوء العمل القضائي منشور بالموقع الالكتروني . http://www.abhtoo.net.ma
[23] - ادريس الفاخوري و دنيا مباركة:" نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم 14.07"، الطبعة الثانية، مطبعة الجسور، سنة 2013، ص: 19.
[24] - ينص الفصل 58" للمالك دون غيره الحق في أخذ نظير من الرسم العقاري و من التصميم الملحق به يشهد المحافظ على الأملاك العقارية بصحتهما ووضع خاتم المحافظة العقارية عليهما في حالة الشياع لا يسلم إلا نظير واحد للشريك المفوض له ذلك أما باقي أصحاب الحقوق العينية فيمكنهم الحصول علة شهادة خاصة بالتقييد".
[25] - إبراهيم داحا:" الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك العقارية "، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات العمومية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية بفاس السنة الجامعية 2014/2015، ص. 25.
[26] حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد 16/94 بتاريخ 22 شتنبر 1994، أورده ابراهيم داحا، م س، ص:25.
[27] - سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية ،الإصدار الثاني، أبريل 2818 ،الطبعة الأولى، 2010.
[28] -انظر الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري.
[29] -الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري.
[30] - مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات محكمة النقض، إصدارات محكمة النقض، 2009 ،ص 90،ورد في مستجدات التحفيظ العقاري، مرجع سابق، ص 97.
[31] - -سلسلة" الأنظمة والمنازعات العقارية"، منشورات مجلة الحقوق، ص 65.
[32] - -المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 27 ص 255 ورد في مستجدات التحفيظ العقاري، مرجع سابق ص 29.
[33] -نفس المرجع، ص 99.
[34] -صادر في الملف رقم 147/5/2010 غير منشور، ورد في سلسلة" الأنظمة والمنازعات العقارية"، مرجع سابق ،ص 66.
[35] - مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات محكمة النقض، إصدارات محكمة النقض 2009 ،ص 130، ورد في مستجدات التحفيظ العقاري مرجع سابق، ص 101.
[36] من هذه الحالات الخاصة مثلا: التقييد الاحتياطي للعقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز، التقييد الاحتياطي للرهن المؤجل.
[37] -مستجدات التحفيظ العقاري، مرجع سابق، ص 102-103 .
[38] - أمينة ناعمي، محمد الهيني ،"القواعد الموضوعية للرهن الرسمي الإجباري فقهاً وقضاء"، دار القلم الرباط، منشورات مركز قانون الالتزامات والعقود، كلية الحقوق بفاس، الطبعة الأولى، 2010، ورد في مستجدات التحفيظ العقاري مرجع سابق ص 104.
[39] نص المشرع على الحالات التي يؤسس عليها الطاعن طلبه بالإلغاء والتي جاءت حصراً وذلك في الفصل 20 من قانون 90.41
[40] - قرار عدد 28/06/2001 الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الجزء الثالث، ص 393.
[41] - حكم عدد 3 الدليل العلمي للاجتهاد في المادة الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية الجزء الثالث، رقم
16،مطبعة المعارف الجديدة الرباط الطبعة ،2004 ،ص 110.
[42] -عبد الرزاق عريش، مقال بمجلة الأملاك السنة 2012-2013، ص 95.
[43] - مقال للدكتور محمد النجاري رئيس المحكمة الإدارية بوجدة، حكم عدد 70، منشورات مجلة الحقوق المغربية، سلسلة العمل القضائي ، عدد 1 مارس 2009.
[44] - -محمد الهيني: "الطعن في قرارات المحافظ العقاري"، م.س، ص: 84.
[45] - -مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات محكمة النقض، إصدارات محكمة النقض 2009 ،ص 88.
[46] -قرار عدد 18271 صادر عن المجلس الأعلى سابقاً 27 أبريل 1972.
[47] - -محمد خيري ،م.س، ص 957.
[48] قرار عدد 736 من تاريخ 16/07/1998، ملف إداري رقم 44 ، ملف 98/1/5/50
[49] قرار عدد 1046 المؤرخ في 06/07/2008 ملف إداري عدد 527/4/1/100 منشور بمجلة المحاكم المغربية ،العدد 92 ، ص 128.
[50] -قرار عدد 724 المؤرخ في 12/10/2005 منشور بمجلة الأملاك ،مقال للأستاذ لمحمد الهيني.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -