تطور الرقابة على حرية الأسعار والمنافسة بالمغرب

عرض بعنوان: تطور الرقابة على حرية الأسعار والمنافسة بالمغرب  PDF

تطور الرقابة على حرية الأسعار والمنافسة بالمغرب  PDF

مقدمة :
تقوم التجارة في ظل الاقتصاديات الليبرالية على مبدأ حرية المنافسة, أي حق الدخول إلى السوق وممارسة حرية العرض دون ما قيود وهو ما يستوجب ضمان حق لكل مبادر اقتصادي في مزاولة العمل التجاري والصناعي وغيره من الأنشطة الاقتصادية بكل حرية ومزاحمة غيره على ا جتداب الزبائن ولو أدى ذلك إلى الأضرار بمنافسيه غير أنه يشترط لذلك أن تكون الوسائل المتبعة مشروعة ولا تتنافى مع النزاهة والشرف والعرف التجاري[1].
والسلطات العمومية المغربية اقتناعا منها بفعالية النموذج الاقتصادي الحر في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي, وقد عملت خلال عقد التسعينات ولازالت تعمل على بلورة سياسة اقتصادية تستهدف ضمان قيام منافسة حقيقية داخل الاقتصاد وذلك بقصد دفع المقاولة المغربية إلى تطوير نفسها لتكون قادرة على الاضطلاع بدورها الأساسي في تحقيق التنمية.
ومن هذا المنطلق ولما كان من شأن إقرار حرية المنافسة بدون ضوابط أن يؤدي إلى نتائج عكسية خاصة أن الممارسات تثبت أنه كثيرا ما يلجأ التجار إلى استعمال وسائل غير مشروعة لمنافسة منافسيهم في السوق أو الى نهج أساليب تستهدف تقديم المنافسة أو منعها, فقد كان من الضروري أن يتدخل المشرع لتنظيم المنافسة بتحديد ضوابطها[2].
وهذا الوضع كانت له انعكاسات واضحة في المغرب على الفكر القانوني الذي ترجم بتبني جملة من الأفكار والمبادئ التي تستجيب لما تشهده الساحة الوطنية من تحولات في البنية الاقتصادية والاجتماعية والتي صيغت فيما بعد في شكل قواعد قانونية[3] .
وفي هذا الإطار يأتي قانون حرية الأسعار والمنافسة104.12 كواحد من القوانين الذي يعكس تدخل السلطات في الميدان الاقتصادي, وهو ما يبرز على وجه الخصوص في تنظيم ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي والتي عرفت تطور كبير مابين قوانين حرية الأسعار والمنافسة المتعاقبة.
ومما سبق يظهر أن موضوع الرقابة على حرية الأسعار والمنافسة بالمغرب يحظى بأهمية مزدوجة, فبخصوص الأهمية النظرية فتتمثل في الاهتمام التشريعي والعلمي الأكاديمي بهذا الموضوع, أما فيما يتعلق بالأهمية العملية فتتجلى في أهمية تنظيم مراقبة حرية الأسعار والمنافسة على تحقيق التنمية الاقتصادية.
ومن خلال الأهمية أعلاه يصبح من المشروع طرح الأسئلة التالية:
✓ ما المقصود بالتركيز الاقتصادي ؟
✓ وماهي مجمل العمليات التي تدخل في نطاقه ؟
✓ وكيف تطورت مراقبة حرية الأسعار والمنافسة داخل التركيز الاقتصادي ؟
✓ وما هو دور كل من مجلس المنافسة والادارة في هذه المراقبة ؟
تقودنا هذه التساءلات نحو اشكالية محورية مفادها:
مدى نجاح المشرع المغرب ي من خلا ل تطوير ه لمجا ل الرقابة على حري ة الأسعار والمنافسة في تحقيق التنمية الاقتصادية.
وللاٍحاطة بمختلف جوانب هذا الموضوع سيتم الاجابة على هاته الإشكالية وفق التصميم التالي:

المطلب الأو ل: نطاق تطبيق الرقابة وموضوعها
المطلب الثاني: التطور الرقابي في ظل قوانين حرية الأسعار والمنافسة بالمغرب


المطلب الأول: نطاق تطبيق الرقابة على حرية الاسعار والمنافسة وموضوعها

نتساءل بداية عن الحاجة الى تنظيم حالات التركيز الاقتصادي في بلد كالمغرب, لايزال اقتصاده مكونا بنسبة 95 بالمئة من المقاولات الصغرى والمتوسطة وهي في عمومها مقاولات عائلية. هذا اضافة الى انه امام تدويل الاقتصاد وانفتاح السوق الوطني على العالمي, ويبدو لأول وهلة انه ينبغي الحث علىى تقوية بنيات المقاولات الوطنية الصغرى والمتوسطة منها عوض تنظيم ومراقبة تنظيم تمركزها.[4]
الا ان التجربة الاقتصادية أبانت عكس هذه النتيجة تماما فقد ارتفع مستوى التركيز بالمغرب وبالأخص في قطاع الطاقة, والمناجم, والنقل, والاتصالات, والصناعات الكيماوية وشبه الكيماوية, والصناعات الغدائية[5].
وانطلاقا من هذه الاعتبارات تظهر أهمية مراقبة التركيز الاقتصادي (فقرة أولى) وتبيان غاية هذه المراقبة(فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: التركيز الاقتصادي امتداد عام للرقابة

يستلزم دراسة التركيز الاقتصادي كامتداد عام للرقابة, البحث في مفهومه (أولا) ثم البحث في العمليات التي تدخل في نطاقه (ثانيا)
اولا: مفهوم التركيز الاقتصادي
بالرجوع الى القانو ن الجديد رقم12 . 104المنظم لحرية الاسعار والمنافسة يلاحظ ان المشرع المغربي تعرض لتعريف التركيز الاقتصادي على غرار القانون القديم, حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة 11 منه انه "يشكل تركيزا في مفهوم هذه المادة احداث منشاة مشتركة تقوم بشكل دائم بكافة مهام كيان اقتصادي مستقل", ثم تعرض للحالات التي يتحقق فيها التركيز في الفقرة الاولى من نفس المادة حيت جاء تنجز عملية تركيز6:
1. حينما تندمج منشاتان او عده منشات كانت مستقلة سابقا.
2. حينما يقوم شخص او عدة اشخاص, يراقبون منشأة واحدة على الأقل بتولي المراقبة بشكل مباشر او غير مباشر على مجموع منشات اخرى او جزء منها سواء بواسطة المساهمة في راس المال او شراءالاصول او بواسطه عقد اوغيرها من الوسائل.[6]
وبصفة عامة فالتركيز الاقتصادي هو عملية قانونية تنتج عن الاتفاق بين مقاولتين او اكثر او بين مجموعه مقاولات عن طريق عملية الاتحاد او اندماج او عن طريق المراقبة والمشاركة في الرأسمال حيث ان المقاولات اطراف العملية تتمكن من السيطرة على جميع هذه المقاولات وبالتالي النشاط الاقتصادي الذي تمارسه.[7]
وقد رهن هذا الباب مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي بتوفر شرطين اساسيين:
✓ شرط حصول المساس بالمنافسة.
✓ شرط حصول سيطرة على اكثر من %40 من قطاع او السوق باكمله.
وعموما من خلال ما سبق يتضح ان مراقبه عملية التركيز اقتصادي يجب ان لا تخرج عن منطقين اثنين:
✓ أولهما قانون حيث ان منع التركيز الاقتصادي يكون اكثر فعالية في مقابل حل التركيزات.
✓ وثانيهما احترام مبدأ الدستوري لحريه المبادرة الذي يؤثر بدوره على تطبيق المراقبة واتخاذ القرارات.[8]
ثانيا: عمليات التركيز الاقتصادي
تعتبر عمليات التركيز الاقتصادي من العناصر الاساسية التي تساهم في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني وتمكنه من مواجهة تحديات المنافسة الاجنبية وذلك عن طريق اللجوء الى انشاء تكتلات بين المقاولات في اطار ما يعرف بالتركيز الاقتصادي والذي يتم التمييز في في اطاره بين نوعين من التركيز:
✓ التركيز الافقي: حيث تقوم مؤسسة او عدة مؤسسات بالهيمنة على قسط كبير من انتاج مادة معينة.
✓ التركيز العمودي: ويتحقق عن طريق ادماج مراحل الانتاج مادة معينة داخل مؤسسة واحدة.
لكن ومن أجل الحفاظ على جو تنافسي داخل السوق الوطني كان لابد من فرض مسألة المراقبة على عمليه التركيز الاقتصادي وذلك لأجل الحيلولة دون تقييد المنافسة, لذلك كان المشرع صائبا عندما تطرق لهذه العمليات ضمن قانون حرية الأسعار والمنافسة.
وتنتج عملية التركيز الاقتصادي حسب مدلول مادة [9]11 من قانون حرية الاسعار المنافسة المغربي, عن كل عقد كيفما كان شكله اذا كان يقبل تحويل الملكية او الانتفاع فيما يتعلق بمجموع او بعض ممتلكات منشات وحقوقها والتزاماتها, أو عندما يكون الغرض منه او يترتب عليه تمكين منشاة او مجموع منشات لممارسة نفوذ حاسم على واحد او اكثر من المنشات الاخرى بصفة مباشرة او غير مباشر .
انطلاقا من نص المادة أعلاه نلاحظ انه يشترط لتحقيق عمليات التركيز الاقتصادي وجود عقد يربط بي ن مقاولة أو أكثر, أم ا ما ينتج من توسع داخل المقاولة الواحدة فلا يندرج ضمن عمليات التركيز الاقتصادي مهما بلغ مستوى تطور المقاولة, وأن تكون مساهمة المقاولات في رأسمالها بشكل مبالغ فيه وذلك من خلال عبارة النفوذ الحاسم.
وفي هذا الاطار فان المادة11 من قانون12.104 حددت نوعين من العمليات الخاضعة للمراقبة:
أ: انتقا ل الملك ية أ و الانتفاع بممتلكا ت المنشأه
حدد المشرع بمقتضى المادة11 على انه يعتبر التركيز كل عقد كيفما كان شكله اذا كان يقضي بتحويل الملكية او الانتفاع فيما يتعلق بمجموع او جزء من ممتلكات المنشاة وحقوقها والتزاماتها[10].
وينتج ذلك عن طريق الاندماج عن طريق الضم, اما الاندماج عن طريق ابتلاع يؤدي الى انصهار الشخصية المعنوية للشركات المبتلعة وذوبانها في الشخصية المعنوية لشركة تكون قائمة قبل حصول ادماج بحيث تبقى هذه الاخيرة على شخصيتها المعنوية وتبقى ذمتها المالية بمجموع رأسمال الشركة التي ابتلعتها وهذا الشكل هو الاكثر شيوعا في الواقع العملي.
مع الاشارة الى أن العناصر التي تدخل في التركيز الاقتصادي هي العناصر
المادية والمعنوية التي يمكن استثمارها في العمل التجاري. فمثلا لا يعتبر بيع أثاث
الشركة او مقر شركة تركيزا غير أن التحويل او الانتفاع نتيجة عقد تسيير الحر للأصل التجاري او ايجار الاصل التجاري اضافة الى الترخيص باستغلال براءات الاختراع او العلامة التجارية فانه يعتبر تركيزا.
ب: ممارسة نفوذ حاسم على منشاة اوعدة منشا ت
ان عملية التركيز الاقتصادي تتحقق نتيجة كل عقد ينتج عن ه تمكين المنشاة او مجموع المنشات من ممارسته بصفة مباشرة او غير مباشرة على واحدة أو أكثر من المنشات الأخرى .
وهذا النوع يتحقق في كل أشكال الاندماج العقدي) تراخيص الاستغلال,عقود التوزيع الحصرية,عقود المقاولة من الباطن....( وينبني على كل هذا خروج بعض التصرفات التي تعطي حق منفعة الشيئ[11].
والملاحظ من خلال المادة11 أن المشرع لم يكتفي باشتراط ان تؤدي العملية الى حصول المنشأة على نفوذ فقط, بل أوجب ان يكون هذا النفوذ حاسم بمعنى انه يجب ان يؤدي الحصول على هذا النفوذ الى فقدان المنشاة الممارس عليها سلطة اتخاد القرارات المرتبطة لسيرها التنافسي لفائدة المنشأة او المنشات الممارسة لهذا النفود الحاسم .

الفقرة الثانية : موضوع الرقابة

ان مسوغات مراقبة التركيز الاقتصادي تقتضي ضرورة النظر الى وجهين أولهما مساس التركيز بالمنافسة (أولا) وكذا النظر ما اذا كانت هذه العملية تساهم في التقدم الاقتصادي بمساهمة كافية لتعويض الأضرار اللاحقة بالمنافسة (ثانيا)
أولا : المساس بالمنافسة والحصيلة التنافسية
يبحث مجلس المنافسة في المرحلة الاولى عن اثار السلبية الموجودة او المحتملة لعملية التركيز او مشروعيتها على المنافسة, ولهذه الغاية يلتجئ الى الاعتماد مجموعة من العوامل لتقرير وجود أثر سلبي من عدمه على ميكانيزمات المنافسة, فبالاضافة الى حجم حصة الشركات المعنية بعملية التركيز داخل السوق, يعتمد ايضا على المقارنة مع حصص الشركات الاخرى المنافسة داخل السوق الوطني ويستخدم ايضا مجموعة من التغييرات المختلفة كصعوبة التموين بالمواد الاولية او حجم الاستثمار اللازم للحفاظ على التواجد داخل السوق وغيرها.
فاذا كانت حصة الشركات المعنية بالتركيز تفوق بشكل واضح حصص باقي الشركات المتنافسة في السوق وكانت تمتلك اضافة الى ذلك علامة تجارية معروفة فان احتمال عرقلة المنافسة يكون واردا,[12] كما قد يلجأ مجلس المنافسة الى البحث في خصائص التوزيع فيعتبر تجمع منشات توزيع ذات العلامة المشهورة امرا من شأنه أن يؤدي الى خلق عقبة أمام منافس جديد, وبالتالي اجبار المستهلك على التعامل مع التجمع فقط لاجل اقتناء حاجياته.
و من خلال اعتماد هذه العوامل مجتمعة مع بعضها اومع غيرها يصدر مجلس المنافسة رأيه في مشروع او عملية التركيز المعروضة عليه فيقرر ما اذا كانت تمس او يحتمل فيها أن تمس بقواعد المنافسة السليمة, سواء من خلال التغيرات التي تحدتها في بنية السوق, خل ق او تعزيز وضع مهمين, أو من خلال تغيير السلوك الذي قد تؤدي اليه داخل سوق .
ثانيا: مراق بة المساهمة في التقدم الاقتصادي والحصيلة الاقتصادية
إذا ما توصل مجلس المنافسة من خلال نتيجة الحصيلة التنافسية الى ان مشروع التركيز الاقتصادي او عمليته من شانها ان تشكل مساسا بالمنافسة وان تؤدي الى خلق او تعزيز وضع مهيمن في السوق فانه سيشرع في البحث عن ما اذا كانت العملية المذكورة تساهم في التقدم الاقتصادي مساهمة كافية لتعويض أضرار لاحقة للمنافسة ويعمد المجلس في مراعاة القدرة التنافسية للمنشاة المعنية على مقارنتها مع المنافسة الدولية.
وتتجلى المساهمة في التقدم الاقتصادي على عدة مستويات من خلال عدة أشكال فقد تنت ج عن عرقلة الانتاج او تهجينه أو ع ن تحسين تنافسية المجموعة من خلال تنمية قدراتها لتمكينها من طرح منتوجات جديدة في الأسواق وتسويقها أو من خلال تطهير الوضعية المالية للشركات المساهمة في التركيز.[13]
وقد صدر تقرير عن مجلس المنافسة الفرنسي سنة1991 نص فيه أن
المبررات التي تتقدم بها مشاريع التركيز وتزعم فيها المساهمة في التقدم الاقتصادي لا تزال جلها ضعيفة، ويرجع السبب في ذلك الى عدم استيعاب المنشات الاقتصادية لما يمكن اعتباره مساهمة في التقدم الاقتصادي.[14]

المطلب الثاني: التطور الرقابي الذي عرفه المغرب في ظل قوانين حرية الأسعار والمنافسة

ان المتابع للحركة التشريعية والتوجهات التي جاء بها دستور 12 يونيو 2011 في الباب المتعلق بهيئات التقنين والحكامة سيلاحظ أنها انعكست على صياغة كل من قانون104[15].12 وقانون 20[16].13 المتعلقين على التوالي بقانون حرية الأسعار والمنافسة وقانون مجلس المنافسة، خاصة فيما يرتبط بصلاحيات ضبط وتنظيم المنافسة في السوق المغربية بشكل عام وصلاحيات مراقبة عمليات التركيز بشكل خاص، ولتوضيح ذلك اكثر سيتم معالجة هذ المطلب وفق فقرتين )الفقرة الأولى( سيتم النظر فيها لتطور الرقابة والمستجدات المرتبطة بصلاحيات السلطة الادارية في نظام مراقبة عمليات التركيز ,وسيتم التناول في) الفقرة الثانية( للمستجدات التي عرفها مجلس المنافسة في أعمال الرقابة على عمليات التركيز الاقتصادي.

الفقرة الأولى : صلاحيات مجلس المنافسة بين قانوني 99.06  و 104.121 المتعلقين بحرية الاسعار والمنافسة

يظهر بشكل جلي أن مقتضيات قانون حري ة الأسعار والمنافسة رقم 99.06 يشوبها عدة نواقص سواء تلك المتعلقة بشكل عام بطبيعة التوجه التشريعي المنتهج في تحديد هيكلة مجلس المنافسة وتلك المتعلقة بالمساطر المتبعة أمامه والتي تحد من صلاحيات مجلس المنافسة في مراقبة عمليات التركيز, بشكل يؤثر على فعالية نظام المراقبة ككل.
لهذا جاءت مستجدات قانون رقم 104.12المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة وقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة لتدارك هذ النوع من الثغرات.
وكما هو معلوم فمجلس المنافسة أصبح جزء لا يتجزء من هيئات الضبط والتقني ن[17] المنصوص عليها في أحكام دستور 2011.وهكذا فيما يتعلق بهيكلته نجد أن المشرع المغربي من خلال قانون 20.13 قد تخلى عن الطابع الاداري الذي كان
يطغى على تركيبة المجلس حيت أصبحت الادارة ممثلة بمندوب حكومي واحد ليس له صوت تقريري, كما أن المشرع ألزم تبعا لمقتضيات المادة [18]11 من قانون رقم 20.13 كل من رئيس المجلس ونوابه بممارسة مهامهم بشكل دائم, لكن لابد أن نشير إلى أن المشرع قرر أن تعيين أعضاء المجلس يتم بناء على اقتراح رئيس المجلس وبتشاور مع السلطة الحكومية عوض أن يتم ذلك بناء على اقتراح رئيس المجلسوبالتشاور مع السلطة الحكومية وفقا لما كان عليه الأمر في السابق.
وفيما يتعلق بالتعديلات المرتبطة بالمساطر المتبعة أمام مجلس المنافسة نجد أن القانون رقم 20.13 يعطي لمجلس المنافسة سلطة الإحالة الذاتية التي تشمل الحالات المرتبطة بعمليات التركيز المنجزة دون تبليغ كما عمل قانون 104.12 من جهته على توسيع الجهات التي يمكنها الاخبار عن عمليات التركيز المنجزة دون تبليغ إلى مجلس المنافسة لتشمل المنشات المنافسة, الشئ الذي سيكون له وقع ايجابي على تعزيز الدور الوقائي لمجلس المنافسة في ما يتعلق بمشاريع وعمليات التركيز غير المبلغة حيت سيمكن مجلس المنافسة بعد أن يعلم بها من مصادره الخاصة او بعد إبلاغه من طرف أحد المنشات المنافسة العاملة في نفس السوق من تحريك التلقائي لمسطرة المراقبة المشروع او العملية.
وخلافا لباقي أبواب قانون حرية الأسعار والمنافسة فإن الباب المتعلق بعمليات التركيز الاقتصادي تم تعديله بشكل كامل وشامل وتم تجديد كل مواده بحيث شمل التعديل مسطرة الفحص التي أصبحت تنقسم إلى مرحلتين مرحلة الفحص المبسط في
البحت عن ما اذا كان لمشروع التركيز أثر سلبي على المنافسة في السوق المرجعية
وذلك داخل اجل 60 يوم وفي الحالة التي يخلص فيها المجلس إلى عدم وجود شكوك بشأن امكانيه ترتيب مشروع التركيز لأتر سلبي على المنافسة يقف الفحص عند هذا الحد اما اذا تم التوصل إلى وجود متل هذه الشكوك فانه يتم المرور إلى مرحلة الفحص المعمق, التي يتم فيها تحديد حجم ونوع الاثار السلبية لمشروع التركيز والبحت عن مدى كفاية النتائج الاقتصادية للتعويض عن هذه الاثار داخل اجل 90 يوم كما أن المشرع المغربي تطرق في إطار قانون104.12 الذي أصبح في ظله مجلسالمنافسة هو الذي يملك سلطة اتخاذ مختلف القرارات والتدابير التي تهم مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي إلى مسألة فرض احترام أطراف لالتزاماتهم وتعهداتهم وتنفيد القرارات والأوامر الصادرة عن المجلس بشئ من التفصيل والدقة وذلك من خلال منح مجلس سلطة تواقيع الجزاءات المناسبة في كل حالة على حدة.

الفقرة الثانية : حصر صلاحيات السلطة الإدارية فيما يتعلق بالمراقبة

بالرجوع الى المقتضيات التشريعية المنصوص عليها في القانون القديم رقم06. 99 المنظمة لمراقبة عمليات التركيز الاقتصادي, يلاحظ انها كانت تركز صلاحيات أعمال المراقبة في يد السلطة الإدارية ممثلة في شخص الوزير الأول ( رئيس الحكومة حاليا) وهذا ما يظهر في كافة المراحل التي تمر بها مسطرة المراقبة, وهذا يعكس اقتناع المشرع المغربي بضرورة ان تتم مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي وفق مسطرة خاصة تترك المجال واسعا أمام السلطة المكلفة بالمراقبة للأخد بكافة الاعتبارات السياسية والاقتصادية التي قد لا تتماشى في بعض الأحيان مع اعتبارات سياسة المنافسة.
وهذا ما يجعل نظام مراقبة التركيز لا يفعل فقط وفقا للتطبيق الطبيعي للنصوص القانونية المنظمة له بل يخضع كذلك لاعتبارات السابقة الذكر, لهذا نجد احد الاراء الفقهية تذهب إلى القول بعدم إمكانية تفعيل نطام مراقبة التركيز في ظل هذا التوجه المحتشم الذي ينكر منطق تحرير الأسواق ويرسي هيمنة الإدارة على السوق، لذا يمكن القول بان التعديلات العميقة التي جاء بها قانون104 ، 12والتي همت نظام مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي ابانت عن توجه جديد للمشرع المغربي بخصوص تاطير تدخل الإدارة في أعمال نظام المراقبة ينبني على منطق جديد لتوزيع سلطة المراقبة بين هذه الإدارة ومجلس المنافسة حيت لم تعد سلطة القرار بيد الإدارة لكن أصبح لها سلطة التصد ي[19] تبعا لاعتبارات المصلحة العامة من غير تلك المتعلقة المنافسة.[20]
فالادارة وفق مقتضيات المادة 18 من قانون104. 12 بعد تبليغها بقرار مجلس المنافسة داخل الأجل المحدد في المادة أعلاه اما أن تطلب إجراء فحص معمق وذلك بالنسبة لقرارات المجلس الصادرة عن مرحلة الفحص المعمق إمكانية تصدي للقضية والبت فيها لاعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة من غير تلك المتعلقة بالحفاظ على المنافسة, وهكذا يكون المشرع المغربي قد تبنى في القانون الجديد نهج المشرع الفرنسي حيت نجد المادة 18 الجديدة تتطابق ومقتضيات القانون رقم 77-2008 بتاريخ 4 غشت 2008 والذي عدل مقتضيات مواد مدونة التجارة الفرنسية الخاصة بالباب المتعلق بمراقبة عمليات التركيز يمكن التنبيه في نفس السياق إلى أن المشرع بهذا التوجه في قانون104 ، 12يكون قد تراجع مبدئيا عن النهج الذي كان قد تبناه في المسودة الأولى لمشروع القانون المعدل للقانون06 ، 99حيت كانت تنص في المادة 18بما يفيد ان حق التصدي يمكن اعماله سواء فيما يتعلق القرارات الصادرة في
مرحلة الفحص البسيط او مرحلة الفحص المعمق على السواء ولا نعرف السبب وراءهذا التراجع .
ومن بين- كذلك- المقتضيات مشروع القانون الجديد التي طرحت نقاشا بين مكونات مجلس المنافسة والمصالح الإدارية ممثلة اساسا بوزارة الشؤون العامة والحكامة ونخص بالذكر مقتضيات مادة 18 التي نظم فيها المشرع المغربي سلطة تصدي الإدارة للقرارات الصادرة عن مجلس المنافسة في مراقبة عمليات التركيز حيت دار نقاش حول نطاق هذ الحق هل يشمل حق التصدي قرارات مجلس المنافسة بشأن التصريح بإنجاز مشروع او عملية التركيز وكذلك القرارات الرافضة لهذا التصريح أم أن حق التصدي يشمل فقط امكانية التصدي لقرارات الرفض دون قرارات التصريح. ويذهب ممتل الإدارة إلى القول بان صياغة المادة 18 تتيح إمكانية التصدي في كلا الحالتين.
أما مكونات مجلس المنافسة فيرى بان سلطة التصدي يجب أن تنحصر فقط في القرارات الصادرة عن مجلس برفض التصريح لإنجاز العملية لان القول بعكس ذلك من شأنه المس بسلطة واستقلالية قرارات المجلس حيت أن التصدي للقرارات التصريح لا يمكن أن يتأسس الا على كون العملية لها اتار ماسة بالمنافسة.
وعموما يرى السيد هشام بوعياد وهو مقرر بمجلس المنافسة أنه من خلال دارسة التجارب المقارنة في مجال أعمال سلطة التصدي وخاصة التجربة الألمانية التي كانت السباقة لاقرار هذه السلطة فانه حتى وان تم الاخد بإطلاق سلطة التصدي للادارة الا انه يمكن من جهة أخرى لالية التعليل ونشر قرارات التصدي إلى جانب قرار مجلس المنافسة ان تحد بشكل غير مباشر من استعمال هذه السلطة الشيئ الذيسيدفع الإدارة للتفكير مطولا قبل اللجوء الى قرار التصدي.
ونشير في الاخير أن هذا التوجه الجديد الذي اتبعه المشرع في إطار قانون 104.12في تحديد سلطة تدخل الإدارة في مراقبة عمليات التركيز وهو توجه مبرر انطلاقا من كون مبدأ حرية المنافسة لا يجب أن يبرر مخالفة أهداف المصلحة العامة[21].
____________________
الهوامش :
[1] فؤاد معلال. شرح القانون المغربي الجديد.الجزء الأول,نظرية التاجر والنشاط التجاري.الطبعة الثالتة 2009 ص:243
[2] نفسه
[3] ربيع شكري: الممارسات المنافية لقواعد المنافسة,تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة سنة2007. كلية الحقوف بالبيضاء. ص:102
[4] نوال الرحموني: حرية الأسعار وتنظيم المنافسة بالمغرب دراسة مقارنة. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص. جامعة محمد الأول وجدة .سنة2009 ص:339
[5] نوال الرحموني:م,س, ص:340
[6] يسري عادة في اطار عمليات التركيز الاقتصادي بين نوعين التركيز الافقي حيت تقوم كمؤسسة او عدة مؤسسات بالهيمنة على قسط كببير من انتاجمادة معينة والتركيز العمودي ويتحقق عن طريق ادماج مراحل انتاج مادة معينة داخل مؤسسة واحدة بحيت تتولى هذهالمؤسسة عمليات الانتاج مند البدية الى النهاية كما هو الشان لشركات البترول
[7] عثمان الحسناوي مجلس المنافسة في ضوء المستجدات ،رسالة لنيل الدبلوم الماستر القانون الخاص تخصص قانون الاعمال والمقاولات،جامعة محمدالخامس،كلية الحقوق،السوسي سنة 2015-2014ص 61.
[8] عبدالرحمان الصديقي قانون حرية الاسعار والمنافسة الجديد ودوره في تاهيل المقاولة المغربية ادارة اقتصادية فعالة م س ص 58 59
[9] مادة 11 الفقرةالاخيرة : لأجل تطبيق هذا القسم تنتج المراقبة عن الحقوق او العقود او الوسائل الاخرى التي تخول وحدها او مجتمعة اعتبار لظروفالواقع او القانون امكانية ممارسة تاتير حاسم على نشاط منشاة ولاسيما حقوق الملكية او الانتفاع القائمة على مجموع ممتلكات منشاة او جزء منها ،الحقوق او العقود التاي تمنح تاتيرا حاسما على تاليف اجهزة احدى المنشات او مداولاتها او قراراتها.
[10] اورده سعيد الخياطي التركيز الاقتصادي وحماية قواعد المنافسة رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الاعمال كلية العلوم القانونية الاقتصا ديةوالاجتماعية جامعة الحسن التاني عين الشق الدارالبيضاء السنةالجامعية 2010 2011ص 27
[11] طتهور عبد الكريم مقتضيات قانون حرية الاسعار والمنافسة وحماية المستهلك المجلة العربية للدارسات القانونية ولاقتصادية ولاجتماعية سنة2018 العدد 3 ص 226
[12] نوال الحموني : حرية الاسعار وتنظيم المنافسة في القانون المغربي اطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص جامعة محمد الاول كلية العلومالقانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة السنة الجامعية 2008 2009 ص" 445
[13] نوال الحموني : حرية الاسعار وتنظيم المنافسة بالمغرب م س ص 315
[14] عبدالطيف كرازي ك طبيعة مجلس المنافسة واختصاصاته على ضوء مقتضيات القانون الجديد رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة مقال نشور بمجلة القانون التجاري العدد التاني سنة 2015 ص89
[15] ظهير شريف رقم1.14.116 الصادر في 2رمضان1435 )30يونيو2014( بتنفيد القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.
[16] ظهير شريف رقم 1.14.117 الصادر في 2رمضان1435 )30يونيو2014( بتنفيد القانون المتعلق بمجلس المنافسة.
[17] جواد النوحي ،مجلس المنافسة بالمغرب في ضوء قانون رقم 20.13 تحولات البنية والوظيفة واشكالية الاستقلالية,مقال منشور بالمجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية.العد د124 سنة2015 ص:299
[18] مادة 11 من قانون 20.13: يمارس الرئيس ونوابه مهامهم كامل الوقت.
يجب على الرئيس ونائبي الرئيس، من غير القضاة ان يتوقفوا اثناء مدة مزاولة مهامهم عن ممارسة اي نشاط مهني او تجاري في القطاع الخاص.
[19] المادة18 من قانون 104.12 الفقرة الثانية: يمكن للادارة داخل أجل 30يوم ابتداءا من تاريخ توصلها بقرار مجلس المنافسة أو اخبارها به عملا بالماد 17 أعلاه أن تتصدى للقضية وتبت في العملية المعنية لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة غير تلك المتعلقة بالحفاظ على المنافسة, والتي تعوض عند الاقتضاء المساس بالمنافسة من جراء العملية.
[20] جعفر ازوغار: قراءة في أهم مستجدات نظام مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي. مقال منشور بمجلة الكترونية: المشعل الالكتروني.
[21] جعفر ازوغار.م.س.نفسه
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -