المحاكمة عن بعد بين القبول و الرفض

مقال بعنوان: المحاكمة عن بعد بين القبول و الرفض

المحاكمة عن بعد بين القبول والرفض

بقلم : ذ.شهبون محمد
محامي بهيئة بني ملال
مقدمة :
مما لاشك فيه،أن مرحلة المحاكمة الجنائية بالنسبة للمتهم تعتبر من أهم مراحل الخصومة الجنائية،والتي تأتي بعد مرحلتي البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي.
ولعل هذه المرحلة قد ينتظرها المتهم بفارغ الصبر وخاصة إذا كان معتقلا،عاقدا الأمل على إنصافه بعدما ينتابه إحساس بأن المرحلتين السابقتين قد يكون تخللهما خرق مسطري، ولم يتم إنصافه رغم تمسكه ودفاعه بذلك الخرق وبطلان ذلك الإجراء المخالف للقانون.
والمتهم خلال مرحلة المحاكمة قد يكون متأكدا أنه سوف يتمتع بضمانات المحاكمة العادلة، وبحقوقه التي يكفلها له الدستور، وقانون المسطرة الجنائية، والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب في مجال ضمانات المحاكمة العادلة، والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، مهما كانت الظروف والزمن التي تتواجد فيه الدولة، سواء كان في ظرف وزمن السلم ،أو الحرب، أو حالة الطوارئ الصحية...
إن مرحلة المحاكمة هي مرحلة البحث عن الحقيقة الواقعية للتهمة المنسوبة للمتهم ومدى مطابقتها للحقيقة القانونية والقضائية ،وذلك من خلال تكوين القاضي لقناعته الوجدانية واقتناعه الصميم بناءا على وثائق الملف والمناقشات الحضورية، والشفهية ، والعلنية للقضية أمام الهيئة القضائية، وذلك من أجل الوصول إلى حكم أو قرار عادل بالبراءة أوالإعفاء من العقوبة،أو الإدانة.
ولن يتأتى ما سبق ذكره إلا من خلال توفير جميع ضمانات المحاكمة العادلة ، وتمتيع المتهم بجميع حقوقه وخاصة الحضور المادي للمتهم أمام المحكمة خلال المحاكمة المباشرة التي ينص عليها قانون المسطرة الجنائية.
وبناءا على الظرف الطارئ المتعلق بالانتشار العالمي لوباء كورونا و وصوله للمغرب.
وبناءا على إصدار الحكومة لمرسومين الأول رقمه 292 -20-2 بتاريخ 23-3-2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها- والمرسوم الثاني رقم 293-20-2 بتاريخ
24-3-2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر إرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد19.
وبناءا على البلاغ المشترك لرئيس المجلس الأعلى لمحكمة النقض وبصفته الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة ووزير العدل بتعليق الجلسات وتأخير الملفات على الحالة باستثناء قضايا المعتقلين والقضايا الاستعجالية.
وبناءا على بلاغ مديرية السجون بعدم نقل السجناء إلى المحاكم تفاديا لتفشي وباء كورونا وانتقال ونقل العدوى من وإلى السجن و المحاكم.
بدأت المحاكم المغربية في تطبيق تقنية المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين الجنائية والجنحية، دون إحضار المتهمين المعتقلين إلى مقرات المحاكم ، وتعويض الحضور المادي بالتواصل مع المتهمين عن بعد بالمؤِسسات السجنية.
ولما كان هذا الإجراء له ارتباط بشكل المحاكمة ، فقد أثار نقاشا واسعا حول شرعيته وقانونيته ومدى ملائمته مع ضمانات المحاكمة العادلة ،وتوفير كامل الحقوق التي يتمتع بها المتهم خلال المحاكمة المباشرة.
أثار هذا الشكل من المحاكمة جدلا بين مؤيد لإستعمال هذه التقنية في المحكمات الجنائية والجنحية ،التي يكون فيها المتهم معتقلا ، وبين رافض لإستعمال هذه التقنية ، ولكل اتجاه مبرراته وأسبابه وحيثياته مما يؤدي إلى طرح التساؤل التالي : 
ما هي المبررات و الأسباب التي يرتكز عليها الإتجاه المؤيد والداعم لإستعمال تقنية المحاكمة عن بعد والإتجاه الرافض لإستعمال هذه التقنية ؟
وهو ما نحاول الإجابة عنه من خلال تقسيم الموضوع إلى مبحثين كما يلي: 

المبحث الأول: مبررات و أسباب الإتجاه المؤيد للمحاكمة عن بعد
المبحث الثاني :مبررات و أسباب الإتجاه الرافض للمحكمة عن بعد



المبحث الأول : مبررات وأسباب الإتجاه المؤيد للمحاكمة عن بعد 

لقد انتصر المدافعون عن المحاكمة عن بعد للمبررات والتعليلات والأسباب التالية:

أولا : ضمان استمرارية المرفق القضائي وخاصة في قضايا المعتقلين للبت في قضاياهم و خاصة الجاهزة التي لا تحتمل التأخيرأو تأخير الملفات غير الجاهزة .

ثانيا : تطبيق الدورية المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل وذلك بالعمل بتقنية المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين دون إحضارهم إلى مقرات المحاكم ودون مثولهم المادي أمام هيئات الحكم والتواصل المباشر معهم عن بعد ومن المؤسسات السجنية عبر تقنية "الفيديو كونفرونس" وذلك تنفيذا لمرسومي بقانون رقم 2-20-292 بتاريخ 23-3-2020
المنشورين بالجريدة الرسمية عدد 6867 بتاريخ 24-3-2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها ورقم 2-20-293 بتاريخ 24-3-2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة فيروس كورونا-كوفيد19.

ثالثا : تطبيق المحاكم لهذه التقنية حماية لإنتشار وباء كورونا بين السجناء ،وحماية لأسرة العدالة من قضاة ، ومحامين ، وجميع الموظفين والعاملين بقطاع العدل ، من التقاط فيروس كورونا.

رابعا : اعتبار المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين محطة لتدبير مرحلة استثنائية تتعلق بانتشار وباء كورونا في المغرب شأنه شأن باقي دول العالم، وذلك تنفيذا للفقرة الثانية من المادة الثالثة مرسوم رقم292-20-2بتاريخ 23-3-2020 التي تنص على ما يلي:"لا تحول التدابير المتخذة المذكورة في المرسوم دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

خامسا : إن استعمال تقنية المحاكمة عن بعد تستمد مرجعيتها ،وأساسها القانوني ،وشرعيتها من المادة3 من المرسوم رقم 2 -20-292 المتعلق بسن مقتضيات حالة الطوارئ الصحية التي يعرفها المغرب، والتي جاء فيها ما يلي"على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوطنية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم .
ولا تحول التدابير، المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتقديم الخدمات للمرتفقين"

سادسا : اعتبار هذه المحاكمة عن بعد ليست وليدة اليوم و لقد سبقتها تجربة سنة 2016 ،كما أن هذه التقنية تعد صورة من صور المحكمة الرقمية التي تطرق إليها الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة في أحد توصياته والتي تأخر تنزيلها على أرض الواقع.

سابعا : اعتبار هذه المحاكمة عن بعد ضامنة لحقوق المتهم لمحاكمة العادلة ،كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية والدستور، وقانون المسطرة الجنائية ،وليس هناك أي فرق بالمحاكمة العادية ،إلا بالحضور المادي للمعتقل أمام الهيئة القضائية.
وهذه التقنية تتيح التواصل بين مختلف المتدخلين في المحاكمة من قضاء الحكم ،ونيابة عامة ،ومتهم ،وضحية ،وشهود ،ومحامين ، وكذا الترجمان عند الاقتضاء .وذلك عن طريق الصوت والصورة.
وان قاعة السجن المتواجد بها المعتقل تعد امتدادا لقاعة المحكمةّ. ومادام المتهم يشاهد قاعة المحكمة وخاصة هيئة المحكمة واستنطاقه من طرف رئيس الهيئة وجوابه عن التهمة المنسوبة إليه والتي أحيط بها من طرف رئيس الهيئة .
وكذا جوابه عن أسئلة النيابة العامة أو دفاع المتهم أو دفاع الضحية وسماعه لتصريحات الشهود والضحية، وكذا حضور دفاع المتهم بالجلسة وتناوله الكلمة بالترافع عنه ، وإعطاء الكلمة الأخيرة للمتهم وبعد التداول ،النطق بالحكم ،وسماع الحكم من طرف المتهم بنفس التقنية، وكل هذه الإجراءات التي أنجزت في هذه المحاكمة ،تتوافر فيها المناقشة الحضورية والشفوية تطبيقا للمادة 287 من قانون المسطرة الجنائية ،وبذلك تكون ضمانات المحاكمة متوفرة للمتهم في المحاكمة عن بعد.

ثامنا : الحضور الإفتراضي للمتهم المعتقل عوض، فقط الحضور الفعلي للمتهم ، لتجنب خطر تهديد حياة السجين أو باقي المتدخلين في المحاكمة ،وباقي السجناء، وذلك لأن الحق في الحياة حق مقدس وأولى و أسبق من باقي الحقوق،أي أن الدولة تضمن حق الحياة بالقانون، وتتدخل السلطات العمومية لضمان هذا الحق ،وهو ما أكده الفصل 20 من الدستور الذي جاء فيه ما يلي " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق." وكذا الفصل21 منه الذي جاء فيه في فقرته الثانية ما يلي"تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع."
وتطبيقا للمادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية والتي مفادها أن هناك رخصة دولية من القوانين الدولية تسمح للدول في حالة الطوارئ و التي تهدد حياة الإنسان وبعد إعلام منظمة الأمم المتحدة بعدم احترام بعض الحقوق التي سيحرم منها المتهمون في حالة الطوارئ، ومن أهمها الحق في محاكمة حضورية .

تاسعا : إن توظيف تقنية المحاكمة عن بعد ،يحقق تفاعلا بين مخاطبين إثنين متباعدين في المكان فقط، وهما الطرف الأول ،من مكونات المحاكمة الحاضرين فعليا في الجلسة من هيئة قضائية ونيابة عامة ودفاع وشهود وضحية، ومن جهة أخرى، الطرف الثاني ،وهو المتهم المتواجد بقاعة السجن، حيث يتم ضم حيزه المكاني الذي هو بقاعة السجن إلى حيز قاعة المحكمة التي تنعقد فيها الجلسة.

عاشرا : استناد الاتجاه المدافع عن المحاكمة عن بعد قياسا على إمكانية محاكمة المتهم دون حضوره وهو ما سمته المسطرة الجنائية بالمسطرة الغيابية في الجنايات في الحالات المشار إليها في المادة314 من،ق.م.ج، وذلك إذا تعذر إلقاء القبض على المتهم بعد الإحالة، أو إذا لاذ بالفرار بعد القبض عليه، أو إذا كان في حالة الإفراج المؤقت، أو الوضع تحت المراقبة القضائية ، ولم يستجب إلى الإستدعاء بالمثول أمام المحكمة المسلم إليه. وبالتالي يتم محاكمته بعد مرور ثمانية أيام الموالية لإعلان الأمر بإجراء المسطرة الغيابية ابعد إذاعته ثلاث مرات بواسطة الإذاعة الوطنية .
كما أنه يمكن للمحكمة أن تواصل مناقشة القضية في غيبة المتهم المعتقل الموجود بمقر المحكمة الذي رفض الحضور، وبعد انتهاء المناقشات يتعين على كاتب الجلسة أن يتلو عليه محضر المناقشات وملتمسات النيابة العامة والأحكام والقرارات التمهيدية الصادرة في غيبته، وينقل المتهم من جديد إلى الجلسة عند انتهاء المناقشات حيث يصدر القرار بحضوره، وإذا تعذر حضوره تعين على كاتب الضبط أن يتلو عليه منطوق القرار.

المبحث الثاني : مبررات و أسباب الإتجاه الرافض للمحاكمة عن بعد

لقد ركز الإتجاه الرافض للمحاكمة الجنائية عن بعد انتقاداتهم لها على أنها مضرة بالعدالة ، وخرق القوانين المنظمة للمحاكمات الجنائية ، ولحقوق الدفاع ، وحقوق المتهم وتتجاهل المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب ، كما أنها تفتقد إلى الشرعية .
وفي هذا الإطار يدعم هذا الإتجاه رفضه لهذا النوع من المحاكمة بالمبررات التالية:

أولا : انعدام الإطار القانوني والتشريعي لتقنية المحاكمة عن بعد.
الملاحظ أن المحاكم ماضية في تنظيم جلسات القضايا الجنائية للمعتقلين بواسطة تقنية المحاكمة عن بعد دون إحضار المعتقلين من السجن، وتعويض الحضور بالتواصل المباشر معهم ومن المؤسسة السجنية عبر تقنيىة الإتصال عن بعد ، تنفيذا للتدابير الإحترازية في غياب النص التشريعي أو السند القانوني الذي يمكن الإستناد إليه لتبرير اللجوء إلى هذا الإجراء، مع العلم أن مشروع استعمال الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية والجنائية لازال لم يتم مناقشته والمصادقة عليه.

ثانيا : تطبيق إجراء المحاكمة عن بعد بدون سند تشريعي يعد تعديا على اختصاص السلطة التشريعية .
لعل لجوء السلطة القضائية بواسطة المحاكم إلى تطبيق إجراء المحاكمة عن بعد دون الإرتكاز على أي سند قانوني أو نص تشريعي يعد تعديا على اختصاص السلطة التشريعية، لأنه لا يمكن القيام بأي إجراء ضد المتهم أو تطبيق أي إجراء من إجراءات المحاكمة ما لم يكن منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية ، وبالتالي لا يمكن للسلطة القضائية تطبيق إجراءات تتعلق بالمسطرة الجنائية ما لم يكن منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية ، وأن المشرع هو المختص وحده بوضع قواعد قانون المسطرة الجنائية ، والسلطة القضائية مختصة بتطبيق القانون والسلطة التنفيذية مختصة بإصدار مراسيم لتنفيذ القوانين في مبدأ الفصل بين السلط واستقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية المنصوص عليه في الفصل 107 من الدستور.

ثالثا : استثناء اتخاذ التدابير القضائية من طرف السلطة التنفيذية وفقا للمادة الخامسة من مرسوم رقم 292-20-2المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ.
الملاحظ أن المادة الخامسة من المرسوم أعلاه التي فوضت للحكومة في حالة الضرورة القصوى اتخاذ أي إجراء يكتسي طابعا اقتصاديا أو ماليا أو اجتماعيا أو بيئيا، والذي من شأنه الإسهام، بكيفية مباشرة، في مواجهة الآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية، لم تتحدث عن التدابير القضائية واستثنتها من اتخاذ الحكومة لأي قرار له طابع قضائي.

رابعا :غياب بعض ضمانات المحاكمة العادلة ، والإخلال بحقوق الدفاع ، وحقوق المتهم منها الحق في الحضور المادي للمتهم و الشفوية المباشرة للإجراءات و علنية الجلسات.
مما لاشك فيه أن مرحلة المحاكمة تعد من أهم مراحل الخصومة الجنائية ، من أجل التتبث من صحة الأفعال والتهم المنسوبة للمتهم من عدمها ، وهي مرحلة ينتظرها هذا الأخير بفارغ الصبر بعد أن يكون قد عانى في المراحل السابقة ، من هضم بعض حقوقه، ويأمل يقينا بأن مرحلة المحاكمة ستعوضه وتضمن له جميع حقوقه في الضمانات الدستورية و القانونية و الحقوقية .
وهنا يطرح التساؤل عن استعمال تقنية المحاكمة عن بعد التي شرعت محاكم المغرب في تطبيقها بسبب انتشار وباء كورونا ، ومدى تقيدها بضمانات المحاكمة العادلة التي يتمتع بها المتهم خلال هذه المرحلة ؟
لنفترض أنفسنا كدفاع للمتهم في المحاكمة عن بعد ونشخص المحاكمة.
المحامي يلج قاعة الجلسات ، يجلس بالمنصة المخصصة للدفاع
ينتظر دخول الهيئة القضائية ، الملاحظ أن القاعة فارغة بسبب منع الجهور والمرتفقين الولوج إليها وذلك في إطار التدابير الاحترازية للحد من انتشار وباء كورونا.
دخلت الهيئة القضائية والقاعة ظلت فارغة، وأعلن رئيس الهيئة عن افتتاح الجلسة موضحا أن المحاكمة ستجري بواسطة تقنية الإتصال عن بعد بالصوت والصورة بدون إحضار وحضورا لمتهمين المعتقلين.
آنذاك لاحظنا شاشة موضوعة قرب كاتب الجلسة وكذا بعض الوسائل الضرورية لإستعمال هذه التقنية. وكذا حاسوب وشاشة أمام رئيس الهيئة القضائية.
وشرع رئيس الهيئة في المناداة على رقم القضية والمتهم القابع في السجن وقبل الدخول في إجراءات البحث والمناقشة ، تدخل ملتمسا أثارة بعض الدفوع الشكلية الأولية التي يتعبن إثارتها قبل كل دفع أودفاع وفقا للمادتين 323 و324 من قانون المسطرة الجنائية ، والتي تصب في إطار خرق حقوق الدفاع وحقوق المتهم وتمتعيه بضمانات المحاكمة العادلة، مع الإشهاد بتسجيلها بمحضر الجلسة كما يلي:
1-خرق الحق في محاكمة علنية وفقا للفصل125 من الدستور والمواد 300-364-366-370-439 من قانون المسطرة الجنائية،والفقرة الأولى من المادة14 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.
وفي هذا ألإطار يتعين على الدفاع التماس تسجيل الإشهاد بعدم علنية الجلسة وبطلان المحاكمة والحكم الصادر بشأنها .
2-خرق الحق في حضور المتهم للجلسة و شفوية إجراءات البحث والمناقشة وفقا للمواد287-423-424- 427-433-434-435 من ق .م ج وفي هذا الإطار لا يمكن أن يتحقق مبدأ المواجهة بين أطراف الخصومة الجنائية في غياب المتهم وأطراف الدعوى العمومية والمطالب الحق المدني والمسؤو ل عن الحقوق المدنية وكذا المواجهة مع الشهود ، وعرض وسائل الإقتناع على المتهم.
وفي هذا الصدد جاءت المادة 287 من ق.ج لتنقص على ما يلي: "لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها،" وما يؤكد أيضا أهمية حضر المتهم وشفوية الإجراءات ما نصت عليه المادة 337 من ق.م.ج في فقرتها الأولى"يؤدي الشاهد شهادته شفهيا ....."
وبناءا على غياب المتهم أمام الهيئة لجوابه عن التهمة الموجهة إليه ومواجهته مباشرة مع الضحية وشهود الإثبات وشهود النفي وعرض وسائل الإقتناع عليه، يجعل إجراءا ت البحث و المناقشات باطلة.
وغياب مبدأ الحضورية لأطراف الدعوي الجنائية يترتب عنه بطلان المحاكمة والحكم الصادر بشأنها ،وخصوصا أن الفصل751 من.ق.م.ج بنص على أن أي إجراء يأمر به هذا القانون(ق.م.ج)، ولم يتبث إنجازه على الوجه القانوني، يعد كأن لم ينجز، ولوتم قبول المحاكمة عن بعد من طرف المتهم المعتقل.

خامسا: إجراءات قانون المسطرة الجنائية تعتبر من النظام العام ولا يجوز مخالفتها لإرتباطها بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد.
مما لاشك فيه أن هاجس توفير ظروف المحاكمة العادلة وفق للنمط المتعارف عليه عالميا ، واحترام حقوق الأفراد وصون حرياته من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام من جهة أخرى،كانت هي المرتكزات التي يهدف إليها مشرع قانون المسطرة الجنائية، الذي يتضمن مجموعة من الدعائم التي تضمن سير إجراءات الدعوى العمومية بصفة سليمة وصحيحة.
وأن المشرع المغربي أولى أهمية فائقة للقواعد الإجرائية المتعلقة بممارسة الدعوى العمومية من خلال تطويق الخصومة الزجرية بنصوص لا يمكن الإتفاق على مخالفتها،باعتبارها من النظام العام.
ومخالفة هذه القواعد الإجرائية ،يترتب عنه بطلان المحاكمة والحكم الصادر بشأنها.

سادسا: تأثير تقنية المحاكمة عن بعد على قناعة القاضي، والسلطة التقديرية له و كذا الإقتناع الصميم الذي تشترطه المادة 286 من.ق.م.ج." ...يحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم’ ويجب أن يتضمن الحكم ما يبرر اقتناع القاضي..."
من المعلوم أن الحكم الجنائي يصدر بناءا على عدة عناصر و إجراءات، منها علنية الجلسة وحضور المتهم وباقي أطراف الخصومة الجنائية أمام هيئة المحكمة ،وإجراء المناقشات والمواجهة بينهم بحضور دفاعهم.
وفي هذا الإطار يصعب على القاضي تكوين إقتناعه و المتهم لازال بالسجن ويتواصل معه من قاعة المحكمة دون المعاينة المباشرة للمتهم لطريقة تفاعله مع استجواب الهيئة القضائية وأسئلة الدفاع والنيابة العامة ، ومواجهته مباشرة بالشهود وما يصرح به كل شاهد بالجلسة ، وعدم تمكن القاضي من قراءة تقاسيم وتعبيرات وجه المتهم وحركاته ونبرة صوته خلال مناقشة الملف لأن الشاشة أو الصورة قد لا تعبر عن حقيقة تلك الحركات ،لأنه في بعض الحالات قد ينفي المتهم في سائر مراحل الأفعال المنسوبة إليه، وحين حضوره أمام هيئة المحكمة وبعد محاصرته بالأسئلة ، تتغير نبرة صوته وتظهر من تقاسيم وجهه أنه يخفي كلاما لازال لم يصرح به وبعد إصرار القاضي علي المتهم أن يقول الحقيقة ، تفاجأ الهيئة القضائية بالمتهم يجهر بالحقيقة. وهو الذي يصعب الوصول إليه في المحاكمة عن بعد. ويعرقل تكوين قناعته، ويصبح ملزما باعتماد محاضر الضابطة القضائية ومناقشات قاضي التحقيق ، وخاصة أن تصريحات المتهم من السجن عبر هذه التقنية قد تكون غامضة ومبهمة ، وفي بعض الحالات حين يكون صبيب الأنترنيت ضعيفا، لا تسمع المحكمة تصريحات المتهم ونفس الشيء بالنسبة للمتهم لا يسمع ولا يفهم كلام رئيس الهيئة ، وفي بعض الحالات قد نشاهد حركات الفم تتحرك دون الصوت.
ومن الصعوبات التي قد تعرقل اقتناع القاضي عدم إمكانية عرض وسائل الاقتناع مباشرة على المتهم كالمسروقات والسلاح كمحجوزات حجزت لديه، وفي جرائم التزوير المادي يصعب عرض التوقيع المزور على المتهم قبل إجراء الخبرة.
كما أنه يصعب على القاضي مواجهته بتوقيعه على محضر الضابطة القضائية إذا نازع المتهم في التوقيع ،لأنه يصعب على المتهم لإطلاع على محضر تصريحه وتوقيعه على المحضر.
وفي هذا الإطار فإن القاضي سوف يتعامل مع هذه التقنية وفي قرارة نفسه أن اقتناعه المِؤسس للحكم الجنائي قد يكون ناقصا في بعض الملفات ، كما أن سلطته التقديرية التي خولها له المشرع والتي تتخللها مشاعر وأحاسيس وحدس القاضي الذي راكم تجربة في القضاء الجنائي ، تتقاسمها معه تقنية التواصل عن بعد.وعندما تنتهي مناقشة القضية لمن تكون الكلمة الأخيرة للمتهم الغائب عن الجلسة المباشرة أم للتقنية .

سابعا : مخالفة تقنية المحاكمة عن بعد للمواثيق الدولية وخاصة المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
انطلاقا من الفقرة الثالثة من تصدير الدستور الذي يعد جزءا من الدستور ، فإن المملكة المغربية تعتبر عضوا عاملا و نشيطا في المنظمات الدولية وتتعهد بالتزام ما تقتضيها مواثيقها من مبادئ وحقوق و واجبات تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا .
وبالرغم مما جاء في ديباجة الدستور فإن المحاكم المغربية طبقت تقنية المحاكمة عن بعد مخالفة بذلك ضمانات المحاكمة العادلة وخاصة مبادئ علنية الجلسات وغياب المتهم عن الجلسة وتعويض حضوره بتقنية التواصل معه بمعتقله بالمؤسسة السجنية وغياب المناقشة الشفوية الحضورية والتواجهية المباشرة للمتهم في المحاكمة يعد مخلفا للمواثيق الدولية وخاصة المادة 14 من العهد لدولي للحقوق المدنية والسياسية.

ثامنا :وجود صعوبة واقعية وتقنية في استعمال تقنية المحكمة عن بعد لنقل المحاكمة بجميع المتدخلين فيها بشكل جماعي وفي زمن واحد.
ولعل من سلبيات تقنية المحاكمة عن بعد ،عدم توافر نظام دعائم وبرنامج تقني إلكتروني يوفر نقل الصور والصوت من مؤسسة السجن لهيئة المحكمة وأطراف الخصومة الجنائية بشكل جماعي ومشترك ، يسمح لكل طرف في الدعوى الجنائية أن يتتبع مباشرة وفي زمن واحد إجراءات المحاكمة.

الخاتمة :
ونخلص في النهاية ، أنه مهما كانت المبررات لإستعمال تقنية المحاكمة عن بعد ، الإنتقادات الموجهة إليها فإن وزارة العدل تراخت في تفعيل أحد توصيات ميثاق الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، ويتعلق الأمر، بتحديث الإدارة القضائية، وتعزيز حكامتها، وتقوية البنية التحتية التكنولوجية، للإدارة القضائية،والأنظمة المعلوماتية الآمنة، والبرامج المعلوماتية لها ، و كيفية التدبير المعقلن والآمن للوسائط الإلكترونية في إجراءات التقاضي في المساطر وخاصة المدنية والجنائية , وتأهيل الموارد البشرية في المجال الرقمي لضمان النجاعة القضائية الرقمية، في أفق تنزيل المحكمة الرقمية والتي تعد المحاكمة عن بعد أحد صورها، والتي تم تطبيقها من طرف المحاكم.
في إطارالتدابير إلاحترازية الناجمة عن إعلان حالة الطوارئ الصحية بسبب وباء كورونا، واستحضارا للأمن الصحي لكل مكونات العدالة والمتدخلين في المحاكمة عن بعد.
وقد أصدرت المحاكم عددا كميا من الأحكام الجنائية والتلبسيه للمعتقلين في إطار استعمال تقنية المحاكمة عن بعد يدفعنا إلى طرح التساؤلات التالية :
- ما هو الإطار التشريعي و القانوني المعتمد عليه في استعمال إجراء تقنية المحاكمة عن بعد ؟
-وما مدى تلاؤم هذه المحاكمة مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية في مجال المحاكمات ؟
- وهل هذه المحاكمات وفرت للمتهمين المعتقلين ضمانات المحاكمة العادلة وخاصة الحق في علنية الجلسة وحقه في الحضور المادي للجلسة و الحق في الشفوية المباشرة للمناقشات و سماع مرافعات الدفاع والنيابة العامة و تصريحات الشهود والمواجهة المباشرة مع الشهود ؟
- وهل هذه المحاكمات عن بعد تضمنت الموافقة القبلية والصريحة للمتهمين و دفاعهم ؟
- وما مدى تأثير تقنية استعمال المحاكمة عن بعد على السلطة التقديرية للقاضي و اقتناعه الصميم ؟
ولعل المشرع يلتقط هذه التساؤلات وغيرها من الكتابات في هذا المجال ، لمراعاتها أثناء مناقشة مشروع استعمال الوسائط الإلكترونية في إجراءات التقاضي في المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية. واعتماد المقاربة التشاركية من أجل توفير النص المناسب ، والشروط التقنية الكافية.
ولعل هذه التساؤلات يمكن استثمارها في صياغة أسباب الطعن بالنقض في الأحكام والقرارات الصادرة في إطار المحاكمة عن بعد.باعتبار محكمة النقض مسؤولة عن ضمان التطبيق السليم للقانون طبقا للمادة518من قانون المسطرة الجنائية والفصل العاشر من الدستور الذي يلزم القضاة بالتطبيق العادل للقانون والفصل117 من الدستور الذي أوكل للقضاء مسؤولية حماية حقوق الأشخاص والجماعات، وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون .(القرار 06-20391الصادر بتاريخ6-4-2008 يؤكد في حيثياته على منع استعمال تقنية الفيديو كونفرونس في المراكز المخصصة للحراسة النظرية أو من السجن).
______________________
لائحة المراجع :

+ أولا: النصوص القانونية
-الدستور
-قانون المسطرة الجنائية
- مشروع التنظيم القضائي

+ ثانيا: المقالات
- مقال تحت عنوان موجز لحقوق الدفاع في مرحلة المحاكمة: الركائز والآليات:منشور في موقع العلوم القانونية للباحث بسلك ماستر العلوم الجنائية كلية الحقوق بمراكش.
- حاشية على مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، عبد الوهاب المريني ،المقال المنشور في موقع مجلة مغرب القانون.
- المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية الإجرائية،ذ خالد هلال محام،المقال المنشور بموقع جريدة الصحراء.
- قراءة في مشروع القانون المتعلق بالوسائط الإلكترونية في إجراءات التقاضي،الدكتورنورالدين الناصري المقال منشور في موقع القانونية.
- التقاضي عن بعد يستمد شرعيته الدولية والقانونية من؟ حوار صحفي للمحامي الإستاد رشيد وهابي، المنشور بموقع مغرس.
- ملاحظات على هامش اعتماد تقنية المحادثة الصوتية والمرئية في محاكمة المعتقلين،عبد الحكيم السباعي المقال المنشور في موقع الجريدة الإلكترونية> هسيرس. - عشرة أسباب تجعل المحاكمة عن بعد باطلة، والأحكام الصادرة عنها باطلة، صبري الحو المقال منشور في موقع الجريدة الإلكترونية،" لكم".
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -