عرض بعنوان: جرائم التسيير والادارة والتدبير في الشركات التجارية PDF
أن التدخل الجنائي للمشرع المغربي في ميدان الشركات التجارية وخاصة شركات المساهمة لم يكن محض صدفة أو خيارا يمكن تجاوزه، وإنما هو شر لابد منه أملته إكراهات وظروف تمثلت في عجز الجزاءات غير الزجرية عن أداء وظيفتها، إضافة إلى عدم ملاءمة الجزاءات الزجرية التقليدية لدرجة الخروقات والافعال الاجرامية المرتكبة على مستوى الشركات[1].
حيث صار تدخل المشرع الجنائي في مجال تنظيم الشركات أمرا مسلما به في جل التشريعات الحديثة نظرا لما أصبح يشكله ميدان المال والأعمال كمجال خصب لنوع جديد من الجرائم، وتسمى جرائم الأعمال، وترتكب هذه الجرائم من طرف أشخاص يبحثون عن الغنى السريع اعتمادا على وضعيات قانونية تغري بارتكاب نوع معي ن من الجرائم يعرف بجرائم ذوي الياقات البيضاء.
و بفعل هذا التدخل والتغلغل للجانب الزجري في قانون الشركات أصبحنا أمام قانون جديد[2] يعرف بالقانون الجنائي للشركات والذي يتمحور حول المخالفات والجنح الضبطية[3] التي ترتكب من بداية حياة الشركة إلى نهايتها.
و بالرجوع إلى قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة والقانون 5.96 المتعلق بباقي الشركات نلاحظ بأن المشرع حرص على تحديد التصرفات أو الافعال التي تشكل خرقا للقواعد التجارية بصفة عامة وقوانين الشركات بصفة خاصة والمرتبطة سواء بعرقلة التأسيس أو بعرقلة التسيير والمراقبة والحل.
و يعتبر التسيير في الشركات التجارية من الامور التي حظيت باهتمام كبير من لدن التشريعات سواء منها المشرع المغربي او الفرنسي، وإذا كان التسيير يقتضي نظريا الحرص على حماية حقوق ومصالح الشركة فإن الواقع العملي كشف عن وجود مسيرين قلما يأخدون بعين الاعتبار مصالح الشركاء[4] الامر الذي دفع بالمشرع إلى إقرار العديد من المقتضيات الزجرية غايتها معاقبة المخالفات التي تطال تسيير وإدارة الشركات بوجه عام.
تأسيسا على ما سبق سنحاول من خلال هذا العرض أن نتناول بالدراسة والتأصيل جرائم التسيير والتدبير والإدارة في الشركات التجارية، معتمدين على التصميم الآتي:
المبحث الأول: المسؤولية الجنائية للجهاز المسير
المبحث الثاني: جرائم التسيير والادارة.
المبحث الاول: المسؤولية الجنائية للجهاز المسير
تعد المسؤولية عن أخطاء التسيير من أكثر المسؤوليات شيوعا وانتشارا، ويخضع تقديرها للسلطة القضائية، وتنشأ عن الفعل الضار والخطأ والاهمال والتقصير[5]، ذلك ان هذه الاخطاء قد تعصف بحياة وكينونة الشركة وذلك في حالة تفاقمها وعدم وضع حد لها، وهو الامر الذي جرمته العديد من التشريعات المقارنة[6]، وهو نفس المقتضى والنهج الذي سلكه المشرع المغربي من خلال قوانين الشركات التجارية 17.95 و5.96، حيث جاءت هذه الاخيرة متضمنة للعديد من المقتضيات الزجرية المتعلقة بعدد هائل من الافعال التي يمكن أن ترتكب من طرف الجهاز المسير للشركة خلال أداءه لمهام التسيير او بمناسبتها.
فالمسؤولية الجنائية ترافق الجهاز المسير خلال جميع مراحل علاقته بالشركة بدءا من التأسيس مرورا بمختلف أطوار حياة الشركة وعلاقتها بالأجراء وبالدائنين والاغيار بمراقبي الحسابات، انتهاء بمرحلة التصفية والقسمة، كما يمكن أن تمتد آثار هذه المسؤولية الجنائية للجهاز المسير في بعض الوضعيات حتى بعد تخليه عن مهام التسيير أو حتى بعد انتهاء الشركة وتصفيتها[7].
المطلب الأول: القواعد العامة في التجريم
تتميز القواعد العامة التي تخضع لها المسؤولية الجنائية للجهاز المسير بالعديد من المميزات سواء على مستوى توسيع دائرة الاشخاص المعنيين بها، أو على مستوى حالة العود، او على مستوى النزول عن الحد الادنى للغرامات المقررة او ايقاف تنفيذ العقوبات الحبسية.
الفقرة الأولى: توسيع دائرة الجهاز المسير
إن قراءة متأنية لقوانين الشركات يتضح معها ان المشرع حاول جاهدا توسيع دائرة المخاطبين بقواعده والاشخاص المعنيين بالعقوبات الزجرية المنصوص عليها في هذه القوانين، بحيث جعلها تشمل كلا من مسيري شركات الاشخاص وجميع أعضاء أجهزة الادارة أو التدبير أو التسيير في شركات المساهمة وكلا من المسيرين الفعلين القانونين والفعليين لهذه الشركات[8].
وعليه فإن العقوبات الزجرية المنصوص عليها في قوانين الشركات التجارية المغربي تطال كلا من المسيرين القانونيين وكذا المسيرين الفعليين الذين ثبتت مسؤوليتهم في هذا الاطار، بل يمكن ان يقتصر الامر على إثارة مسؤولية المسير الفعلي فقط دون المسير القانوني، وتبقى لمحاكم الموضوع في جميع الحالات سلطة تقديرية في إثبات صفة المسير الفعلي والاقتناع بالأفعال المنسوبة إليه وذلك تحت رقابة محكمة النقض.
فالمسير القانوني للشركة هو ذلك الذي يتولى بصفة نظامية مهام الإدارة أو التدبير أو التسيير في الشركة، أي كل الأعضاء القانونيين للشخص المعنوي المعين بصفة نظامية، والذين تناط بهم مهام تدبير شؤون الشركة[9].
أما المسير الفعلي يقصد بالمسير الفعلي ذلك المسير الذي عين بصفة غير قانونية، أو الشخص الذي له تأثير دائم على اتخاذ القرارات أو على المسير العادي لإدارة الشركة، وكل شخص يمارس بصورة مباشرة أو عن طريق شخص سخر نشاطا ايجابيا ومستقلا داخل الشركة، تحت غطاء أو نيابة عن الممثلين الشرعيين،أو كان يحركه أو يتلاعب بهؤلاء، الأمر يفترض نشاطا ايجابيا ومعتادا في التسيير بكل استقلالية وحرية[10]، وعليه فإن الذي نستشفه من هذا التعريف، أن كل من لا ينطبق عليه وصف المسير القانوني يعتبر مسيرا فعليا.
والقضاء الفرنسي عرف المسير الفعلي بأنه الشخص الذي يتدخل في تسيير ومراقبة إدارة الشركة، وأن التدخل في الوظائف التي تقوم عليها الإدارة العامة للمقاولة والتي تستلزم مشاركة مستمرة في هذه الإدارة ومراقبة فعلية وقارة لمسير المقاولة المعنية يعتبر معيارا كافيا لإضفاء صفة المسير الفعلي، وأن المحكمة يمكن أن تستنتج هذه الصفة من خلال عدة معطيات.
الفقرة الثانية: الرجوع إلى القاعدة العامة في العود
كانت المنظومة الجنائية لقانون الشركات التجارية في صيغتها تنفرد عن القواعد العامة لحالة العود المنظمة في القانون الجنائي العام، حيث كان كظرف مشدد للعقوبة غير محدد من حيث الزمن، بحيث كانت المادة 375 من ق.ش.م والمادة 101 من ق.ب.ش تعتبر حالة العود قائمة على كل من يرتكب جريمة ويكون قد عوقب عليها وحكم عليه بالحبس أو الغرامة او هما معا بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به وذلك خلافا للفصلين 156 و157 من القانون الجنائي.
إلا أنه وبضغط من الهيئات المهنية المعنية الممثلة للفاعلين الاقتصاديين، تم تعديل هاتين المادتين بمقتضى القانونين 20.05 و21.05 حيث تم الرجوع عن العود غير المحدد إلى العود المحدد في خمس سنوات تبتدأ من تمام تنفيذ العقوبة أو تقادمها[11].
و من مبررات التعديل أن "النظام المخالف لقواعد القانون الجنائي العام بخصوص مدة العود جد صارم وغير مبرر إطلاقا"[12]، وهو الامر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول حدود هذا التعديل وأهميته وهل تحديد المدة الزمنية التي يعتد بها لقيام حالة العود تعد في صالح حياة الاعمال.
و عليه، فإذا كان هذا التعديل جاء كما أسلفنا سابقا استجابة للفاعلين الاقتصاديين، فإن الواقع والمنطق يقتضي أن يبقي على حالة العود غير المحددة زمنيا وذلك لتحقيق ردع أكبر لا سيما وان عالم الشركات والاعمال عالم يتم فيه تداول الكثير من الاموال المقدمة من طرف الجمهور إلى جهات معينة لتتولى استثمارها والتصرف فيها واستخدامها بشكل يحقق لهذا الجمهور أرباحا او فوائد.[13]
المطلب الثاني: الطابع الخاص للقانون الجنائي في ميدان الشركات
إن السياسة الجنائية في ميدان الاعمال بصفة عامة وميدان الشركات التجارية خاصة تعرف توجها واضحا نحو خصوصية القانون الجنائي لهذا الميدان، وليس مجرد قواعد قانونية تابعة للقانون الجنائي العام. ولعل ما يبرز أكثر هذه الخصوصية هو استقلال كل فرع من فروع قوانين الاعمال بمنظومة زجرية تنظم مجالاته.
الفقرة الأولى: تكريس الطابع الخاص للمنظومة الزجرية لقوانين الشركات
يتجلى هذا التكريس الخاص من خلال إلغاء كل من المادة 376 من القانون 17.05 والمادة 102 من القانون 5.96 وذلك بمقتضى القانونين 20.05 و 21.05 على التوالي، واللتين كانتا تنصان على أنه لا تطبق الاحكام الجنائية المنصوص عليها في قوانين الشركات إلا إذا كانت الافعال المعاقب عليها لا تقبل تكييفا جنائيا أشد حسب أحكام القانون الجنائي العام. وإذا كان هذا الالغاء جاء نتيجة للمطالبة بتخفيف المسؤولية الجنائية لمسيري الشركات وتليين الجانب الجنائي لقانون شركة المساهمة، فإنه أيضا جاء للتأكيد على خصوصية قانون الشركات ونشأة قانون جنائي خاص بها.
إلا أنه ما يثير الاستغراب هو أن المشرع كان متناقضا مع نفسه على هذا المستوى، بحيث أنه إذا كان فعلا يريد تكريس الطابع الخاص للقانون الجنائي الخاص كان حري به الابقاء على خصوصية حالة العود كما كانت منظمة سابقا ومختلفة عن تلك المنظمة بمقتضى الجنائي العام. وبالتالي فإن المشرع كف الارتباط بين الجنائي العام والجنائي الخاص للشركات من خلال إلغاء المادتين السابقتين في حين عاد ليبني هذا الارتباط مجدد من خلال تبني الجنائي الخاص لنفس المقتضيات الخاصة بحالة العود المتضمنة في القانون الجنائي العام.
الفقرة الثانية: تكريس الطابع الخاص للعقوبات المطبقة.
اعتبارا للطبيعة الخاصة التي تميز أغلب العقوبات المضمنة بقانوني الشركات والتي لا تخرج في الغالب عن غرامات يكون الجهاز المسير ملزما بأدائها، فإن المشرع حاول الحفاظ على هذا الطابع الخاص للغرامات لكونها تمس الذمة المالية المباشرة للجهاز المسير، وبالتالي منع القضاء المختص بالنطق بها من النزول عن حدها الادنى وذلك خلافا للمقتضيات القانونية المنظمة للسلطة التقديرية للقاضي في هذا المجال والمنظمة بمقتضى الفصول 55 و149 و150 من مجموعة القانون الجنائي العام.[14]
وفي نفس الاطار أيضا منعت كل من المادة 377 من ق.ش.م والمادة 103 من ق.ب.ش الجهات القضائية المختصة بشكل صريح ومباشر من الامر بإيقاف تنفيذ الغرامات المحكوم بها على الجهاز المسير بحيث يمكن أن يقتصر هذا الامر على العقوبات الحبسية
المبحث الثاني: جرائم التسيير والادارة في الشركات التجارية
تعتبر جرائم التسيير والادارة من أهم الجرائم التي قد ترتكب من طرف الجهاز الاداري للشركة، وهذه الأهمية نابعة أساسا من أعمال الادارة والتسيير تعتبر المحرك الاساسي لحياة الشركة في علاقتها مع ذاتها ومع الاغيار، كما تنبع أيضا من الصفة الخاصة للأشخاص المسؤولين وهم المسيرين القانونيين أو الفعليين، والذين نعتهم الفقه الجنائي بذوي الياقات البيضاء.
و إذا كان المسير يعد أهم متصرفي الشركة، فإنه يعد في نفس الوقت أخطر عنصر بحيث يتوفر على قدر كبير من الخبرة والدهاء ما يمكنه من إخفاء معالم الجريمةالتي يأتيها.
لقد ارتأينا ان نقف هنا عند الجرائم المنصوص عليها في المواد من 384 إلى386 من القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة باعتبارها الشريعة العامة لباقي الشركات، والتي من خلال الاضطلاع عليها يمكن أن نقسمها إلى مطلبين يتعلق الاول بجرائم التسيير ذات القصد الجنائي أما الثاني فيتعلق بجرائم التسيير المادية.
المطلب الأول: جرائم التسيير ذات القصد الجنائي
جرائم التسيير ذات القصد الجنائي أي التي تطلب المشرع لقيامها ضرورة قيام الركن المعنوي إلى جانب الركن المادي والقانوني نوعان وهما: الجرائم الماسة بالمصلحة الاقتصادية للشركة والجرائم الماسة بحسابات الشركة.
الفقرة الأولى: الجرائم الماسة بالمصلحة الاقتصادية للشركة
و يتعلق الأمر بالجريمتين المنصوص عليهما في البندين 3 و4 من المادة 384 من القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة ومن المادة 107 من القانون 5.96 المتعلق بباقي الشركات، سنتناول أولا جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة وثانيا جريمة إساءة استعمال السلط أو الأصوات داخل الشركة.
أولا: جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة.
يعد تجريم سوء استعمال أموال واعتمادات الشركة خير مثال على مسايرة المشرع لأحدث الأفعال والسلوكات الجرمية الواقعة على الذمة المالية للشركة والمستعملة من رجال الأعمال ومسيري الشركات المساهمة خصوصا.
و يأتي تجريم هذه الأفعال في إطار حرص المش ر ع الجنائي على حماية الحقوق والمصالح المتواجدة في الشركة وعلى رأسها حقوق المساهمين والدائنين وكل المتعاملين مع الشركة وحقوق هذه الأخيرة في حد ذاتها.
ميلاد هذه الجريمة يعود إلى القانون الفرنسي الذي استحدثها بمقتضى قانون 8 غشت 1935 لأول مرة، فقبل هذا التاريخ كان القضاء الفرنسي يدين مديري ومسيري الشركات عن الخروقات التي تمس بالذمة المالية للشركة بجريمة خيانة الأمانة، وإذا كان القضاء يهدف من تطبيق هذه الجريمة عدم إفلات الجناة إلا أنه خرق مبدأ الشرعية وتعرض بذلك لعدة انتقادات، لأن جريمة خيانة الأمانة تقوم على عنصري التبديد والاختلاس للأموال دون أن تتعلق بإساءة الاستعمال مما جعل من جريمة خيانة الأمانة لا تتلاءم مع الجرائم المتعلقة بميدان الشركات. أما بالنسبة للتشريع المغربي فإن هذه الجريمة لم تنظمَّ إلاَّ في ظل القانون 95.17 وقانون 96.5 الذين استوحت جل نصوصهما من التشريع الفرنسي ل 24 يوليوز1967
و باستقراء المادتين 384 من القانون 17.95 و107 من القانون 5.96 يتضح أن جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة تتطلب لقيامها تحقق سلامة الركن المادي والمعنوي.
عناصر الركن المادي لجريمة سوء استعمال أموال واعتمادات الشركة.
تتعدد عناصر الركن المادي في جريمة إساءة استعمال أموال واعتمادات الشركة في عنصرين أساسيين:
العنصر الأول: استعمال أموال واعتمادات الشركة.
العنصر الثاني: تعارض هذا الاستعمال مع المصلحة الاقتصادية للشركة.
و سنقف عند كل عنصر من هذين العنصرين المكونين للجريمة محل الدراسة.
العنصر الأول: استعمال أموال واعتمادات الشركة.
من بين السلطات التي يتمتع بها مسيرو شركات المساهمة إدارة وتسيير هذه الأخيرة، واستعمال أموالها واعتماداتها، لكن قد يقع أن يفقد هذا الاستعمال قانونيته ويخرج عن الإطار الذي رسمه له المشرع ويتحقق ذلك عندما يقدم هؤلاء المسيرين على خلط الذمة المالية للشركة مع ذممهم المالية وذلك بالتعامل مع أموال واعتمادات الشركة وكأنها أموالهم الخاصة واستعمالها على هذا الأساس.
و يأخذ الاجتهاد القضائي الفرنسي بالمفهوم الواسع لمصطلح الاستعمال حيث يعرفه بأنه كل تصرف من شأنه المس بالذمة المالية للشركة أو اعتماداتها وقد يتخذ صورة التملك أو التبديد أو الاستغلال أو التفويت...فهو لا يرتبط بثبوت نية التملك لدى المسير أو الانتقال الفعلي للمال من ذمة الشركة إلى ذمته الشخصية بل مجرد الاستعمال السيء لأموال الشركة هو كاف لقيام الجريمة أي أن الركن المادي للجريمة يتحقق بمجرد الاستفادة من القرض أو التسهيلات المالية أو الاستخدام غير المبرر لأدوات ومعدات الشركة أو الاستعانة بأجرائها للقيام بخدمة شخصية لفائدة المدير أو المسير أو إعطاء رشوة من مال الشركة لكسب صفقة تخدم مصالح الشركة.
فهذه الجريمة تتحقق سواء كان الاستعمال في صالح الشركة او سبب لها ضررا ما.
لقد استقر الفقه والقضاء الفرنسي على اعتبار ذلك الاستعمال تقوم معه جريمة إساءة استعمال أموال الشركة واعتماداتها مستندا في ذلك على علة كون هذا الاستعمال يمكن أن يعرض الذمة المالية للشركة للضرر والمخاطرة، كما اعتبر أنهو حتى عند إرجاع المسير للأموال المستعملة فإن ذلك لا يمحي قيام الجريمة وبالتالي ليس ضروريا لتحريك المتابعة إثبات أن المسير استعمل أموال الشركة ب نية الاستحواذ عليها بل يكفي مجرد استعماله لها.
هذا ويجب أن ينصب عنصر الاستعمال على أموال واعتمادات الشركة. ويقصد بأموال الشركة مجموع الأموال سواء منها المنقولة له أو غير المنقولة والتي تدخل في الذمة المالية للشركة كالبضائع والأدوات والمعدات إضافة إلى الديون المستحقة لدى الغير والعقارات العائدة لها.
أما اعتمادات الشركة فيقصد بها استغلال اسم الشركة، سمعتها التجارية المتألقة في السوق والناتجة عن نقل وزنها المالي وقوتها التنافسية وعن كبر حجم أعمالها ومعاملاتها التجارية وما إلى غير ذلك من الاموال المنقولة المعنوية.
العنصر الثاني: تعارض هذا الاستعمال مع المصلحة الاقتصادية للشركة.
و هو العنصر الثاني الذي يلزم توافره لقيام الركن المادي لجريمة إساءة استعمال أموال أو اعتمادات الشركة.
و يعد مفهوم مصلحة الشركة من ضمن المفاهيم القانونية التي يصعب إعطائها تعريفا محددا ومضبوطا وقد انقسم الفقه الجنائي في تفسير هذا المفهوم إلى اتجاهين أساسيين:
اتجاه يأخذ بالمفهوم الضيق للمصلحة بناء على نظامها العقدي حيث يرى بأن مصلحة الشركة تتجلى في مصلحة المساهمين والشركاء فقط وينطلق هذا الاتجاه من مفهوم حكومة المقاولة باعتباره الأسا الجديد لإعادة توزيع السلطات داخل الشركة قصد تحقيق توازن بين القوى المتواجدة.
و اتجاه ثاني يأخذ بالمفهوم الواسع لمصلحة الشركة ويستند في ذلك على النظرية النظامية للشركة ويعرف هذا الاتجاه مصلحة الشركة بأنها المصلحة العليا للشخص المعنوي ذاته الذي يعُد فاعلا اقتصاديا مستقلا وله أهداف مستقلة عن أهداف الأشخاص المكونين له أي المساهمين والأجراء والدائنين والموردين والزبناء على أن مصلحة هؤلاء تلتقي في الصالح العام المتمثل في ازدهار الشركة والحفاظ على سيرورتها وبقائها.
و لقد كان لهاذين الاتجاهين الأثر الكبير على الاجتهاد القضائي الذي لم يستقر هو الآخر على موقف موحد فنجده تارة يأخذ بالمفهوم الواسع كي يضمن فعالية وتطبيق المقتضيات الزجرية، وتارة أخرى يأخذ بالمفهوم الضيق ويتجلى ذلك حين رفضه في مناسبات عديدة حق الانتماء كطرف مدني لكل من الأجراء والدائنين الذين يقعون ضحية تعسفات المساهمين.
و يترتب عن الأخذ بالمفهوم الواسع للمصلحة الاقتصادية للشركة أن موافقة المساهمين أو الشركاء على استعمال المسير لأموال الشركة قصد تحقيق مصالحه الشخصية لا تنهض سببا لنزع الطابع الجرمي عن هذا الاستعمال، فمصلحة الشركة ليست رهن إشارة المساهمين أو الشركاء وليس لهم أهمية التحكم فيها خاصة وأن الهدف من وراء التنصيص على هذه الجريمة مصلحة الشركاء ومع الحفاظ على ذمة الشركة.
الركن المعنوي.
تعتبر جريمة إساءة أموال الشركة أو اعتماداتها من الجرائم العمدية التي يلزم لتوافرها تحقق القصد الجنائي لدى المسير، فالبند الثالث من المادة 384 من ق.ش إنما يعاقب المسيرين الذين استعملوا بسوء النية أموال الشركة واعتماداتها استعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة.
وبهذا المقتضى يلزم لاكتمال الركن المعنوي لهذه الجريمة توفر القصد الخاص إلى جانب القصد العام، فإذا كان القصد العام يتحقق باتجاه إرادة المسير الجاني إلى استعماله لأموال أو اعتمادات الشركة مع علمه بأن هذا النشاط يمس بالمصلحة الاقتصادية للشركة، فإن القصد الخاص يتمثل في تحقيق الجاني من وراء نشاطه الإجرامي أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مقاولة له بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة.
ومفهوم المصلحة الشخصية مفهوم مرن وجد واسع ويستوعب كافة الامتيازات والمنافع التي يحققها مسير الشركة إما لفائدته الشخصية وإما لفائدة غيره من الأقارب أو الأصدقاء أو أي شخص تربطه به علاقة ما، ويمكن أن تكون المصلحة عبارة عن مكتسبات مادية عن طريق الإثراء المباشر من ذمة الشركة أو معنوية من قبيل سعي المسير نحو الحفاظ على العلاقات الاجتماعية أو التجارية أو السياسية...
و تضاعف العقوبة المذكورة في حالة العود طبقا للمادة375 من قانون 17.95 التي اعتبرت حالة العود قائمة لكل من ارتكب جريمة بعد أن يكون قد حكم عليه بالحبس أو الغرامة أو هما معا بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جريمة سابقة وذلك خلافا للفصلين 156 و157 من القانون الجنائي.
ثانيا: جريمة إساءة استعمال السلط أو الأصوات داخل الشركة.
• استعمال السلط
تعرف السلطة بكونها تلك الحقوق المملوكة للمسيرين بواسطة القانون أو بواسطة النظام الأساسي للشركة، والتي ينتهي سوء استعمالها إلى تجريمها بواسطة البند الرابع من المادة 384 السالفة الذكر، وهكذا نكون أمام سوء استعمال السلط، مثلا في الحالة التي يعمد فيها أحد المسيرين إلى إعطاء أوامر لأجراء الشركة بإنجاز أشغال شخصية للمسير.
و استعمال السلط يمكن أن يتحقق بأفعال إيجابية كإعطاء أوامر أو اتخاذ مواقف تخدم المصالح الشخصية لمصدرها، ويمكن أن تتحقق بأفعال سلبية كالامتناع عن المطالبة بديون الشركة.
•استعمال الأصوات.
تتجلى مسألة سوء استعمال الأصوات داخل الشركة حينما يوكل أحد الشركاء المسير بوكالة على بياض حتى ينوب عنه في عملية التصويت داخل الجمعية العمومية فيستغل المسير هذه الوكالة ليؤثر في قرارات الجمعية بالشكل الذي يرغب
فيه.
و قد تستعمل الأصوات أو السلط لتسهيل جمعيات اختلا الأموال التي قد يقوم بها المسير وفي هذه الحالة تكون السلط والأصوات وسيلة فقط يتحقق بها الهدف الأساسي الذي هو الاستيلاء على المال.
لذلك يرى الفقه بأن سوء استعمال السلط أو الأصوات تشكل جرائم مسهلة لجريمة سوء استعمال أموال الشركة أو اعتماداتها والتي تعد الهدف المبتغى من وراء الأولى.
و يعاقب على جريمة إساءة استعمال السلط أو الأصوات بنفس عقوبة جريمة سوء استعمال أموال الشركة أو اعتماداتها وذلك بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 100000 إلى 1000000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين إلى
جانب العقوبات الإضافية التي أشرنا إليها عند تناولنا لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة أو اعتماداتها.
الفقرة الثانية: الجرائم المتعلقة بحسابات الشركة.
سنتطرق للحديث في هذا الصدد عن الجنح المتعلقة بنشر أو تقديم قوائم تركيبية غير صادقة عن وضع الشركة، ثم الجنح المتعلقة بتوزيع أرباح وهمية في غياب الجرد أو وسائل جرد تدليسية.
أولا: نشر أو تقديم قوائم تركيبية لا تعطي صورة صادقة عن وضع الشركة
يجرم القانون كل مسؤول داخل شركة قام بنشر أو تقديم قوائم تركيبية غير صادقة ومغلوطة عن وضع الشركة، وتشمل القوائم التركيبية انطلاقا من المادتين 9 و10 من قانون رقم 09.88[15] والمتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها: الموازنة وحسابات العائدات والتكاليف وقائمة أرصدة الإدارةوجدول التمويل وقائمة المعلومات التكميلية...
وعلى هذا الأسا حدد المشرع المغربي النصوص التجريمية في هذا الاطار انطلاقا من البند الثاني من المادة 384 من قانون رقم 17.95 والذي ينص ": الذين قاموا...بنشر أو تقديم قوائم تركيبية سنوية للمساهمين لا تعطي صورة صادقة للنتائج المحققة برسم كل سنة مالية والوضعية المالية للشركة".
وهي نفس المقتضيات التي تم التنصيص عليها في البند الثاني من المادة 107 من قانون رقم 96.05.
وتتحقق هذه الجريمة بتوافر الركن المادي والركن المعنوي كباقي الجرائم الاخرى.
فالركن المادي لهذه الجريمة هو:
- تقديم أو نشر قوائم تركيبية؛
- تقديم قوائم تركيبية للمساهمين لا تعطي صورة صادقة للنتائج المحققة برسم كل سنة مالية، والوضعية المالية للشركة وذمتها المالية عند انتهاء تلك الفترة[16].
وبالرجوع إلى المادة 384 من ق 17.95، نجد أنها تضمنت فعلين إجراميين حيث يكفي احدهما لقيام الجنحة حتى ولو في حالة عدم توزيع الارباح حيث نص عليها المشرع المغربي بشكل صريح في المادة 384 بالعبارة التالية: "...الذين قاموا عن قصد ولو في حالة عدم توزيع الأرباح... بنشر أو تقديم..."
ويقوم الركن المعنوي بوجود القصد الخاص بالإضافة إلى القصد الجنائي العام. فالقصد الجنائي العام، يتمثل في العلم والإرادة كعنصرين ضروريين للقصد الجنائي، فالعلم يتمثل في علم الجاني بأن القوائم التركيبية المنشورة أو المقدمة غير صادقة، أما الارادة فتتجلى في تقديم أو نشر قوائم كاذبة.
أما القصد الخاص والذي يعتبر عنصرا ضروريا لقيام الركن المعنوي لهذه الجريمة، فيتمثل في توجه إرادة الفاعل إلى اخفاء الوضعية الحقيقية للشركة.
ثانيا: توزيع أرباح وهمية في غياب الجرد أو بوسائل الجرد التدليسية
من المبادئ المتعارف عليها في القانون المدني هو تقييم الارباح وتحمل الخسائر التي قد تتحقق لدى الشركة[17]. ولكن هذه الامكانية قد يتم إساءة استعمالها باللجوء إلى طرق غير مشروعة بغية اقتسام ارباح وهمية، فهذا التصرف يكتسي طابعا اجراميا في ظل قانون الشركات المغربي، ويتجلى ذلك في كل من البند رقم 1 من المادة 384 من ق 17.95 والبند رقم 1 من ق 05.96.
ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بتوافر العنصرين التاليين:
1-توزيع أرباح وهمية على المساهمين.
2-توزيع في غياب أي جرد أو بالاعتماد على جرود تدليسية.
-توزيع أرباح وهمية على المساهمين:
لقد تطرق المشرع المغربي لهذا العنصر من خلال المادة 384 بالعبارة التالية: "الذين وزعوا عن قصد على المساهمين أرباحا وهمية".
وتجدر الإشارة أن المادة 107 من ق 05.96 جاءت بعبارة أخرى والتي تفيد نفس المعنى (خيالية) حيث تقابلها في النص الفرنسي من نفس المادة عبارة( fitcif) وحتى يتحقق الركن المادي للجريمة لا يكفي أن يبلغ التوزيع المجرد لهذه الارباح، بل يجب أن يحصل ذلك عن طريق اقتران هذا التوزيع بتسلم الشركاء لتلك الأرباح، وتكون هذه الأرباح مطابقة للحقيقة.
-التوزيع في غياب أي جرد أو بالاعتماد على جرود تدليسية:
الجرود التدليسية هي الجرود الحسابية المغشوشة التي لا تحترم المبادئ المحاسبية المتمثلة في الإخلاص والصور الصادقة، والتي تعتمد على التقويم الحقيقي لقيمة خصوم وأصول الشركة، وذلك باللجوء إلى أساليب المبالغة في تقدير أصول الشركة أو حجب خصومها وديونها بقصد افتعال مركز مالي زائف.
وقد نصت المادة 184 عن ذلك في البند الأول بعبارة " في غياب أي جرد وبالاعتماد على جرود تدليسية".
بخصوص الركن المعنوي وبالرجوع الى المادة 384 من ق 17.95، والمادة 107 من ق 05.96، نجد أن المشرع استعمل عبارة " عن قصد" مما يفيد أن هذه الجريمة يلزم لقيامها توافر القصد الجنائي لدى مرتكبيها.
وبناء على ذلك، يجب أن يعلم الجاني بعدم وجود الجرد أو بالصفة الزائفة للجرد، وأن يتوفر لديه كذلك العلم بالصفة الصورية للأرباح الموزعة، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب أن يتوافر لديه سوء النية[18].
واذا كان المشرع المغربي يعاقب على جريمة توزيع أرباح وهمية فإن هذه العقوبة تختلف من شركة لأخرى من حيث الغرامة فقط إذ الغرامة المقررة في المادة 384 من ق 17.95 من 100.000 إلى 1.000.000 درهم أو بعقوبة حبسية من شهر إلى ستة اشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة، غير أنه يعاقب المسيرين بغرامة من10.000 إلى 100.000 درهم بعقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر، بالنسبة لباقي الشركات، حسب المادة 107 من ق 05.96.
المطلب الثاني: جرائم التسيير المادية
إن سير عمل الإدارة يقتضي قيام كل المسيرين ببعض المهام المنوطة بهم، إلا أن عدم القيام بالواجب القانوني المطلوب القيام به جرمه القانون وعاقب عليه ويقصد بالجرائم المادية تلك التي يستوي فيها القصد والاهمال او التقصيد فلا يشترط فيها بالضرورة توافر القصد الجنائي بل ان اتيان النشاط كما حدده النموذج القانوني كاف لإثبات الجريمة. وفي هذا الصدد سنكتفي بجريمتي، عدم إعداد الجرد والقوائم التركيبية وتقرير التسيير لكل سنة مالية (الفقرة الاولى)، وعدم إثبات مداولات مجلس الإدارة في محاضر(الفقرة الثانية.)
الفقرة الأولى: جريمة عدم إعداد الجرد والقوائم التركيبية وتقرير التسيير لكل سنة مالية:
هذه الجريمة نص عليها المشرع المغربي في المادة 386 من ق 17.95 حيث جاء فيه " يعاقب بغرامة من 20.000 إلى 200.000 درهم أعضاء أجهزة الادارة أو التدبير والتسيير لشركات المساهمة الذين لم يعدوا برسم كل سنة مالية الجرد والقوائم التركيبية وتقرير التسيير."
والركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في الامتناع عن إعداد الجرد والقوائم التركيبية وتقرير التسيير، ويثار التساؤل هنا حول ما إذا كان عدم القيام بأحد المهام المنصوص عليها في المادة 386 من قانون 17.95 والمتمثلة في اعداد الجرد وإعداد تقرير التسيير وإعداد القوائم التركيبية يشكل جريمة مستقلة عن الفعل الآخر، أم انه ضروري اجتماع هذه الأفعال لاكتمال الجريمة؟
بخصوص الإجابة عن هذا التساؤل نرى أن المشرع المغربي استعمل صياغة تدل على ضرورة اجتماع هذه الأفعال لاكتمال العنصر المادي.
وتجدر الاشارة إلى أن القانون 05.96 قد نص على نفس الجريمة في المادة 109 والتي تنص على انه " يعاقب بغرامة من 2000 إلى 40.000 درهم المسيرين الذين لا يعدون بالنسبة لكل سنة محاسبية الجرد والقوائم التركيبية وتقرير التسيير."
أما بخصوص الركن المعنوي لهذه الجريمة فبالرجوع إلى نص المادة 386 من قانون 17.95 فالمشرع لم يستوجب توافر القصد الجنائي لتحقق هذه الجريمة، وعليه فإنه يستوي عدم القيام بإعداد الجرد والقوائم التركيبية وتقرير التسيير عمدا أوعن طريق الإهمال، ومنه فإن توفر هذا السلوك السلبي يعد جريمة، وبالتالي فهيمن الجرائم المادية التي لا تستوجب القصد الجنائي، فالركن المعنوي هنا يتلاشى لصالح الركن المادي.
بالنسبة للأشخاص المساءلين في القانون المغربي نجد أن المادة 386 من ق 17.95 قد حددتهم في أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير والتسيير. أما فيما يتعلق بالقانون المنظم لباقي الشركات 05.96 فقد حددهم المشرع في المادة 109 في المسيرين.
أما فيما يتعلق بالعقوبات فيلاحظ أن كافة هذه التشريعات نصت على عقوبات مالية دون العقوبات الحبسية. فالمشرع المغربي في القانون 17.95 حددها في غرامة مالية تتراوح بين 20.000 درهم إلى 200.000 درهم بمقتضى تعديل قانون 20.05 حيث كانت قبل ذلك محددة في 40.000 درهم إلى 400.000 درهم.
أما بخصوص باقي الشركات فإن هذه العقوبة محددة في المادة 109 من ق 05.96 في 2000 إلى 40.000 درهم بمقتضى تعديل 2015، حيث نجد أن المشرع المغربي خفض من عقوبة هذه الجريمة في باقي الشركات مقارنة مع شركات المساهمة.
الفقرة الثانية: جريمة عدم إثبات مداولات مجلس الإدارة في محاضر
تعتبر هذه الجريمة من الجرائم المادية، والمشرع نص على هذه الجريمة في المادة 385 من قانون 17.95 والتي لا نجد لها مثيلا في قانون 05.96، حيث تنص هذه المادة على أنه: " يعاقب بغرامة من 3000 إلى 15.000 درهم، الرئيس أو المتصرف رئيس الجلسة الذي لم يعمل على إثبات مداولات مجلس الإدارة في محاضر. وتعتبر هذه الجريمة هي الوحيدة التي يخاطب فيها المشرع مسيرا واحدا يتمثل في رئيس الجلسة دون ان يخاطب باقي المسيرين.
والركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بمجرد ثبوت تخلف إثبات مداولات مجلس الإدارة في محاضر، كما تتحقق بثبوته إثبات تلك المداولات في محاضر دون احترام مقتضيات المادة 53[19].
من ذلك إثبات مداولات مجلس الإدارة في محاضر دون تضمين تلك المحاضر في سجل خاص ممسوك بالمقر الاجتماعي للشركة. وفق الشكليات المتطلبة أيضا (الترقيم والتوقيع من طرف كاتب الضبط للمحكمة التي يوجد بدائرتها مقر الشركة)[20].
حيث نجد أن المشرع المغربي لم يستوجب توفر سوء النية أو القصد الجنائي لدى المخالف لتحققها، حيث أن مجرد عدم إثبات مداولات مجلس الإدارة في محاضر يشكل جريمة حسب القانون المغربي وذلك بوصفها جريمة مادية يكفي اتيان النشاط المادي حتى تتبث الجريمة.
أما فيما يخص العقوبات فقد تم تحديد عقوبة هذه الجريمة في 3000 إلى 15.000 درهم بعد تعديل 20.05 حيث كانت قبل ذلك محددة في 6.000 إلى 30.000 درهم.
ونلاحظ أن المشرع المغربي قد قام بتخفيض العقوبة بمقتضى هذا التعديل إلى النصف في حدها الأدنى والأقصى.
والملاحظ أن هذه العقوبة لا ترقى إلى المستوى المطلوب مقارنة مع الدور الكبير الذي تلعبه هذه المحاضر لإثبات الوضعية الاقتصادية للشركة خصوصا إذا تم التستر على الاختلالات المالية التي قد تعاني منها، حيث يمكن أن تؤدي إلى إفلاسها، وبالتالي الاضرار بمصالح الشركة.
خاتمة:
يتفق الجميع على أن التوجه الحالي في مادة المسؤولية الجنائية للجهاز المسير يسير في إطار التخفيف من الطابع الزجري الذي يميز قوانين الشركات والذي يجمع الفقه المختص والمعنيين بتطبيق هذه القوانين على انه أصبح طاغيا في المنظومة القانونية المنظمة لحياة الشركات. ولعل اكبر دليل على خصوصيات هذا التوجه هي التعديلات التي أدخلت بمقتضى القانون 21.05 وكذا القانون 20.05.
-----------------------------------------------
هوامش:
[1]د.طارق البختي، المنظومة الزجرية لشركات المساهمة بين الصرامة والمرونة، طبعة 2017،مكتبة الرشاد-سطات، ص: 33.
[2] في حقيقة الامر، ليس هناك قانون جنائي للشركات التجارية أو مدونة لهذ القانون، وإنما جرى العرف لدى رجال القانون والفقه على أن هذا القانون يتضمن جميع المقتضيات الزجرية والجنائية المنصوص عليها في باقي القوانين التجارية وأيضا النصوص الزجرية المحال عليها من طرف قوانين الشركات التجارية.
[3] تنص الفقرة 3 من الفصل 111 من م.ق.ج هي ": الجريمة التي يعاقب عليها القانون بحبس حده الأقصى سنتان أو اقل أو بغرامة تزيد عن مائتي درهم3 تعد جنحة ضبطية".
[4] لحسن بيهي: " الشكلية في ضوء قانون الشركات التجارية المغربي وفق آخر تعديلات 2006"، مكتبة دار السلام، الطبعة الاولى، سنة 2005، ص: 265.
[5]أحمد شكري السباعي: "الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي" الجزء الرابع، شركات المساهمة، صفحة .168:
[6] المادة 715 مكرر 23 من القانون الجزائري التجاري والتي عاقبت ورتبت مسؤولية المسيرين عن الاخطاء التي يرتكبونها بمناسبة تسييرهم وإدارتهم لأعمال الشركة.
[7]علال فالي، الشركات التجارية، الجزء الاول المقتضيات العامة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2016، صفحة: 445.
[8] أنظر المادة 373 من القانون 17.95 والمادة 100 من القانون 5.96.
[9] Bahaini Maria: La société anonyme en Droit Marocain, analyse et explication, ed
headline 1998, p 58
[10] عبد اللطيف العباسي: مسؤولية مسير شركة موضوع مسطرة جماعية، مجلة المحاكم المغربية، العدد 100، يناير فبراير 2006، ص 73.
[11] المادة 375 من القانون 17.95 كما تم تتميمه وتعديله والمادة 101 من القانون 5.96 كما تم تتميمه وتعديله.
[12] أنظر تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب حول مشروع قانون 20.05 المغير والمتممم للقانون 17.95.
[13]علال فالي، مرجع سابق، صفحة: 450.
[14] علال فالي، مرجع سابق، صفحة 452.
[15]- ظهير شريف رقم 1.92.138 صادر في 30 من جمادى الأول 1413 ( 25 ديسمبر 1992 ). بتنفيذ القانون رقم 09.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها.
[16] - بن خدة رضى، محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية، الطبعة الأولى 2010، دار السلام لطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ص 422.
[17] - الفصل 982 من ق.ل.ع.
[18] - بن خدة رضى، مرجع سابق، ص 427.
[19] تنص المادة 53 على أنه " تضمن محاضر اجتماعات المجلس في سجل خاص يمسك بالمقر الاجتماعي للشركة ويتم ترقيمه وتوقيعه من طرف كاتب الضبط للمحكمة التي يوجد بدائرتها مقر الشركة."
[20] بن خدة رضى، مرجع سابق، ص 436.