موقف القضاء من الحجز على أملاك الأشخاص المعنوية العامة

مقال بعنوان: موقف القاضي الإداري من الحجز على الممتلكات العامة والخاصة الأشخاص المعنوية العامة

مقال بعنوان: موقف القاضي الإداري من الحجز على الممتلكات العامة والخاصة الأشخاص المعنوية العامة PDF

مقدمة:
إن مبدأ خضوع الدولة للقانون يعني خضوعها للقضاء وإمكانية مقاضاتها أمامه، ونزولها عند أحكامه، ولا قيام للدولة القانونية إلا بوجود رقابة قضائية حقيقية وفعالة على أعمال السلطة التنفيذية، ففي الدول الديمقراطية لا تمارس الإدارة سلطاتها بلا حدود أو ضوابط، وإنما تخضع لما يفرصه القانون عليها من قواعد لممارسة وظائفها واختصاصاتها، وما لم يوجد جزاء منظم لتلك القواعد فإنه لا يمكن أن تكون قيدا حقيقيا على نشاط الدولة.
والواقع أنه لا قيمة لمبدأ الشرعية في الدولة ما لم يقترن بمبدأ آخر مضمونه احترام أحكام القضاء وضرورة تنفيذها، فالحماية القضائية لا تنعقد إلا بتمام تنفيذ الأحكام، فلا قيمة للقانون بغير تطبيق، ولا قيمة لأحكام القضاء بدون تنفيذها.[1] والتنفيذ بشكل عام قد يتم طواعية من قبل المحكوم ضده، كما قد يتم جبرا عليه، عند عدم امتثاله للتنفيذ احتراما لمبدأ القوة الملزمة للحكم.
و تتمتع الأملاك العامة بحماية خاصة حيث لا يمكن تفويتها و لا تملكها بالتقادم ولا الحجز عليها.
من أهم مظاهر حماية الأموال العامة عدم جواز التصرف فيها، وهذه الميزة في المال العام نتيجة حتمية لازمة للقول بتخصيصه للمنفعة العامة ، إذ بدونها لا يتحقق الانتفاع العام بالأموال العامة ما يجب له من الثبات واستمرار فيمتنع تبعا لذلك على جهة الإدارة أن تنقل مالا عاما إلى ذمة احد الأفراد أو إلى أشخاص القانون الخاص بشكل عام ،سواء ببدل أو بدونه الأبعد أن تجرده من صفته العامة.
ويعتبر هذا المبدأ في الواقع قيد واردا على حق الإدارة في التصرف في المال العام ، ابتغى المشرع فيه المشرع أن يكفل للانتفاع العام للأموال العامة ويجب له من ثبات واستقرار وهي وسيلة وقائية تحول دون التعدي على المال العام
أما المظهر الثاني للحماية فيتجلى في عدم إمكانية تملكه بالتقادم، يراد بهذا المبدأ أن وضع اليد على الأموال العامة مهما طالت مدته لا يجدي في الادعاء باكتساب ملكيتها، وسيتبع ذلك أن حيازة المال العام لا تصلح سببا لقبول دعوى وضع اليد في نظر القانون لأنها ليست إلا صيانة عارضة لا تحميها دعاوي وضع اليد كما أن إكمال هذا المبدأ موقوت بتخصيص المال للمنفعة العامة، ومن ثم ، لا يجوز تملك هذا المال العام بالتقادم إلا إذا أزال تخصيصه . للنفع العام، إذ بانتهاء هذا التخصيص، يدخل في نطاق المال الخاص ويأخذ بالتالي حكمة، وعندئذ يجوز تملكه بالتقادم المكسب للملكية متى توافرت شرائطه القانونية.
وهذه القاعدة تعد أهم وسيلة مقررة لحماية المال العام لأنها تضع علاجا ناجحا ضد أي اعتداء محتمل على المال العام. فللإدارة استرداد المال العام من يد الفرد مهما طالت مدة وضع يده علية وليس له الاحتجاج على الإدارة بدعوى تملكه للمال العام بالتقادم المكسب للملكية بموجب قواعد القانون المدني أو بدعوى الحيازة في المنقول سند الملكية إذ كان المال من الأموال المنقولة . ويعتبر هذا المبدأ نتيجة حتمية لمبدأ عدم جواز التصرف، فما دامت للأموال العامة لا يجوز التصرف فيها بنقل ملكيتها إلى الغير، فإنه لا يجوز كذلك ومن باب أولى اكتساب ملكيتها بالتقادم
وما يثير الانتباه في هذا الإطار هو غياب مسطرة فعالة وناجعة لإجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها، فقانون المسطرة المدنية وكذا قانون المحاكم الإدارية لا يتضمنان الوسائل اللازمة لجبر الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به. وفي غياب هذه المساطر القانونية نجد القضاء الإداري من خلال الاجتهادات القضائية يلجأ إلى أسلوب الحجز على أموال المؤسسات العمومية الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة في مواجهتها كإجراء تنفيذي جبري.
وللإحاطة بالموضوع سنتطرق في هذا العرض إلى إبراز الإشكاليات التي يطرحها الحجز على أملاك الأشخاص المعنوية العامة، وكذا موقف الفقه والتشريع والقضاء المغربي والمقارن من هذه الإشكالية، وذلك من خلال المبحثين التاليين:

المبحث الأول: الحجز على الأملاك العامة
المبحث الثاني: الحجز على الأملاك الخاصة

المبحث الأول: الحجز على الأملاك العامة

تحتاج المرافق العامة في أدائها لمهامها تحقيقا لنفع العام إلى كل أموالها التي تعتبر الوسائل المادية التي تستعين بها على ممارسة نشاطها، فقد كان من المتفق عله فقها وقضاء، أن المرفق العام يجب أن يحاط بكل الضمانات التي تمكنه من أداء وظيفته بصورة مضطردة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بخدماته، تحقيقا للمصلحة العامة، وتطبيقا لمبدأ عدم تعطيل المرفق العام. لكن هذا التوجه يجد اختلافا بين التشريع والفقه بين مؤيد ومعارض.

المطلب الأول موقف الفقه و التشريع من الحجز على الأملاك العامة
الفقرة الأولى موقف الفقه و التشريع المقارن

لقد أكد الفقيه Wallin على أن :" التنفيذ بالحجز والبيع على أموال الدومين الخاص يتعارض مع المصلحة العامة بقوله بما معناه – فلكي ترضيه دائما أي الدولة فسوف تدفع له من عائدات الضرائب وبذلك ستقضي على مصدر دائم للموارد العامة، وسنكون بذلك قد قطعنا أحد فروع الشجرة للحصول على مجرد ثمرة."[2]
لقد اعتبر الفقيه LA FERRIERE بأن دائن الدولة لن يكون بحاجة أصلا لاستخدام طرق التنفيذ ضد أشخاص القانون العام على اعتبار أن الدولة مليئة الذمة ولا يمكن تصور عسرها.[3]
" إن الحجز على المال العام يترتب عنه غل يد الإدارة وعرقلة تحقيق النفع العام الذي يؤدي إلى اضطراب النظام، والمس بسير المرافق العامة لمجرد تحقيق نفع لشخص عادي، لا يتناسب بين الأضرار وبين ما يحققه الشخص المستفيد".
ويرى الأستاذ السنهوري: " أنه إذا كانت حماية المال العام للانتفاع تقضي منع انتزاع المال العام منها جبرا عن طريق الحجز عليه لأن الحجز ينقلب إلى بيع جبري".[4]
بينما يرى الأستاذ فتحي خلافا لذلك حيث يقول:" لكن عدم جواز الحجز قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام، فإذا كانت هناك بعض الأموال المخصصة لإدارة المرفق ولا يتعارض الحجز عليها مع سير المرفق، هاته يمكن الحجز عليها ."[5]
أما الدكتور سليمان الطماوي فيعلق في هدا الاطار على الحجز بقوله أن حماية المال المخصص للنفع العام، والتي اقتضت منع نقل ملكيته اختيارا عن طريق وضع اليد تقتضي أيضا إلا تنزع ملكيته جبرا بطريق الحجز عليه كأموال الأفراد ،هدا فضلا عن القاعدة العامة التي تفترض الملاءة في الدولة وأنها قادرة على تنفيذ التزاماتها دون ضغط أو إكراه[6]
أما بالنسبة للمشرع المصري فقد نص من خلال المادة 62 من قانون المرافعات على لا يجوز حجز أو بيع الأموال المبينة أدناه لقاء الدين أموال الدولة و القطاع الاشتراكي.

الفقرة الثانية موقف الفقه و التشريع المغربيين

لقد انقسم الفقه المغربي إلى اتجاهين:[7]
الاتجاه الأول: ذهب إلى القول بعدم جواز إيقاع حجز على الأشخاص الاعتبارية كالدولة والجماعات المحلية بلدية كانت أم قروية.
ومن أهم مناصري هذا الاتجاه محمد لديدي –عبد الله الشرقاوي – عبد الرحمن فريقش.
وهناك تؤكد مليكة الصروخ:" لا يجوز الحجز على أموال المرافق العامة لأن أموالها هي الوسيلة الفعالة التي يمكن بمقتضاها تحقيق الخدمات العامة للجمهور. وتبعا لذلك لا يمكن الحجز عليها حتى تضمن بمقتضاها استمرارية الخدمات التي تتولى القيام بها."[8]
وتضيف أن الضامن لحقوق دائني الدولة في هذا المجال هو تلك القاعدة العامة التي تفترض الملاءة في الدولة. وهو ما أصبح لا يوافق الواقع العملي والمبدأ الدستوري الذي يعتبر في نفس الوقت من المبادئ العامة للقانون التي تساوي بين الجميع أمام القانون والقضاء، فإذا كان احترام القانون واجبا، فإن أول من عليه احترام القانون والقضاء هو الدولة، مما أوجد تيارا فقهيا آخر على طرفي نقيض من الأول.
الاتجاه الثاني: تبناه بعض الفقهاء، ويقولون بجواز الحجز على أموال الدولة.
ومن مناصري هذا الاتجاه : محمد العربي المجبود – محمد الوزاني ... وحجتهم في ذلك أنه لا يوجد نص يستثني الدولة من التنفيذ، ذلك أن مبدأ المشروعية الذي يعتبر أقدس المبادئ التي أقرها الدستور المغربي، يجعل تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون، وإن هذا المبدأ سيبقى بدون جدوى إذا كانت الدولة تستثنى من تنفيذ الأحكام.
و لقد ذهب المشرع المغربي، على أنه لا يجوز الحجز على الأملاك العامة وأن طرق التنفيذ الجبري محظورة، وتعتبر هذه القاعدة من النظام العام.
فالقول أنه لا يجوز التصرف في المال العام بما يتعارض مع تخصيصه للنفع العام، وأنه لا يجوز تملكه بالتقادم، وجب القول كذلك بأنه لا يجوز الحجز عليه.
والجدير بالذكر أن" هذه القاعدة لم ينص عليها ظهير فاتح يوليوز 1914، ولا ظهير 19/10/1921 المنظم لأملاك البلديات، وإنما الذي نص عليها هو الظهير المنظم لأملاك الجماعات القروية الصادر في 08/06/1954 [9]". وليس معنى ذلك أن هذه القاعدة لا تحمي إلا الأملاك القروية، أو أنها لم تكن مطبقة قبل تقنينها بل على العكس من ذلك،" لقد كان معمولا بها من طرف الاجتهاد القضائي من الناحية العملية وهي تخص كل الأملاك العمومية."[10]

المطلب الثاني موقف القضاء من الحجز على الأملاك العامة

إذا كان موقف الفقه قد استقر في معظمه على أنه لا يمكن الحجز على أملاك الدولة لأنها أملاك عمومية. فإن الاجتهاد القضائي المقارن اتخذ نفس الاتجاه وذلك بخصوص أملاك الدومين العام، حيث أكد عدم بإمكانية اللجوء إلى الحجز على الأموال العامة للدولة في حالة رفض الأشخاص المعنوية العامة تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها، على اعتبار أن الإدارة تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة من خلال أموال الدومين العامة. على عكس الأنشطة الصناعية والتجارية التي تستخدم فيها الدولة أموال الدومين الخاص وتهدف إلى تحقيق الربح من خلالها.
وقد كرس مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ بل ومدده حتى على أموال البلديات، وهذا يتبين من خلال حكم مجلس الدولة الفرنسي ل 19 دجنبر 1939 في قضية BIDOT وقرار GRENOUILLER الصادر في 15 فبراير 1938 وقضية Beauvais في 16 غشت 1978.
وأكدته محكمة النقض :
V. Gss.BRGM c/SA Llou continental GAJA N°104 "s'agissant des biens appartenant à des personnes publique même exerçant une activité industrielle et commercial le principe d'insaisissabilité de ces biens ne permet pas de recourir au voie d'exécution du droit privé ".
ودفاعا عن هذا التوجه التشريعي، يقول إبراهيم عبد العزيز شيحا:" إن قاعدة عدم جواز الحجز على المال العام تعتبر من أهم القواعد الأساسية اللازمة لحمايته ضمانا لبقاء واستمرار تخصيصها للمنفعة العامة دون انقطاع، والحكمة من تقرير هذه القاعدة أنه لما كان نقل ملكية هذه الأموال من ذمة الإدارة إلى ذمة الغير، غير جائز قانونا، سواء بالطريق الاختياري، حيث لا يجوز للإدارة التصرف فيها، أو سواء بطريق التقادم حيث يمنع على الغير التعدي بمضي هذه المدة في اكتساب ملكية هذه الأموال، فإن التنفيذ الجبري يكون ممنوعا بدوره على هذه الأموال، لأنه يؤدي في النهاية إلى نقل ملكيتها وخروجها من ذمة الإدارة إلى ذمة الغير."

المبحث الثاني: موقف القضاء من الحجز على الأموال الخاصة
المطلب الأول: الحجز على الأملاك العامة قبل إحداث المحاكم الإدارية

قبل إنشاء المحاكم الإدارية كان القضاء العادي يضع تعامله مع تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة تعاملا متساويا مع تعامل الأحكام الصادرة ضد الأشخاص العاديين، فحول نزاع بين المكتب الوطني للماء والكهرباء وأحد الخواص، قضت المحكمة الابتدائية بالبيضاء لفائدة هذا الأخير بتعويض قدره 13.494.00 درهم فتقدم بطلب تنفيذ الحكم الذي أصبح نهائيا عن طريق الحجز على أموال المكتب المذكور وتمت الموافقة على ذلك[11].
وفي قرار آخر صدر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط اعتبر أن المشروعية تقتضي أن تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة واجب، ولو بوسائل الإجبار كالحجز على أموالها:

المطلب الثاني: الحجز على الأملاك العامة بعد إنشاء المحاكم الإدارية

حيث أنه إذا كان القضاء والفقه قد دأبا على السير في عدم الحجز على الأموال العامة وذلك حفاظا على السير العادي للمرافق العامة، وانطلاقا من أن المفروض في المؤسسات العامة الإسراع بتنفيذ الأحكام والرضوخ إليها تجسيدا لمبدأ المشروعية الذي يكرس سهر القانون بما يقتضيه من مساواة بين الأشخاص العاديين وأشخاص القانون العام، فإن هذا المبدأ " أي عدم قابلية الأموال العامة للحجز" لا يمكن أن يؤخذ على إطلاقه، وذلك كلما كان هناك امتناع عن التنفيذ بدون أي مبرر، هذا الامتناع الذي لا يمكن أن يفسر إلا بالتعسف في استعمال هذه الإمكانية، وبالتالي، وفي غياب كل نص قانوني، فلا مانع من الحجز على الأموال وبيعها لاستيفاء حق المحكوم عليه، وإثبات المشروعية وفعالية السلطة القضائية التي تتمثل في تنفيذ الأحكام.[12]
فمن المعلوم شرعا أنه لا يجوز الحجز على الأموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة لها، سواء كان الحجز تحفظيا أم تنفيذيا على أساس أن هذا الإجراء يتعارض مع مبدأ تخصيص تلك الأموال للمصلحة العامة، وأن الحجز بهذا الشكل يعطل سير المرافق العامة، ويحول دون تنفيذها لوظيفة النفع العام الملقاة على عاتقها، وأن هذا الحجز غير مرغوب فيه لهذا السبب، ينقلب في النهاية إلى بيع قضائي، وأن البيع الاختياري بالأولى غير جائز في هذا الشأن بإجماع الفقه والقضاء. وأن هاته القاعدة تعتبر من النظام العام، لكن يكاد يتفق الفقه والقضاء على أن عدم جواز الحجز هذا قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام، فإن كانت هناك بعض الأموال غير مخصصة لإدارة المرفق ولا يتعارض الحجز عليها[13]، وهذا الاتجاه هو المؤيد فقها وهو الذي يأخذ به القاضي الإداري في كل المحاكم تقريبا.
وهكذا ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة وهي تأمر بحجز تحفظي على عقار مملوك ملكية خاصة لبلدية وجدة ضمانا لأداء ديون في ذمتها ناتج عن مسطرة نزع الملكية إلى القول بما يلي: " حيث إن المشرع المغربي لم يمنع صراحة حجز الأموال الخاصة للأشخاص المعنوية كما فعل بالنسبة للأموال العامة: الفصل 4 من ظهير يوليوز 1914 والفصل 3 من ظهير 19/10/1921 والفصل 8 من ظهير 28/6/1954. وفي منشور وزير الداخلية عدد 182 بتاريخ 11/5/1991 ، إلا أن ممتلكات الجماعة العمومية التي لا تقبل أن تكون محلا للحجز هي الأموال العامة دون الأموال الخاصة التي ليس هناك من الناحية القانونية والقضائية ما يمنع إيقاع الحجز عليها، وحيث إن الأموال الخاصة للشخص العام تنزل منزلة أموال الشخص العادي مما تكون معه هاته الأموال قابلة للحجز عليها."
لكن على مستوى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، استقر الاجتهاد القضائي على رفض إيقاع الحجز التحفظي على العقارات المملوكة ملكية خاصة للشخص المعنوي العام، بعلة أنه يعترض فيه ملاءة الذمة ولا يخشى عليه العسر ويؤدي ديونه وفق قواعد المحاسبة العامة.
وهكذا جاء في احدى قرارات الغرفة الإدارية وهي تؤيد أمر رئيس المحكمة الإدارية بفاس 4أ/03 القاضي برفض الطلب حول إيقاع الحجز التحفظي على عقار مملوك ملكية خاصة للمجلس الجماعي. " لكن حيث إن الأمر المستأنف غير عندما أسس تعليله على أن الجماعة المطلوب ضدها الإجراء تعتبر من أشخاص القانون العام التي تفترض فيها ملاءة الذمة ولا يخشى عليها العسر وتؤدي ديونها وفق قواعد المحاسبة فكان ما أثير بدون أساس."
والإشكال الذي يبقى مطروحا خصوصا حول بيع العقار وكيفية تحويله من اسم الشخص المعنوي العام إلى الشخص الخاص، فهل يحتاج الأمر إلى استصدار قرار أو مرسوم كما لو تعلق الأمر بتفويت ملك خاص للدولة للشخص العادي؟
المشرع المغربي نص صراحة من خلال الفصل 8 من ظهير 18 يونيو 1954 أن الملك العمومي والأملاك المخصصة به غير قابلة للتفويت ولا الحجز ولا التملك بالتقادم.
فالعقارات المملوكة ملكية خاصة للشخص المعنوي العام لا يجوز إيقاع الحجز التحفظي عليها خلاف الأموال والمنقولات التي لا يترتب عن حجزها تعطيل سير المرفق العام باضطراد والتي يطلق عليها الأموال الخاصة للشخص المعنوي العام، والتي يمكن حجزها تنفيذيا لاقتضاء الدين المترتب بذمته.
تطبيقا لهذا الاتجاه تم الحجز التنفيذي على أموال بلدية بني إدرار لتنفيذ حكم قضى عليها بأداء مبالغ مالية لفائدة المسمى هرو محمد وتم حجز منقولات تلك البلدية ممثلة في سيارة وتلفاز ومكيف هواء باعتبار أن هذه المنقولات لا يضر بيعها واستيفاء الدين المستحق على البلدية بسير المرفق البلدي، وهي لا تعتبر في كل الأحوال لازمة لسيره ولا تعطيل فيها لسير المرفق الذكور.
غير أنه لا يمكن مباشرة الحجز التنفيذي على ناقلة النفايات للمجلس ولا على سيارات الإسعاف لما في ذلك من تعطيل لخدمات المجلس.
وهكذا نميز بين المال العام للشخص المعنوي العام الغير قابلة للحجز، والمال الخاص القابل للحجز، والذي لا يترتب عن بيعه تعطيل لوظيفة النفع العام الملقاة على عاتق المرفق.

خاتمة:
إذا كان قانون المسطرة المدنية وقانون المحاكم الإدارية لا يتضمنان جزاءات جبرية لحمل الإدارة على احترام قوة الشيء المقضي به للأحكام الإدارية، وأن التنفيذ الجبري لها يتعارض مع مبدأ استقلال الإدارة عن القضاء، ومبدأ الفصل بين السلطات، الذي يحول دون توجيه أوامر للإدارة، وبقاعدة ملاءة ذمة الإدارة، وعدم إمكانية تسخير القوة العمومية ضدها، وعدم جواز الحجز على أموالها، فإن التنفيذ ضد الإدارة يبقى مسألة أخلاقية فقط، مرتبط بضمير القائمين على التنفيذ بها، وأنه وعلى الرغم من صدور منشورات متوالية تحت الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، فالواقع المعاش للتنفيذ يعكس عدم فعالية تلك المنشورات التي تبقى مجرد توجيهات تكتسي صبغة تحسيسية فقط.
------------------------------------
هوامش:
[1] عصام بنجلون - التنفيذ الجبري ضد الإدارة -- مقال منشور بمجلة القصر – العدد 11 – ماي 2005 – ص 90
[2] Manuel élémentaire de droit administratif 4eme Edition 1946 p : 470
[3] LA FERRIERE . Traité de la juridiction administratif et des recours contentieux. 1898 t1 p 347 أحمد الصايغ –إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب دراسة تطبيقية- منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – العدد 62 – 2009-ص 232
[4] عبد الرازق السنهوري- موسوعة الوسيط في شرح القانون المدني - طبعة خاصة بدائرة المعارف القانونية – ص 93
[5] د.فتحي – كتاب التنفيذ ص 208
[6] سليمان الطماوي الوجيز في القانون الاداري دراسة مقارنة دار الفكر العربي 1992 ص 51
[7] يونس الزهدي – الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي- الجزء الأول – 2007- ص 90
[8] مليكة الصروخ – القانون الإداري – دراسة مقارنة – مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء – السنة 1999 ط 4 – ص 311
[9] بوعزاوي بوجمعة- القانون الإداري للأملاك السنة الأولى 2013 - ص 139
[10] منية بنلمليح - قانون الأملاك العمومية بالمغرب – منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – العدد 81 – 2009 ص 128
[11] حكم أورده أحمد الصايغ –إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب دراسة تطبيقية- منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – العدد 62 – 2009-ص 235
[12] أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط بصفته قاضيا للمستعجلات أمر في الملف عدد 91/972 بتاريخ 2/2/1991 منشور بمجلة الإشعاع هيأة المحامين، بالقنيطرة العدد 7 السنة 4 يونيو 1992 – أشار إليه أحمد الصايغ نفس المرجع ص235
[13] محمد قصري - تنفيذ الأحكام الإدارية (الغرامة التهديدية والحجز) – مقال منشور في مجلة القصر العدد 5 – ماي 2003 – ص 60

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -