التبليغ في قانون المسطرة المدنية

مقال بعنوان: التبليغ في قانون المسطرة المدنية المغربي

مقال بعنوان: التبليغ في قانون المسطرة المدنية المغربي PDF

مقدمة
إنه من أسمى مقاصد العدالة في المجتمع توفير أقوى الضمانات الممكنة لحماية حقوق أفراد المجتمع واستقرار المعاملات وتحقيق نوع من التوازن بين متطلبات المجتمع وتطور أنماط الحياة وتعقدها وحل الخلافات التي تنشأ بين أفراده وطمأنة حقوقهم عند ما تكون هده الحقوق عرضة للنزاع والإنكار.
من أجل تحقيق هدا الهدف الاسمى الذي يضمن طمأنينة الأفراد على أموالهم وأرواحهم وحرياتهم أحدث المجتمع جهازا قضائيا لفض النزاع والخلاف بين الأفراد والجماعة واصبح حق اللجوء إلى القضاء من اهم الحقوق الدستورية الأصلية التي تثبت لكافة أفراد المجتمع على نحو يكفل تحقيق العدالة وتمكن الأفراد من ممارسة حق التقاضي دون مساس بالسلطة القضائية التي تتمتع بنوع من الاستقلال.
و من ثم كانت الدعوى هي الأداة القانونية والوسيلة التي رسمها القانون لتقرير حق أو حمايته. بحيث يمكن القول أن الدعوى تحتل مكانة بارزة من بين أنواع الفصول المختلفة للمسطرة المدنية نظرا للدور الهام الذي تضطلع به من اجل إضفاء الحماية القانونية والقضائية للحقوق والمكتسبات ودلك عن طريق فرض الجزاء القانوني. وتظهر أهمية الدعوى من الناحية العملية في أنها تضع حدا للتعسفات والاعتداءات وإحقاق الحق لصاحبه.
و يعتبر التبليغ إجراء من احد الإجراءات الأساسية في الدعوى بحيث انه بمجرد إيداع المدعي المقال الافتتاحي بكتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية يقوم الرئيس بتعيين القاضي المقرر وتسليمه ملف القضية في اقرب وقت ودلك للشروع في إجراءات الدعوى حيث يتولى تسيير المسطرة فيه فيأمر بتبليغ الاستدعاء إلى المدعي والمدعى عليه لأول جلسة تعقدها المحكمة وتسليمهم نسخ من مقال الدعوى.
و يقصد بالتبليغ الوسيلة التي رسمها القانون لتمكين الطرف المعلن إليه ليكون على علم بإجراء معين ويتم بتسليم استدعاء لهدا الإجراء على يد عون قضائي لأطراف الخصومة أو من ينوب عليهم قانونيا.
و تجدر الإشارة إلى أن التبليغ يعتبر عماد المسطرة وإجراء أساسي لا يمكن للحكم أن يدخل حيز التنفيذ بدونه ذلك أن سلامة إجراءات التبليغ تؤدي إلى سلامة العديد من الإجراءات الجوهرية وفعالية الكثير من المبادئ كضمان لحقوق الدفاع وتقريب القضاء من المتقاضي وتحقيق عدالة سريعة كما أن الاختيارات العامة للتنظيم القضائي يمكن أن تشل بصفة كلية أو جزئية في حالة عدم فعالية نظام التبليغ.
أما فيما يخص أهمية التبليغ القضائي تبدو إلى الخصم المحكوم ضده من ناحيتين:
الأولى: تمكين المحكوم له من التنفيذ طبقا للفصل 440 من ق.م.م.
الثانية:بدئ سريان مواعيد الطعن في الأحكام الذي لا يبدا سريان أجله المنصوص عليها في القانون إلا من تاريخ تبليغ تلك الأحكام.
و من ثم شكليات التبليغ باعتباره إجراء قانونيا تترتب عليه أثار قانونية كما يرتبط بآجال حددها القانون وإجراءات يصح قانونا بدونها ومن اهم هده الإجراءات والبيانات المنصوص عليها في الفصل 36 من ق.م.م هي:
تبليغ الاستدعاء حالا إلى المدعي والمدعى عليه كتابة إلى جلسة يعين يومها وتتضمن:
1: الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه
2:موضوع الطلب
3:المحكمة التي يجب أن تبث فيه
4:يوم وساعة الحضور
5: التنبيه إلى وجوب اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء.
و بالرجوع إلى مقتضيات الفصل السابق يتضح أن البيانات المتطلب تضمينها بالمكان والاستدعاء تلعب دورا أساسيا في فشل أو نجاح عملية التبليغ وأن هاجس الفعالية والسرعة كان حاضرا ويظهر دلك من خلال استعمال عبارة يستدعى حالا.
و بالتالي يمكن القول أن التبليغ بكافة مراحله وأطرافه وطرقه ى يمكن لمس مواطن الخلل فيه إلا على المستوى العملي وفي عرضنا اليوم سوف نتناول التبليغ بشقيه النظري والعملي.
و من هنا يمكن طرح التساؤل التالي: كيف يمكن أن يكون التبليغ سببا من الأسباب التي تعيق السير العادي للعدالة وما هي الإشكاليات التي يطرحها على المستوى العملي.

المبحث الأول: شروط التبليغ
المطلب الأول: أطراف التبليغ

تتعدد جهة الاستلام بتعدد من له الصفة بتسلم الاستدعاء أو غيره من الأوراق القضائية ولو لم يكن المسلم هو المعني شخصيا بالتبليغ، فقد يكون المتسلم هو المراد إعلانه بنفسه وهو الأولى بالتبليغ، وقد يكون الشخص المتسلم شخصا آخر غير المراد اعل انه ولكن تربطه علاقة قرابة أو تبعية أو مساكنة، وقد تكون جهة الاستلام هي الإدارة مثل كتابة الضبط أو النيابة العامة أو القيم.
أولا: التبليغ للشخص الطبيعي
ينص الفصل 38 ق.م.م على هذه الجهات والتي تتعدد بتعدد من له الصفة بتسلم الاستدعاء الذي يسلم تسليما صحيحا إلى الشخص نفسه وفي موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه وسنوضح ذلك كما يلي:
1- التسليم إلى الشخص نفسه:
الأصل أن الشخص يستدعي من محل سكناه العادي (الموطن الأصلي) متى تعلق التبليغ أو الإجراء بحقوقه العائلية أو أحواله الشخصية، ويستدعي في موطن أعماله بالنسبة لحقوقه الراجعة لنشاطه المهني، إلا أن أي إجراء يتم في هذا الموطن أو ذاك يبقى صحيحا ولا يطاله البطلان الفصل 519 ق.م.م، ومتى تم التبليغ للشخص نفسه في احد الموطنين المذكورين فلا يجوز له التمسك بعدم وصول الورقة القضائية إليه لان عون التبليغ غير مطالب بالتحقق من هوية من يتقدم إليه لاستلام التبليغ ما دام هذا الشخص قد خوطب في موطنه، وادعى انه المعني بالتبليغ، أما إذا لم يقع التبليغ للشخص الطبيعي بنفسه في موطنه بأن أعلن في الشارع العمومي أو في المحكمة كما يقع أحيانا فيجب على عون التبليغ أن يتأكد من شخصه إذا لم يكن يعرفه معرفة شخصية[1].
ويتعين على المكلف بالتبليغ أن يتأكد من هوية الطرف المعني بالأمر حتى يكون التبليغ سليما[2]
ولكن الصعوبة تثار عند عدم وجود المعني بالأمر، ففي هذه الحالة وحتى لا تبقى حقوق المدعى معلقة سمح المشرع بتبليغ الاستدعاء لأحد أقارب المبلغ إليه أو خدمه أو لكل شخص يسكن معه[3].
2- التبليغ الواقع في موطن المبلغ إليه:
أقر الفصل 38 ق.م.م إمكانية وقوع التبليغ في موطن الشخص وذلك إلى أشخاص حددهم القانون وهم الأقارب والخدم ومن يسكن معه وهذا الاستثناء فيه حماية لحقوق المعني بالأمر في حالة غيابه، كما لو كان مسافرا أو لا يأتي إلى موطنه إلا ليلا[4].
أ- التبليغ للقارب:
إن لفظة الأقارب الواردة في نص الفصل 38 ق.م.م جاءت عامة ومطلقة، حيث أن المشرع لم يحدد درجة القرابة بالنسبة للقريب الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء، وقد اشترط المشرع في هؤلاء أن يكونوا ساكنين مع المراد تبليغه[5].
ويقع على عاتق المكلف بالتبليغ التأكد من هذه العلاقة تحت طائلة بطلان التبليغ، ولا يشترط في القريب المتسلم للاستدعاء أن يكون كامل الأهلية، بل يكفي أن يكون مميزا ومدركا لأهمية الورقة التي استلمها وأهمية توصيلها لصاحبها[6].
ب- التبليغ للخادم:
لم يبين المشرع المغربي المقصود بالخدم الذين لهم الصفة في التوصل نيابة عن المبلغ إليه بموطنه الحقيقي، وإنما ترك الباب مفتوحا أمام الفقه والقضاء لتحديد المفهوم، ويعني بالخادم كل شخص تربطه علاقة تبعية بالمبلغ إليه ويشتغل عنده مقابل اجر، أيا كان نوع العمل وسواء كان مستقرا بمسكنه أو كان يعمل نهارا فقط، فالعبرة هنا بعلاقة التبعية بين الطرفين لا بنوع الخدمة التي يؤديها الخادم وبذلك فإنها تشمل: السائق، البستاني، الطاهي[7].
ويقع التبليغ صحيحا متى كان الخادم ساكنا مع المبلغ له ويبيت عنده، بيد أن الممارسة استقرت على صحة التبليغ للخادم الذي يعمل عند المبلغ له طيلة النهار ولا يبيت عنده.
وهنا يطرح إشكال يتعلق بمأمور إجراءات التبليغ هل يكتفي بالإشارة إلى أن المستلم صرح له بأنه خادم، آم عليه التأكد من هذه الصفة؟ من الناحية العلمية يصعب عليه التأكد من صفة الخادم لكون هذا الأخير قد يصرح له بأنه خادم وهو ليس كذلك أو يصرح بالعكس، ويلاحظ غياب الإشارات للتعرف على العلاقة بين المعني بالتبليغ الأصلي وخادمه.
ج- التبليغ للشخص القاطن مع المبلغ له:
بموجب الفصل 38 ق.م.م أجاز المشرع المغربي تسليم الاستدعاء إلى أي شخص آخر من دون الذين سبق ذكرهم، لكن بشرط أن يكون قاطنا مع المبلغ له بصفة دائمة وفي نفس البيت، ومن هنا فان التبليغ يقع صحيحا، لكنه يكون باطلا للجار في الحالة التي لا يوجد فيها المعني بالتبليغ أو من يقطن معه.
3- التبليغ للشخص القاطن مع المبلغ له:
التبليغ للنائب عن غيره يتم من خلال حالات حددها القانون سنتطرق لها من خلال ما يلي:
أ- النيابة عن فاقدي الأهلية:
إذا تعلق الأمر بفاقدي الأهلية وجب إعلان نائبه في موطنه إذ يعتبر موطن النائب موطنا لفاقد الأهلية، حسب الفقرة الأولى من الفصل 521 ق.م.م "يكون الموطن القانوني لفاقد الأهلية هو موطن حاجره" وكذا الفصل 516 ق.م.م الذي جاء فيه: "توجه الاستدعاءات والتبليغات وأوراق الاطلاع والإنذارات والإخطارات والتنبيهات المعلقة بفاقدي الأهلية... إلى ممثليهم القانونيين بصفتهم هذه" كما يعتبر الصبي المميز المأذون له في إدارة بعض أمواله أو كلها على سبيل التعبير انه كامل الأهلية فيما إذن له فيه، ومن ثم يكون له موطنا خاصا بالنسبة إلى أعماله وتصرفاته، ويصبح إعلانه في هذا الموطن الخاص بشأنها[8].
ب- نيابة المحامي عن موكله:
كثيرا ما يثار النقاش أمام المحاكم حول مدى مشروعية التبليغ إلى المحامي، مما أثار نقاشا واسعا في الأوساط القضائية حول مدى حجية صحة التبليغ إلى المحامي.
حيث هناك من الاجتهادات القضائية التي اعتبرت أن تبليغ الأحكام في الأصل وطبقا للقاعدة العامة في التبليغ المنصوص عليها في الفصل 38 و54 ق.م.م لا يكون إلا لأطراف الدعوى وان القول بصحة تبليغ الأحكام إلى المحامي باعتباره استثناء من الأصل يحتاج إلى نص قانوني صريح، ومن القرارات القضائية التي مثلت هذا الاتجاه قرار صادر عن المجلس الأعلى[9] اعتبر فيه انه لا محل للمحامي في تبليغ الأحكام خارج قاعة الحكم، وبالتالي يتأكد أن ما نعاه الطاعن على الحكم سليم، ويتأكد أخيرا أن حكم المحكمة غير مصادف للصواب وغير مرتكز على أساس وفاقد التعليل الموازي لانعدامه مما يستوجب التصريح بنقضه.
في حين نجد اجتهادات قضائية أخرى قضت بجواز تبليغ الأحكام إلى المحامي نيابة عن موكله في الدعوى التي ينوب عنه فيها، ويعتبر تبليغا صحيحا مادام الموكل جعل محل المخابرة معه في مكتب محاميه سواء كان التبليغ يتعلق بإجراء أثناء التقاضي أم تبليغ الحكم الصادر في القضية ويبتدئ منه اجل الطعن تعرضا أو استئنافا[10].
ج- النيابة عن الدولة:
إن الدعوى المقامة ضد الدولة أو إحدى إداراتها في قضايا خارجة عن الضرائب والأملاك المخزنية بات من اللازم التمثيل الشرعي لكل هيئة في القضية وإلا عدت باطلة[11].
ثانيا: التبليغ للشخص الاعتباري
قد يكون الشخص الاعتباري من أشخاص القانون العام أو من أشخاص القانون الخاص، فبالنسبة لأشخاص القانون العام سبق التطرق لها وبالنسبة للشخص المعنوي الخاص كالجمعيات والشركات المدنية والتجارية فلابد أن يتم الإعلان إليها في شخص من يمثلها بمقتضى عقد إنشائها أو نظامها، فلا يكفي مجرد مدير عادي للإدارة أو مدير تجاري إذ قد يتعدد أحيانا مديرو الشركة[12].
بالنسبة للمشرع المغربي فباستثناء الشركة التي حدد المشرع في الفصل 522 من ق.م.م موطنها في المحل الذي يوجد به مركزها الاجتماعي، فإن باقي الأشخاص الاعتباريين لم يرد ذكر لموطنهم في نصوص قانون المسطرة المدنية، ونتج عن ذلك خلاف فقهي وقضائي حول إمكانية استدعاء الشخص الاعتباري بالموطن الشخصي لممثله[13]، ونخلص إلى القول في هذا الإطار انه لا يجوز استدعاء الشخص الاعتباري في الموطن الشخصي لممثله القانوني، وبالضبط بواسطة احد أقاربه أو خادمه المنزلي أو أي شخص آخر يسكن معه[14]، إلا أن هذا لا يعني أن التبليغ للشخص الاعتباري لا يكون صحيحا إلا إذا تم لممثله القانوني بصفة شخصية بل يجوز التبليغ إليه بواسطة من يقوم مقام الممثل المذكور، بل ذهب المجلس الأعلى في كثير من قراراته إلى انه يجوز تبليغ الشخص الاعتباري بواسطة أي شخص يعمل معه ولو كان حارس الشركة أو أي عامل تابع لها[15].

المطلب الثاني: الجهة المكلفة بالتبليغ

تعتبر مسطرة التبليغ القضائي وسيلة للتواصل القضائي بين مختلف أطراف الخصومة بالمحكمة المعروض أمامها النزاع.
وقد تعرض المشرع إلى طرق التبليغ العادية والتي تحتاج إلى إجراءات وتقنيات دقيقة وذلك بمقتضى الفصول 37 و38 و39 من ق.م.م، وهكذا ينص الفصل 37 من ق.م.م على أنه " يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية، إذا كان المرسل إليه يسكن خارج المغرب يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية عدا إذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقضي بغير ذلك".
وينص الفصل 38 على أنه " يسلم الاستدعاء تسليما صحيحا إلى الشخص نفسه أو في موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه. يعتبر محل الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب. يجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي والعائلي وعنوان سكنى الطرف وتاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون وطابع المحكمة.
كما ينص الفصل 39، على أنه " إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخـص فـي موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر. توجه حينـئـذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل. إذا رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة، تسلم الاستدعاء أشير إلى ذلك في الشهادة. يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء.
بالإضافة إلى نص الفصل الثاني من ظهير 80-41 المحدث والمنظم لهيأة الأعوان القضائيين على ما يلي: يختص الأعوان القضائيين شخصيا بالقيام بعمليات التبليغ اللازم للتحقيق في القضايا ووضع الإجراءات المتطلبة في تنفيذ الأوامر والأحكام، والقرارات إذا كانت طريقة غير محددة للأعوان القضائيين ووفق الشروط المنصوص عليها في الباب الثامن من هذا القانون أن يوكلوا عنهم كتابا محلفين تكون لهم نفس الصلاحيات التي يمارسها الأعوان المذكورين للقيام بعمليات التبليغ اللازمة للتحقيق في القضايا وتسليم استدعاءات التقاضي وكذا الحضور.
يستخلص من صياغة هذا النصوص أن الجهة المكلفة بالتبليغ، تتم إما عن طريق أعوان كتابة الضبط، أو الأعوان القضائيين، أو عن طريق البريد المضمون، مع الإشعار بالتوصل، أو بواسطة قيم أو عن طريق الدبلوماسي.
أولا: التبليغ عن طريق أّعوان كتابة الضبط 
يعتبر جهاز كتابة الضبط بالمحكمة جسرا للتواصل بين مختلف الفاعلين في العملية القضائية، ومحورا أساسيا لسير أعمال المحاكم وتنظيم الإجراءات وإعداد وتهيئ الملفات إلى حين الفصل فيها وتبليغ وتنفيذ القرارات المتعلقة بها وحفظها نهائيا أو توجيهها إلى الجهة القضائية المختصة للنظر فيها والسهر على ضمانات البيانات التي يجب أن تتضمنها الاستدعاءات وشهادة التسليم والإنذارات وطريقة إنجاز الطيات القضائية، وذلك بتطبيق التدابير التي يتعين عنها القيام بها بكل دقة في آجالها المناسبة وفاءا لما يفرضه عليها التزامها المقيد بالتواريخ مع الحرص على سلامة كل إجراء قد تنتج عنه عواقب تمس بحقوق المتقاضين والدفاع والمحاكمة النزيهة إذا لم تراع فيه القواعد والأحكام العادلة.
فجهاز كتابة الضبط يعتبر يعتبر المؤسسة القضائية التي تساهم في تدعيم وتقوية الضمانات القانونية لتثبيت العقود وحفظ أصول الأحكام والتوقيع عليها والإشهاد بصحتها. بحيث يمكن القول، أن عملية التبليغ قد تنطلق في الغالب قبل عرض النزاع أمام المحكمة وتستمر في الغالب حتى بعد البت فيها، بحيث لا يمكن لأي محكمة الاستغناء عن أعوان كتابة الضبط.
ونظرا لهذه الأهمية وضع المشرع المغربي إجراء التبليغ يسير بناءا على أعوان كتابة الضبط بمقتضى الفصل 37 من ق.م.م، وهذا دليل على تقديمه على غيره من أنواع التبليغ لأنه يكون الأدرى من غيره فيما يخص مسطرة التبليغ وعلى علم بكل المواعيد المخصصة لكل دعوى.
ثانيا: التبليغ عن طريق الأعوان القضائيين
عمل المشرع على سن مجموعة من المواد القانونية تحدد الطرق والإجراءات الواجب احترامها لتبليغ الاستدعاءات القضائية داخل الآجال المحددة قانونا وذلك تفاديا للتماطل والعراقيل التي تعرفها مسطرة التبليغ وتعطل بالتالي مسطرة السير العادي للعدالة، وفي هذا الإطار عمل المشرع على إحداث مؤسسة تساعد أعوان كتابة الضبط بالمحاكم وتخفف عنهم عبء عملية التبليغ وذلك بمقتضى ظهير80 /41 الخاص بالأعوان القضائيين وذلك نحو تحقيق أنجع السبل، وأكثرها ضمانة لتحقيق فعالية القضاء سواء من حيث تبليغ الأحكام، أو سبل تنفيذها والقضاء على تراكم الأحكام وتماطل تبليغها.
يعتبر من خلال مراجعة الظهير المنظم للأعوان القضائيين أن عملهم ينحصر شخصيا في القيام بعمليات التبليغ اللازم للتحقيق في القضايا ووضع الإجراءات المتطلبة في تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات إذا كانت طريقة التبليغ غير محددة وتنفيذ الأحكام والأوامر القضائية وكذلك العقود المستندات التي لها قوة تنفيذية مع الرجوع إلى القضاء إن اقتضى الحال عندما تعترضهم صعوبات.
ويمكن أن يكلفوا بتسليم الاستدعاءات والتبليغات القضائية ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنية.
ومادامت عملية التبليغ تعتبر من أهم العناصر المساهمة في تحريك الدعوى وسير القضايا أمام المحاكم والدور الأساسي الذي تلعبه في سرعة الفصل في النزاعات، وهي مسألة من الأهمية بمكان، فإن المتقاضي يكون حرا في اللجوء إلى مصلحة التبليغات والتنفيذات بالمحاكم الابتدائية أو يلجأ إلى مكاتب الأعوان القضائيين أصحاب المهن الحرة الذين يقومون بنفس عملية التبليغ.
ثالثا: التبليغ بواسطة البريد مع الإشعار بالتوصل 
الأصل أن عملية التبليغ تتم على يد أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بواسطة السلطة الإدارية، لكنه عندما يتعذر التبليغ بهذه الطرق لعدم العثور على الطرف المبلغ عليه المعني بالأمر في موطنه أو محل إقامته، فإن التبليغ يمكن أن يتم بواسطة البريد المضمون وفقا لما ينص عليه الفصل 37 من ق.م.م، على أنه " يوجه الاستدعاء عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل".
ويشير العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ، إلى استحالة أو فشل عملية التبليغ في الشهادة التي يرجعها إلى كتابة الضبط بالمحكمة المعنية بالأمر.
ويلاحظ أنه رغم هذه الطريقة تبدو أكثر ضمانة واستقرارا وحماية للمتقاضين تفاديا لما يمكن أن يشوب باقي الطرق الأخرى من أخطاء وتجاوزات، فإن هذه الطريقة لم تؤد النتائج المرجوة منها وذلك نتيجة لعدة اعتبارات نذكر منها: سلوك بعض الأشخاص المتقاضين ذوي النية السيئة المعنيين بالتبليغ من التملص والتحلل من آثاره بدعوى أن الطي موضوع التبليغ والتوصل كان فارغا والذي تم إرجاعه بملاحظة "غير مطلوب"، حيث اعتبرها المجلس الأعلى بمعنى "عدم التوصل"، ويتضح ذلك من خلال قرارات المجلس الأعلى، ونذكر من بين هذه القرارات:
القرار الاجتماعي الذي جاء في إحدى حيثياته " حيث أن الطاعنة لم تستطع إثبات أن الأجير(المطلوب في النقض)، توصل برسالة الإنذار بالالتحاق بالعمل ولا برسالة الطرد، وأن عدم سحب الرسالة من مصلحة البريد وإرجاعها إلى الطاعنة بملاحظة "غير مطلوب" استقر العمل القضائي على أنها لا تعتبر توصلا، وهذا ما انتهى إليه القرار المطعون فيه مما كان معه معللا ومطابقا للقانون.
وجاء في قرار آخر: ذلك أن عدم سحب الرسالة من مصلحة البريد وإرجاعها للمشغلة بملاحظة "غير مطلوب"، فقد استقر العمل القضائي على أنها لا تعتبر توصلا، وبالتالي فإن المحكمة لما اعتمدت رسالة الرجوع إلى العمل الموجهة للأجيرة والتي رجعت بملاحظة "غير مطلوب"، توصلا في إثبات المغادرة التلقائية يكون حكمها غير مرتكز على أساس ومنعدم التعليل ومعرضا للنقض.
رابعا: التبليغ بواسطة القيم 
نظرا للأهمية التي تحظى بها عملية التبليغ للتواصل بين مختلف الفاعلين في العلاقة القضائية، فإن المشرع أوجد أنواعا عديدة وطرقا مختلفة للتبليغ نذكر منها مسطرة التبليغ بقيم.
لكن الملاحظ في الواقع العملي، أن المحاكم لا تلجأ إلى مسطرة التبليغ بقيم إلا في الأحوال التي يكون فيها موطن، أو محل إقامة المبلغ إليه غير معروف أو مجهول العنوان.
يستنتج من قراءة ما جاء في الفصلين 39 و441 من ق.م.م، أن القيم تعينه المحكمة من بين أعوان كتاب الضبط ليقوم بإجراء عملية التبليغ بشكل قانوني وسليم، عندما يكون الطرف المعني بالأمر مجهول العنوان ولا يتوفر على موطن أو محل إقامة ثابتة ومعروفة. ومما تجب ملاحظته في هذا الصدد، أن العون القضائي الذي ينصب قيما ليقوم بمسطرة التبليغ لا يشترط فيه تكوينا قانونيا معينا، وإنما يكفي أن يكون موظفا في إطار السلم الإداري لأعوان كتابة الضبط بالمحكمة.
والعون القيم الذي عهد له بهذه المهمة للبحث عن الطرف المبلغ إليه غير المعروف والمجهول الهوية، تساعده في هذه المهمة النيابة العامة والسلطة الإدارية إن اقتضى الحال.
ويلاحظ أنه في حالة عدم إمكانية التبليغ إلى المعني بالأمر، فإن العون القيم يكون ملزما بتحرير محضر في الموضوع وتقديم المستندات والمعلومات المتعلقة بشأنه إلى المحكمة التي عينته. وللمزيد من الاحتياطات والضمانات، فإن المشرع اشترط أن لا تسري آجال الاستئناف والنقض بمجرد هذا التبليغ، إلا إذا كانت مصحوبة بتعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة التي أصدرت الحكم مدة ثلاثين يوما وكذا إشهارها بكل وسائل الإشهار المتوفرة حسب أهمية القضية.
إن مسطرة التبليغ بواسطة قيم لا يقتصر تعيينه على المواد المدنية فحسب، بل يمكن تعيينه في جميع القضايا سواء كانت تجارية أو إدارية أو جنحية أو قضايا مدونة الأسرة، ومن ذلك الحكم الصادر عن مركز القاضي المقيم بأولاد فرج التابع للمحكمة الابتدائية بالجديدة والذي جاء في حيثياته " حيث أن المدعية تطلب في مقالها الحكم بتطليقها من المدعى عليه زوجها الذي غاب عنها إلى مكان غير معروف"، وحيث أدلت المدعية بموجب غيبة يشهد شهوده بغيبة المدعى عليه ما يزيد على خمس سنوات غيبة اتصال وانقطاع، بحيث لم يترك لها شيئا تعول به نفسها ولا يبعث لها حتى بوصل. وحيث عينت المحكمة وكيلا-قيما- عن المدعى عليه الغائب وأعذر له في الموجب السالف الذكر فأسند النظر. وحيث أن مدونة الأحوال الشخصية لم تتكلم عن تطليق الغائب المجهول المكان.
لهذه الأسباب حكمت المحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا وغيابيا.
في الشكل: بقبول الطلب
في الموضوع: الحكم بتطليق المدعية من زوجها المدعى عليه طلقة بائنة.
ومن القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى في موضوع مسطرة القيم، ما جاء في القرار الإداري " إن الفصل 441 من ق.م.م عندما تكلم عن إشهار الأحكام الصادرة غيابيا بوكيل، قد أكد على أن إشهارها يقع بكل وسائل الإشهار حسب أهمية القضية ".
خامسا: التبليغ بواسطة المسطرة الإدارية
حيث سلك المشرع نهجا آخر في موضوع التبليغ، يتمثل في تبليغ الطيات القضائية عن طريق السلطات الإدارية.
وهكذا لم يفت المشرع أن يتضمن فصلا فريدا يخول للقاضي صلاحية إعطاء الأمر عن الطريق الإداري والموظفون بالجهاز الإداري المدني والعسكري، وجميع أعوان القوة العمومية والإدارية من شيوخ ومقدمين ودركيين...
ويلاحظ أنه لم يرد في قانون المسطرة المدنية الجديد نص يتعلق بعملية التبليغ عن الطريق الإداري أودليل عملي رسمي لمسطرة التبليغ يخص هذه العملية التبليغية للأحكام والاستدعاءات.
ويظهر أن مرد هذا الإغفال والإهمال يعود للأوضاع التي يجري فيها الأخذ بهذه الإجراءات التبليغية لأن المشرع لم يكن في حاجة لسن نصوص بشأنه على اعتبار أنه أصبح راسخا في الأذهان.
وقد جرى العمل، على أن المقصود بهذا الإجراء التبليغي، هو أطر وزارة الداخلية وأعوان السلطة المحلية فهؤلاء أقدر من غيرهم في معرفة موطن الأشخاص ومحل إقامتهم وتنقلاتهم الشيء الذي يساعدهم على تنفيذ مهمة التبليغ.
ورغم ضرورة أهمية التبليغ عن الطريق الإداري خاصة بالنسبة للمبلغ إليهم الذين يقيمون بالمناطق النائية والأحياء السكنية البعيدة عن مقرات المحاكم التي تنعدم فيها وسائل عملية التبليغ السالفة الذكر، فإن هذه الوسيلة الإدارية للتبليغ تعترضها بعض الصعوبات والإشكاليات نذكر منها:
1.اعتماد على أعوان السلطة المحلية ليقوموا بعملية التبليغ لا ينسجم مع عدم تحمل مسؤوليتهم في حالة حصول التبليغ لأنه لا يوجد هناك تسلسل إداري أو تناسق بين النيابة العامة والسلطة الإدارية حتى يمكن إلزامهم بعملية التبليغ.
2.عدم إحاطة وإلمام السلطة الإدارية بعملية إجراءات التبليغ بسبب عدم تكوينهم وتخصصهم في مجال التبليغ، والذين يكتفون غالبا بمطالبة المعلن الأمر بالتوقيع على شهادة التسليم دون علمهم بأهمية مضمونها ومآلها.
إلى غير ذلك من الإشكاليات التي تتطلب إعادة النظر في التبليغ القضائي بواسطة الجهاز الإداري.
سادسا:التبليغ عن الطريق الدبلوماسي
حسب مقتضيات الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية، فإن التبليغ يمكن أن يتم عن الطريق الدبلوماسي إذا كان الأشخاص المبلغ إليهم توجد أوطانهم، ومحصلات إقامتهم خارج أرض المغرب.
وبناء على ذلك، تسلم الاستدعاءات والطيات القضائية تحت إشراف النيابة العامة إلى وزارة العدل التي تسلمها بدورها إلى وزارة الخارجية التي يرجع إليها الاختصاص في معرفة السفارة أو القنصلية التي يقطن ضمن دائرتها الطرف المراد إعلانه، حيث يعمل على إحالة الطي القضائي على السلطات القضائية المختصة.
ويلاحظ أن الفصل 41 من ق. م. م حدد الآجال الواجبة لتبليغات خارج المغرب،و المعمول به والموصى به هو أن الوثائق المراد تبليغها إلى البلد الذي يقطن به أو محل إقامته أو موطن المبلغ إليه يجب أن تكون مترجمة إلى لغة هذا البلد حتى يتسنى للجهات المعينة القيام بعملية التبليغ وفق الإجراءات والطرق القانونية المعمول بها بالدول الأجنبية أو حسب الاتفاقيات الدولية أو الثنائية.
ومما تجب ملاحظته في هذا الصدد، أن التبليغ عن الطريق الدبلوماسي يتعين أن يوجه تحت إشراف النيابة العامة إلى وزارة العدل، وبعد استشارتها لمعرفة ما إذا كانت هناك اتفاقية دولية أو ثنائية تنص على مسطرة خاصة بالتبليغ، كما انه يتعين استغلال الإمكانيات الإلكترونية وإعلام المبلغ إليه بعنوانه الإلكتروني أن أمكن ذلك، وعن طريق البريد أيضا ليتسنى له الحصول على المزيد من الإيضاحات، وذلك بعد ولوج الموقع الخاص بالمحكمة قصد الحصول على المعلومات الضرورية لتهيئ دفاعه وتمكينه من ممارسة حقوقه بجميع الطرق والوسائل المتاحة له.

المبحث الثاني: الطعن في إجراءات التبليغ

يعتبر التبليغ بمثابة إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى عم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد المفوضين القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية والهدف هو من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد تبليغه.[16] فهو إذن من الأهمية بمكان ذلك أنه بمثابة العمود الفقري للدعوى، بحيث لا يمكن أن تتخذ مجراها العادي بدونه، فهو يعطي للمحكوم عليه فرصة للدفاع عن حق يريد المحكوم له أو خلفه العام أو الخاص تنفيذ الحكم إجباريا، إذ يمارس الطعن في تبليغه داخل الأجل القانوني، أو بصفة عامة يمكن له أن الدفع ببطلان إجراءاته لمخالفتها للمقتضيات العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، ومن ضمنها بطبيعة الحال المسطرة المنظمة لمسطرة التبليغ، وبالخصوص إذا لم تحقق هذه الإجراءات الغاية المرجوة منها، ويتمسك بها المحكوم عليه بسبب ما ألحق به الإجراء المتبع من ضرر واستدل ببطلان الاستدعاء، أو التبليغ بصفة عامة، وتقدم به قبل إثارة أي وجه من وجوه الدفع أوالدفاع في جوهر الدعوى، أو في وسيلة بواسطة مستنتجات كتوبة أو شفوية، مع التماس الإشهاد فيها ببطلان الإجراءات التي واجهته[17].
والدفع ببطلان التبليغ يختلف باختلاف الجهة التي يمكن الطعن أمامها، هذه الأخيرة إذا ما كانت محكمة جنحية فإن إثارة الدفع به تتم أولا استنادا لما تمت الإشارة إليه أعلاه، على العكس من ذلك فإنه بالنسبة للمساطر المدنية، فإنه لا مانع من إثارته سواء عبر جواب المدعى عليه إذا كان الأمر يتعلق بالاستدعاء للجلسة، أو باقي إجراءاتها، أو تقديمه في شكل دعوى إذا ما تعلق الأمر بتبليغ حكم.
والطعن ببطلان إجراءات التبليغ يختلف لاختلاف الجهة المطعون أمامها، وهو في كل الأحوال إذن يفرض اتباع مسطرة معينة منصوص عليها قانونا.

المطلب الأول: الجهة المختصة بالبت في الطعن

- المحاكم الإبتدائية:
إن الطعن في التبليغ الذي يقع أمام المحاكم الإبتدائية، إنما يتعلق بتبليغ الإنذارات والأوامر والأحكام الغيابية، كأن ينازع المكتري منذ بداية الدعوى مصرحا بأنه لم يتوصل بالإنذار بالإفراغ الذي وجهه له المكري، ففي هذه الحالة الأخيرة يتعين على المحكمة أن تبحث في محضر التبليغ أو فيما إذا كان المبلغ إليه قد وقع في الإشعار بالتوصل البريدي أو في شهادة التسليم الخاصة بتبليغ الطي أو لا. كما أنه إذا تمسك المكري بواقعة توصل المكتري..... بصك الإنذار بالإفراغ المنصوص عليه في الفصل 6 من ظهير 24 ماي 1955، فعليه يقع عبء إثبات بأن المكتري توصل بهذا الصك في غلاف بريدي[18].
كما أن المجال هنا مفتوح لتقيد دعوى الزور في حالة ما إذا أراد المعني أن يتبث أن خط التوقيع على شهادة تسليم الاستدعاء أو الحكم أو الأمر هو ليس بخط يده، وإنما من لدن غيره. بحيث هنا تتبع مقتضيات قانون المسطرة المدنية بخصوص الطعن بالزور الفرعي خاصة مقتضيات الفصل 89 وما يليه. من أجل التحقيق في واقعة التزوير من عدمه.
- محاكم الإستئناف:
يشترط لاختصاص محكمة الإستئناف بالت في الطعن في إجراءات التبليغ بطبيعة الحال، أن تكون الدعوى منشورة أمام هذه المحاكم، وسنعطي مثالا عن الطعن في إنذار صدر في حكم مؤسس على ذلك الإنذار المطعون في تبليغه. وتبعا لطلب بطلان الحكم المؤسس على الإنذار المذكور فإذا كان الحكم معروض على محكمة الإستئناف فإن المحكمة الإبتدائية لا يمكن لها إلا أن ترفع يدها على كل قضية تتعلق بنفس الموضوع والأطراف والسبب وتصرح بعدم قبول الطعن في التبليغ. كما أن لمحكمة الإستئناف أن تعتبر تبليغ حكم أو أمر تبليغا صحيحا لسريان أجل الطعن.[19]
- محكمة النقض:
إن عبء إثبات كون الطعن واقع داخل الأجل إنما يقع عبؤه على طالب النقض من خلال غلاف التبليغ، وإلا فإن محكمة النقض ستعتمد على شهادة التسليم أو شهادة القيم، الطريقة التي تنهجها المحاكم بعد استنفاذ إجراءات التبليغ العادية سواء التبليغات عن طريق كتابات الضبط التي تفيد بأن المعني بالأمر انتقل من العنوان أو غادره أو أن محله مغلقا أو عنوانه غير معروف أو جهول العنوان أو التبليغات عن طريق البريد المضمون.
المطلب الثاني: المسطرة المتبعة في الطعن في إجراءات التبليغ وفق قانون المسطرة المدنية:
إن كل الوثائق التي يتوجب تبليغها إلى الطرف الثاني في الخصومة أو المدعى عليه، سواء تعلق الأمر بالإستدعاءات أو الأحكام القضائية، فقد فرض المشرع مجموعة من الشروط، وأوجب احترام الآجال الواجبة للطعن تحت طائلة عدم القبول. فعبء الإثبات في الغالب يقع على عاتق المبلغ إليه.
- من حيث الطعن في تبليغ الاستدعاءات:
استنادا إلى مقتضيات الفصل 36 من قانون المسطرة المدنية فالإستدعاء يتضمن – بعدما يعين فيه يوم الجلسة – الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن ومحل إقامة طرفي الدعوى إضافة إلى موضوع الطلب والمحكمة المختصة...... وحدد الفصل 37 من نفس القانون طرق تبليغ الاستدعاء وكذا الجهة المبلغ إليها طبقا لمقتضيات الفصل 38 و39.
فالفصل 40 من قانون المسطرة المدنية فإن أدنى أجل بين تاريخ تبليغ الاستدعاء والتاريخ المحدد لحضور الجلسة يجب أن لا يقل عن خمسة أيام كاملة إذا كان المبلغ إليه يقيم بدائرة المحكمة الابتدائية أو بمركز مجاور لها ومدة 15 يوما إذا كان موجودا في محل آخر من تراب المملكة، تحت طائلة بطلان الحكم الذي يصدر غيابيا. الأجل المشار إليه يرتفع ليصل إلى شهرين في حالة التبليغ إلى من يقيم بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول الأوربية، وثلاثة أشهر إذا كان المعني يقيم بدولة إفريقية أخرى أو بآسيا أو أمريكا، وأربعة أشهر فيما إذا كان المراد تبليغه يقيم بالأقيانوس.
والمشرع رتب البطلان على عدم احترام الآجال المشار إليها أعلاه، هذا البطلان طبعا يتم عن طريق الطعن في إجراءات التبليغ. والأمر هنا من الناحية الواقعية هو إما أن المطلوب في الدعوى يتوصل بالاستدعاء للجلسة ويحضر، هنا تمنحه المحكمة طبعا أجلا للجواب، وعدم احترام شكليات الاستدعاء لن يثير إشكالا. وكل دفع بهذا الشأن سوف لن يكون ذي أهمية، ما دام المعني قد حضر وعلم بمجريات الدعوى المقامة ضده ومنح أجلا للجواب. لكن الأمر يكون أكثر أهمية وتعقيدا حينما يتعلق بتبليغ حكم أو أمر أو إنذار.
- من حيث الطعن في تبليغ الأحكام:
إن الحكم إما أن يكون صدر غيابيا، هنا يمكن للمكوم عيه الطعن فيه بالتعرض، وإما أن يكون صدر حضوريا أو بمثابة حضوري استنادا، هنا يمكن للمحكوم عليه إن كان ينفي توصله بالمرة بالطعن في إجراءات التبليغ ونفي كونه قد بلغ سواء بالاستدعاء أو الحكم، وما ينطبق على تبليغ الاستدعاءات ينطبق على باقي إجراءات الدعوى كإجراءات التحقيق في الدعوى مثلا.
وإذا كان المحكوم عليه هو إحدى الإدارات أو المؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية فإن التبليغ للجهات المذكورة قد يصطدم بالقصور والإبهام في هذا الشأن ذلك أن كلا من القانون المحدث للمحاكم الإدارية والقانون المحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية لم يتضمنا أية مقتضيات خاصة بشأن تبليغ الأحكام للجهات المذكورة أعلاه.[20]. ما يفرض العودة إلى مقتضيات القانون المسطرة المدنية كالمادة 515 و516 تحدد الأولى التمثيلية القانونية لبعض الإدارات العمومية، فيما نصت الثانية على أن التبليغ يكون لممثل الإدارة العمومية القانوني، في حين أنه يصعب من الناحية الواقعية تبليغ الممثل القانوني لكل إدارة أو مؤسسة عمومية لأن الممثل القانوني لكل إدارة غالبا ما يكون هو المقلد لأعلى منصب[21]. ما يبدو معه إمكانية الإدارة العمومية أو من في حكمها الطعن في كل حكم أو إجراء بلغ إليها لعدم تبليغه إلى الممثل القانوني لها، بالرغم من أن محكمة النقض تحاول التلطيف من هذا الموقف عبر عدة قرارات من بينها القراران اللذان أوردهما الأستاذ المساوي في مؤلفه القواعد الإجرائية أمام المحاكم الإدارية، حيث اعتبرت محكمة النقض أن التبليغ الواقع لغير الممثل القانوني للشخص الاعتباري يعد صحيحا، بحيث اعتبرت أن المقصود من المادة 516 هو أن توجيه التبليغ هو الذ يجب أن يكون في اسم الممثل القانوني، لا تسليم التبليغ بصفة شخصية. قرار محكمة النقض رقم 326 بتاريخ 30/3/2005 ملف تجاري 779/3/1/2004. نفس الموقف عبر عنه القرار 413 بتاريخ 13/4/2005 ملف تجاري 180/3/2/2004 إحالة القراران منشوران بمجلة المجلس الأعلى الأول في العدد 64-65 ص 232 والثاني في العدد 66 ص 182. إلا أن موقف محكمة النقض هذا لا يعفي المشرع من ضرورة مراجعة مقتضيات الفصل 516 لكون صراحة النص تتوافق وموقف محكمة النقض في هذا الخصوص.
والطعن في إجراءات التبليغ إنما يتم من قبل الطرف المزعوم أنه بلغ، عن طريق تقديم مقال يرمي إلى الطعن في إجراءات التبليغ أمام المحكمة المختصة التي بتت في النزاع الأصلي، وإلا أمام الجهة المعروض أمامها، كأن تكون المحكمة التي تنظر الدعوى هي محكمة استئناف مثلا، حين يكون النزاع معروضا على أنظار هذه المحكمة.
والطعن في إجراءات التبليغ هذا يتم عن طريق تقديم دعوى بواسطة مقال افتتاحي يحترم مقتضيات قانون المسطرة المدنية من صفة وأهلية ومصلحة وباقي الشروط، مع إدخال الجهة التي تكون قد قامت بالتبليغ المطعون فيه مثلا يتم إدخال المفوض القضائي الذي يكون قد قام بإجراء التبليغ المطعون فيه، فالفصل 15 من القانون رقم 03-81 بتاريخ 14 فبراير 2006 ينص على أنه يختص المفوضون القضائيون بتبليغ الأحكام والاستدعاءات والإنذارات وغيرها من الإجراءات طبقا لقانون المسطرة المدنية، كما أن الفصل 24 من نفس القانون ينص على أنه تسلم الاستدعاءات وشهادات التسليم والطيات المتعلقة بالتبليغ والتنفيذ وجميع الوثائق المرتبطة بها من طرف كتابة الضبط إلى المفوض القضائي، الشيء الذي يفسر مدى أهمية الدور الذي تقوم به مؤسسة المفوض القضائي هاته لمساعدة القضاء، وما قد يثيره مجال عملها هذا من طعون في مادة التبليغات.والدعوى المقامة بمناسبة الطعن في إجراءات التبليغ يتم التحقيق والبت فيها وفقا للمقتضيات الواجبة للبت في مختلف الدعاوى. والطعن في إجراءات التبليغ قد يتخذ شكل طعن بالزور، كأن يطعن المعني في كون التوقيع الوارد في شهادة التسليم هو ليس بتوقيعه.
-----------------------------------------
هوامش:
[1] - يبدو أن عمل المجلس الأعلى يسير في هذا الاتجاه إذ ورد في احد قراراته أن الطاعن بلغ بالحكم الابتدائي شخصيا ورفض التوقيع على شهادة التسليم كما هو ثابت من ملاحظة عيون التبليغ، وأضاف بان شهادة التسليم تشير أيضا إلى أن التبليغ تم للطاعن بنفس الموطن المشار إليه في عريضة النقض التي تقدم بها، وهذه الإضافة لا داعي لذكرها إلا إذا كان هناك نزاع حول هوية المراد إعلانه المستلم للإعلان خارج موطنه (قرار عدد 283 بتاريخ 16/3/1996 ملف عدد 661/90 غير منشور، انظر كذلك قرار عدد 1825 بتاريخ 16/3/1993 ملف مدني عدد 941/89 غير منشور.
[2] - د. رشيد حبابي، أحكام التبليغ في القانون المغربي والمقارن، مكان التبليغ مجلة الإشعاع عدد 29-2004، ص: 146.
[3] - عبد اللطيف البغيل، الدعوى المدنية وإجراءاتها في التشريع المغربي، مطبعة طوب بريس الرباط، 2005، ص: 143.
[4] - عبد الحميد أخريف، محاضرات في القانون القضائي الخاص، طبعة 2000-2001، ص: 211-212.
[5] - بالرجوع إلى المادة العاشرة من قانون المرافعات المصري نجده نص على مايلي:"وإذا لم يجد المحضر الشخص المطلوب إعلانه في موطنه كان عليه أن يسلم الورقة إلى من يقرر...انه من الساكنين معه من الأزواج والأقارب والأصهار..." ويتضح آن المشرع المصري ميز بين الأزواج والأقارب والأصهار بخلاف المشرع المغربي الذي اقتصر على القريب كمفهوم عام ولا يمكن حصرها في المفهوم الضيق أي الرابطة الدموية وإلا سوف نقصي الأزواج والأصهار.
[6] - عبد السلام البناني وحسن الفكهاني وآخرون، التعليق على قانون المسطرة المدنية، ج2، الطبعة 3- 1995- 1996، الدار العربية للموسوعات القاهرة، ص: 222.
[7] - د. محمد بفقير، مبادئ التبليغ على ضوء قضاء المجلس الأعلى في الموضوع، الطبعة الأولى، 2005، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص:5.
[8] - عبد اللطيف البغيل، مرجع سابق، ص: 129-130.
[9] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 13/6/1982 تحت عدد 387 في الملف العقاري عدد 80857 أشار إليه محمد بفقير، مرجع سابق، ص:36.
[10] - د. عبد اللطيف بغيل، مرجع سابق، ص: 130.
[11] - الفصل 514 ق.م.م.
[12] - احمد أبو الوفاء التعليق على قانون المرافعات الجديد، المجلد الأول، الطبعة 1969، ص:56
[13] - الحسن البويقين، إجراءات التبليغ فقها وقضاءا، الطبعة الأولى 2002، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص:1.
[14] - إلا أن المجلس الأعلى يخالف هذا الرأي فقد جاء في احد قراراته ما يلي: "إذا كان الفصل 516 من ق.م.م يقتضي أن توجه الاستدعاءات والتبليغات والإنذارات وغيرها المتعلقة بفاقدي الأهلية والشركات والجمعيات وكل الأشخاص الاعتباريين إلى الممثل القانوني لهؤلاء بصفته هذه فان ذلك لا يمنع من تسليم تلك الوثائق إلى الممثل القانوني شخصيا أو في موطنه إلى أقاربه أو خدمه، وكل شخص آخر يبقى معه حسب ما نص على ذلك الفصل 38 قرار عدد 472 بتاريخ 15/2/1993 أهم القرارات الصادرة في المادة المدنية 58-1996، ص:195.
[15] -قرار المجلس الأعلى عدد 95 بتاريخ 28/2/1979 ورد فيه: إذا وجه التبليغ إلى مدير الشركة بصفته الممثل القانوني لها، وتسلم الطي احد مستخدمي الشركة فان التبليغ يكون قد تم بصفة قانونية طبقا للفصل 516 و38 من ق.م.م مجلة المحاكم المغربية، عدد 22، ص:761.
[16] الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية الدكتور ع الكريم الطالب ط 3 ماي 2006 ص 183.
[17] الدليل الكامل في صحة وبطلان التبليغات القضائية عبد العالي العضراوي- مطبعة الأمنية الرباط 2007 ص 21.
[18] المرجع السابق ص 25
[19] الدليل الكامل في صحة وبطلان التبليغات القضائية مرجع سابق ص 27
[20] د/ عبد الكريم المساوي القواعد الإجرائية أمام المحاكم الإدارية ط1 سنة 2012 ص 309
[21] نفس المرجع السابق ص 309

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -