أراضي الجماعات السلالية بين الواقع و الآفاق

رسالة بعنوان: أراضي الجماعات السلالية بين الواقع و الآفاق PDF

أراضي الجماعات السلالية بين الواقع و الآفاق PDF

مقدمة :
يعد المغرب من البلدان التي تراهن على الاحتياطي العقاري في مختلف مخططاتها كمخزون لإنجاح العديد من المشاريع التنموية والحفاظ على التماسك الاجتماعي بين الأفراد داخل المجتمع، وذلك بجعل العقار محركا أساسيا ولبنة رئيسية التنمية الاقتصاد المحلي و الوطني.
وإذا كانت هذه التطلعات ترتكز على الملكية العقارية باعتبارها المادة الأولية وأساس أي مشروع تنموي اقتصادي أو اجتماعي، فإن توزيع هذه الملكيات في الوقت الراهن بالمغرب يثير مجموعة من الصعوبات، خصوصا في ظل تعدد الأنظمة العقارية وتشتت المقتضيات المنظمة لها.
فالنظام العقاري الحالي بالمغرب لا يضم فقط الازدواجية القائمة بين عقار محفظ وآخر غير ذلك، وإنما يتجاوز ذلك إلى ما هو أكثر تعقيدا فيشمل تنظیمات أخرى من قبيل أراضي الجماعات السلالية"، أراضي الأحباس، أملاك الدولة العامة والخاصة، الملك الغابوي، فضلا عن التداخل الحاصل على مستوى القواعد والقوانين لكل نظام عقاري على حدة. 
وبعيدا عن هذا الاختلاف الذي لا يتسع المقام لتناوله سوف نقصر الدراسة على معالجة نظام أراضي الجماعات السلالية باعتباره من أهم الأنظمة العقارية في الوقت الحالي، خصوصا في ظل شمول المدار الحضري لنطاق هذا النظام في العديد من المدن المغربية، ورغبة في محاولة الكشف عن مختلف المشاكل والصعوبات التي تطبعه وتعرقل دوره في المخططات التنموية التي يشهدها المغرب في الآونة الأخيرة، لأن هذه الأراضي لا تتكون من طبيعة مادية واحدة وإنما تتكون من عدة أنواع حيث نجد:
- الأراضي الصالحة للزراعة: التي يكون لكل رب عائلة الحق في استغلال جزء منها بالفلاحة حسب قسمة حرية او دائمة تخضع في شكلها و شروطها للأعراف والعادات المحلية
. أراضي الرعي: تشكل الجزء الأكبر من مجموع المساحات التي تشغلها الأراضي الجماعية
- مناطق السكن والمرافق التابعة لها، وهي المساحات التي يقطن بها سكان الجماعات
- مناطق أخرى: تشمل الأراضي البيضاء والمقالع....
وإذا كان جل الفقه يرى أن الأراضي السلالية مؤسسة لم يعرف لها مصدر مؤكد لا في الحقوق الإسلامية ولا في القوانين الوضعية رغم اعتراف هاذين التشريعين بها، فإنهم لا يختلفان في أن لهذه الأراضي أصلا موغلا في القدم وإن اختلفت مرجعياتهم في تحديد أصلها التاريخي، حيث منهم من ربطها ببداية تشكل الجماعة ومنهم من اكتفى بالإشارة فقط إلى كونها وجدت قبل الإسلام. 
وكيفما كان الحال وبغض النظر عن الأصل التاريخي لهذا النظام العقاري الذي يبقى له مصدر يعود إلى زمن بعيد، فإن الأراضي السلالية ظلت تستغل حسب الأعراف المحلية لكل قبيلة، محافظة بذلك على ارتباط الأفراد فيما بينهم واستمرار الجماعة متماسكة وكانت تسير من قبل شيوخ الجماعات، ولم تكن مظاهر الحدود بينها معروفة بشكل دقيق، وتسودها العادات المحلية والأعراف المتباينة باختلاف القبائل، وأن كل نزاع بينهما كان يحل بتحكيم أحد الأشراف أو يرفعه الى السلطان.
على أن السلطة الإدارية لم تكن لها اختصاصات قوية في هذا الشأن إلا في المناطق الخاضعة لنفوذها ومراقبتها الفعلية كالسهول وما شابهها، أما في المناطق الوعرة والجبلية كالأطلس والريف فيغلب على الظن أن نفوذها لم يكن بنفس الحدة نظرا لضعف مواردها و ثرواتها الطبيعية من ناحية، ولمناعتها وصعوبة المواصلات بها من ناحية أخرى.
لكن الاستمرار بهذا الوضع لم يكن ليبقى على حاله بعد فرض الحماية ودخول المستعمر سنة 1912، حيث عمت الفوضى وسارع العديد من ذوي الحقوق إلى استغلال الوضعية السائدة آنذاك والإقدام على إقامة رسوم الملكية للأراضي الجماعية المخولة لهم في إطار القسمة التقليدية أو تلك التي لا يوجد من ينازع فيها وكان كل منهم يعمل حسب ما يتوفر عليه من جرأة ونفوذ وإقدام وجاه.
وللحد من تفاقم هذه التجاوزات قامت سلطات الحماية باتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على هذا النظام وضبطه، وإن كانت توحي في مظهرها بأنها تهدف إلى الحفاظ على هذا الموروث الجماعي، إلا أنها كانت تمهيدا للأوضاع للإستيلاء على هذه الأراضي و تمليكها لمستوطنيها.
وتمثلت هذه الإجراءات في إصدار أول منشور بتاریخ فاتح نونبر 1912 الموجه من الوزير الأعظم إلى الباشاوات والقواد يقضي بمنع تفويت الأراضي الجماعية للأفراد و الإبقاء على العادات والتقاليد القديمة التي كانت تستغل بها، كما أكد ذلك بمنشور آخر صادر في 6 مارس 81914، وفي نفس الاتجاه تم ردف هذه الإجراءات بمقتضى ظهير7 يوليوز 1914 بإحداث طريقة خاصة للبحث سمیت ب" البطاقة" حيث تم إلزام القضاة قبل إقدامهم على تحرير أي عقد للملكية توجيه البطاقة إلى القائد ليقوم بالتحري في موضوع العقد، ولا يمكن تحرير هذا العقد إلا بعد أن يثبت من البحث بأن العقار موضوع إقامة رسم الملكية لا يدخل ضمن الأراضي الجماعية ولا الدولة أو الأحباس.
وعلى نفس الأهداف وبحسب التطورات التي ظل يعرفها المغرب توالت بعد ذلك مجموعة من القوانين، توجت بصدور ظهير 27 أبريل 191919 الذي يعد بمثابة میثاق للأراضي الجماعية، والذي بدوره عرف مجموعة من التعديلات كان من أبرزها التعديل الذي تم بعد الاستقلال بمقتضى الظهير الصادر بتاريخ 6 فبراير 1963، حيث تم بموجبه وضع هذه الأراضي تحت سلطة الوصاية الإدارية لوزير الداخلية يمارسها بمساعدة مجلس الوصاية، ثم بعده ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الريا، والذي بموجبه تم إلغاء نظام الأراضي الجماعية في المناطق المسقية التي تم إدخالها في إطاره لأجل تشجيع الاستثمارات الفلاحية، وقد أصبحت بموجبه تلك الأراضي مملوكة على الشياع لصالح ذوي الحقوق على هذه الأراضي
وعليه فبالرغم من الإصلاحات التي أدخلها المشرع على ظهير 27 أبريل 1919 بعد الاستقلال من خلال العديد من الظهائر، وكذا المناشير والدوريات التي تم إصدارها بهذا الخصوم، وما كان لذلك من نتائج ايجابية نسبيا على تحسين استغلال الأراضي الجماعية واسترجاع العديد منها التي قد تم الاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة.
ولكي يتسنى لنا دراسة هذا النظام من خلال مقاربة بين الواقع والآفاق نجمع فيها بين طرح مختلف العوائق التي تعرقل حسن استغلال الأراضي الجماعية ومدی قدرة الجهات المؤهلة لتنظيمها في حل النزاعات المرتبطة بها، وبين إيجاد مخرج الوضعية الصعبة التي تعرفها عن طريق طرح نظم بديلة تضمن حسن تدبير واستغلال هذه الأراضي، وجعلها تساير المشروع التنموي الذي يحاول المغرب أن يضع أهم لبناته الأساسية في السنوات الأخيرة تحت شعارات متعددة منها: 
الحكامة الجيدة للاقتصاد، مخطط المغرب الأخضر، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإنه في سبيل معالجة هذه الإشكالات سأحاول الإجابة عنها وفق إشكالية محورية تتمثل في: إلى أي حد ينسجم النظام القانوني للأراضي السلالية مع الطموح الذي يحدوا المغرب للنهوض بوضعية مكوناته البشرية وجلب أكبر للاستثمارات الوطنية والأجنبية وما يتطلبه ذلك من تعبئة ليصبح في خدمة التنمية .
وللإحاطة بهذه الإشكالية وما يتفرع عنها سوف أقوم باعتماد منهجية التصميم الثنائيا في خطة البحث من خلال تناول الموضوع وفق فصلين رئيسيين نعرض الهما كالتالي:

الفصل الأول : تدبیر أراضي الجماعات السلالية واستغلالها 
الفصل الثاني : أراضي الجماعات السلالية بين التحصين والآفاق
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -