استقلال السلطة القضائية بالمغرب - الدعامات و الضمانات

رسالة بعنوان: استقلال السلطة القضائية بالمغرب - الدعامات و الضمانات  PDF

استقلال السلطة القضائية بالمغرب - الدعامات و الضمانات  PDF

مقدمة :

أولا- الإطار العام للموضوع
تكتسي السلطة القضائية[1] أهمية خاصة، باعتبارها أهم ضمانة لاحترام حقوق الإنسان وحماية مصالح الأفراد والجماعات، وباعتبارها الآلية المعهود إليها ضمان سيادة القانون، ومساواة الجميع أمام مقتضياته.
ويترتب عن الثقة في استقلال[2] و نزاهة القضاء، دوران عجلة الاقتصاد بشكل فعال ومنتج، وتنشيط الاستثمارات، وتحقيق التنمية، وتشجيع الاستثمارات الخارجية، وتلميع صورة المغرب في وجه المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن قضاء ناجع وفعال وسريع يضمن لهم حقوقهم.
فالقضاء يعتبر إحدى أهم الدعامات[3] الأساسية لبناء دولة الحق و القانون، وهو يضطلع بمهمة الفصل في الحقوق المتنازع حولها، وفق مساطر قانونية تضمن شروط المحاكمة العادلة شكلا ومضمونا. إذ أن الحق في محاكمة عادلة، وحق اللجوء إلى القضاء، ومبدأ ضمان حق الدفاع، وغيرها من الضمانات القانونية الأخرى تدور كلها في فلك الاستقلالية، فاستقلالية القاضي والقضاء، وحياد العدالة في محور كل تلك الضمانات القانونية، وهو ما يفسر كون مبدأ استقلالية السلطة القضائية هو محور الاهتمام العالمي الحديث، فلا مجال كلية للحديث عن أي ضمانات قانونية في أي ميدان قانوني، طالما أن من يترجم تلك القواعدالقانونية إلى واقع عملي غير مستقل وغير محايد[4].
ونظرا لأهمية مبدأ استقلالية السلطة القضائية في حياة الأمم، فإنه أصبح مقياسا لمؤشرات التنمية في دول العالم بصورة يحسم في طبيعة ومدى تقدم الدول أو تأخرها.
ولذلك فقد نصت جل دساتير الدول المتحضرة، على مبدأ استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، بما في ذلك دساتير المملكة المغربية. إلا أن الملاحظ، هو أن الدساتير المغربية السابقة و خصوصا دستور سنة 1996، لم تكن تعترف للقضاء بوصف السلطة، بحيث نص الفصل 82 من دستور سنة 1996 على أن: " القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية"[5].
وعلى إثر ذلك، كثر الجدل بين فقهاء القانون، واختلفت الآراء حول طبيعته، هل هو وظيفة، أم سلطة، أم هيئة قضائية؟ حيث أن هناك من كان يعتبره سلطة، والبعض الآخر كان يراه وظيفة، في حين ذهب فريق ثالث إلى اعتباره هيئة قضائية تختلف طبيعتها ومهمتها عن باقي السلط الأخرى في الدولة، مع العلم بأن اعتبار القضاء سلطة مستقلة كان يلقى قبولا عاما في غالبية النظم القانونية، وفي عالمنا المعاصر بما في ذلك المغرب[6].
ولقد وضع دستور سنة 2011 لبنة أساسية في استقلالية السلطة القضائية، إذ من بين المرتكزات التي أشار إليها الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 ضرورة الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وبذلك تقرر إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية برئاسة الملك، وهذه إشارة إلى أن المغرب دخل منذ سنة 2011 مرحلة فصل السلط، لينهي بذلك الخلاف الفقهي الذي كان دائرا في إطار دستور سنة 1996 حول طبيعة القضاء بالمغرب.
وقد حرص أيضا دستور سنة 2011 على التأكيد على استقلال القضاء، إذ أنه خصصالباب السابع منه للسلطة القضائية – تحت عنوان السلطة القضائية – وهو ما يفصح بجلاءعلى أن دستور 2011 اعتبر القضاء إحدى سلطات الدولة الثلاث، حيث جاء فيه على أن:" السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية"[7]. كما أنه عمل على إيراد العديد من النصوص التي تؤكد هذا الاستقلال. إذ نص على أنه : " يمنع كل تدخل في
القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط. و يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية"[8]. كما أنه نص على أنه :" لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون". كما قرر" بأن يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون[9]...
هذا وإذا كان دستور سنة 2011 قد متع القضاة بالعديد من الضمانات[10]، وأهمها حقهم
في التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، إضافة إلى إمكانية انتمائهم إلى جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية مع احترام واجبات التجرد والاستقلال والأخلاقيات القضائية، فإنه اعتبر بأن كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. فالمشرع المغربي يهدف من وراء ذلك إلى التأكيد على أهمية المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، والذي يجعل من كل شخص يمارس مسؤولية عمومية، سواء كان معينا أو منتخبا، أن يقدم طبقا للمقتضيات المقررة قانونا، تصريحا كتابيا بالأصول والممتلكات التي في حيازته، وذلك بمجرد تسلمه لمهامه، وأثناء ممارستها، وعند انتهائه منها.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن مستجدات دستور سنة 2011 بخصوص السلطةالقضائية، وأيضا توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، تمتترجمة محتوياتهما في القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، من أجل توطيد استقلالية السلطة القضائية، وإبراز مكانتها بين السلطات الأخرى في الدولة.

ثانيا- أهمية الموضوع
يكتسي موضوع استقلال السلطة القضائية أهمية كبيرة سواء من قبل المنظمات الدولية أو الوطنية ذات الصلة بالموضوع. بحيث نجد كثير من المؤتمرات والندوات التي نظمت والتي ما زالت تنظم تتطرق لموضوع استقلال السلطة القضائية، الذي يعتبر قطب الرحى لكل ممارسة ديموقراطية. وتتجلى الأهمية العلمية لموضوع استقلال السلطة القضائية، في كون أن هذا الموضوع يعتبر من المواضيع التي تفرض نفسها بإلحاح في مجال الدراسات القانونية. كما أنه يلقى اهتماما واسعا من قبل العاملين في المجال القانوني والحقوقي، سواء أكانوا أساتذة في كليات الحقوق، أو قضاة، أو محامون...
أما بالنسبة للأهمية العملية لموضوع استقلال السلطة القضائية، فتتجلى في كون أن استقلال القضاء والعدل هما وجهين لعملة واحدة،
لأنه بواسطة القضاء المستقل يتحقق العدل، وتصان الحقوق، ويتضاعف شعور المواطنين بالأمن والاستقرار.

ثالثا- إشكاليات البحث
يثير موضوع استقلال السلطة الكثير من الإشكاليات والتساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها و تفكيكها من خلال التطرق إلى النصوص الدستورية و القانونية المنظمة للسلطة القضائية وتحليلها، وكذلك من خلال إبراز المكانة التي يحتلها القضاء في النظام السياسي المغربي و في المجتمع على مستوى الواقع العملي.
وإذا كان المشرع المغربي قد أصدر القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلىللسلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة بالجريدة الرسمية للمملكة يوم الخميس 14 أبريل2016، والذين يضمان مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم السلطة القضائية بالمغرب، فإن الإشكالية المحورية التي تثار في هذا الصدد هي كالتالي:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال دستور 2011 و القوانين التنظيمية
المتعلقة بالسلطة القضائية لسنة 2016 تقوية و توطيد الدعامات والضمانات اللازمة
لاستقلال السلطة القضائية بالمغرب؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية المحورية، مجموعة من التساؤلات الفرعية أهمها:
- هل استطاع دستور 2011 و القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية لسنة
2016 التأسيس لسلطة قضائية حقيقية ومستقلة؟
- وهل استطاع دستور 2011 و القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية لسنة
2016 حسم الخلاف الفقهي حول اعتبار القضاء "سلطة" أم "وظيفة" من وظائف
السلطة التنفيذية؟
- ما هي دعامات استقلال السلطة القضائية بالمغرب؟
- ما هي ضمانات استقلال القضاة بالمغرب؟

رابعا- المناهج المعتمدة في البحث
للإحاطة بالإشكالية المحورية، ومختلف التساؤلات الفرعية المتعلقة بهذا البحث، كنا مجبرين من الناحية المنهجية على اعتماد أكثر من منهج، ذلك أن تدخل وتشعب هذا الموضوع لن يسعفنا في فهمه اعتماد منهج واحد. لذلك كان من الضروري الاعتماد علىمجموعة من المناهج العلمية، أهمها:
- المنهج البنيوي: و ذلك من خلال التطرق إلى بنية و تشكيلة مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية قبل و بعد دستور 2011.
- المنهج المقارن: وذلك من خلال إجراء مقارنة بين النصوص الدستورية و القانونية المنظمة للسلطة القضائية قبل و بعد دستور من 2011، من أجل إبراز المكانة التي أصبحت تحتلها السلطة القضائية بالمغرب. و تجدر الإشارة إلى أن المنهج العلمي فرض علينا اعتماد التحليل و الملاحظة انطلاقا من جمع النصوص الدستورية و القانونية التي تنص على هذا الإستقلال و تحليل واقع استقلال القضاء بالمغرب.

خامسا- خطة البحث
وعلى أساس ما سلف ذكره ، سنتطرق لموضوع استقلال السلطة القضائية بالمغرب "الدعامات والضمانات"، من خلال الوقوف على الدعامات الكفيلة لتوطيد استقلال السلطة القضائية بالمغرب وذلك في فصل أول. على أن نقف على الضمانات اللازمة لاستقلال القضاة بالمغرب في فصل ثان. وهكذا تتحدد خطتنا كالتالي:

الفصل الأول: دعامات استقلال السلطة القضائية بالمغرب
الفصل الثاني: ضمانات استقلال القضاة بالمغرب
تعليقات