اختصاصات المحكمة العسكرية على ضوء القانون 108.13

عرض بعنوان: اختصاصات المحكمة العسكرية على ضوء القانون 108.13 PDF

اختصاصات المحكمة العسكرية على ضوء القانون 108.13 PDF

مقدمة :
منذ بدء تنظيم المجتمعات عرفت "البشرية" فكرة إيجاد "قوات مسلحة" للدولة تحمي الأمن وتحقق السلام، ومع زيادة "التقدم" في المجتمعات الحديثة ظهرت الحاجة إلى الاهتمام بتنظيم العمل داخل "القوات المسلحة" للحفاظ على الضبط والربط بين صفوف "العسكريين" .
ولذلك فإصدار قانون يحكم نشاط وخدمة القوات المسلحة يستتبعه بالضرورة حتمية إنشاء قضاء عسكري يظهر فيه طابع التخصص ويتوفر فيه العلم بجميع جوانب العمل العسكري. على أن يكون لهذا القضاء ولاية في الجرائم العسكرية التي يرتكبها العسكريين أثناء تأدية واجباتهم أو بسببها.
وكثيرا ما يقال أن القضاء العسكري قد نشأ منذ ظهور الجيوش إلى حيز الوجود، ويعتقد بعض الباحثين أن ما يشكل القانون الجنائي اليوم قد ظهر في روما، في حين يرجعه البعض الأخر إلى اليونان القديمة، مقدمين مثالا بالمحكمة العسكرية التي أدانت الجنرال "فيلوناس" بالإعدام لتأمره على الإسكندر الأكبر سنة 330 قبل الميلاد، كما عين الإسكندر في أواخر الإمبراطورية قضاة عسكريين كبار يتولون النظر في المرحلة الاستئنافية في القضايا العسكرية، وفي زمن الإمبراطورية الرومانية، كان سلوك القوات ينضبط بتطبيق مبدأ "من يعطي الأوامر يجلس للحكم" .
ولم يعرف الفصل بين "القضاء العادي" و" القضاء العسكري" في كثير من الدول المتحضرة إلا منذ وقت قريب، ففي فرنسا مثلا لم تعرف هذه التفرقة حتى قيام الثورة الفرنسية، كما أن البذور الأولى واللبنة الأساسية لقانون القضاء العسكري ظهر في فرنسا ثم تعهدها الفقه بالتطور حتى تبلورت، ولم تصدر القوانين المنظمة للقضاء العسكري في فرنسا إلا منذ عام 1811، وقام "هنري شار لاموازيل" بتجميع هذه القوانين وفي سنة 1857 صدر بفرنسا قانون جديد للعدل العسكري عمل على توفير مجموعة من الضمانات للمتهم العسكري على غرار المتهم المدني، فقد أصبحت المحكمة أكثر علانية كما تم إقرار مبدأ أن العسكري لا يمكن أن يحاكم من طرف عسكري أقل منه رتبة، وأصبحت التشكيلة تختلف باختلاف رتبة العسكري المتهم. وبعدها صدر القانون المنظم للتنظيم القضائي العسكري سنة 1928 والذي ألغي بتاريخ 8 يوليوز 1965 بعد صدور قانون العدل العسكري والذي اقتصر على المحاكم الدائمة للقوات المسلحة والمحاكم العسكرية للجيوش.
وخلال سنة 1982 طرأت ثورة في قانون العدل العسكري الفرنسي بحيث تم إلغاء المحاكم العسكرية وقت السلم وتم الاحتفاظ بها وقت الحرب.
أما بالنسبة للمغرب فقد مرت القوانين التي تنظم القضاء العسكري بعدة مراحل حتى وصلت إلى التنظيم التشريعي الذي أتى به القانون الحالي وهذه المراحل هي:
مرحلة ما قبل الاستعمار: خلالها كان المغرب من الدول القليلة التي لها تنظيم سياسي وعسكري حافل بالأمجاد والتحديات، حيث كان المغرب دولة منظمة قبل نشأة دولة الأدارسة، ومع تأسيس هذه الأخيرة، أصبحت الدولة المغربية أكثر تنظيما وأصبح الجيش أكثر بطشا وقوة.
إلا أنه لا يمكن القول إنه كانت هناك محاكم أو قوانين عسكرية بالمعنى الحديث، فالقضاء العادي التقليدي هو من كان يتولى البت في المنازعات كيفما كانت ويصرف النظر عن مرتكبها، ورغم ذلك كانت هناك جرائم خاصة بالجنود تخرج عن اختصاص القضاء العادي.
مرحلة الحماية: خلال هذه المرحلة كان المغرب تحت الحماية الفرنسية وأنشأت هذه الأخيرة محاكم للجيوش بمختلف المناطق العسكرية التي أنشأتها بالمغرب، من أجل محاكمة أفراد المقاومة المغربية وكل من يعارض الاستعمار الفرنسي .
مرحلة الاستقلال: فقد تم إحداث القوات المسلحة الملكية، ومن تم كان لابد من إصدار قانون العدل العسكري وإحداث المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية، وقد تم ذلك بمقتضى ظهير 10 نونبر 1956، ولقد تم تغييره وتتميمه بتاريخ 26 يوليوز 1971 ثم صدر بعد ذلك قانون القضاء العسكري بتاريخ 10 دجنبر 2014 الذي قضى بنسخ أحكام هذين الظهيرين السابقي الذكر.
وجاء قانون 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري ليلائم مبادئ باريس وتفعيل المقترحات التي رفعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال شهر مارس من سنة 2013، وهذه المقترحات لقيت تنويها وإشادة من طرف جلالة الملك، عبر عنها البلاغ الذي أصدره الديوان الملكي في الموضوع وأكد فيه أن مقترحات المجلس الوطني لحقوق الانسان تسير في اتجاه التوجهات الملكية السامية وتستجيب لانتظارات المجتمع المغربي، كما أنها تفعل المبادئ المتضمنة في دستور.
إلى أي حد استطاع الإصلاح التشريعي تحديد اختصاصات القضاء العسكري من خلال ملاءمته مع المنظومة القضائية الوطنية والانتقال به من قضاء استثنائي إلى قضاء متخصص يستجيب لمتطلبات المحاكمة العادلة؟
وانطلاقا مما سبق ارتأيت معالجة الموضوع وفق التصميم التالي:

المبحث الأول: الاختصاص الشخصي للمحكمة العسكرية
المبحث الثاني: الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية


المبحث الأول: الاختصاص الشخصي للمحكمة العسكرية 

تعتبر مسألة الاختصاص من أهم وأدق وأخطر الجوانب في موضوع المحكمة العسكرية، باعتباره يساهم في تحديد الطبيعة القانونية لهذه المحكمة، ومن جملة ما جاء به ق.ق.ع الجديد نجد إعادة النظر في اختصاصات المحكمة العسكرية من خلال نسخ العديد من مواد القانون المنظم لها في اتجاه تقليص حالات الإحالة على المحكمة العسكرية وذلك عبر التقليص من الاختصاص النوعي والشخصي ، وهكذا أصبح القضاء العادي ينظر في مجموعة من الجرائم التي كانت تدخل في اختصاص القضاء العسكري في القانون القديم.
تبعا لذلك يمكن القول إن المستجدات الكبرى التي حملها هذا القانون والتي حظيت باهتمام الحقوقيين ورجال القانون المغاربة هي تلك المتعلقة بالاختصاص بشقيه النوعي والشخصي. ويقصد بتحديد اختصاص المحكمة العسكرية، تحديد القضايا التي يمكنها النظر فيها.
وتختص المحكمة العسكرية بالنظر في بعض الجرائم بطبيعتها، كما هو الشأن بالنسبة لجنحة الفرار وغيرها، كما يعود لها الاختصاص بالنظر في القضايا التي يرتكبها بعض الأشخاص، كالجنود وأشباههم.

المطلب الأول: تحديد الفئات الخاضعة لقانون القضاء العسكري 

لا يسري قانون القضاء العسكري بصورة عامة في مواجهة كافة أفراد المجتمع، بل إنه يطبق فقط على فئة معينة منهم . ووفقا للمعيار الشخصي ، نجد أن القضاء العسكري يختص بالنظر في الجرائم التي يرتكبها العسكريين وشبه العسكريين المخولة لهم هذه الصفة، مع الأخذ بعين الاعتبار نوع الجريمة هل تدخل في نطاق جرائم القانون العام أم تدخل في نطاق الجرائم المنصوص عليها في ق.ق.ع.
بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في ق.ق.ع، يختص بها دائما سواء وقعت في مكان له الصفة العسكرية أم في مكان أخر ليست له تلك الصفة، وسواء وقعت تلك الجرائم داخل تراب المملكة أو خارجها .
ويلاحظ أن مقتضيات المادة 3 من قانون القضاء العسكري قلصت بشكل كبير الاختصاص الشخصي لهذه المحكمة وحصرته فيما يلي:
أولا: الجرائم العسكرية المرتكبة من طرف العسكريين وشبه العسكريين المخولة لهم هذه الصفة، والذين هم في وضعية خدمة .
وبما أن المشرع قصر نظر المحكمة العسكرية في البت في الجرائم العسكرية المرتكبة من طرف العسكريين وأشباههم الموجودين في حالة خدمة ، فإنه بذلك يكون قد منع المحكمة المذكورة من النظر في جرائم الحق العام المرتكبة من طرف هؤلاء . وكذا الجرائم المنسوبة لرجال الدرك الملكي المرتبطة بمهام الشرطة القضائية والشرطة الإدارية . وهو ما أكدته صراحة مقتضيات المادة 4 من ق.ق.ع .
وبذلك فكلما توفرت الصفة العسكرية تطبق أحكام ق.ق.ع شريطة ان يكون الفعل المرتكب يعد جريمة عسكرية. على عكس ما كان عليه الامر في القانون القديم بحيث كانت تختص المحكمة العسكرية في كل الجرائم المرتكبة من طرف العسكريين أو أشباههم سواء ارتكبوا جرائم عسكرية أو جرائم الحق العام .
والجدير بالذكر في هذا الصدد ان القانون القديم الصادر بتاريخ 10 نونبر 1956 كان ينص على اختصاص المحاكم العسكرية بالنظر في الجرائم العادية التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة
وللإشارة فإن هذا المقتضى القانوني قد شكل توصية بالحذف من قبل المجلس الوطني لحقوق الانسان .
ثانيا: الجرائم المرتكبة من طرف أسرى الحرب أيا كانت صفة مرتكبيها
فالمشرع قصد بها جميع أنواع الجرائم المرتكبة من طرف أسرى الحرب ولم يميز بين الجرائم العسكرية أو جرائم الحق العام، فجعل اختصاص البت في كل الجرائم المرتكبة من طرف هذه الفئة من اختصاص المحكمة العسكرية .
وهكذا فإذا ارتكب أحد أسرى الحرب جريمة قتل، سواء كان هذا الأسير مدنيا أو عسكريا فإن المحكمة العسكرية هي المختصة بالنظر في الجريمة التي اقترفها .
ونصت المادة 84 من اتفاقية جنيف المؤرخة في 12 غشت 1949 على ما يلي: " إن محاكمة اسير الحرب من اختصاص المحاكم العسكرية وحدها، ما لم تسمح التشريعات الدولة الحاجزة عن المخالفة نفسها التي يلاحق أسير الحرب قضائيا بسببها".
ونصت المادة 87 من نفس الاتفاقية على ما يلي" لا يجوز أن يحكم على أسير الحرب بواسطة السلطات العسكرية ومحاكم الدولة الحاجزة بأية عقوبات خلاف العقوبات المقررة عن الأفعال ذاتها إذا اقترفها أفراد القوات المسلحة لهذه الدولة".
ثالثا: الجرائم المرتكبة في حالة حرب، ضد مؤسسات الدولة أو المرتكبة ضد أمن الأشخاص أو الأموال إذا ارتكبت لفائدة العدو، أو كان لها تأثير على القوات المسلحة، وجرائم الإعداد للتغيير النظام أو الاستيلاء على جزء من التراب الوطني باستعمال السلاح والجرائم المرتكبة ضد النظم المعلوماتية التابعة للدفاع الوطني.
فهي حالة استثنائية تقضيها ظروف الحرب التي تستلزم التعبئة العامة والشاملة وراء القيادة من أجل الدفاع عن حوزة الوطن والمصالح العليا للمملكة، لذلك فقد جعل المشرع كل الجرائم التي ترتكب في حالة الحرب وتستهدف القوات المسلحة الملكية أو المؤسسات الدستورية للدولة أو نظامها السياسي خاضعة لاختصاص المحكمة العسكرية، سواء ارتكبها مدنيون أو عسكريون . ونفس الشيء ينطبق على الجرائم المرتكبة ضد النظم المعلوماتية والاتصالاتية والتطبيقات الاليكترونية والمواقع السبرانية التابعة للدفاع الوطني، وجرائم الإعداد للتغيير النظام أو الاستيلاء على جزء من التراب الوطني باستعمال السلاح .
والجدير بالذكر إن المشرع استبعد من نطاق قانون القضاء العسكري الجديد المعيار الوظيفي من خلال تنصيصه على عدم خضوع الأشخاص المدنيين العاملين في خدمة القوات المسلحة الملكية للاختصاص المحكمة العسكرية .
وبقراءة المادة 6 من ق.ق.ع يتضح أن هذه الفئة ليست مستثناة بصورة مطلقة بل هي مقيدة بمراعات أحكام المادة 3 من القانون المذكور .
كما استبعد أيضا المعيار العيني، حيث استثنى الأشخاص المدنيين من نطاق تطبيقه خلافا لما كان مقرر في ق.ق.ع لسنة 1956 ، إلا أن القانون الجديد نص على اختصاص القضاء العسكري في محاكمة المدنيين و ذلك في حالتين وردتا في المادة 3 حيث جاءت صياغة هذه المادة عامة، أي غير محصورة في العسكريين ومن في حكمهم، و هذا ما سبقت الإشارة إليه أعلاه .
أما الحالة الثانية فقد نصت عليها المادة 10 التي جاء فيها:" إذا ثبتت على أشخاص غير عسكريين إحدى الجرائم المعاقب عليها في هذا القانون ولم تنص عليها نصوص زجرية أخرى فإنه يحكم عليهم بالعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون. غير أن الحكم بالخلع يعوض في حقهم بحبس تتراوح مدته بين سنة وخمس سنوات".
ويبدو أن السبب الكامن من وجهة نظر الأستاذ عبد الجليل عينوسي في إقرار هذا الأخير هو ضمان عدم الإفلات من العقاب، اخذا بعين الاعتبار المصلحة المحمية وهي المصلحة العسكرية للجماعة.
كما انه لا تختص المحكمة العسكرية بالنظر في الأفعال المنسوبة إلى الأحداث الذين يقل سنهم عن 18 سنة وقت ارتكاب الفعل، طبقا لما جاء في المادة 5 من ق.ق.ع .
وتجدر الإشارة إلى أن ق.ق.ع القديم لا يمنح للمحكمة العسكرية الاختصاص للنظر في الأفعال المنسوبة إلى الأحداث الذين يقل سنهم عن 18 سنة وقت المحاكمة لا وقت ارتكاب الجريمة. أما إذا كانوا جنودا أو رعايا دولة عدوة أو محتلة فالاختصاص يمنح للمحكمة العسكرية حتى ولو لم يبلغ الشخص 18 سنة وقت المحاكمة .
والجدير بذكر أن القانون القديم الصادر بتاريخ 10 نونبر 1956 كان ينص على أنه في حالة ارتكاب العسكريين أو أشباههم جناية من جنايات الحق العام وساهم معهم أو شاركهم فيها شخص مدني أيا كان الضحية فإن المحكمة العسكرية تكون هي المختصة أيضا لمحاكمة الجميع مدنيين وعسكريين ، في حين أنه في حالة ارتكاب العسكريين أو أشباههم جنحة من جنح الحق العام وساهم معهم أو شاركهم فيها مدني أيا كان الضحية فإن المحكمة العادية هي المختصة في محاكمة الجميع .
وهذه المقتضيات تمت مراجعتها في ق.ق.ع الجديد، ويتضح ذلك من خلال قراءة الفقرة الثانية من المادة 8، أنه يتم فصل القضية إذا ساهم شخص مدني أو شارك مع عسكري أو شبه عسكري في ارتكاب جريمة (جنحة أو جناية) من اختصاص المحكمة العسكرية بحيث يحال الشخص المدني إلى المحكمة العادية التي يمكنها أن تؤجل البت في الموضوع، ويحال الشخص العسكري على المحكمة العسكرية .
من خلال هذه المقتضيات يتبين أن القانون الجديد قد حصر اختصاص المحكمة العسكرية بالبت في الجرائم العسكرية المرتكبة من طرف العسكريين وأشباههم فقط مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 3 .

المطلب الثاني: دوافع استثناء بعض الفئات في القانون الجديد

جرد قانون القضاء العسكري الجديد المحكمة العسكرية من عدة اختصاصات وأسندها لاختصاص المحاكم العادية مما جعل هذه المحكمة تصبح محكمة عادية متخصصة حيث تمارس أمامها المساطر بشكل عادي وبضمانات أكثر .
ومن أهم الدوافع التي جعلت ق.ق.ع الجديد يستثني بعض الفئات من اختصاص المحكمة العسكرية، نجد دستور 2011 والذي نص على خلق محاكم متخصصة دون الاستثنائية.
إضافة للتوصيات التي جاء بها المجلس الوطني لحقوق الانسان والتي تستند على مجموعة من الحجج نذكر منها تلك المتعلقة بالاختصاص الشخصي:
- إن الاقتراحات المتعلقة بالاختصاص الشخصي للمحكمة العسكرية تندرج في إطار إعمال الملاحظات النهائية لهيئات المعاهدات وخاصة توصيات الفقرة الثالثة عشرة من الملاحظات الختامية للجنة مناهضة التعذيب الموجهة للمغرب إثر تقديمه لتقريره الدوري الرابع (أكتوبر- نونبر 2011)، و الذي يوصي المغرب بتعديل تشريعاته "لكي تضمن محاكمة جميع المدنيين أمام المحاكم المدنية دون غيرها" .
- ضرورة ملاءمة بعض مقتضيات قانون القضاء العسكري مع الدستور وخاصة في المجالات المتعلقة بحقوق المتقاضين وحماية الحريات والحقوق الأساسية والمضمونة دستوريا في حالة الاستثناء.
- الأساسية الملاحظة في البلدان الديمقراطية المتقدمة، من بينها تحديد الاختصاص الشخصي للمحاكم العسكرية في العسكريين.
ومن أهم الاقتراحات التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الانسان وتم الأخذ بها لإعادة تحديد الاختصاص الشخصي لهذه المحكمة وبالتالي استثناء بعض الفئات من اختصاصها:
- حذف المقطعين الأخيريين من الفصل 3 من ق.ق.ع لسنة 1956 اللذين يقاضى بموجبهما أمام المحكمة العسكرية .
- حذف النقطة الثالثة من الفصل 3 التي تحيل على جميع الأشخاص المعتقلين في السجون العسكرية لأجل اقتراف مخالفة من اختصاص المحكمة العسكرية.
ومن أسباب نسخ المقتضيات الخاصة بإحالة المدنيين على أنظار المحكمة العسكرية ، كيفما كان نوع الجريمة المرتكبة وصفة مرتكبيها وقت السلم سواء كانوا فاعلين أو مساهمين أو شركاء العسكريين:
- المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية كما صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراريها 32/40 بتاريخ 29 نونبر 1985 و146/40 بتاريخ 13 دجنبر 1985 ولاسيما النقطة الخامسة منها .
- مشروع مبادئ تنظم إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية المقدمة أمام لجنة حقوق الانسان خلال دورتها الثانية والستين بتاريــــخ 13 يـناير 2006 وخاصة المبدئ رقم 5 و8، وبالنسبة للمبدأ رقم 5 فهو بشأن عدم اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين. أما بالنسبة للمبدأ رقم 8 فهو بشأن الاختصاص الوظيفي للمحاكم العسكرية والذي استبعده المشرع المغربي في قانون القضاء العسكري الجديد، كما سبقت الإشارة لذلك في الفقرة الأولى من هذا المطلب.
ومن أسباب استبعاد المشرع للمعيار الوظيفي هو تكريس الطابع العسكري المحض لهذه المحكمة، لذلك منعت المادة 6 محاكمة المدنيين العامليين في خدمة القوات المسلحة الملكية أمام المحكمة العسكرية .
كما تم إخراج فئة الأحداث الذين يقل سنهم عن 18 سنة وقت ارتكاب الفعل المجرم من اختصاص القضاء العسكري، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو شبه عسكريين أو أسرى الحرب وحتى إذا كانوا رعايا دولة عدوة أو محتلة .
واحتراما للالتزامات الدولية التي وقع وصادق عليها المغرب خصوصا في مجال حماية الطفولة والأطفال الجانحين ، فقد منع القانون الجديد في المادة 5 محاكمة الأحداث أمام المحكمة العسكرية .
إضافة للدوافع السابقة الذكر، نجد أن المشرع استثنى مجموعة من الفئات الأخرى والتي سبق وأن ذكرنا بعضها في الفقرة الأولى من هذا المطلب، وذلك راجع لعدة أسباب منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر.
كما أن توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان حول المحكمة العسكرية حظيت بالموافقة من طرف جلالة الملك والتي يمكن اعتبارها البداية والحافز الحقيقي لانطلاق مسلسل إصلاح ق.ق.ع لا سيما ما يتعلق باختصاص المحكمة العسكرية، سواء الشخصي أو النوعي .

المبحث الثاني: الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية

إذا كانت المحاكم العسكرية في فرنسا لم يتبق لها منذ سنة 1928 إلى حدود سنة 1988 إلا الاختصاص الجوهري، فإن المشرع المغربي قد أناط بالمحكمة العسكرية اختصاصا جوهريا وشخصيا في الوقت نفسه. والمحكمة العسكرية تحاكم العسكريين ومن هم في حكم العسكريين بسبب ما يرتكبونه من جنايات وجنح أو ما يتصل بتلك الجنايات أو الجنح من مخالفات ، وبذلك تختص هذه المحكمة وحدها بالنظر في الجرائم ذات الطبيعة العسكرية (مطلب أول)، إلا أن هذا الاختصاص النوعي عرف تقليصا في قانون القضاء العسكري الجديد (مطلب ثاني).

المطلب الأول: الجرائم التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري 

تعد جرائم عسكرية الجرائم المنصوص عليها في الكتاب السادس من ق.ق.ع طبقا للمادة 3 من هذا القانون . والعسكريون الخاضعون لاختصاص المحكمة العسكرية يدخل ضمنهم، الجنود بكل رتبهم العسكرية وعناصر الدرك الملكي والحرس الملكي والقوات المساعدة . إلا أن هذا القانون لم يضع تعريفا محددا للجريمة العسكرية.
والجريمة العسكرية في مفهومها العام لا تختلف -كقاعدة عامة- عن الجريمة الجنائية العادية إلا بالقدر الذي تقتضيه طبيعة المصلحة العسكرية، والتي هي الهدف من القانون العسكري وحمايتها هي الموضوع الأساسي لمعظم نصوصه.
ويمكن القول إن الجريمة العسكرية هي الجريمة التي تضر بمصلحة عسكرية سواء كان الضرر مباشرا أو غير مباشر وتقع بالمخالفة لقانون القضاء العسكري سواء ارتكبها أحد الخاضعين لأحكامه أو ارتكبها غير الخاضعين لأحكامه .
وتجدر الإشارة أن هناك اختلاف بين الفقه الجنائي فيما يتعلق بتحديد مفهوم الجريمة العسكرية حيث يذهب جانب منه إلى تبني تعريف شكلي مؤداه أن هذه الجريمة هي التي يختص بها القضاء العسكري. وعلى خلاف ذلك يعتد جانب فقهي أخر بمعيار شخصي مفاده أن الجريمة العسكرية هي التي ترتكب من طرف العسكريين ومن في حكمهم. وأخيرا هناك اتجاه ثالث يأخذ بمعيار موضوعي ينصرف إلى تحديد مفهوم الجريمة بأنها كل فعل يخالف نصا تجريميا قصد به المشرع حماية مصلحة قانونية لها الصفة العسكرية لارتباطها بمصلحة أساسية للجماعة تتمثل في مصلحة الدفاع عنها .
وبجمع كل من المعيار الشكلي والشخصي والموضوعي لتحديد ماهية الجريمة العسكرية وبجمع إيجابيات كل معيار من المعايير السابقة ومعالجة نقصان كل منها يمكن وضع تعريف شامل للجريمة العسكرية .
وبذلك فالجريمة العسكرية هي التي تضر بمصلحة عسكرية سواء كان الضرر مباشرا أو غير مباشر .
إن الجرائم المنصوص عليها في الكتاب السادس من ق.ق.ع الجديد لا تختلف عن تلك المنصوص عليها في القانون القديم لسنة 1956، مع إدخال بعض التعديلات والمتمثلة في إضافة وحذف بعض المقتضيات من هذا الكتاب، سنحاول ذكر بعض هذه الجرائم بنوع من التفصيل نظرا لتغيير بعض مقتضياتها التي كانت سارية في قانون 1956 والمعدل في 1971 على أن نمر مرورا خفيفا على بعض الجرائم الأخرى دون تسليط الضوء عليها.
تجدر الإشارة إلى أن القسم الثاني من الكتاب السادس تم تقسيمه إلى ثلاث عشرة بابا وكل باب يتناول جرائم معينة .
ويمكن تقسيم الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة العسكرية إلى جرائم عسكرية بحثة، وجرائم عسكرية مختلطة، و جرائم القانون العام العسكري .
أولا: جرائم عسكرية بحثة
وهي تلك الجرائم التي ورد النص عليها في قانون القضاء العسكري فقط دون غيره من القوانين وهي الجرائم التي تقع بالمخالفة للواجبات والتعليمات والأوامر والنظم العسكرية ولا يتصور ارتكابها من غير المخاطبين بقانون القضاء العسكري.
ومن بينها:
• العصيان والفرار من الجندية .
• التمرد العسكري ونبذ الطاعة والاعتداء والإهانة والثورة .
• مخالفة الأوامر العسكرية .
• العطب المتعمد .
• التخلف عن المشاركة في جلسات المحكمة العسكرية أو رفض المشاركة فيها .
• الجرائم المرتكبة وقت الحرب أو أثناء العمليات العسكرية .
• اختلاس البدلات العسكرية والأزياء الرسمية والشارات والأوسمة والنياشين .
بالنسبة لجريمة الفرار من الجندية فإذا ارتكب الجنود وأشباههم جريمة من جرائم الحق العام وهي مقترنة بجريمة الفرار ففي هذه الحالة الاختصاص بالنظر في جرائم الحق العام يعود للمحاكم المدنية، وتبقى المحكمة العسكرية مختصة للنظر في جريمة الفرار . وهذا الاتجاه هو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها قبل أن تلغي وقت السلم المحاكم العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بتاريخ 21 يوليوز1982 .
وطبقا للمادة 7 من ق.ق.ع فإنه " إذا توبع شخص بارتكابه جريمتين في أن واحد إحداهما من اختصاص المحكمة العسكرية والأخرى من اختصاص المحاكم العادية يحال أولا إلى المحكمة التي لها حق النظر في الجريمة المعاقب عليها بالعقوبة الأشد".
أما جريمة الفرار من الجندية فالفقرة الثانية من المادة 7 تبين أنه " إذا كانت نفس العقوبة مقررة للجريمتين معا أو كانت إحداهما جريمة الفرار من الجندية يحال المتهم أولا إلى المحكمة العسكرية".
ومن خلال هذه الفقرة يتضح أنه إذا كانت العقوبة المقرر للجريمتين متساوية أو كانت إحدى الجرائم المرتكبة هي الفرار فإن الاختصاص ينعقد أولا للمحكمة العسكرية إلى أن تبت في القضية لتليها المحكمة العادية لتنظر في الجريمة التي تدخل في اختصاصها.
وإذا صدر حكمين يقضيان بعقوبتين سالبتين للحرية فتنفذ العقوبة الأشد فقط من طرف الوكيل العام للملك لدى المحكمة العسكرية .
ثانيا: الجرائم العسكرية المختلطة
هي تلك الجرائم التي ورد النص على تجريمها في قانون القضاء العسكري مع وجود نص أخر في قانون العقوبات العام (أي القانون الجنائي) أو القوانين المكملة له يجرمها أيضا، وهو مسلك سلكه المشرع العسكري بغية تحقيق أهداف معينة قد يكون أهمها هو تشديد العقوبة المقرر لتلك الجرائم في القانون العام ، باعتبار أن المشرع نص عليها في ق.ق.ع تطبيقا للقاعدة المقررة أن الخاص يقيد العام.
ومن بين الجرائم نجد:
- الشطط في استعمال السلطة .
- جريمة السرقة واختلاس الأشياء العسكرية واخفاءها .
- والجرائم الماسة بنظم المعالجة الالية للمعطيات والجرائم الماسة بنظم ووسائل الاتصال التابعة لدفاع الوطني .
وهذه الجرائم المشار لها في المادتين 209 و210 من ق.ق.ع هي من بين الجرائم التي أضافها المشرع لاختصاص المحكمة العسكرية، باعتبار أن المشرع أخضع طائفة من الأفراد المدنيين لقانون القضاء العسكري وقد اهتدى في تحديد تلك الطائفة بنوع الجرائم التي تقع منهم، وهو في سبيل ذلك حدد طائفة معينة من الجرائم وأخضع مرتكبيها لقانون القضاء العسكري حتى وإن كانوا مدنيين .
ومن خلال المذكرة التقديمية للسيد وزير العدل والحريات يتضح أنه يتم محاكمة المدنيين والعسكريين في حالة ارتكابهم جرائم خلال وقت الحرب ضد النظم المعلوماتية والاتصالاتية والتطبيقات الالكترونية والمواقع السيبرانية التابعة للدفاع الوطني .
ثالثا: جرائم القانون العام العسكري
وهي تلك الجرائم التي ورد النص عليه في قانون العقوبات العام والقوانين المكملة، ولم يرد بشأنها نص في ق.ق.ع طبقا للمادة 157 التي أحالت على الفصل 18 من القانون الجنائي .
إضافة لما سبق يمكن تقسيم الجرائم العسكرية إلى خاصة وعامة.
والجريمة العسكرية الخاصة: هي الجريمة التي لا يمكن أن يرتكبها سوى شخص له الصفة العسكرية أصلا وحكما.
أما الجريمة العامة: فهي التي يمكن ارتكابها من قبل أي شخص أيا كان دون استلزام توافر صفة معينة في الجاني، أي سواء كان مدنيا أو عسكريا.
وبذلك فالجريمة العسكرية البحثة والعسكرية المختلطة هي جرائم خاصة لأنه يستحيل ارتكابها إلا من شخص له الصفة العسكرية مع استثناء الجرائم المرتكبة في حالة الحرب السابقة الذكر. أما الجريمة العسكرية العامة فهي تلك التي علق المشرع تجريمها على نص في التشريع العقابي العام أي في القانون الجنائي واعتبرت عسكرية نظرا لتعلقها وإضرارها بالمصلحة العسكرية .

المطلب الثاني: أسباب تقليص الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية

من الملاحظ أنه تم تقليص الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية وفتح المجال للمحاكم العادية ، حيث تبقى الأولى مختصة في محاكمة العسكريين ومن في حكمهم في الجرائم العسكرية، أما المدنيون فلم يعد ممكنا محاكمتهم من طرف القضاء العسكري، بل سيحالون على أنظار المحاكم الزجرية المدنية، وهذا تطور كبير ورائد .
أما بالنسبة للجرائم المرتكبة من قبل الأحداث الذين يقل سنهم عن 18 سنة وقت ارتكاب الفعل سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو شبه عسكريين أو أسرى الحرب، وسواء في حالة الحرب أو في حالة السلم فهي تبقى من اختصاص القضاء العادي باعتبار أن المادة 5 من ق.ق.ع جاءت عامة .
وذلك راجع إلى احترام المغرب للالتزامات الدولية التي وقع وصادق عليها خصوصا في مجال حماية الطفولة والأطفال الجانحين .
كما أن المحكمة العسكرية لم تعد مختصة بالنظر في جرائم الحق العام المرتكبة من طرف العسكريين وشبه العسكريين سواء كانوا فاعلين أصليين أو مساهمين أو مشاركين . ولعل السبب وراء ذلك هو السرعة التي تمتاز بها الإجراءات المسطرية أمام المحاكم العادية .
كما تم إخراج حالات الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي مهما كانت صفة مرتكبها، فهذه الجرائم كانت خاضعة لاختصاص المحكمة العسكرية طبقا للفصل 4 من ق.ق.ع القديم . أما ق.ق.ع الجديد فقد استثنى هذه الجرائم.
ومن وجهة نظر الأستاذ الحسن البوعيسي، إن استثناء هذه الجريمة راجع إلى أن قانون القضاء العسكري القديم أورد مجموعة من المقتضيات القسرية فيما يخص التحقيق وأجال الحراسة النظرية وإجراءات التفتيش والحجز التي كانت مخالفة للقواعد العامة، إضافة لعدم تحديد مدة الاعتقال الاحتياطي، وأجال الطعن بالنقض وشروط تقديم المذكرة التي وردت على سبيل الإعجاز . ولذلك فجعل هذه الجرائم من اختصاص المحاكم العادية قد يكون الهدف منه هو توفير ضمانات المحاكمة العادلة بالنسبة للمتهمين بهذا النوع من الجرائم.
كما تم اخراج الجرائم التي يرتكبها الدركين خلال ممارستهم لمهام الشرطة القضائية أو أثناء ممارسة مهامهم من أجل إثبات المخالفات في إطار الشرطة الإدارية من اختصاص المحكمة العسكرية.
كما تم نسخ المقتضيات التي كانت تخول الاختصاص الشامل للمحاكم العسكرية للنظر في جميع الجرائم المرتكبة في المناطق المعلنة مناطق عسكرية .
كما تم التنصيص على منح المحكمة العسكرية إمكانية إحالة القضايا المعروضة عليها لمحاكمة أشخاص يخضعون لاختصاصها إلى المحاكم العادية، إذا كانت مرتبطة بقضية رائجة أمامها ولا يمكن فصلها عنها .
والجدير بالذكر أنه في مقدمة التقرير المرفوع لمجلس النواب حول أشغال اللجنة بمناسبة دراسة مشروع قانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري، يتضح أنه قد كان هناك نقاش عميق حول عقوبة الإعدام بمجلس النواب ومدى جدوى الاستمرار في تصنيفها ضمن المقتضيات القانونية الحالية خاصة وأن المغرب انخرط بشكل جدي وكبير في تنزيل المنظومة الدولية لحقوق الانسان، واتجهت تعديلات فرق المعارضة إلى التقليص من عقوبة الإعدام واستبدالها بعقوبة المؤبد .
كما أشار السادة النواب في نفس السياق إلى أن استمرار هذا الاجراء يتنافى كليا مع مقتضيات الدستور الذي يضمن حق الحياة، بالمقابل أيضا فإن إعمال هذه العقوبة لا يمكن أن تكون حلا رادعا، بالعكس فإنها تقبر القضية التي دعت الى تطبيقها في حين العبرة تكون بأن تظل الواقعة ماثلة للأجيال وللجميع لذلك تمت المطالبة بإحلال عقوبة المؤبد محل الإعدام .
وتجدر الإشارة إلى أن عقوبة الإعدام لم تعرف أي مناقشة أمام مجلس المستشارين عند عرض مشروع ق.ق.ع على لجنة العدل والتشريع ، وتم تغيير بعض المواد بإحلال السجن المؤبد محل الحكم بالإعدام في تعديلات فرق الأغلبية على مشروع قانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري، كما وافق عليه مجلس النواب في 23 يوليوز2014 .

خاتمة :
لقد ارتكز قانون القضاء العسكري الحالي على عدة مرتكزات منه ما هو مهني ومنها ما هو تنظيمي وحقوقي وتشريعي وقضائي وبشري، وقد كانت المقاربة الحقوقية حاضرة بقوة خلال مناقشة هذا القانون أمام البرلمان بمجلسيه، من خلال الحث على تكريس مبادئ حقوق الانسان وقواعد المحاكمة العادلة.
وتنزيل هذا القانون على أرض الواقع جاء بهدف إصلاحه إصلاحا شاملا وجذريا من أجل ملاءمة مقتضياته مع مضامين دستور 2011 وتعزيز مقوماته كقضاء مستقل ومتخصص يقرن احترام الحقوق والحريات بالحزم والانضباط، وذلك تماشيا مع المنظومة القانونية الوطنية المتطورة والتنظيم الحالي للقوات المسلحة الملكية .
كما أن ق.ق.ع تبنى مقاربة شمولية أخذت بعين الاعتبار الديناميات الإصلاحية وتوصيات تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان والتي لقيت تنويها وإشادة من طرف جلالة الملك لكونها تفعل المبادئ المتضمنة في الدستور، وتكفل حقوق الانسان مما سيخول المغرب لا محال مرتبة متقدمة في مصاف الدول العريقة في مجال الديمقراطية.
ومن أهم الخلاصات التي يمكن الخروج بها من خلال ما تطرقنا له في هذا المقال: إعادة النظر في اختصاصات المحكمة العسكرية من خلال نسخ العديد من مواد القانون المنظم لها من أجل تقليص حالات الإحالة على المحكمة العسكرية ، وذلك عبر التقليص من الاختصاص النوعي والشخصي لينعقد للقضاء العادي الاختصاص لنظر في:
- الجرائم المرتكبة من قبل المدنيين كيفما كان نوع الجريمة المرتكبة وصفة مرتكبيها وقت السلم، سواء كانوا فاعلين أصلين أو مساهمين أو شركاء العسكريين.
- جرائم الحق العام المرتكبة من قبل العسكريين وأشباههم.
- مرتكبي الجرائم ضد أمن الدولة الخارجي.
- الجرائم المرتكبة من قبل الضباط وضباط الصف والدركين التابعين للدرك الملكي بمناسبة قيامهم بمهام الشرطة القضائية أو بمهام إثبات المخالفات في إطار الشرطة الإدارية.
- نسخ المقتضيات التي تخول الاختصاص الشامل للمحكمة العسكرية للنظر في جميع الجرائم المرتكبة في المناطق المعلنة مناطق عسكرية.
ورغم الجهود المبذولة من طرف وزارة العدل والحريات والبرلمان بغرفتيه وكذا كل الفاعلين والمتدخلين للخروج بهذا النص التشريعي بالشكل الذي صدر به في الجريدة الرسمية، لكن رغم كل ذلك فإن مرحلة التطبيق هي التي ستعطي الروح لهذا القانون وتترجم جودته وقيمته وفعاليته على أرض الواقع، وذلك طبعا لن يتأتى إلا بوجود قضاة على مستوى عال من الكفاءة متشبعين بروح ومبادئ حقوق الانسان وفلسفة المشرع، بتكريس قواعد المحاكمة العادلة بالمحكمة العسكرية وتمتيع المتهمين بكل الضمانات المكفولة لهم قانونا، وتجاوز الاستثناء الذي كان سائدا في السابق وإعطاء الانطباع بأن المحكمة العسكرية أصبحت جزء من النظام القضائي الموحد بالمملكة، وأن لا شيء يميزها عن المحاكم الزجرية العادية إلا الجانب المتعلق بالاختصاص النوعي والشخصي.
_________________________
لائحة المراجع : 

- القوانين:

- الظهير الشريف رقم 270.56.1 صادر في 6 ربيع الثاني 1376 (10 نونبر 1956) المتعلق بقانون العدل العسكري، وقد غير وتمم بمقتضى القانون رقم 2.71 بتاريخ 3 جمادى الثانية 1391 (26 يوليوز 1971).
- الظهير الشريف رقم 1.14.187 صادر في 17 من صفر 1436 (10 ديسمبر 2014) بتنفيذ القانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري.
- الظهير الشريف رقم 1.74.383 الصادر بتاريخ 15 رجب 1394 (5 غشت 1974) المتعلق بالمصادقة على نظام الانضباط العام في حضيرة القوات المسلحة الملكية والصادر بالجريدة الرسمية عدد 3240 مكرر بتاريخ 9 دجنبر 1974، ص 3617.

- الكتب:
- عبد الرحيم صدقي، مشروعية القانون والقضاء العسكري، في ضوء مبادئ الإجراءات الجنائية، والنظرية العامة للحقوق والحريات، دراسة تحليلية وتطبيقية للمشكلات الإجرائية الهامة، مطبعة دار النهضة العربية، القاهرة.
- محمد عبد الله أبو بكر سلامة، المحاكم العسكرية بين الشرعية القانونية والمساس بحقوق وحريات الافراد، مطبعة المعارف بالإسكندرية، طبعة 2012.
- نبيل صقر وفرح محمد صالح، التشريعات العسكرية، نصا وتطبيقا، مطبعة دار الهدى، الجزائر، طبعة 2008.
- الحسن البوعيسي، الوسيط في قانون القضاء العسكري، القسم الأول: المسطرة الجنائية العسكرية، دراسة نظرية وتطبيقية، الطبعة الأولى 2011.
- قدري عبد الفتاح الشهاوي، النظرية العامة للقضاء العسكري المصري والمقارن، مطبعة المعارف بالإسكندرية، بتاريخ يونيو 2015.
- المملكة المغربية مجلس النواب، تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قانون رقم 108.13 يتعلق بالقضاء العسكري، دورة أبريل 2014، الملاحظات والتساؤلات التي تقدم بها السيدات والسادة النواب بخصوص النص المعروض.
- ABDELKEBIR ZEROUAL, « justice militaire, le temps de la réforme », Mélanges, en hommage au professeur Mohammed Jalal ESSAID, 2006

- مقالات ومنشورات:
- تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس المستشارين، حول مشروع قانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري دورة أكتوبر 2014.
- صلاح الدين جبار، اختصاص القضاء العسكري، الحلقة الأولى، مقال منشور بالمجلة الجزائرية للعلوم القانونية الاقتصادية والسياسية، عدد 1، سنة 2010.
- شكير الفتوح، "ضمانات المحاكمة العادلة في قانون القضاء العسكري الجديد"، مقال منشور بمجلة الإشعاع، مجلة قانونية تصدر عن هيئة المحامين بالقنيطرة، عدد 43، طبعة يونيو 2015.
- منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، القانون الجديد المتعلق بالقضاء العسكري على ضوء القانون المقارن، عدد 276، الطبعة الأولى، سنة 2015.
- الكومندار كردودى، "القضاء العسكري"، مقال منشور بمجلة القضاء والقانون، مجلة شهرية تصدرها وزارة العدل المغربية، العدد 10 بتاريخ يونيو 1958
- المملكة المغربية مجلس النواب، تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قانون رقم 108.13 يتعلق بالقضاء العسكري، دورة أبريل 2014.
- المملكة المغربية البرلمان مجلس المستشارين، تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، حول مشروع قانون رقم 108.13، دورة أكتوبر 2014.
- عبد الجليل عينوسي، "قانون القضاء العسكري الجديد بالمغرب توجه نحو القضاء المتخصص"، مقال منشور بمجلة القانون المغربي، العدد 31، طبعة 2015.
- Meryem Zougarh, « réforme de la justice militaire : un pas vers la consécration des droits de l’homme au Maroc », REMA, revue marocaine d’audit et de développement, N°41, 2015.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -