فصل السلطات في الدستور المغربي

بحث بعنوان: مبدأ فصل السلط في الدستور المغربي PDF

بحث بعنوان: مبدأ فصل السلط في الدستور المغربي PDF

مقدمة
يعتبر فصل السلطات كغيره من المفاهيم التي أطرت الحركة الدستورية الكلاسيكية وساهمت في تطورها بحيث ينطوي على مغزى له من الأهمية في التاريخ السياسي الغربي الحديث ما للفكر الدستوري ذاته. وعلى اعتبار ان مفهوم فصل السلطات يعني عدم تركيز السلط في يد واحدة فالإشكالية التي شغلت الدول القومية مند تشكلها بداية القران 16 تكمن في كيف يمكن إعادة تأسيس نظم الحكم على قدر من التوازن يجعل التعايش بين السلطة والحرية جائزا ومحققا؟ فالسلطة التي أضحت ملازمة الدولة وضرورية لتنظيمها وضمانة فرض الاحترام بداخلها هل بمقدرة الساهرين عليها التوفيق بين ممارستها واستمرار تمتع الأفراد بحقوقهم وحريتهم الطبيعية فالتساؤل عن المغزى من فصل السلط يعد في الواقع تساؤلا عن إمكانية التوازن داخل الدولة وفي علاقة هذه الأخيرة بالمجتمع؟
لقت شغلت فكرة التوازن مجمل تيارات الفكر السياسي الأوروبي خلال القرون الفاصلة بين 16 و 17 كما شكلت محور النخب السياسية التي أطرت الحركة الدستورية الكلاسيكية وقادت تطورها فالتوازن أصبح يعني خلال هذه الحقبة بناء المجتمع على قدر من التوافق يضمن مكوناته على اختلاف مصالحها درجة من الانسجام و التماسك الشيء الذي افتقدته مجتمعات سابقة عن تشكل الدولة القومية كما يقضي أن تحكم الحياة السياسية وتؤطر ممارسة فاعليها بمبدأ يسمح بإمكانية تعاقب الأكثرية والمعارضة على الحكم ويتطلب التوازن على مستوى ثالث توزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والسلطة المحلية وبداخل السلطة المركزية بين الحكومة والبرلمان.
تاريخيا وسياسيا تدين نظرية "فصل السلط" بالكثير للنظام الإنجليزي فحتى القرن 18 اتسم التاريخ البريطاني بصراع الشعب من أجل تقييد سلطة التاج وتحديد مجالات تدخله خلافا لمجمل الأقطار الأوروبية حيث شهدت على النقيض من ذلك مراوحة بين مجموعة من نظم الحكم كما هو حال فرنسا حتى سنوات (1875-1872).
و يتفق الباحثون في مجال القانون الدستوري وعلم السياسة على ان الاهتمام قديم بموضوع (السلطات) و العلاقة الممكنة فيما بينها، فالفكر اليوناني منذ زمن "أفلاطون-أرسطو" أنشغل بهذا الموضوع وعمل على تحليله ومقاربة قضاياه ضمن مؤسسة المدينة وحواضرها، الموقف نفسه عبرت عنه كتابات الفيلسوف الروماني "بوليبpolyp" بيد أن الذي أعاد صياغة فكرة السلطات وأعطاها مضمونا تاريخيا وسياسيا وحولها جزء من التراث السياسي الغربي الحديث هو الفيلسوف الفرنسي" شارل دي مونتسكيو"، ينطلق مونتسكيو في كتابه روح القوانين" أن الحرية السياسية أصل الحريات الأخرى وشرط تحققها فبانعدامها تتعذر ممارسة حرية الفكر والعقيدة والتملك لذلك يقول ان الحرية السياسية عند المواطن هي راحة البال المتأتية من شعور الفرد بالأمن و لكي تتوفر هذه الحرية يجب على الحكومة أن تكون حاضرة بحيث لا يخشى المواطن مواطنا أخر و الحرية السياسية لا توجد إلا في الحكومات المعتدلة ولكنها ليست دائما في الحكومات المعتدلة أنها لا توحد ألا اذا لم يسئ استعمال السلطة و لكنها تجربة خالدة أن كل إنسان يتولى السلطة محمول على إساءة استعمالها و سيتمادى حتى يجد حدا يقف عنده ومن يقول ذلك أن الفاضلة دائما تحتاج إلى حدود... يقول مونتسكيو ولكي لا يسيء استعمال السلطة يجب بحكم طبيعة الأشياء أن توقف السلطة السطلة.
يميز مونتسكيو بين ثلاث سلط وظيفة الأولى سن القوانين وتعديلها وإلغاؤها و هي مكونة من مجلسين أولها ديمقراطي حيث يقع اختياره بواسطة الاقتراع العام و الثاني أرستقراطي يمثل النخبة المؤثرة في المجتمع. في حين تتعلق وظيفة السلطة الثانية تنفيذ القوانين عبر ممارسة مجموعة من الاختصاصات المرتبطة بأمور الحرب والسلم والسهر على الأمن العام والمحافظة على وحدة البلاد أما السلطة الثالثة فتنصهر وظيفتها في النظر في المنازعات وفضها بالطرق القضائية فتوقع العقوبات وترتب الجزاءات بواسطة قضاة يتم اختيارهم بواسطة الانتخابات. هذا هو تصور المفكر مونتسكيو لمبدأ فصل السلطات وأسسه الفلسفية ولعل اهم المفاهيم تعرضا للتحليل والتأويل والنقد وحتى الهدم. مبدأ فصل السلطات كما أعاد صياغته مونتسكيو فمن الدارسين من اعتبره ثورة في الدفاع عن "الحرية السياسية " ومناهضة الاستبداد وتأسيس السلطة على قدر من التوازن يكفل حسن استعمالها في حين اعتبره مجرد أسطورة لا صلة لها بالواقع في الوقت الذي فهم البعض أن الأمر عند مونتسكيو لا يتعلق بفصل السلطات بل بتوزيعها بطريقة تضمن الاحترام فيما بينها وبالرقابة المتبادلة.
لقد دحض "شارل إيزنمان" مبدأ فصل السلطات استنادا لكل ما ورد ذكره في الكتاب الحادي عشر الفصل السادس من روح القوانين، فالسلطات بتقديره متداخلة خلافا لما ذهب اليه مونتسكيو ويتجلى ذلك في الحق الممنوح للجهاز التنفيذي بالتدخل في عمل السلطات التشريعية عبر ممارسة حق النقض...
كما يتجسد في إمكانية الجهاز التشريعي مراقبة نشاط السلطة التنفيذية، ونلمس التداخل في حلول السلطة التشريعية محل الجهاز القضائي عند محاكمة النبلاء والنظر في قضايا العفو في المسائل الجنائية والجرائم السياسية.
إن حجة ايزنمان لم تقف عند حدود التدليل بل تجاوزته إلى القول بأن هناك سلطتين وليس أكثر كما أقر بذلك مونتسكيو، فالسلطة القضائية عنده ليست سلطة بالمعنى الدقيق للكلمة بل ذهب بالاعتراف مونتسكيو" لا مرئية ومعدومة" فيقول إيزنمان صحيح ان هناك قضاة يتابعون ميلاد القوانين وتطورها وتطبيقها إلا ان وظيفتهم لا تتحاوز مستوى الاطلاع على القانون والاحتكام إليه أو بتعبير مونتسكيو" ان قضاة الأمة ليسوا سوى الفم الذي يتلفظ بكلمات القانون كائنات جامدة لا تستطيع تعديل قوته و صرامته."
كما يوجه الفكر الماركسي انتقادات لمبدأ فصل السلطات لأنه يخالف نظرية "سيادة الشعب "ويؤدي إلى توزيع السلطة وبذلك يقوم هذا المبدأ على النفاق، لأنه يغفل في الواقع حرية الطبقة التي تتخذ من المبدأ أداة لسيطرتها وأصبح أداة لانقسامات المصالح في المجتمعات الرأسمالية. إلا انه وبالرغم من هذه الانتقادات التي مست نظرية فصل السلط فقط في بعض جوانبها، تبقى هذه النظرية كما بلورها مونتسكيو تلعب الدور الأهم والأبرز في بناء شرعيات جديدة وكانت بداية لمنع الاستبداد والحد من الملكيات المطلقة التي سادت أوروبا لقرون وتقييد السلطة ووضع قوانين للتنافس حولها وممارستها عبر آليات الانتخاب وتداول حول السلطة داخل أجهزة ومؤسسات (الحكومة و البرلمان)
ويجد مبدا فصل السلطات أساسه القانوني في القواعد العرفية لدستور إنجلترا غير المدون، إذ عد هذا المبدأ الأساس في تنظيم العلاقة بين السلطات العامة وتم تقنين مبدأ فصل السلطات على مستوى الوثائق الدستورية اذ تأسس عليه دستور و.م.أ سنة 1787 حيث نجد للمبدأ تطبيقا وتجسيدا في النصوص الدستورية.
كما تأثرت الثورة الفرنسية بمبدأ فصل السلطات عن طريق تقنينه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 26 أغسطس عام 1789 حيث نصت المادة 10 منه على أن (كل جماعة سياسية لا تأخذ بمبدأ فصل بين السلطات ولا توفر الضمانات الأساسية للحقوق والحريات هي جماعة بغير دستور).
ولقد غدا المبدأ مند الثورة الفرنسية مبدأ أساسي واحد العناصر الرئيسية لقيام الدولة القانونية واحدى الركائز لقيام الحكم الديمقراطي.
كما أخدت به الدساتير الفرنسية ومنها الدستور الأول للثورة عام 1791 ودستور 1848 اللذان نصا على أن فصل السلطات هو الشرط الأول لكل حكومة حرة.
وسيرى هذا المبدأ بعد ذلك أوجه في غالبيه الدساتير الغربية ومنها في كثير من الدساتير العربية ولا يزال يلقي من واضعي الدساتير الحديثة التسجيل أو العمل به.
في هذا الاطار نجد أن النظام الدستوري المغربي من الأنظمة التي تأثرت بنظرية فصل السلطات فدستورانية تشكلت خارج المحددات الموجهة والمتحكمة في الأنظمة الغربية الأخرى، هذه الدستورانية تأسست مند استقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي بعدما كان ينبني على ملكية تنظمها الأعراف المخزنية وأحكام الشريعة الإسلامية إلى ملكية ينظمها قانون ووضعي عبر وثيقة دستورية تحدد طبيعة الحكم و اختصاصات السلط و العلاقة فيما بينها.
- إذن كيف تشكلت دستورانية المغرب؟
- ماهي طبيعة النظام الدستوري المغربي؟
- كيف تم تأويل مبدأ فصل السلطات في التجربة المغربية؟
- هل احدث دستور 2011 تحولا جديدا في فلسفة السلطة و طريقة توزيعها؟
- هل أثرت التحولات السياسية والسياقات المغايرة للتعديلات الدستورية السابقة على عملية التعديل أو الإصلاح الذي تضمنن دستور 2011؟ وهل أسس هذا الأخير لفصل السلط كأحد المقومات الأساسية للدستور الديمقراطي علما أنه لأول مرة في تاريخ الدستورانية المغربية يتم التنصيص على هذا المبدأ الأساسي؟
- كيف يمكن الفصل بين السلطات من خلال نصوص الدستور المغربي من جهة؟ والممارسة السياسية من جهة أخرى؟
- كيف تم تأويل مبدأ فصل السلطات في بعض الديمقراطيات المعاصرة السابقة لدستورانية المغرب ؟
- كيف يمكن المقارنة بين جوانب تطبيقه اعتبارا لاختلاف الأنظمة السياسية فيما بينها؟
إذن هي مجمل الإشكالات التي يثيرها الموضوع والتي يمكن معالجتها ووفق منهجية ذات مقاربات متعددة تفسيرية، وصفية، تاريخية، مقارنة، وفق خطة العمل التالية:

المبحث الأول: فصل السلط في النظام الدستوري المغربي
المطلب الأول: طبيعة النظام الدستوري ومراحل تطوره
❖ الفقرة الأولى: مراحل تأسيس الملكية الدستورية
❖ الفقرة الثانية: مراحل تطور النظام الدستوري1962- 2011
المطلب الثاني: فصل السلط في دستور2011 بين التنصيص الدستوري والتطبيق الفعلي
❖ الفقرة الأولى: فصل السلطات وتمييز اختصاصات كل سلطة
❖ الفقرة الثانية : العلاقة بين السلطات
❖ الفقرة الثالثة : استقلال السلطة القضائية
المبحث الثاني: مقارنة تطبيق مبدأ فصل السلط في بعض الديمقراطيات المعاصرة
المطلب الأول: النظام الرئاسي الأمريكي
❖ الفقرة الأولى : السلطة التشريعية
❖ الفقرة الثانية : السلطة التنفيذية
❖ الفقرة الثالثة: السلطة القضائية
المطلب الثاني : النظام شبه الرئاسي الفرنسي
❖ الفقرة الأولى: بنية السلط
❖ الفقرة الثانية : العلاقة ما بين السلط

لائحة المراجع
الكتب:
• محمد الأزهر- السلطة القضائية في الدستور - دراسة مقارنة ،الطبعة 1434-2013
• فارق الكيلاني، استقلال القضاء، الطبعة الثانية المركز العربي للمطبوعات، دار المؤلف، بيروت 1999
• البشير المتاقي: إشكالية توزيع السلطة في النظام الدستوري والسياسي المغربي: دراسة في مستجدات دستور 2011، مؤلف جماعي :الدستور الجديد 2011 وثيقة جوهرية للانتقال الديمقراطي في المغرب؟ أعمال الندوة الوطنية المنظمة يوم 29 نوفمبر 2012 من طرف مجموعة البحث حول الإدارة والسياسات العمومية ) GRAPP )
• العلاوي العبدلاوي، التنظيم القضائي المغربي الجديد، مطبعة فضالة، المحمدية
1975، سليمان محمد الطحاوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة في الفكر السياسي الإسلامي، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة 1979،
• محمد زين الدين، القانون الدستوري و المؤسسات السياسية، الطبعة الأولى 2011
• أحمد المالكي، الأنظمة الدستورية الكبرى، الطبعة الأولى ،مراكش
• محمد زين الدين- الدستور ونظام الحكم المغرب الطبعة الأولى أبريل 2015
• كريم لحرش: "الدستور الجديد للمملكة المغربية – شرح وتحليل"، سلسلة العمل التشريعي والاجتهاد القضائي، العدد 6، الطبعة الثانية 2016
• رقية المصدق، القانون الدستوري والمؤسسات الدستوري، النظام السياسي المغربي الجزء الثاني، 1992
• عبد المالك الوزاني / الحسين أعبوشي الأنظمة الدستورية لمطبعة الأولى 2015
• محمد الرضواني، التنمية السياسية في المغرب: تشكل السلطة التنفيذية وممارستها من سنة 1956 إلى سنة 2000، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى ،2011
• محمد يحيا، المغرب الإداري، الطبعة الخامسة، 2015 
المجالات الورقية:
• عكاشة بن المصطفى، المشروعية الدينية كأساس للشرعية الدستورية، المجلة الحقوق المغربية، سلسلة الأعداد الخاصة، العدد 2، 2011، المجلات الإلكترونية:
• عبد النور فانز -تأملات حول فصل السلط في الدستور المغربي الجديد 2011، منشورات مجلة العلوم القانونية، في 04/12/2014، marocdroit
• عبد الرحيم العلام -الملك والبرلمان، 24 مارس 2015 hespress
• أبو العراب عبد النبي - في فهم العلاقة بين السلطة الملكية والتنفيذية ،1ماي 2012 hespress
• نور الدين التقاوي - مسألة فصل السلط بالمغرب، أغسطس 2015 marocdroit
• ياسين الكعيوش- العلاقة بين السلط الثلاث توازن أم تأثير؟ marocdroit 
النصوص القانونية:
• دساتير المملكة المغربية (6991،2991،2791،1962،1970، 2011)
• القانون الجنائي المغربي
• قانون الصحافة المغرب 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -