دعوى الطعن في قرارات الجمعية العامة بسبب استبداد الأغلبية

عرض بعنوان: دعوى الطعن في قرارات الجمعية العامة بسبب استبداد الأغلبية PDF

دعوى الطعن في قرارات الجمعية العامة بسبب استبداد الأغلبية PDF

مقدمة :
ظهرت الشركات التجارية تحت تأثير فكرة التعاون بين شخصين وأكثر بغرض جمع وسائل الإنتاج الكافية لاستغلال مشروع معين من أجل تحقيق الربح، وبدأت معالم الشركات التجارية تتطور تدريجيا إلى أن وصلت إلينا مقسمة إلى صنفين شركات للأشخاص وأخرى للأموال، ولعل أبرز مثال لهذا الصنف الأخير هو شركات المساهمة المنظمة في المغرب في إطار القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.124 والصادر في 14 من ربيع الآخر 1417 الموافق ل 30 أغسطس 1996، بحيث تعتبر شركات المساهمة نموذجا لشركات الأموال، إذ تتضمن كافة العناصر والخصائص التي تكون عليها شركات الأموال، وحينما يتناول المشرع تنظيم شركة المساهمة إنما يتناول في الحقيقة النظرية العامة لشركات الأموال والخروج على أحكام هذا النوع من الشركات يسلمنا إلى نوع آخر منها لا يشتمل على كل عناصر شركات الأموال وإنما يتناول يشتمل على عناصر وخصائص أخرى لا تتطابق و خصائص شركات الأموال، هذه الخصوصية التي تتميز بها شركة المساهمة تثير أمامنا مجموعة من الإشكاليات العديدة، والتي لا تسعنا الفرصة للإحاطة بها كلها وإنما سنكتفي بالإشكال الأساسي المرتبط بجمعيتها العامة التي تعتبر الأداة الفعالة للتحكم في حياة الشركة من خلال اتخاذ قراراتها، من طرف المساهمين اعتمادا على قانون الأغلبية الذي غالبا ما يفضي إلى وجود فئتين من المساهمين، فئة تشكل الأغلبية وفئة أخرى تتشكل من الأقلية، تتضارب مصالح كل منهما الشيء الذي قد ينتج عنه إضرارا بالمصلحة العامة للشركة بسبب الإجلال بمبدأ المساواة بين المساهمين، ولا شك أن تعسف واستئثار الأغلبية في اتخاذ القرارات يستوجب من المشرع، بدعم من الفقه والقضاء، فرض حماية لحقوق الأقلية والاعتراف بوجود هذه الفئة وحقها في الرقابة على الأغلبية لتفادي أي انزلاقات أثناء ممارسة السلطة داخل الشركة، والهدف من هذا كله زرع الطمأنينة لدى المستثمرين عن طريق توفير النظام القانوني الكفيل بضمان حقوقهم للبرهنة على سلامة المؤسسات القانونية المغربية وكفاءتها.
وبالتالي نجد أنفسنا أمام إشكالية مفادها:
إلى أي حد توفق المشرع المغربي من خلال قواعد قانون شركات المساهمة من سن نطام حمائي لفئة الأقلية من تعسف الأغلبية من خلال قرارات الجمعية العامة؟
وعن هذه الإشكالية تتفرع مجموعة من الأسئلة أهمها:
• ما هي مظاهر وعناصر استبداد الأغلبية ضد الأقلية؟
• ما طبيعة الدعوى التي يقيمها الأقلية؟
• ما الجزاءات المترتبة عن دعوى الأقلية
وللإحاطة بالموضوع والإجابة عن كل هذه الأسئلة نعتمد التصميم التالي: 

المبحث الأول: عناصر ومظاهر استبداد الأغلبية في قانون الشركات 
المبحث الثاني: مسطرة الطعن بسبب تعسف الأغلبية 

المبحث الأول: تجليات تعسف الأغلبية في ممارسة سلطتها 

لقد عمل المشرع المغربي من خلال قانون 17.95 المتعلق بشركة المساهمة على ضمان احترام حقوق المساهمين والشركة والغير عبر ارساءه لمجموعة من القواعد لاتخاذ القرارات داخل الشركة وعادة ما تحترم هذه القواعد في دعوى الجمعية العامة وانعقادها حرصا منها على صحة الإجراءات كصحة المداولات والتصويت على القرارات ،لكن ذلك لا يمنع من أن يكون القرار المتخذ يهدف لغاية أخرى غير مصلحة الشركة ويعتبر قرار الأغلبية في متل هذه الحالات سليما مبدئيا الا اذا تبين بأن الأغلبية تريد الاستئثار من ورائه لمصلحة شخصية على حساب المصلحة الجماعية للمساهمين فإن تبت وجود هذا الفعل فانه يشكل تعسفا من طرف الأغلبية على مصلحة الأقلية مما يدفع هذه الفئة الى تقديم الطعن ضد قرارات الجمعية العامة.

المطلب الأول: عناصر الاستبداد الأغلبية 

بما أن الشركة شخص معنوي فإنه يترتب على وجوده مصلحة اجتماعية وعليه فإن إعطاء مساهمي الأغلبية صلاحية اتخاد القرارات مرتبط ورهين بمراعاتهم واحترامهم لهذه المصلحة بشكل يضمن عدم المساس بحقوق الأقلية وأمام تعدر احترام هذه المبادئ نكون أمام استبداد الأغلبية الذي يقوم على عنصرين المساس بالمصلحة العامة واخلال بالمساواة.

الفقرة الأولى: المساس بالمصلحة العامة للشركة 

لقد اختلف الفقه والقضاء في تحديد مفهوم المصلحة العامة للشركة أساس لوجود أو انتفاء التعسف داخل الشركة حيت ظهر اتجاهان أولهما يربط المصلحة العامة للشركة أو ما يسمى المصلحة الاجتماعية بفكرة العقد وثانيهما بفكرة المقاولة.
فيرى أصحاب الاتجاه الأول الذي يربط المصلحة العامة بالعقد أن الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكتر أموالهم أو أعمالهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي ينشئ عنه[1]
وبالتالي فالشركة ماهي الا عقد أحدت للإرضاء الحاجة الخاصة للمساهمين، فالمصلحة العامة للشركة حسب هذا التوجه تسمو عن المصالح الفردية التي يمكن التضحية بها جزئيا لفائدة الأولى.
أما الاتجاه الثاني يعتبر أن المصلحة العامة مرتبطة بفكرة المقاولة وأنه لا يجب حصر هذا المفهوم في الحدود المصالح المشتركة للمساهمين وإنما تمارس تأثيرا على محيطها الاقتصادي والاجتماعي وفي هذا الاطار يرى الدكتور عبد الوهاب المريني في أطروحته أن هذه الأخيرة عرفت لدى القضاء تلات صور ارتبطت كل واحدة منها بفترة زمنية معينة في الصورة الأولى كانت المحاكم تستعمل فكرة المقاولة لا بدلالتها الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة ولكن كمصطلح مرادف للشركة وفي الصورة الثانية دخل العنصر الاقتصادي في الاعتبار فكان القضاء يؤيد أو يبطل المداولات المطعون فيها بحسب ما اذا كان من شأنها تحقيق الرفاهية القصوى للشركة أو مواجهة بعض المصاعب المحتملة أو المصاريف الطارئة، أما الصورة الثالثة فقد تمثلت في بعض الاحكام التي تميزت بكونها جمعت بين العنصر الاقتصادي أي المصلحة الاقتصادية العامة للشركة والعنصر الاجتماعي أي المصلحة العاملين والمستخدمين.
وأمام الاختلاف بين كل من الاتجاه الذي يأخذ بضابط العقد وكذا الاتجاه الذي يأخذ بمعيار المقاولة كأساس لتحديد المصلحة العامة للشركة فإنه يجب البحت عن معيار مشترك تكون له القدرة على الجمع بين خصائص ومزايا هذين الاتجاهين مع مراعاة المراكز القانونية المكونة للشركة والتي تتمثل في المساهمين والعمال والدائنين والدولة.[2]

الفقرة الثانية: الاخلال بالمساواة 

يعتبر الاخلال بالمساواة المعيار الثاني المعتمد لتحديد مدى تعسف الأغلبية من عدمه واعتبر بعض الفقهاء أنه لقيام تعسف الأغلبية يكفي أن يكون القرار متضمنا لخرق المساواة بين المساهمين، ومن تم كان كل قرار يرجح أغلبية المساهمين على الأقلية يعتبر قرارا تعسفيادون الحاجة الى ملاحظة ما اذا كان ملائما لمصلحة الشركة أم غير ملائم لها.3
ويتجلى الاخلال بالمساواة في الاستئثار بمنفعة خاصة أي الاستئثار بكل ربح يضاف الى ذمة المساهمين المتعسفين أو اجتناب أي خسارة بالنسبة لهم في مقابل حرمان باقي المساهمين من ذات الربح أو تجنب ذات الخسارة الشيء الذي يؤدي الى خرق مبدأ المساواة الذي تقوم عليه الشركة.4

المطلب الثاني: مظاهر استبداد الأغلبية 

إن الحديث عن صور ومظاهر استبداد الأغلبية هو في حقيقة الأمر بحث عن أسباب صحة أو بطلان قرارات الجمعية العامة من خلال انعكاساتها الاقتصادية والمالية، الإيجابية والسلبية لقرارات المطعون فيه. عموما فإن استبداد يتخذ عدة مظاهر حيث سوف نتناول في (الفقرة الأولى) اتخاذ الأغلبية لقرار مستبد ضد الأقلية، ثم هيمنة الأغلبية على الأرباح وإقصاء الأقلية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: اتخاذ قرار مستبد ضد الأقلية 

ما ينبغي الإشارة إليه أن التصرفات التعسفية المخالفة لمصلحة الشركة عديدة و بالخصوص إذ كانت الأغلبية المساهمة هي التي تتكفل بتسيير الشركة، مع العلم أن السلطات الواسعة الممنوحة للأغلبية المساهمة تجعلها تسيطر على الشركة و تصدر قرارات تبعد الأقلية المساهمة من الشركة.
و يعتبر اتخاذ قرار مستبد ضد الأقلية من مظاهر تعسف الأغلبية المساهمة، حيث يعد هذا الأمر أي اتخاذ الأغلبية لقرار مستبد ضد الأقلية من أكثر الأسباب التي تستند عليها الأقلية في طلب حل الشركة قضائيا قبل أوانها إلا أنه رغم اعتبار هذا السبب أكثر شيوعا على صعيد الواقع العلمي و العملي فإن نجاحه يعد نسبيا فقط و غير مضمون وذلك لثلاثة أسباب هي:
- وجود إثبات لنزاعات الخطيرة و التي تهدد الشركة بالانهيار .
- ألا يكون المدعي – رافع دعوى – هو السبب في حدوث هذه النزاعات و الخلافات الخطيرة.
- و أخيرا يمكن للمحكمة تجنب الحل الذي سوف يترتب عنه فناء الشخص المعنوي خاصة إذا كانت قابلة للاستمرار.

الفقرة الثانية: هيمنة الأغلبية على الأرباح وإقصاء الأقلية: 

و السبب في هذه الهيمنة المفروضة على الأقلية من طرف الأغلبية المتسلطة يرجع إلى حرمانها من الأرباح كحق من حقوق أي مساهم أو شريك في أي شركة بغض النظر عن نوعها فالشركة تجمع على أن أهم ما يميزها عن باقي التجمعات الأخرى هو تحقيق الربح، إن موضوع الربح أو حق المساهم في الحصول على الأرباح يجرنا إلى الحديث عن موضوعنا الرئيسي و هو النزاع الذي يحدث ما بين أغلبية المساهمين أو أقليتهم في موضوع توزيع الأرباح قبل أن تؤمن عن طريق التمويل الذاتي لكل الاستثمارات الضرورية لتطوير هذه الأخيرة، يعتبر ركن إقتسام الأرباح و الخسائر ركنا جوهريا من أركان الشركة لأنه يميزها عن الجمعية و الربح هو كل كسب مالي أو مادي يضاف إلى ثروة الشركاء[3]، إن الهدف الأول من انضمام أي مساهم إلى شركة المساهمة يقضي بحرمان الأقلية المساهمة من الحصول على الأرباح بعد قرار تعسفي، إذ أن الشركة التي يكون فيها الشريك الغنم دون الغرم أو الغرم دون الغنم تسمى شركة الأسد و هي باطلة طبقا للمادة 515 من القانون المدني[4].

المبحث الثاني: مسطرة الطعن بسبب تعسف الأغلبية 

إن الخلافات الناشئة بين المساهمين على مستوى الجمعيات العامة، والتي يترتب عليها إلحاق ضرر بالشركة أو بباقي المساهمين لابد أن يتم اللجوء بشأنها فيما عدا حالة التفاهم الودي، إلى القضاء من أجل المطالبة بإصلاح الضرر أو غيره من الجزاءات الأخرى التي يمكن لقضاء الموضوع أو رئيس المحكمة التجارية أن يقضي بها في حدود اختصاصه، لذلكسنتعرض في هذا الصدد إلى الطبيعة القانونية لدعوى الأقلية (المطلب الأول)، ثم الجزاءات المترتبة عن هذه الدعوى (المطلب الثاني) .

المطلب الأول: الطبيعة القانونية لدعوى الأقلية 

قد تصدر عن بعض أجهزة تسيير شركة المساهمة كالمتصرفين وأعضاء مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة أخطاء في التسيير مما يلحق ضررا إما بأحد المساهمين أو أكثر في الشركة ،أو يمكن أن تصدر قرارات مستبدة في حق الأقلية.
لذا خول المشرع المغربي لكل متضرر من هذا التسيير الحق في إقامة دعوى لجبر الضرر، وقد يختار المساهم من أجل ذلك سلوك مسطرة الدعوى الفردية (الفقرة الأولى) ،كما يمكن أن يختار سلوك مسطرة دعوى الشركة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الدعوى الفردية 

تخول هذه الدعوى للمساهم الحق في رفع دعوى شخصية فردية في مواجهة المتسبب في الضرر الحاصل له شخصيا[5]، ويستند حق المساهم في هذه الدعوى على مقتضيات المادة 353 من قانون شركات المساهمة[6] التي تنص على أنه "فضلا عن دعوى المطالبة بتعويض الضرر الشخصي، يحق للمساهمين، فرادى أو جماعات إقامة دعوى الشركة في المسؤولية ضد المتصرفين والمدير العام وإن اقتضى الحال، المدير العام المنتدب أو أعضاء مجلس الإدارة الجماعية ...."، وما يستفاد منه أن هذه الدعوى هي دعوى فردية تهدف إلى إصلاح ضرر شخصي لحق بالمساهم، وبالتالي فهي دعوى مستقلة عن الدعوى الجماعية (دعوى الشركة).
والمساهم عند رفعه لهذه الدعوى فإنه يرفعها بصفته أجنبي عن الشركة التي يعتبر مساهما فيها، وذلك لكونه يهدف من ورائها إلى حماية حقوقه الشخصية المتضررة وليس حماية الشركة، ويتطلب لصحة الدعوى الفردية نفس الشروط المتطلبة في المسؤولية التقصيرية، والمتمثلة في الخطأ في التسيير الذي يمكن أن يتجلى في كل تصرف مخالفلمصالح الشركة، ولو كان صادرا عن مجرد إهمال أو تهور من لدن ممثل قانوني أو فعلي ،كما يمكن أن يتجلى هذا الخطأ في خرق المقتضيات القانونية أو كل إخلال بالأحكام الواردة في النظام الأساسي للشركة أو التشريعات المنظمة لها ولأنشطتها[7].
وإذا كانت الفقرة الثالثة من المادة 352 من القانون 17.95 قد حددت المدعى عليهم في الدعوى التي يقيمها المساهم في المتصرفون والمدير العام، وإن اقتضى الحال المدير العام المنتدب وأعضاء مجلس الإدارة الجماعية، ولم تشر بذلك إلى الشركة كمدعى عليها، فإن بعض الفقه[8] يرى أن المادة المذكورة ليس فيها ما يمنع من إقامة الدعوى ضد الشركة باعتبارها المسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها أعضاء أجهزتها الإدارية، كما أن تنظيم المشرع للدعوى الفردية في إطار القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة لا يمنع من إقامة دعوى فردية في إطار القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود.
وأيا كان المدعى عليهم في الدعوى الفردية، فإن المدعي قد يكون إما مساهما بمفرده أو مجموعة من المساهمين ولكن بشكل شخصي، على أنه إذا كان من حق الغير إقامة الدعوى الفردية، فإنه لا يحق له رفع دعوى الشركة وذلك لسبب بسيط هو أن دعوى الشركة كما سنرى يقيمها المساهم باسم الشركة بصفته مساهما فيها ولفائدته عكس الغير الذي لا يملك هذه الصفة.

الفقرة الثانية: دعوى الشركة 

نص المشرع المغربي في القانون 17.95 في المادة 353 منه في فقرتها الأولى "فضلا عن دعوى المطالبة بتعويض الضرر الشخصي، يحق للمساهمين فرادى أو جماعات، إقامة دعوى الشركة في المسؤولية ضد المتصرفين، والمدير العام وإن اقتضى الحال المدير العام المنتدب أو أعضاء مجلس الإدارة الجماعية، ويمكن للمدعين متابعة المطالبة بتعويض كلالأضرار التي لحقت بالشركة التي تمنح لها في الحالة هاته التعويضات عن الضرر."
يمكن إذن القول أن دعوى الشركة هي تلك الدعوى التي يقيمها أحد المساهمين أو بعضهم باسم الشركة في مواجهة المتصرفين أو المدير العام أو المدير العام المنتدب أو أعضاء مجلس الإدارة الجماعية وذلك قصد تعويض الأضرار التي لحقت بذمة الشركة نتيجة الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء.
وترفع هذه الدعوى بالإضافة إلى المساهمين من قبل الممثلين القانونيين للشركة، ويرى الأستاذ أحمد شكري السباعي بهذا الخصوص[9]، أن هذه الدعوى الجماعية التي يقيمها المسيرون باسم الشركة، قد تعترضها عراقيل واقعية تحول دون إقامتها، إما لمجرد التقاعس أو التضامن الوظيفي مع أحد المتصرفين، أو أن كل المتصرفين أو أعضاء مجلس الإدارة الجماعية أو مجلس الرقابة متورطون في الخطأ والضرر، وهو ما يجعل من المستحيل أن يقيم هؤلاء المسيرون دعوى الشركة ضد أنفسهم، بل يعملون كل الوسائل لإخفاء معالمها وآثارها.
إلا أنه وبغض النظر عن دعوى الشركة التي يقيمها ممثلوها القانونيين فإن هذه الدعوى تبقى من الحقوق الأساسية لكل مساهم بحيث لا يجوز حرمانه من رفعها خصوصا وأن مباشرتها تضفي رقابة على الإدارة، وهو ما يستجيب إلى السياسة التشريعية للمشرع المغربي، وهي حماية حقوق الأقلية في شركات المساهمة[10].
وترتبط دعوى الشركة بصفة المساهم وجودا وعدما بحيث أنه إذا فقد المساهم هذه الصفة فإنه يفقد بذلك الحق في إقامة دعوى الشركة حتى ولو كان الضرر قد حدث في الوقت الذي كان لايزال فيه مساهما، ويمكن أن يترتب عن أي قرار من قرارات الجمعية العامة سقوط دعوى المسؤولية ضد المتصرفين والمدير العام وإن اقتضى الحال المدير العام المنتدب أو أعضاء مجلس الإدارة الجماعية لخطأ ارتكبوه أثناء ممارستهم لمهامهم عملا بمقتضياتالفقرة الثانية من المادة 354 من قانون شركات المساهمة المعدل[11].
وتتقادم هذه الدعوى بمضي 5 سنوات ابتداء من تاريخ الإيداع بكتابة الضبط حسب المادة 158، وإذا وصف العمل بالجريمة فلا تتقادم الدعوى إلا بمرور 20 سنة.

المطلب الثاني : الجزاءات المترتبة عن دعوى الأقلية: 

لم يكن المشرع المغربي على قانون 1795 حاسماً فيما يتعلق بالجزاءات التي تترتب عن دعوة الأقلية، مما أدى إلى اختلاف الفقه حول الحلول الممكنة بهذا الشأن بحيث هناك من يرى أنه نترتب عن الجزاء البطلان (الفقرة الأولى)، والبعض يارا أن الجزاء هو التفويض (الفقرة الثانية)، والبعض الآخر يرى الحل الأمثل هو (حل الشركة).

الفقرة الأولى : البطلان

يعتبر البطلان من الجزاءات والأثار المترتبة عن دعوى الأقلية بسبب تعصف الأغلبية في قرارات الجمعية العامة، وذلك بهدف تجنب الخلافات الخطيرة بين المساهمين.
فإذا كانت القاعدة أنه لابطلان بدون نص إلا وأنها كانت تساهم بشكل فعال في ضمان إستقرار المعاملات، فإن الأخذ بها على اطلاقها قد يترك الباب مفتوحاً لمجموعة من الإحتمالات كالغش والتدليس التي قد يصنعها له المصلي في ذلك.
وعلى هذا الأساس تبقى للقاضي سلطة تقديرية في طولي جزاء البطلان.(1)
وقد نظم المشرع المغربي أحكام البطلان في المواد من 337 إلى 348 من قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، حيث نصت المادة 337 من القانون السابق الذكر على أنه " لا يمكن أن يترتب بطلان شركة أو بطلان عقودها أو مدا ولاتها المغيرة للنظام الأساسي إلابنص صريح من هذا القانون أو لكون غرضها غير مشروع أو لمخالفته للنظام العام أو لانعدام أهلية جميع المساهمين يعتبر كأن لم يكن كل شرط نظامي مخالف لقاعدة امرة من هذا القانون لا يترتب على خرقها بطلان الشركة."
إضافة إلا المادة 338 التي نصت على أنه " لا يمكن أن يترتب بطلان عقود أو مداولات غير تلك المنصوص عليها في المادة 138 إلا عن خرق لإحدى القواعد الأمرة لهذا القانون أو عن أحد أسباب بطلان العقود بشكل عام"
و إنطلاقا ً من المادتين المذكورتين نلاحظ بتشدد المشروع بخصوص جزاء البطلان حيث علقة على شرط وجود نص صريح بإستثناء الحالة التي يكون فيها غرض الشركة غير مشروع أو في حالة إنعدام الأهلية لجميع المسؤولين(.2)
وعلى هذا الأساس فقد تبنى التشريع المغربي طريقتين لإمكانية تفادي صدور الحكم بالبطلان ،وهما التدارك و التسوية .

الفقرة الثانية : التعويض المادي

يعد التعويض المادي من الجزاءات المختلفة عن دعوى الأقلية، فالقاعدة العامة هنا، هي أن كل من تسبب في وقوع الضرر للغير يلزم بالتعويض طبقاً للفصل 77 من قانون الإلتزامات والعقود الذي جاء فيه " كل فعل ارتكبه الإنسان عن نية واختيار ومن غير أن يسمح به القانون، فأحدث ضرراً مادياً ومعنوياً للغير ألزم مريكبه بالتعويض هذا الضرر أضحى تبث أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر."
وهنا يقع الخلط في تحديد التعويض، بحيث يصدره البعض إستناداً على حجم الضرر، والبعض الآخر يقدره خطأ المسؤول.
(1) تقدير التعويض إستناداً على حجم الضرر :
إن الغاية من المسؤولية المدنية هو جبر الضرر، وبالتالي فيتعين على القاضي عند تحديد أثر المسؤولية أي التعويض أن لاينظر إلا إلى الضرر(.3)
أما جسامة الخطأ فتبقى خارج التقويم.
وباعتبار التعويض يستند على حجم الضرر، يبقى عبئ إثبات هذا الضرر على عاتق الأقلية المتضررة أو الشركة والتي بإمكانها الاستناد إلى جميع الإثبات باعتبار الأمر يتعلق بواقعة المادية.
(2) تقدير التعويض انطلاقا من خطأ المسؤول أي الأغلبية المتعسفة:
إن الأصل هو أن معيار الجسامة للخطأ لا يعتد به إلا أن العمل القضائي في فرنسا وجد نفسه مضطرا لتفعيل معيار جسامة خطأ المسؤول في التعويض، حيث ذهبت قرارات وأحكام كثيرة إلى رفع التعويض كلما كان الخطأ عمدي وجسيم، وتخفيض التعويض كلما كان الخطأ يسير أي غير عمدي.
وعلى هذا الأساس اختلفت الآراء الفقهية حول الوقت الذي يجب فيه تقدير التعويض، حيث يعتبره البعض ابتداءا من تاريخ صدور الحكم.
وفي هذا الصدد يرى الأستاذ عبد الرزاق السنهوري على أن التعويض يقدر حين صدورالحكم) 4(. إلا أن هذا الموقف لا يحول دون إمكانية مراجعة المحكمة لقيمة التعويض إذا تغير حجم الضرر، في حين يستنتج من بعد الفقه في فرنسا أن ألحق في التعويض نشأ وقت وقوع الضرر، وهذا ما يعني أن الحكم الصادر بالتعويض هو حكم مقرر وليس منشئ.

الفقرة الثالثة : حل الشركة 

تعتبر الخلافات الناشئة بين الأقلية والأغلبية في الشركة من بين أبرز الأسباب التي يمكن من خلالها اللجوء إلى حل الشركة قبل أوانها عن طريق القضاء. (دعوة احتياطية)
وعلى هذا الأساس فالفصل 1056 من ق.ل.ع أجاز للمحكمة أن تقضي بحل الشركة، وذلك بناءًا على طلب أحد الشركات، وأحاط هذا الحق بحماية خاصة حين منع الشركات من التنازل المسبق عنه. وهذا ما أكده المجلس الأعلى للقضاء في قرار عدد 377 بتاريخ 1990/02/14 في الملف عدد 1247/89 )5( والذي جاء فيه : " لكن من جهة، حيث أن ألفصل 1056 من ق.ل.ع يجب تطبيقه في طلب حل الشركة، وذا وجدت المحكمة إخلالاً واقعاً من أحد الشركاء لبنود العقد الرابط بينهم، وقد تبنى قضاء الموضوع أن الطاعن وهو المكلف بتسيير الشركة حسب العقد المبرم بينهم مل يكن المطلوب في النقص من نصيبه في الأرباح وغم إنذاره بذلك حسب الرسالة 09/01/81، مما يجعل القرار المطعون فيه القاضي بحل الشركة مبنياً على أساس قانوني."
وعلى هذا الصدد يجب أن يرتبط حل الشركة بتحقيق المصلحة العامة للشركة.
وقد كان المشرع المغربي على صواب حينما جعل أمر حل الشركة المبني على وجود خلافات خطيرة بين المساهمين تحت السلطة ورقابة القضاء.
فالمقصود بالخلافات الخطيرة هنا هي تلك التي تؤذي إلى عرقلة السير العادي للشركة ،ويرجع تقدير هذه الخلافات الخطيرة للقضاء، وهذا ما أصدر المجلس الأعلى في قراره (6) بتاريخ 22/12/2004 والذي جاء فيه " إن تقدير جدية الخلافات الخطيرة المبررة لحل الشركة من عدمها يدخل ضمن سلطة تقديرية للقاضي الموضوع، ولا رقابة عليهم في ذلك من مجلس أعلى إلا فيما يخص التعليل."
تأسيسا لما سبق ذكره في هذا العرض، فإن موضوع الطعن في قرارات الجمعية العامة بسبب استبداد الأغلبية الذي تحتم عليه حماية الأقليات المساهمين من تعسف وبالأخص في شركات المساهمة التي تتماشى مع النشاطات الاستثمارية إذ أن قانون رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة حاول التوفيق بين مصالح الأقلية والأغلبية. وقد أفلح في مواطن وأخفق في مواطن آخر، وكان المشرع المغربي في كل ذلك مدفوعا بالحرص قدر المستطاع في التخفيف من تدخل القضاء في حياة الشركة، دائما خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تعطيل نشاط الشركة فحاول التدخل لسد الفراغات عن طريق نصوص تشريعية، وقد تبنى مبدأ سيادة الأغلبية في تصريف الأمور هذا النوع من الشركات من جهة وحاول أن يحمي حقوق أقلية المساهمين من جهة أخرى.
___________________________
الهوامش :
[1] -الفصل 982 من قانون الالتزامات والعقود الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكتر أموالهم أو أعمالهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي ينشئ عنه
[2] - د عبد الوهاب المريني سلطة الأغلبية في شركة المساهمة أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق بكلية الحقوق أكدال ص 604 .
[3] سليمان بذياب، مبادئ القانون التجاري – التجارة و التاجر – المؤسسة التجارية، النظرية العامة الشركات، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى ،2003، ص .133
[4] عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، العقود التي تقع على الملكية الهبة و الشركة و القرض و الصلح، المجلد الخامس، دار النهضة العربية، ص 286.
[5] عبد الله درميش "هل يحق للمساهم مقاضاة الشركة التي يعتبر مساهما فيها للحصول على تعويض لجبر الضرر الحاصل له" مجلة المحاكم المغربية، العدد 91، ص 22
[6] القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.124 صادر في 14 من ربيع الآخر 1417 الموافق ل 30 أغسطس 1996
[7] محمد العلمي المشيشي " حق المساهم في مقاضاة الشركة" مجلة المحاكم المغربية، عدد 91 ص17
[8] عبد اللطيف هداية الله "حق المساهم في مقاضاة الشركة التي هو مساهم فيها ومطالبتها بتعويضه عن الضرر اللاحق به" ، مجلة المحاكم المغربية، العدد 91
[9] أحمد شكري السباعي " الوسيط في القانون التجاري الجزء السادس" ص177
[10] عبد الله درميش -مرجع سابق- ص22
[11] أنظر القانون 20.05 المعددل والمتمم للقانون 17.95 بمثابة قانون لشركات المساهمة
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -