دور القاضي المدني في تقدير التعويض

عرض بعنوان: دور القاضي المدني في تقدير التعويض PDF

دور القاضي المدني في تقدير التعويض PDF

مقدمة :
ينشأ الالتزام المدني عن مصادر متعددة، إرادية (العقد والإ اردة المنفردة)، وغير إرادية (المسؤولية المدنية والإثراء بدون سبب)،ويقوم بوظائف متنوعة اقتصادية واجتماعية.
غير أن الغاية من إقراره تكمن في تنفيذه، ومن ثم يشكل هذا التنفيذ امتدادا طبيعيا لآثاره.
ومن المعلوم أن الأركان التقليدية للمسؤولية المدنية بوجه عام هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية. واذا كانت الخلافات الفقهية قد تركزت ومنذ زمن بعيد حول ركن الخطأ، فمن المجمع عليه فقها وقضاء وتشريعا على أنه لا مسؤولية وبالتالي لا تعويض بدون ضرر يصيب الغير[1].
فعند الإخلال بقواعد المسؤولية المدنية عقدية كانت أم تقصيرية يصبح المسؤول عن الضرر ملزما بتعويض المضرور عما لحقه من ضرر، فالهدف الأساسي من قواعد المسؤولية المدنية هو إرجاع التوازن الاقتصادي المفقود بسبب الضرر واعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها لو لم يكن الفعل الضار قد حدث[2] أو الحصول على تعويض في قدر من المال يكون كفيلا بجبر ذاك الضرر.
فالتعويض باعتباره وسيلة لجبر الضرر المترتب عن الإخلال بالالت ازم، يعدموضوعا متشعبا، حيث عرف تطورا كبيرا في مفهومه ومضمونه وطبيعته وكذا من حيثطرق تقديره، وذلك بفعل التطوارت الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية المتجددة. إذ أصبح يخضع لطرق مختلفة في تقديره.
وهكذا، فضوابط تقدير التعويض تختلف، فقد يستأثر المشرع بتقديره في مقادير أو نسب محددة، أو يضع أسسا ومعايير محددة، حيث يجد القاضي نفسه في هذه الحالة مقيدا بالقاعدة القانونية التي تحدد معايير التعويض بشكل مسبق، وهذا ما يسمى بالتعويض القانوني، وهو تقدير أضحى استثناء في التشريعات الحديثة بعدما كان يمثل الأصل.
التعويض لغة يعني البدل فنقول عوضه تعويضا، إذا أعطيته بدل ما ذهب منه وتعوض منه واعتاض ،أخذ العوض، فيقال أخذت الكاب عوضا عن مالي أي بدلا منه، واعتاضه وعوضه تعويضا، فأعاضه فلان من كذا أي أعطاه عوضا أي بدلا وخلفا.
أما من الناحية القانونية ، وفي ظل إحجام التشريعات عن وضع تعريف للتعويض، فإن الفقه تصدى لذلك فقام بالعديد من المحاولات من ذلك:
التعويض هو وسيلة القضاء لمحو الضرر أو تخفيف وطأته إذا لم يكن محوه ممكنا، والأكثر أن يكون مبلغا من النقد يحكم به للمضرور على من أحدث الضرر، ولكنه قد يكون شيئا آخر غير النقد كالنشر في الصحف أو التنويه بحق المدعي في الحكم.
كما هو منصوص عليه في الفقرة السادسة من المادة 41 من مدونة الشغل التي تحدد اساس التعويض عن الإنهاء التعسفي لعقد الشغل أجر شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة حيث جاء فيها: في حالة تعذر أي اتفاق بواسطة الصلح التمهيدي، يحق للأجير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة، التي لها أن تحكم في حالة ثبوت فصل الأجير تعسفيا، إما بإرجاع الأجير إلى شغله أو حصوله على تعويض عن الضرر يحدد مبلغه على أساس أجر شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على إلا يتعدى سقف 36 شهرا.
وقد يستقل الأطراف بتقدير التعويض بإرادتهما، وهو ما يسمى بالتعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي، وهذا النوع من التعويض كثير الوقوع في مجال المسؤولية العقدية. ورغم ذلك قد يجد القاضي هامش من الحرية في التدخل في التعويض الاتفاقي، حيث يمكن له أن يرفع منه أو ينقص منه بحسب الأحوال[3].
وأخيرا، قد يمنح المشرع للقاضي سلطة مطلقة في تقدير التعويض ، ويعد هذا النوع هو القاعدة العامة في التقدير، ويسمى بالتعويض القضائي[4] الذي تنهض به محكمة الموضوع.
ومن المعلوم أن فكرة التعويض القضائي لم يكن لها وجود إلا في بعض الاستثناءات مقارنة مع التعويض القانوني الذي كان يمثل الأصل العام. ففي القانون الروماني لم تظهر بوادر تقدير التعويض إلا في العصر العلمي، حيث كان التعويض القانوني هو الأصل العام، ولم يظهر التعويض إلا في حالات خاصة، تتعلق بجريمة الاعتداء على مال الغير التي نشأت بمقتضى '' قانون إكويليا الشهير[5]'' الذي خول للقاضي أمر تقدير التعويض عن الاعتداء على مال الغير، بحسب الخسارة التي أصابت المضرور ومقدرا الكسب الذي فاته، وهما العنصران المعتمدان حاليا في تقدير التعويض.
وتركت الشريعة الإسلامية نفسها للقاضي أمر تقدير التعويض[6]، بناء على مقدار الضرر الحاصل للمعتدى عليه، ولو أنها اشترطت وجود مثل المال محل الضمان وبين المال المعطى بدلا عنه، مستبعدة بذلك كل تعويض عن المنافع وعن العمل، وهو ما يعنيعدم التعويض عن الخسارة الواقعة وعن الكسب الفئات، إذا لم يكن هناك مال متقوم في ذاته ضاع على الدائن ليأخذ من المدين مثله أو قيمته11.
ويستدل أصحاب هذا الرأي فيما ذكر، بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، الذي جاء فيه بأنه : أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي طعاما في قصعة ،فضربت عائشة القصعة بيدها فكسرتها وألقت ما فيها، فقال صلى الله عليه وسلم طعام بطعام وإناء بإناء12.
وفي القوانين المدنية الحديثة نظم المشرع الفرنسي قواعد تقدير التعويض في المواد من 1146 إلى 1153 من القانون المدني، وهي مواد تتعلق بتقدير التعويض في المسؤولية العقدية. وقد حددت المادتان 1149 و 1151 أحكام التعويض القضائي، حيث نصت الأولى على العناصر المعتمدة في تقدير التعويض، ونصت الثانية على مدى الضرر المعوض عنه.
أما وفي القوانين العربية فقد نصت العديد من التشريعات العربية على أحكام التقدير القضائي للتعويض، منها المشرع المصري في المواد 170 و 171 و 221 و222 من القانون المدني، والمشرع السوري في المادتين 222 و 223 من القانون المدني، والمشرع الليبي في المادتين 224 و 225، والمشرع الجزائري في المواد من 124 إلى 133 ثم من المادة 182 إلى 187.
أما عندنا، فقد تضمن ق.ل.ع المغربي فصلين نصا على قواعد التعويض القضائي هما الفصل 98 المتعلق بتقدير التعويض في المسؤولية التقصيرية، والفصل 264في الفقرة الأولى التي تنص على تقدير التعويض في المسؤولية العقدية.
وهكذا، تظهر لنا أهمية الموضوع على الصعيدين النظري والعملي في كونه من المواضيع الشائكة والمعقدة التي حضت باهتمام الفقه والقضاء، كما تبرز أهميته كذلك من خلال إعطاء القاضي المدني دوار إيجابيا – كقاعدة عامة- في دعاوى التعويض لتحقيق الهدف الأساسي والذي هو بالدرجة الأولى جبر الضرر الذي لحق المضرور من جراء الفعل الضار. كما تبرز أهميته العملية أيضا في كون القاضي المدني وأثناء تقديره للتعويض يصطدم بمجموعة من النصوص القانونية الخاصة التي تؤثر حتما على دوره الهام في تقدير التعويض .
وعلى هذا الأساس يمكننا بسط الإشكالات الآتية:
 إلى أي مدى تمتد سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض؟
 وماهي العناصر والمعايير التي يستند عليها في تقدير التعويض؟
 ومدى رقابة محكمة النقض عليه؟
لنخلص إلى إشكال أساسي وجوهري وهو :
هل يخضع قاضي الموضوع في تقديره للتعويض لإرادة المشرع ،أم لإرادته، أم يخضع في ذلك لإرادة الأطراف؟
هذا ما سنحاول مناقشته على ضوء الخطة الآتية:

- المبحث الأول: تحديد نطاق سلطة القاضي المدني في تقدير التعويض
- المبحث الثاني: حدود سلطة القاضي المدني في تقدير التعويض 
________________________________
لائحة المراجع :

الكتب:

- عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، الكتاب الأول مصادر الالت ازم، الجزء الثاني الواقعة القانوني، الطبعة الأولى 2015.
- عبد الحق صافي، الوجيز في القانون المدني، الجزء الثاني، المصادر غير الإ اردية للالت ازم، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة 2015.
- المختار بن احمد العطار، النظرية العامة للالت ازمات في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،2011.
- عبد الحق صافي، المصادر الإ اردية للالت ازم، العقد والإ اردة المنفردة، الطبعة 2016، مطبعة النجاح الجديد- الدار البيضاء.
- مصطفى الكيلة، التقدير القضائي للتعويض، منشوارت مجلة الحقوق المغربية، الطبعة الأولى 2008.
- عبد الرازق أحمد السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، المجلد الثاني ،الجزء السادس، المجمع العلمي العربي الإسلامي، منشوارت محمد الداية، بيروت لبنان، من دون تاريخ.
- محمد الكشبور، رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية، السنة والطبعة غير مذكورين.
- سعيد أحمد شعلة ، قضاء النقض المدني في التعويض، الطبعة والسنة غير مذكورين.
- عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، الطبعة الأولى 2015، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
- أحمد ادرويش، الاجتهاد القضائي في ميدان الالت ازمات والعقود ،1997.
- مأمون الكزبري، نظرية الالت ازمات في ضوء القانون المغربي، الجزء الأول مصادر الالت ازم، الطبعة والسنة غير مذكورين.
- محمد إبراهيم سوقى، تقدير التعويض بين الخطأ والضرر، الطبعة والتاريخ غير مذكورين.
- قرارات المجلس الأعلى في المادة المدنية، مطبعة المعرف الجديدة 1971.
- نبيل إسماعيل عمر، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية ،2008.
- إبراهيم، زعيم الماسي، تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية ،الطبعة والسنة غير مذكورين.

الرسائل الجامعية: 

- محمد رضا الحم ازوي، قصور نظام حوادث الشغل والأم ارض المهنية عن تحقيق الحماية الاجتماعية. رسالة لنيل دبلوم الد ارسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، السنة الجامعية .1999-1998
- سعيد بعزيز، نظام التعويض عن حوادث الشغل على ضوء القانون الجديد رقم 18.12.
رسالة لنيل دبلوم الد ارسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، السنة الجامعية 2015/2014.

- المقالات: 

- محمد الكشبور، المهن القانونية الحرة، انطباعات حول المسؤولية والتأمين، المجلةالمغربية لقانون واقتصاد التنمية، عدد 25، 1991.
- عبد الرحمان الشرقاوي، سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض، المجلة المغربية لقانون الأعمال والتنمية، عدد 17-18، يناير- يونيو 2011.
- محمد يحي، سلطة القاضي في تقدير التعويض، مجلة المحاكم الموريتانية، يونيو .2013
- مجلة القضاء والقانون، عدد 29، يونيو 1997.
- حسن النوالي، ق ارءة في قانون 12-18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، مجلة الع ارئض، عدد 5 يوليوز 2015.
- خديجة البوهالي، مدى حماية حق التعويض في إطار ظهير أكتوبر 1984، مجلة الع ارئض، ع 5 يوليوز 2015.
- حليل صالح، سلطة القاضي في تقدير التعويض عن المسؤولية المدنية في القانون والقضاء الج ازئري، المجلة المغربية للد ارسات القانونية والسياسية والاقتصادية،
- العدد الأول يوليوز 2014.

- النصوص القانونية: 

- قانون الالت ازمات والعقود
- قانو ن المسطرة المدنية
- قانون رقم 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأم ارض المهنية.
- ظهير 2 اكتوبر 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير التي تتسبب فيها عربات برية ذات محرك خاضعة للتأمين الإجباري.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -