دور مؤسسة الوسيط في حماية حقوق الإنسان

عرض بعنوان: دور مؤسسة الوسيط في حماية حقوق الإنسان PDF

دور مؤسسة الوسيط في حماية حقوق الإنسان PDF

مقدمة :
ينظر إلى حقوق الإنسان على أنها قيم ومبادئ حديثة، بالنظر إلى الاهتمام الفائق بالدعوة لها والمطالبة بها في الآونة الأخيرة. وحقيقة القول أن حقوق الإنسان والمبادئ المستمدة منها هي قديمة قدم التاريخ ومستمدة من كل الأديان السماوية والموروث الإنساني برمته، وبإيجاز بسيط هي تشكل القاسم المشترك بين المجتمعات والحضا ارت المختلفة في العالم .
يمكن تعريف حقوق الإنسان، بحسب أدبيات منظمة العفو الدولية "أمنستي" بأنها (المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها، أن يعيشوا بك ارمة كبشر).
خصائص حقوق الإنسان:
تتميز حقوق الإنسان بالعديد من الم ازيا المرتبطة بطبيعة الإنسان من جهة، وبكونها حقوقا محددة من جهة أخرى. ومن أبرز تلك الخصائص ما يلي:
1. إن حقوق الإنسان لا تشترى ولا تباع وهي ليست منحة من أحد بل هي ملك للبشر بصفتهم بش ا ر، فحقوق الإنسان متأصلة في كل إنسان وملازمة له كونه إنسانا أولا وأخي.
2. إن حقوق الإنسان هي نفسها لكل بني البشر بغض النظر عن اللون، العرق، الدين، الجنس، ال أري السياسي أو الأصل الاجتماعي...الخ. فنحن جميعا ولدنا أح ارار ومتساوون في الك ارمة والحقوق، بهذه الحقيقة فإن حقوق الإنسان هي عالمية من حيث المحتوى والمضمون.
3. لا يمكن بأي حال الانتقاص من حقوق الإنسان، فإن أحدا لا يملك الحق في حرمان شخص آخر منها مهما كانت الأسباب، وحتى لو كانت القوانين في بلد ما لا تعترف بذلك أو أن بلد ما يقوم بانتهاكها، فإن ذلك لا يفقدها قيمتها ولا ينكر تأصلها في البشر. إن انتهاك الحقوق لا يعني عدم وجودها، فهي غير قابلة للتصرف.
4. إن حقوق الإنسان هي وحدة واحدة وغير قابلة للتجزئة فحقوق الإنسان، سواء كانت مدنية وسياسية أو اقتصادية واجتماعية وثقافية،هي وحدة واحدة تنطوي على الحرية والأمن والمستوى المعيشي اللائق.
5. إن حقوق الإنسان في حالة تطور مستمر، وكما أنها مرتبطة بالإنسان بصفته إنسانا، فإن حاجة الإنسان وارتفاع مستواه المادي والروحي في حالة تطور مستمر يستوجب معه تطوير الحقوق والواجبات وبذلك يصار إلى تصنيف حقوق أخرى.
ومن المؤكد أن هناك علاقة جد وثيقة بين حقوق الانسان في الشق النظري من خلال اصدار قوانين لاقرارها ، او في الشق الاجرائي المتمثل في مختلف المؤسسات الوطنية. و عليه يكون من الضروري تفعيل هاته العلاقة باستدعاء أنماط مؤسساتية وطنية تقوم على مبدأ الاستقلال اللازم عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لتمكينها من التجرد التام، عند النظر في الشكايات والتظلمات المحالة إليها؛
بهدف الوصول الى مؤسسات الدولة في صيغة ديمقراطية جديدة ، مبتغاها رفع المواطن إلى درجة الفاعلية و المشاركة في القرار ، و من تم تحويله من مجرد شاهد جامد متظلم ، إلى فاعل سياسي يمتلك الاستقلالية عن الحكومة.
طبعا ان المؤسسات الوطنية لحماية حقوق الانسان تحكمها مجموعة من المبادئ.
وتتلخص المعايير الأساسية المترتبة عن تلك المبادئ في:
• الاستقلال الذي ينبغي أن يضمن بواسطة قانون أساسي أو الدستور؛
• الاستقلالية عن الحكومة؛
• التعددية، بما في ذلك التعددية في العضوية؛
• صلاحيات واسعة ترتكز على المعايير العالمية لحقوق الإنسان؛
• سلطات تحري كافية؛
• موارد كافية[1].
ومن بين المؤسسات الوطنية التي تعنى بحقوق الانسان ، نجد "مؤسسة الوسيط" وهي مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة تتولى، في نطاق العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، مهمة الدفاع عن الحقوق، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف ،والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية، والسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص، ذاتيين أو اعتباريين، مغاربة أو أجانب، فرادى أو جماعات، وبين الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهيآت التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشآت والهيآت الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة.[2] الإطار المفاهيمي:
من خلال مطالعة العنوان الرئيسي للبحث، يبدو من الواضح انه يتركب من شقين أساسيان هما: "مؤسسة الوسيط" و"حقوق الانسان" وحرصا على تفادي أي لبس أو خلط في دلالاتها ،سوف نعمل على تحديد مدلول كل منها :
مؤسسة الوسيط:
مؤ َّسسة
اسم :مؤ َّسسة
الجمع : مؤ َّسسات
المؤ َّسسة : منشأة تؤ َّسس لغرض معيَّنمعيَّن ، أو لمنفعة عا ّمة ولديها من الموارد ما تمارس فيه هذه المنفعة مؤسَّسات الجامعة : ما يتبع لها من كلّيّات ومعاهد ومكتبات ومراكز بحوث العربية حول موضوع دور المؤسسات الوطنية في النهوض باستقلال القضاء المغرب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الرباط، من 12 إلى 14نونبر/تشرين الثاني 2007.
مؤسَّسات مصرفيّّة : بنوك3
اصطلاحا: المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان هي هيئات رسمية لها ولاية دستورية او تشريعية لحماية حقوق الانسان وتعزيزها،وهي جزء من جهاز الدولة وتقوم بتمويلها4.
الوسيط:
سطاءُ ، المؤنث :وسيطة ، و الجمع للمؤنث :وسيطات و وُ سطاءُ :الجمع
ال وسِيطُ :المتوسِّط بين المتخاصمين
ال وسِيطُ :المعتدل بين ال وسِيطُ شيئين
هو وسيط فيهم :أوسطهم نس بًا وأرفعهم م ْجدًا
جا ء ع مُلهُ و ِسيطاً :أ ْي ما ب ْي ن ال َّر ِدي ِء و اْل ج ِيّ ِد
ال و ِسي ُط :المتو ّسط بين المتبايعين أ و المتعاملين.5 حقوق الانسان:
لغة: يرى )ابن منظور( أن الحق نقيض الباطل، ويستعرض استعمالات جديدة تدور حول معاني الثبوت والوجوب والأحكام والتحقيق والصدق واليقين6.
يمكن تعريف حقوق الإنسان، بحسب أدبيات منظمة العفو الدولية "أمنستي" بأنها (المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها، أن يعيشوا بك ارمة كبشر).

أهمية الموضوع:
الاهمية القانونية:
تتجلى الاهمية القانونية في الوقوف على مختلف القواعد القانونية ،سواء في الشق الموضوعي او الشق الاجرائي ،التي تهم ادوار مؤسسة الوسيط في حماية و تعزيز حقوق الانسان.
الاهمية الحقوقية:
تتمثل الاهمية الحقوقية في كون التنصيص على الحقوق يبقى ناقصا وغير ذي اثر دون وجود ضمانات واليات تكفل حمايته ، بما في ذلك اطار مؤسساتي ( مؤسسة الوسيط ) بما يضمن الامن القانوني والقضائي.
الاهمية الاجتماعية: تتجلى في كون الفرد هو جزء من المجتمع ، والاهتمام به هو اهتمام بالمجتمع في حد ذاته.
الاهمية الاقتصادية: تتجلى في كون الحقوق الاقتصادية هي جزء لا ينفصل عن الحقوق بمفهومها الكوني، وبالتالي فان العناية بها يصب في صالح الاقتصاد الوطني.

الإشكال الذي يطرحه الموضوع:
الإشكال الذي يحمله موضوع مؤسسة الوسيط وحقوق الانسان يستمد مشروعيته من مجموعة مؤشرات عامة، ينعكس حضورها في بنية و وضيفة مؤسسة الوسيط، فهي وإن هدفت الى الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الادارة والمرتفقين، والاسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والانصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الادارات والمؤسسات العمومية و الجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية،
إلا أنها من حيث درجة السلطة و الفعالية ، قد لا يكون لها في أغلب الأحيان طابع الإلزام القانوني ، فيؤول دورها إلى الهامشية على اعتبار أن تدخلاتها لا تخر في أحسن الأحوال عن دور الوساطة أو الاستشارة.
ناهيك على أن السلطات المحدودة الذي تمتلكها مؤسسة الوسيط على الإدارة غير متناسب مع تضخم عدد الشكايات الموجهة لها، و تراكم عدد المشكلات التي تفوق طاقتها، وهو ما يوجب ضرورة التعجيل بإصلاح إداري و قضائي شامل يجعل من الشكايات و التظلمات المختلفة مجرد استثناء عارض يتم البت فيه على وجه السرعة ، و تصحح فيه العلاقة المختة بين المواطن و مؤسسات الدولة.
بما معناه،أ نقف أمام مجرد إعادة رسم لحدود و صلاحيات الجهاز المؤسساتي للدولة ، بحيث يكون قيما على تعريف الحقوق و الحريات و صيانتها ، أم نحن أمام مشروع سياسي قانوني حقوقي متكامل ، يسعى إلى تجاوز الممارسات المنحرفة عن حدود القانون، و يتبنى في غير رجعة حقوق الإنسان بمفهومها الكوني دون تحفظات كمرجعية له في نطاق احترام مبدأ المساواة أمام القانون[3].

المنهج المتبع في معالجة الموضوع:
إحاطة بأهم جوانب الموضوع ومحاولة لتقديم إجابات عن إشكال، وحيث أن ذلك يتطلب دراسة نظرية وعلمية ، بتسليط المزيد من الضوء على خصوصيات البناء المؤسساتي الحقوقي الرسمي من خلال مؤسسة الوسيط، ارتأينا إجراء دراسة نظرية حول الإطار القانوني و الوظيفي الذي يحكم مؤسسة الوسيط، بالاعتماد على كل من المنهج الوصفي و المنهج التحليلي. مستحضرين في ذلك إرهاصات و دواعي إحداثه، وكذا الاختلالات والاكراهات التي يواجهها من خلال دراسة عملية، بالاعتماد على تقارير.

الإعلان عن التصميم:

المبحث الأول: الإطار القانوني والتنظيمي لمؤسسة الوسيط
المطلب الأول: ماهية مؤسسة الوسيط
المطلب الثاني: الإطار القانوني والتنظيمي لمؤسسة الوسيط
المبحث الثاني: تنظيم مؤسسة الوسيط والإكراهات التي تعرفها
المطلب الأول: مؤسسة الوسيط الأهداف والهيكلة والصلاحيات
المطلب الثاني: الإكراهات الواقعية التي تواجه مؤسسة الوسيط



المبحث الأول: الإطار القانوني والتنظيمي لمؤسسة الوسيط

سنخصص لهذا المبحث لتبيان ماهية مؤسسة الوسيط (المطلب الأول)، وذلك قبل التطرق إلى الإطار القانوني والتنظيمي لهذه المؤسسة (المطلب الثاني).

 المطلب الأول: ماهية مؤسسة الوسيط

بالرجوع إلى التشريع المغربي نجده قد عرف مؤسسة الوسيط من خلال نصوص قانونية، لذا سنتناول في هذا المطلب التعريف القانوني لمؤسسة الوسيط في الفقرة الأولى ،على أن نخصص الفقرة الثانية لخصائص هذه المؤسسة.

الفقرة الأولى: التعريف القانوني لمؤسسة الوسيط

تعتبر مؤسسة الوسيط مؤسسة مستقلة ومتخصصة مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، ولإسهام في سيادة القانون وتكريس مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق الشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية[4].
كما عرفتها المادة الأولى من الظهير 1.11.25 الصادر في 17 مارس 2011 على أنها مؤسسة تتولى في نطاق العلاقة بين الإدارة والمرتفقين مهمة الدفاع عن الحقوق وإسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية وكذا السهر على تنمية التواصل الفعال بين الأشخاص فرادى وجماعات وبين الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهيئات التي تمارس السلطات صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشآت والهيئات الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة.
ويتضح لنا من خلال التعاريفالواردة أعلاه أن مؤسسة الوسيط هي مؤسسة غايتها الأولى هي تنمية التواصل الفعال بين الإدارة والمرتفقين من أجل حماية المواطنين من تعسفات الإدارة وتهدف كذلك إلى تكريس مبادئ العدل والإنصاف والإسهام في نشر قيم التخليق والشفافية في التدبير العمومي.

الفقرة الثانية: خصائص مؤسسة الوسيط

من خلال الظهير المحدث لها يبدو أن أبرز خاصية جاء بها هي الاستقلالية بحيث يجب أن تستقل في ظروف موضوعية وحيادية بعيدة عن الضغوطات والإكراهات التي قد تكون من طرف الأجهزة أو الهيئات الأخرى لذا فإن مظاهر استقلال هذه يتجلى في الاستقلال المالي والإداري.
أولا: الاستقلال المالي لمؤسسة الوسيط
تنص المادة 40 من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط على أن هاته المؤسسة تمتع بصفة مستقلة ومتخصصة بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي، ويتولى الوسيط مهمة الأمر بالصرف للاعتمادات المخصصة له في تنفيذ ميزانية المؤسسة وفق القواعد المنصوص عليها في التنظيم المالي والمحاسبي الخاص بها، فأهمية أي مؤسسة تكمن في تمتيعها بذمة مالية مستقلة تقوم أساسا على عدم تبعيتها لأي ذمة مالية أخرى فكلما كانت هذه المؤسسة لها استقلالية مالية كلما كانت أداة قوية للعمل وفق مبادئ الشفافية والنزاهة، باعتبار أن ميزانية الوسيط ملحقة بالميزانية العامة معناها أنها ضمن ميزانية الدولة ككل؛ أي ليست تابعة لوزارة معينة هذا ما يتبين لنا أن للوسيط استقلال مالي يؤهله لتسيير شؤونه والقيام بمهامه.
أما في النظام الفرنسي فإن المادة 15 من القانون المحدث لمؤسسة الوسيط تنص على ان ميزانيته ملحقة بميزانية الوزير الأول وتتطلب إمكانيات مالية يقوم بصرفها الوسيط بصفته آمر بالصرف لاعتمادات مخصصة له والتي تفيد من جهة أنه يتمتع باستقلالية التصرف في الاعتمادات المالية المخصصة له.
إلى جانب ذلك تمتع مؤسسة الوسيط باستقلالية مالية يجب أن يتمتع كذلك بكل ما من شأنه أي يقوي قدرته على ممارسة مهامه وإصدار مقترحاته بشكل يخوله سلطات ملموسة وهو ما يسمى باستقلالية الإدارية.
ثانيا: الاستقلال الإداري لمؤسسة الوسيط
يعتبر هذا الشكل من الاستقلال خاصية ثانية لقيام مؤسسة الوسيط بشكل فعال، وتقتضي هذه الخاصية أن يكون الوسيط متفرغا لعمل الوساطة الإدارية دون الجمع بينها وبين غيرها من الوظائف وهو ما يسمى بمبدأ او حالة التنافي ويجب أن يتمتع الوسيط كدلك بضمان حماية له من أي متابعة أو تحقيق وهو ما يسمى بمبدأ الحصانة، لذا فإن الاستقلال الإداري لمؤسسة الوسيط يقوم على ثلاثة مبادئ:
مبدأ التنافي: تنص المادة 4 من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط على أن مهمة الوسيطتتنافى مع العضوية في البرلمان وفي المجالس المحلية وتولي أي منصب سياسي، لكنه عضوابحكم القانون في المجلس الوطني لحقوق الإنسان طبقا للمادة 32 من الظهير 1.11.19 الصادر في مارس 2011 بإحداث المجلس.
مبدأ الحصانة: تعني الحصانة إمكانية الوسيط من مزاولة مهامه واختصاصاته بعيدا عن ابتزاز أو تهديد أو تدخل في شؤونه، ويعتبر هذا المبدأ ضمانة أساسية لتحقيق النزاهة في ممارسة مهامه، فالحصانة القانونية هي تضمن عدم الاعتقال أو المتابعة أو محاكمة الوسيط بسبب إبداء رأيه أو موقف يدخل في اختصاصه.

المطلب الثاني: الإطار القانوني والتنظيمي لمؤسسة الوسيط

تستمد مؤسسة الوسيط أسسها ومقوماتها من التقاليد الإسلامية العريقة ومن التجربة المغربية حيث دأب السلاطين المسلمين والمغاربة على إحداث مؤسسات تتولى إطلاعهم على ما قد يلحق رعاياهم من مظالم، وإصلاح ما قد يصدر عن بعض المسؤولين الإداريين من أخطاء وتعسفات وهي مؤسسة عصرية بالنظر لأسلوب عملها الحديث وتكريسها مبدأ فصل السلطات وتطويرها وتنميتها للتواصل بين الإدارة والمواطن وأيضا بانفتاحها على القيم المثلى للتراث الإنساني المشترك والاستفادة من تجارب المؤسسات المماثلة في الأنظمة المعاصرة.
إن الجمع بين الأصالة والمعاصرة في النموذ الحديث لديوان المظالم – مؤسسة الوسيط – يبرز من خلال مركز المؤسسة ومكانتها المتميزة وبينتها التنظيمية المتطورة.

الفقرة الاولى: مركز ومكانة مؤسسة الوسيط

إن تحديد مركز ومكانة مؤسسة الوسيط متوقف على معرفة طريق تعيين المسؤول الأول عنها – الوسيط – (أولا) وباقي المسؤولين العموميين (ثانيا) وأخيرا الوقوف على مواردها المالية والبشرية (ثالثا).
أولا: طريقة تعيين الوسيط
يعتبر الوسيط (والي المظالم سابقا) المسؤول الأول للمؤسسة والممثل القانوني لها والناطق الرسمي بإسمها، يمثلها إزاء الدولة وإزاء كافة الجهات الوطنية والأجنبية سواء داخل الوطن أو خارجه ويتصرف بإسمها[5].
ويعين الوسيط بظهير من طرف الملك لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة منالشخصيات المشهود لها بالنزاهة والكفاءة و التجرد والتشبث بسيادة القانون وبمبادئ العدلوالإنصاف[6].
ووجود المؤسسة بجان بالملك وتحت رعايته تكسب الوسيط حصانة ضد الاعتقال والمتابعة عن أرائه وأعماله في نطاق اختصاصاته وحماية للمؤسسة ضد التأثير السياسي الذي يهيمن على فضاءات البرلمانات والحكومات، وبالتالي عدم تبعيتها لأية سلطة وذلك خلافا للأنظمة المعاصرة التي توكل مهمة تعيين واختيار المؤسسة المشابهة للسلطة التشريعية[7] أو استثناء السلطة التنفيذية[8]، وهذا لا يمنع بالطبع من إمكانية عزل الوسيط وإعفائه من مهامه من قبل الملك متى رأى سببا لذلك حتى قبل نهاية ولايته، فالسلطة التي تملك حق التسمية والتعيين تملك حق العزل أيضا.
ثانيا: تعيين المندوبين الجهويين
يساعد الوسيط في أدائه لمهامه مندوبون خاصون يعملون تحت سلطته، ووسطاء جهويون تابعون له، وعند الاقتضاء مندوبون محليون[9] ويعين الوسطاء الجهويين بظهير شريف ،باقتراح من الوسيط، من بين الأطر العليا التابعة للدولة أو المؤسسات العامة أو الجماعات المحلية أو القطاع الخاص، المتوفرون على مستوى عال من التكوين وتجربة مهنية في مجالات الإدارة أو القضاء، أو القانون والمشهود لهم بالكفاءة والخبرة والاستقامة والنزاهة.
ثالثا: الموارد المالية والبشرية لمؤسسة الوسيط
تعتبر مؤسسة الوسيط مؤسسة متمتعة بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي، حيث يرصد لها ميزانية خاصة يصرف عنها تسييرها وتجهيزها، كما تتوفر المؤسسة على هيكلة إدارية تتكون من كتابة عامة وشعب ووحدات إدارية وتقنية حدد تنظيمها واختصاصاتها النظام الداخلي للمؤسسة ويستعين الوسيط من أجل القيام بمهامه بموظفين وأعوان يتم توظيفهم بموجب عقود أو طلب إلحاقهم لدى المؤسسة أو طلب وضعهم رهن إشارتها، كما يستعين بخبراء ومستشارين يتولى التعاقد معهم لإنجاز دراسات أو القيام بمهام محددة[10].
يتضح مما سبق، إن المؤسسة تتبوأ مكانة متميزة في النظام المؤسساتي بالمغرب ناتج عنطريقة تعيين المسؤولين عنها والإمكانيات المتاحة لها، تجعلها في كامل الاستقلال والتجردوالاستقرار.

الفقرة الثانية: تنظيم مؤسسة الوسيط وأسلوب عملها.

لا شك أن تطور و عصرنة أي مؤسسة يقاس بدرجة تنظيمها و أدائها لوظائفها، في هذا الإطار تنفرد مؤسسة الوسيط بتنظيم هيكلي عصري يستجيب للمهام الموكولة لها، كما أن تدبير الملفات ومعالجة الشكايات يخضع لمسطرة مبسطة وتنظيم محكم في علاقة مؤسسة الوسيط بالإدارة.
أولا: التنظيم الهيكلي لمؤسسة الوسيط
طبقا للنظام الداخلي للمؤسسة، يستعين الوسيط في ممارسته لمهامه، بالإضافة إلى هيئة المشورة تتولى إبداء الرأي وتقديم الاستشارات المطلوبة وإعداد الدراسات والتقارير وإجراء الأبحاث، وديوان يتولى تتبع الشؤون التي تندر في صلاحية باقي الهياكل والسهر على اتخاذ الترتيبات المتعلقة بتظاهرات المؤسسة والخاصة بتواصل الوسيط واستقبالات وتنقلاته ،على إدارة مركزية ومندوبيات جهوية، وعند الاقتضاء مندوبيات محلية.
جدير بالإشارة إلى أن الظهير المحدث للمؤسسة وكذا نظامها الداخلي يشير أن إمكانية التعيين بظهير بإقتراح من الوسيط المندوبين خاصين لمساعدة هذا الأخير على أداء مهامه، لكن لم يتم تفعيل هذا المقتضى ولم يتم تعيين أي مندوب خاص إلى حدود الساعة.
يتعلق الأمر ب:
- المندوب الخاص بتيسير الولو إلى المعلومات الإدارية.
- المندوب الخاص بتتبع تبسيط المساطر الإدارية وولو الخدمات العمومية.
- المندوب الخاص بتتبع تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة.
وتضم الإدارة المركزية كتابة عامة وشعب مقسمة إلى مصالح يتعلق الامر بالشعب الآتية:
- شعبة الدراسات والتحليل والتتبع.
- شعبة التواصل والتعاون والتكوين.
- شعبة الموارد البشرية والشؤون الإدارية والمالية.
أما على الصعيد العضوي، فتتوفر المؤسسة على مندوبيات جهوية يرأسها وسطاء جهويون ،ويمارس الوسيط الجهوي مهامه على صعيد كافة الجماعات الترابية ومجموع المصالح الخارجية لإدارات الدولة، والمؤسسات العمومية والهيئات المتمتعة بصلاحيات السلطةالعمومية، والمنشآت والهيئات الخاضعة للمراقبة المالية للدولة الواقعة في الدائرة الترابيةللجهة المعين فيها أو عند الاقتضاء، الجهات التي تمثلها تلك الدائرة[11].
وتضم كل مندوبية جهوية الوحدات التالية:
- وحدة تلقي الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية.
- وحدة التحليل والتتبع والإحصاء.
- وحدة الدراسات والتقارير.
- وحدة تدبير المحفوظات والتوثيق[12].
ثانيا: علاقة الوسيط بالإدارة.
بما أن المعنى الأول بتدخلات مؤسسة الوسيط هي الإدارة، كان لا بد أن تكون لهذه العلاقة روابط تضمن حسن التنسيق و التواصل والتتبع. ولتحقيق ذلك نص الظهير المنظم لمؤسسة الوسيط، أنه على الإدارة تعيين مخاطبين دائمين لمؤسسة الوسيط يتولون حسب المادة 25 من الظهير مهام تعيين الدراسات والبحث في الشكايات، وتتبع القرارات والإجراءات الإدارية، وكذا دراسة اقتراحات وتوصيات وملاحظات الوسيط، كما يجب أن تحدث بين مؤسسة الوسيط والإدارة، لجان دائمة للتنسيق والتتبع تضم ممثلين عنهما.
وفي هذا السياق يمكن القول أن الظهير عمل على تحسين بنية التواصل بين الإدارة ومؤسسة الوسيط، كمعبر أساسي لضمان تحقيق تواصل فعال بين الإدارة والمواطن، ومن ثم نسجل ذلك ضمن أبرز بالمستجدات التي جاء بها ظهير الوسيط إذ أن المتمكن في الإشكالات العويصة التي واجهت مؤسسة ديوان المظالم والتي حالت دون معالجة مجموعة من الشكايات الموجهة لها، نجد التعامل السلبي للإدارة مع الشكايات المحالة عليها وعدم الإجابة عنها، أو التماطل أو التأخر غير المبرر في الإجابة كان من أبرز معيقات الفعل الوسائطي التصالحي المفروض الاطلاع به من قبل ديوان المظالم.
ولتجاوز هذه النقيصة، نصر الظهير للوسيط في المادتين 27 و 28 بوجوب إدلاء الإدارة بموقفها حيال الشكايات الموجهة ضدها، وبالحلول المقترحة داخل الأجل المحدد، كما عليها أن تتعاون مع الوسيط ومندوبية وتمدهم بالمعلومات والوثائق الضرورية.
ومنع الظهير الإمكانية القانونية للإطلاع الوزير الأول – رئيس الحكومة حاليا – بجميعحالات عدم الاستجابة من لدن الإدارة.
من جهة أخرى، وفي سبيل تجويد منظومة التواصل بين الإدارة ومؤسسة الوسيط، وفي محاولة لإيجاد حل لمجموعة من الإشكالات التي كشفت عنها حصيلة مؤسسة ديوان المظالم ،فيما يتعلق بمعضلة عدم تنفيذ الأحكام القضائية، فقد نص الظهير على توجيه توصية بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية أو إحالة الملف على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في حق الموظف المتهاون، وكل ذلك بعد إبلاغ الوزير المسؤول أو رئيس الحكومة أو رئيس الإدارة المعينة.

المبحث الثاني: دور مؤسسة الوسيط في حماية حقوق الإنسان

إن الحديث عن دور مؤسسة الوسيط في حماية حقوق الإنسان سجعلنا نتطرق إلى الأهداف التي كانت وراء تأسيس مؤسسة وسيط المملكة المغربية وكذا هيكلتها والصلاحيات المخولة لها (المطلب الأول)، وذلك قبل أن نتناول بعضا من الإكراهات التي تواجه هذه المؤسسة وهي تقوم بممارسة هذه الصلاحيات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مؤسسة الوسيط الأهداف والهيكلة والصلاحيات

مؤسسة ديوان المظالم المكلفة بتشجيع التوسط بين المواطنين من جهة والإدارات أو أي جهاز يتمتع بصلاحيات السلطة العامة من جهة أخرى لم تحقق كل ما كان مرجو منها لهذا من أجل تحسين أداء هذه الآلية الوطنية أحدث "مؤسسة الوسيط" لحل محلها.
فما هي أهدافها وهيكلتها؟ (فقرة أولى) وأين تتجلى صلاحياتها ؟ (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: أهداف وهيكلة مؤسسة الوسيط

سنتناول هذه الفقرة من خلال: أهداف مؤسسة الوسيط (أولا) ثم هيكلة مؤسسة الوسيط (ثانيا).
 أولا: أهداف مؤسسة الوسيط
جاء الظهير الشريف رقم 1[13].11.25 في مستهله لبيان الأسباب الموجبة لإحداث هذه المؤسسة، فهي تعتبر مؤسسة ووطنية مستقلة ومتخصصة مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئالعدل والإنصاف، والعمل على نشر فيتم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية[14].
كما تسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص ذاتيين أو اعتباريين مقاربة أو أجانب ،فرادى أو جماعات، من جهة أولى،وبين الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشأة والهيئات الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة من جهة ثانية[15].
ثانيا: هيكلة مؤسسة الوسيط
يساعد الوسيط الذي يعين بظهير شريف لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويختار من بين الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والكفاءة والتجرد والتشبث بسيادة القانون وبمبادئ العدل والإنصاف، مندوبون خاصون يعملون تحت سلطته، ومندوبون جهويون بالإضافة إلى مندوبين محليين عند الاقتضاء[16].
• ويتكون المندوبون الخاصون لدى الوسيط من:
- المندوب الخاص بتسيير الولو إلى المعلومات الإدارية.
- المندوب الخاص بتتبع تبسيط المساطر الإدارية وولو الخدمات العمومية.
- المندوب الخاص بتتبع تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة.
• المندوبون الجهويون:
يضطلع الوسطاء الجهويون في حدود دائر اختصاصهم الترابي بمهام تلقي الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية التي يرفعها الأشخاص الذاتيون أو الاعتباريون والقيم بأعمال البحث والتحري في الشكايات والتظلمات وإرشاد المواطنين وتوجيههم وحث الإدارة على التواصل الفعال معهم، واقتراح التدابير الكفيلة بتحسين بنية الاستقبال والاتصال الإدارية ،وكذا رفع تقارير دورية كل ثلاث أشهر إلى الوسيط حول حصيلة نشاطهم.
و في ما يخص الهيكلة الإدارية للمؤسسة، التي ترصد لها بصفتها مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة ميزانية خاصة، فهي تتوفر على هيكلة إدارية تتكون من: كتابة عامة وشعب ووحدات إدارية وتقنية يحدد تنظيمها واختصاصاتها في النظام الداخلي للمؤسسة[17].
وفي إطار العلاقة بين الوسيط والإدارة، تعين الإدارة منى أجل ضمان حسن التنسيقوالتواصل والتتبع بينها وبين نصالح مؤسسة الوسيط، مخاطبين دائمين لهذه الأخيرة من بين المسؤولين التابعين لها الذين يتمتعون بسلطة اتخاذ القرار في ما يحال عليهم من شكايات أو تظلمات من لدن المؤسسة[18].

الفقرة الثانية: صلاحيات مؤسسة الوسيط

• إختصاص النظر في جميع الحالات:
أي النظر في تصرفات الإدارة المخالفة للقانون أو المنافية لمبادئ العدل والإنصاف، وتلقي الشكايات والتظلمات الصادرة عن المتعاملين مع الإدارة، سواء أشخاص ذاتيون أو إعتباريون مغاربة أو أجانب، من جراء أي تصرف صادر عن الإدارة، سواء كان قرارا ضمنيا أو صريحا، أو عملا أو نشاطا من أنشطتها يكون مخالفا للقانون، خاصة إذا كان متسما بالتجاوز أو الشطط في استعمال السلطة، أو منافيا لمبادئ العدل والإنصاف[19].
• إختصاصات القيام بمساعي الوساطة والتوفيق:
يقوم الوسيط الذي يعد عضوا بحكم القانون في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمبادرة منه أو بناء على طلب تسوية نقدمه الإدارة أو المشتكي، بكل مساعي الوساطة والتوفيق، قصد البحث عن حلول منصفة ومتوازنة لموضوع الخلاف القائم بين الأطراف تكفل رفع الضرر الذي أصاب المشتكي من جراء تصرفات الإدارة، وذلك بالاستناد إلى ضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف[20].
• رفع تقارير:
على مؤسسة الوسيط رفع تقارير خاصة إلى رئيس الحكومة، تتضمن توصياته ومقترحاته الهادفة إلى ترسيخ قيم الشفافية والتخليق في تدبير الشأن الإداري بالمغرب، إضافة ما رفع تقريرا سنويا إلى الملك، يتضمن التقرير على وجه الخصوص جرد لعدد وتنوع الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية، وبيانا لما تم أليت فيه مها، وما قمت به المؤسسة من بحث أو قصرن والنتائج المترقبة منها لمعالجة الشكايات والتظلمات، والدفاع عن حقوق المشتكين ولما تم البت فيه منها بعدم الاختصاص أو عدم القبول أو الحفظ[21].
• العمل على تحديث وإصلاح هياكل ومساطر الإدارة:
تساهم هذه المؤسسة في تعزيز البناء الديمقراطي، من خلال العمل على تحديث وإصلاح هياكل ومساطر الإدارة، وترسيخ قيم الإدارة المواطنة، والتشبع بأخلاقيات المرفق العمومي .
كما تساهم في إحداث شيكات للتواصل الحوار بين الهيئات الوطنية والأجنبية وكذا بين الخبراء من ذوي الإسهامات الوازنة في مجال الحكامة الإدارية الجيدة من أجل الانفتاح على مستجدات العصر.
من جهة أخرى تتولى هذه المؤسسة تنظيم منتديات وطنية أو إقليمية أو دولية لإغماء الفكر والحوار حول الحكامة الجيدة، وتحديث المرافق العمومية، في نطاق سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف26.

المطلب الثاني: الإكراهات الواقعية التي تواجه مؤسسة الوسيط

تهدف الدعائم التي أرساها عاهل البلاد ترسيخا للمفهوم الجديد للسلطة إلى تغيير العلاقة القائمة بين الدولة والمواطن27، وذلك من خلال تكريس مبدأ الإدارة في خدمة المواطن التي تظل بمقتضاه الإدارة قريبة من انشغالات مرتفقيها وملبية لحاجياتهم بما يحقق النجاعة وعدم هدر الزمن الإداري، وهنا تظهر أهمية مؤسسة وسيط المملكة المغربية جلية سيما في إطار التكامل بين الدور الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان وما تقوم به المؤسسة من حماية هذه الحقوق عن طريق العلاقة القائمة بين الإدارة والمرتفقين، غير أن المؤسسة وهي تقوم بالمهام المنوطة بها في هذا المضمار لا تنفك تعرف عراقيل وإكراهات تقلل من فعاليتها من قبيل طبيعة الشكايات المقدمة إليها والتي لا تدخل ضمن اختصاصاتها (الفقرة الأولى) ،وكذا القوة الإلزامية لمقرراتها وتوصياتها تجاه المرفق العام (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: طبيعة بعض الشكايات المقدمة إلى المؤسسة

بالرجوع إلى التقارير المنجزة من طرف مؤسسة وسيط المملكة المغربية، سنجد أن من بين الإكراهات الواقعية التي تعرفها هي تقديم عدد كبير من الشكايات التي لا تدخل ضمن اختصاصاتها، وهو ما يجعل المؤسسة تبذل الكثير من الجهد في سبيل ردها على هذه الشكايات، إعمالا لسياسة التوجيه والتحسيس التي تتبناها، والتي تحاول من خلالها التعريف باختصاصاتها، والتوجيه إلى المسار الحقيقي الذي يمكن من أن يُستوعب، ويحل ما كان يعرض عليها من لدن العموم اعتقادا منهم أن الوسيط مؤهل لرفع ما يطالهم من مظلمة، في وقت لا يدركون فيه الحدود التي رسمها له المشرع28.
فقد تواردت على المؤسسة عدة شكايات ومطالب إتضح أن معالجتها لا تدخل ضمن صلاحياتها، وعلى ما دأبت عليه كمراس، إتخذت بشأنها ما كانت تقتضيه اللحظة إما بالإحاطة، أو بالإحالة، أو بالتوجيه والإرشاد، فقد بلغ عدد هذه الشكايات والمطالب 6206 مسلجة سنة 2015، في حين بلغت 5995 مسجلة سنة 292016.
ونلاحظ أنه بالرغم من هذا الانخفاض الطفيف المسجل بين السنتين المذكورتين، فإنه يطرح مسألة بالغة الأهمية تتمثل في أن فئة عريضة من المواطنين لم تستوعب بعد الدور المنوط بهذه المؤسسة والمهام التي تدخل ضمن اختصاصاتها، الشيء الذي يكبدها الكثير من الجهد والوقت في سبيل معالجة هذا النوع من الشكايات والمطالب وذلك على حساب إختصاصاتها الأصلية التي كان الأجدر أن تحظى بكامل الرعاية والاهتمام.
ومن المقررات التي وقفنا عليها في هذا الصدد، ما قضت به المؤسسة من عدم الاختصاص في إطار الملف عدد: 9822/16 بتاريخ: 26 أبريل 2016 والذي جاء فيه أن << الاختصاص الممنوح لمؤسسة وسيط المملكة للتدخل لدى الإدارة فيما له علاقة بالتنفيذ ينحصر في حالة إمتناع هذه الأخيرة عن ذلك ، وأن تدبير هذه العملية والجواب بما يفرضه القانون، متى وقعت أو إعترتها صعوبات أثرت في إجراء من إجراءات التنفيذ يجب أن يخرج النظر فيه عن ولاية مؤسسة وسيط المملكة، ليعود حسب الحالات إلى المحكمة المشرفة على التنفيذ أو التي أصدرت الحكم، على إعتبار أن المشرع أقر مسطرة خاصة للاستشكال في تنفيذ الأحكام، إعتمادا على صعوبة وقتية أو موضوعية أوللمنازعة في إجراءاته >>30.
كما أكدت في مقرر آخر على أن << الإجراءات ذات الصلة بالضبط القضائي والبحث التمهيدي، وما يترتب عنهما من آثار، تدخل في نطاق المساطر الزجرية التي تملك السلطة القضائية وحدها مراقبة مدى إحترامها للمقتضيات القانونية >>31 وبالتالي فإن الطلب المقدم بشأن هذه المسألة لا يدخل ضمن إختصاص المؤسسة.
وحسبنا أن نلاحظ هنا ما تبذله المؤسسة في سبيل الرد على هذه الشكايات، إذ بالرغم من الإنخفاض الذي أشرنا إليه سلفا، إلا أن عددها يظل مرتفعا بالنظر إلى المجهودات التي يتعين على المؤسسة القيام بشأنها، والتي تتطلب إمكانيات بشرية ومادية هامة للوفاء بالرسالة التي أحُدثت المؤسسة من أجلها32.

الفقرة الثانية: القوة الإلزامية لمقررات وسيط المملكة

تعتبر مسألة التنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام من أبرز وأهم الإشكالات التي تعرفها المؤسسة القضائية سواء تعلق الأمر برفض التنفيذ أو بالبطء فيه، وكلاهما يؤثر سلبا على ثقة المواطن بالحماية القضائية لحقوقه، مما يجعل اليأس يدب إلى نفسه بسبب ما يشعر به من ظلم يلحقه جراء تصرف الإدارة غير المشروع33، مع العلم أن الفصل 126 من الدستور المغربي لسنة 2011 قد أكد على إلزامية المقررات القضائية34.
فإذا كانت المؤسسة القضائية لا تزال تعرف هذا الإشكال بخصوص مقرراتها النهائية ،فإلى أي حد تتمتع مقررات وتوصيات مؤسسة الوسيط بالقوة الإلزامية إزاء المؤسسات العامة وهي تمارس مهامها في إطار حماية حقوق الإنسان المكفولة دستوريا وبمقتضى المواثيق الدولية ؟
الواقع أن بعض المتخصصين35 قد حاول إبراز مكامن القوة الإلزامية لهذه التوصيات والمقررات من خلا إثارة مجموعة من النقاط نجملها في يلي:
1. الإلزام الناتج عن موقع المؤسسة التي بوأها الدستور مكانة ضمن هيئات حقوق الإنسان والنهوض بها، وكذا عن طبيعة آلية الوساطة المؤسساتية التي تجعل الأطراف الذين إختاروا اللجوء إليها ملزمين بما خلصت إليها من نتائج إستنادا إلى مبدأ سلطان الإرادة في إنشاء الالتزامات؛
2. مظاهر الإلزام الواردة في بعض النصوص المرتبطة بالمؤسسة كالمواد 12،
14، و30 من الظهير المحدث لها36، والمواد 30، 75، و 81 ... من نظامها الداخلي ،وذلك من قبل بعض المصطلحات التي تفيد الإلزام؛
3. تخويل المؤسسة حق إطلاع رئيس الحكومة على حالات الامتناع عن تنفيذالتوصيات وما يمكنه ذلك من إمكانية مساءلة الوزير المكلف بالقطاع؛
4. التقارير التي تصدرها المؤسسة كالتقارير الخاصة وفقا للمادتين 31 و 32 من الظهير المحدث لها37، والتقرير السنوي كما نصت على ذلك المادة 37 من نفس الظهير38؛
وتظل هذه النقاط في نظرنا المتواضع قاصرة على تحقيق الفعالية المنشودة في الأدوار المسندة إلى مؤسسة الوسيط في إطار حمايتها لحقوق الإنسان المرتبطة أساسا بالمرافق العمومية، فحتى الآلية المتعلقة بصلاحية مؤسسة الوسيط إطلاع رئيس الحكومة على حالات الامتناع يضع أمامنا ثغرة مهمة تتجلى في محدوديتها تجاه الجماعات الترابية بالنظر إلى مبدأ المادة 14: " إذا تأكد الوسيط، بعد البحث والتحري في الشكايات والتظلمات المعروضة عليه، من صحة الوقائع الواردة فيها ،وحقيقة وجود الضرر اللاحق بالمشتكي أو المتظلم، قدم نتائج تحرياته إلى الإدارة المعنية، بكل تجرد واستقلال، استنادا إلى سيادة القانون ومبادئ العدالة والإنصاف.
ولهذه الغاية، يمكنه توجيه توصياته واقتراحاته وملاحظاته إلى الإدارة المعنية، التي يتعين عليها داخل أجل ثلاثين) 30( يوما، قابلة للتمديد لمدة إضافية يحددها، القيام بالإجراءات اللازمة للنظر في القضايا المحالة عليها، وأن تخبره كتابة بالقرارات أو الإجراءات التي اتخذتها بشأن توصياته واقتراحاته."
المادة 30 :'' يطلع الوسيط، بكيفية منتظمة، الوزير الأول بجميع حالات امتناع الإدارة عن الاستجابة لتوصياته، مرفقة بملاحظاته في شأن موقفها والإجراءات التي يقترح اتخاذها."
37 جاء في المادة 31: " يتعين أن يكون موضوع تقرير خاص، يرفع إلى الوزير الأول، بعد إبلاغ الوزير المسؤول أو رئيس الإدارة المعينة، قصد اتخاذ الجزاءات اللازمة والتدابير الضرورية، كل سلوك من قبل الإدارة من شأنه أن يحول دون قيام الوسيط أو مندوبيه الخاصين أو الوسطاء الجهويين بمهامهم، ولاسيما الأعمال التالية:
كل عرقلة للأبحاث والتحريات التي يقوم بها الوسيط أو مندوبوه الخاصون أو الوسطاء الجهويون، أو كل اعتراض على القيام بها من لدن مسؤول أو موظف أو شخص يعمل في خدمة الإدارة بأي شكل من الأشكال؛
كل تهاون عن قصد صادر عن مسؤول بالإدارة في الجواب عن مضمون الشكاية الموجهة إليه، أو الملاحظات أو التوصيات أو المقترحات المتعلقة بها؛
كل تهاون عن قصد صادر عن مسؤول بالإدارة في تقديم الدعم اللازم للقيام بالأبحاث أو التحريات التي تعتزم مؤسسة الوسيط القيام بها، أوالامتناع عن التعاون معها، أو عدم مدها بالوثائق والمعلومات المطلوبة، مع مراعات أحكام المادة 28 أعلاه." المادة 32: "
38 تنص المادة 37 على ما يلي: " يرفع الوسيط لجلالتنا تقريرا سنويا عن حصيلة نشاط المؤسسة وآفاق عملها. ويتضمن التقرير على وجه الخصوص، جردا لعدد ونوع الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية، وبيانا لما تم البت فيه منها، وما قامت به المؤسسة من بحث أو تحر، والنتائج المترتبة عنهما لمعالجة الشكايات والتظلمات، والدفاع عن حقوق المشتكين، ولما تم البت فيه منها بعدم الاختصاص أو عدم القبول أو الحفظ.
كما يتضمن هذا التقرير بيانا لأوجه الاختلالات والثغرات التي تشوب علاقة الإدارة بالمواطنين، وتوصيات الوسيط ومقترحاته حول التدابير التي يتعين اتخاذها لتحسين بنية الاستقبال، وتبسيط المساطر الإدارية، وتحسين سير أجهزة الإدارة، وكذا لترسيخ قيم الشفافية والحكامة وتخليق المرافق العمومية وتصحيح الاختلالات التي تعاني منها، وإصلاح ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمهام الإدارة، ومحاور برنامج عمل المؤسسة على المدى القصير والمتوسط، وموجزا عن وضعية تدبيرها المالي والإداري.
ينشر هذا التقرير بالجريدة الرسمية ويتم تعميمه على نطاق واسع، بعد اطلاع جلالتنا عليه."
إستقلالها عن الدولة التي لا يمكن أن تمارس تجاهها سوى المراقبة الإدارية في حدود ما يسمح به القانون.
ونجد أن أقصى ما يمكن أن تلجأ إليه المؤسسة هو تفعيل مقتضيات المادتين 32 من الظهير المحدث لها39، و80 من نظامها الداخلي والمتعلقتان بحالة الامتناع غير المبرر فيما يتعلق بالمقررات القضائية النهائية بتوجيه توصية إلى رئيس الإدارة بتحريك المتابعة التأديبية في حق المسؤول عن الامتناع عن التنفيذ، إو بإحالة الملف على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها قانونا.
غير أن هذه الآلية، وبالرغم من أهميتها القصوى، تظل هي الأخرى مجرد توصية ،تجعلنا دوما في خضم التساؤل حول مدى إلزاميتها على غرار باقي التوصيات والقرارات الأخرى.

خاتمة
لا نقاش في كون استحداث مؤسسة الوسيط خطوة محسوبة للمشرع المغربي وآلية أبانت عن فعاليتها في حماية حقوق المواطنين إزاء تسلط الادارة وترسيخ مبادئ الحكامة الادارية ومظهر من مظاهر الديمقراطية،لكن يبقى التطبيق والتجربة العلمية هي الكفيلة بالاجابة عن مجموعة الأسئلة المطروحة حاليا،والتي ستطرح مستقبلا،والمتمحورة في مجملها حول مدى قدرة الإصلاحات الجديدة التي اعترت مؤسسة الوسيط ،على تجاوز إكراهات التجربة السابقة لديوان المظالم،خاصة فيما يرتبط بلب عملها المؤسس على ضرورة التخفيف من الأزمة القائمة في العلاقة بين الإدارة والمواطن، وفي ملخص القول نقف عند استنتاجات وإقتراحات خلصنا لها من خلال تعاطينا مع الموضوع
____________________________
الهوامش :
[1] مبادئ باريس كآلية مرجعية لسنة 1993، الندوة الثالثة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في المنطقة
[2] المادة الاولى من الظهير شريف رقم 1.11.25 صادر في 12 من ربيع الآخر 1432)17 مارس 2011( بإحداث مؤسسة الوسيط.
[3] الفصل 6 ، الفقرة 1( القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الامة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له).
[4] الفصل 162 من الدستور المغربي لسنة 2011.
[5] - المادة الرابع من النظام الداخلي لمؤسسة الوسيط.
[6] - المادة الثانية من الظهير المحدث للمؤسسة.
[7] - كما هو الأمر بالنسبة للمدافع عن الشعب الاسباني.
[8] - كما هو الحال بالنسبة للوسيط الفرنسي.
[9] - المادة التاسعة من النظام الداخلي لمؤسسة الوسيط
[10] - المادة 48 من الظهير المحدث للمؤسسة.
[11] - مرجع سابق، ص 14، 15، 16.
[12] - المادة 50 من الناظم الداخلي لمؤسسة الوسيط يحدد تنظيم واختصاص الوحدات التي تضمنها المندوبيات الجهوية للمؤسسة الجهوية بقرارات الوسيط.
[13] - صدر الظهير القاضي بإحداث مؤسسة الوسيط بتاريخ 17 مارس 2011 (منشور في الجريدة الرسمية العدد 5926 الصادر في 17 مارس.)2011
[14] - أي دور لمؤسسة الوسيط: منشور على الموقع http//m.nador24.com وقت الدخول 2018/12/2 الساعة 23.18.
[15] - محمد البزاز، حقوق الإنسان والحريات العامة، مكناس، سنة 2016/2014، ص313.
[16] - مغرس، صدور الظهير الشريف المحدث ل "مؤسسة الوسيط" في الجريدة الرسمية، على الموقع www.maghriss.com وقت الدخول 2018/12/2 على الساعة 23.30.
[17] - محمد البزاز، حقوق الإنسان والحريات العامة، مكناس، سنة 2016/2014، ص 317 و 318.
[18] - مغرس، صدور الظهير الشريف المحدث ل "مؤسسة الوسيط" في الجريدة الرسمية، مرجع سابق.
[19] - إختصاصات جديدة لوسيط المملكة لمواجهة تجاوزات الإدارة، نشر على الرابط www.medias24.com الدخول 2018/12/3 على الساعة 21.57.
[20] - محمد البزاز، مرجع سابق، ص 314.
[21] - إختصاصات جديدة لوسيط المملكة لمواجهة تجاوزات الإدارة، نشر على الرابط www.medias24.com الدخول 2018/12/3 على الساعة 21.57.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -