الدفع بعدم القبول

عرض بعنوان: الدفع بعدم القبول - الدفع بحجية الأمر المقضي به - الدفع بالتقادم PDF

الدفع بعدم القبول PDF

تعريف :
 يعرف الفقه التقادم بأنه سبيل للتخلص من الإلتزام بانصرام المدة مما حذا بالتشريعات ومنها التشريع المغربي إلى تنظيمه في الباب المتعلق بانقضاء الالتزامات .
ويعتبر بعض الفقه من الدفوع الموضوعية (الدفع بالتقادم) وإن كانت بعض التشريعات قد نصت صراحة على أن الدفع بالتقادم دفع موضوعي كالمشرع المصري القانون المدني المادة 378 منه .
وهو ما يعني إمكانية التمسك بالتقادم في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو أمام محكمة الدرجة الثانية. بل وتعتبر مطروحا حتى أمام محكمة الدرجة الثانية ولو لم يثيره المعني بالأمر طالما أنه سبق إثارته أمام محكمة الدرجة الأولى .
إن التوجه السائد من خلال مواقف الفقه والقضاء يسير في اتجاه اعتبار الدفع بالتقادم فعلا موضوعيا، في حين ذهب اتجاه آخر إلى اعتبار غير ذلك (غير موضوعي) معتمدين على بعض الأسباب والعلل منها :
إن القول بأن التقادم قرينة على الوفاء يستلزم من تحققت له شروط هذا الدفع أن يستهل بها دفوعاته قبل أن يناقش موضوع الدعوى مثلا فلا معنى أن يلتمس صاحب المصلحة (المدعى عليه) إجراء خبرة، أو يدعي وفاء جزئي لم يأتي بعد ذلك ليثير الوقع الدفع بالتقادم، فالمنطق القانوني غير سليم ومساغ في مثل هذه الحالة ومن ثم يبقى الرأيالقائل بلزومته إثارة هذا الدفع قبل كل دفع أو دفاع يرجح فقه المنطق على فقه القانون.[1]
وأن هناك استنتاج ضمني مؤاده أن المتقاضي الذي يناقش جوهر الحق دون أن يثير الدفع بالتقادم يعتبر تنازلا عن إثارة هذا الدفع .
والقضاء المقارن حتى الذي يعتبر الدفع بالتقادم موضوعيا يتيح إمكانية استنتاج التنازل الضمني عن التمسك به .
إن ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن المجلس الأعلى عندما اعتبر الدفع بالتقادم من قبل الدفوع بعدم القبول وألزم إثارته قبل كل دفع أو دفاع يكون قد راعى جانبا قانونيا يؤيده المنطق السليم وهو أن من يدعي تقادم الدعوى وسقوط حق الدائن لا يجب عليه مطلق أن يناقش موضوع الدعوى قبل ذلك . 

المبحث الأول : الدفع بالتقادم، طبيعته وخصائصه


المطلب الأول : طبيعة الدفع بالتقادم ومضمونه 


+ طبيعة الدفع بعدم القبول :
لقد ذهب الفقه المدني إلى أن من الدفوع ما لا يرد على أصل الحق وإنما ينازع به في حق المدعي في رفع دعواه ويسمى دفعا بعدم القبول كالدفع بالتقادم والدفع بسبقية البت ،وتعد هذه الدفوع نوعا وسطا بين الدفوع الشكلية والدفوع الموضوعية .
من حيث أوجه التشابه فإن الدفوع الشكلية :
هي أنها لا يقصد بها المناقشة أو المنازعة في موضوع الحق .
وتختلف عن هذه الأخيرة (أي الدفوع الشكلية) في كونها لا تتعلق بإجراءات التقاضي وإنما يحق رفع الدعوى وتوافر شروطها الموضوعية .
وأن الحكم بعدم قبول الدعوى يمنع تجديدها فيكون حاسما لموضوع النزاع شأنه فيذلك شأن الحكم برفض الدعوى . 

المطلب الثاني : الدفع بالتقادم وأهم خصائصه 

التقادم لا يعتبر فحسب سببا لانقضاء الالتزام بل يؤدي إلى كسب الحق أو الملكية ومن هنا فإن التقادم نوعان تقادم مسقط وتقادم مكسب، فالتقادم المسقط يستتبع سقوط الالتزام نتيجة تقاعس الدائن عن مساءلة المدين بتنفيذ التزامه لمدة محددة قانونا فهو في الغالب يطال الحقوق الشخصية .
+ أساس مشروعية التقادم :
أولا: إن التزام المدين بالاحتفاظ بسند الوفاء وكذا خلفاؤه من بعد موته إلى أجل غير مسمى وإلى ما لا نهاية يشكل عبئا لا يطاق، ولذا اقتضت الضرورة تحديد مدة للدائن تختلف حسب نوع الدين أو الالتزام، فإذا انصرمت دون أن يعلن عن مطالبة مدينه بالوفاء يصبح من حق هذا الأخير بعد فوات المدة مواجهة دعوى الدائن بالتقادم دون حاجة إلى إثبات الوفاء .
ثانيا: أن تراخي الدائن عن مطالبة المدين لاستيفاء حقوقه طوال مدةالتقادم يقوم قرينة على الأداء وأن الدائن المتراخي يتحمل تبعة تقصيره .
ثالثا: إن إقرار التقادم تمليه ضرورة اجتماعية تقتضي الحفاظ على استقرار الأوضاع التي مضى عليها ردح من الزمن .
+ خصائص التقادم المسقط :
وإن كان يعد من أسباب انقضاء الالتزام فإنه لا يسوغ للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها إذ يتوقف الأمر على ضرورة إثارته من طرف ذي مصلحة وذلك احتراما للفصل 372 ق ل ع الذي ينص على أن التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون بل لابد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به .
لا يمكن إثارته لأول مرة أمام المجلس الأعلى وإن كان جائزا إثارته في كافة مراحل التقاضي دون المجلس الأعلى.[2]
إن كان المشرع ق ل ع قد أورد التقادم في عداد القرائن القانونية ونص في الفصل 453 على أنه لا يقبل أي إثبات يخالف القرينة القانونية فإن هذه المقتضيات غير واردة على إطلاقها بخصوص التقادم بل يأتي إثبات عكس قرينة الوفاء بإقرار المدين أو باليمين بعد النكول .
وعليه يحق للأشخاص الذين يحتج ضدهم بالتقادم المنصوص عليه في الفصلين 388 و389 ق ل ع أن يوجهوا اليمين للأشخاص الذين يتمسكون به ليقسموا فعلا أنهم أدوا الالتزام فعلا كما يسوغ توجيه اليمين إلى الورثة .
ويستنتج من الفصلين أعلاه أن هذا النوع من التقادم يقوم على قرينة الوفاء. وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى في مجموعة من قراراته .
قضى المجلس الأعلى بأن التقادم الصرفي – تقادم الكمبيالة – مبني على قرينةالوفاء وأن المسحوب عليه بادعائه الوفاء الجزئي قد اعترف صراحة بعدم الوفاء مما يمنعهمن الدفع بتقادم الدعوى (قرار رقم 3379 تاريخ 7/12/88 ملف مدني 3818).
كما أن الالتزام الذي يطاله التقادم إذا كان لا يمكن المطالبة به قضاءا فإنه يظل رغم ذلك التزاما طبيعيا في ذمة المدين. فإذا ما قام بتنفيذه عن طواعية لا يجوز له بعدئذ أن يطالب الدائن استرداده بدعوى أنه بمثابة دفع غير مستحق .
أما التقادم المكسب فيعد مصدرا لاكتساب الحق الذي تهاون صاحبه طوال مدة معينة .
غير أن ما تجدر الإشارة إليه أن الشريعة لا تعرف التقادم المكسب بمدلوله في القوانين المعاصرة عملا بالحديث المأثور : لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم .

المبحث الثاني : الدفع بحجية الأمر المقضي 

تكتسي فكرة حجية الأمر المقضي أهمية بالغة وموضوعا ما فتئ يستأثر باهتمام الباحثين في المجالين الحقوقي والقانوني. وهي فكرة عرفت في وقت مبكر، ففي القانون الروماني نشأت في أولى مراحله نشأة دينية وثنية دالة على عدم إغضاب الآلهة/الأصنام /القضاة إلى أن تخلصت من صبغتها الدينية وعرفت تطورا ملحوظا، لكنها بقيت عبر العصور وحتى الآن "مشكال" القانون، على اعتبار أن "الحجية" من القواعد الإجرائية التي تثير خلافا واسعا لم ينحصر في تطبيقاتها وإنما امتد إلى تأصيلها وأساسياتها النظرية ،فضلا عن اكتسائها بغموض مفاهيمي، بحيث أن أي كاتب فيها، ينشئ نسقا تفسيريا خاصا به، مما يثير صعوبة في متناولها. إلا أنه بإمكاننا استخلاص خط عام وواضح ومجمع عليه مفاده : أن الطلب القضائي المقضي في موضوعه، لا يجوز رفعه أو الفصل "ذاته" مجددا . فلو تصورنا منظومة قانونية تبيح لأحد طرفي طلب قضائي سبق الفصل فيموضوعه، إمكانية العودة إلى رفع نفس الطلب عودا مكررا ومتسلسلا إلى غاية أن يصادقمضمون حكم يصدر لصالحه[3] فيقوم خصمه بالمحاولة ذاتها... وهكذا أكيد أنه سيلازم ذلك تسلسلا لامتناهي للمنازعات وغزارة في الأحكام القضائية مع تعذر تنفيذها وبالتالي شل النشاط القضائي عن تحقيق غايته وعرقلة تطبيق القانون يتم بإجراء بسيط يقوم به أي شخص وهو رفع طلب قضائي ولو كان مجردا عن أي إثبات .
وقد لحق فكرة حجية الأمر المقضي تاريخيا، تطورا هاما وازاه اختلافا واسعا في تحديد واضح لمفهومها وتطور في طرق الطعن في الأحكام القضائية وكذا في تصنيف هذه الأخيرة، مما ترتب عنه خلط في المصطلح مع باقي المفاهيم المشابهة لها، الأمر الذي دفعنا إلى إيراد معنى واضح ودقيق للفكرة مع إبراز أهم الأدوار المنوطة بها (مطلب أول) على أن نتطرق لمسألة حجية الأمر المقضي وعدم قابليتها للطعن (مطلب ثان) .

المطلب الأول : تحديد فكرة حجية الأمر المقضي . 

إن وضع تعريف شامل لجميع المراد من حجية الأمر المقضي، يبقى مسألة ليست بالهين وأمرا تمردا عن إجماع الآراء بشأنها، اعتبارا لكون أن المعرفين يسيطر على أذهانهم إبراز أساس الفكرة أو طبيعتها بدلا عن إيضاح الدور الذي تترجمه في الحياة العملية والذي ما وجدت إلا لأدائه .
وتأسيسا على ما سبق، يمكن أن نسوق عينة من التعريفات وفقا للتصنيف الآتي :
أولا : تعريف حجية الأمر المقضي انطلاقا من طبيعتها .
باستقرائنا لنصوص القانون المدني الفرنسي (الفصل 1350/30) يتبن أنه اكتفى بإيراد تحت باب القرائن القانونية Présomptions établies par la loi : "الحجية "التي يسندها القانون إلى الأمر المقضي L’autorité que la loi attribue à la chose jugée من غير ذكره تعريفا لهذه الحجية" وترك أمر ذلك لبعض الفقه الذي يصاغ تعريفا مبناه : " أننا نطلق حجية الأمر المقضي على قرينة قاطعة دالة على الحقيقة، بموجبها تكون الوقائع المتحققة والحقوق المؤكدة، بمنأى عن أية منازعة مجددة، سواء أمام المحكمة التيأصدرت الحكم أو أمام قضاء آخر.[4]
يبدو أن هذا التعريف يرتكن إلى تأسيس فني مفاده أن المشرع يفرض أو يفترض بما
لا يقبل العكس[5] أن الحكم القضائي بالضمانات المحيطة بإصداره يعبر على الحقيقة التي لا تقبل الجدل، بل هو الحقيقة الواقعية ذاتها، وهكذا تكون "الحجية" قرينة قاطعة على أن الأمر المقضي (الحقيقة القضائية) هو ذات واقع ونفس الأمر (الحقيقة الواقعية)، وبما أن القرينة وسيلة إثبات، فإن الحجية، وفق هذا التصور لا يسعها إلا أن تأخذ منها هذه الطبيعة .وبذلك يكون الفقه الفرنسي الكلاسيكي حاول إقامة تفرقة بين القرينة القانونية القاطعة المرتبطة بالنظام العام ومنها حجية الأمر المقضي التي لا تقبل أي دليل يخالفها وبين القرينة التي تتعلق بالمصالح الخاصة للأفراد والتي تقبل ذلك. كما عرف المشرع اللبناني في مادته 444 من أصول المرافعات المدنية اللبنانية فكرة حجية الأمر المقضي بما يلي : " الحيلولة دون تجديد المناقشة في الفقرة الحكمية من القرار القضائي..." وكثير من الفقه يعرف "الحجية" ببساطة ووضوح بارزين بأنها : " استحالة أو منع معاودة بحث المسألة التي بث فيها القضاء" وأن الأمر المدعى لا يكون مقضيا إلا مرة واحدة"[6]. هكذا إذن، يتضح لنا الخط العام الجامع للفكرة، ويبقى أن نلتمس كيف يرتسم عمليا .
ثانيا : تحديد حجية الأمر المقضي انطلاقا من وظيفتها .
إن النقطة التي يصل إليها الجميع وإن لم ينطلق منها، أن حجية الأمر المقضي ليست فكرة تراد لذاتها وإنما باعتبارها ذات مبتغى يتمثل في كونها وظيفة ووسيلة إجرائية أصدرت لتحقيق غاية محددة وهي : تفادي مفسدة تنال من هيبة القضاء وعدم إمكانية قبول التجديد اللامتناهي للمنازعات وتسلسلها وما يترتب على ذلك من تناقض في الأحكام القضائية. هذه الفلسفة البسيطة والسند الوظيفي تقتضي ضبط الروابط الاجتماعية وخاصةالمتنازع فيها والحيلولة دون بحث طلب قضائي مجدد بعد الفصل في موضوعه.[7]
إذن، فقاعدة "الحجية" لا تستمد وجودها من برهنة منطقية وإنما من ضرورتها
العملية المتمثلة في الاستجابة للدواعي الاجتماعية الآمرة وفي إعطائها للحكم قيمته الكاملة حتى يساهم في أمن واستقرار المعاملات داخل المجتمع، وهي الغاية التي تبرر حجية الأمر المقضي والوظيفة التي تنهض بها عبر الاعتراف لها بأدوار عملية تروم امتناع قبول طلب قضائي بعد الفصل في نظير له (الدور المانع) والتسليم بنتيجة هذا الفصل في أي تطلب آخر يقوم بين نفس الأطراف
(الدور المقيد) ولو كان الحكم الفاصل معيبا (الدور التحصيني) .
وتجدر الإشارة إلى أن تحديد مجال تطبيق "الحجية" في جميع صورها والمتعلقة بحكم قضائي كوعاء للأمر المقضي يتطلب قيام حكم ينبغي أن يكون :
+ ذا طبيعة قضائية بحتة يتولى تقرير وجود أو عدم وجود حق أو مركز قانوني أو بفض المنازعة بشأنه .
+ قطعيا يكشف عن جزم المحكمة بإبداء رأي محدد في شأن موضوع الطلب القضائي أو إجراءات الخصومة .
+ موضوعيا يجيب بتأييد محتوى الإدعاء أو برفضه كليا أو جزئيا وذلك استبعادا للأحكام الوسيلية الصادرة قبل الفصل في الموضوعles jugements avant dire droit ولو كانت منهية للخصومة. كما أنه ينبغي للتمسك بالأدوار الثلاث للفكرة يجب أن يكون بين الطلب المرفوع مجددا والطلب المقضي فيه اتحاد في عناصرهما الثلاث )اتحاد الموضوع، اتحاد
السبب، واتحاد الأطراف( بحيث أنه بتوفر هذا الاتحاد الثلاثي يتم وضع عائق إجرائي يصطلح عليه بالدفع بالأمر المقضي ويسميه القضاء المغربي أحيانا "الدفع بسبقية الحكم في الموضوع" يحول دون فحص القاضي للطلب القضائي ومن ثم دون التصدي لموضوعه والحكم فيه مجددا، وهو ما يعني معه أن الخصم لا يمكنه أن يعيد مسألة صحة الإجراءات التي صدر وفقهاالحكم السابق الصدور، لأنها قرينة على الصحة . 
بقي أن نشير في الأخير، إلى أن الجامع المشترك للحجية في أدوارها هو أنها نسبيةفلا يضار أو يستفيد من الأمر المقضي إلا أطرافه، كما أن المحكوم له أو عليه سواء.1 

المطلب الثاني : حجية الأمر المقضي وعدم القابلية للطعن 

إن الحكم القضائي يصدر عن قاض غير معصوم من الخطأ والسهو وبين خصوم قد يعجزون عن إثبات ادعاءاتهم. ولإشباع غزيرة العدالة في أنفس هؤلاء، أتاح لهم القانون وسيلة اختيارية2 للحصول على فحص جديد لقضيتهم أي طرق الطعن في الحكم، وحتى تقف المنازعات عند نهاية حتمية تم حد هذه الطرق بحصر زمني ونوعي، بحيث تتدرج مع استنادها حصانة الحكم من الطعن .
وفي هذا الصدد، ميز الفقه المقارن بين طرق الطعن العادية التي إذا تحصن معها الحكم وصف بأنه حائز لقوة الشيء المقضي به وطرق الطعن غير العادية التي إذا تحصن معها الحكم وصف بأنه بات، هاتان الدرجتان ينبغي ألا تختلطا بفكرة الحجية وألا تعدا شرطا لاكتمالها .
فقد ساد عند بعض الفقه والتشريع والقضاء بعض خلط فيما بين حجية الأمرالمقضي وقوة الأمر المقضي وفيما بين الحجية والبتية .
أولا : عرض الخلط بين الحجية والقوة .
1 – يقول بعض الفقه : حينما يسلك طريق طعن عادي، فإن حجية الأمر المقضي تكون معلقة أو أنها تكون قائمة لكنها تتوقف على شرط واقف هو تأييد الحكم المطعون فيه أو إنها لا توجد أصلا طالما كان الحكم قابلا للطعن فيه بطرق الطعن العادية[8].
2 – بعض التشريعات العربية لا تميز على مستوى الإصلاح بين الحجية و"القوة "
(النص العربي للفصل 451 ق.ل.ع، الفصل 338 قانون مدني جزائري) والمشرع المصري تجاوز ذلك إلى المفهوم، حيث اشترطت م 405 الملغاة من القانون المدني المصري، لكي يجوز الحكم حجية الأمر المقضي أن يكون حائزا لقوة الأمر المقضي .
3 – أما القضاء، فنستطيع أن نرصد شيوع استخدام المجلس الأعلى المغربي مثلا لاصطلاح قوة الأمر المقضي أو حجية الأمر المقضي كمترادفين للدلالة على "الحجية" وهو ما يلاحظ حتى داخل صياغة القرار الواحد .[9]
ثانيا : عرض الخلط بين حجية الأمر المقضي والبتية .
قد ساد عند بعض الفقه[10] الذي يرى بأن حجية الأمر المقضي لا تكتسب كامل فاعليتها بشكل فوري وفي حيز زمني واحد، بل تتدرج ولا تكتمل إلا ابتداء من اللحظة التي يتحصن فيها الحكم من أي طريق طعن عادي كان أم غير عادي. وخلال ممارسة هذه الطعون تمر "الحجية" بمرحلة انتقالية تكون خلالها مؤقتة أو معلقة ولا تستقر إلا بصيرورة الحكم باتا بمعنى آخر حسب هذا الرأي، أن حجية الأمر المقضي لا توجد طالما لم يصل الحكم إلى درجة "البتية ."
إن الربط بين الحجية والبتية مجرد خلط تسرب من قانون الإجراءات الرومانيةالكنسية والتي كانت تصف البتية بأنها الدرجة العليا التي يصل إليها الحكم وأنها صفة في الحكم القضائي ذاته، أما الحجية فهي صفة في المحتوى الداخلي لهذا الحكم. وبناء على ذلك فإن البتية يتحدد مجال إعمالها داخل الخصومة التي صدر أثناءها الحكم وتمنع الاستمرار فيها بأي طعن، أما الحجية فتجد موقع إعمالها خارج الخصومة .
في القانون المغربي وعلى غرار قوانين عديدة، يظل الحكم الذي لا يقبل الطعن بالتعرض والاستئناف معرضا للطعن بإعادة النظر، بحيث لا يبدأ ميعاده في حالات محددة إلا من يوم الاعتراف بعيب معين في الحكم أو اكتشاف مستندات جديدة، كما قد يتم بعد زمن طويل. وإذا ما سلمنا بالتصور الذي يربط وجود حجية الأمر المقضي بتية الحكم لافتقدنا هذه الحجية في معظم الأحكام القضائية أي التي لم يطعن فيها بإعادة النظر ولو كانت صادرة عن المجلس الأعلى .
أمام هذه العوائق النظرية والتطبيقية لم يكن أمام الفقه لإزالتها إلا الاعتراف بحجية الأمر المقضي بغض النظر عن قابلية الحكم للطعن فيه واعتماد قاعدة :
" ثبوت الحجية للحكم الموضوعي بمجرد صدوره " وهو ما تم الحسم فيه على أن للحكم بمجرد النطق به، حجية الأمر المقضي بخصوص المنازعة التي حسم فيها، وبالتالي أمكننا القول بأن الحجية لا تتوقف عن البتية .
____________________________
الهوامش:
[1] - رشيد مشقاقة، الدفع بالتقادم هل دفع بعدم القبول أو بالرفض، مجلة الإشعاع عدد 18 ص 265.
[2] - مجلة المحاكم المغربية عدد 27 ص 49.
[3] - أحمد ماهر زغلول : " أعمال القاضي التي تحوز حجية الأمر المقضي وضوابط حجيتها" القاهرة : دار النهضة العربية ،1990 ص 18.
[4] - Garsonnet et César : Traité théorique et pratique de procédure civile et comm.3ème éd.
[5] - فيس عبد الستار : القرائن القضائية ودورها في الإثبات. ط 1 )بغداد، مطبعة شفيق 1975 ص 55.
[6] - Boudahrain : Manuel de Procédure civile (casablanca) 1986. P 176, N° 480.
[7] - جاء في قرار للمجلس الأعلى : "... تكون المحكمة قد خالفت القاعدة العامة التي تمنع قرار حكمي في موضوع واحد وبين نفس الأطراف" حكم عدد : 11 )8 دجنبر 1969( الغرفة الاجتماعية، مجلة القضاء والقانون، عدد 107-108 ص 294.
[8] - Glasson. Note. Recueil DALLOZ 1893. I 25.
[9] - قرار عدد 49 )3 دجنبر 1969( مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 16 ، 1970 ، ص 13.
[10] - Roland. Op.cit , P 85-86.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -