المسؤولية الإدارية -مرفق الصحة-

مقال بعنوان: المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة 

المسؤولية الإدارية -مرفق الصحة-
مقدمة
المسؤولية بوجه عام هي الحالة التي يرتكب فيها شخص أمرا يستوجب المؤاخذة عليه، ونقصد بمسؤولية المرفق الصحي العمومي مسؤوليته عن الأعمال والأنشطة التي يؤديها المرفق عن طريق الأطباء وأعوانهم وغيرهم من الموظفين والمستخدمين التابعين له، والتي تسبب أضرارا للمرضى المنتفعين من الأعمال الطبية والعلاجية وغيرها مما يقدمه المرفق الصحي.
وليس هناك نص خاص في القانون المغربي بخصوصي مسؤولية مرافق الصحة، وإنما هناك فقط نصوص عامة تطبق على المرفق الصحي العمومي كما تطبق على غيره من المرافق العامة الأخرى منها ما يتعلق بالجوهر: وهما الفصلان 79 و80 من ق.ل.ع ومنها ما يتعلق بالاختصاص: كالمادة 8 من قانون المحاكم الإدارية. على عكس النظام الفرنسي التي يتوفر على مدونة خاصة بالمرفق الصحي ونظرا لتزايد الأخطاء الطبية وتكاثرها إما لعدم إكتراث بعض الأطباء أو مساعديهم أو جهلهم بأصول المهنة، وقواعدها العلمية وإما للغموض الذي يحيط بطبيعة العمل الطبي وتقنياته، أصبح موضوع المسؤولية الإدارية عن المرفق الطبي من المواضيع الجديرة بالبحث والدراسة، ويطرح بصدده عدة إشكاليات منها ما يطرحه الواقع العملي لمهنة الطب وتتمثل في صعوبة تميز الخطأ الشخصي للطبيب عن الخطأ المرفقي لارتباط وظيفة هذا الأخير بعمل الطبيب، ولعل أبرز إشكالية يمكن معالجتها في هذا الموضوع هي على أي أساس يمكن معه تحميل المرفق الصحي مسؤولية الأضرار الناتجة عن الأعمال الطبية، وكيف تعامل القضاء الإداري المغربي مع هذا النوع من المسؤولية، على ضوء النصوص القانونية المنظمة لذلك؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سنعتمد على التصميم التالي:
سوف نعالج في المبحث الأول طبيعة العمل الطبي في مرفق الصحة العمومي ونعالج في المبحث الثاني أساس المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة.


المبحث الأول : طبيعة العمل الطبي في مرفق الصحة العمومي 

لمناقشة هذا المبحث ارتأينا تقسيمه إلى مطلبين يتعلق الأول بالخدمات الطبية و شبه الطبية لمرفق الصحة، على أساس التطرق في المطلب الثاني لمناقشة طبيعة الالتزام الطبيب. 

المطلب الأول: الخدمات الطبية و شبه الطبية لمرفق الصحة 

لقد اختلفت الاجتهادات الفقهية و القضائية حول مفهوم العمل الطبي، وذلك لما يعرفه هذا الأخير من تقدم مستمر، حيث لا يوجد في التشريعات و القوانين الوضعية تعريفا مدققا للعمل الطبي، غير أن بعض التشريعات تلجأ لتحديد مفهوم العمل الطبي إلى سرد بعض الأعمال التي يقوم بها الطبيب.
ففي فرنسا مثلا نجد مفهوم العمل الطبي عرفا تطورا في القانون و القضاء حيث اقتصر في البداية على العلاج و التشخيص قبل أن يشمل كذلك الفحص و التحاليل الطبية.
ويعرفه بعض الفقه العمل الطبي بأنه: "العمل الذي ينطوي تحته كل عمل يباشر على جسم الإنسان أو نفسه برضائه، و يقوم به من رخص له القانون بمباشرته وفقا للأصول العلمية و الفنية الثابتة، و المستقرة في علم الطب، بقصد الكشف عن المرض و تشخيصه، و علاجه لتحقيق الشفاء منه، أو تخفيف الام المرضى أو الحد منها أو منع الأمراض، ويهدف إلى المحافظة على صحة الأفراد أو تحقيق مصلحة اجتماعية ..."[1]

ونجد مجلس الدولة الفرنسي قد عرف الأعمال الطبية التي يسأل عنها الطبيب، بأنها الأعمال التي لا يمكن أن تنفذ إلا بواسطة الطبيب أو جراح أو احد معاونيهما، شرط أن يقوم بذلك تحت مسؤولية الطبيب و مراقبته المباشرة و في الظروف التي تسمح له بمراقبة التنفيذ أو التدخل في الوقت المناسب.
وتجدر الإشارة أن العمل الطبي يجب أن يكون بناء على رضاء المريض، و بترخيص من القانون مع ضرورة التقيد بالضوابط العلمية والتقنية المعمول بها في مهنة الطب حتى يمكن الحديث عن خطأ طبي، كما أن العمل الطبي يصدر عن الطبيب أثناء مزاولته لمهنته و يكون لصيقا بها، و لا يمكن صدوره من غير الطبيب.
والعمل الطبي لم يعد قاصرا على التشخيص و العلاج والفحص، بل تجاوز ذلك إلى الوقاية من الأمراض الخطيرة التي تهدد سلامة الإنسان عن طريق التلقيح و أصبح يمر بمراحل متعددة يرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا، تتمثل أساسا في الفحص الطبي و التشخيص تم العلاج تم الوصفة الطبية تم الرقابة العلاجية لتأتي أخيرا مرحلة الوقاية من الأمراض. 


المطلب الثاني: مناقشة طبيعة االتزام الطبيب 


في ظل علاقة القانون بعلم الطب عموما، نشأت جدلية التزام الطبيب، هل هو التزام ببذل العناية أو بوسيلة، أم هو التزام بتحقيق النتيجة أو الغاية، وهي الجدلية التي نمت في ظل الفقه القانوني، وتضاربت في شأنها الأحكام والقرارات القضائية، وترسخت حولها المبادئ التي تحكم المسؤولية الطبية. وسنتناول هذه الجدلية وفق فرعين، الالتزام ببذل العناية في الفرع الأول، والالتزام بتحقيق النتيجة في الفرع الثاني.
أ‌- التزام الطبيب ببذل عناية
لقد استقرت في مجال المسؤولية الطبية، منذ أزل طويل، الفكرة التي تقول أن التزام الأطباء تجاه المرضى هو التزام ببذل العناية أو التزام الوسيلة، وليس التزام بتحقيق نتيجة. ومفاد ذلك أنه نظرا للطبيعة الاحتمالية للعمل الطبي أو الجراحي، فإن الطبيب لا يلتزم بشفاء المريض أوبضمان سلامته من مخاطره .[2]
إن التزام الطبيب كقاعدة عامة هو التزام ببذل عناية اتجاه المريض مع الحرص على اليقظة المستندة و المطابقة للمعطيات العلمية والتقنية المطلوبة، فالطبيب لا يلتزم بشفاء المريض لأن الأمر يتوقف على عدة اعتبارات، كما أن الطبيب لا يلتزم بأي نتائج أخرى[3].
وبناء عليه، فإن الطبيب لا يلتزم سوى ببذل العناية اللازمة وهو التزام يتم تقديره وفقا لمعيار السلوك المعتاد، وكذا على فكرة الاحتمال، التي تهيمن على الممارسة المهنية في المستشفى و حالة المريض.
وقد أكد القضاء بدوره هذه القاعدة، و اعتبر في أكثر من مناسبة أن الالتزام الواقع على عاتق الأطباء هو التزام ببذل عناية كأصل عام، حيث جاء في حكم صادر عن ابتدائية الرباط ما يلي"صحيح أن الأطباء في حاجة إلى الطمأنينة و الثقة و الحرية في مزاولة أعمالهم لكن طبيعة عملهم الذي هو التزام ببذل عناية لتحقق غاية، على أن هذا لاينبغي إن يلغي حاجة المريض إلى الحماية عن أخطائهم و حقه في التعويض عن الأضرار بسببها".
ب‌- التزام الطبيب بتحقيق نتيجة
في هذا الاستثناء يتحول التزام الطبيب من التزام ببذل عناية إلى تحقيق نتيجةobligation de résultat، وذلك عندما تكون الأعمال الطبية التي يقوم بها الطبيب تكتسب معطيات علمية تمكن من الوصول إلى نتائج مؤكدة[4].
وتتمثل أهم مجالات إعمال التزام الطبيب بتحقيق نتيجة فيما يهم، العمليات الجراحية الروتينية و التحاليل المخبرية و حفظ الدم و الأعضاء و إعدادها للزراعة، حيث يلزم إخضاعها لكافة الاختبارات المعروفة المستقر عليها، فإذا ما لحقت عدوى بالمريض، فمعنى ذلك أن هذه الاختبارات لم تجر على الوجه المطلوب[5].
و قد جرت العادة على اعتبار التزام الطبيب بتحقيق نتيجة، يتمثل أساسا في التزاماته المتصلة بالواجبات الإنسانية والأخلاقية للطبيب، والالتزامات المتصلة بالأعمال الفنية. فأما الالتزامات الأخلاقية فتتمثل بإعلام المريض و الحصول على موافقته و كذا حفاظه على السر المهني و متابعته لعلاج المريض، وكذلك الشأن بالنسبة للالتزامات بتحقيق نتيجة متصلة ببعض الأعمال الفنية للطبيب ذلك ان هذه الأعمال لامجال فيها لفكرة الاحتمال، و منها استعمال الأدوات و الأجهزة و الفحوص المخبرية بمناسبة التشخيص أو العلاج كتحليل الدم، فإذا كانت نتائج هذه الفحوص غير صحيحة فيعتبر خطأ الطبيب، الشيء الذي دفع مجلس الدولة الفرنسي أن يقضي بما يلي" التزام الطبيب المخصص هنا يكون التزاما بنتيجة إذ عليه أن يضمن عدم ترتيب أية أثار ضارة على عملية نقل الدم بالنسبة للمتبرعين بدمائه. " 


المبحث الثاني أساس المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة 

المطلب الأول : المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة بناء على الخطأ 

عرف المشرع من خلال الفقرة الثالثة من الفصل 78 من ق ل ع والتي جاء فيه :الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر.
ولقد ابتدع القضاء الإداري تفرقة جوهرية وعملية بين ما يسمى بالخطأ الشخصي للموظف والخطأ المرفقي.
أ‌- الخطأ الشخصي

تعرض المشرع المغربي لفكرة الخطأ الشخصي في الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه "مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموطنين المسؤولين عنها".

وحسب هذا الفصل فالطبيب الموظف مسؤول شخصيا كما ذكر بصفة أصلية، ويبقى مع ذلك حلول الدولة معلقا على سبيل الاحتياط في انتظار التأكد من يسر أو عسر هذا الموظف المحكوم عليه بتعويض الضرر، فإذا ما تبث عسره حلت الدولة محله في الأداء بحكم القانون وليس في المسؤولية، بحيث يحصل المتضرر على حقوقه سواء في نطاق الفصل 79 من ق.ل.ع "أي المسؤولية بدون خطأ" أو في نطاق الفصل 80 من ق.ل.ع، بناء على الخطأ الشخصي للموظف، أي أن حلول الدولة محل الطبيب الموظف يكون في أداء التعويض فقط، وليس حلولا في المسؤولية.

وقد أكد المجلس الأعلى ذلك في عدة قرارات حيث جاء في أحدها ما يلي: "لما كان الخطأ المرتكب من طرف الطبيب والممرض والمتمثل في حقن الضحية بدم ليس من فصيلة دمها بسبب عدم تبصرهما وعدم احتياطهما قد بلغ من الجسامة حدا أدى إلى إدانتهما جنائيا من أجله، وبالتالي فإن هذا الخطأ لا يشكل خطأ مصلحيا وفقا للفصل 79 من ق.ل.ع."[6]

وقد عرف القضاء في أكثر من مناسبة الخطأ الشخصي، حيث جاء في إحدى حيثيات قرار صادر في المجلس الأعلى: "حيث إن الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي ينفصل بقدر كاف عن المرفق العمومي الذي يشتغل به الموظف بحيث يمكن تقدير وجوده دون إجراء أي تقييم لسير المرفق."[7]

وقد استقر القضاء على أن مسؤولية الطبيب في مجال القطاع الخاص بمناسبة ارتكابه الخطأ إنما هي مسؤولية تقصيرية عن العمل غير المشروع، وأنها مسؤولية ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة، أما في القطاع العام فإن دعوى التعويض التي يرفعها المريض ضد الطبيب الذي يعمل في مستشفى عام هي دعوى تعويض عن عمل مادي قوامها مسؤولية الدولة عن أعمالها المادية في نطاق القانون العام. فإذا ما شكل الخطأ المرتكب من طرف طبيب بالمستشفى العام، خطأ شخصيا منفصلا عن أداء الخدمة المكلف بأدائها، يكون قد ارتكب خطأ شخصيا يسأل عنه من ماله الخاص طبقا لمقتضيات الفصل 80 ق.ل.ع. وذلك مثل الأخطاء الشخصية التي يرتكبها أطباء المستشفيات العامة أثناء قيامهم بالفحص الخاص لحسابهم، فيكون هنا القضاء العادي هو المختص للبث في تعويض الضرر المترتب عن خطأ الطبيب وتنطبق عليه القواعد العامة في المسئولية المدنية للطبيب[8]، ولا يكون مرفق الصحة العمومي مسئولا بصفة أصلية وإنما فقط بصفته يحل محل الطبيب أو الموظف المسؤول شخصيا بعد تحقق شروط المنصوص عليها في الفصل 80 من ق.ل.ع وهي:

1. أن يرتكب الطبيب الموظف أو غيره من أعوان وموظفي المستشفيات الصحية العامة) خطأ شخصيا؛

2. أن يرتكبه أثناء ممارسته لوظيفته؛
3. أن يثبت إعساره.
هكذا إذن يتضح من خلال تحليل الفصل 80 منق.ل.ع أن مسؤولية المرفق الصحي عن الأخطاء الشخصية التي يرتكبها الموظفون التابعون له، ليست مسؤولية أصلية بمعنى أنه لا يمكن مطالبته إلا بعد ثبوت المسؤولية الشخصية للطبيب الموظف من جهة، وثبوت إعساره عن أداء التعويض المحكوم به عليه من جهة أخرى، فهي إذن بمثابة الضامن له في الأداء، وقد برر واضع قانون ق.ل.ع بالخطأ المفترض من جانب الإدارة وهو الخطأ في اختيار الموظف.[9]
أما دعوى التعويض عن الضرر يجب أن ترفع ضد الطبيب وليس ضد المرفق الصحي أو الدولة. فالتعويض يؤدى من ماله الخاص وليس من ميزانية الدولة، طالما أن الأمر يتعلق بخطأ شخصي لا علاقة للمرفق الصحي أو المستشفى به، إلا إذا ثبت إعسار الطبيب المسؤول عن الضرر، في هذه الحالة فقط يمكن أن تحل محله الدولة في الأداء مع إمكانية الرجوع عليه فيما بعد. وقد اشترط المشرع المغربي من خلال الفصل 80 من ق.ل.في الخطأ الشخصي المقترف من طرف الموظف في المرفق العمومي (الطبيب في المرفق الصحي) أن يرقى إلى درجة الخطأ الجسيم أو التدليس وأضاف إليها معيار ثالثا هو أن يكون الخطأ منفصلا عن الوظيفة وهي المعاييرالتي لخصها المجلس الأعلى كما يلي :" يعتبر خطأ الموظف شخصيا إن كان لا علاقة له إطلاقا بعمله الوظيفي أو كان الفعل الضار يندرج ضمن واجبات الموظف إلا انه على قدر من الجسامة و صدر عنه عمدا أو بنية الإضرار بالغير".[10]
ب‌- الخطأ ألمرفقي
إذا كان الخطأ الشخصي يثير مساءلة الموظف شخصيا و ترفع دعوى المسؤولية عليه و يتحمل هو تبعات هذا الخطأ في ماله الخاص دون أن يكون له حق الرجوع على جهة الإدارة بأي صورة من الصور حتى ولو تبث أن خطأه قد تم بمناسبة تأدية الوظيفة أو بوسائل سخرتها له وظيفته فأساء استخدامها، مما يجعل خطأه يوصف بالخطأ الشخصي، فإن الخطأ المرفقي يؤدي إلى نتائج مغايرة تماما، حيث تتحمل جهة الإدارة تبعات هذا الخطأ، و للمتضرر مقاضاة جهة الإدارة نفسها أمام القضاء الذي يحكم عليها متى توافرت سائر الشروط المسؤولية اللازمة لجبر الضرر الذي وقع و ألم بالضحية .
هكذا يمكن القول أن الخطأ المرفقي هو ذلك الخطأ الذي يرتكبه الموظف التابع للمرفق الصحي أو المستشفى سواء كان طبيبا، أو ممرضا، أو غيرهما من المستخدمين أثناء قيامه بوظيفته، لكنه لا ينسب إليه و إنما ينسب إلى المرفق الصحي العمومي، وتكون مسؤولية هذا الأخير مطلقة ويلتزم وحده بالتعويض دون الموظف الذي لا يمكن مساءلته سواء أمام متضرر أو الإدارة .
ومن أهم التطبيقات القضائية التي اعتمدت على الخطأ المرفقي بإقرار مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي نذكر قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء جاء فيه: " حيث إن الدولة مسؤولة عن الضرر الحاصل مباشرة عن سير إدارتها و عن الخطأ المصلحية المرتكبة من طرف موظفيها، حيث إنه لقيام المسؤولية ينبغي التأكد من نسبة الضرر إلى سير المرفق العمومي و كون الطبيب لم يقم بواجب عناية و بذل الجهد الملقى على عاتقه."[11]
وكذلك حكم المحكمة الإدارية بمكناس الذي جاء فيه " حيث إن استعمال دواء الكورتيزون لمدة طويلة وفي فترات متقطعة و بدون اتخاذ الاحتياطات اللازمة... إنما يعكس عدم تبصر الأطباء المعالجين و عدم انتباههم، بما يشكل خطأ مرفقيا لمستخدمي وزارة الصحة. و حيث إن عنصر الخطأ تابث في نازلة الحال و هو خطأ مصلحي ناتج عن وصف دواء معين بكمية كبيرة."[12]
ويجد الخطأ الطبي المرفقي مصدره في نشاط الإدارة بحيث ينسب إلى المرفق الصحي أو المستشفى كلما توافرت شروطه، و حالاته[13]، فترفع دعوى التعويض عن الضرر الذي تسبب فيها المرفق ضد الدولة، وتطبق عليه قواعد القانون الإداري و يكون الاختصاص للمحاكم الإدارية و يؤدى تعويض من ميزانية الدولة.
و إذا كان الخطأ المرفقي يتمثل في الإخلال المرفق الصحي أو المستشفى بالتزاماته فان أنواع وصور هدا الخطأ، تتنوع بتنوع التزامات هذا المرفق و بتنوع صور الإخلال بها. و قد اعتاد الفقه و القضاء على تقسيم الخطأ المرفقي إلى ثلاث أنواع تتمثل الأولى في سوء أداء المرفق للخدمة و الثانية في عدم قيام المرفق بأداء هده الخدمة بينما تمثل الثالثة في بطء أداء الخدمة[14]. 


المطلب الثاني : مسؤولية الإدارية لمرفق الصحة بدون خطأ 

استنادا إلى نظرية المخاطر فالمريض الذي تعرض لأضرار في مرفق الصحة العمومي من حقه أن يطلب من المحكمة أن تحكم له بتعويض عن هذا الضرر ولو لم يصدر من مرفق الصحة أي خطأ طبي وبالتالي فعناصر المسؤولية طبقا لنظرية المخاطر تتمثل في وجود ضرر وعلاقة سببية هذا ما أقرته إدارية أكادير في حكم لها 3/5 بتاريخ 08/6/2000 فقد صرحت بأن الشروط الموضوعية لدعوى التعويض عن أضرار التي تشبها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام في وجود ضررا وعلاقة سببية بين الضرر أوصافا معينة وتكون مسؤولية الدولة ثابتة سواء كان ذلك بخطأ منها أو بدون خطأ وفي نفس الاتجاه أكده قرار المجلس الأعلى عدد 736 بتاريخ 27/10/2004 حيث إن الثابت من الخبرة التي أمرت بها المحكمة والتشريع الطبي المدلى به أن سبب وفاة الهالك يعود لإنتفاخ في الرئتين وحساسيته نتيجة تناوله الدواء الذي تم وصفه إليه وهو الأمر الذي لم يتمكن المرفق الصحي من تقديره قبل الشروع في الدواء مما يجعل مسؤولية المرفق المذكور تابثة ولا يشترط الفصل 79 من ق.ل.ع المحتج به تبوث الخطأ البشري كما ورد في السبب إنما يكفي لقيام هذه المسؤولية حصول ضرر مع وجود علاقة سببية بين هذا الضرر والمرفق العام.
ومن أبرز مظاهر تطبيق نظرية المخاطر بالنسبة للمرفق الصحي، فيتمثل في استعمال علاج خطير كأن يكون هناك خطر جسيم نتيجة سوء تقديم علاج، فيجب ألا يتحمل المريض وحده هذا الخطر بل إنه يقتسمه مع المرفق الذي طبقه تطبيقا غير ملائم[15].
أ‌- تأرجح القضاء في تأسيس المسؤولية الإدارية في المرفق الصحي.
يؤسس القضاء الإداري مسؤولية المرفق الصحي بين قواعد المسؤولية بناء على الخطأ وتارة أخرى يعفي المتضرر من إثبات الخطأ متبينا بذلك فكرة المخاطر، ولعل مرد ذلك هو الفصل 79 الذي آثار نقاشا كبير في الفقه والقضاء عند وضعه أول الأمر إلى يومنا هذا.
وهكذا فقد ذهب الفقيه الفرنسي دولوبادير إلى القول بأن الغاية الأولى من الفصل 79 هي تكريس مبدأ مسؤولية السلطة العمومية، وترك بالتالي الباب مفتوحا أمام القضاء ليجتهد في التأويل وفي البحث عن الأساس القانوني لهذه المسؤولية تماما كما هو الشأن في القضاء الفرنسي.
وهكذا أصبح القضاء يجتهد في البحث عن أساس مسؤولية المرافق العمومية بوجه عام، لكنه لم يذهب بعيدا في اجتهاده إلى أكثر من تبني المواقف التي اتخذها القضاء الفرنسي.

وبالرجوع إلى الأحكام القضائية الحديثة المتعلقة بالمسؤولية الإدارية في مرفق الصحة، يتضح ألآن القضاء مزال يتأرجح بين المسؤولية بناء على خطأ والمسؤولية بدون خطأ في انتظار حسم المشرع لهذا الإشكال بنص صريح يحدد معايير تأسيس المسؤولية الإدارية.

ب‌- الإثبات في المسؤولية الطبية

إن الإعمال الجامد لقاعدة أن عبء الإثبات يقع على المدعي في مجال دعاوى المسؤولية المرفوعة اتجاه المستشفى العام، وبالنظر إلى ظروف الممارسة الطبية كمهنة تقنية، يجعل مهمة المريض شبه مستحيلة، وربما يؤدي إلى عدم انعقاد مسؤوليتهما إطلاقا على نحو يؤدي إلى تمتعها بحصانة واقعية. ويجعل من الصعب نسبة الخطأ إليها. [16]
لقد كرس الاجتهاد القضائي الإداري المبدأ العام في مجال الإثبات، بإلزام المريض بإثبات خطأ المرفق الصحي العمومي وهكذا ففي قرار للمجلس الأعلى اعتبر أن مسؤولية الدولة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها لا تفترض بل لابد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى موظفيها، وأن القرار المطعون فيه عندما قضى بمسؤولية الدولة بدون إثبات الخطأ من المضرور، كان غير مبني على أساس ومعرضا للنقض ومن حيثيات هذا القرار: " طبقا للفصل 79 من ق.ل.ع فإن مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها أو عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها لا تفترض، وإنما لابد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى أحد موظفيها، والملف الحالي خال مما يفيد نسبة الخطأ المصلحي إلى الهيئة الطبية لمستشفى ابن زهير بمراكش التابع للدولة........[17]
وأمام صعوبة إثبات الخطأ من طرف المريض، أخذ القضاء الإداري المغربي بالمسؤولية الموضوعية، والتي يكفي فيها وجود الضرر ونسبته إلى المرفق الصحي العمومي لقيام مسؤوليته، فالخطأ في هذا النوع من المسؤولية مفترض ويعفي المريض المتضرر من إثباته، وذلك عكس المسؤولية الخطئية التي تخضع للقواعد العامة للإثبات، والتي توجب على مدعي الخطأ إثباته،[18] ففي المسؤولية الموضوعية ينتقل عبء الإثبات من المريض إلى المرفق الصحي، فيتعين عليه حينئذ إثبات السبب الأجنبي الذي ينفي عنها الخطأ ويعفيها من التعويض. فقد ذهب القضاء في عدة مناسبات، في اتجاه افتراض خطأ الدولة وإعفاء المريض من إثبات الخطأ الطبي، كما جاء في قرار للمجلس الأعلى في هذا السياق: " وحيث إن التصرف الذي أقدم عليه مركز تحاقن الدم ينطوي على خطأ جسيم ليس في حاجة إلى إثبات، لأن أوراق الملف ومستنداته ووقائع الدعوى، لا تدع مجالا للشك في ثبوت مسؤولية أحد المرافق التابعة للدولة، مما يكون معه الدفع بخصوص عدم قيام المسؤولية غير مرتكز على أساس[19]. 


خـــــــاتــمة

 يتضح مما سبق أن مسؤولية المرفق العام الصحي تقوم على أساس الخطأ أودون خطأ وذلك وفقاً للقواعد العامة في المسؤولية الإدارية .غير أن هذه المسؤولية لا تتحقق في أي من هاتين الحالتين وبالتالي لا يمكن الحصول على التعويض إلا بتوافر أركان المسؤولية الأخرى والمتمثلة في ركني الضرر والعلاقة السببية.

كما أن القضاء المغربي، أعمل القواعد العامة كأصل عام في إثبات الخطأ الطبي المنسوب إلى المرفق الصحي العام، وذلك بتحميل المتضرر عبء إثبات الضرر والخطأ الناتج عن المرفق الصحي العمومي والعلاقة السببية بينهما إلا أنه واستثناء من القواعد العامة في الإثبات فإن القضاء لجأ إلى التخفيف من عبء الإثبات على المتضرر وذلك عندما تبنى المسؤولية الموضوعية، بأن جعل خطأ الدولة مفترضا دون حاجة إلى إثبات.
______________________________
الهوامش:
[1] منصور عمر المعايطة، المسؤولية المدنية والجنائية في الأخطاء الطبية، جامعة نايف العربية للعلوم الامنية، مركز الدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، 2004 الرياض، ص 15.
[2] أحمد شرف الدين، الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، الطبعة الثانية 1987، القاهرة، ص 52.
[3] أحمد أدريوش، العقد الطبي – تأملات حول المشاكل القانونية التي تثيرها العلاقة بين الطبيب وزبونه، منشورات سلسلة المعرفة القانونية، الطبعة الأولى 2009، ص 118.
[4] الحسين بلوش، التزام الطبيب بإعلام مريضه، مجلة الإشعاع، العددين 30-31 أبريل 2006، ص 10.
[5] ادريس الفاخوري، الأسس القانونية والأخلاقية لمزاولة مهنة الطب الحر، مجلة الاقتصاد والقانون، العدد 4، 2001، ص 54.
[6]قرار عدد 154 بتاريخ 14-2-2007، محكمة النقض، ملف عدد، 1456-04-02 - 2005.
[7]قرار عدد 458 بتاريخ 07/06/2006 ملف عدد 2522 /4/2/2003 إداري.
[8]أحمد محمود جمعة، منازعات التعويض في مجال القانون العام" المرجع السابق ص 76.
[9]أحمد أدريوش، "مسؤولية الطبيب المدني" عرض مقدم لندوة المسؤولية الطبية في الفقه والقضاء والقانون لندوات الشعرية لمحكمة الاستئناف بالرباط الجمعة 28/9/2011 ص 14.
[10]- قرار رقم 3035 بتاريخ 1986-09-17 ملف مدني رقم 95676 الغرفة المدنية للمجلس الاعلى منشور بمجلة القضاء و القانون ع 38 .
[11]-قرار رقم 3292 بتاريخ 23-10-93 ملف رقم 5509.
[12]-حكم المحكمة الإدارية بمكناس عدد 12-93-8 ت بتاريخ 27-7-1995 ملف رقم 12-94-05
[13] محمد الأعرج مسؤولية الدولة والجماعات الترابية في تطبيقات القضاء الإداري المغربي منشورات المجلة المغربية
. للإدارة المحلية والتنمية العدد 77 الطبعة الأولى 289
[15] الطنجي الشرقاوي أمينة تطبيق المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر موقعها من الفقه والقضاء . م . م . للإدارة م . . ت عدد 50 ماي – يونيو 2003 ص 288
[16]- محمد حسن القاسم، إثبات الخطأ في المجال الطبي، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2004، ص 58.
[17]- قرار المجلس الأعلى عدد 2391 بتاريخ 26 ماي 1994.
[18]- جميلة بونيت: مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي في ضوء الاجتهاد القضائي المغربي، دبلوم لنيل الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – الرباط، السنة الجامعية 2008-2009، ص 92.
[19]- قرار المجلس الأعلى عدد 267 بتاريخ 36/3/1998.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -