الوضع القانوني للمياه في المغرب و القانون المقارن

مقال بعنوان: الوضع القانوني للمياه في المغرب والقانون المقارن

الوضع القانوني للمياه في المغرب و القانون المقارن

مقدمة :
 إن البيئة هي مجموعة العناصر الطبيعية و المنشئات البشرية و كذا العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تمكن من تواجد الكائنات الحية و الأنشطة الإنسانية و تساعد على تطورها[1].
يتوقف وجود المجتمعات البشرية على وجود بيئة سليمة تتوفر فيها كافة شروط الحياة التي بدونها ستنقرض مختلف الكائنات الحية. لذ ، يبدو من الضروري و أكثر من أي وقت مضى، تجند الجميع محليا و وطنيا و دوليا من أجل بلوغ هذا الهدف ، و تسخير مختلف الإمكانيات بدءا بالإرادة السياسية التي ينبغي أن تنعكس على مضامين الاتفاقيات الدولية و القوانين الوطنية وتنفيذها , لا سيما و أن هذه الأخيرة تعكس نوع من السياسة الاقتصادية و الاجتماعية المزمع إتباعها ، ذلك فإنه بقدر ما كانت تلك الاتفاقيات و القوانين ملائمة و منسجمة و قابلة للتنفيذ بفضل توفير مختلف الظروف من إمكانيات بشرية و مادية و تقنية ، بقدر ما عكست رغبة المجتمع الوطني و الدولي في المحافظة على البيئة. و على العكس من ذلك ، بقدر ما انعدمت أو أهملت القوانين بقدر ما عكس ذلك على البيئة من سيئ إلى أسوء[2].
لقد أصبح موضوع البيئة من المواضيع التي تتصدر قائمة الانشغالات الدولية و الوطنية و المحلية. و يرجح هذا الانشغال و الاهتمام إلى أن عدم التوازن البيئي الذي بدا بشكل واضح في السنوات الأخيرة ، والدي أصبح يهدد مختلف الكائنات الحية بالفناء بسبب التغيرات الكمية و الكيفية التي طرأت على مختلف العناصر الطبيعية من ماء و تربة و هواء،و هذا أمر يستدعي بشكل ضروري و مستعجل إلى حماية البيئة[3].
لقد بدأت قصة نشأة كوكب الأرض عندما تكونت البحار و الجبال و السهول، و قد أثبتت الأبحاث و دراسات علماء الفلك و الجيولوجيا و العلوم الطبيعية و الكونية إن الحياة على كوكب الأرض استغرقت بلايين السنين بعد أن تعرضت الأرض للكثير من العصور المختلفة.
و الجدير بالذكر أن أول ظهور للحياة على وجه الأرض كان فوق المسطحات المائية كالبحار و المحيطات.
و الماء أصل الحياة على سطح الأرض لكل الكائنات الحية ، فقد ذكره الله سبحانه و تعالى في العديد من المواضيع في سور مختلفة من القرآن الكريم ، ففي سورة النحل (الآية 65) قال تعالى : "(و الله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) ، و في سورة النور و تحديدا الآية 45 قال تعالى : (و الله خلق كل دابة من ماء) .
يعتبر الماء عنصرا أساسيا في الحياة البشرية و تطورها الاقتصادي والاجتماعي و في التوازن الإيكولوجي للمجال الطبيعي. قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) .
تلعب الموارد المائية دورا أساسيا في حياة الإنسان والبيئة ، وقد بدأت تتضح الآن بوادر كارثة وشيكة الحدوث تتمثل في العجز الكبير في الموارد المائية العذبة في العالم وذلك مع تزايد السكان ومعدلات استهلاك المياه . تقدر كمية المياه الكلية في كل أنحاء العالم بحوالي( 1386) مليار متر مكعب منها حوالي 97،5%مياه مالحة في البحار والمحيطات وحوالي 2،5% فقط مياه عذبة و تنقسم المياه العذبة إلى : المياه السطحية و المياه الجوفية.
إن الموارد المائية بالمغرب تتوزع بشكل متفاوت عبر التراب الوطني ، حيث أن 73 بالمائة من المياه تتركز بالمنطقة الأطلنتيية الشمالية الغربية ، بينما تعرف المناطق الشرقية و الجنوبية نقصا حاد في المياه ، و يعاني المغرب من تكرار ظاهرة الجفاف ، مما يقلص الاحتياطي الفردي من الماء الذي تراجع بشكل كبير ، كما عرف صبيب معظم الأنهار المغربية تناقصا مستمرا خلال السنوات الأخيرة و تقدر بما يعادل 150 مليار متر مكعب .
وقد استأثر موضوع الماء باهتمام عدة هيئات تابعة للمنضمة الدولية، كمنضمة الصحة العالمية و مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية و منضمة الأغذية و الزراعة، حيث قامت بدراسات حول الماء تبين الآثار الإيجابية و سلبية على صحة الإنسان و البيئة، وانعكاس هذين الأخيرين على التنمية الاقتصادية. و من بين أكبر المشاكل التي يواجهها الماء و أكثرها تعقيدا وخطورة هو التلوث، بالإضافة إلى مشكل الندرة.
و بالنضر لما للتلوث من آثر سلبية ، و بالنضر إلى أبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و العلمية ، فقد كان من الضروري إتخاد التدابير اللازمة من أجل حماية مختلف الكائنات الحية ، و هدا ما لا يجادل فيه أحد ، شخصا طبيعيا كان أو معنويا ، عاما أو خاصا ، وطنيا أو دوليا.
يعتبر الماء من الناحية العلمية هو سائل شفاف دون طعم أو رائحة أو لون. تركيبه الجزيئي مكون من ذرتي الهدروجين و ذرة من الأكسيجين . ينتشر الماء على الأرض بأشكاله المختلفة ، السائل و الصلب و الغازي . كما أن 70% من سطح الأرض مغطى بالماء، و يعتبر العلماء أن الماء أساس الحياة على أي كوكب.
يملأ الماء المحيطات ، و الأنهار و البحيرات ، و يوجد في باطن الأرض ، و في الهواء الذي نتنفسه ، و في كل مكان . و لا حياة بدون ماء ، قال تعالى : { و جعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون } سورة الأنبياء الآية 30 .
أما من الناحية القانونية ، فقد عرفه المشرع المغربي ، كما جاء في الظهير الشريف رقم 1.95.154 الصادر في 18 من ربيع الأول 1416 (16 أغسطس 1995) بتنفيذ القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء: [ يعتبر الماء موردا طبيعيا أساسيا للحياة ومادة ضرورية يرتكز عليها الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية للإنسان، كما أنه مورد نادر يتميز توفره بعدم الانتظام في الزمان والمكان، وهو أخيرا شديد التأثر بالانعكاسات السلبية للأنشطة البشرية.] [4]
ما تقدم جلب اهتماممنا بهذه الدراسة ، وبالرغم من أنه في الأزمان المعاصرة لم تنـشب حروب على موارد المياه إلا أن أهمية ترتيب قواعد استخدامات الماء تكمن في أن شحه أشد فتكا وأقدر تغلغلاً وانتشاراً من أشد أنواع السلاح تدميراً ، وقد يتحول عدم تنظيمه إلي أحد أسباب كل ذلك ، لذا فإن حل هذه المشكلة لن يكون إلا في احترام القواعد الإنسانية والقانونية والمقبولة عالمياً . وفي محاولة لتلخيص أهمية الماء وإجمالاً لما تقدم فأن أهمية المياه تتمثل في ضمان الأمن المائي و استقرار و استمرار الشعوب، الشئ الذي سيظل الشغل الشاغل للباحثين وصناع القرار والمهتمين على كافة المستويات في العالم لأسباب كـثيرة ومتعددة.
فالماء كما يدرك الجميع يعد عنصرا هاما.
نستشف من خلال هذه التعاريف البسيطة مدى أهمية الماء ، سواء بالنسبة للبيئة بصفة عامة أو بالنسبة للإنسان على وجه الخصوص.
و عليه فإن دراستنا في هذا البحث سنتطرق فيه إلى موضوع الماء و المشاكل التي يعاني منها ،و سنحاول كذلك أن نبين بعض الصعوبات التي يعاني ، و ذلك من خلال التضميم التالي:

المبحث الأول: مظاهر تدخل الدولة في التنظيم المائي
المبحث الثاني: القانون 95-10 المتعلق بالماء

المبحث الأول: مظاهر تدخل الدولة في التنظيم المائي

إن أول ما يواجهه كل من يتصدى لدراسة قانون المياه و الحقوق المائية بالمغرب، هو ما يتسم به الموضوع من أصالة و تعقيد في نفس الوقت، و اصطدام القانون فيه بالواقع، و عدم استقرار علاقة الأرض بالماء على حال في الحكم... و كون البنية العقارية داتها بالمغرب تخضع بدورها لأنماط متعددة و غير متجانسة من الأحكام من حيث ملكيتها، و الإنتفاع بها.
و تكمن أهم تجليات الأصالة و التعقيد في هذا المجال في تعايش ثلاثة أنساق نظامية أو قانونية فيه جنبا إلى جنب،في تنافس غير متكافئ، و هي:
الممارسات العرفية، و مقتضيات الشريعة الإسلامية، و النصوص القانونية التي
[5] تكون التشريع المائي.

المطلب الأول: مرحلة ما قبل الحماية 

إن الظاهرة التي تميز البنية القانونية بصفة عامة في المغرب ما قبل الحماية ، و إلى حدود فاتح يوليوز 1914 ، و أنظمة المياه والحقوق المائية بصفة خاصة ، هي سيادة أحكام الشريعة الإسلامية خاصة وفق المشهور و الراجح و ما جري به العمل في فقه المذهب المالكي[6]، و تتبوأ الأعراف مكانة مقدسة في حياة المجتمع في كل ما يتعلق بميادين الفلاحة و الصناعة التقليدية ، و ميدان المعالات المدنية و التجارية ، و ما يتولد عنها من حقوق و التزامات بصفة عامة.
و لم تكن المياه بما يترتب عنها أو برتبط بها من حقوق و التزامات ، أو ما ينشأ عنها أو بسببها من نزاعات فردية أو جماعية ، و ما يرد عليها من تصرفات قانونية بعوض ، أو علي وجه التبرع ، لتشذ عن تلك القواعد الدينية بأي وجه من الوجوه ، بل كان كل ذلك ، في جميع الأحوال و الظروف يجد إطاره التنظيمي في ما تقرره القواعد العامة و المبادئ الأساسية لأحكام الشريعة الإسلامية المستنبطة
من الأصول التي هي : الكتاب، السنة،الإجماع، و القياس و المصالح المرسلة... و فيما يجري به العمل، أو تقتضيه المصالح المرسلة وفقا لأحكام المذهب المالكي، و تجري عليه عادات الناس و تستسيغه الأعراف.
وكانت عادات الناس تختلف باختلاف الجهات، وباختلاف القبائل أحيانا حتى في إطار الجهة الواحدة، بل وتختلف في بعض الحالات من موضع لآخر حتى في إطار القبيلة نفسها.[7]

المطلب الثاني: في عهد الحماية

نعلم أن نظام الحماية ما فتئ أن تحول إلي استعمار زراعي لخدمة فئات عريضة من النازحين من فرنسا بوجه خاص، فكان من اللازم استيلاء إدارة الحماية بشتى الأساليب و الطرق علي أخصب الأراضي بالإضافة إلى احتلال نقط الماء مما نجم عنه طرد القبائل من أملاكها الفلاحية[8]. و في هذا الصدد يقول أحد قادة الجيش الفرنسي:"إن تهدئة الأوضاع في بلد ما يقتضي الاستحكام في المناطق المحيطة بالإضافة إلي احتلال القطاعات ذات الحيوية لإخضاع السكان الأهالي مع الاستحواذ علي المناطق الزراعية و المساحات المخصصة للرعي و كذلك النقط المائية" [9]. وهذه السياسة ذات الأبعاد الاستعمارية هي الخطة التي طبقت من طرف نظام الحماية في المملكة بنزع الملكيات الفلاحية من أصحابها و الاستيلاء علي النقط المائية تارة بالعنف و أخرى بالتدليس و الاحتيال[10]. ففي إطار سياسة عصرنة البوادي وضعت إدارة الحماية يدها على الأراضي الفلاحية و مياه السقي منذ سنة 1912 ثم زادت ووسعت تسريح المجندين الفرنسيين إثر الحربين العالميتين واستيطان المتعاونين مع القوات الألمانية وهم من أصل فرنسي بعد نبذهم من فرنسا و إرغامهم على الانتقال الي المستعمرات وترك قراهم الأصلية[11] .
وإذا شملت هذه السياسة مناطق عديدة فإننا نشير إلى مناطق بعينها مثال أراضي "بوغلفاف" وأراضي"تمسكلفت" بأحواز مراكش وغيرها مع تثبيت "نزع" الملكيات بنظام التحفيظ العقاري و إعادة النظر في النظام التقليدي للميه بإرسائه على نظم جديدة[12].
أ- الإطار القانوني للمياه
طرحت إدارة الحماية مسألة وضع إطار قانوني للمياه قصد إخضاع استثمارها بطرق عصرية مع إضفاء الصبغة العمومية على الملك المائي مما استلزم إصدار قوانين حديثة لهذا الغرض، وبذلك صدر ظهير1 يوليوز 1914 حول الملك العمومي[13] تلاه ظهير8 نونبر 1919 الذي اعتبر المياه أينما وجدت وعلى أية صفة كانت ملكا عموميا ما عدا الأمطار المستغلة مباشرة أو التي وقع تجميعها في خزانات اصطناعية، أو الحقوق المتعلقة بالمياه المحازة قانونيا قبل صدور الظهيرين المذكورين. كما اعتبر ظهير 28 يوليوز1918 المتعلق بالملك القروي ضمن الملك العمومي المياه التي يشربها الناس أو التي هي معدة لتوريد المواشي وكذلك الأجهزة المعدة لذلك. وكذلك ظهير19 اكتوبر 1921 (الفصل 2 منه) الذي جعل من الملك العام المياه المعدة لاستهلاك المدن ومجاري المياه والأحواض المائية...
وإذا لا ننكر إيجابيات تحديث الإطار القانوني بإرساء نظام المياه على مبادئ تقول بعمومية الملك المائي فإن تطبيق هذا المفهوم من إدارة الحماية مال إلى تفضيل مصالح الاستعمار الزراعي الرسمي ومخططات الاستيطان الفلاحي من طرف المعمرين الفرنسيين. ومن المعلوم إن الإرث التاريخي للمغرب في تنظيم المياه وتوزيعه بإشراف سلطة المخزن وطبقا للأعراف المحلية دون تعارض مع قواعد الشريعة السمحة استند إلى اشتراك الناس في الموارد المائية مع واجب توزيعها توزيعا عادلا. وهذا الواقع في حد ذاته لا يتعارض مع مفهوم عمومية الملك المائي ودواعيه شكلا ومضمونا.
لكن إزاء نذرة المياه وقلتها في أغلب المناطق بسبب الجفاف، وإرتكاز النظام الاجتماعي في المغرب على الفلاحة هذه المعطيات أيدت تدخل الدولة بغية فرض نوع من الاستغلال المشترك للماء[14] فمهدت إدارة الحماية لوضع الإطار القانوني للمياه ثم أصدرت كذلك ظهير فاتح غشت 1925 المتعلق بنظام المياه، ويهدف هذا القانون إلى تحديد المعايير والأنظمة التي يجب العمل بها لاستغلال
الماء بالمغرب وهكذا بفضل هذه الترسنة القانونية صارت الدولة متحكمة في مراقبة المياه بحيث تقرر أنه لا يجوز لأي كان استغلال المياه إلا بموجب رخصة أو امتياز. وهذا ما استدعى إقامة أجهزة تنظيمية لتطبيق مضامين القوانين المائية.
ب- الإطار التنظيمي للمياه في عهد الحماية
أحدثت إدارة الحماية في بداية الأمر مصلحة المياه والغابات ثم مصلحة المياه والتحسينات العقارية ضمن إدارة الأشغال العمومية، وبعد ذلك مصلحة الفلاحة سنة 1913 التي تحولت إلى مديرية الفلاحة ضمن اختصاصاتها شملت المياه والغابات والتحسينات العقارية سنة 1915 تحت اسم جديد هو مديرية الفلاحة والتجارة وأشغال الاستعمار، ثم صدر ظهير24 يوليوز 1920 بشأن اختصاصات وتنظيم الإدارة العامة للأشغال العمومية[15] الذي بموجبه أعطيت الصلاحية لمديرية الأشغال العمومية للتدخل في موارد المياه بالتنسيق مع مديرية الفلاحة والتجارة وأشغال الاستعمار في الأمور التالية:
- الهيدرولوجية الفلاحية.
- الهيدرولوجية الصناعية[16].

المطلب الثالث: الإطار التنظيمي للمياه في عهد الاستقلال

صارت للمياه أبعاد استراتيجية بحصول المغرب على الاستقلال لما اختار هذا البلد جعل الفلاحة ضمن الأولويات مقيما للسدود الكبرى وملبيا للحاجيات في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية عن طريق تعبئة المياه. فكان لزاما على المغرب مراجعة السياسة المتبعة منذ 1920 في التوجيه الهيدروفلاحي الذي كانت تشرف عليه وحدات متعددة متداخلة ضمن عدة وزارات.
فأنشأت الدولة المكتب الوطني للري سنة 1960 وجعلت على عاتقه جميع العمليات المتعلقة بالتجهيز الفلاحي مع الإشراف على الأبحاث عن الموارد المائية بالإضافة إلى إسهامه في بناء السدود. وقد تم حذف هذا المكتب إثر الانتقادات التي وجهت إليه بسبب إغفاله المشاكل المترتبة عن عدم تكييف الوسط القروي مع التقنيات العصرية، وإهماله لمناطق المتوسط والصغير[17]. وبذلك أصبحت تجهيزات الري من اختصاص المصالح الاقليمية لوزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي.
ومن الملاحظ أن المغرب لم يكن يتوفر إثر إعلان الاستقلال إلا على سد رئيسي واحد تم الشروع في استغلاله سنة 1953 وهو سد بين (لويدان في بني ملال)
على واد العبيد بالإضافة إلى سدين ثانويين هما سد لقنصرة على واد بهت وسد "لالا تكركوست" على واد نفيس شرع في استغلاله سنة 1935، وتعتبر سنة 1967 سنة تحول في التاريخ التنظيمي للمياه وفي طريقه استثمارها بطريقة عصرية. فمع تشييد سد محمد الخامس في السنة المذكورة على نهر ملوية شرع المغرب في تطبيق سياسة السدود بصفة منتظمة، ثم إن سياسة الدولة تغيرت، حيث أعطت في سنة 1967 انطلاقة بناء ست سدود تنفيذا لبرامج سقي المليون هكتار فأحدثت مديرية هندسة المياه التي عهد إليها إعداد السياسة العامة للبلاد في ميدان المياه وإنجاز المنشآت المالية الكبرى والتدخل في دراسة الدورة المائية [18] في إطار المفهوم الجديد لتنظيم المياه بمساعدة وحدات متخصصة تابعة لمديرية البحث والتخطيط المائي ومديرية التجهيزات المائية.

المطلب الرابع: المجلس الأعلى للماء

من جراء الجفاف الذي عم المغرب في بداية الثمانينات ترتبت آثار تهددت المجالين الاقتصادي والفلاحي مما دعى إلى التفكير في إحداث جهاز إداري يتدارس وضع المياه و طرق استعمالها. و لأجل ذلك قرر جلالة الملك سنة 1982 إحداث المجلس الأعلى للماء من أجل إتخاد التدابير الضامنة لتدبير محكم للمياه. و يضم المجلس الأعلى كل الهيآت الوزارية التي لها صلة بالموارد المائية قصد توحيد الجهود و الآراء لتفادي كل المنازعات التي قد تطرأ أثناء تدبير الموارد المائية بين المخططين و المشرفين و المستعملين. كما أنيطت بالمجلس الأعلى مهام إقرار سياسة توزيع الموارد المائية السطحية و الجوفية علاوة على النظر في تصميم إعداد التراب الوطني للتجهيزات السكنية و الصناعية و السياحية ، نظرا لما لهذه التصاميم انعكاسات على تعبئة الوارد المائية[19] ، و قد انعقدت الدورة الثانية للمجلس الأعلى للمياه بفاس بتاريخ 16 إلى 18 فبراير 1987 ترتبت على هذه الدورة عدة توصيات من أبرزها ضرورة إعادة النظر في القانون الوطني للماء بتاريخ 1925 . نرا للقصور و النقص الظاهر في نصوص القانون المذكور و عدم ملائمتها للظروف الجديدة الناجمة عن زيادة في السكان و ارتفاع الطلب على الماء و قلة الموارد المائية لأسباب الجفاف.
و قد وضع جلالة الملك الخطوط و الأسس واجبة الإتباع للمجلس الأعلى في أعماله في خطابه السامي : "... و النقطة الأخيرة التي أريد أن أركز عليها هي أن لا تفصلنا عن عام 2000 سوى 12 سنة نعتبرها و لله الحمد أعوما خصبة لأنها تدخل في إطار التحليل الذي قمنا به فعليا الآن شيء واحد هو أن نكون على بنية تامة من مذخراتنا من الماء و أصنافه... "
و أبرز الخطاب السامي دور التضامن بين المستعملين للمياه بحيث يتطلب هذا التضامن نوعا من الإيثار و إشراك الآخر في نعمة الماء حيث ورد ما يلي :"... لا أريد أن يبقى ذلك الماء مقتصرا على الشمال أو تحت الشمال لأنه و الحمد لله ناحية الغرب مسقية بالأمطار و ليس في حاجة لهذه الأمطار فهناك سد وادي المخازن و هناك سدود تلية ستبنى فيما بعد ولكن الكميات التي ستكون في (مجعرة) من واجبنا أن نحولها إلى الأراضي الجنوبية حتى يتمكن شمال المغرب الذي له كميات مهمة من الأمطار أن يعين جنوب المغرب الذي هو في حاجة دائمة إلى مياه للشرب و السقي".
و استنادا إلى هذا الخطب السامي تواصلت أعمال المجلس الأعلى للماء في دورة 1988 حيث إن آخر التوصيات تدعو بوجه خاص إلى ضرورة وضع قانون وطني للماء ، مع الإكتفاء على المياه القارية و التفكير في تخصيص مياه البحر بقانون خاص. و قد أشار المجلس الأعلى للماء إلى أنه في مشروع قانون الماء لابد من إيلاء العناية و المحافظة على المياه من الضياع و عدم الإفراط في استغلالها و عدم تلويثها [20] و ذلك استنارة بالخطاب الملكي الذي جاء فيه : " إنكم تعلمون أن القانون ليس وحي من السماء فعلينا أن ننظم استعمال المياه و نتجنب التبدير ، وبعملنا هذا نكون مطمئنين على ثرواتنا و مواردنا"[21].

المبحث الثاني : القانون 95-10 المتعلق بالماء

نعرض في هذا المبحث المبادئ و الأهداف المتوخاة من القانون الجديد للماء (أولا) ثم نبحث عن مفهوم عمومية الملك المائي و هو القاعدة الأساسية التي أكدها هذا القانون الذي حفظ لدوي الحقوق المكتسبة على الماء بوضعيتهم (ثانيا) كما نتناول حقوق و واجبات الملاك العقاريين (ثالثا) ، ثم الترخيص و الامتياز في استعمال الماء (رابعا) فشرطة الماء و الجزاءات المطبقة على المخالفات المائية (خامسا).

المطلب الأول : المبادئ و الأهداف في قانون الماء 

صدر قانون الماء رقم 10.95 بظهير شريف رقم 1.95.154 بتاريخ 18 من ربيع الأول 1416 (16 غشت 1995) متضمنا من حيث الشكل بيانا الأسباب وثلاثة عشر بابا حثت على عدة موضوعات لها صلة وثيقة باستعمال الماء في 123 مادة.
فقد ورد في بيان الأسباب أن الماء:"يعتبر موردا طبيعيا أساسيا للحياة ومادة ضرورية يرتكز عليها الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية للإنسان، كما أنه مورد ناذر يتميز توفره بعدم الانتظام في الزمان والمكان وهو أخير شديد التأثر بالانعكاسات السلبية للأنشطة البشرية". وبهذا التصريح المركز على مميزات كون الماء أساسيا للحياة من جهة وباعتباره ضروريا لسيرورة النشاط الاقتصادي علاوة على أنه متحول إلى النذرة فإن تذبير مادة الماء غدا ضروريا بل واجبا مما يستلزم تحديث الجانب القانوني المنظم للملك العام المائي بغية التحكم في عملية تدبير الماء يقول بيان الأسباب:"من الضروري التوفر على أدوات قانونية ناجعة قصد تنظيم توزيع الموارد المائية ومراقبة استعمالها وكذا ضمان حمايتها والحفاظ عليها". وقد أشار البيان إلى أنه من أسباب إعادة النظر في القوانين القديمة المتعلقة بالماء كون النصوص المعنية مشتتة في عدة مصادر رغم تحيينها في مراحل وتواريخ مختلفة فإنها لم تعد ملائمة للتنظيم العصري ومن ثمة فإنها لاتستجيب لضروريات التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. فضلا على أن الشروطالحالية لاستعمال الماء لم تعد تلك التي كنت سائدة في بداية القرن الذي نودعه. ومن هنا برزت الضرورة الملحة لمراجعة التشريع القديم وبتوحيد النصوص المتعلقة بتدبير الماء في قانون واحد مع إضافة أحكام جديدة تهتم بميادين لم يتم التعرض إليها في مراحل سابقة.
والجديد في القانون الحالي هو وضعه استراتيجية وطنية للتحكم في حاضر استعمال الماء وتوقع تطور هذا الاستعمال للزمن المستقبل، فقد ورد في هذا الصدد ما يلي:" إقرارسياسة وطنية مائية مبنية على نظرة مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار تطور الموارد المائية والحاجيات الوطنية المائية ومردودية الاستثمارات الخاصة بالماء أخذا بالاعتبار المصالح الاقتصادية والاجتماعية للسكان من خلال الحفاظ على الحقوق المكتسبة".
ولابد لت هذه الاستراتيجية من وضع آليات بإحداث وكالات الأحواض وهي مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتتمثل مهمتها في تقييم وتخطيط وتدبير موارد المياه على صعيد الأحواض المائية.ويمكن لهذه الوكالات منح قروض ومساعدات وإعانات لكل شخص يقوم باستثمارات لتهيئة الموارد المائية أو المحافظة عليها...وبفضل المرونة في التسيير واتخاذ القرارات المتاحة لوكالات الأحواض، يمكن لمستعملي الماء في الحوض الواحد الاستفادة في الدعم المائي والمساعدة التقنية اللازمة لهم لإنجاز العمليات المتعلقة باستغلال الملك العمومي المائي.
ويلاحظ أن القانون الجديد للماء أكد مبدأ الملكية العامة للمياه مقتفيا أثر القوانين القديمة (ظهيري 1914 و 1919). غير أنه إلى جانب هذا المبدأ قضى باستثناء الحقوق المكتسبة والمعترف بها على هذه المياه مثيرا إلى نذرة المياه باعتبارها من أسباب الحد من الحقوق الشخصية عندما قرر أنه لا يحق لمالكي الحقوق على المياه وحدها أ و على مياه لا يستعملونها إلا جزئيا تفويتها إلا لمالكي العقارات الفلاحية.
ومن ضمن المبادئ الأساسية الواردة في نص القانون مسألة وضع تخطيط لتهيئة الموارد المائية وتوفيرها وتوزيعها. ينبني على تشاور موسع بين المستعملين والسلطات العمومية، بالإضافة إلى حماية الصحة العامة بواسطة تقنين استغلال وتوزيع وبيع المياه المخصصة للاستغلال الغذائي، وقنين الأنشطة التي من شأنها تلويث الموارد المائية علاوة على التوزيع العقلاني للموارد المائية في فترة الجفاف للتخفيف من آثار نقص المياه. ولأجل الرفع من المردودية الزراعية عن طريق تحسين شروط تهيئة واستعمال المياه المخصصة للاستعمال الفلاحي. كما ورد في مجمل بيان الأسباب النص على جزاءات وإحداث شرطة للمياه بزجر ل استغلال من شأنه أن يكون غير مشروع أو من شأنه أن يفسد جودة المياه.
ومن مميزات هذا القانون أن يهدف إلى تحسين الوضع البيئي للموارد المائية على الصعيد الوطني حيث سيكون أداة فعالة لمحاربة التلوث المائي وأنه يضع قواعد جديدة لتنظيم استعمال الماء تتلاءم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمغرب المعاصر علاوة على أنه سيسمح باستثمار الجهود المبذولة لأجل بتعبئة واستعمال المياه وجعلها ملائمة لتطلعات التنمية الاقتصادية.

المطلب الثاني: مفهوم الملك العام المائي

1- تحديد هذا المفهوم ونطاقه
ورد مفهوم الملك العام المائي القاضي باعتبار جميع أصناف المياه ضمن الملك العمومي للدولة في ظهير فاتح يوليوز 1914 ثم في ظهير8 نونبر 1919 وعلى حين تم تقرير هذه القاعدة بمقتضى القانونين آنفي الذكر لأول مرة في المغرب، فإن عدة استثناءات وردت لتشذ على تلك القاعدة بخصوص مياه الأمطار التي يتم تجميعها بطرق اصطناعية وأيضا بالنسبة للحقوق المكتسبة على المياه لصالح المالكين شريطة أن يرجع تاريخ اكتسابها إلى ما قبل صدور الظهيرين المذكورين. وعلى هذا النهج حكم القضاء بأن: "حقوق المياه هي حقوقا عينية عقارية ولو لم تكن مرتبطة بالمفهوم القانوني بعقار من العقارات لأنها أي الحقوق المائية متجزئة من الملك العام".
وقد جاء القانون الجديد للماء ليؤكد العمل بقاعدة عمومية الملك المائي عندما نص القانون رقم 95-10 في المادة الأولى منه على أن:" الماء ملك عام، ولا يمكن أن يكون موضوع تملك خاص مع مراعاة الباب الثاني بعده بمنح الحق في استعمال الماء وفق الشروط المحددة في هذا القانون". كما أن المادة الثانية عرضت إلى تفصيل ما يندرج ضمن مفهوم الملك العام المائي يمكن إيجازها في جميع الطبقات المائية، ومجاري المياه والمنابع والبحيرات والبرك والسبخات والبحيرات والمستنقعات، وكذلك القطع الأرضية الداخلة في البحر والمغمورة بالمياه والآبار الارتوازية والآبار والمساقي ذات الاستعمال العمومي المشيدة من لدن الدولة أو لفائدتها وكذلك مناطق حمايتها والمحددة بمقتضيات تنظيمية وأيضا قنوات الملاحة والري والتطهير المخصصة لاستعمال عمومي والأراضي الواقعة في ضفافها الحرة بشروط بنيتها المدة 2 والحواجز والسدود والقناطر المائية وقنوات وأنابيب الماء والسواقي المخصصة لاستعمال عمومي ومسيل ومجاري المياه الدائمة وغير الدائمة ومنابعها ومسيل السيول والحافات والضفاف الحرة انطلاقا من حدود الحافات... [22].
2- نطاق الملك المائي العام في حالة تغيير في مسيل النهر
تناولت المادة 3 من القانون 95-10 الآثار الناجمة عن حصول تغيير في مسيل مجرى مائي وهي ذات الآثار التي تترتب على الالتصاق كسبب من أسباب التملك في المجال العقاري وقد سبق لظهير 11 محرم 1334 المتعلق بنظام المياه (ظهير 1 غشت 1925).
فأما مضمون المادة 3 من القانون الجديد فإنها تنص على أنه:"إذا حصل تغيير في مسيل مجرى مائي لأسباب طبيعية، تنتقل حدود الضفاف الحرة تبعا للعرض المحدد في الفقرة ج- أي مترين على المجاري المائية أو مقاطع المجاري المائية الأخرى- موازاة مع المسيل الجديد...".
ولابد من ملاحظة ما يلي:
"أ" - في حالة تراجع المياه، فإنه تضم إلى العام المائي المنطقة الموجودة بين الحدود القديمة والحدود، الجديدة للضفاف الحرة، دون تعويض المالك المجاور الذي ستكون له فقط إمكانية المنشآت و الإنشاءات المشيدة من قبله و كذا جني المحصول القائم (المادة 3 ).
و يضم إلى الملك العمومي المائي مع الضفاف الحرة التي يشملها المسيل الجديد الذي يشقه المجرى المائي بشكل طبيعي أو بدون تدخل الإنسان (المادة 4)، فإذا كان تغيير مجرى المسيل تغيرا طبيعيا فإنه تنتج آثار هامة منها أنه:
في الأولى: إذا لم تهجر المياه كلية المسيل القديم في هذه الحالة ليس لمالكي العقارات التي يخترقها المسيل الجديد أي حق في التعويض.
في الثانية : و على عكس هذا الأثر فإنه إذا تركت هذه المياه المسيل القديم بأن هجرته عندئد يكون للملاك الحق في التعويضات حسب الإيضاحات التالية :
*إذا عبر المسيل الذي هجرته المياه و المسيل الجديد على امتداد عرضها نفس العقار، فإنه يخرج الأول من هذين المسيلين و ضفافه الحرة من العام و يسلم مجانا لمالك هذا العقار.
*أما إذا اجتاز المسيلان، القديم و الجديد، عقارات في ملكية ملاكين مختلفين، يخرج المسيل من ضفافه الحرة من الملك العام، و يمكن للملاك اكتساب ملكيته عن طريق حق الشفعة.
أما إذا لم يصرح الملاك المجاورون للنهر عن نيتهم في الاكتساب بالأثمنة المحددة من قبل الخبراء في ظرف ثلاثة أشهر من الإشعار الموجه إليهم من قبل الإدارة، فإنه يتم بيع المسيل القديم وفق القواعد التي تحدد بيع الأملاك الخاصة للدولة. و يوزع الثمن الناتج عن البيع على ملاك الأراضي التي يحتلها المجرى الجديد، على سبيل التعويض حسب نسبة الأرض التي فقدها كل واحد منهم. (المادة 4 من قانون 95-10 )
3- الحقوق المكتسبة على الملك العام المائي
ورد التأكيد في المادة 6 من القانون الجديد على مبدأ الاحتفاظ بحقوق الملكية أو الانتفاع أو الاستعمال التي تم اكتسابها بصف قانونية على الملك العام المائي قبل صدور ظهير (فاتح يوليوز 1914) و (فاتح غشت 1925). و بينت المادة 6 المذكورة أنه على الملاك أو الحائزين للحقوق المكتسبة خلال خمس سنوات من صدور القانون الجديد أن يعمدوا إلى إيداع مطالبهم إلى الإدارة مع ما يثبت وجود هذه الحقوق، و عند انقضاء هذا الآجال، فإنه لا يمكن لأي كان أن يدعي أي حق على الملك العام.
ويثور الإشكال حول الحقوق المائية التي كانت موجودة قبل صدور الظهيرين (فاتح يوليوز 1914) و (فاتح غشت 1925) والتي لم يتم التصريح بها للإدارة آنذاك فهل هذه الحقوق القديمة غير المعترف بها لفوات أجل التصريح تستفيد من مقتضيات المادة 6 من قانون 10.95 فتفوز بفرصة جديدة للاعتراف بها لو تقدم أصحابها بمطالب خلال الأجل والمفتوح بصدور القانون الجديد؟ فيؤخذ نص المادة 6 على أنه إمهال جديد وبمثابة إمكانية إحياء هذه الحقوق المائية القديمة وتخليصها من الملك العام المائي.الجواب في اعتقادنا أنه بإمكان الاعتراف بهذه الحقوق باعتبار صياغة النص في المادة 6 الذي لا يحمل ما يفيد إبعاد الحقوق غير المصرح بها في ذلك الزمن أي سنوات 1914 و1915 ما دام يفتح أجلا جديدا هو خمس سنوات ابتداء من صدور القانون الجديد للماء..ثم إنه من المنطقي تمكين أصحاب هذه الحقوق من تقديم مطالبهم مجددا سيما وأن الزمن المتحدث عنه هو غير الوقت الحالي لما طبع الزمن الأول من الأمية وعدم التمرس بالمساطر التقنية الدقيقة في مجالات الحقوق العقارية والمائية الأمر الذي ضيع على أصحاب الحقوق القائمة في مجال الواقع فرصة الاعتراف بها وفق القوانين المستجدة. ونعتقد أن المادة 6 لابد أنها تفسح المجال لما ذكر من الحقوق ولا تقف عند إعادة تقرير الاعتراف مجددا بالحقوق الذي سبق لأصحابها أن سلكوا المسطرة الإدارية التي كانت معمولا بها للاعتراف لهم بحقوقهم.
وتعلن المادة 7 من القانون الجديد أن الاعتراف بالحقوق المكتسبة على الملك العام المائي يتم بمبادرة من الإدارة ومن قبلها أو بناء على طلب من المعنيين، بعد إجراء بحث علني طبقا للشروط المحددة بنصوص تنظيمية. وإذا حصل الطالب على القرار بالاعتراف بالحقوق المكتسبة على الماء فإن هذا القرار قابل للتسجيل بالسجل العقاري وفقا للمادة 48 من القانون 10.95.ومن الجديد الوارد في قانون الماء هو عقلنة الاستعمال المائي تفاديا للتبدير يظهر هذا التوجه في إخضاع حقوق الماء المعترف بها لأحكام استعمال الماء الواردة في المخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية وفقا للمادة 8 التي تحيل على الباب الرابع من هذا القانون.
ويؤكد القانون على عدم تجريد أصحاب الحقوق من حقوقهم المعترف بها بصفة قانونية إلا عن طريق نزع وفقا للشروط المنصوص عليها في قانو ن نزع الملكية من أصل المنفعة العامة بظهير 6 ماي 1982. وتوخيا لاستعمال الماء في أغراض السقي في العقارات الفلاحية أوجبت المادة 9 من القانون على مالك العقار الذي تكون في حوزته المياه المستعملة لسقي عقاره إن أزمع على تفويتها أن يتنازل عنها هي والعقار معا وفي آن واحد. أو منفصلة عنه شريطة أن يكون المالك الجديد للمياه المستعملة بدوره مالكا لعقار فلاحي آخر ترتبط به هذه الحقوق المائية موضوع التفويت.
وزادت المادة 11 بغية جعل المياه مسخرة للأغراض الفلاحية في حالة التفويت أو الكراء أنها منعت تفويت وكذلك كراء عقارات فلاحية تسقى بمياه اعترف للغير بحقوق عليها إلا إذا عرض مالك العقار على المشترين أو المكترين عقدا بكراء المياه محرر في اسمهم وضامنا لهم الانتفاع بها لمدة معينة وبثمن محدد بمقدار حاجتهم لتلك المياه لسقي العقارات، ومن المعتقد أن تحرير هذه العقود سيعفى الطرفين من المنازعات الدائرة حول الماء المستعمل في السقي. ومن هنايتبين اتجاه القانون الجديد للماء إلى جعل القرار مرتبطا بمياه السقي. بحيث ينشأ عن هذا الارتباط عدم إمكانية فصل أحدهما عن الآخر. وهذه حسنة تحسب لهذا القانون بحسمه في مسألة الارتباط في دورة الإنتاج الزراعي بين الأرض الفلاحية ومياه السقي الجارية لصالحها. ووفقا لنفس العلة سبق للفضاء أن حكم بجعل شفعة العقار شاملة شفعة ماء السقي سواء أباع الشريك الماء وحده أم باعه مع الأرض مادامت الأرض التي تسقى بالماء مشتركة ولا خلاف في الملكية[23].
وأوضحت المادة 10 أنه على ملاك الحقوق المكتسبة على المياه أو على مياه لايستعملونها إلا جزئيا في عقاراتهم أن يقوموا داخل أجل خمس سنوات ابتداء من نشر القانون أو نشر الاعتراف بها وفقا للمادة 6 بتفويت هذه المياه كلا أو بعضا لأشخاص طبيعيين أو معنويين يملكون عقارات فلاحية ولفائدة هذه العقارات أو للدولة. على أنه إذا مضى الأجل المذكور فإنه حقوق المياه التي لم تكن موضوع مسطرة التفويت وفقا لما سبق وصفه فإنها تصبح ملكا للدولة عن طريق نزع الملكية. 

المطلب الثالث: حقوق وواجبات الملاك العقاريين في قانون الماء 

1- الحقوق الجارية للملاك: مياه الأمطار- الآبار – جلب الماء- الممر المائي
من المعلوم طبقا للقواعد المنظمة لحق الملكية أن هذا الحق ينسحب على أص الملك وتوابعه بمعنى أن مالك الأرض يملك أصل العقار وما ي وجد على سطح الأرض من أبنية ومنشاءات وأغراس كما يملك ما هو موجود في عمقها سوى ما أخرجه القانون واستثناه من دائرة اختصاص المالك في ما لو تعلق الأمر بالركاز أو المواد المعدنية المخصص لها لوائح تستثنيها من الملكية الخاصة وكذا الأمر بالنسبة للتحف التاريخية. ويزيد القانون المتعلق بالماء في تقرير مفهوم الملك العام المائي أن يجعل القاعدة هي نسبة الماء للملك العمومي لايستحوذ عليه المستعمل أو يحتكره لنفسه ويمنع غيره من الوصول إليه إلا في حالات استثنائية جاءت في القانون الجديد على وجه الحصر ونعرض لسردها في الفقرات التالية:
"أ" مياه الأمطار: منح القانون الجديد للملاك حق استعمال مياه الأمطار التي تتساقط على أراضيهم وذلك وفقا لما جاء في المادة 26 التي ذكرت أنه تحدد نصوص تنظيمية شروط التجميع الاصطناعي للمياه في الملكيات الخاصة. ومن المعلوم أن حق المالك في مياه المطر سبق أن تقرر له بموجب ظهير 19 رجب 1333 الخاص بالعقارات المحفظة عند حكم الفصل 111 من الظهيرين بأن:"لكل مالك الحق في استعمال مياه المطر النازلة في أرضه والتصرف فيها...".
"ب" مياه الآبار: للمالك الحق في حفر ما يشاء من الآبار وأن ينجز الأثقاب التي يتجاوز عمقها الحد المعين بنصوص تنظيمية وبغير حاجة إلى ترخيص رسمي، بشرط ألا تتعدى كميات الماء المستهلك (200م3) في اليوم. وللمالك الحق في استعمال مياه الآبار بشرط عدم المساس بموارد المياه العامة أو الأضرار بحقوق الغير وفقا لشروط القانون(المادة 26).
"ج" جلب الماء: عرضت المادة 27 من قانون الماء إلى الحالة التي يضطر فيها المالك إلى جلب الماء حيث يلزمه عندئذ أن يصرح بذلك قبل مضي الأجل الذي تحدده النصوص التنظيمية إن كان جلب المواد موجودا قبل تاريخ نشر القانون رقم 95-10. أما بالنسبة إلى جلب الماء الذي لم يتم بعد الترخيص به فإن التصريح به يعتبر بمثابة طلب ترخيص يتم بحثه مع مراعاة مسألة كون الماء من الملك العام حسب ما تقول به المادة 6 من القانون، ومبدأ عدم تجريد المالك من حقه في الماء طبقا للمادة 8 من نفس القانون.
"د" حصول المالك على ممر مائي
قررت المادة 28 لكل مالك يريد استعمال مياه حقه بالتصرف فيها أي استغلالها لفائدة ملكه بتمكينه من الحصول على ممر لهذه المياه على الأراضي الوسيطة مقابل تعويض عادل ومسبق. ومن هنا يأخذ القانون الجديد بمسألة الارتفاق المقرر على العقار مثله مثل القواعد العامة. فتقول المادة 28 المذكورة:" يجب على الملاك استقبال المياه التي يمكن أن تسيل من الأراضي المسقية بهذه الكيفية مع احتفاظهم بالحق في المطالبة بالتعويض عند الاقتضاء". والملاحظ أن هذه الارتفاقات المتضمنة لتمرير المياه تخص الأراضي الفلاحية بدليل أن المادة 28 تستثني المنازل والساحات والحدائق والمنتزهات والحظائر المتاخمة للمساكن.
وعند قراءة المادة 28 يثور لدينا نوع من اللبس فلا نعلم وضعية الأراضي لاستجلاء نوعية الارتفاق المائي، فمن المعلوم أن الارتفاق وفقا للمادة 109 من ظهير 19 رجب 1333 المطبق على العقارات المحفظة ينشأ عن الوضعية الطبيعية للأماكن أو عن إرادة القانون ذاته أو عن اتفاقات الأطراف ولكل نوع من هذه الأنواع الثلاث أحكام تنظمه وآثار تترتب على وجوده، ثم إن المادة 110 من نفس الظهير تتحدث عن الارتفاقات الناشئة على الأراضي الواطئة لصالح الأراضي التي تعلوها لتلقي المياه التي تسيل سيلا طبيعيا من غير أن تسهم يد الإنسان في إسالتها بحيث لا يجوز بأية حال لصاحب الأرض الواطئة أن يقيم سدا يمنع سيل الماء...فضلا عن ذلك نجد المادة 111 من هذا الظهير تقرر حق كل مالك في استعمال المياه الناجمة عن المطر النازلة في أرضه والتصرف فيها مضيفة أنه إذا كان استعمال تلك المياه والاتجاه المعطى لها يزيد عبء الارتفاق الطبيعي للسيل فإن لصاحب الأرض الواطئة الحق في التعويض. فلو وضعنا صياغة المادة 28 من القانون 10.95 ضمن الارتفاقات الواردة في فصول ظهير 19 رجب 1333 لوجدنا أنفسنا في حيرة إزاء استخلاص نوع الارتفاق المائي المراد تقريره بهذه المادة أهو ارتفاق طبيعي أم بمقتضى القانون أم هو مجرد ارتفاق ناشئ عن اتفاقات الأطراف المعنية بمرور المياه؟
لكن لنا الاستعانة بألفاظ وعبارات المادة 28 المذكورة اعتمادا على قولها:"والأراضي الوسيطة" وهو تعبير لا يفيد قط معنى الأراضي الواطئة على تعبير ظهير 19 رجب و"المطالبة بالتعويض عند الاقتضاء" فلو وقفنا عند هذه العبارات لكنا إزاء ارتفاق هائي تحكمه شروط الاتفاق بين الأطراف، لكن المادة 28 بدأت فقرتها الثانية بعبارة "يجب على الملاك استقبال المياه...". ومن هنا يمكن مقابلة صياغة المادة 28 نتيجة اشتمالها على ما يفيد الوجوب من الارتفاقات المفروضة بقوة القانون وفقا للفصل 109 من ظهير 19 رجب المتعلق بالعقارات المحفظة. فضلا على أن الفقه المغربي [24] كي حق مسيل مياه الري المنصوص عليه في المادة 7 من ظهير 11 محرم 1433- ظهير- ظهير 1925 (الملغى بقانون الماء قم 10.95 (المادة 123) بأنه حق ارتفاق قانوني متعلق بالمياه.
وتترتب على تكييف حق تمرير مياه السقي المنصوص عليه في المادة 28 بأنه ارتفاق قانوني نتيجة هامة هي أنه معفى من التسجيل في لسجل العقاري مثله مثل الارتفاق الناجم عن الأماكن الطبيعية بخلاف الارتفاق الناجم عن اتفاق الأطراف فإنه وحده خاضع للتسجيل بالسجل العقاري ولا يكون نافذا بين الأطراف ولا موجودا تجاه الغير إلا اعتبارا من تاريخ هذا التسجيل[25]. وقد حكم القضاء في ما نبحثه بأنه:"يعفى من الإشهار الارتفاق الناشئ عن الوضعية الطبيعية للعقارات المتجاورة (فصل 109 من ظهير 1915).
وأوضح هذا الحكم القضائي أن:
"إحداث ساقية في ملك الغير ليس من الارتفاقات الطبيعية الناشئة عن الأماكن المنصوص عليها ي الفصل 109-110 من القانون العقاري المعفاة من الإشهار بالسجل العقاري تكون المحكمة على صواب لما لم تعد بإدعاء وجود ساقية للماء كمرفق يثقل ملك الغير لعدم إشهاره بالرسم العقاري للملك".
"ه" تصريف المياه الضارة
نصت على هذا الارتفاق00 القانوني المادة 29 من القانون 10.95 بحكمها: "يمكن لكل مالك يريد القيام بإفراغ المياه الضارة بعقاره وفق نفس الشروط المحددة في المادة السابقة" والمقود بالشروط تعويض صحب الملك محل تصريف المياه الضارة، على أن نفس المادة جعلت لصاحب العقار المثقل بتصريف المياه على النحو السابق أن يستفيد من التجهيزات المقامة ومن الأشغال المنجزة لهذا الغرض نظير مساهمته ماليا في الأشغال وفي صيانة المنشآت التي أصبحت مشتركة.
"و" حق المرور
أكدت المادة 30 على الإبقاء على ممارسة حقوق المرور الخاصة والمتولدة عن عرف قار والتي يمكن أن توجد في بعض المناطق. والمستخلص من المادة 30 هو أن حق المرور المتحدث عنه تعلق بحق جلب المياه وتصريف المياه الضارة، فإذا كانت أعراف تسود منطقة من مناطق المملكة في تنظيم هذا الحق فإنه يؤخذ بهذه الأعراف وتكون لها الأسبقية على المادتين 28 و 29 بصراحة الإحالة التي قضى بها المشرع في المادة 30 فقد يكون العرف المحلي ملائما بسبب استقراره ومواءمته لظروف المتعاملين به في نطاق تدبيرالماء فلماذا استبعاده؟
2- واجبات الملاك: ارتفاق بالمرور - نزع الملكية - ارتفاق بالإيداع - السماح بالبحث عن الماء
"أ" ارتفاق بالمرور
قضت المادة 31 من قانون 10.95 بتحميل الملكيات المجاورة لمجاري الماء والبحيرات وغيرها من التجهيزات المائية بارتفاق قانوني مضمونه أربعة أمتار تؤخذ انطلاقا من الضفاف الحرة تسخر لتمكين أعوان وآليات الإدارة أو وكالة الحوض المائي من حرية المرور أو من وضع مواد أو إنجاز أشغال تكتسي طابع المنفعة العامة.
ويفرض هذا الارتفاق على المالك المجاور الالتزام بعدم القيام بأي فعل من شأنه أن يضر بسير مجاري المياه والبحيرات والمنشآت وبصيانتها وبالمحافظة عليها.
وفي حالة ما إذا ترتب على هذا الارتفاق عدم استعمال الملكيات الفلاحية المستثمرة فعليا فإنه يكون من حق المالك أو الملاك المطالبة بنزع ملكيتها.
"ب" نزع ملكية الملك المترفق
أما في حالة إذا ما تبين أن المنطقة المخصصة للارتفاق بالمرور غير كافية لإقامة المسلك فإن للإدارة أو لوكالة الحوض في غياب موافقة صريحة للملاك المجاورين اكتساب ملكية الأراضي اللازمة عن طريق نزع الملكية (المادة 31).
كما يجب على الإدارة إشعار ملاك أو مستغلي الأراضي المحملة بالارتفاق كتابيا بإنجاز المنشآت أو الأشغال اللازمة لإقامة المسلك (المادة 32).
وفي حالة عدم وجود اتفاق بالتراضي تحدد التعويضات الناتجة عن هذا الإنجاز من قبل المحكمة المختصة (نفس المادة).
"ج" ارتفاق بإيداع
وتتحدث المادة عن ارتفاق بإيداع تتعدى مدته مدة سنة، وبمقتضاها يكون لمالك الأرض الخاضعة لهذا الارتفاق أن يطالب من المستفيد طيلة مدته اقتناء الأرض المحملة بالارتفاق وإذا لم يستجب المستفيد خلال أجل سنة فإنه يكون للمالك اللجوء إلى المحكمة المختصة قصد استصدار حكم يقضي بنقل الملكية وتحديد مبلغ التعويض وفقا للتعويض المحدد في مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة. وفي حقيقة الأمر تعتبر ممارسة المالك لهذا الحق تخل عن الملكية الفردية بإرادة منفردة لا تستلزم صدور رضا عن المستفيد من حق الارتفاق. على أن المشرع لم يبين لنا قصده من ارتفاق الإيداع الوارد في المادة 33 من القانون 10.95 ومداه. على أن الإيداع في حكم القواعد العامة خاص بالمنقولات ولا يطال العقارات، ويمكن اجتهادا تصور حق ارتفاق الإيداع خاص بمواد كالحت أو مواد إنجاز الأشغال تعود لشخص المستفيد والتي يستغلها في مرور المياه. وبما أن المشرع أوجب اتباع مسطرة التعويض وفقا لما يجري في نزع الملكية فإن المستفيد المذكور في المادة 33 لابد و أنه شخص الإدارة أو وكالة الحوض لأنها أعمالهما تكتسي طابع المنفعة العامة ويمتنع على ملاك الأراضي إقامة سياج ثابت أو بنايات أو أغراس داخل المناطق الخاضعة للمسلك إلا بإذن من الإدارة وعند عدم ترخيص سابق فإن الإدارة تقوم تلقائيا بإزالة ما قام به الملاك المخالفون بعد إنذارهم بإزالة الأشغال وإعطائهم أجل 15 يوما . وعند الضرورة يمكن للإدارة أن تطلب مقابل أداء تعويض قطع الأشجار المقامة وهدم البنايات الموجودة داخل أجل ثلاثة أشهر وذلك وفقا لمضمون (المادة 34).
"د" السماح بالبحث عن الماء في الملك الخاص
ومن الوجبات الملقاة على الملاك ما قضت به المادة 35 من أنه للدولة وللجماعات المحلية ولأصحاب الامتياز المرخص لهم قانونيا، الحق في القيام داخل الملكيات الخاصة بأشغال البحث عن المياه وفق مقتضيات القانون المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت. 

المطلب الرابع: الترخيص والامتياز في استعمال الماء 

قلنا إن مفهوم الملك العام المائي تسرب إلينا عبر ظهير 1914 ثم بظهير 1919 بحيث تم اعتبار جميع أصناف المياه في عداد الأملاك العمومية للدولة مع استثناء مياه الأمطار المتجمعة بطرق اصطناعية والمياه المكتسب عليها حقوق خاصة معلن عن وجودها في الأجل القانوني. وقد بين الفصل 12 من ظهير 1925 أنه:"لم يعد جائزا أخذ المياه من المجاري إلا بعد الحصول على رخصة امتياز مسبوقة بإجراء بحث عمومي طبقا لما ينص عليه القرار الوزاري بتاريخ فاتح غشت 1925". وهذا ا أكدته المادة 36 من قانون الماء الجديد بأن جاء في نصها مايلي:" تمنح الترخيصات والامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي بعد إجراء بحث علني، ويترتب على هذه الترخيصات والامتيازات تحصيل مصاريف الملف..." ومن هذه النصوص يترأى لدينا أن استعمال الماء لم يعد دون رقابة من الإدارة لكن ضمن ترخيص من الإدارة أو امتياز ونظرا لأهمية الموضوع نعرض للمسطرة المتبعة بهذا الشأن وإلى الغرض والمضمون لكل من الترخيص والامتياز المقررين لاستعمال المياه ولأحوال سحب أو انقضاء كل منهما وإلى الطبيعة القانونية لهما.
1- المسطرة المتبعة في كل من الترخيص والامتياز
ثمة اتفاق بين كل من الترخيص والامتياز من حيث المسطرة التي يتم اتباعها بشأنهما. ذلك أنه تقوم لجنة البحث العلني بتلقي مطالب المعنيين بالأمر من أجل الحصول على ترخيص أو امتياز للمياه. ويتم إخبار العموم بفحوى المطالب بواسطة الصحافة أو بأية وسيلة أخرى للإشهار في أجل 15 يوما سابقة عن بداية البحث العلنى الذي يجب ألا تتجاوز مدته ثلاثين يوما. ويتعين على كل وكالة الحوض أن تبت في الطلب أو في تعرض من طرف الغير داخل أجل 15 يوما من تاريخ البحث العلني بعد أخذ رأي اللجنة المذكورة. وتتألف اللجنة من ممثل السلطة الإدارية المختصة باعتبار موقع نقطة جب الماء أو جزء الملك العام المعني (رئيسا) بالإضافة إلى ممثل مصالح العمالة أو الإقليم التابعة للوزارة المكلفة بالتجهيز والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي المعني عندما يتم جلب الماء داخل منطقة نفوذه. وكذلك ممثل أو ممثلي مصالح العمالة أو الإقليم للوزارة أو الوزارات المنتمي إليها القطاع المرتفق وممثل وكالة الحوض المائي المعنية باعتباره كاتبا وممثل الجماع أو الجماعات المعنية.
يصدر مدير وكالة الحوض المائي مقررا بافتتاح البحث العلني المنصوص عليه في المادة 36 من القانون 10.95 وتجري عملية النشر والإشهار وبأية وسيلة ملائمة وتضع السلطة الإدارية المحلية طوال مدة البحث رهن تصرف الجمهور ملف البحث الذي يجب أن يشتمل على طلب المعني بالأمر والأوراق المضافة إليه وعلى سجل الملاحظات تتولى السلطة المذكورة ترقيمه وتوقيعه ويعد لتلقي م يحتمل أن يقدمه الغير من ملاحظات ومطالب. تجتمع اللجنة بعد انتهاء البحث العلني وتنتقل إذا رأت في ذلك فائدة إلى عين المكان للنظر في الملاحظات المقدمة وتحرر محضرا بذلك داخل الأجل لا يزيد على 10 أيام من تاريخ اجتماعها. ويجب أن يوقع المحضر المذكور من لدن جميع أعضاء اللجنة وأن يتضمن الرأي المعلل الذي تبديه اللجنة.
(المواد2-3-4-5-6 من مرسوم رقم 2.97.487 في 6 شوال 1418(4 فبراير 1998) بتحديد مسطرة منح التراخيص والامتيازات المتعلقة بالملك المائي. 
2- الترخيص بجلب المياه
"أ" الغرض منه:
الغرض الذي يمنح من أجله الترخيص هو جلب المياه من أجل الري لفائدة عقار معين، والترخيص لا يمتد إلى غير هذا العقار أو عقارات أخرى حيث بينت المادة 40 من القانون 10.95 أنه:" يمنح الترخيص بجلب المياه من أجل الري لفائدة عقار معين، ولا يمكن للمستفيد استعمال المياه لفائدة عقارات أخرى دون ترخيص جديد".
وعلى فرض أن مالك العقار المستفيد من الترخيص فوت عقاره للغير فإن الترخيص يحول لفائدة المالك الجديد بقوة القانون، ويتعين على هذا المالك الجديد التصريح بالتفويت إلى وكالة الحوض داخل أجل 3 أشهر إبتداءا من تاريخ انتقال الملكية(المادة 2/40 المذكورة).
وتثير لدينا واقعة انتقال المكية ملاحظتين هما: إنه إذا تعلق التفويت (البيع وغيره من التصرفات الناقلة للملكية). بعقار غير محفظ فإن العبرة بانتقال الملكية بتاريخ العقد لأن هذا الأخير مؤد إلى نتقل الملكية باعتبار أن له أثر منشئ مع وجوب حصول تسليم العقار. فيلزم المالك الجديد للاستفادة من الترخيص بجلب المياه المبادرة داخل الأجل المحدد في المادة 40 إلى التصريح لدى وكالة الحوض بوقوع التفويت.
أما إذا تعلق التفويت بعقار محفظ فإنه من الواجب اتباع مقتضيات الفصل 67 من ظهير و رمضان 1331 (13 غشت 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري والذي يؤدي أن انتقال الملكية يكون بالتسجيل بالسجل العقاري. ذلك أن للتسجيل أثر منشئ في نطاق المعاملات المبرمة على العقارات المحفظة. لذلك نطرح التساؤل التالي : هل يتم اعتبار هذه المفارقة الخاصة بالعقارات المحفظة و من ثم يتم إيقاف الأجل المذكور في المادة 40 من القانون الجديد للماء إلى حين وقوع تسجيل تصرف التفويت بالسجل العقاري رغم أن هذا الإجراء قد تطول مدته؟ أم أنه سيكتفي بتاريخ العقد المتضمن للتفويت ولا يلتفت إلى مقتضيات الفصل 67 من قانون العقارات المحفظة؟ لابد أن الاجتهاد القضائي سيفصل مستقبلا في هذا الإشكال ليضع له الحل الملائم، وفي اعتقادنا أنه تكون العبرة بتاريخ العقد تفاديا لفوات الأجل وهو قصير المدة للتصريح بالتفويت المبرم على العقار المحفظ ولا معنى لانتظار انتقال الملكية بتسجيل العقد في السجل العقاري طبقا للفصل 67 من التحفيظ العقاري. ذلك أن تأخير الترخيص يضر بالعقارات الفلاحية التي هي في حاجة إلى الري. مع ملاحظة أن الترخيص بجلب الماء يمكن تسجيله في السجل العقاري بمقتضى المادة 48 من القانون رقم 95-10 فتفاديا للتأخير يمكن الاكتفاء بتسجيل الترخيص ذاته لأن ذلك لن يتأتى إلا إذا سجل عقد تفويت العقار.
على أنه يعتبر باطلا كل تحويل للترخيص بجلب المياه إن تم بمعزل عن العقار الذي منح لفائدة استغلاله. ويترتب على البطلان سحب الترخيص (المادة 3/40 من قانون الماء). وفي حالة تجزئة العقار المستفيد من الترخيص فإن تقسيم المياه على القطع الأرضية يجب أن يكون موضوع دراسة جديدة تحل مح ل الترخيص الأصلي (المادة 4/40).
"ب" سحب الترخيص
يعطى الترخص بجلب المياه لمصلحة العقارات الفلاحية لأجل عشرين سنة قابلة للتجديد مع أداء الاتاوة المقررة عند جلب الماء وكذلك عند صرفه وفقا للمادة 2/39 من القانون.
على أنه يتم سحب الترخيص من طرف وكالة الحوض في أي وقت وبدون تعويض بعد توجيه إنذار كتابي من الإدارة إلى المعني بأمر سحب الترخيص وبخاصة في الحالات هي:
- عدم احترام الشروط التي يتضمنها الترخيص.
- إذا لم يشرع المستفيد في استعمال الترخيص داخل أجل سنتين.
- إذا تم تفويت الترخيص أو تحويله للغير دون موافقة مسبة من وكالة الحوض ماعدا الاستثناء المنصوص عليه في المادة 40.
- إذا لم يتم تسديد الأتوات في الآجال المحددة.
- إذا استعملت المياه لغرض غير مرخص به.
وعلاوة على هذه الحالات يمكن لوكالة الحوض في أي وقت تغيير الرخصة أو تقليص مدتها أو سحبها من أجل المنفعة العامة بشرط توجيه إشعار للمستفيد لا تقل عن ثلاثين يوما. يخول هذا التغيير أو التقليص أو السحب الحق في التعويض لفائدة المستفيد من الترخيص باعتبار الضرر المباشر الحصال من جراء ذلك (المادة 39).
"ج" مضمون الترخيص (المادة 39):
ينص الترخيص على عمليات أشغال البحث أو التقاط المياه الجوفية أ النابعة وحفر الآبار وإنجاز الأثقاب وأشغال التقاط واستعمال مياه العيون الطبيعية الواقعة في الملكيات الخاصة وإقامة المنشاءات لمدة 5 سنوات بهدف استعمال الملك العام المائي وجلب صبيب من مياه الطبقة الجوفية وجلب المياه كيفما كانت طبيعتها من أجل بيعها أو من أجل استعمالها للعلاج الطبي. بالإضافة إلى استغلال المعدات أو الممرات على المجاري المائية.
3- امتياز أخذ المياه
"أ" الغرض من الامتياز
بينت المادة 43 الغرض من الامتياز في حكمها بأنه: "يمنح الامتياز أخذ المياه من أجل الري لكل شخص ذاتي أو معنوي لفائدة "قارات" تقع داخل مدار محدد" ونفضل عليه تعبير "قطع أرضية".
فإذا تم استعمال المياه خارج المدار المحدد أو لأغراض أخرى غير الري، فإن ذلك يعتبر إخلالا بشروط عقد الامتياز ويترتب عليه أن يسقط الحق في الامتياز أو أن تتم مراجعته تلقائيا من لدن الإدارة وبدون أن يكون للمستفيد الحق في أي تعويض المادة 2/43 ولم يغفل القانون حالة تغيير المالك بدليل أنه جعل الامتياز يتحول بفوائده وتكاليفه إلى المالك أو الملاك الجدد الذين يتحملون بواجب التصريح بهذا التحويل لوكالة الحوض داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ انتقال الملكية(المادة 3/43).
وفي حالة تعدد الملاك والعقارات المستفيدة من حق الامتياز، فإن تقييم المياه الممنوحة بواسطة هذا الحق يكون واجب التحديد في عقد الامتياز، ولا يمكن تغيير هذا التقسيم إلا طبقا للشروط المقررة لتغيير عقد الامتياز(المادة 4/43).
"ب" مضمون الامتياز
تخضع لنظام الامتياز عمليات تهيئة العيون المعدنية والحارة وكذلك استغلال هذه المياه، و إقامة منشآت فوق الملك العام المائي لمدة تفوق 5 سنوات قصد الحماية من الفيضانات أو بتجميع وتحويل المياه واستعمالها، وتهيئة البحيرات والبرك والمستنقعات وكذلك عمليات جلب الماء من الطبقات المائية ومأخذ الماء المقامة على مجاري المياه والقنوات المتفرعة عن الوديان أو العيون الطبيعية عندما يزيد الصبيب المأخوذ عن الحد الذي تعينه وكالة الحوض أو إذا كانت مخصصة لاستعمال عمومي. بالإضافة إلى جلب الماء من مجاري المياه والقنوات بهدف إنتاج الطاقة الهيدروكهربائية وفقا للمادة 41 من القانون 10.95.
غير أنه لا تطبق هذه المادة على موارد المياه وعلى المنشآت المخصصة للمدارات المجهزة كليا أو جزئيا من طرف الدولة ولاسيما المدارات المحددة في الفصل 6 من الظهير الشريف رقم 25-69-1 بتاريخ 10 جمادى الأولى 1389 (25 يوليوز 1969) بمثابة قانون الاستثمارات الفلاحية (المادة41).
"ج" الطبيعية القانونية للامتياز:
ورد في المادة 41 المذكورة ما يلي:"ويشكل الامتياز حقا عينيا لمدة محدودة ولا يخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي".
وتحدد المادة 42 المدة القصوى في مدة 50 سنة " فيكون الامتياز يجلب المياه حقا عينيا محدد المدة القصوى 50 سنة يخول المستفيد أخذ المياه من أجل الري دون حق الملكية على الملك العام المائي". وانطلاقا من هذه العناصر ندلي بالملاحظات التالية:
1- أن للامتياز طبيعة الحق العيني بمقتضى تصريح المادة 41 وبذلك يضيف النص المذكور حقا عينيا جديدا إلى مضمون الفصل 8 من ظهير 19 رجب 1331( 2 يونيو 1915 ) المطبق على العقارات المحفظة. ومن المعلوم أن النقاش الفقهي قد عرض لمسألة حصرية الحقوق العينية، ومن ثمة يجب التقيد في تعداد هذه الحقوق بإرادة المشرع وما تنصرف إليه، من ذلك أن القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء يعتبر الامتياز بجلب الماء حقا عينيا مما يكون معه واجب إضافة الامتياز المذكور إلى اللائحة الخاصة بالحقوق العينية للفصل 8 من ظهير 19 رجب 1333.
2- ورب قائل أن هذا الامتياز بجلب الماء مؤقت المدة التي لا تتجاوز 50 سنة ي الحد الأقصى. يضاف إلى ذلك أنه لا يخول المستفيد منه الملكية على الملك المائي العام. يجاب على هذا القول بأن كثيرا من الحقوق العينية هي بالفعل مؤقتة وليست مؤبدة، مثل حق الانتفاع وحق الاستعمال والسكنى والارتفاق المحدد المدة والكراء الطويل الأمد والرهن بأنواعه، ولا تؤدي صفة التأقيت هذه إلى الإنقاص من ماهية الحق العيني الذي يخول صاحبه سلطة مباشرة على الشيء، ثم إن الامتياز باعتباره حقا عينيا لا يخول صاحبه حق الملكية الخاصة على الماء لأنه ليس في درجة الحقوق المكتسبة على المياه ولأن ما يعتبر من أملاك العام للدولة لا يفرط فيه ليصبح ضمن الملك الخاص.
3- يتميز الامتياز بجلب الماء بعناصر ذاتية تجعله يستقل عن باقي الحقوق المذكورة في الفصل 8 من ظهير 19 رجب ومن ثمة لا يمكن إدماجه في أحدها لأجل ذلك قضت المادة 48 من القانون رقم 95-10 بأنه يمكن تسجيل رخص الامتيازات وجلب المياه وكذلك قرارات الاعتراف بالحقوق المكتسبة على المياه بالسجل العقاري.
"د" عقد الامتياز ( المادة 42 ):
يتم عقد الامتياز بين مالك العقار باعتباره طالبا للامتياز من جهة وإدارة وكالة الحوض. يتضمن عقد الامتياز وجوبا ما يلي:
الصبيب الممنوح ونمط استعمال المياه، وتحملات صاحب الامتياز وكذلك التزامه والأتواة المؤداة، فضلا عن المنشآت المقامة لجلب المياه وأجل إنجازها، ومدة الامتياز التي لا تتعدى 50 سنة، والتهيئات المقررة لغرض الامتياز، والتدابير الواجب اتخاذها من المستفيد تجنبا لتدهور جودة موارد المياه. وعند الاقتضاء يجب ذكر الشروط الخاصة بتغيير الصبيب الممنوح أو تقليصه وكذلك التعويض المستحق في حالة وقوع التغيير أو إنقاص المياه. ويتضمن العقد أيضا شروط استرجاع الامتياز وسحبه وسقوط الحق فيه وشروط استرجاع المنشآت لفائدة الدولة عند نهاية الامتياز.
"ه" الحقوق المترتبة بعقد الامتياز ( المادة 44 ):
يخول عقد الامتياز للمستفيد الحق في:
* إقامة كل منشأة مخصصة لاستعمال الصبيب المرخص به بعد موافقة وكالة الحوض على مشاريع هذه المنشأة.
* احتلال أجزاء الملك العام اللازمة لمنشأته.
* حلول المستفيد من الامتياز محل وكالة الحوض في المطالبة بنزع الملكية أو الاحتلال المؤقت للأراضي اللازمة المنشآت الخاصة بحق الامتياز ولأجل استغلاله طبقا لقانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت.
"و" انقضاء الامتياز:
ينتهي الامتياز بانقضاء المدة المحددة له بمقتضى العقد وفي أقصى الحالات ينتهي هذا الحق بمضي مدة خمسين سنة وفقا للمادة 42 المذكورة.
ويسقط الحق في الامتياز في الأحوال التالية:
إذا أخل المستفيد بالتزام من الالتزامات المنصوص عليها في عقد الامتياز بموجب المادة 45 ومن ذلك على وجه الخصوص ما ذكرته هذه المادة من الأسباب المؤدية إلى سقوط الامتياز كالتالي:
- يسقط الامتياز في حالة استعمال المياه لغرض مغاير للغرض الذي رخص به أو في حالة استعمالها خارج منطقة الاستعمال المحددة.
- عدم استعمال المياه موضوع الامتياز داخل الأجل المحدد في عقد الامتياز.
- عدم احترام الالتزامات ذات الطبيعة الصحية ولا سيما في حالة العيون الحارة.
ويترتب على سقوط الامتياز بمقتضى المادة 45 مطالبة وكالة الحوض بإعادة الأماكن إلى حالتها الأصلية، وعند الاقتضاء تنفيذ ذلك تلقائيا على نفقة المستفيد من الامتياز المنقضي.
* أحكام شاملة للترخيص والامتياز :
تنص المادة 46 من قانون الماء على ما يلي:
" عندما تقتضي المصلحة العامة ضرورة إزالة أو تغيير المنشآت المنجزة قانونا بموجب ترخيص أو امتياز فإن للمرخص له أو صاحب الامتياز الحق في التعويض المناسب لقيمة الضرر الذي لحق به، ما لم يوجد شرط مغاير في عقد الترخيص أو الامتياز".
كما تنص المادة 47 من نفس القانون على أنه:
" يمكن لوكالة الحوض أن تأمر بهدم الأشغال المنجزة بدون ترخيص أو امتياز أو خلافا للأنظمة المتعلقة بالمياه، وأن تأمر المخالفين عند الاقتضاء بإعادة الأماكن إلى حالتها الأصلية داخل أجل لا يمكن أن يقل عن 15 يوما وعند انقضاء هذا الأجل يمكن لوكالة الحوض القيام بذلك تلقائيا على نفقة المخالفين". 

المطلب الخامس: شرطة الماء والجزاءات 

1- مهام شرطة الماء
خصص قانون الماء مواده من 104 إلى 123 لبحث مهام شرطة الماء علاوة على المخالفات المائية و الجزاءات المطبقة في حالة وقوعها.
ويتولى مهام شرطة الماء من أجل معاينة المخالفات علاوة على ضباط الشرطة القضائية الأعوان المعينون لهذا الغرض من طرف إدارة وكالة الحوض وكذلك المحلفون طبقا للتشريع المتعلق بأداء القسم من طرف الأعوان المكلفين بتحرير المحاضر(المادة 104).
وأما مهام هؤلاء الموظفين والأعوان فهي الولوج إلى الآبار والأثقاب أو أية منشأة أخرى لالتقاط الماء أو جلبه أو صبه وفقا للشروط المحددة في الفصلين 64 و 65 من قانون المسطرة الجنائية. علاوة على ذلك لهم أن يطلبوا من مالك أو مستغل منشأة التقاط أو أخذ أو صب المياه تشغيل هذه المنشآت قصد التحقق من خصائصها بمقتضى المادة 105 من قانون الماء.
وتجري المعاينة لضبط المخالفات المائية على الشكل الذي بينته المادة 106 التي تقول:" تتم معاينة المخالفات لأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه بكل وسيلة مناسبة ولاسيما بأخذ عينات، ويترتب على أخذ العينات تحرير محاضر بذلك فورا" (المادة 106).
وتضيف المادة 107 ما يلي:" توضع الأختام على كل عينة مأخوذة ويجب على العون المحرر، إذا وقع الأخذ بحضور مالك أو مستغل منشأة المصرف أن يخبره بموضوع الأخذ وأن يسلمه عينة مختومة ويشار إلى ذلك في المحضر" ونرى على صيغة الوجوب الموجودة في هذا النص أن البطلان هو جزاء كل محضر مخالف أحكام المادة 107 ومن ثمة عدم المتابعة لافتقار إثبات المخالفة.
وتذهب المادة 108 إلى تفصيل ظروف المخالفة بنصها على أنه :" يتضمن محضر المعاينة على الخصوص ظروف ارتكاب المخالفة وشروحات المخالف وكذا العناصر التي تبين مادية المخالفات وتوجه المحاضر المحددة المختصة داخل عشرة أيام ويوثق بالمعاينات التي يتضمنها المحضر إلى أن يثبت العكس".
وفي حالة التلبس بالجريمة فإنه يكون للأعوان وللموظفين المعينين في المادة 104 الحق في توقيف الأشغال ومصادرة الأدوات والأشياء التي كان استعمالها أساس المخالفة طبقا للفصلين 89 و 106 منالقانون الجنائي. ويمكن لهؤلاء الأعوان والموظفين طلب القوة العمومية عند الضرورة (المادة 109).
2- المخالفات المائية وعقوباتها:
وأما المخالفات المعاقب عليها والتي تحرر بشأنها محاضر من لدن الأعوان والموظفين في نطاق مهمة الضابطة القضائية فهي:
1) الهدم الجزئي أو الكلي بأية وسيلة كانت للمنشآت والإنشاءات المشار إليها في الفقرة ج.د.ه من المادة 2 من هذا القانون ماعدا إذا أثبتت الوسائل المستعملة تكييفا جنائيا أخطر. وتكون العقوبة وفقا للمادة 110 من القانون المائي هي الحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 600 إلى 2500 درهم.
2) وتكون المخالفة بجعل أية وسيلة كانت إلى درجة استحالة الأعوان القيام بمعاينة المخالفات (المادة 104) حيث تكون العقوبة هي الغرامة من 10 إلى 120 درهم (الفصل 609 جنائي). كما تضاعف العقوبة في حالة العود إذا ما تمت مقاومة الأعوان في شكل تجمع لعدة أشخاص أو بالعنف وفقا للمادة 111 من القانون المائي.
3) وتعتبر مخالفة يعاقب عليها بالحبس من شهر إلى 12 شهر وبغرامة من 1200 درهم إلى 2500 أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط حسب المادة 112 كل خالف أحكام المادة 12 أ- الفقرات 1و2و3 أي بقيامه:
- بالتجاوز بأي شكل من الأشكال خاصة بواسطة بنايات على حدود الضفاف الحرة لمجاري المياه المؤقتة أو الدائمة و السواقي والبحيرات والعيون وكذا على حدود محرم القناطر المائة وأنابيب المياه وقنوات الملاحة أو الري أو التطهير التي تدخل في الملك العام المائي.
- بوضع أي حاجز داخل حدود الملك العام المائي يعرقل الملاحة وحرية سيلان المياه وحرية التنقل على الضفاف الحرة.
- برمي أشياء داخل مسيل مجاري المياه، من شأنها أن تعيق هذا المسيل أو تسبب تراكمات. ويعاقب بنفس العقوبة طبقا للمادة 112 كل من خلاف أحكام المادة57 وخصوصا كل من استعمال المياه بدون الحصول على ترخيص الوكالة للحوض والأمر يتعلق بالمياه المستعملة التي تحدد الإدارة شروط استعمالها اقتصادا للماء وحماية لموارد المياه من التلوث.
ويتعرض للعقاب كل من خالف أحكام المادة 84 بمقتضى الإحالة المنصوص عليها في المادة 112 المذكورة وذلك في ما إذا تم استعمال المياه المستعملة لأغراض فلاحية و الأصل أن هذا الاستعمال ممنوع عندما تكون المياه غير مطابقة للمعايير المحددة بنصوص تنظيمة. ويعاقب بغرامة من 1200 إلى 2500 درهم كل من خالف أحكام المادة 12 "أ" الفقرة 4 ( بمقتضى المادة 112) أي كل من قام بعبور الساقيات أو الأنابيب أو القناطر المائية أو القنوات المكشوفة والتي تدخل في الملك العام المائي. بواسطة عربات أو حيوانات، خارج الممرات المعينة لهذا الغرض، أو ترك البهائم تدخل محرم قنوات الري أو التطهير.
4) ويعتبر مخالفة مائية قيام كل شخص بجلب مياه سطحية أو جوفية خرقا لأكام القانون المائي المتعلقة بشروط استعمال الماء فتكون العقوبة الحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 5000 درهم طبقا للفقرة 2 من الفصل 606 ويعاقب المساهمون والشركاء بنفس عقوبة الفاعل الرئيسي. ويظهر من هذا النص مدى تشدد القانون المائي في مسألة جلب المياه خلافا للنظم الجاري العمل بها. وذلك عندما جعل العقوبة المفروضة تطال كلا من الفاعل والمساهم والمشارك في المخالفة.
5) ويعتبر مخالفة معاقب عليها بغرامة تساوي عشر مبلغ الأشغال المقامة لإنجاز الأشغال المذكورة في الفقرة ب من المادة 112 وفي المادتين 31 و 94، ويؤخذ بتقدير السلطة المكلفة بتسيير وإدارة الملك العام المائي وفقا للمادة 115 من القانون الجديد.
6) وبمقتضى المادة 118 يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 1200 درهم إلى 5000 من نفس القيمة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام حسب المادة 52 المحال عليها بأي صب أو سيلان أو رمي أو إيداع مباشر أو غير مباشر في مياه سطحية أو طبقات جوفية من شأنه أن يغير المميزات الفيزيائية والإشعاعية والكيميائية والبيولوجية أو البكترولوجية بدون ترخيص سابق تسلمه وكالة الحوض بعد إجراء بحث.
7) ويعاقب حسب المادة 119 بغرامة من 1200 إلى 3000 درهم كل من خالف أحكام المادة 54 بقصد محاربة التلوث للمياه.
"أ" كل من أفرغ مياه مستعملة أو نفايات صلبة في الوديان الجافة وفي الآبار والمساقي والمغاسل العمومية والأثقاب والقنوات ودهاليز التقاط المياه.
"ب" وكل من قام بأي تفريش أو طمر للمصاريف المائية وكل من وضع نفايات من شأنها تلويث المياه الجوفية عن طريق التسرب أو تلويث المياه السطحية عن طريق السيلان.
"ج" ويعاقب بنفس العقوبة من وضع مواد مضرة أو أنشأ مراحيض أو بالوعات داخل مناطق حماية السواقي وأنابيب الماء والقناطر المائية والقنوات والخزانات والآبار المذكورة.
"د"وكذلك من رمى الحيوانات الميتة في مجاري لماء وفي البحيرات والبرك والمستنقعات وكذلك من دفنها بمقربة من الآبار والنافورات والمساقي العمومية.
"ه" وكذلك من قام داخل المدارات الحضرية والمراكز المحددة والتجمعات القروية التي تتوفر على مخطط للتنمية برمي أية مياه مستعملة أو أية مادة مرة بالصحة العمومية خارج الأماكن المعينة لهذا الغرض أو بكيفية تتعارض مع ما هو منصوص عليه في هذا القانون وفي النصوص التنظيمية الجار بها العمل.
وأوضحت المادة 119 كذلك في فقرتها الثانية أنه يعاقب بغرامة من 240 إلى 500 درهم كل من خالف أحكام المادة 54 الفقرتين 3 و4 وتتعلق هاتان الفقرتان بما يلي:
3- تنظيف الغسيل أو أشياء أخرى خاصة اللحوم أو الجلود أو المنتجات الحيوانية في مياه السواقي وأنابيب المياه والقناطر المائية والقنوات والخزانات والآبار التي تغذي المدن والتجمعات السكنية والأماكن العمومية وداخل مناطق حماية هذه السواقي والأنابيب والقناطر والقنوات والخزانات والآبار.
4- الاستحمام والاغتسال في المنشآت المذكورة أو توريد الحيوانات منها وتنظيفها أو غسلها.
8) ومن المخالفات المتعلقة بالصحة العام بشأن تسويق المياه الطبيعية ذات المنفعة الطبية والمياه المسماة، مياه العين أو مياه المائدة وكذلك المياه المخصصة للاستعمال الغذائي، هذه الأنواع من المياه ارتأى المشرع أن يقيم الجزاء على مخالفة ضوابط الصحة العامة.
"أ" فمن حيث المياه المخصصة للاستعمال الغذائي بينت المادة 59 أنه يجب أن تكون صالحة للشرب أو مستجيبة لمعايير الجودة المحددة بنص تنظيمي حسبما إذا كان مخصصا مباشرة للشرب أو لتحضير أو تكييف أو تصبير المواد الغذائية.
"ب" وبصدد المياه الطبيعية قالت بشأنها المادة 67 من القانون الجديد للماء هي المياه الخالية من الأضرار والتي يمكن أن تستعمل كعوامل علاجية بسبب درجة حرارتها والطبيعة الخصوصية لمكوناتها الملحية أو الغازية أو الإشعاعية.
وتخضع المياه الطبيعية ذات المنفعة الطبية إلى شروط أن يكون استغلالها مرخصا به وخاضعا لمراقبة الإدارة وفقا للمادتين 69 و 70 من القانون الجديد.
"ج" أما المياه المسماة "مياه العين" فهي المياه الطبيعية الصالحة للشرب المنبثقة من الينابيع.
"د" ويقرر القانون أن المياه المسماة "مياه المائدة" هي المياه الصالحة للشرب الآتية من الشبكة العمومية للتزويد بماء الشرب. ويمكن أن تخضع هذه المياه لمعالجة إضافية مقبولة من طرف الإدارة. ولا يمكن أن تعرض للبيع و تباع المياه المسماة "مياه العين" أو "مياه المائدة" إلا إذا كانت مرخصة رسميا و خاضعة لمراقبة الإدارة و تمت المصادقة على كيفية جلبها و تعبئتها (المادة 73 ).
و قد اعتبر قانون الماء الجديد بعض الأعمال بمثابة جريمة يعاقب عليها بمقتضى القانون رقم 83-3-13 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع متى تعلقت الجريمة وفقا للمادة 76 ب:
1- الحيازة من أجل البيع أو العرض للبيع أو البيع تحت اسم "ماء طبيعي" ذي منفعة طبية، أو ماء المائدة أو ماء العين لماء غير مرخص رسميا باستغلاله و بعرضه للبيع أو بيعه.
2- الحيازة بغرض البيع أو العرض للبيع أو البيع تحت تسمية مطبقة على المياه الغازية طبيعيا لماء غازي مصطنع أو تمت تقوية نسبة الغاز فيه، إذا لم تكن هذه الإضافة أو التقوية مرخصا بها و مشارا إليها صراحة في كل أشكال التعبئة الموضوعة رهن إشارة العموم.
3- الحيازة بغرض البيع أو العرض للبيع أو البيع عن قصد تحت تسميات متعددة لنفس الماء.
4- الحيازة بغرض البيع أو العرض للبيع أو البيع عن قصد تحت إسم معين لماء ليس له الأصل المشار إليه.
5- الإشارة في الأوعية إلى تركيبة مختلفة عن تركيبة الماء الذي تحتويه الأوعية.
6- عرض الماء للبيع أو بيع ماء غير خال من الجراثيم المرضية أو غير صالح للإستهلاك.
7- الإشارة على الأوعية إلى أن المياه الموجودة داخلها معقمة في حين أنها تحتوي على جراثيم حية.
8- استعمال أي إشارة أو علامة على الأوراق التجارية و الفاتورات و الفهاس و البيانات التمهيدية و الملصقات و الإعلانات أو أية وسيلة أخرى للإشهار يكون من شأنها أن تحدث غموضا في ذهن المستهلك حول طبيعة و حجم وجودة مصدر المياه.
9- الحيازة بغرض البيع أو العرض للبيع أو بيع الماء الطبيعي ذي منفعة طبية في أوعية قد تفسد جودة المياه.
10- الإشارة على المنتوج إلى تاريخ عرضه للبيع و تاريخ نهايته.
و زيادة على تطبيق العقوبات في حالة مخالفة مقتضيات المادتين 73 و 76 و دون المساس بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 116 يمكن للإدارة و بعد توجيه إنذار إلى المعني بالأمر ظل دون جدوى أن تسحب ترخيص استغلال و بيع المياه موضوع المخالفة.
3- في حالة العود لارتكاب المخالفة
عرضت المادة 122 من قانون الماء إلى تقرير ما يلي: "عندما يكون المخالف لهذا القانون أو النصوص الصادرة لتطبيقه في حالة العود ترفع العقوبة إلى ضعف العقوبة المحكوم عليه بها أول مرة". هذا الحكم يكون القانون قد أقر الجزاء الرادع ضد المخالفات التي ترتكب على الملك العام المائي أو تلك التي تصيب الصحة العامة بالتهديد بالخطر مما تفهم معه تول جذري في السياسة المائية للدولة في عدم التهاون أو التسامح في حقوق السكان على الماء هذه الحقوق التي طالها الإهمال لعدم مواكبة التشريع القديم للأوضاع. و في اعتقادنا أن الجزاءات لوحدها لن تنفع إن لم بصحبها توعية و حماية، توعية للمواطن بأهمية الماء و نذرته و مخاطر النذرة، و حماية للماء من حيث الجانب القانوني و التنظيمي.

المبحث الثالث : تنظيم الماء في القانون المقارن

في إطار دراسة القانون المغربي المتعلق بالماء ، لابد من مقارنة هذا الأخير بقانون أجنبي آخر ، لكي تكون دراستنا لهذا الموضوع تتخد نوعا من الموضوعية.
ولهذا الغرض قد تم اختيارنا للقانون الجزائري لسببين رئيسيين:
1- كون المغرب و الجزائر بلدان مجاوران لبعضهما، بالإضافة إلى أنهما دولتان من دول شمال إفريقيا و لهما تقريبا تشابه على مستوى التضاريس و المناخ.
2 – الاستعمار الفرنسي للمغرب و الجزائر الشيء الذي سينعكس إما بشكل سلبي أو إيجابي على المستوي التشريعي لهذين الولتين.
لقد سبق أن تعرضنا لدراسة القانون المغربي التعلق بالماء في الجزء الثاني من هذا الفصل، فماذا عن القانون الجزائري المتعلق بالماء ؟
ما هي الظروف التي عرفتها الجزائر ليخرج إلى حيز الوجود قانون ينظم الماء؟ و ماهي مبادئ هذا القانون؟

المطلب الأول: القانون الجزائري

عرفت الجزائر عدة سياسات مائية منذ الاستقلال، وتولت العديد من المؤسسات تسير هذا المورد وهذا من خلال إجراءات المخططات التنموية في القطاع وتغيير المؤسسات التنظيمية والتشريعات حتى سنة 1996، حيث قامت الدولة بتغيير جذري لسياستها المائية من خلال مبادئها الخمس.
السياسات المائية و تنظيماتها الهيكلية بعد الاستقلال في الجزائر مرت الجزائر بعد الإستقلال بعدة مراحل وإتجاهات تعكس السياسات المائية المنتهجة و تبعتها تغييرات على المستوى التنظيمي والهيكلي و التشريعي وإتخذت الدولة المخططات التنموية الرباعية والخماسية الوسيلة لتنفيذ هذه السياسات.

الفقرة الأولى: مرا حل السياسات المائية منذ الإستقلال 

+ مرحلة 1962 –19771:
بعد الإستقلال مباشرة بدأت الجزائر بإستغلال المنشآت الكبرى التي ورثتها عن الإستعمار من سدود و آبار و مساحات زراعية ولم تكن هذه الإمكانيات تستجيب لحاجيات المواطنين ، حيث كانت طاقة التخزين الإجمالي جد ضعيفة قدرت بـ 670 مليون م3 و التي تحتويها أربعة عشر سد .و التي أنجزت بين 1830-1962 و مساحات مسقية تقدر بـ 320000 هكتار.
وسجلت هذه الفترة تحولات على مستوى بناء و تجديد السدود ، كما شهدت إهتمام المسؤولين بالقطاع الصناعي و تجهيزها بمعدات و قنوات الري الأساسية مثل المجمعات الصناعية بعنابة و سكيكدة و أرزيو على عكس ما حدث بخصوص المشروعات الفلاحية .وكانت المهام الخاصة بالموارد المائية و تسييرها بين وزارتين ، وزارة الأشغال العمومية حيث تتكفل بالمنشات الكبرى للمياه بفضل المديرية المركزية و مصلحة الدراسات العلمية و مصلحة الدراسات العامة و الأشغال الكبرى في مجال الري ، أما وزارة الفلاحة تكفلت بجميع الصلاحيات المتعلقة بالسقي و منشأت الري الريفية ، وتميزت كذلك بمنافسات فيما يتعلق بالثروات المفروض تسييرها و ضبط المسؤوليات و طرحت عدة مسائل على لجنة الماء المحدثة في سنة 1963 و يشكلها ممثلون عن التخطيط الداخلية ، و المالية ، الفلاحية ، الأشغال العمومية ، الصناعة، الطاقة و الصحة.
عرفت هذه المرحلة هيكلا تنظيميا آخر حيث تحولت المهام لتسيير قطاع الموارد المائية إلى كتابة الدولة للري جوان 1970 21 وهي ممثلة على مستوى الولايات و الدوائر و لكنها غير ممثلة على مستوى البلديات حيث عزمت وبإرادة واضحة بالنظر إلى المعوقات والمشاكل المائية التي تعاني منها البلاد إلى جانب الإهتمام بإيجاد الحلول الممكنة و المناسبة و التي ترجع على المجتمع بالفائدة .ففي المخطط الرباعي الأول (70 –1973 ) إعتبرت مرحلة جوهرية للإتجاه الجديد و ظهر جليا عندما تم تحويل و تغيير مقاييس التقديرات و التوقعات ، وتضاعفت الدراسات بحيث برمج أربعة عشر سدا و إصلاح 92000 هكتار من الأراضي .لكن هذا المخطط عرف صعوبات في التنفيذ لما كان مخطط له فعلا و لكنها ( هذه المشروعات) ، إستكملت في المخطط الرباعي الثاني 74 –1977 ومن الأسباب التي أدت إلى صعوبة تنفيذ هذه المخططات:
. ضعف مستوى الإنجاز في السدود و المساحات الزراعية
. 50 % من القروض الممنوحة تمتصها مشاريع تزويد سكان المدن بالمياه الصالحة للشرب
ومن الأسباب التي أدت إلى الإختلال بين التوقعات و الإنجازات:
. صانعوا القرار أساءوا تحديد الأهداف الواقعية و تحديد أولويات واضحة
. القطاع الصناعي إستهلك حصة الأسد من الموارد المالية و البشرية - سلوك المسؤولين و المشرفين على مشروع التنمية الإقتصادية و بصفتهم يؤيدون الصناعة عكس إتجاه التنمية إلى نتائج غير مرغوب فيها و كذا تشجيعهم لتأجيل المشروعات الفلاحية. 
+ مرحلة 1977 – 1980 :
هذه المرحلة تعتبر غامضة تخللتها نزاعات و شقاقات ، هذا النزاع إنفجر بين كتابة الدولة للري و القطاعات المستهلكة للمياه:
بين الكتابة و وزارة الفلاحة و الثروة الزراعية حول النتائج السلبية في تجهيز الأراضي الزراعية و الإختلال بين المساحات الصالحة للسقي و المساحات المجهزة بالإضافة لسوء تسيير الموردين " المؤسسة الوطنية لمواد البناء".
بين الكتابة و طلبيات الصناعة للمياه التي كانت تقدم لفترات متقطعة من طرف المؤسسة الوطنية لتنفيذ المشروعات أو الصندوق الوطني الجزائري للتهيئة العمرانية ، و خلقت مشاكل للكتابة من حيث تمركز و بعد المجمعات الصناعية و مشاكل التوقيت للتموين و التمويل.
بين الكتابة و المراكز السكانية الحضرية أو الريفية حيث تعتمد على قنوات قديمة لتوصيل المياه الصالحة للشرب لقلة الصيانة ، و الدفع الزهيد المتواضع من طرف المشتركين ، لأن الدفع كان على أساس الإستهلاك السنوي الجزافي ، فقد كان توزيع و تسيير المياه الصالحة للشرب من مهام الشركة الوطنية لتوزيع المياه الصالحة للشرب و الصناعة.( SONADE ) منذ 1970
كما شهدت هذه الفترة تحويل المهام من كتابة الدولة للري إلى وزارة الري ، و اللجوء إلى البنك العالمي .
فبوجود المرسوم رقم 77-73 المؤرخ في 23 أفريل 1977 أنشئت وزارة الري و إصلاح الأراضي و حماية البيئة ، حيث بعد وفاة الرئيس بومدين أصبحت قرارات أصحاب الإتجاه الصناعي ضعيفة وفقدوا نفوذهم و سياستهم، خاصة بالنسبة لوزير التخطيط و التهيئة العمرانية.
أما اللجوء إلى البنك العالمي فهي بداية إعادة التوجه حيث أعربت الحكومة عن رغبتها في الدعم المالي و التقني من البنك حيث قام خبراءه بعدة زيارات إلى الجزائر العاصمة للإطلاع على مشروع التطهير الذي تم تحضيره من طرف كومدور بمساعدة مجلس المهندسين الإستشاريين الألمان و كانت إهتمامات البنك بـ:
القضاء على التلوث المائي بمساعدة المعهد الوطني للصحة . 
+ مرحلة ما بعد سنة 1980 :
ففي هذه الفترة جاء المخططان الخماسيان الاول و الثاني اللذين كانا بمثابة أرضية لتوجيه المياه نحو المدن، فالاستثمارات و المشاريع المقررة تعكس هذا الإختيار الجديد ، خاصة في مجال ضبط التشريعات والتنظيمات والاستثمارات وكيفية سيرالأعمال التقنية الإقتصادية في قطاع المياه.
على المستوى التشريعي: ظهر تشريعان أولهما القانون 83-03 المؤرخ في 5 فيفري 1983 و المتعلق بحماية البيئة والاخر القانون 83- 17 المؤرخ في 16 جويلية 1983 والمتعلق بقانون المياه و كان يؤكد على إحتكار الدولة في تسيير وإدارة الموارد المائية ، كما صادق البنك العالمي على (السعر الحقيقي للماء) وأسس القانون كذلك مبادئ قياس المياه و تسعيره لجميع الإستهلاكات المنزلية ، الزراعية، الصناعية.
أما على المستوى الإقتصادي: فقد حدد القرار الوزاري رقم 267- 85 المؤرخ في 24 أكتوبر 1985 و المتعلق بتحديد التعريفة الأساسية للمياه بمختلف فئاتها وقطاعاتها الإستهلاكية المنزلية و الفلاحية و الصناعية و أثارت هذه التعريفات جدلا كبيرا بين المسؤولين السياسين و المحاسبيين.

على المستوى التنظيمي:
 كانت الجهات المختصة في تسيير قطاع المياه بعد وزارة الري و إستصلاح الأراضي و البيئة لوزارة الري في الفترة (1980- 1984 ) ثم إلى وزارة البيئة و الغابات ( 1984-1989) . فأراد المخططون في شؤون المياه إنشاء مؤسسات فعالة ومرنة تتماشى مع سياستهم و الوصول إلى أهدافها فقد أنشئت:
- مكتب المراقبة التقنية لمنشأت الري.
- الوكالة الوطنية للسدود.
- الوكالة الوطنية للمياه الصالحة للشرب و تطهيرها
- الوكالة الوطنية للسقي و تصريف المياه
- الوكالة الوطنية للموارد المائية.
- دواوين خاصة بالمساحات المسقية
- اللجنة الوطنية للموارد المائية بدل لجنة الماء التي جاءت عام 1963 

الفقرة الثانية: السياســة المائيــة الجديـــدة 


في إطار إيجاد سياسة مائية جديدة ، قامت وزارة التجهيز و التهيئة العمرانية منذ ديسمبر 1993 بالتفكير في هذه السياسة و التي انتهت بعقد المؤتمر الوطني الخاص بسياسة الماء و ذلك أيام 28 و 29 و 30 جانفي 1995 و كان مسبوقـا باجتماعات جهوية و اجتماعات على مستوى الأحواض و قد برزت من حصيلة ذلك كله أفكار أو مبادئ عددها خمس و هي:
- وحدة المورد
- التشاور
- الشمولية :الماء قضية الجميع
- الاقتصاد
- التكفل بالجانب البيئي الإيكولوجي
هذه المبادئ ترجمت في قانون المياه (أمر رقم 96-13 مؤرخ في 28 محرم عام 1417 الموافق 15 جوان سنة 1996 ، يعدل و يتم القانون رقم 83-17 المؤرخ في 22 ربيع ثاني عام 1403 الموافق 16 جو يليه 1983 و المتضمن قانون المياه ) الذي يهدف إلى تنفيذ السياسة الوطنية للماء.هذه المبادئ هي:
1- مبـــدأ الــوحدة :
الماء ملك جماعي وطني تملكه المـجموعة الوطنية بأكملها ،تمارس عليه سلطة الدولة على سبيل الأولوية لتمكين هذا المورد من أداء وظيفته الإجتماعية و الإقتصادية الأساسية بحد أدنى من العدل و الإنصاف ووحدانية مورد الماء بإعتباره ملكا جماعيا يستلزم وحدوية النظرة إلى تعبئته ،و تسييره ، و إستعمـاله و الحفـاظ عليه ، و يترتب عن ذلك أن تسيير مورد الماء لا يمكن الأخذ به إلا على نحو وحدوي بمعـنى أن جميع المبـادرات و الأعمال في إتجاه هذا العنصر يجب أن تكون حتما متكاملة و منسقة من طرف الدولة ضمن منهج شامل كما يحدث في الدول المتقدمة.
2- مبــدأ التشــاور:
إذا كان تسيير الماء في مستوى مجال وسطه الفيزيقي الطبيعي يؤدي حتما إلى تجاوز التقسيمات الإدارية و دوائر الإختصاص الإقليمية ، فإن ذلك لا يمكن ان يجسد مبدأ بصورة منسجمة وعادلة إلا بعد فتح التشاور لتحقيق تسيير تضماني للمورد المشترك و من ناحية أخرى فإن مشاكل الماء حساسة مما يجعلها أمورا لا تعالج بصورة تعسفية في المستوى المركزي دون إشراك جميع المعنيين (الجماعات المحلية ،المستعملين...) في مجال التفكير و التقرير و التنفيذ.
3- مبدأ الإقتصاد:
إن نقطة الضعف الكبرى في مؤسسـات الماء تكمن في إفتقارها نظام تحريض و تشجيع ، لذا يجب إيجاد إطار ونظام تحريض يحملان آليات تأسيسية و تنظيمية و لتحقيق هذا الهدف يجب تكييف العلاج و ملاءمته للمشاكل و أسبابها ، و توفير شرطين أساسيين:
.تطبيق مبادئ التسيير التجاري لمؤسسات الماء
.ترك المجال للمنافسة والعمل بموجب نظام التعاقد.
4- مبــدأ الشموليـــة:
الماء قضية الجميع: الماء من المقومات الغالبة في الوسط الحي ،و الماء عنصر شامل للجميع ،و هو من مصادر الحياة و من شروطها الأساسية .و للماء أيضا صبغة شمولية و لا يعترف بالحدود ،فدورة الماء تخترق الحدود الجغرافية و الطبيعية و القطاعية ،فهو يمكن ان يذهب للشرب أو السقي أو ينتفع بها مصنع في بلد أو بلدان مجاورة، إن القول بأن الماء قضية الجميع ينبغي أن يستشير إهتمام الجميع ،مواطنين ودولا و حكومات.
5- المبــدأ البيئـــي:
من المبادئ التي توجه السياسة المائية الجديدة إلى جانب مبادئ الوحدة ،التشاور ،الإقتصاد و الشمولية مبدأ الإيكولوجيا (البيئة) ، و يستند هذا المبدأ إلى الدفاع عن تكامل مكونات البيئة من جهة ،و حماية الصحة العمومية في إطار توفير الماء العذب و مكافحة ناقلات الأمراض في المحيط المائي و إستخدام الموارد البشرية ذات القيمة التأهيلية المكلفة بتطبيق إستراتيجيات حفظ الماء و المحافظة على نوعية و تعبئة ووقايته من التلوث ،سرعة الإتصال و التبليغ و القادرة على تنفيذ ذلك من جهة أخرى. 

المطلب الثاني: الهياكل المؤسسية والتنظيمية 

الجهات والمؤسسات المسؤولة عن الموارد المائية تتنوع من وكالة ومجالس ومؤسسات ووزارات، وهذا التنوع مهامها ومسؤولياتها واختصاصاتها وفيما يلي سنعرض أهم الجهات والمؤسسات والمهام المنوطة بكل منها:
1- الوكالات:
- الوكالة الوطنية للموارد المائية: مرسوم رقم 81-167 مؤرخ في 25 جويلية 1981 يتضمن إنشاء المعهد الوطني للموارد المائية ويقتضي المرسوم رقم 87-129 المؤرخ في ماي 1987 الذي يغير تسمية المعهد الوطني للموارد المائية فيجعلها الوكالة الوطنية للموارد المائية.
- الوكالة الوطنية للسدود: (مرسوم رقم 85-163 المؤرخ في 11 جوان سنة 1985) تتولى الوكالة المهام التالية:
القيام بالأعمال الكبرى لجلب الموارد المائية السطحية السدود، الخزانات...
القيام بالأعمال الكبرى لتوفير الماء للاستهلاك المنزلي أو الاستخدام الصناعي والفلاحي 
تسهر على المحافظة على السدود الكبرى الجاري استغلالها وحمايتها
تتولى الوكالة في مجال الأعمال الكبرى لجلب الموارد المائية وجرها
تراقب المنشآت الكبرى وصيانتها قصد جلب الموارد المائية الجاري استغلالها
تشارك في تكوين المستخدمين العاملين في مجال الموارد المائية وتحسين مستواهم
تتلقى و تعالج و تحفظ وتوزع المعطيات والمعلومات والوثائق ذات الطابع الإحصائي والعلم
تقدم مساهمتها للهيئات المكلفة بدراسة سياسة جلب الموارد المائية وجرها
تسخر الوكالة جميع وسائلها، قصد بلوغ أهدافها وأداء مهمتها في مجال اختصاصها
الوكالة الوطنية لمياه الشرب والصناعة والتطهير
- الوكالة الوطنية لإنجاز هياكل الري الأساسية وتسيرها للسقي وصرف المياه: مرسوم رقم 87-181 المؤرخ في 18 أوت سنة 1987
- وكالات الأحواض الهيدروغرافية: مرسوم تنفيذي رقم 96-100 المؤرخ في 6 مارس 96
2- الدوواين و اللجان:
- دواوين مساحات الري:
مرسوم رقم 85-261 المؤرخ في 29 أكتوبر سنة 1985 وأعيد تنظيمه بمرسوم رقم 94-119 المؤرخ في 1 جوان 1994.
- الديوان الوطني للتطهير:
مرسوم تنفيذي رقم 01-102 المؤرخ في 21 أفريل سنة 2001 توضع هذه المؤسسة تحت وصاية وزارة الموارد المائية.
- لجان الأحواض الهيدروغرافية:
مرسوم تنفيذي المؤرخ في 26 أوت 1996
3- مؤسسات أخرى :
- الصندوق الوطني للمياه الصالحة للشرب:
مرسوم تنفيذي رقم 95-176 المؤرخ في 24 جوان سنة 1995
- المجلس الوطني للماء:
مرسوم رقم 96-472 المؤرخ في 18 ديسمبر سنة 1996
- وزارة الموارد المائية:
مرسوم تنفيذي رقم 2000-324 المؤرخ في 25 أكتوبر سنة 2000
- الجزائرية للمياه:
مرسوم تنفيذي رقم 01-101 المؤرخ في 21 أفريل سنة 2001
من العوامل و الأسباب التي أدت لحدوث أزمة مياه في الجزائر و زيادة تعقدها ، هي الوضعية غير مستقرة و غير الفعالة التي عرفها السياسة المائية في البلاد و كيفية تسيير هذا المورد و هذا من خلال كثرة الهياكل و المؤسسات المسؤولة على القطاع و سرعة تغييرها و تداخل بعض الصلاحيات في ما بينها. زد إلى هذا إلى الأموال الكثيرة التي صرفت على القطاع و لم تستغل بشكل جيد .
فرغم عزم الدولة في انتهاج السياسة المائية الجديدة التي بدأ تطبيقها سنة 1996 الا أن الأهداف المرجوة منها سرعان ما تبخرت خاصة في تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب حيث أصبح المواطن يحصل عليه بشق الأنفس.[26]
و عليه ، يعتبر الماء عنصرا فعالا في مجال التنمية، فمشكلة ندرة المياه أضحت عائقا أساسيا للتنمية القروية خصوصا، والتنمية الوطنية عموما، كما أن العائق الأكبر هو تبذير الماء وعدم تقنين استهلاكه، وسوف نحاول في هذا الجزء من البحث أن نرصد كيفية تنظيم المياه بالمغرب وإلقاء نظرة موجزة عن تنظيم المياه في الفقه الإسلامي، قبل ذلك يجدر بنا تحديد طبيعة المياه هل تعتبر عقارا أم منقولا؟
طبيعة المياه:الأرض هي أصل كل العقارات، وهي تشمل ما فوقها وما تحتها، ومن ثم فالمياه الموجودة بباطن الأٍرض وتلك المنسابة على السطح تعتبر عقارات بطبيعتها مادامت يد الإنسان لم تمتد إليها وتعزلها عن مكمنها الطبيعي، فتتحول نتيجة لذلك إلى منقولات بطبيعتها مثلها في ذلك مثل المقالع والمناجم.وهذه القاعدة تستفاد ضمنيا من مقتضيات الفصل 11 من ظهير 2 يونيو 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة والذي ينص على أنه: إن ملكية العقار تعطي حق الملك لكل ما ينتجه، وما يضم إليه وما يدمج فيه بالالتصاق إما طبيعيا أو اصطناعيا.يضاف إلى ذلك أن المياه الخاصة تخضع لنظام نزع الملكية، ونزع الملكية في التشريع المغربي يمس العقارات وحدها دون المنقولات، ويتأكد ذلك بصورة جلية من أحكام الفصل الأول من قانون نزع الملكية لسنة 1982 الذي ينص بكيفية صريحة على أن إجراءات نزع الملكية تمس العقارات كلا أو بعضا وكذلك ملكية الحقوق العينية العقارية، وللتأكيد على الطبيعة العقارية للحقوق المالية الخاصة نص الفصل 41 من قانون نزع الملكية على أنه إذا كان الاستعجال يقضي أن تضم لفائدة الدولة بعض الموارد المائية قصد القيام بإعداد شامل نص مقرر إعلان المنفعة على هذا الاستعجال وعين في نفس الوقت الحقوق المائية التي يقضى التخلي عنها.." 

الفقرة الأولى: تنظيم المياه في الفقه الإسلامي

هناك تضارب حول طبيعة الشرعية للمياه، وكذا حول مدى إمكانية أو عدم إمكانية امتلاك تلك المياه ملكية خاصة. فهناك فريق فقهي أول ينبني على بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تقيد منع التصرف في المياه ولاسيما ما روي عن النبي (ص) أن المسلمين شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار، كما روي عنه (ص) أنه نهى عن بيع الماء. وهناك فريق ثاني نهى عن بيع فضل الماء لأنه نقل عنه (ص)أنه نهى عن بيع فضل الماء ليمنع به الكلأ (صحيح البخاري). وانطلاقا من هذا الحديث فهذا الفريق يقر بأحقية الشخص في ملكية الماء، غير أن له أن يستعمل هذه المياه في حدود حاجته فقط، ويترك ما زاد عن تلك الحاجة للمحتاج لأنه لا يمنع فضل الماء وهناك فريق ثالث وهو الغالب والمشهور والذي اعتبر الرأيان السابقان معارضان للأصول، تلك الأصول التي تفيد كقاعدة عامة أنه لا يحل أخذ مال امرئ مسلم إلا عن طيب خاطره، لما روي عن الرسول (ص) وانعقد بصدده إجماع الصحابة والعلماء، ولذلك أقر هذا الفريق الأخير قاعدة تملك المياه ملكية خاصة والتصرف فيها بجميع التصرفات القانونية، كما أقر أن قاعدة انتقالها بسبب الموت والوصية وعن طريق الإرث، ويعتنق الفقه المالكي هذا الرأي الأخير.

الفقرة الثانية: تنظيم المياه في التشريع المغربي

لقد تم إقرار مبدأ الملكية العامة للمياه بظهيري 1914 و 1919 وتم تأكيده بالقانون رقم 95-10 المتعلق بالمياه، وحسب هذا المبدأ فإن كل المياه تشكل جزءا من الأملاك العامة باستثناء الحقوق المكتسبة على هذه المياه والمعترف بها والقانون الجديد 95-10 خص بابه الأول للتعريف بالملك العامي المائي وتحديده والقواعد والأحكام القانونية التي تضبطه.
بعد بسط الحماية الفرنسية على المغرب تبين أن إعلان مبدأ الملكية العامة للمياه بصورة قسرية ومفاجئة قد يثير غضب وثورة الأهالي أصحاب الأرض، وخاصة أن الماء يمثل المصدر الرئيسي للحياة بالنسبة لهم جميعا وبالنسبة لزرعهم وماشيتهم لهذا تقرر استثناء هام على مبدأ الملكية العامة للمياه وهو الاعتراف بالحقوق المكتسبة. وإذا كان التشريع المائي آنذاك قد حافظ على الحقوق التي سبق أن اكتسبها الخواص في المجالات المائية العامة، فإنه قد أضعف من شأن تلك المحافظة عندما قرر إمكانية نزع هذه الحقوق للمنفعة العامة.
والقانون الجديد أخذ هو كذلك بعين الاعتبار الحفاظ على الحقوق المكتسبة إلا أن الملاحظ هو أن هذا القانون يحد من ملكية هذه الحقوق بحيث أنه لا يحق لمالكي الحقوق على المياه وحدها أو على مياه لا يستعملونها إلا جزئيا تفويتها لأي كان ما عدا مالكي العقارات الفلاحية . إن أول أثر قانوني يترتب على إدراج المياه بالمغرب ضمن المجال الذي يدخل في إطار الملك العام للدولة إخضاعها لمبادئ القانون العام وبالخصوص مقتضيات القانون الإداري وليس مقتضيات القانون الخاص، وبالإضافة إلى ذلك ينتج عن هذا الإخضاع ما يلي:
-عدم إمكانية التصرف بالمياه العامة،
-عدم إمكانية تملك المياه العامة عن طريق وضع اليد أي التقادم المكسب،
-عدم إمكانية الحجز على المياه العامة،
-عدم إمكانية نزع ملكية المياه العامة.
وقد أقر المشرع لاستعمال المياه أو استغلالها سواء لأغراض فلاحية أو اقتصادية من طرف الخواص طريقتين متميزتين عن بعضهما: طريقة الرخصة وطريقة الامتياز.
+ نظام الرخصة وهي تمنح بواسطة قرار إداري من وزير الأشغال العمومية باعتباره السلطة الوصية على الملك العام في الحالة التي لا تتجاوز فيها عملية أخذ المياه العامة أو استخراجها 100 لتر في الثانية بعد إجراء دراسة في الموضوع من طرف لجنة فنية مختصة، وقد فوضت في الوقت الحالي مسألة منح الرخص الخاصة باستعمال المياه العمومية إلى مديري مكاتب الاستثمارات الفلاحية.
+ نظام الامتياز:ويمنح في الأصل بواسطة ظهير شريف يتخذ باقتراح من وزير الأشغال العمومية في كل حالة تتجاوز فيها عملية أخذ المياه أو استخراجها 100 لتر في الثانية.
وبخلاف نظام الرخصة فإن منح الامتياز الخاص باستعمال المياه العامة يتم بالخصوص في حالة الاستعمالات الصناعية الكبيرة أو الاستغلالات الفلاحية الضخمة، واستعمال المياه العمومية سواء تم بواسطة رخصة إدارية أو بواسطة عقد امتياز فإنه يتم دائما مقابل وجيبة نقدية تدفع إلى الخزينة العامة.
ويهدف تدخل الدولة لتنظيم المياه إلى تحقيق الأمن المائي وذلك من خلال تدارك الفوارق بين المدن والبوادي في إطار برامج تهدف إلى تحقيق الأمن المائي على مستوى مجموع تراب المملكة، وإقرار سياسة فعالة تحافظ على هذه الثروة الحيوية من التبذير وسوء الاستعمال.[27]
___________________________
الهوامش :
[1] - المادة 3 من القانون الجديد لحماية البيئة رقم 11.03الفقرة الأولى من الفصل الثاني ، الوزارة المكلفة بإعداد التراب الوطني و الماء و البيئة . نشر هذا الكتاب بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون التقني، برنامج حماية و تدبير البيئة.
[2] - إشكالية التوفيق بين التنمية و المحافظة على البيئة ، الدكتور عبد المجيد السملالي . دار القلم للطباعة و النشر و التوزيع (الرباط)، الطبعة الأولى مارس 2002، ص 3-4 .
[3] - حماية البيئة: المحافظة على المكونات البيئية و الارتقاء بها و منع تدهورها أو تلوثها أو التقليص من حدة تلوثها .
المادة 3 من قانون رقم 11.03 المتعلق بحماية البيئة ، الفقرة الثانية. 
 [4] - القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، جاء في الفقرة الأولى من بيان الأسباب و الصادر ب : ظهير شريف رقم 1.95.154 صادر في 18 من ربيع الأول 1416 (16 أغسطس 1995) بتنفيذ القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء.
[5] - نظام المياه و الحقوق المرتبطة بها في القانون المغربي ( شرعا و عرفا و تشريعا ) ، الدكتور أحمد إد الفقيه ، أستاد التعليم العالي بكلية - أكادير ، جامعة القرويين منشورات كلية الشريعة بأكادير رسائل و أطروحات جامعية:6
[6] - لأخد فكرة عن مفاهيم المشهور ، و الراجح ، و ما جري به العمل في المذهب المالكي ، تراجع الكتب الفقهية و المصنفات الكثيرة في المذهب المالكي لتلامذة الإمام مالك ، مثل ابن القاسم ، و أشهب ، و الباجي و ابن رشد الجد ،و ابن رشد الحفيد و ابن العربي ، و القرافي...
و من الناحية القانونية يراجع الدكتور محمد الكشبور في كتابه: قانون الأحوال الشخصية مع تعديلات 1993 ، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الثالثة 1996 ، ص 36 و ما بعدها ، و كذلك الأستاذ الدكتور محمد رياض في كتابه: أصول الفتوى والقضاء في المذهب لمالكي ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 1416ه/ 1996م
[7] - نظام المياه و الحقوق المرتبطة بها في القانون المغربي ( شرعا و عرفا و تشريعا ) ، الدكتور أحمد إد الفقيه ، أستاد التعليم العالي بكلية  أكادير ، جامعة القرويين منشورات كلية الشريعة بأكادير رسائل و أطروحات جامعية:6 ، ص 237- 238 .
[8] - ABDELKRIM BELGUENDOUZ ( la colonisation agraire au Maroc in Revue Juridique Politique - Et économique du Maroc ) Rabat 1978. P 119.
[9] - نفس المرجع الصفحة 119 .
[10] - محمد بونبات " الحماية القانونية لمكتري الأراضي الفلاحية " المررجع السابق مقدمة الكتاب.
[11] - محمد بونبات المرجع السابق الصفحات 28 إلى 33 .
[12] - علال المنوار ( التنظيم الإداري للمياه بالمغرب ) ، المجلة المغربية لقانون و اقتصاد التنمية ، القانون و الماء و البيئة عدد 26 سنة 1991  الصفحة 16-17، و كذلك:
Paul Pascon ( le Haouz de Marrakech ) Tome. 2 – page 448.
[13] - ج ر. عدد 89 بتاريخ 10 يوليوز 1914 .
[14] - نفس النفس المرجع
[15] - ج ر. عدد 409 بتاريخ 24 غشت 1920 .
[16] - علال المنور الصفحة : 21 .
[17] - نفس المرجع الصفحة 22.
[18] - نفس المرجع الصفحة 24.
[19] - علال المنور الصفحة 40.
[20] - الماء و التنمية ( المجلة المغربية للماء عدد 6 أكتوبر 1988.
[21] - الخطاب الملكي السامي بتاريخ 8 فبراير 1987 .
[22] - للمزيد من الإيضاح تراجع المدة الثانية من القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء الموجود بملحق هذه الدراسة.
[23]- قرار محكمة الاستئناف بمراكش ملف عقاري عدد : 121/95 بتاريخ 14/03/1995 مجلة المحامي عدد : 28 ، ص : 166.  
[24] - مامون الكزبري " الحقوق العينية " سنة 1975.
[25] - نفس المرجع.
[26] - الأستاذ:د/بن عيشي بشير رئيس قسم الاقتصاد الأستاذ:كدودة عادل كلية العلوم الاقتصادية والتسيير قسم
العلوم الاقتصادية جامعة بسكرة الجزائر العنوان:ص ب 145 بسكرة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
http://www.palmoon.net/5/topic-2701-115.html
[27] - التنظيم القانوني للماء ، اعداد: رشيد بومريم ، وحدة القانون المدني المعمق ، كلية الحقوق-اكدال- الرباط ،
http://droitcivil.over-blog.com/article-1701680.html 

تعليقات
تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • Unknown
    Unknown 5 ديسمبر 2021 في 11:25 م

    شكرا على هاته المعلومة القيمة أود فقط ان تمدني باسم كاتب المقال لدرجه في الإحالةو شكرا

    إرسال ردحذف
    • القانونية
      القانونية 8 ديسمبر 2021 في 10:25 ص

      اسم الكاتب : رضى قمر الزمان - بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص - تخصص القانون المدني - كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية - سلا الجديدة - السنة الجامعية 2010-2011.

      حذف



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -