المسؤولية الإدارية في مرفق التعليم

عرض بعنوان: تطبيقات المسؤولية الإدارية في مرفق التعليم PDF

عرض بعنوان: تطبيقات المسؤولية الإدارية في مرفق التعليم PDF

مقدمة
تعتبر دعوى التعويض من الدعاوى التي تقتضي التعويض عن ضرر ناتج عن تصرفات الادارة بمعنى تقرير مسؤولية هذه الاخيرة.
تعد نظرية المسؤولية الادارية من النظريات التي ابتدعها الاجتهاد القضائي حديثا ,و التي جاءت كنتيجة حتمية لازدياد تدخل الدولة و توسع انشطتها التي غالبا ما تؤدي الى اخطاء تسفر عن اصابة الافراد بأضرار من جراء هذه الانشطة[1] .
فعن هذه المسؤولية لم يكن معترفا بها الى غاية اواخر القرن الماضي .حيث كان المبدأ السائد هو عدم مسؤولية الدولة عن اعمالها وذلك نظرا لتعارض هذا المبدأ مع سيادة الدولة .الا ان تطورا مهما حصل نتيجة النقد الموجه الى مبدا عدم مسؤولية الدولة عن اعمالها لما ينطوي عليه من مبالغة في سيادة الدولة و اجحاف بحقوق الافراد و كذلك منافاته للعدالة ,مما جعل الاجتهاد القضائي يعتكف على اقراره هذه المسؤولية خاصة وان الدولة تزايدت انشطتها وتدخلاتها مما تزايد معه حدوث اخطاء تسفر عن اصابة الاشخاص من جراء هذه الانشطة وقد شكل حكم بلانكو الصادر عن محكمة التنازع بفرنسا سنة 1873الشرارة الحقيقية لهذه المسؤولية بحيث اكد ان المسؤولية الادارية لا يمكن ان تسودها قواعد القانون المدني.
فاذا كان مصدر المسؤولية الادارية بفرنسا قضائيا فان في المغرب تشريعيا حيث انه لم يعرف المسؤولية الادارية الى صدور قانون الالتزامات و العقود سنة 1913الذي نص في فصله 79من هذا القانون.... ان الدولة و البلديات مسؤولة عن الاضرار الناتجة مباشرة عن تسيير ادارتها ..وكذلك الفصل 80من قانون الالتزامات و العقود الذي ينص على ان :..مستخدمو الدولة و البلديات مسؤولون عن الاضرار الناتجة عن تدليسهم و الاخطاء الجسيمة الواقعة منهم في اداء وظائفهم ولا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه الاضرار الا عند اعسار الموظفين المسؤولين عنها ...,
وهذا ما اقرته كذلك المادة 8 من قانون 90.41المحدث للمحاكم الادارية حيث اكد عن التعويض الاضرار التي تسببها اعمال و نشاطات اشخاص القانون العام و الدولة لا تمارس نشاطاتها الا عن طريق المرافق العامة ومن بين هذه المرافق نجد مرفق التعليم و المسؤولية الادارية على اساس الخطأ في علاقته بهذا المرفق نجدها تجمع بين المسؤولية الادارية المرتبطة بهذا المرفق نجدها تجمع بين المسؤولية الادارية على اساس الخطأ في علاقته و الغير العاملين به والمسؤولية الادارية على اساس المخاطر في علاقته بالمرتفقين من خدماتها –الحوادث المدرسية- التي ينظمها ظهير 16اكتوبر 1942.
وفيما يخص المسؤولية عن الحوادث المدرسية فقد نص الفصل 85من قانون الالتزامات و العقود على انه ...يسال المعلمون و موظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الاطفال و الشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم والخطأ او عدم الحيطة او الاهمال الذي يحتج به عليهم ...وفي جميع الحالات التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم العام و موظفي ادارة الشبيبة الذين عهد اليهم بسبب وظائفهم و اما ضدهم في نفس الاحوال تحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين السابقين اللذين لا تجوز مقاضاتهم ابدا امام المحاكم المدنية من المتضرر او من ممثله ...و يجوز للدولة ان تباشر دعوى الاسترداد اما على رجال التعليم و موظفي ادارة الشبيبة و اما على الغير وفقا للقواعد العامة .. .
فالموضوع الذي بين ايدينا يكتسي اهمية نظرية و عملية فمن الناحية النظرية نلاحظ وجود نصوص تشريعية صريحة اقرت المسؤولية عن الحوادث المدرسية غير ان هذه النصوص لازالت تطرح بعض الاشكالات بخصوص مدى مسؤولية مرفق التعليم عن الاضرار التي يتسبب فيها العاملين به سواء بالنسبة للتلاميذ او الطلبة او الغير ,اما من الناحية العملية فان هناك مجموعة من الاجتهادات القضائية ابرزت هذه المسؤولية على ارض الواقع و اقرت بالمسؤولية الادارية في هذا المرفق.
اذن من خلال ما سبق يطرح هذا الموضوع عدة اشكاليات منها :
اين تبرز مظاهر هذه المسؤولية ؟و ما هي الجهة القضائية صاحبة الاختصاص في دعاوى المسؤولية بصفة عامة و الجهة صاحبة الاختصاص للبث في دعوى التعويض عن الحوادث المدرسية في مرفق التعليم بصفة خاصة ؟و كيف يتم تحديد تعويض عن هذه المسؤولية ؟
كلها اسئلة سنحاول الاجابة عنها باتباع التصميم التالي:

المبحث الأول: إشكالية الإختصاص النوعي عن الحوادث المدرسية
المبحث الثاني : تجليات الأخطاء المرفقية في مرفق التعليم


المبحث الأول:إشكالية الإختصاص النوعي عن الحوادث المدرسية

إذا كانت القاعدة العامة أن الاختصاص النوعي عن الحوادث المدرسية يعود للمحاكم العادية قبل إحداث المحاكم الإدارية (المطلب الأول)، فإن إحداث المحاكم الإدارية بموجب قانون 41-90 أصبح معه الموضوع يعرف جدلا واسعا بين مختلف المحاكم الإدارية بخصوص تأويل وقراءة الفصل 85 مكرر من قانون الإلتزامات والعقود (المطلب الثاني).

المطلب الأول : إختصاص المحاكم الإبتدائية

من خلال هذا المطلب سنحاول الإحاطة بمضمون الفصل 85 من ق.ل.ع و الذي ينص صراحة على إسناد النظر للمحاكم الإبتدائية في الحوادث المدرسية .
( لقد أكد التشريع المغربي من خلال الفصل 85 مكرر من قانون الإلتزامات و العقود المغربي و الذي أضيف بمقتضى الظهير 10 و ظهير 10 جمادى الأولى 1356 ( 19 يوليوز 1937) و عدل بمقتضى الظهير الشريف 18 ربيع الثاني 1361 ( 4 ماي [2]1942))
"يسأل المعلمون و موظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم.
والخطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال الذي يحتج به عليهم، باعتباره السبب في حصول الفعل الضار، يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية العامة.
و في جميع الحالات التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم العام وموظفي إدارة الشبيبة ، نتيجة ارتكاب فعل ضار أو بمناسبته إما من الأطفال أو من الشبان الذين عهد بهم إليهم بسبب وظائفهم ، وإما ضدهم في نفس الأحوال، تحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين السابقين، الذين لا تجوز مقاضاتهم أبدا أمام المحاكم المدنية من المتضرر أو من ممثله .
و يطبق هذا الحكم في كل حالة يعهد فيها بالأطفال أو الشبان إلى الموظفين السابق ذكرهم قصد التهذيب الخلقي أو الجسدي الذي لا يخالف الضوابط، و يوجدون بذلك تحت رقابتهم، دون اعتبار لما إذا وقع الفعل الضار في أوقات الدراسة أم خارجها، و يجوز للدولة أن تباشر دعوى الاسترداد، إما على رجال التعليم وموظفي إدارة الشبيبة وإما على الغير، وفقا للقواعد العامة.
و لا يسوغ في الدعوى الأصلية، أن تسمع شهادة الموظفين الذين يمكن أن تباشر الدولة ضدهم دعوى الاسترداد، و ترفع دعوى المسؤولية التي يقيمها المتضرر أو أقاربه أو خلفاؤه ضد الدولة باعتبارها مسؤولة عن الضرر وفقا لما تقدم، أمام المحكمة "الابتدائية" أو محكمة "قاضي الصلح" الموجود في دائرتها المكان الذي وقع فيه الضرر.
ويتم التقادم، بالنسبة إلى تعويض الأضرار المنصوص عليها في هذا الفصل بمضي ثلاث سنوات، تبدأ من يوم ارتكاب الفعل الضار".
وقد نظم المشرع المغربي مسؤولية رجال التعليم العام عن أفعال التلاميذ خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم، وكما هو واضح من خلال الفصل 85 مكرر من ق ل ع فان مسئولية رجال التعليم تتطلب وجود التلميذ تحت رقابة المعلم وكون الخطأ قد ارتكب من طرف التلميذ أثناء هذه الفترة.
يتضح من خلال النص أعلاه أن الولاية العامة في دعوى التعويض عن الحوادث المدرسية كانت قبل إحداث المحاكم الإدارية تنعقد بشكل صريح للمحاكم العادية لعدم وجود قضاء متخصص.
وبالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 85 مكرر ، يتضح أن مسؤولية رجال التعليم تنعقد في الوقت الذي يوجد فيه التلاميذ والطلبة والشبان تحت مراقبتهم وحراستهم، إذ أنه بمجرد مغادرة التلاميذ والطلبة مؤسسة التعليم أو مخيمات الاصطياف التي تنظمها السلطات الحكومية المتعلقة بالتعليم، تزول مسؤولية رجل التعليم الذي تحل محله الدولة[3].
بحيث أنه في حالة وقوع الضرر يمتنع على المتضرر أو ممثله مقاضاة الأطر التربوية أمام المحاكم العادية، بل يجب عليه إقامة الدعوى على الدولة التي تحل في المسؤولية هذه محل المدرسين، وأن دعوى المسؤولية ترفع أمام المحاكم الابتدائية، الموجودة في دائرتها المكان الذي وقع فيه الضرر، مع إمكانية مباشرة دعوى الاسترداد إما على الأطر التربوية أو على الغير، وعدم جواز سماع شهادة الموظفين الذين يمكن أن تمارس الدولة ضدهم دعوى استرداد ما حكمت به المحاكم الابتدائية عليها.
و من خلال الظهير الشريف المؤرخ في 26 أكتوبر 1942 المتعلق بالتعويض عن الحوادث المدرسية التي يتعرض لها تلاميذ المؤسسات العمومية، أوجد المشرع بمقتضى هذا الظهير نظاما احتياطيا يضمن بموجبه للتلميذ المتضرر من الحادثة المدرسية الحصول على حد أدنى من التعويض في كافة الأحوال.
و الملاحظ أن مقتضيات نفس الظهير فتحت المجال لإمكانية رفع دعوى المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 85 و85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود أمام المحاكم الابتدائية .
و بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 85 من ق ل ع نجده ينص على أن الشخص لا يكون مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب و لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص اللذين في عهدته .
و قد نص المشرع في البداية على مسؤولية الأب و الأم بعد موته ، حيث يسألان عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما. و الملاحظ أن مسؤولية المعلمين شبيهة بالمسؤولية المدنية للأبوين في بداية ظهورها.
و بعد إحداث المحاكم الإدارية بموجب قانون رقم 41.90 و بموجب المادة 8 التي تنص على أنه تختص المحاكم الإدارية في دعاوى المتعلقة بالتعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام،أصبح القاضي الإداري مختصا في المنازعات الناشئة عن الحوادث المدرسية لاسيما الأخطاء المرفقية منها، إلا أن الإختصاص النوعي للمحاكم الإدارية عرف إشكالات عميقة ، فبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود نجده ينص صراحة على أن الاختصاص يرجع للمحاكم الابتدائية العادية ..
هذا النص القانوني ، خلق اختلافا في المواقف بشأن اختصاصها أو عدم اختصاصها للبث في دعاوى المسؤولية الإدارية الناتجة عن الأضرار المدرسية ، فكيف عالج قانون إحداث المحاكم الإدارية هذه الإشكالية المتعلقة بالإختصاص النوعي ؟ هذا ما سنقف عنده من خلال المطلب الثاني.

المطلب الثاني :اختصاص المحاكم الإدارية.

بظهور المحاكم الإدارية بموجب قانون 41-90­­­ظهرت عدة اراء و اتخذت عدة مواقف تخص إدراج دعاوى المسؤولية الإدارية الناتجة عن الأضرار التي تلحق التلاميذ والطلبة وأطفال المخيمات العمومية ضمن اختصاصها.
و في هذا الإطارنجد حكما للمحكمة الإدارية بفاس قبلت فيه بالاختصاص بالنظر في مسؤولية الإدارة عن الحوادث المدرسية المقدمة في إطار الفصل 85 مكرر من قانون الالتزمات والعقود، في قضية عبد العالي برادة ضد وزير التربية الوطنية بتاريخ 13 مارس 1995، حيث قضت المحكمة بتحميل الدولة المغربية في شخص السيد الوزير الأول مسؤولية الحادثة المدرسية التي تعرض لها المتضرر بتاريخ 12/2/1995.[4]كما ذهبت المحكمة الإدارية بمكناس في نفس الاتجاه في حكم عدد 55/2001/12ش بتاريخ 28/6/2001 حيث قضت أن :" طلبات التعويض عن الأضرار الناتجة عن الحوادث المدرسية تندرج ضمن المنازعات المتعلقة بالأضرار التي تسببت فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام المنصوص عليها في المادة 8 من قانون 41.90.
وإذا كانت مقتضيات المادة 85 مكررة من قانون الالتزامات والعقود تسند الاختصاص سابقا للمحاكم الإقليمية التي حلت محلها المحاكم الابتدائية، فإن هذا المقتضى تم نسخه بعموم المادة الثامنة من قانون 41.90، ومن ثم فإن المحاكم الإدارية تعتبر صاحبة الاختصاص في المنازعات المتعلقة بالتعويض عن الحوادث المدرسية."[5]وفي هذ الإطار هناك حكم للمحكمة الإدارية بمكناس عدد 81/2001/12ش بتاريخ 15/11/2001 قضت فيه باختصاصها نوعيا للبث في دعاوى التعويض المتعلقة بالحوادث المدرسية.[6]وفي نفس الإطار كذلك قضت المحكمة الإدارية بمراكش في حكم رقم 386 بتاريخ 1/11/2004 بأن "الدعاوى المنصوص عليها في الفصل 85 مكرر من قانون الاتزامات والعقود تندرج في إطار دعاوى التعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، والتي تختص المحاكم الإدارية بالبث فيها طبقا للمادة 8 من القانون المحدث لها، وحيث إنه تبعا لذلك تكون عناصر المسؤولية الإدارية ثابتة طبقا لمقتضيات الفصل 85 مكرر من ق.ل.ع. الذي يستغرقه الفصل 8 من قانون 90/41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية".[7]وفي حكم آخر للمحكمة الإدارية بمكناس عدد 81/2001/12ش بتاريخ 15/11/2001 قضت فيه باختصاصها نوعيا في البت في دعاوى التعاويض المتعلقة بالحوادث المدرسية.
و بالتالي تختص المحاكم الادارية حسب الفصل 8 من القانون 90.41 المحدث للمحاكم الادارية بالبث ابتدائيا في دعاوي التعويض عن الاضرار التي تسببها اعمال و نشاطات اشخاص القانون العام ما عدا الاضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات ايا كان نوعها يملكها شخص من اشخاص القانون العام وهكذا يختص القاضي الاداري في حالة الأضرار الناتجة عن سوء تنظيم المرفق العمومي و اختلال تسييره و الاضرار الناتجة عن عيب في الصيانة و تهيئة المنشاة العمومية و الاشغال العمومية، هذه الأخيرة تظهر أهم تجلياتها في المسؤولية عن عيب، أو انعدام، أو نقص، الصيانة العادية للمنشأة العمومية، علماً أنه يبقى أمام القضاء الإداري بمناسبة دراسته لكل حالة، إمكانية إلحاقها بنظام المسؤولية بدون خطأ في تجلياتها المتعددة متى توفرت شروطها في النازلة المعروضة عليه.
و تعد قضية الحادثة المدرسية التي تعرضت لها التلميذة القاصرة والتي صدمها أحد زملائها بواسطة دراجة عادية بداخل مؤسسة تعليمية بمراكش، أبرز قضية شكلت طريقا آخر للإختصاص النوعي في التعويض عن الحوادث المدرسية.
فمن خلال هذه القضية برز موقف اخر للغرفة الإدارية حول إدراج الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في هذا النوع من الحوادث، حيث أيد الحكم المستأنف والصادر عن المحكمة الإدارية بمراكش حيث جاء في قرارها ، والمؤرخ في 10/1/2002 في ملف رقم 675/4/1/2001 ردا على الوكيل القضائي للمملكة الذي تمسك بعدم الاختصاص النوعي لجهة القضاء الإداري للبث في النزاع باعتبار أن الفصل 8 من قانون 90/41 الذي حدد أنواع الاختصاصات المسندة للمحاكم الإدارية لم يشر إلى هذا النوع من الحوادث المدرسية.
أنه: "وكما استقر عليه اجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى إن الاختصاص قائم لجهة القضاء الإداري انطلاقا من كون الضرر الذي أصيبت به ابنة المستأنف عليه كان بسبب نشاط فريق التعليم الذي تجسده المدرسة التي وقعت فيها الحادثة المذكورة.
و بالتالي يظهر لنا جليا من خلال الأحكام المشار إليها بهذا الخصوص بأن مسألة الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في دعوى التعويض عن الحوادث المدرسية هو اختصاص أصيل لهذه المحاكم بموجب المادة 8 من قانون 41.90 والتي تنص على أنه تختص المحاكم الإدارية في دعاوى المتعلقة بالتعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام.

المبحث الثاني : تجليات الأخطاء المرفقية في مرفق التعليم.

تتجلى الأخطاء المرفقية في مجال المسؤولية الإدارية في ثلاث صور أساسية أقرها الفقه والاجتهاد القضائي،و تتمثل في عدم أداء المرفق للخدمة ، أو في سوء أداءها أو البطء في أدائها.

المطلب الأول : عدم أداء المرفق للخدمة

هو ذلك الموقف السلبي التي تتخذه الإدارة تجاه الخدمة المطلوبة منها ، بحيث تمتنع عن القيام بعمل يجب عليها القيــام به ، ويترتب على موقفهــــا السلبي هذا ضرر يصيب الأفراد و بالتـــــالي تتقرر مسؤوليتها ومثال ذلك امتناع الإدارة عن تسليم شهادة النجــاح للطالب ( مرفق التعليم ).
ويمكن إيجاد هذه الحالة بخصوص مسؤولية مرفق التعليم في الامتناع عن القيام ببعض أشغال الصيانة التي من شأنها قيام أضرار تصيب المستخدمين والمستفيدين من المرفق التعليمي.
فعندما تصيب المنشآت التعليمية والأشغال الجارية بها في ضرر أحد المستعملين لها، وهم الأشخاص الذين يقومون بالاستعمال العادي والفعلي لهذا المرفق ، فهنا تطبق نظرية المسؤولية الإدارية بسبب نقص أو عيب في الصيانة للمنشآت التعليمية ، وتستند مبادئ هذه المسؤولية على قاعدة المسؤولية بسبب الخطأ الافتراضي للمرفق التعليمي أو التربوي اعتبارا بأنه إذا احدثت المنشأة التعليمية والأشغال المحدثة بها أضرارا بمستعمليها ، فإن بمجرد إحداث هذا الضرر يقيم قرينة قانونية على وقوع الخطأ من صاحب المنشأة أو صاحب المشروع في عدم صيانتها ، ولا يمكن لهؤلاء دفع مسؤوليتهم إلا إذا ثبت قيامهم بالصيانة العادية للمنشآت التعليمية ، واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الضرر ، أو أن الضرر الواقع راجع إلى قوة قاهرة أو بسبب خطأ المتضرر نفسه.[8]وفي إطار الحديث عن الأضرار الناتجة عن سوء الصيانة العادية للأشغال العمومية قضت المحكمة الإدارية بفاس في ملف عدد 99/21 بتاريخ 05/10/1999 برفض التعويض الذي تقدم به المتضرر على إثر الحادثة المدرسية التي تعرض لها أثناء حصة التربية البدنية المتعلقة بالتمرين عن القفز الطولي ، حيث عللت المحكمة موقفها هذا على أن الخطأ أو عدم الاحتياط أو الإهمال من طرف المؤسسة التعليمية غير قائم، وبذلك تم حرمان المتضرر من التعويض.[9]تتجلى كذلك مسؤولية مرفق التعليم في عدم أداء الخدمة في الأضرار الناتجة عن عدم استدعاء المرشحين لاجتياز المباراة وعدم القيام بالإجراءات اللازمة لذلك ، فقد اعتبر القضاء الإداري أن عدم توجيه إدارة المرفق العام للتعليم الاستدعاء لاجتياز المباريات خطأ مرفقي تتحمل الإدارة من خلالها مرفق التعليم الأضرار الناتجة عنه ، هذا ما أقرته المحكمة الإدارية بوجدة في قضية السيد حلومي عبد الناصر ، تتلخص وقائع هذه القضية في أن المدعي تقدم بطلب ترشيحه لاجتياز المباراة المهنية الخاصة بقطاع التربية الوطنية والتي أعلنت عليها هذه الأخيرة بتاريخ 24/10/2005 والمفتوحة في وجه الملحقين التربويين من الدرجة الثالثة ، الراغبين في ولوج إطار الملحقين التربويين من الدرجة الثانية.
غير أنه وأثناء استعداده لاجتياز الامتحان فوجئ قبل يوم واحد من موعده بكون اسمه ليس مدرج ضمن لائحة المرشحين لاجتياز الامتحان المذكور ، ولما استفسر بنيابة وزارة التربية الوطنية ببوعرفة عن سبب هذا الإقصاء تبين له أن النيابة المذكورة لم توجه أصلا طلب ترشيحه إلى مركز الامتحان ، وأن النائب الإقليمي عمد إلى إقصاء المرشح مباشرة من اجتياز المباراة.
بناء على هذه الوقائع قضت المحكمة الإدارية بوجدة في حكم عدد 203 بتاريخ 28 يوليوز 2006 : "بأن عدم توجيه طلب ترشيح المدعي لاجتياز المباراة إلى لجنة الامتحانات من طرف الإدارة المدعى عليها أو إرجاعه له قبل تاريخ اجتيازه مع تضمينه أسباب رفضه يشكل خطأ مرفقيا في تفويت فرصة اجتياز المباراة المذكورة ، ويبرر الحكم له بالتعويض لجبر الضرر الناتج له عن ذلك".[10]ومما سبق يمكن القول أن عدم أداء المرفق التعليمي للخدمات المنوطة به سواء تعلق الأمر بالتسيير العادي للإدارة أو بالأعمال المادية التي يقوم بها مرافق التعليم يترتب عليه مسؤولية هذا الأخير عن الأضرار الناتجة عن عدم أداء هذه الخدمات وكذلك عن تفويت الفرصة للاستفادة من هذه الخدمات.

المطلب الثاني : بطء و سوء أداء مرفق التعليم للخدمة

تتقرر مسؤولية الدولة في حالة ما إذا تباطأت أو تأخرت في أداء الخدمة المطلوبة منها بصورة تخرج عن المألوف ، فيترتب على دلك إلحاق الضرر بالأفراد ، بمعنى أن الإدارة لم تؤدي الخدمة في الوقت المناسب.
و تتمثل المسؤولية الإدارية لمرفق التعليم في هذه الحالة من خلال التقصير الذي يحدث من جانب المؤسسات التعليمية في عملية الحراسة، فالبطء و التقاعس في أداء هذه المهمة يؤدي إلى نشوء حوادث بسب عراك التلاميذ في ساحة الاستراحة أو سقوطهم في إحدى الحفر بالساحة الشيء الذي يترتب عنه مسؤولية الإدارة عن التقصير في القيام بمهام الحراسة.
ففي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الإدارية بفاس في حكمها عدد 84/2005 الصادر بتاريخ 02/02 2005/:" إن وجود التلاميذ في عهدة الحراسة المدرسية أثناء أوقات الاستراحة و إهمال هؤلاء الموظفين و تقصيرهم في التعهد بهم و حراستهم إضافة إلى ترك قضبان حديدية من بقايا هيكل سيارة قديمة في أرضية ساحة المدرسة يعتبر خطا مرفقيا من جانب التربية و التعليم"[11]و تجدر الإشارة في هذه الحالة انه غالبا ما يتم التمييز بين نوعين من الحراسة الموكولة إلى الأطر التربوية وهي الحراسة العادية وتتعلق بالأنشطة المدرسية العادية (إشغال، العاب، تنشيط...) المزاولة بشكل يومي من طرف التلاميذ، وكذلك الحراسة المشددة و الضرورية و التي تكون في الحالات الخاصة لما قد ينتج عن التقصير في أداءها من خطورة واضحة(روض الأطفال، مرحلة التعليم الأساسي، حصص التربية البدنية، خارجات استكشافية...).[12]ومسؤولية مرفق التعليم في هذه الحالة لا تقوم إلا في حالات وجود التلاميذ بالمؤسسات التعليمية، وفي أوقات دراستهم و في عمدة مدرسيهم، فعدم وجود هذه الحالات تنتفي مسؤولية مرفق التعليم في هذه الحالة، وهذا ما أوضحته المحكمة الإدارية بوجدة في ملف رقم 702001/ بتاريخ 2001/09/19في قضية التلميذ الذي توفي غرقا بتاريخ1999/09/28ببركة مائية بوادي ارسلان عند خروجه من المدرسة.
أما فيما يخص سوء أداء مرفق التعليم للخدمة، تتقرر مسؤوليته في هذه الحالة عن جميع أعمال الإدارة الإيجابية والمنطوية على خطأ والتي تقع من المرفق أثناء أدائه لعمله سواء أكانت هذه الأعمال مادية أو تصرفات قانونية.
و قيام مسؤولية الدولة عن الضرر الناتج عن سوء أداء المرفق التعليمي للخدمة يلزم أن يكون هناك خطأ من جانب المرفق التعليمي وأن يحدث للغير ضرر وأن تتوفر علاقة سببية بين الخطأ الذي وقع من المرفق التعليمي وبين الضرر الذي لحق المتضرر، بمعنى أن يكون الضرر هو النتيجة الطبيعية المباشرة للخطأ، والمطالب بالتعويض على أساس المسؤولية يجب عليه أن يقدم الدليل على توافر علاقة سببية بين ما وقع له من ضرر نتيجة تصرف إدارة مرفق التعليم وبين الخطأ الذي يعزوه إلى المرفق بسبب عدم القيام بواجبه.[13]ومن أمثلة الإجتهاد القضائي في هذا المجال، الخطأ المادي الواقع من طرف الأستاذ الذي رمى بمسطرة حديدية أثناء القيام بمهام التدريس بمدينة مكناس حيث خلفت هذه الحادثة أضرار أصابت إحدى تلاميذ الفصل في رأسه.
عرضت هذه القضية على المحكمة الإدارية بمكناس فقضت في حكمها عدد 419/2004 بتاريخ 23/9/2004 قضية السيد الراجي منير جاء في الحكم :" وحيث إنه بالرجوع إلى الأضرار التي خلفتها الحادثة على الطفل المزداد سنة 1974 والمتمثلة في وجود تأثير كبير للضربة بالمسطرة الحديدية ... بأداء وزارة التربية الوطنية في شخص من يجب تعويضا لفائدة الضحية".[14]ومن أمثلة الخطأ المادي كذلك استيلاء مرفق التعليم على عقارات الغير دون سلوك مسطرة نزع الملكية، فقد اعتبر القضاء الإداري أن قيام وزارة التربية الوطنية ببناء منشأة تعليمية فوق ملك الغير دون سلوك الإجراءات اللازمة لنزع الملكية لأجل المصلحة العام، خطأ مرفقي تتحمل الدولة في شخص وزارة التربية الوطنية مسؤولية التعويض عن الأضرار الناتجة عنها.
حيث جاء في حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد 214 صادر بتاريخ 17/04/2001 في قضية السيد أحمد بن علال قيسي: "إن وزارة التربية الوطنية ببنائها لمؤسسة تعليمية فوق عقار المدعي دون احترامها للمسطرة المقررة قانونا في نزع ملكية العقار المدعى به وبغصبها له تكون قد ارتكبت خطأ مرفقيا يستوجب تحميلها المسؤولية عنه."[15]وبذلك فإن سوء أداء المرفق التعليمي للخدمة، وعدم تقديره للوسائل الكفيلة للقيام بهذه الخدمة بشكل صحيح يعتبر خطأ مرفقيا تتحمل الدولة في شخص وزارة التربية الوطنية مسؤولية التعويض عن الأضرار التي تختل معها المراكز القانونية للأفراد.

خاتمة
من خلال ما سبق يمكن القول ان فيما يخص المرفق العام للتعليم الدولة هي المسؤولة بالتعويض عن القرارات الادارية الغير المشروعة المخالفة للقانون .فهذه المسؤولية تبقى قائمة مادامت هناك حوادث مدرسية داخل المؤسسات التعليمية و ترتبت عنها اضرار للتلاميذ و الطلبة و المستفيدين من المرفق نفسه او خطا المرفق نفسه او خطا الموظفين به و الذين تحل الدولة محلهم ,فهذه المسؤولية هي مسؤولية ادارية يتحمل مرفق التعليم مسؤولية الاضرار المترتبة عنها و هذا ما كرسه القضاء الاداري المغربي من خلال مجموعة من الاجتهادات القضائية.
_____________________________
هوامش:
[1] حسن سيمو :المسؤولية الادارية من خلال قرارات المجلس الاعلى مجلة ريمالد عدد 14 سلسلة مواضيع الساعة
[2] الفصل 85 مكرر من قانون الإلتزامات و العقود المغربي و الذي أضيف بمقتضى الظهير 10 و ظهير 10 جمادى الأولى 1356 ( 19 يوليوز 1937) و عدل بمقتضى الظهير الشريف 18 ربيع الثاني 1361 ( 4 ماي1942
[3] أناس المشيشي :"القاضي الإداري وقواعد القانون الخاص"، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الأول –كلية العلوم القانونية وجدة السنة الجامعية 2005-2006-، ص 194.
[4] - حكم إدارية فاس صادر بتاريخ 13 مارس 1995
[5] - حكم إدارية مكناس عدد 55/2001/12ش بتاريخ 28/6/2001، منشور بالدليل العلمي للإجتهاد القضائي" أحمد بوعشيق"منشورات لمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الجزء الأول عدد 16 لسنة 2004، ص 447
[6] - حكم إدارية مكناس عدد 81/2001/ 12ش بتاريخ 15/11/2001، أوردة ذ أحمد بوعشيق الدليل العلمي للإجتهاد القضائي الجزء الأول العدد 16 لسنة 2004، ص-450.
[7] - حكم إدارية مراكش رقم 386 بتاريخ 1/11/2004، أوردة ذ. محمد باهي :"أنظمة المسؤولة في مجال الحوادث المدرسية وتنازع الاختصاص ما بين المحاكم الإدارية والمحاكم العادية". مجلة المحاكمة العدد 6 أبريل – يونيو 2009، ص 100.
[8] - محمد باهي:" التعويض عن الحوادث المدرسية الناجمة عن الاضرار المرتبطة بتنظيم و تسيير مرفق التعليم و انعدام الصيانة العادية للمنشأة العمومية" منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، ص 37.
[9] - حكم إدارية فاس أورده الأستاذ محمد باهي، المرجع السابق، ص 37.
[10] - حكم إدارية وجدة رقم 203 بتاريخ 28/07/2006 في قضية السيد حلومي عبد الناصر حكم غير منشور.
[11] - حكم إدارية فاس عدد 84/2005 بتاريخ 02/02/2005، منشور بمجلة الحقوق المغربية ، ص 173.
[12] - ذ. محمد باهي :"التعويض عن الحوادث المدرسية الناجمة عن الأضرار المرتبطة بتنظيم وتسيير مرفق التعليم وانعدام صيانة المنشأة العمومية" مقال منشور بمجلة Remald عدد 96، يناير – فبراير 2011، ص 31.
[13] -ذ. محمد باهي : :"التعويض عن الحوادث المدرسية الناجمة عن الأضرار المرتبطة بتنظيم وتسيير مرفق التعليم وانعدام صيانة المنشأة العمومية" مقال منشور بمجلة Remald عدد 96، يناير – فبراير 2011، ، ص 36.
[14] - حكم إدارية مكناس عدد 419/2004 صادر بتاريخ 23/9/2004، حكم غير منشور.
[15] - حكم إدارية فاس عدد 214 صادر بتاريخ 17/04/2001 في قضية السيد أحمد بن علال قيسي، حكم غير منشور.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -