دعوى إيقاف تنفيذ القرار الإداري

مقال بعنوان: دعوى إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية

مقال بعنوان: دعوى إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية PDF


مقدمة
تلجأ الإدارة لمزاولة نشاطها على الوجه الأكمل إلى عدة أساليب تتضمن قواعد غير مألوفة في مجال القانون الخاص، ومن هذه الأساليب القرارات الإدارية.
والقرار الإداري عمل قانوني يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة عامة، ويحدث مركزا قانونيا جديدا أو يؤثر في مركز قانوني سابق.
وتعد القرارات الإدارية بهذا المعنى من أهم وأخطر وسائل القانون العام المتاحة للإدارة من أجل القيام بمهامها المتعددة، بل والأكثر فعالية على الإطلاق، لما تتسم به من قرينة الصحة والمشروعية التي تجعل الإدارة تتمتع بسلطة استثنائية في تنفيذ قراراتها تنفيذا مباشرا، وفي استعمال القوة العمومية لإتمام هذا التنفيذ دون اللجوء مقدما إلى القضاء استنادا إلى مبدأ الامتياز المسبق، ويستتبع ذلك التزام الأفراد باحترام هذه القرارات والعمل على تنفيذها، وإلا تعرضوا للجزاء الذي يقرره القانون لمخالفي هذه القرارات استنادا إلى القوة التنفيذية للقرار الإداري.
وفي مقابل هذا الامتياز المخول للإدارة، أعطى المشرع في أغلب الدول الحق للأفراد في اللجوء إلى القضاء من أجل إلغاء تلك القرارات متى شابها عيب من العيوب تجعلها غير مشروعة، ولكن الطعن بالإلغاء فهو لا يؤدي بقوة القانون إلى وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه، لذا اتجهت معظم التشريعات المعاصرة إلى تقرير دعوى وقف التنفيذ.
ودعوى وقف التنفيذ دعوى متفرعة من دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة الهدف منها إيقاف تنفيذ القرار المطعون فيه بالإلغاء إلى حين البث في جوهر النزاع، ومحل الطلب فيها الحكم مؤقتا وعلى وجه عاجل بإيقاف تنفيذ القرار الإداري متى وجدت أسباب موجبة لإيقافه وذلك لتلافي الآثار الضارة والتي لا يمكن تداركها متى وقع ذلك التنفيذ، وهو نفس المفهوم الذي تضمنه تعريف الأستاذ برنار باكطو Bernard Pacteau لهذه الدعوى حيث عرفها على أنها: " تجميد للقرار الإداري في إنتظار صدور الحكم الفاصل في مشروعيته خلال مدة سريان الدعوى المرفوعة في شأنه، الأمر الذي يشكل إلى حد ما إعتقال مؤقت لقرار لم تثبت بعد إدانته، إلا أنه قرار في موضع إتهام " وهي على هذا النحو تبقى دعوى استثنائية في مقابل، ما تتمتع به الإدارة من امتيازات في تنفيذ قراراتها استنادا إلى قاعدة الامتياز المسبق
وبهذا المعنى يمكن إيجاز أهمية مؤسسة إيقاف التنفيذ، في كونها تقنية تترجم إرادة المشرع في خلق التوازن المضاد للطابع غير الواقف للقرار الإداري، إلى حين البت في دعوى الالغاء، ومن تم تمكين القضاء من حماية حقوق طالب الايقاف والتي تكون مهددة بالتنفيد عليها وبين الحفاظ على
ونظرا لأهمية هذه الدعوى وما تمثله من ضمانة لحقوق وحريات الأفراد في مواجهة الإدارة، فإننا نعرض لها من خلال النقط التالية:

المبحث الأول: الشروط الشكلية والموضوعية لدعوى إيقاف تنفيذ القرار الإداري 
المبحث الثاني: خصائص الحكم الصادر في طلب إيقاف التنفيذ 

المبحث الأول: الشروط الشكلية والموضوعية لدعوى إيقاف تنفيذ القرار الإداري

إن الاختصاص في البث في طلبات الإيقاف هاته ينعقد لقاضي الموضوع الذي يبث في دعوى الإلغاء. إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة كونها ترد عليها عديد الاستثناءات على سبيل المثال ما ورد في المادة 23 من قانون 03.02. المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة الذي يخول اختصاص الطعن بالإيقاف ضد قرار الاقتياد إلى الحدود الذي يمكن أن يصدر بحق الأجنبي إلى رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضي المستعجلات.

المطلب الأول: الشروط الشكلية

الفقرة الأولى: تقديم طلب الإيقاف صراحة وبمؤازرة محام

إن طلب وقف التنفيذ هو طلب الغاية منه إيقاف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه وذلك من خلال دعوى الإلغاء وبذلك فهو طلب وقف تنفيذ مؤقت للقرار موضوع دعوى الإلغاء إلى أن يصدر حكم إما بإلغاء القرار المطعون فيه، أو برفض طلب الإلغاء.
ومما تجدر ملاحظته في هذا السياق أن المشرع المصري قد نص صراحة في المادة 49 من قانون مجلس الدولة لسنة 1972 على جواز الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري، إذا كان الطاعن قد "طلب ذلك في صحيفة الدعوى....." ويعنى ذلك حسب رأي بعض الفقه، أنه يشترط بقبول طلب وقف تنفيذ القرار الإداري إبداء الطلب في صحيفة دعوى الإلغاء.
ذلك أن وقف التنفيذ ليس بغاية في ذاته، ولكنه تمهيد لإلغاء القرار، فطلب وقف التنفيذ هو أمر متفرغ من طلب الإلغاء. ويترتب على ذلك حقيقة مفادها أن وقف التنفيذ لا يقبل إلا ضد قرار يمكن أن توجه إليه دعوى الإلغاء. ومن تطبيقات ذلك وفي حكم للمحكمة الإدارية العليا المصرية الصادر في 29 أكتوبر سنة 1960 من "أن قرار الإدارة خصم مبلغ معين من راتب الموظف استيفاء يدين عليه منازعه تتعلق بالمرتب وتنظرها المحكمة بمقتضى ولايتها الكاملة، ولا نتدرج في قضاء الإلغاء، من ثم لا يكون القرار الصادر بالخصم من المرتب من القرارات الإدارية القابلة للإلغاء والتي يجوز وقف تنفيذها طبقا للمادة (21) من قانون رقم 55 لسنة 1959.... ومؤدى هذا أنه لا يجوز اتخاذ طريق وقف تنفيذ القرار إلا حيث يوجد قرار متخذ بشأنه دعوى بإلغائه".
وباستقرار نص الفصل 24 من القانون رقم 41-90 المحدثة للمحاكم الإدارية نجد أنه ينص على أنه "للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه، إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة" ومن ثم فإنه لا يجوز للمحكمة أن تأمر بالإيقاف من تلقاء نفسها ما لم يصرح بذلك طالب الإلغاء، وأن الطلب الصريح يعتبر شرطا أساسيا لقبول هذه الدعوى، لأنه متفرع من طلب الإلغاء.
ويجب في الطلب المقدم من أجل إيقاف التنفيذ أن يكون متضمنا لجميع البيانات المنصوص عليها في المادة 32 ق.م.م. المتمثلة في الاسم الشخصي والعائلي لطالب الإيقاف، إضافة لعنوانه الكامل، وإذا شركه فإنه يجب أن يتضمن الطلب اسم هذه الشركة وعنوانها الرئيسي ومركزها، وكذلك ممثلها القانوني، واسم الجهة الإدارية المطلوبة في الإيقاف وهي هنا الجهة المصدرة للقرار المطعون فيه.
وإضافة لتقديم الطلب صراحة فقد استلزم القانون أن يتم التقديم بواسطة محامي حيث أعطى المشرع المغربي، كغيره من التشريعات الأخرى، مكانة متميزة للمحامي تقدرا لأهمية الدور الذي يؤديه بالنسبة للمتقاضين أمام المحاكم الإدارية. حيث يرى بعضنا من الفقه، أن له دوران: يتمثل الأول في تقديمه لاستشارة قبل عرض النزاع على أنظار القضاء، حيث يقوم بتوجيه التظلم الإداري، سواء كان استعطافيا أو رئاسيا، موجها إلى السلطة الإدارية التي أصدرت القرار، كما أنه يقوم بمؤازرة الطاعن أمام أنظار المجلس التأديبي.
أما الدور الثاني فإنه يتمثل في تمثيله للطاعن أمام المحاكم الإدارية، ولعل هذه المكانة التي أولاها المشرع المغربي للمحامي مردها لارتفاع نسبة الأمية والتي تجعل العارفين لحقوقهم، وكيفية طرق المطالبة بها لا يشكلون إلا فئة قليلة وأن إلزامية تقديم الدعوى بواسطة محام أصبحت مسألة ملازمة للمسطرة الكتابية التي تميز مسطرة التقاضي عموما ومسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية على وجه الخصوص.

الفقرة الثانية: اقتران طلب إيقاف تنفيذ القرار الإداري وطلب إلغائه.

يعد هذا الشرط، أحد أهم الشروط الشكلية المطلوبة قانونا بقبول طلب الإيقاف وذلك بالنظر إلى كون هذا الطلب متفرعا من طلب الإلغاء، وأن شرط الارتباط هذا يستمد مبرر وجوده من عدة اعتبارات من أهمها وكما أشار إلى ذلك الفقه.
طالما أن إيقاف تنفيذ القرار الغاية منه تدارك أثار الإلغاء، فلا معنى وراء ذلك ولا مبرر إذا لم يكن القرار المطلوب إيقاف تنفيذه مطعونا ضده بالإلغاء.
دعوى الإلغاء هي الطريق الوحيد لإيقاف تنفيذ القرار لاسيما وأن من الشروط الموضوعية لطلب إيقاف التنفيذ هو جدية الوسائل المعتمد عليها في طلب إلغاء القرار كما ستأتي عليه تفصيلا لاحقا.
وإضافة لشرط الاقتران، اشترط المشرع المغربي تقديم طلب الإيقاف داخل أجل معين، إلا أن العمل القضائي قد استقر على أن بعض الأحكام تشير أحيانا، من حيث الشكل إلى أن طلب الإيقاف،قد قدم على الصيغة، وداخل الأجل القانوني إلا أنه ومن خال إطلاعنا على مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية في الموضوع، يمكن أن نسجل في هذا الإطار بأن تمت اتجاهين خلص إليهما موقف العمل القضائي بالمغرب.
الاتجاه الأول: وهو الذي تبنته إدارية وجدة من خلال أحد الأحكام الصادرة عنها، والتي أقرت من خلاله أن تقديم طلب إيقاف قرار إداري مشروط بتسجيل الطعن بالإلغاء أمام نفس المحكمة، وأن إصدار حكم بالإلغاء وعرض النزاع على محكمة الاستئناف (الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى) يجعل من شرط التسجيل المذكور منصرما، وأن تقديم طلب إيقاف التنفيذ إلى المحكمة بعد أن أصدرت حكما بالإلغاء يجعل الطلب غير مؤسس وبالتالي يتعين رفضه.
ومن خلال حيثيات هذا الحكم نستطيع القول إن الأجل المحدد لرفع دعوى إيقاف تنفيذ المقرر الإداري حدد خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين تقديم طلب الإلغاء إلى غاية صدور الحكم فيه.
أما الاتجاه الثاني: فيما أخذت به إدارية الرباط، بمناسبة جوابها عن الدفع الذي تقدم به الطرف المطلوب في الطعن بواسطة دفاعه بعدم قبول الطلب شكلا بتقديمه خارج الأجل (أي مرور سنة وستة أشهر على صدور القرار المطعون فيه) بقولها:"لكن حيث أن طلب الإيقاف متفرع عن طلب الإلغاء تمهيدا للحكم بإلغاء القرار المختصم نهائيا، وأن هذا الأخير هو الذي يجب أن تكون مواعيد تقديمه كطلب أصيل وحدها المعول عليها في تجديد الأجل، أي أنه إذا قدم طلب الإلغاء في الأجل المقرر، فطلب الإيقاف يقدم في أي وقت بعد ذلك وإلى ما قبل الفصل في الدعوى الأصلية، وذلك لعدم النص على أجل خاص لتقديم طلب الإيقاف، مما يكون معه الدفع المثار بهذا الصدد غير مرتكز على أساس ويتعين التصريح باستبعاده...).
حيث يرى بعضا من الفقه، أن له دوران: يتمثل الأول في تقديمه للاستشارة قبل عرض النزاع على أنظار القضاء، حيث يقوم بتوجيه التظلم الإداري، سواء كان استعطافيا أو رئاسيا، موجها إلى السلطة الإدارية التي أصدرت القرار، كما أنه يقوم بموازاة الطاعن أمام أنظار المجلس التأديبي.
أما الدور الثاني فأنه يمثل في تمثيله للطاعن أمام المحاكم الإدارية، ولعل هذه المكانة التي أولاها المشرع المغربي للمحامي مردها لارتفاع نسبة الأمية والتي تجعل العارفين لحقوقهم، وكيفية طرق المطالبة بها يشكلون إلا فئة قليلة وأن إلزامية تقديم الدعوى بواسطة محام أصبحت مسألة ملازمة للمسطرة الكتابية التي تميز مسطرة التقاضي عموما ومسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية على وجه الخصوص.
أي ضرورة اقتران طلب الإلغاء وطلب الإيقاف في صحيفة واحدة، وشرع، لا يقبل تقديم طلب الإيقاف في صحيفة مستقلة، كما يجب أن يكون طلب وقف تنفيذ القرار الإداري المطلوب إلغاؤه صريحا وواضحا دون أن يشوبه أي غموض أو لبس، لأن وقف التنفيذ ليس بغاية في ذاته، وإنما هو متفرع عن دعوى الإلغاء. وهذا ما ذهب إليه الفقيه الطماوي بقوله...أنه لا يتصور ولا يقبل أن يسيق طلب وقف التنفيذ رفع دعوى الإلغاء، لأن وقف التنفيذ هو أمر متفرع من طلب الإلغاء وتمهيدا له.
والغالب أن يطلب وقف التنفيذ في ذات صحيفة دعوى الإلغاء الإداري لأن القرار الإداري يكتسب الصفة التنفيذية منذ صوره مستوفيا لأحكامه، ما لم يؤجل تنفيذه لتاريخ لاحق، وبالتالي فأن خطر تنفيذه يمثل من تاريخ صدوره.
أما ما يلاحظ على القضاء الفرنسي أنه لم يكن يشترط تقديم طلب إيقاف التنفيذ في ذات الوقت مع دعوى الإلغاء في مقال واحد وإنما كان يشترط فقد أن يكون طلب الإيقاف نقديا بشكل صريح وبطريقة حاسمة وأن يكون هذا الطلب داخلا في نطاق الدعوى الأصلية ومرتبطا بها ويستوي تقديم طلب وقف التنفيذ في نفس الوقت مع طلب الإلغاء في مقال واحد أو يقدم في شكل طلب خاص، يكون منفصلا عن دعوى الإلغاء. في حين أن المشرع المغربي وعلى خلاف المشرع المصري لم يستلزم تقديم طلب وقف تنفيذ القرار الإداري ضمن عريضة طلب الإلغاء وإنما اكتفى في الفصل 24 من قانون رقم 90.41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية بالتنصيص "للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف على إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة".
وإذا كان المشرع المغربي من خلال أحكام المادة 24 من القانون المذكور آنفا، قد أشار على مسألة الارتباط بين طلب الإلغاء وطلب إيقاف التنفيذ، ولو بشكل غير مباشر، فإن المستقر عليه في القضاء المغربي، هو التأكيد على هذا الارتباط القائم بين الطلبين معا، طالما أن أحدهما منبثق من الآخر، وخاضع في مجمله لمختلف ضوابط الإجراءات الشكلية المنظمة للعلاقات بين الأصل وهي (دعوى الإلغاء) وبين دعوى إيقاف التنفيذ المتفرعة عنها، وأهم التطبيقات القضائية لهذا الشرط، أنهيت إليه إدارية الرباط في الحكم عدد 1568 بتاريخ 30/12/2003 في الملف عدد 336/03 غ.ق، ورد فيه:
"...حيث أنه من جهة أخرى فإن المادة 24 عندما نظمت مسطرة البث في طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الصادرة عن السلطة الإدارية، اشترطت لقبول مثل هذه الطلبات أن تكون قد رفع طلب في موضوع إلغائها أمام نفس المحكمة، في حين أنه بعد الإطلاع على الوثائق المدلى بها في الملف يتبين أنه ليس هناك ما يفيد أن المدعى تقدم في الموضوع أمام هذه المحكمة بطلب يستهدف من ورائه الحكم بإلغاء القرار المذكور، مما يجعل طلبه غير مقبول من هذه الناحية..."
وهو ذات الاتجاه الذي ذهب إليه إدارية الرباط في الحكم عدد 1394 بتاريخ 13/10/2005 في الملف عدد 338/2/2005، ورد فيه:
"...وحيث إن وثيقة التظلم التي أدلى بها المدعى لا تتضمن ما يفيد تاريخ توصل العامل بها من أجل احتساب تقديم دعوى الإلغاء التي ليس من بين وثائق الملف ما يفيد أن المدعى قام بتقديمها فعلا أمام هذه المحكمة، مما يجعل الطلب لهذه الصلة أيضا غير مقبول على حالته..."
وانطلاقا من هذا الشرط، فإنه لا يجوز أن يسبق طلب إيقاف التنفيذ طلب الإلغاء، لأنه طلب تابع للطلب الأصلي، وإذا كانت هذه القاعدة محل اتفاق من طرف جميع المحاكم الإدارية بالمغرب وقد استقر العمل القضائي عليها، إلا أننا وباستقراء حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 1639 بتاريخ 28/11/2005 في الملف رقم 359/2/05 نلاحظ بأن هذه المحكمة قد خالفت هذه القاعدة ولم تتقيد بشرط الاقتران بين طلب الإلغاء وطلب الإيقاف وذلك بقبولها طلب إيقاف قرار إداري على الرغم من عدم رفع دعوى إلغاء وقت تقديم الطلب أمامها.
حيث ورد في تعليل المحكمة المذكورة بخصوص الدفع الذي أثاره دفاع الطرف المدعى عليه وصدر القرار المطلوب إيقاف تنفيذه، بعد أن التمس عدم قبول الطلب من الناحية الشكلية، لصلة أن المحكمة سبق لها أن أصدرت حكما في دعوى الإلغاء ومرور سنة وثمانية أشهر.

المطلب الثاني: الشروط الموضوعية لإيقاف القرارات الإدارية

تعتبر الشروط الموضوعية لإيقاف القرارات الإدارية نتاجا للاجتهاد القضائي الفرنسي الذي وضع الأسس للاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ لتترجم فيما بعد على مستوى النصوص القانونية، فقد اتفق الفقه والقضاء الإداري على وضع شرطين أساسيين هما: شرط الاستعجال ثم شرط جدية الوسائل.
سنحاول معرفة مفهوم هذين الشرطين في القانون والقضاء الإداري في كل من فرنسا، مصر ثم المغرب (الاستعجال فقرة أولى) ثم (الجدية فقرة ثانية)

الفقرة الأولى: شرط الاستعجال في القانون و الاجتهاد المقارن 

أ- في القانون الفرنسا
 إذا كان مجلس الدولة هو من أسس لظهور شرطي الاستعجال والجدية، فقد عمل المشرع الفرنسي على تبني هدا الأجتهاد تقنينهما بموجب مرسوم 30/07/1963 كشرطين لازمين لمنح إيقاف التنفيذ القرارات الإدارية من خلال المادة 54 من قانون مجلس الدولة، كما نصت المادة 125 من مدونة المحاكم الإدارية على نفس الشرطين بنفس التعبير.
أما في مصر: فقد سار المشرع المصري على نفس النهج للمشرع الفرنسي، إذ نص على شرط الاستعجال من خلال مقتضيات المادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47/1972 والتي جاء فيها:" يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ قرار إداري إذا رأت أن نتائج التنفيذ قد لا يتعذر تداركها" يفهم منها شرط الاستعجال.
وفي المغرب فإن المشرع لم يحدد لشرط الاستعجال أي تعريف قانوني، بل ارتأى أن يفتح سبيلا قضائيا أمام الطاعن في القرار الإداري وذلك عن طريق سلوك مسطرة إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية في المادة 24 من قانون المحاكم الإدارية41-90 " للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة".
وأمام سكوت المشرع فتح المجال أمام الاجتهاد القضائي المغربي للإحاطة بمدلول هذا العنصر "الاستعجال" كشرط موضوعي في طلب إيقاف تنفيذ القرار الإداري.
ب- شرط الاستعجال في الاجتهاد القضائي المقارن.
في فرنسا: يحضى الاستعجال بحيز هام ضمن الآليات التي يفحصها القاضي الإداري من أجل الحسم في طلب إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية أو رفضها، فقد كان قضاء مجلس الدولة الفرنسي أول من ابتكر شرطي الاستعجال والجدية، وكانت أحكامه الأولى تقتصر على مجرد التحقق من وجود ضرر بسيط، ثم بعدها أصبح يبحث عن الضرر الذي يراه كافيا لتبرير طلب الإيقاف كالضرر الجسيم، ثم بعد ذلك خلال الفرن 11-20 أصبح مجلس الدولة الفرنسي يتصدى للأسباب الجدية قبل التصدي لمسألة الضرر، لكن بعد صدور مرسوم المحاكم الإدارية لسنة 1953 أصبح مجلس الدولة يبحث عن شرط الضرر قبل شرط الجدية. ومن تطبيقات القضاء الإداري الفرنسي قرار لمجلس الدولة 12 نونبر 1938 في غرفة الاتحادية لمصنعي محركات الطائرات "وأنه من ناحية أخرى يترتب على القرار المطعون فيه كنتيجة واقعية في الصناعة ... ,انه سيكون من الصعب جدا عمليا تعديلها من جديد في حالة الإلغاء اللاحق للقرار المطعون فيه وأنه تمة محلا في هذه الظروف لقبول طلب إيقاف التنفيذ المشار إليه أعلاه..."
وتبعا لذلك فإن الاستعجال حالة مرنة، ومفهوم يتم استخلاصه بشكل موضوعي من خلال ملابسات على نازلة[1] ويكون متوفرا عندما يكون القرار الإداري المطعون فيه قد أضر بشكل خطير وفوري بالمصالح العامة وبمركز المدعي أو المصالح التي يمثلها[2].
وفي مصر:حسب منطوق المادة 49 من قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 سنة 1972 أن الاستعجال هو كأبرز شرط موضوعي يستوجب اللجوء إلى القضاء لتفادي خطر محدق بمعنى أنه يكون من شأن تنفيذ القرار قبل الفصل في دعوى إلغائه ترتيب بنتائج يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغاء القرار أن استحالة إعمال أثر الإلغاء من إعادة الحالة لما كانت عليه قبل صدور القرار، وفي بعض الأحيان يعجز التعويض المادي على إصلاح الضرر بعد تنفيذ القرار كقرار حرمان طال من أداء امتحان فات أجله، وقد فصلت المحكمة القضاء الإداري في شرط الاستعجال في حكم صدر ب 22 دجنبر [3]1970 يقوم على ثلاثة معايير لما يعتبر مستعجلا.
الملاحظ أن المحكمة تحاول الحفاظ على التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة للأفراد، إذ يكون عنصر الاستعجال قائما عندما تتوفر ضرورة تبرير الإيقاف لتفادي نتائج يتعذر تداركها فيما بعد ودون التطاول على المصلحة العامة عند الأمر بإيقاف التنفيذ.
الاستعجال في الاجتهاد القضائي الغربي:
فكما سبق الذكر أن المشرع المغربي وضع تعريفا قانونيتا لشرط الاستعجال ففتح المجال أمام الفقه والقضاء لإعطاء تعريف لمفهوم الاستعجال بأنه:
"كل حالة من شأنها خلق وضعية ضارة بالطاعن يتعذر تداركها أو إصلاح الأضرار الناشئة عنها في المستقبل إذا ما ألغي القرار المطعون فيه إذ أن في بعض الحالات تلحق بالطاعن أضرار جسيمة قد لا يمكن تداركها"
سنحاول الوقوف على تطبيقات القضاء الإداري المغربي لمفهوم شرط الاستعجال وذلك من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، ثم المحاكم الإدارية في مجال إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية متناولة شرط الاستعجال.
قضية الصحيفة le journal إذ جاء في قرار 943-22/2000 "حيث استقر الفقه والاجتهاد القضائي على أن معيار الاستجابة لطلبات إيقاف التنفيذ المؤقت ليس هو توفر عنصر الاستعجال ولكن وجود ظروف وملابسات استثنائية يقدرها القاضي من خلال ظاهر أوراق الملف ومستندات وطبيعة النزاع والخصوصيات التي تميزه.
وحيث أنه في النازلة الحالية المعروضة على الغرفة الإدارية، فقد قدر المجلس الأعلى من خلال دراسة للمستندات المدلى بها خصوصا عددي الصحيفة le journal المنصب عليهما قرار المنع من الدخول إلى التراب الوطني، أن هناك ظروف ومبررات استثنائية تفرض الاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ.
وفي حكم صادر عن إدارية الدار البيضاء رقم 2004.01.28.42 جاء فيه " حيث أنه بالرجوع إلى معطيات النازلة تبين لها أن الطاعن كان يتابع دراسته بالمعهد الموسيقي ... وأن هذا الأخير أصدر قرار بطرده ومنعه من متابعة دراسته وبالتالي تنفيذ المقرر المذكور نتج عنه أضرارا من شأنها أن تأثر على المسيرة الدراسة للطاعن، وهو أمر تتأذى منه مصلحة دون المصلحة العامة إيذاء شديدا فضلا على أنه ليس بإمكانه دفع النتائج الضارة التي قد تترتب على استمرار تنفيذ قرار منعه من متابعة الدروس بالوسائل المقررة قانونا والمتمثلة في حرمانه من فرصة تحصيل السنة الدراسية واجتياز امتحاناتها والفوز بها إن اقتضى الحال، وبالتالي فإن حالة الاستعجال إذن قائمة".
وكما جاء في حيثيات حكم إدارية وجدة رقم 47 ب14-04-2005 "حيث أنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية وإحاطتها بظروفها وملابساتها، تبين لها أن وقف تزود منزل الطاعن بعداد الماء له تأثير سلبي على حياة الطاعن وأفراد أسرته العادية نظرا لما للماء من دور أساسي مما تكون معه الحالة هذه حالة الاستعجال متوفرة، هذا إضافة إلى كون الوسائل المثارة في مقال دعوى الإلغاء تبدو جدية، وحيث أنه أمام المعطيات ارتأت المحكمة الاستجابة للطلب".
وفي حكم صدر عن إدارية الرباط الذي رفضت فيه الطلب نظرا لعدم توفر شرط الاستعجال أن الأضرار التي يمكن تنجم عن تنفيذ القرار المطعون فيه يمكن تداركها في حالة إلغاء القرار حكم 204 ب29/01/2009 (انظر الحكم).

الفقرة الثانية: شرط الأسباب الجدية في القانون و الاجتهاد المقارن

يعتبر شرط جدية الوسائل ثاني شرط موضوعي للاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ القرار الإداري ويقصد به حسب بعض الفقه أن تكون الوسائل المثارة في عريضة الطعن جدية وحاسمة[4] والتي يؤسس عليها المدعي دعواه لإلغاء القرار الإداري المطلوب إيقافه أو الهدف من هذا الشرط هو ضمان عدم عرقلة نشاط الإدارة بدون مبرر معقول وحتى يستخدم طلب إيقاف التنفيذ على الوجه الصحيح ولتحقيق الغرض الذي نص المشرع عليه[5].
وسنحاول معرفة هذا الشرط في الأنظمة الثلاثة محل المقارنة.
أ- شرط الجدية في القانون المقارن
في فرنسا: كما رأينا في شرط الاستعجال إذ أن اصطلاح الأسباب الجدية كان من ابتكارا الاجتهاد القضائي الفرنسي لأول مرة سنة 1938 في قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 12 نونبر 1938 الذي أشار فيه بشكل صريح بجدية الأسباب القائم عليها الطعن بالإلغاء.
"Considérant qui il résulte de l'examen du pouvoir quelle caractères sérieux des moyennes développés à son appui…"
ونظرا لأهمية وجود شرط الجدية كشرط ثاني وضروري للحكم بإيقاف تنفيذ القرار الإداري فإن المشرع الفرنسي نص عليه صراحة بموجب المرسوم الصادر يوم 30 يوليوز 1963 بشأن مجلس الدولة في المادة 54 الفقرة الرابعة وكذلك نصت عليه المادة 125 من قانون المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية.
Si les moyens énoncés dans la requête paraissent en l'état de l'instruction sérieux et de nature à justifier l'annulative de la décision a vaquée"
أما في مصر: إن المشرع المصري لم يشترط سوى شرط موضوعي واحد من أجل إيقاف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء وهو شرط الاستعجال المعبر عنه في المادة 46 من قانون مجلس الدولة، إلا أن فقهاء القانون الإداري والقضاء الإداري أضافا شرط الجدية بصريح العبارة منذ الأحكام الأولى الصادرة عن مجلس الدولة المصري في مادة إيقاف التنفيذ والمتمثل في قيام دعوى الإلغاء على أسباب جدية.
وفي المغرب إن المشرع المغربي نهج نفس النهج الذي سلكه في شرط الاستعجال، إذ أنه لم يقنن شرط الجدية في شكل نص قانوني صريح، سواء في ق م م أو قانون 41-90 أو قانون 03-80 ومن هنا كان الاجتهاد القضائي الإداري هو الجهة الوحيدة التي نظمت هذا الشرط ووضعت أحكامه.
ب- شرط الجدية في الاجتهاد القضائي المقارن
انطلاقا من فرنسا الاجتهاد القضائي الإداري الفرنسي ظهر شرط الأسباب الجدية في سنة 1938 في حكم الغرفة الاتحادية لصانعي محركات الطائرات وقرار مجلس الدولة الصادر بتاريخ 12 نونبر 1938 والذي أشار فيه إلى جدية الأسباب القائم عليها الطعن بالإلغاء وللضرر الذي سيلحق الطاعنة، فقد صدر عنه عدة قرارات كانت تلح على ضرورة وجود الأسباب الجدية كشرك ثاني مستعملا عبارات "أسباب من شأنها أن تبرر حكم إيقاف التنفيذ" وأيضا مصطلح الأسباب الأساسية Les moyennes fonde .
كما أن القضاء الفرنسي وهو بصدد بحثه لعنصر جدية الوسائل المعتمد عليها في طلب الإيقاف لا يكفي بالقول بأن تكون تلك الوسائل المثارة من طرف الطاعن غير كيدية فقط، وإنما أن تكون مؤسسة أيضا.
أما في الاجتهاد القضائي المصري، فأمام عدم تقنين شرط الجدية بنص قانون فإن الفقه والقضاء الإداري أضافوا شرط الجدية منذ الأحكام الأولى الصادرة عن مجلس الدولة المصري، فقد أوضحت المحكمة الإدارية العليا لمصر غفي حكمها الصادر في 15/11/1955 أن سلطة إيقاف التنفيذ مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردها إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار على أساس وزنه بميزان القانون وزنا مناطه مبدأ المشروعية فوجب على القضاء الإداري ألا يوقف قرارا إداريا إلا إذا تبين له على حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء أن طلب إيقاف التنفيذ يقوم على ركنين الأول قيام الاستعجال أي أن يترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها، والثاني يتصل بمبدأ المشروعية.
إن الاجتهاد القضائي المصري يشدد أحيانا في التأكد من وجود الجدية في الطلب أو لم يستثني منه إلا الحالة التي يكون فيها الوقت المحدد لتنفيذ القرار وشيكا بحيث لا يسمح للقاضي بالبحث مدى مشروعية القرار الإداري وهو ما تم تأكيده في الحكم محكمة القضاء الإداري 947 ب 9/6/64 " إن تراخي جهة الإدارة في البث في موضوع تأدية نجل المدعي لامتحان شهادة الثانوية العامة في هذا العام إلى وقت وشيك قبل حلول موعد هذا الامتحان بأيام معدودات لا يترك أمام المحكمة إلا ميعادا ضيقا لا يتسع للتمكين من حيث عناصر مشروعية أو عدم مشروعية القرار المطعون فيه".
أما في الاجتهاد القضائي المغربي: إن شرط الجدية لم ينص عليها المشرع من نص قانوني بل فتح المجال للاجتهاد القضائي.
ففي قرارات المجلس الأعلى في مجال إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية: قرار رقم 1 ب 16/1/2003 ينص " لكن حيث يبدو من ظاهر أوراق الملف ومستنداته وما تمسك به الطاعن، كون مقرر نقله مس بحقوقه إذ جرده من مهمته كطبيب رسمي إلى طبيب عادي إلى غير ذلك من الأسباب التي جاءت مفصلة في دعوى الإلغاء بأن هناك ظروف جدية تستدعي الاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ أما الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية فهناك حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1767 ب 21/11/2008 فإنها تقول في تعريف شرط الجدية " أن تكون الوسائل المثارة في دعوى الإلغاء على قدر من الجدية قد تؤول بحسب قرائتها الظاهرية إلى إلغاء القرار أو جعل مشروعيته محل شك جدي"
كما أن محاكم الاستئناف سارت على نفس النهج أي ضرورة توافر شرطي الاستعجال والجدية للاستجابة لطلب الإيقاف وتشير محكمة الاستئناف إدارية الرباط في قرارها 127 ب21/03/2007 "أنه من خلال الإطلاع على وثائق الملف تبين على أن هناك جدية في الوسائل المعتمدة في مقال الطعن مما يجعل الحكم المستأنف حينما قضى بإيقاف تنفيذ القرار المطعون فيه صائبا وواجب التأييد".
يتضح مما سبق أن عنصري الاستعجال والجدية هما شرطان موضوعيان يجب توافرهما للاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ فإن تخلف أحدهما أو كلاهما سيؤدي ذلك إلى رفض الطلب.

المبحث الثاني: خصائص الحكم الصادر في طلب إيقاف التنفيذ

من المعلون أن النظر في قضية من القضايا ينتهي بحكم يصدر في موضوعها، إلا أن الأمر قد يقتضي أن تصدر أحكام أخرى قبل الفصل في الموضوع، وهي التي تسمى بالأحكام الفرعية.
والحكم ( استخدم المشرع عبارة الأمر بنص المادة 24 من ق 41/90) الصادر في طلب إيقاف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء هو حكم فرعي يتسم بخاصيتين أساسيتين فهو حكم وقتي من جهة وقطعي من جهة أخرى؛

المطلب الأول: الحكم بإيقاف التنفيذ حكم وقتي

يعد كذلك – أي حكم وقتي - لكونه صادر قبل الفصل في الموضوع، الغاية منه حفظ الحقوق من الضياع نتيجة طول أمد النزاع الذي قد يجعل الحكم بالإلغاء غير ذي جدوى في حالة حدوث نتائج وأضرار يصعب تداركها بعد صدور هذا الحكم، على اعتبار أن طلب إيقاف التنفيذ من الناحية القانونية والقضائية طلب تابع لدعوى الإلغاء، وهو بهذه الكيفية إنما هو بمثابة إجراء مرحلي يضعه القضاء كحل وقتي للحيلولة دون تلك الأضرار، إلى حين الحصول على حماية نهائية بإلغاء القرار أو اعتبار صحته ومشروعيته.
وهو الأمر الذي يتجلى واضحا من خلال الاجتهاد القضائي المغربي حيث دأب على استعمال العبارة التالية في وصف الطبيعة القانونية لإيقاف التنفيذ: "وحيث أن الأمر بإيقاف التنفيذ يعتبر من الأحكام الوقتية "، وهو ما يعطي انطباعا مسبقا عن الآثار القانونية التي يرتبها هذا الحكم، باعتباره إجراء تحفظي وقتي يتخذه المجلس الأعلى لأسباب لا يعلن عنها وذلك في نطاق السلطة الموكولة إليه لحماية الحق دون إقراره، ومن ثم فهو، أي الحكم بالإيقاف، لا يحوز إلا حجية مؤقتة والحكم الذي يصدر بشأنه لا يقيد محكمة الموضوع عند النظر في طلب الدعوى والإلغاء وذلك راجع لطبيعة إجراء إيقاف التنفيذ الذي يوجب أن تحتفظ محكمة الإلغاء بحريتها في إلغاء القرار من عدمه بقطع النظر عن حكمها بإيقاف التنفيذ حتى لا تكون سرعة صدور هذا الأخير حائلا بينها وبين إعمال حكم القانون السليم فيما يخص مشروعية القرار محل الطعن بالإلغاء.
وبهذا ينتهي النزاع الذي ثار حول طبيعة الأحكام الصادرة بشأن إيقاف تنفيذ القرار الإداري، ويحسم الخصومة القائمة بشأن هذا الإيقاف، ومن هنا كانت هذه الأحكام ذات طبيعة خاصة، وإن كان بعض الفقه يدرج هذه الأحكام ضمن الأحكام التمهيدية، وهو الامر الذي لا نتفق معه للأسباب التالية:
- فمن الناحية العملية فالحكم التمهيدي قد يصدر إما بناء على طلب احد الأطراف في الدعوى أو بصورة تلقائية من طرف المحكمة وذلك في إطار إجراءات التحقيق التي يقوم بها القاضي المقرر، في حين أن الحكم بالإيقاف لا يصدر إلا استنادا إلى طلب صريح من طرف الطاعن (بصريح نص المادة 24 من قانون 41/90)
- كما أن الأحكام التمهيدية لا يمكن من الناحية القانونية الطعن فيها عن طريق الاستئناف إلا بعد أن يصدر الحكم في دعوى الموضوع، والحال في الحكم بالإيقاف يكون قابلا للاستئناف وبصورة مستقلة عن دعوى الموضوع.

المطلب الثاني: الحكم بإيقاف التنفيذ حكم قطعي

ومفاده انه حكم يحسم النزاع أو جزء منه، وله مقومات الأحكام القطعية وخصائصها، ويحوز قوة الشيء المقضي به فيما صدر فيه طالما لم تتغير الظروف، وبذلك لا يجوز للقضاء الإداري، إذا ما فصل في دفع من هذا القبيل أن يعود عند النظر في طلب الإلغاء فيفصل فيه من جديد، لان حكمه الأول قضائي ونهائي حائز لحجية الأحكام، ويعتبر قضاءا قطعيا تستمد منه المحكمة ولايتها في نظر الدفوع الشكلية وغيرها من المسائل الفرعية التي ترتبط بالدعوى الفرعية ( دعوى الإيقاف ) والدعوى الأصلية ( دعوى الإلغاء ).
وهو ما ذهبت إليه إدارية الرباط، بصدد تحديدها للطبيعة القانونية للحكم الصادر بإيقاف تنفيذ القرار الإداري حيث اعتبرت أن : " ...اجتهاد القضاء الإداري المغربي استقر على اعتبار دعوى تنفيذ قرار إداري، هي دعوى مستقلة عن الدعوى المتعلقة بطلب إلغاء هذا القرار، تنفرد بشكلياتها وشروطها الخاصة، ويعتبر الحكم الصادر فيها رغم حجيته المؤقتة حكما قطعيا تتوافر فيه مقومات الأحكام القضائية، ويحوز حجية الشيء المقضي به في الحدود التي قضى بها، كما يمكن الطعن فيه استقلالا دون انتظار الفصل في دعوى الالغاء....".

خاتمة
من خلال ما سبق يتضح أن للقاضي الإداري دورا أساسيا في تحقيق التوازن العادل والدقيق بين سلطات الدولة ومصالح الأفراد وذلك من خلال الإمكانية التي يقدمها نظام إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية كآلية قانونية وضمانة أساسية تستهدف حماية المخاطبين بالقرارات الإدارية.
كما أن للقاضي الإداري جرأة وهو يتصدى إلى الإدارة في إطار مبدأ المشروعية وبالشكل الذي يوازي بين الامتياز الذي تملكه الإدارة من أجل تحقيق المصلحة العامة وبين مصلحة الأفراد الخاصة الشيء الذي يجعل من نظام إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية الذي نصت عليه المادة 24 من قانون 41-91 حماية حقيقية للمخاطبين بالقرارات الإدارية كلما توافرت شروط الحكم بذلك.
______________________________
هوامش:
[1] تتأذى المصلحة العامة إبداء شديدا من إيقاف التنفيذ
[2] أن يتأذى طالب إيقاف التنفيذ إيذاء شديدا في عملية أو في حياته الخاصة
[3] محمد فؤاد عبد الباسط، وقف تنفيذ القرار الإداري ، ص: 245.
[4]Yves Gaudemet Les procedures d’urgences dans les contentieux administratif p422
[5]محمد كامل ليلة نظربة التنفيد المباشر طبعة 1992

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -